المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي بسم الله الرحمن الرحيم قاسي تلك ايات الكتاب المبين تلك الايات المستحقة للتعظيم والتفخيم. ايات الكتاب المبين لكل امر يحتاج اليه العباد. من معرفة ربهم ومعرفة حقوقه ومعرفة اوليائه واعدائه. ومعرفة وقائعه وايامه ومعرفة ثواب الاعمال. وجزاء العمال. فهذا القرآن قد بينها غايته التبيين وجلاها للعباد ووضحها. من جملة ما ابان قصة موسى وفرعون فانه ابداها واعادها في عدة مواضع بسطها في هذا الموضع فقال. فان نبأهما غريب وخبرهما عجيب. لقوم يؤمنون فاليهم يساق الخطاب ويوجه الكلام. حيث ان معهم من الايمان ما يقبلون به على لذلك وتلقيه بالقبول والاهتداء بموقع العبر. ويزدادون ايمانا ويقينا وخيرا الى خيرهم. واما من عاداهم فلا منه الا اقامة الحجة عليهم. وصانه الله عنهم وجعل بينهم وبينه حجابا ان يفقهوه. فاول هذه القصة مقالة فانه لما صار قرة عين لها واحبته حبا شديدا فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه الله وارسله فبادر الى الاسلام والايمان به رضي الله عنها وارضاها. قال الله تعالى عن هذه المراجعات والمقاولات في شأن موسى يستضعف طائفة منهم ان فرعون علا في الارض في ملكه وجنوده وجبروته. فصار من اهل العلو فيها لا من الاعلين فيها. وجعل اهلها شيعا اي طوائف متفرقة يتصرف فيهم بشهوته وينفذ فيهم ما اراد من قهره وسطوته. يستضعف طائفة منهم وتلك الطائفة هم بنو اسرائيل الذين ارسلهم الله على العالمين. الذين له ان يكرمهم ويجلهم ولكنه استضعفهم. بحيث انه رأى انهم لا منعة لهم تمنعهم مما اراده فيهم فصار لا يبالي بهم ولا يهتم بشأنهم. وبلغت به الحال الى انه يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم. خوفا من ان يكثروا فيغمرهم وفي بلاده ويصير لهم الملك انه كان من المفسدين. انه كان من المفسدين الذين نقصت لهم في اصلاح الدين ولا اصلاح الدنيا وهذا من افساده في الارض ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض بان نزيل عنهم مودة ونهلك من قاومهم ونخذل من ناوأهم ونجعلهم ائمة في الدين وذلك لا يحصل مع الاستضعاف بل لابد من تمكين في الارض تامة. ونجعلهم الوارثين. ونجعلهم الوارثين للارض. الذين لهم العاقبة في الدنيا قبل الاخرة قيل لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون. ونمثل لهم في الارض فهذه الامور كلها قد تعلقت بها ارادة الله وجرت بها مشيئته. وكذلك نريد ان نري فرعون وهامان وزيرة وجنودهم التي بها صالوا وجالوا وعلو وبغوا منهم اي من هذه الطائفة المستضعفة. ما كانوا يحذرون من اخراجهم من ديارهم ولذلك كانوا يسعون في قمعهم وكسر شوكتهم وتقتيل ابنائهم الذين هم محل ذلك. فكل هذا قد اراده الله واذا اراد امرا سهل اسبابه ونهج طرقه. وهذا الامر كذلك فانه قدر واجرى من الاسباب التي لم يشعر بها لا اولياؤه ولا اعداؤه. ما هو سبب موصل الى هذا المقصود فاول ذلك تخافي ولا تحزني انا اليك لما اوجد الله رسوله موسى الذي جعل استنقاذ هذا الشعب الاسرائيلي على يديه وبسببه. وكان في وقت تلك المخافة العظيمة التي يذبحون بها الابناء. اوحى الى امه ان ترضعه ويمكث عندها. فاذا خفت عليه بان احسست احدا تخافين عليه منه ان يوصله اليه فالقيه في اليم عيني لمصر في وسط تابوت مغلق ولا تخافي ولا تحزني اليك وجاعلوه من المرسلين. فبشرها بانه سيرده عليها. وانه سيكبر ويسلم من كيدهم ويجعله الله رسولا. وهذا من اعظم البشائر الجليلة. وتقديم هذه البشائر لام موسى ليطمئن قلبها ويسكن روعها. فانها عليه وفعلت ما امرت به القته في اليم فساقه الله تعالى حتى التقطه ال فرعون لهم عدوا وحسنا ان فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وصار من لقطهم وهم الذين باشروا وجدانه. ليكون لهم عدوا وحزنا. اي لتكون العاقبة والمآل من هذا الالتقاط. ان يكون عدوا لهم وحزنا يحزنهم بسبب ان الحذر لا ينفع من القدر. وان الذي خافوا منه من بني اسرائيل قيد الله ان يكون زعيمهم يتربى تحت ايديهم وعلى نظرهم وبكفالتهم. وعند التدبر والتأمل تجد في طي ذلك من المصالح لبني اسرائيل ودفع كثير من الامور الفادحة بهم ومنع كثير من التعديات قبل رسالته. بحيث انه صار من كبار المملكة. وبالطبع انه لابد ان يحصل منه مدافعة عن به هذا وهو ذو الهمة العالية والغيرة المتوقدة. ولهذا وصلت الحال بذلك الشعب المستضعف الذي بلغ بهم الذل والاهانة الى ما قص الله علينا بعضه. انصار بعض افراده ينازع ذلك الشعب القاهر العالي في الارض. كما سيأتي بيانه. وهذا مقدمة للظهور. فان الله تعالى من سنته الجارية ان جعل الامور تمشي على التدريج شيئا فشيئا. ولا تأتي دفعة واحدة. وقوله هامان وجنودهما كانوا خاطئين. اي فاردنا ان نعاقبهم على خطأهم. ونكيدهم جزاء على مكرهم وكيدهم فلما التقطه ال فرعون حنن الله عليه امرأة فرعون الفاضلة الجليلة المؤمنة اسية بنت مزاحم امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا وهم لا يشعرون. وقالت هذا الولد قرة عين لي ولك لا تقتلوه. اي ابقه لنا ليقر به اعيننا هنا ونفطر به في حياتنا. عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا. اي لا يخلو اما ان يكون بمنزلة الخدم. الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا او نرقيه منزلة اعلى من ذلك. نجعله ولدا لنا ونكرمه ونجله. فقدر الله تعالى انه نفع امرأة فرعون. التي قالت تلك وهم لا يشعرون ما جرى به القلم. ومضى به القدر من وصوله الى ما وصل اليه. وهذا من لطفه تعالى. فانهم لو شعروا لكان لهم وله شأن اخر لولا اربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. ولما فقدت موسى امه حزنته حزنا شديدا واصبح فؤادها فارغا من القلق الذي ازعجها على مقتضى الحالة البشرية مع ان الله تعالى نهاها عن الحزن والخوف ووعدها برده ان كادت لتبدي به اي بما في قلبها لولا ان ربطنا على قلبها. فثبتناها فصبرت ولم تبد به. لتكون بذلك بالصبر والثبات من المؤمنين. فان العبد اذا اصابته مصيبة فصبر وثبت. ازداد بذلك ايمانه. ودل ذلك على ان استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف ايمانه هم لا يشعرون. وقالت ام موسى لاخته قصيه. اي اذهبي فقصي الاثر عن اخيك. وابحثي عنه من غير ان يحس بك احد او يشعر بمقصودك فذهبت تقصه اي ابصرته على وجه كانها مارة لا قصد لها فيه. وهذا من تمام الحزم والحذر. فانها لو ابصرته وجاءت اليهم قاصدة لظنوا بها انها هي التي القت فربما عزموا على ذبحه عقوبة لاهله يكفلونه لكم وهم له ناصحون قال ومن لطف الله بموسى وامه ان منعه من قبول ثدي امرأة. فاخرجوه الى السوق رحمة به. ولعل احدا يطلبه. فجاءت اخته وهو بتلك الحال ناصحون. وهذا جل غرضهم فانهم احبوه حبا شديدا. وقد منعه الله من المراضع فخافوا ان يموت. فلما قالت لهم اخته تلك المقالة المشتملة على الترغيب في اهل هذا البيت. بتمام حفظه وكفالته والنصح له. بادروا الى اجابتها. فاعلمتهم موديلاتهم على اهل هذا البيت فرددناه الى امه كما وعدناها بذلك. كي تقر عينها ولا تحزن. بحيث انه تربى عندها على وجه تكون فيه امنة مطمئنة تفرح به وتأخذ الاجرة الكثيرة على ذلك ان اكثرهم لا يعلمون. ولتعلم ان وعد الله حق. فاريناها بعض ما وعدناها في عيان ليطمئن بذلك قلبها ويزداد ايمانها. ولتعلم انه سيحصل وعد الله في حفظه ورسالته ان اكثرهم لا يعلمون. فاذا رأوا السبب متشوشا شوش ذلك ايمانهم عدم علمهم الكامل ان الله تعالى يجعل المحن الشاقة والعقبات الشاقة بين يدي الامور العالية والمطالب الفاضلة. فاستمر موسى عليه الصلاة والسلام عند ال فرعون يتربى في سلطانهم ويركب مراكبهم ويلبس ملابسهم وامه بذلك مطمئنة قد استقر انها امه من الرضاعة ولم يستنكر ملازمته اياها وحنوها عليه. وتأمل هذا اللطف وصيانة نبيه موسى من الكذب في منطقه. وتيسير الامر الذي صار به التعلق بينه وبينها. الذي بان للناس انه هو الرضاع الذي بسببه يسميها اما. فكان الكلام الكثير منه ومن غيره في ذلك كله صدقا وحقا