وقوله وجوهي يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة وقوله على الارائك ينظرون وقوله الذين احسنوا الحسنى وزيادة. وقوله لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد. وهذا الباب في كتاب الله كثير من تدبر يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة كتاب التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما اما بعد يقول العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في مصنفه التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الموصوف بصفات العظمة والكبرياء والكمال. المنزه عن الشريك الطقس والشبه والمثال واشهد انه المنفرد بالوحدانية المستحق لافراده بالعبودية في كل الاحوال. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن تبعهم في العقائد والاخلاق والاقوال والافعال. اما بعد. فهذا تعليق لطيف على عقيدة شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله المسماة بالواسطية التي جمعت على اختصارها ووضوحها جميع ما يجب اعتقاده من اصول الايمان وعقائدهم الصحيحة وهي وان كانت واضحة المعاني محكمة المباني تحتاج الى تعليق يزيد في توضيح بعض ما فيها من الايات القرآنية والاحاديث النبوية وتبين وجه دلالتها على المقصود. وبيان وجه ارتباط بعض المسائل ببعض. وجمع ما يحتاج الى جمعه في موضع واحد اشارة الى بعض اثارها وفوائدها في القلوب والاخلاق. والتنبيه لكل ما يحتاج الى التنبيه عليه. وارجو الله ان يكون هذا التعليق على هذا الوصف وان يكون خالصا لوجهه الكريم مقربا اليه نافعا سهلا في الفاظه ومعانيه. مقدمة المصنف قال المصنف رحمه الله وقدس روحه في عليين. الحمدلله الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. وكفى بالله شهيدا الحمد لله اي ان جميع اوصاف الكمال ثابتة لله على اكمل الوجوه واتمها. ومما يحمد عليه سبحانه نعمه على هذه التي لا يحصي احد من الخلق تعدادها. واعظمها ارساله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين. بالهدى هو العلم النافع وديني الحق الذي هو العمل الصالح ليظهره على جميع الاديان بالحجة والبرهان وبالعز والسلطان. وكفى فبالله شهيدا على صدق رسوله صلى الله عليه وسلم وحقيقة ما جاء به. وشهادته تعالى بقوله وفعله وتأييده لرسوله النصر والمعجزات والبراهين المتنوعة الدال لكل واحد منها. فكيف بجميعها؟ على رسالته وصدقه صلى الله عليه وسلم وان جميع ما جاء به هو الحق من عقائد واخلاق واداب واعمال وغيرها. قال المصنف رحمه الله واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له اقرارا به وتوحيدا. اي اقر واعترف مصدقا ومنقادا انه لا يستحق الالوهية. وهي التفرد بكل كمال الا الله عز وجل. وانه لا يستحق العبادة الا هو وحده لا شريك له. ولهذا قال اقرارا به اي بالقلب واللسان وتوحيد اي اخلاصا لله عز وجل في كل عبادة قولية او عملية او اعتقادية. واعظم ما يوحد به ويتقرب اليه به تحقيق العقيدة السلفية المحتوي عليها هذا الكتاب وبتحقيق العقيدة تصلح الاعمال وتقبل وتستقيم الامور. قال قال المصنف رحمه الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه واله وسلم تسليما مزيدا. الشهادة للرسول صلى الله الله عليه وسلم بالرسالة والعبودية. مقرونة بالشهادة لله بالتوحيد. لا يكفي احداهما عن الاخرى. ولابد فيها من اعتراف العبد كمال عبودية النبي صلى الله عليه وسلم لربه وكما لرسالته. المتضمنة لكماله صلى الله عليه وسلم. وانه فاق جميع عن البشر في كل خصلة كمال. ولا تسمى شهادة حتى يصدقه العبد في كل ما اخبر. ويطيعه في كل ما امر. وينتهي عما نهى عنه. وبهذه الامور تتحقق الشهادة لله بالتوحيد. وللرسول بالرسالة. ثم قال المصنف رحمه الله اما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة الى قيام الساعة اهل السنة والجماعة. وهو الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد بعد الموت والايمان بالقدر خيره وشره. يقول المصنف رحمه الله انما احتوت عليه هذه الرسالة هو العقيدة المنجية من الهلاك والشرور المحصلة لخيري الدنيا والاخرة. الموروثة عن محمد صلى الله عليه وسلم المأخوذة عن كتاب الله وسنة سنة رسوله وهي التي عليها الصحابة والتابعون لهم باحسان الى يوم القيامة. الذي ضمن الله لهم على لسان رسوله النصر الى قيام الساعة والنصر انما حصل لهم ببركة هذه العقيدة والعمل بها. وتحقيقها بالقيام بجميع امور الدين. واصلها الذي تبنى عليه هو الايمان بهذه الاصول الستة التي صرح بها الكتاب والسنة في مواضع كثيرة. جملة وتفصيلا وتأصيلا وتفريعا. وهي المذكورة في حديث جبريل المشهور حين سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الايمان فاجابه بها. فهذه الرسالة من اولها الى اخرها تفصيل هذه الاصول الستة. فصل الصفات في الاصل الاول وهو اصل الاصول كلها واعظمها واهمها وعليه تنبني جميع الاصول والعقائد وهو الايمان بالله. قال المصنف رحمه الله ومن الايمان بالله الايمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل. بل يؤمنون ان الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه. ولا يلحدون في اسماء الله واياته ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه. لانه سبحانه لا سمي له ولا كفؤ له ولا ند له ولا يقاس بخلقه سبحانه فانه سبحانه اعلم بنفسه وبغيره. واصدق قيلا واحسن حديثا من خلقه. ثم رسله صادقون مصدقون بخلاف في الذين يقولون عليه ما لا يعلمون. ولهذا قال سبحانه سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين والحمد لله رب رب العالمين. فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل. وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب. ذكر تصنف رحمه الله هذا الاصل والضابط العظيم في الايمان بالله اجمالا قبل ان يشرع في التفصيل. ليبني العبد على هذا الاصل جميع ما يرد عليه من الكتاب والسنة. فيستقيم له ايمانه ويسلم من الانحراف. فذكر انه يجب ويتعين الايمان بكل ما اخبر الله به في كتابه واخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم عن ربه ايمانا صحيحا سالما من التحريف والتعطيل. وسالما من التكييف تمثيل بل يثبت ما اثبته الله عز وجل ورسوله ولا يزيد على ذلك ولا ينقص. فان الكلام على ذات الباري وصفاته واحد فكما ان لله ذاتا لا تشبهها الذوات فله تعالى صفات لا تشبهها الصفات. فمن مال الى نفي الصفات او بعضها فهو ناف عطلوا المحرف ومن كيفها او مثلها بصفات الخلق فهو ممثل مشبه. والفرق بين التحريف والتعطيل ان التعطيل نفي للمعنى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة والتحريف تفسير للنصوص بالمعاني الباطلة التي لا تدل عليها بوجه من الوجوه تحريف والتعطيل قد يكونان متلازمين اذا اثبت المعنى الباطل. ونفي المعنى الحق. وقد يوجد التعطيل بلا تحريف. كما هو قول النافين للصفات الذين ينفون الصفات الواردة في الكتاب والسنة. ويقولون ظاهرها غير مراد. ولكنهم لا يعينون معنى اخر ويسمون انفسهم مفوضة. ويظنون ان هذا مذهب السلف وهو غلط فاحش. فان السلف يثبتون الصفات وانما ما يفوضون علم كيفيتها الى الله عز وجل. فيقولون الوصف المذكور معلوم. والكيف مجهول والايمان به واجب واثبات واجب والسؤال عن كيفيته بدعة. كما قال الامام مالك رحمه الله تعالى وغيره في الاستواء. واما قوله من غير ولا تمثيل فالفرق بينهما ان التكييف هو تكييف صفات الله عز وجل والبحث عن كنهها. والتمثيل ان يقال فيها انها مثل صفات المخلوقين. فقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ونفي الكفء والند والسميع في ذلك التكييف والتمثيل. وقل مثله في السميع والبصير. ونحوها من اثبات اسماء الله وصفاته تنفي التعطيل والتحريف فالمؤمن الموحد يثبت الصفات كلها على الوجه اللائق بعظمة الله وكبريائه. والمعطل ينفيها او ينفي بعضها. والمشبه ممثل يثبتها على وجه يليق بالمخلوق. ونصوص الكتاب والسنة التي يتعذر احصاؤها كلها تشترك في دلالتها على هذا هذا الاصل وهو اثبات الصفات على وجه الكمال الذي لا يشبهه كمال احد. وهي في غاية الوضوح والبيان واعلى مراتب الصدق. فان الكلام انما يقصر بيانه ودلالته لامور ثلاثة. اما جهل المتكلم وعدم علمه وقصوره. واما عدم فصاحته وبيانه واما كذبه وغشه. اما نصوص الكتاب والسنة فانها بريئة من هذه الامور الثلاثة من كل وجه. فكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في غاية الوضوح والبيان وفي غاية الصدق. كما قال سبحانه ومن اصدق من الله قيلا. وقال ومن اصدق من الله حديثا ونظيره قوله تعالى ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا. والرسول صلى الله عليه وسلم في غاية النصح والشفقة العظيمة على الخلق. وهو من اعلم الخلق واصدقهم وافصحهم. وانصح الخلق للخلق. وهل يمكن ان يكون في كلامه شيء من النقص او القصور. بل كلامه هو الغاية التي ليس فوقها غاية في الوضوح والبيان للحقائق. وهذا برهان على ان كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم يوصل الى اعلى درجات العلم واليقين. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحق النافع هو ما اشتمل عليه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع ابواب العلم. لا سيما في هذا الباب الذي هو اصله الاصول كلها. وهذا معنى قول المصنف في ايراده للاية الكريمة سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين المرسلين والحمد لله رب العالمين. فسبح نفسه عما قاله المخالفون للرسل. وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب. اي قال الحمد لله رب العالمين. لدلالة الحمد على الكمال المطلق من جميع الوجوه. قال المصنف رحمه الله وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمى به نفسه بين النفي والاثبات. فلا عدول لاهل السنة عما جاء به المرسلون. فانه الصراط المستقيم صراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. هذا الذي ذكره المصنف رحمه الله ضابط نافع في كيفية الايمان بالله وباسمائه الحسنى وصفاته العلى. وانه مبني على اصلين. احدهما النفي وثانيهما الاثبات. اما النفي فانه ينفي عن الله عز وجل ما يضاد كماله. من انواع العيوب والنقائص. وينفي عنه ايضا ان يكون له شريك او نديد او مثيل في شيء من صفاته او في حق من حقوقه الخاصة. فكل ما ينافي صفات الكمال فان الله عز وجل عنه مقدس. والنفي مقصود لغيره القصد منه الاثبات. ولهذا لم يرد نفي شيء في الكتاب والسنة عن الله الا لقصد اثبات ضده. فنفي الشريك والنديد عن لكمال عظمته وتفرده بالكمال. ونفي السنة والنوم والموت لكمال حياته. ونفي عزوب شيء عن علمه وقدرته وحكمته كل ذلك لاثبات ساعة علمه وتحول حكمته وكمال قدرته. ولهذا كان التنزيه والنفي لامور مجملة عامة. واما اما الاثبات فانه يجمع الامرين. المجملات كالحمد المطلق والكمال المطلق والمجد المطلق ونحوها. واثبات المفصلات كتفصيل علم الله وقدرته وحكمته ورحمته ونحو ذلك من صفاته. فاهل السنة والجماعة لزموا هذا الطريق الذي هو صراط الذين انعم الله عليهم وبلزومهم لهذا الطريق النافع تمت عليهم النعمة وصحت عقائدهم حملت اخلاقهم. اما من سلك غير هذا السبيل فانه منحرف في عقيدته واخلاقه وادابه. قال المصنف رحمه الله وقد دخل في هذه الجملة ما وصف به نفسه في سورة الاخلاص التي تعدل ثلث القرآن حيث يقول قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد مولد ولم يكن له كفوا احد. هذا شروع في تفصيل النصوص الواردة في الكتاب والسنة. الداخلة في الايمان بالله. وانه يجب فيها اثباتها ونفي التعطيل والتحريف والتكييف والتمثيل عنها. فثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح ان هذه السورة تعدل ثلث القرآن اخوان وذلك كما قال اهل العلم ان القرآن يحتوي على علوم عظيمة كثيرة وهي ترجع الى ثلاثة علوم. احدها علوم الاحكام والشرائع الداخل فيها علوم الفقه كلها عباداته ومعاملاته وتوابعهما. الثاني علوم الجزائر على الاعمال والاسباب التي يجازى بها العاملون من خير وشر. وبيان تفصيل الثواب والعقاب. الثالث علوم التوحيد وما يجب على العباد من معرفته والايمان به. وهو اشرف العلوم الثلاثة. وسورة الاخلاص كفيلة باشتمالها على اصول هذا العلم وقواعده ان قوله تعالى الله احد اي الله متفرد بالعظمة والكمال. ومتوحد بالجلال والجمال والمجد والكبرياء. يحقق ذلك قوله الله الصمد اي الله السيد العظيم الذي قد انتهى في سؤدده ومجده وكماله. فهو العظيم الكامل في عظمته. العليم الكامل في علمه الحكيم الكامل في حلمه فهو الكامل في جميع نعوته واسمائه وصفاته. ومن معاني الصمد انه الذي تصمد اليه الخليقة كلها. وتقصده في جميع حاجاتها ومهماتها. فهو المقصود وهو الكامل المعبود. فاثبات الاحدية لله معاني الصمدية كلها يتضمن اثبات تفاصيل جميع الاسماء الحسنى والصفات العلى. فهذا احد نوعي التوحيد وهو الاثبات وهو اعظم النوعين. والنوع الثاني التنزيه لله عز وجل عن الولادة والند والكفو والمثل. وهذا داخل في قوله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. اي ليس له مكافئ ولا مماثل ولا نظير. فمتى اجتمع للعبد هذه المقامات المذكورة في هذا هذه السورة بان نزه الله عز وجل وقدسه عن كل نقص وند وكفء ومثيل. وشهد بقلبه انفراد الرب بالوحدانية والعظمة والكبرياء وجميع صفات الكمال. التي ترجع الى هذين الاسمين الكريمين. وهما الاحد الصمد ثم صمد الى ربه وقصده في وحاجته الظاهرة والباطنة. متى كان كذلك تم له التوحيد العلمي الاعتقادي؟ والتوحيد العملي. فحق لسورة على هذه المعارف ان تعدل ثلث القرآن. قال المصنف رحمه الله ودخل في ذلك ما وصف به نفسه في اعظم اية من القرآن حيث يقول الله لا اله الا هو الحي القيوم. لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض. من من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه. يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم. ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء كرسيه السماوات والارض ولا يؤود حفظهما وهو العلي العظيم. ولهذا من قرأ هذه الاية في ليلة لم يزل عليه من الله ولا يقربه شيطان حتى يصبح. وذلك لاشتمالها على اجل المعارف واوسع الصفات. فاخبر سبحانه انه المتوحد في الالوهية المستحق لاخلاص العبودية. وانه الحي كامل الحياة وذلك يقتضي كمال عزته وقدرته. وسعة علمه وشمول حكمته وعموم رحمته وغيرها من صفات الكمال الذاتية. وانه القيوم الذي قام بنفسه واستغنى عن جميع المخلوقات وقام بالموجودات كلها فخلقها واحكمها ورزقها ودبرها وامدها بكل ما تحتاج اليه. وهذا الاسم يتضمن جميع الصفات الفعلية ولهذا ورد ان الحي القيوم هو الاسم الاعظم الذي اذا دعي الله به اجاب واذا سئل به اعطى. لدلالة الحي على الصفات الذاتية والقيوم على الصفات الفعلية. والصفات كلها ترجع اليهما. ومن كمال قيوميته وحياته انه اتأخذه سنة وهي النعاس ولا نوم ثم ذكر عموم ملكه للعالم العلوي والسفلي ومن تمام ملكه ان الشفاعة قل لها لله فلا يشفع عنده احد الا باذنه. ففيها ذكر الشفاعة التي يجب اثباتها وهي التي تقع باذنه لمن ارتضى والشفاعة المنفية التي يعتقدها المشركون ما كانت تطلب من غير الله وبغير اذنه. فمن كمال عظمة الله انه لا يشفع عنده احد الا باذنه ولا يأذن الا فيمن رضي قوله وعمله. وبين ان المشركين لا تنفعهم شفاعة الشافعين. ثم ذكر سعة علمه قال يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم. اي علمه محيط بالامور الماضية والمستقبلة. فلا يخفى عليه منها شيء. واما الخلق لا يحيطون بشيء من علم الله لا قليل ولا كثير. الا بما شاء ان يعلمهم الله عز وجل على السنة رسله وبطرق واسباب متنوعة وسع كرسيه. قيل انه العرش وقيل انه غيره. وانه كرسي ملكه. من عظمه وسعته انه وسع السماوات والارض. ومع ذلك فلا يؤوده اي لا يثقله ولا يكرثه. حفظهما اي حفظ العالم العلوي والسفلي وذلك لكمال قدرته وقوته. وفيها بيان لعظيم نعمة الله على الخلق اذ خلق لهم السماوات والارض وما فيهما وحفظهما وامسكهما عن الزوال والتزلزل وجعلهما على نظام بديع جامع للاحكام والمنافع المتعددة التي لا تحصى وهو العلي الذي له العلو المطلق من جميع الوجوه. علو الذات بكونه فوق جميع المخلوقات على العرش استوى. وعلو القدر اذ كان له كل صفة كمال وله من تلك الصفة اعلاها وغايتها. العظيم الذي له جميع اوصاف العظمة والكبرياء وله العظمة هو التعظيم الكامل في قلوب انبيائه وملائكته واصفيائه. الذي لا اعظم منه ولا اجل ولا اكبر. فحقيق باية تحتوي على هذه المعاني الجليلة ان تكون اعظم ايات القرآن. وان يكون لها من الواقع وحفظ قارئها من الشرور والشياطين فيما ليس لغيرها. قال رحمه الله وقوله تعالى هو الاول والاخر والظاهر والباطن. وهو بكل شيء عليم قد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاسماء الاربعة بتفسير مختصر جامع واضح حيث قال انت الاول ليس قبلك شيء وانت الاخر فليس بعدك شيء. وانت الظاهر فليس فوقك شيء. وانت الباطن فليس دونك شيء. وهذا يدل على كمال عظمته وانه لا نهاية لها. وبيان احاطته من كل وجه. فالاول والاخر احاطته الزمانية والظاهر والباطن احاطته المكانية. ثم صرح باحاطة علمه بكل شيء من الامور الماضية والحاضرة والمستقبلة ومن العالم العلوي والسفلي. ومن الظواهر والبواطن والواجبات والجائزات والمستحيلات. فلا يغيب عن علمه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء السماء قال المصنف رحمه الله وقوله وتوكل على الحي الذي لا يموت وقوله وهو العلي العظيم قوله وهو الحكيم الخبير. يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. وقوله وعنده مفاتيح لا يعلمها الا هو. ويعلم ما في البر والبحر. وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا لا يابس الا في كتاب مبين. وقوله وما تحمل من انثى ولا تضع الا بعلمه. وقوله لتعلموا ان الله على كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل شيء علما. وقوله ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين. وقوله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقوله ان الله نعم ما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا. وقوله ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله. وقوله ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد. وقوله احلت بهيمة الانعام الا ما يتلى عليكم غير محل الصيد وانتم حرم. ان الله يحكم ما يريد. وقوله فمن يرد الله ان يشرح صدره للاسلام. ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء. وقوله واحسنوا ان الله يحب المحسنين. وقوله واقسطوا ان الله يحب المقسطين. وقوله فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم. ان الله ايحب المتقين وقوله ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. وقوله قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وقوله فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه. وقوله ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنه بنيان مرصوص وقوله وهو الغفور الودود وقوله بسم الله الرحمن الرحيم وقوله ربنا وسعت كل شيء رحمة الماء وقوله وكان بالمؤمنين رحيما. وقوله ورحمتي وسعت كل شيء. وقوله كتب ربكم على نفسه الرحمة. وقوله تعالى وهو الغفور الرحيم وقوله فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين. وقوله رضي الله عنهم ورضوا عنه وقوله ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه. وقوله ذلك بانهم اتبعوا ما الله وكره رضوانه وقوله فلما اسفنا انتقمنا منهم وقوله ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقال كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون. وقوله هل ينظرون الا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقوله هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة او يأتي ربك او يأتي بعض ايات ربك وقوله كلا اذا دكت الارض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا. وقوله ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا وقوله ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام. وقوله كل شيء هالك الا وجهه. وقوله ما منعك ان تسجد ما خلقت بيدي وقوله وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء اه وقوله واصبر لحكم ربك فانك باعيننا وقوله وحملناه على ذات الواح ودسر تجري باعيننا وقوله والقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني. وقوله لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء. وقال قوله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما. ان الله سميع بصير. وقوله ام يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم؟ بلى ورسلنا لديهم يكتبون. وقوله انني معكما اسمع وارى وقول الم يعلم بان الله يرى وقوله الذي يراك حين تقوم تقلبك في الساجدين وقوله وقل اعملوا فسيرى الله معاملكم ورسوله والمؤمنون. وقوله وهو شديد المحال وقوله ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين. وقوله ومكروا مكروا ومكرنا مكرا وقوله انهم يكيدون كيدا واكيد كيدا. وقوله ان تبدوا خيرا او تخفوه او تعفوا عن سوء فان الله كان عفوا قديرا. وقوله وليعفوا وليصفحوا. الا تحبون ان يغفر الله لكم؟ والله غفور رحيم وقوله ولله العزة ولرسوله. وقوله فبعزتك لاغوينهم اجمعين. وقوله تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام وقوله فاعبده واصطبر لعبادته. هل تعلم له سميا؟ وقوله ولم يكن له كفوا احد. وقوله فلا تجعلوا اندادا وانتم تعلمون. وقوله ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله. وقوله وقل الحمد بسم الله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك. ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا. وقوله يسبح لله ما في السماوات وما في الارض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وقوله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك. وخلق كل شيء فقدره تقديرا وقوله ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلى بعضهم على بعض. سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون. وقوله فلا تضربوا لله الامثال. ان الله يعلم وانتم لا تعلمون وقوله قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن. والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطان وان تقولوا على الله ما لا تعلمون. وقوله الرحمن على العرش استوى. في سبعة مواضع من القرآن. وقوله يا اني متوفيك ورافعك الي. وقوله بل رفعه الله اليه وقوله اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه قوله يا هامان ابن لي صرحا لعلي ابلغ الاسباب. اسباب السماوات فاطلع الى اله موسى واني لاظنه كاذبا قوله اامنتم من في السماء ان يخسف بكم الارض فاذا هي تمور. ام امنتم من في السماء ان يبصر عليكم اصيب فستعلمون كيف نذير. وقوله هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش. يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. وهو معكم اينما كنتم. والله بما تعملون بصير. وقوله الم ترى ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا. ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة. ان الله بكل شيء عليم. وقوله لا تحزن ان الله معنا وقوله انني معكما اسمع وارى وقوله ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وقوله واصبروا ان الله مع الصابرين. وقوله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين قوله ومن اصدق من الله حديثا وقوله ومن اصدق من الله قيلا وقوله واذ قال الله يا عيسى ابن مريم وقوله تمت كلمة ربك صدقا وعدلا. وقوله وكلم الله موسى تكليما. وقوله منهم من كلم الله وقوله ولما جاء مو سالميقاتنا وكلمه ربه وقوله وناديناه من جانب الطور الايمن وقربناه نجيا. وقوله واذ نادى ربك موسى يعني ائتي قوم الظالمين وقوله وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة وقوله ويوم يناديهم فيقول اين شركائي كالذين كنتم تزعمون وقوله ويوم يناديهم فيقول ماذا اجبتم المرسلين؟ وقوله وان احد من المشركين استجارك فاجب حتى يسمع كلام الله وقوله وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم من بعد ما عقلوه. وقوله يريدون ان يبدلون كلام الله قل لن تتبعون وقوله واتل ما اوحي اليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته. وقوله ان هذا القرآن يقص على بني اسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون. وقوله وهذا كتاب انزلناه مبارك. وقوله لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وقوله واذا بدلنا اية مكان اية والله اعلم بما ينزل قادر انما انت مفتر بل اكثرهم لا يعلمون. قل نزله رح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين امنوا وهدى وبشرى للمسلمين ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهذا لسان عربي القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق. اقول ذكر المصنف رحمه الله في هذا الموضع عدة ايات. وكلها داخلة في الايمان بالله ويتضح معناها عموما وخصوصا بذكر اصول وضوابط. نوضحها فيما يأتي. منها ان هذه النصوص القرآنية تنطبق عليها القاعدة المتفق عليها بين السلف وهو انهم يجب الايمان بجميع الاسماء الحسنى وما دلت عليه من الصفات وما نشأ عنها من الافعال تعال مثال ذلك في القدرة يجب علينا الايمان بانه على كل شيء قدير. والايمان بكمال قدرة الله والايمان بان قدرته لجميع الكائنات. وبانه عليم ذو علم محيط. وانه يعلم الاشياء كلها. وهكذا بقية الاسماء الحسنى على هذا النمط. كما ففي هذه الايات التي ذكرها المصنف من الاسماء الحسنى. فانها داخلة في الايمان بالاسماء وما فيها من ذكر الصفات. مثل عزة الله وقدرته علمه وحكمته وارادته ومشيئته وكلامه وامره وقوله ونحوها. فانها داخلة في الايمان بالصفات وما فيها من ذكر الافعال المطلقة والمقيدة مثل قوله سبحانه يعلم ما في السماوات والارض ويعلم كذا وكذا ويحكم ويريد وسمع ويسمع ويرى واسمع وارى وقال ويقول وكلم ويكلم ونادى ونادى ونحوها من الافعال فانها داخلة في الايمان بافعاله تعالى فعلى العبد الايمان بكل ذلك اجمالا وتفصيلا واطلاقا وتقييدا على الوجه اللائق بجلال الله وعظمته. وان يعلم ان صفاته لا تشبهها صفات المخلوقين. كما ان ذاته لا تشبهها ذوات المخلوقين. ومن الاصول المتفق عليها بين السلف التي دلت عليها هذه النصوص ان صفات الباري قسمان صفات ذاتية لا تنفك عنها الذات كصفة الحياة والعلم والقدرة والقوة والعزة والملك والعظمة كبرياء ونحوها كالعلو المطلق. وصفات فعلية تتعلق بها افعاله كل وقت وان وزمان. ولها اثارها في الخلق والامر يؤمنون بانه تعالى فعال لما يريد. وانه لم يزل ولا يزال يقول ويتكلم ويخلق ويدبر الامور. وان افعاله تقع شيئا فشيئا لوالديه ولجميع المسلمين. وتم الفراغ منه في الثامن من جمادى الاولى. عام تسع وستين وثلاثمائة الف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تبعا لحكمته وارادته. كما ان شرائعه واوامره ونواهيه الشرعية لا تزال تقع شيئا فشيئا. وقد دل على هذا الاصل الكبير ما في هذه النصوص من ذكر قال ويقول وسمع ويسمع وكلم ويكلم ونادى وناجى وعلم وكتب ويكتب وجاء واتى ويأتي واوحى ويوحي ونحوها من الافعال المتنوعة التي تقع مقيدة باوقاتها. كما سمعت في هذه النصوص مذكورة انفا وهذا من اكبر الاصول واعظمها. ولقد صنف فيه المؤلف مصنفا مستقلا. وهو المسمى بالافعال الاختيارية المؤمن الايمان بكل ما نسبه الله عز وجل لنفسه من الافعال المتعلقة بذاته كالاستواء على العرش والمجيء والاتيان والنزول الى السماء دنيا والقول ونحوها والمتعلقة بخلقه كالخلق والرزق وانواع التدبير. ومن الاصول الثابتة في الكتاب والسنة. المتفق عليها بين السلف التفريق بين مشيئة الله وارادته وبين محبته. فمشيئة الله وارادته الكونية تتعلق بكل موجود محبوب لله وغير محبوب. كما ذكر في هذه الايات ان الله يفعل ما يريد وما يشاء. واذا اراد شيئا قال له كن فيكون. واما محبته فانها تتعلق بما يحبه خاصة من الاشخاص والاعمال. كما ذكر في هذه الايات تقيدها بانه يحب الصابرين والمتقين المؤمنين والمحسنين والمقسطين ونحوها. فمشيئته عامة للكائنات ومحبته خاصة ومتعلقة بالمحبوبات. ويتفرع هذا اصل اخر وهو التفريق بين الارادة الكونية فانها تطابق المشيئة وبين الارادة الدينية فانها تطابق المحبة الاولى مثل قوله ان الله يفعل ما يريد. وقوله فعال لما يريد ونحوها. والثانية نحو يريد الله بكم اليسر الا يريد بكم العسر وقوله والله يريد ان يتوب عليكم ونحوها. ومع ذلك فجميع ذلك خاصة وعامة. يثبته اهل السنة والجماعة على الوجه الذي قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن اصول اهل السنة والجماعة الثابتة اثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه وهي من اهم الاصول التي باين بها اهل السنة الجهمية والمعتزلة والاشاعرة. فما في هذه الايات من ذكر علو الله واسمه علي الاعلى وصعود الاشياء اليه وعروجها ونزولها منه يدل على العلو. وما صرح به من استوائه على العرش. برهان قاطع على ثبوت ذلك وقد قيل للامام مالك رحمه الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والايمان به واجب والسؤال عنه اي عن الكيفية بدعة. ومن اصول اهل السنة والجماعة اثبات معية الله. كقوله تعالى ما تكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم. وهذه المعية على احاطة علمه بالعباد. ومجازاته لهم باعمالهم. وفيها ذكر المعية الخاصة. كقوله تعالى ان الله مع المتقين وقوله ان الله مع الصابرين وقوله انني معك ما اسمع وارى وقوله لا تحزن ان الله معنا. وهذه الايات تدل مع العلم المحيط على العناية بمن تعلقت به تلك المعية. وان الله عز وجل معهم بعونه وحفظه وكلاءته وتوفيقه. واذا اردت ان تعرف هل المراد المعية العامة او الخاصة؟ فانظر الى سياق الايات. فان كان المقام مقام تخويف ومحاسبة للعباد على اعماله وحث على المراقبة فان المعية عامة مثل قوله ما يكون من نجوى ثلاثة الاية. وان كان المقام مقام لطف وعناية من الله بانبيائه واصفيائه. وقد رتبت المعية على الاتصاف بالاوصاف الحميدة. فان المعية معية خاصة وهو اغلب اطلاقاتها في القرآن مثل قوله ان الله مع المتقين وقوله ان الله مع الصابرين وقوله لا تحزن ان الله معنا ونحوها. ومن الاصول العظيمة اثبات تفرد الرب بكل صفة كمال. وانه ليس لله شريك ولا مثيل في شيء منها والنصوص المذكورة التي فيها نفي الند والمثل والكفء والسمي عن الله تدل على ذلك وتدل على انه منزه عن كل عيب ونقص وافة ومن اصول اهل السنة والجماعة الثابتة اثبات رؤية المؤمنين لربهم في دار القرار والتنعم برؤيته وقربه ورضاه. ويدل على ذلك من الآيات التي ذكرها المصنف قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة اي جميلة ناعمة حسنة الى ربها ناظرة وهذا صريح في نظرهم الى ربهم. وكذلك قوله على الارائك ينظرون اي الى ما اعطاهم من النعيم الذي اجله واعظمه نظروا الى ربهم وكذلك قوله للذين احسنوا اي وفوا مقام الاحسان الحسنى التي هي الجنة وزيادة وهي نظروا الى وجه الله الكريم. وكذلك قوله لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد. فصل اهل السنة اهل البدع اعلم ان اهل السنة والجماعة وهم الصحابة والتابعون لهم باحسان واهل القرون المفضلة متفقون على اثبات في جميع ما ورد في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل. لا فرق بين الذاتية منها كالعلم والقدرة والارادة والحياة والسمع البصر ونحوها ولا بين الفعلية كالرضا والغضب والمحبة والكراهية. وكذلك لا فرق بين اثبات الوجه واليدين ونحوها من الاستواء على العرش والنزول الى السماء الدنيا كل ليلة وغيرها. وكلها يثبتونها من غير نفي لشيء منها ولا تأويل ولا تحريف ولا تمثيل قيل وهذا هو الحق وهو الصراط المستقيم. وهو الطريق المنجي من عذاب الله والهدى والنور. وخالفهم في هذا الاصل طائفتان من اهل البدع احداهما الجهمية والمعتزلة على اختلاف طوائفهم. فانهم نفوا جميع الصفات ولم يثبتوا الا الاسماء والاحكام والايات السابقة كلها تنقض قولهم وتبطله. وكذلك كلامهم هذا ينقض بعضه بعضا. فان اثبات الاسماء والاحكام بلا اوصاف تقوم بالله عز وجل محال عقلا كما انه باطل سمعا. الطائفة الثانية الاشعرية ومن تبعهم وهم خفوا حالا واهون من المعتزلة. لانهم وافقوا اهل السنة في شيء ووافقوا المعتزلة في شيء. وافقوا اهل السنة في اثبات الصفات السبع وهي الحياة والكلام والعلم والسمع والبصر والارادة والقدرة. ووافقوا المعتزلة في بقية الصفات. والجميع محجوجون بالكتاب والسنة واجماع الصحابة والقرون المفضلة على الاثبات العام. واما النفي للصفات كلها او التناقض فانه مخالف للكتاب والسنة ومناف للعقل الصحيح. فلا يثبت للعبد ايمان الا بالايمان المحض والتسليم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بلا شرط ولا قيد والدوران مع النصوص الشرعية اثباتا او نفيا. فصل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال قال المصنف رحمه الله فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه. وما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه عز وجل من الاحاديث الصحاح التي نقلها وتلقاها اهل المعرفة بالقبول وجب الايمان بها كذلك. اي ايمانا خاليا من التعطيل والتحريف ومن التكييف والتمثيل. بل اثباتا لها على الوجه اللائق بعظمة الرب عز وجل. وحكم السنة حكم القرآن في ثبوت العلم واليقين والاعتقاد والعمل. فان السنة توضح القرآن وتبين مجمله وتقيد مطلقه. قال الله تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة اي السنة. وقال تعالى وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. قال المصنف رحمه الله تعالى وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا الى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الاخر فيقول من يدعوني فاستجيب له. ومن يسألني فاعطيه. من يستغفرني فاغفر له. متفق عليه فهذا الحديث قد استفاض في الصحاح والسنن والمسانيد. واتفق على تلقيه بالقبول والتصديق بين اهل السنة والجماعة. بل جميع المسلمين ان الذين لم تغيرهم البدع. وعرفوا به عظيم رحمة ربهم وسعة جوده. واعتناءه بعباده وتعرضه لحوائجهم الدينية والدنيوية. وان نزولهم حقيقة كيف يشاء. فيثبتون النزول كما يثبتون جميع الصفات التي ثبتت في الكتاب والسنة. ويقفون عند ذلك فلا يكيفون ولا يمثلون ولا ينفون ولا يعطلون. ويقولون ان الرسول صلى الله عليه وسلم اخبرنا انه انزل ولم يخبرنا كيف ينزل. وقد علمنا انه فعال لما يريد. وعلى كل شيء قدير. ولهذا كان خواص حنين يتعرضون في هذا الوقت الجليل لالطاف ربهم ومواهبه. فيقومون بعبوديته خاضعين خاشعين داعين متضرعين. يرجون منه حصول مطالبهم التي وعدهم اياها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. ويعلمون ان وعده حق. ويخشون ان ترد تدعيتهم بذنوبهم ومعاصيهم. فيجمعون بين الخوف والرجاء ويعترفون بكمال نعمة الله عليهم. فتمتلئ قلوبهم من التعظيم والايمان لربهم ومن التصديق والاذعان. قال المصنف رحمه الله وقوله صلى الله عليه وسلم لله اشد بتوبة عبده المؤمن التائب من احدكم براحلته. الحديث متفق عليه. وهذا فرح جود واحسان. لانه وجل جل جلاله ينوع جوده وكرمه على عباده من جميع الوجوه. ويحب من عباده ان يسلكوا كل طريق يوصلهم الى كرمه واحسانه قولهم ضد ذلك فانه تعالى جعل لرحمته وكرمه اسبابا بينها لعباده. وحثهم على سلوكها واعانهم عليها. ونهاهم عما فيها ويمنعها. فاذا عصوه وبارزوه بالذنوب فقد تعرضوا لعقوباته التي لا يحب منهم ان يتعرضوا لها. فاذا رجعوا الى التوبة والانابة فرح بذلك اعظم فرح يقدر. فانه ليس في الدنيا نظير فرح هذا الذي في ارض فلاة مهلكة. وقد انفلتت منه راحلته التي فيها مادة حياته من طعام وشراب وركوب. فايس منها وجلس ينتظر الموت. فاذا هو بها واقفة على رأسه فاخذ بخطامه وكاد الفرح ان يقضي عليه. وقال من الدهشة وشدة الفرح اللهم انت عبدي وانا ربك. فهل يوجد فرح اعظم من فرح الاية من حياته اذا حصلت له على اكمل الوجوه فتبارك الرب الكريم الجواد الذي لا يحصي العباد ثناء عليه. بل هو كما اثنى على نفسه فوق ما يثني عليه عباده. وهذا الفرح تبع لغيره من الصفات. كما تقدم ان الكلام على الصفات يتبع الكلام على الذات. فهذا فرح لا يشبه فرح احد من خلقه لا في ذاته ولا في اسبابه ولا في غاياته. فسببه الرحمة والاحسان وغايته اتمام نعمته على التائبين المنيبين. قال المصنف رحمه الله تعالى وقوله صلى الله عليه وسلم يضحك الله الى رجلين يقتل احد الاخر كلاهما يدخل الجنة. متفق عليه. وهذا ايضا من كمال وجمال احسانه وسعة رحمته. فان المسلم يقاتل في سبيل الله ويقتله الكافر فيكرم الله عز وجل المسلم بالشهادة. ثم يمن الله عز وجل على ذلك الكافر القاتل فيهديه للاسلام فيدخلان الجنة جميعا. وهذا من تنويع جوده المتتابع على عباده من كل وجه. والضحك يكون من الامور العجيبة التي تخرج عن وهذه الحالة المذكورة كذلك فان تسليط الكافر على قتل المسلم في بادئ الامر امر غير محبوب. ثم هذا المتجرأ على القتل يتبادر لاذهان كثير من الناس انه يبقى على ضلاله. ويعاقب في الدنيا والاخرة. ولكن رحمة الله عز وجل واحسانه فوق ذلك ككله وفوق ما يظن الظانون ويتوهم المتوهمون. وكذلك لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على اناس من رؤساء المشركين لعنادهم واذيتهم بالطب عن رحمة الله عز وجل. انزل الله قوله ليس لك من الامر شيء او يتوب عليهم. فتاب عليهم بعد وحسن اسلام كثير منهم. قال المصنف رحمه الله وقوله صلى الله عليه وسلم عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غيثه ينظر اليكم ازلين قانطين فيظل يضحك يعلم ان فرجكم قريب. حديث حسن. وهذا العجب الذي وصف الرسول صلى الله عليه عليه وسلم به ربه من اثار رحمة الله عز وجل. وهو من كماله تعالى. والله تعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته. فاذا تأخر الغيب حيث عن العباد مع فقرهم وشدة حاجتهم استولى عليهم اليأس والقنوط. وصار نظرهم قاصرا على الاسباب الظاهرة. وحسبوا الا يكون فرج من القريب المجيب. فيعجب الله عز وجل منهم. وهذا محل عجب. كيف يقنطون ورحمته وسعت كل شيء اسباب لحصولها قد توفرت. فان حاجة العباد وضرورتهم من اسباب رحمته. والدعاء لحصول الغيث والرجاء لله عز وجل من الاسباب ووقوع الغيث بعد امتناعه مدة طويلة وحصول الضرورة يوجب ان يكون لفضل الله واحسانه موقع كبير واثر عجيب كما قال تعالى فاذا اصاب به من يشاء من عباده اذا هم يستبشرون. وان كانوا من قبل ان ينزل عليهم من قبله بوليسين والله تعالى قدر من الطافه وعوائده الجميلة ان الفرج مع الكرب وان اليسر مع العسر. وان الضرورة لا تدوم ان حصل مع ذلك قوة التجاء وشدة طمع بفظل الله عز وجل ورجاء. وتضرع كثير ودعاء. فتح الله عز وجل عليهم من خزائن جوده ما لا يخطر بالبال. وفي لفظ قرب غيره اي تغييره الشدة بالرخاء. قال المصنف رحمه الله تعالى وقوله صلى الله عليه وسلم لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها رجلة وفي رواية عليها قدما. فينزوي بعضها الى بعض وتقول قط قط. متفق عليه. وهذه الصفة تجد مجرى بقية الصفات. تثبت لله عز وجل حقا على الوجه اللائق بعظمته. وذلك ان الله عز وجل وعد النار ملأها كما قال قال لاملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين. فلما كان من مقتضى رحمته الا يعذب احدا بغير جرم. وكان النار في غاية القعر والسعة حقق وعده تعالى ووضع عليها قدمه. فتلاقى طرفاها ولم يبق فيها فضل عن اهلها واما الجنة فانه يبقى فيها فضل عن اهلها مع كثرة ما اعطاهم وسعته. فينشئ الله عز وجل لها خلقا اخر كما ثبت بذلك الحديث. قال المصنف رحمه الله تعالى فيقول الله تعالى يا ادم فيقول لبيك في نادي بصوت ان الله يأمرك ان تخرج من ذريتك بعثا الى النار. متفق عليه. ففي هذا الحديث اثبات القول من الله عز وجل والنداء لادم وانه نداء حقيقة بصوت وهذا من فضل الله عز وجل لا يشكر على المؤمنين ان النداء والقول من انواع الكلام. وكلام الله عز وجل صفة من صفاته. والصفة تتبع الموصوف. وفيها ان القول والنداء يكون فيه يوم القيامة وهذا من ادلة الافعال الاختيارية. وكم لهذه المسألة من البراهين من الكتاب والسنة قال المصنف رحمه الله وقوله صلى الله عليه وسلم ما منكم من احد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجما وهذا ايضا اثبات لتكليمه لجميع العباد بلا واسطة. وتكليمه لعباده نوعان. نوع بلا واسطة كما في هذا الحديث وتكريم لاهل الجنة تكليم محبة ورضوان واحسان. واما ما في الحديث فانه تكليم محاسبة ويكون مع البر والفاجر. واما قوله تعالى ولا يكلمهم الله فالمنفي كلام خاص وهو الكلام الذي يسر المتكلم. ونوع بواسطة وهو كلامه تعالى لرسله من الملائكة بامره ونواهيه واخباره لانبيائه ورسله من البشر. قال المصنف رحمه الله وقوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك امرك في السماء والارض. كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الارض. اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا. انت رب الطيبين. انزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ. حديث حسن رواه ابو داوود. وقوله صلى الله عليه وسلم الا تأمنوني وانا امين من في السماء؟ حديث صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم. والعرش فوق ذلك والله فوق العرش. وهو يعلم ما انتم عليه. حديث حسن. رواه ابو داوود وغيره وقوله صلى الله عليه وسلم للجارية اين الله؟ قالت في السماء. فقال من انا؟ قالت انت رسول الله قال اعتقها فانها مؤمنة. رواه مسلم. فهذه النصوص وغيرها المصرحة بانه تعالى في السماء حق على اخوتها وفيه تكون بمعنى على كما قاله كثير من اهل العلم واللغة. وقد وردت في مواضع كثيرة على هذا النحو. قال تعالى ولا اصلبنكم في جذوع النخل اي عليها. وقال طائفة من اهل العلم ان معنى في السماء اي في جهة العلو وعلى الوجهين فهي نص في علو الله عز وجل على خلقه. وفي حديث الرقية المذكور توسل الى الله عز وجل بالثناء عليه بربوبيته والوهيته وقدسيته وعلوه وعموم امره الشرعي وامره القدري. فان الله عز وجل له الامر قدري الذي ينشأ عنه جميع الموجودات والحوادث. والتدابير القدرية. كقوله تعالى انما امره اذا اراد شيء ان ان يقول له كن فيكون. وقوله سبحانه وما امرنا الا واحدة كلمح بالبصر. وله الامر الشرعي المتضمن الشرائع التي شرعها لعباده على السنة رسله. فتوسل الى الله عز وجل بذلك ثم توسل اليه برحمته التي شملت اهل السماوات كلهم ان يجعل لاهل الارض نصيبا وافرا منها. ثم توسل اليه بسؤال مغفرة الحوب وهو الذبح ذنب عظيم والخطايا وما دونها. ثم بربوبيته الخاصة للطيبين وهم الانبياء واتباعهم. الذين غمرهم في نعم الدين والدنيا الظاهرة والباطنة. فهذه الوسائل المتنوعة الى الله عز وجل لا يكاد يرد دعاء من بها. فلهذا دعا الله عز وجل بعدها بالشفاء الذي هو شفاء الله عز وجل. الذي لا يدع مرضا الا ازاله. ولا فيه تعلق بغير الله فافضل المنن منن المولى التي لا سعي لمخلوق فيها. وفي شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم بالايمان تجارية التي اعترفت بعلو الله عز وجل ورسالة رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على ان من اعظم اوصاف الباري الاعتراف بعلوه على خلقه ومباينته لهم. وانه على العرش استوى وان هذا اصل الايمان. وان من انكر علو الله اطلق من كل وجه فقد حرم هذا الايمان. وقوله صلى الله عليه وسلم والعرش فوق ذلك والله فوق العرش. وهو يعلم ها انتم عليه فيه الجمع بين الايمان بعلوه على عرشه وفوق مخلوقاته. وباحاطة علمه بالموجودات كلها. وقد جمع الله عز وجل بين الامرين في عدة مواضع من كتابه. قال المصنف رحمه الله وقوله صلى الله عليه وسلم افضل الايمان تعلم ان الله معك حيثما كنت حديث حسن. وقوله صلى الله عليه وسلم اذا قام احدكم الى الصلاة فان الله قبل وجهه فلا يبصن قبل وجهه ولا عن يمينه. ولكن عن يساره او تحت قدمه متفق عليه. هذان الحديثان دلا على ان افضل ايمان مقام الاحسان والمراقبة. وهو ان تعبد الله كأنك تراه. فان لم تكن تراه فانه يراك. وتعلم ان الله عز عز وجل معك لا تتكلم ولا تفعل ولا تتصرف الا والله عز وجل يراك ويشاهدك. ويعلم سرك وجهرك تلزم الادب مع الله عز وجل. خصوصا اذا دخلت في الصلاة التي هي اعظم صلة ومناجاة بين العبد وبين ربه. فتخضع وتعلم انك واقف بين يدي الله عز وجل. فتقلل الحركات ولا تسيء الادب معه بالبصاق امامك او عن يمينك فهذه المعية متى حصل للعبد استحضارها في كل احواله لا سيما في عباداته فانها اعظم عون على المراقبة التي هي اعلى مراتب الايمان فيجمع العبد بين الايمان بعلو الله عز وجل واستحضار قربه ولا منافاة بين الامرين كما سيأتي بيان ذلك ان شاء يا الله. قال المصنف رحمه الله تعالى وقوله صلى الله عليه وسلم اللهم رب السماوات السبع ورب الارض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء. فالق الحب والنوى منزل التوراة والانجيل والقرآن. اعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل داب انت اخذ بناصيتها. انت الاول فليس قبلك شيء. وانت الاخر فليس بعدك شيء. وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء. اقض عني الدين واغنني من الفقر. رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم لما رفع الصحابة واصواتهم بالتكبير ايها الناس اربعوا على انفسكم فانكم لا تدعون اصم ولا غائبا. انما تدعون سميعا قريبا ان الذي تدعون اقرب الى احدكم من عنق راحلته متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم انكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر. لا تضامون في رؤيته. فان استطعتم الا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها افعلوا متفق عليه. وقد تواترت النصوص في رؤية الله عز وجل لاهل الجنة. وانهم يرون ربهم ويتمتعون بمشاهدته وهي تدل على امرين على علوه على خلقه. لانها صريحة بانهم يرونه من فوقهم. وعلى ان اعظم النعيم نعيم النظر الى وجهه الكريم. وحثه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على صلاة العصر وصلاة الفجر خصوصا فيه اشارة على ان من حافظ عليهما نال هذا النعيم الكامل. الذي يضمحل عنده كل نعيم. وهذا يدل على تأكدهما. كما دل على ذلك الحديث الاخر يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار. ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر. الحديث متفق عليه. قال المصنف رحمه الله تعالى الى امثال هذه الاحاديث التي يخبر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه بما يخبر به فان الفرقة الناجية اهل السنة والجماعة يؤمنون بذلك كما يؤمنون بما اخبر الله عز وجل به في كتابه من غير تحريف ولا تعطيل. ومن غير تكييف ولا تمثيل. بل هم وسط في فرق الامة. كما ان الامة وسط في جميع الامم والمراد بالوسط العدل الخيار الذين جمعوا كل حق في اقوال الخلق وردوا ما فيها من الباطل تعالى وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. ويكون الرسول عليكم شهيدا. فهذه وسط بين الامم التي تميل الى الغلو الضار والامم التي تميل الى التفريط المهلك. فمن الامم من غلا في المخلوقين وجعل لهم من صفات الخالق ومن حقوقهما جعل. ومنهم من جفى الانبياء واتباعهم حتى قتلهم وردد دعوتهم هذه الامة آمنت بكل رسول ارسله الله عز وجل. واعتقدت رسالتهم وعرفت مقاماتهم الرفيعة التي فضلهم الله الله عز وجل بها ولم يغلو في احد من المخلوقين. ومن الامم من احلت كل طيب وخبيث. ومنهم من حرم الطيبات غلوا ومجاوزة. وهذه الامة احل الله عز وجل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث. ونحو ذلك من الامور التي من الله عز جل على هذه الامة الكاملة بالتوسط فيها. وكذلك اهل السنة والجماعة. متوسطون بين فرق الامة المبتدعة التي انحرفت عن الصراط المستقيم. قال المصنف رحمه الله فهم وسط في باب صفات الله تعالى بين الجهمية اهل التعطيل وبين المشبهة اهل التمثيل. كما تقدم بيان ذلك وان اهل السنة يثبتون جميع ما ثبت في النصوص من صفات الله عز وجل على كحقيقتها اللائقة بعظمة الباري. قال المصنف رحمه الله تعالى وهم وسط في باب افعال الله عز وجل بين الجبرية والقدرية فان الجبرية يزعمون ان العبد مجبور على افعاله. لا قدرة له عليها. وان افعاله بمنزلة حركات الاشجار. كلها هذا غروب منهم في اثبات القدر. والقدرية قابلوهم فنفوا تعلق قدرة الله عز وجل بافعال العباد تنزيها لله بزعمهم فافعال العباد عندهم لا تدخل تحت مشيئة الله وارادته. وكل من هاتين الطائفتين ردت طائفة كبيرة من نصوص الكتاب والسنة سنة وهدى الله عز وجل اهل السنة والجماعة للتوسط بين الطائفتين المنحرفتين فامنوا بقضاء الله عز وجل وقدره وشمولهما للاعيان والاوصاف والافعال التي من جملتها افعال المكلفين وغيرهم. وامنوا بانه ما شاء الله عز وجل كان وما لم يشأ لم يكن. وامنوا مع ذلك بان الله تعالى جعل للعباد قدرة وارادة تقع بها اقوالهم وافعالهم على حسب اختيارهم وارادتهم. فآمنوا بكل نص فيه تعميم قدرته ومشيئته لكل شيء. وبكل نص فيه اثبات ان العباد يعملون ويفعلون كل الافعال الكبيرة والصغيرة. بارادتهم وقدرتهم. وعلموا ان الامرين لا يتنافيان بل يتساعدان كما سيأتي توضيح ذلك ان شاء الله عز وجل. قال المصنف رحمه الله وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيد هدية من القدرية وغيرهم. وذلك ان المرجئة جعلت الايمان فقط تصديق القلب. واخرجت عنه جميع الاعمال الباطنة والظاهرة وجوزوا على الله عز وجل ان يعذب المطيعين وان ينعم العاصين. واما الوعيدية من القدرية فخلدوا في النار كل من مات مصرا على الكبائر التي دون الشرك. فانحرفت كل واحدة وردت لاجل ذلك من النصوص ما ردت. وهدى الله عز وجل اهل السنة والجماعة. فتوسطوا وقالوا ان الايمان اسم لجميع العقائد الدينية والاعمال القلبية والبدنية. وانه قد يبقى اذا تجرأ المؤمن على المعاصي بدون توبة. وان الله عز وجل لا يظلم من عباده احدا. ولا يعذب الطائعين بغير جرم ولا ذنب وانه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال حبة خردل من ايمان ولو فعل الكبائر. كما تواترت بذلك النصوص وفي الكتاب والسنة قال المصنف رحمه الله وفي اسماء الايمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين الجهمية والمرجئة وقد تقدم ذلك. لكن الفرق بين الحرورية والمعتزلة ان الحرورية وهم الخوارج يطلقون الكفر على العصاة من المؤمنين ويخلدونهم في النار. واما المعتزلة فلا يطلقون عليهم الكفر. بل يقولون انهم لا مسلمون ولا كفار. ولكنهم يقلدونهم في النار كما تقول الخوارج. والنصوص ترد قولهم جميعا. قال المصنف رحمه الله وفي اصحاب رسول الله صلى الله الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج. فان الرافضة تسبهم وتلعنهم. وربما كفرتهم او كفرت بعضهم اما الرافضة الغالية فانهم مع سبهم لطائفة من الصحابة وللخلفاء الثلاثة فانهم يغلون في علي ويدعون فيه الالوهية وهم الذين حرقهم علي ابن ابي طالب رضي الله عنه بالنار. وقابلهم الخوارج فقاتلوه وقاتلوا الصحابة رضي الله عنهم وكفروهم واستحلوا دماء الصحابة والمسلمين. وهدى الله عز وجل اهل السنة والجماعة. فاعترفوا بفضل الصحابة جميعا وانهم اعلى الامة في كل خصلة كمال. ومع ذلك فلم يغلوا فيهم ولم يعتقدوا عصمتهم. بل قاموا بحقوقهم واحبوا لما لهم من الحق الاكبر على جميع الامة. كما سيأتي ان شاء الله تعالى. فصل العلو والفوقية قال المصنف رحمه الله تعالى وقد دخل فيما ذكرناه من الايمان بالله الايمان بما اخبر الله عز وجل به في كتابه عن رسوله صلى الله عليه وسلم واجمع عليه سلف الامة من ان الله سبحانه فوق سماواته على عرشه علي على خلقه وهو تعالى معهم اينما كانوا يعلم ما هم عاملون. كما جمع بين ذلك في قوله هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام يا من ثم استوى على العرش. يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها. وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. وهو معكم اينما كنت كنتم الله بما تعملون بصير. وليس معنى قوله وهو معكم انه مختلط بالخلق. فان هذا لا توجبه اللغة وهو خلاف ما عليه سلف الامة وخلاف ما فطر الله عليه الخلق. بل القمر اية من ايات الله عز وجل من اصغر مخلوقاته. وهو موضوع في السماء وهو مع المسافر وغير المسافر اينما كان. وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه. مهيمن ومطلع عليهم الى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكل هذا الكلام الذي ذكره الله عز وجل من انه فوق العرش وانه معنا حق على حقيقته لا يحتاج الى تحريف. ولكن يصان عن الظنون الكاذبة مثل ان يظن ان ظاهر قوله في السماء ان ما تقله او تضله. وهذا باطل باجماع اهل العلم والايمان. فان الله عز وجل قد وسع كرسيه السماوات والارض. وهو الذي يمسك السماوات والارض ان تزولا. ويمسك السماء ان تقع على الارض الا باذنه. ومن اياته ان تقوم السماء والارض بامره صرح المصنف رحمه الله في هذا الفصل بمسألة العلو لله عز وجل واستوائه على عرشه. وان ذلك داخل في الايمان بالله وذلك لما حصل وفي هذه المسألة من الاختلاف والمخاصمات الطويلة بين اهل السنة والجماعة وبين طوائف الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم في هذه المسألة من الاشياء الشعرية ونحوهم فان مسألة العلو صنفت فيها المصنفات المستقلة واورد فيها اهل السنة من نصوص الكتاب والسنة ما لا يمكن دفعه او دفعه وحققوا ذلك بالعقل الصحيح. وان الفطر والعقول معترفة بل ومضطرة الى الايمان بعلو الله. الا من غيرت العقائد الباطلة. وقد بين المصنف رحمه الله في هذا الموضوع الجمع بين الايمان بعلو الله واثبات معيته وعلمه المحيط وحققه في كلام واضح مبين بالامثلة المقربة للمعاني بما لا مزيد عليه. فصل القرب. قال المصنف رحمه الله وقد دخل في ذلك الايمان بانه قريب مجيب. كما جمع بين ذلك في قوله واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان. وقوله صلى الله عليه وسلم ان الذي تدعونه اقرب الى احدكم من عنق راحلته. وما ذكر وفي الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته. فانه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته. وهو علي في دنوه قريب في علوه. خصص المصنف رحمه الله هذا البحث بهذين الامرين. وذلك لشدة الحاجة الى الايمان بقربه واجابته ليكون العبد مراقبا لله عز وجل اذا امن بقربه ايمانا تاما كثيرا اللهج بذكره ودعائه منيبا اليه على الدابة الدوام اذا امن باجابته للسائلين واثابته للمطيعين. ثم ذكر رحمه الله الجمع بين الايمان بعلو الله وقربه ومع لان لا يظن الظان ان ذلك مثل صفات المخلوقين. وانه اذا قيل انه علي فوق خلقه كيف يكون معهم وقريبا منهم فاجاب بما تضمنه هذا الاصل الثابت في الكتاب والسنة واجماع الامة. وهو ان الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته. ومن نعوته اللازمة العلو المطلق والقرب العام والخاص وادنى القرب والعلو في حقه يجتمعان لعظمته وكبريائه واحاطته من كل في وجه وهو العلي في دنوه القريب في علوه. وهذا الاصل ينفعك في كل ما ورد عليك من صفات الله عز وجل الثابتة. فاثبت بتها ولا تتوقف فان الذي اثبتها هو الله عز وجل الذي هو اعلم بنفسه ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي هو اعلم الخلق واورعهم وانصحهم للمخلوقين. فان خطر ببالك تمثيل او تشبيه. فتفطن لقوله ليس كمثله شيء ذلك ايضا فان الكلام على الصفات مثل الكلام على الذات. فكما انه لا نظير له ولا مثيل له في ذاته. فكذلك لا مثيل له ولا لا نظير له في صفاته. فصل القرآن كلام الله. قال المصنف رحمه الله ومن الايمان به وبكتبه الايمان بان القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. منه بدأ واليه يعود. وان الله عز وجل تكلم به حقيقة. وان هذا القرآن الذي انزله على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره. ولا يجوز اطلاق القول بانه حكاية عن كلام الله او عبارة. بل اذا قرأ او الناس او كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن ان يكون كلام الله حقيقة. فان الكلام انما يضاف حقيقة الى من قاله مبتدأ لا الى من قاله مبلغا مؤديا. وهو كلام الله حروفه ومعانيه. ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف ووجه ذلك وانه داخل في الايمان بالله وبكتبه ان الايمان بكلام الله على هذا الوصف الذي ذكره المصنف وانه من الايمان بالله لانه وصفه. والكلام صفة للمتكلم. فان الله تعالى موصوف بانه متكلم اذا شاء بما شاء. وانه لم يزل ولا يزال يتكلم. وكلامه تعالى لا ينفد ولا يبيد. ونوع الكلام ازلي ابدي ومفرداته لا تزال تقع شيئا فشيئا بحسب حكمة الله تعالى. والله تعالى اضافه الى نفسه في قوله كلام الله اضافة الصفة لموصوفها. فدل على ان كلامه لفظه ومعناه وصفه. واذا كان كذلك كان غير مخلوق. ومن زعم انه مخلوق من المعتزلة. فقد اعظم الفدية على الله عز وجل ونفى كلام الله عن الله وصفا وجعله وصفا للمخلوق. ومن زعم ان القرآن الموجود بيننا عبارة عن كلام الله او حكاية عنه. كما قاله الكلابية والاشعرية. فقد قال بنصف قول المعتزلة. فالقرآن كلام الله حيث تصرف سواء كان محفوظا في الصدور او متلوا بالالسنة او مكتوبا في المصاحف فلا يخرج بذلك عن ان يكون كلام الله عز وجل كما قال المصنف فان الكلام انما يضاف الى من قاله مبتدأ. لا الى من قاله مبلغا مؤديا. وقول السلف كلام الله منه بدأ. اي هو الذي تكلم به لا غيره وقولهم واليه يعود اي يرجع اي يوصف الله عز وجل به. وقيل ان المراد بذلك ما ورد من ان من من اشراط الساعة ان يرفع القرآن من الصدور والمصاحف. ولكن الاول اولى. وهذه المسألة مسألة الكلام عظيمة فيها الناس على اختلاف طرائقهم. ولكن المصنف رحمه الله ذكر في هذا الفصل كلاما في التكلم جامعا نافعا مأخوذا من الشرعية العقلية والنقلية. واما كون هذا داخلا في الايمان بكتبه فان الايمان بالكتب وخصوصا القرآن يقتضي ان ان يؤمن العبد بكل الفاظها ومعانيها وما دلت عليه من العقائد والمعاني الجليلة. فمن لم يؤمن بجميع ذلك فلن يتم ايمانه. واعلم ان المؤمنين بالقرآن على قسمين كاملين وناقصين. اما الكاملون فانهم اقبلوا على القرآن فتفهموا معانيه. ثم امنوا بها واعتقدوها كلها. وتخلقوا باخلاقها وعملوا بما دل عليه امتثالا لاوامره واجتنابا لنواهيه. ولم يفرقوا بين نصوص كحال اهل البدع الذين امنوا ببعض دون بعض. واما الناقصون فهم قسمان. قسم مبتدعون وقسم فاسقون ظالمون اما المبتدعون فكل من ابتدع بدعة ترك لها شيئا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء على مراتبهم بهم في البدعة بحسب ما خالفوا فيه. واما الفاسقون فهم الذين عرفوا انه يجب عليهم الايمان بالكتاب والعمل به. فاعتقد اعترفوا بذلك ولكن اعمالهم ناقضت اقوالهم فتجرأوا على مخالفة الكتاب بترك كثير من واجباته والاقتحام على مما نهى عنه من غير ان يجحدوا. ولكن نفوسهم الامارة بالسوء غلبتهم واستولت عليهم. فنسأل الله تعالى ان يجعلنا من من امن بكتابه ايمانا صحيحا حتى نكون لجميع نصوصه معتقدين ولاوامره ونواهيه خاضعين انه جواد كريم فصل ما بعد الموت. قال المصنف رحمه الله ومن الايمان باليوم الاخر الايمان بكل ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت. وهذا ضابط جامع يدخل فيه الايمان بالنصوص الواردة في حالة الاحتضار في القبر والقيامة والجنة والنار. وجميع ما احتوت عليه من التفاصيل التي صنفت فيها المصنفات المطولة والمختصرة. وكلها داخلة في الايمان باليوم الاخر. ثم اشار المصنف الى شيء منها فقال فيؤمنون بفتنة القبر وبعذابه ونعيمه. فاما الفتنة فان الناس يفتنون في قبورهم. فيقال للرجل من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين امنوا بالقول ثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. فيقول المؤمن الله ربي والاسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيا واما المرتاب فيقول ها ها لا ادري. سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء الا الانسان. ولو سمعها الانسان لصعق. وهذا الابتلاء والامتحان لكل عبد. فاما من كان مؤمن ايمانا صحيحا ثبته الله عز وجل ولقنه الجواب الصحيح للملكين. كما قال تعالى يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة دنيا وفي الاخرة فذكر ان تثبيته لهم جزاء لهم على ايمانهم في الدنيا. فالمؤمن يجيب الجواب الصحيح وان كان عاميا او اعجميا واما الكافر والمنافق ممن كان في الدنيا غير مؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. فانه يستعجم عليه الجواب ولو كان من اعلم الناس وافصحهم كما قال تعالى ويضل الله الظالمين. ومن حكمة الله عز وجل ان نعيم البرزخ وعذابه لا يحس به الانس والجن بمشاعرهم. لان الله تعالى جعله من الغيب ولو اظهره لفاتت الحكمة المطلوبة. قال المصنف رحمه الله ثم بعد هذه الفتنة اما نعيم واما عذاب الى ان تقوم القيامة الكبرى. فتعاد الارواح الى الاجساد وتقوم القيامة التي اخبر الله عز وجل بها في كتابه. وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. واجمع عليها المسلمون. فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلا وتدنو منهم الشمس ويلجمهم العرق وتنصب الموازين فتوزن فيها اعمال العباد فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فاولئك الذين خسروا انفسهم في جهنم خالدون وتنشر الدواوين وهي صحائف الاعمال فاخذ كتابه بيمينه واخذ كتابه بشماله او من وراء ظهره. قال تعالى وكل انسان الزمناه طائره في عنقه. ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى في نفسك اليوم عليك حسيبا. ويحاسب الله الخلق ويخلو بعبده المؤمن. فيقرره بذنوبه. كما وصف ذلك في الكتاب والسنة واما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته. فانه لا حسنات لهم. ولكن تعد اعمالهم تحصى فيوقفون عليها ويقررون بها ويجزون بها. وفي عرصات القيامة الحوض المورود لمحمد صلى الله عليه وسلم ماؤه اشد بياضا من اللبن واحلى من العسل. انيته عدد نجوم السماء. طوله شهر وعرضه شهر. من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ابدا والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس عليه على قدر اعمالهم فمنهم من يمر كالفرس ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كركاب الابل ومنهم من يعدو عدوا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يزحف زحفا ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم. فان الجسر عليه كلاليب تخطف الناس باعمالهم. فمن مر على الصراط دخل الجنة فاذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة النار فيقتص لبعضهم من بعض. فاذا هذبوا ونقوا اذن لهم في دخول الجنة. واول من يستفتح باب الجنة محمد صلى الله عليه وسلم واول من يدخل الجنة امته صلى الله عليه وسلم. وله صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات. اما الشفاعة الاولى فيشفع في اهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد ان يتراجع الانبياء ادم ونوح وابراهيم وعيسى ابن مريم عليهم الصلاة والسلام حتى تنتهي اليه. واما الشفاعة الثانية فيشفع في اهل الجنة ان يدخلوا الجنة. وهاتان الشفاعتان خاصتان له واما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار الا يدخلها وفي من دخلها ان يخرج منها. وهذه الشفاعة له سائر النبيين والصديقين وغيرهم. فيشفع فيمن استحق النار الا يدخلها. وفي من دخلها ان يخرج منها. ويخرج الله عز وجل من النار في اقوام بغير شفاعة بل بفضله ورحمته ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من اهل الدنيا فينشئ الله عز وجل لها اقواما سيدخلهم الجنة واصناف ما تضمنته الدار الاخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار. وتفاصيل ذلك مذكور في الكتب المنزلة من السماء وفي الاثار من العلم الموروث عن الانبياء وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك كما يكفي ويشفي فمن ابتغاه وجده. ذكر المصنف رحمه الله هذا الكلام النفيس المتعلق باليوم الاخر المأخوذ من النصوص الكتاب والسنة وهو كلام واضح جامع. واحال على الكتاب والسنة في بقية تفاصيل اليوم الاخر. وقد كتب اهل الاسلام من النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة فيما يتعلق باليوم الاخر وبالجنة والنار وتفاصيل ذلك الكثير. وصنفوا المصنفات المطولة والمهم ان ذلك كله داخل في الايمان باليوم الاخر. واعلم ان اصل الجزاء على الاعمال خيرها وشرها ثابت بالعقل كما هو ثابت بالسمع. فان الله عز وجل نبه العقول الى ذلك في مواضع كثيرة من الكتاب. وذكر ما هو مستقر في العقول صحيحة من انه لا يليق بحكمة الله وحمده ان يترك الناس سدى او ان يكونوا مخلوقين عبثا لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون وان العقول الصحيحة تنكر ذلك اشد الانكار. وكذلك نبههم على ذلك بما اوقعه من ايامه في الدنيا. من اثابة الطائعين وتعجيل بعض ثوابهم وعقوبة الطاغين. واذاقتهم بعض ما وعدوا به. وهذا شيء مشاهد محسوس متناقض بين الناس بالتواتر الذي لا يقبل الشك ولا يزال يري عباده اياته في الافاق وفي انفسهم ما يتبين به الحق لاولي العقوق والالباب. واما تفاصيل الجزاء ومقاديره فلا يدرك الا بالسمع والنقول الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. ومن الحكمة في محاسبة الخلق على اعمالهم. وزنها وظهورها مكتوبة في الصحف مع احاطة علم الله بذلك ليري عباده كمال حمده وكمال عدله وسعة رحمته وعظمة ملكه ولهذا قال ما لك يوم الدين مع ان ملكه عام مطلق لهذا اليوم ولغيره. قال المصنف رحمه الله وتؤمن الفرقة الناجية اهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره. والايمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين. فالدرجة الاولى الاولى الايمان بان الله يعلم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به ازلا وابدا. وعلم جميع احوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال. ثم كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق. فأول ما خلق الله القلم. قال له اكتب قال ما اكتب؟ قال اكتب ما هو كائن الى يوم القيامة. فما اصاب الانسان لم يكن ليخطئه. وما اخطأه لم يكن ليصيبه جفت الاقلام وطويت الصحف كما قال تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في ان ذلك على الله يسير. وقال ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان ان ذلك على الله يسير. وهذا التقدير تابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا. فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء واذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث اليه ملكا. فيؤمر باربع كلمات فيقال له اكتب رزقه واجره له عمله وشقي ام سعيد ونحو ذلك فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ومنكره اليوم قليل واما الدرجة الثانية فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الايمان بان ما شاء الله كان وما لم لم يكن وانه ما في السماوات ولا في الارض من حركة ولا سكون الا بمشيئة الله سبحانه لا يكون في ملكه ما لا يريد. وان سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات. فما من مخلوق في الارض ولا في السماء الا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره ولا رب سواه. ومع ذلك فقد امر العباد بطاعته وطاعة رسوله. ونهاهم عن معصيته. وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين ويرضى عن الذين امنوا وعملوا الصالحات ولا يحب الكافرين ولا يرضى عن القوم الفاسقين. ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد. والعباد فاعلون حقيقة والله خالق افعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم. وللعباد قدرة على اعمالهم ولهم ارادة. والله خالقهم وخالق قدرتهم وارادتهم. كما قال تعالى لمن شاء منكم ان يستقيم. وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة قدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الامة. ويغلو فيها قوم من اهل الاثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره. ويخرجون عن افعال الله واحكامه حكمها ومصالحها. اعلم ان الايمان بالقدر امره عظيم وشأنه مهم جدا. وهو احد اركان الايمان الستة. وقد انحرف فيه طوائف من اهل البدع والضلال فضلا عن المنكرين من الملحدين وغيرهم. وقد فصله الشيخ في هذا الفصل بهذا الكلام الجامع النفيس. الذي لا يوجد له نظير في تحقيقه وتفصيله وجمعه وتوضيحه. وهو مجموع من نصوص الكتاب والسنة. ومن العقيدة السلفية الخالصة. فذكر انه لا يتم الايمان بالقدر الا بتحقيق هذه الامور الاربعة. التي يفتقر كل منها الى البقية. وقد ارتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقا لا ينفصم الا بالانحراف الى الاقوال المنحرفة. وذلك انه ثبت في نصوص الكتاب والسنة احاطة علم الله بجميع الموجودات السابقة والحاضرة والمستقبلة من اعيان واوصاف وافعال للمكلفين وغيرهم. وتثبت النصوص ايضا ان الله عز وجل اثبت علمه بالكائنات والموجودات دقيقها وجليلها باللوح المحفوظ. في نصوص لا يمكن احصاؤها. وتثبت النصوص ايضا ان مشيئة الله عامة. وارادته القدرية شاملة. لا يخرج عنها حادث صغير ولا كبير ولا عين ولا فعل ولا وصف وانه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. والنصوص على شمول قدرة الله ومشيئته لكل حادث لا تحصى وتثبت النصوص ايضا ان العباد مختارون غير مجبورين على افعالهم. وان اعمالهم خيرها وشرها واقعة بمشيئتهم قدرتهم التي خلقها الله لهم وخالق السبب التام خالق للمسبب. وبهذا ينحل عن العبد الاشكال يتسع قلبه للجمع بين اثبات عموم مشيئة الله وقدرته وشمولهما لافعال العباد مع وقوعها شرعا وحسا وعقلا باختياره فمتى جمع العبد هذه المراتب الاربع وامن بها ايمانا صحيحا كان هو المؤمن بالقدر حقا الذي يعلم ان الله عز وجل بكل شيء عليم. وعلمه بالحوادث قد اودعها في اللوح المحفوظ. والحوادث كلها تجري على ما علمه الله الله عز وجل وكتبه وتقع باسباب ربطها العزيز الحكيم بمسبباتها. والاسباب والمسببات من قضاء الله وقدره. ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه ما منكم من احد الا وقد كتب مقعده من الجنة او النار فقالوا يا رسول الله افلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له. اما السعادة فييسرون لعمل اهل السعادة. واما اهل الشقاوة فيسرون لعمل اهل الشقاوة. ثم قرأ صلى الله عليه وسلم فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى نيسره للعسرى متفق عليه. وتوضيح ذلك ان العبد اذا صلى وصام وعمل الخير او عمل شيئا من المعاصي انا هو الفاعل لذلك العمل الصالح. وذلك العمل السيء وفعله المذكور بلا ريب. واقع باختياره. وهو يحس ضرورة اذا انه غير مجبور على الفعل او الترك. وانه لو شاء لم يفعل. وكما ان هذا هو الواقع فهو الذي نص الله عليه في كتابه ونص عليه رسوله صلى الله عليه وسلم. حيث اضاف الاعمال صالحها وسيئها الى العباد. واخبر انهم الفاعلون لها وانهم محمودون عليها ان كانت صالحة ومثابون عليها ومذمومون ان كانت سيئة ومعاقبون عليها فقد تبين بهذا واتضح انها واقعة منهم وباختيارهم. وانهم ان شاءوا فعلوا وان شاءوا تركوا. وان هذا الامر ثابت عقلا وحسا وشرعا ومشاهدة. ومع ذلك فاذا اردت ان تعرف انها كذلك واقعة منهم. واعترض معترض قال كيف تكون داخلة في القدر وكيف تشملها المشيئة؟ فيقال باي شيء وقعت هذه الاعمال الصادرة من العباد خيرا خيرها وشرها فهي بقدرتهم ومشيئتهم وارادتهم وهذا يعترف به كل احد. ويقال ايضا ان الله عز وجل خلق قدرتهم ومشيئتهم وارادتهم. والجواب كذلك يعترف به كل احد. وان الله عز وجل هو الذي خلق قدرته وارادتهم وهو الذي خلق ما به تقع الافعال كما انه الخالق للافعال. وهذا هو الذي يحل الاشكال تمكن العبد ان يعقل بقلبه اجتماع القدر والقضاء والاختيار. ومع ذلك فهو تعالى امد المؤمنين باسباب والطاف اعانات متنوعة وصرف عنهم الموانع. كما قال صلى الله عليه وسلم واما من كان من اهل السعادة فيسر لعمل اهل السعادة عادة وكذلك خذل الفاسقين ووكلهم الى انفسهم. ولم يعنهم لانهم لم يؤمنوا به ولم يتوكلوا عليه اللهم تولوه لانفسهم. ولما ضاق تحقيق هذا المقام على قلوب كثير من الخلق انحرفت هنا طائفتان من الناس. طائفة يقال لهم الجبرية غلوا في اثبات القدر وتوهموا ان العبد ليس له فعل حقيقة وانه لا يمكن ان يثبت للعبد عموم المشيئة ويثبت للعبد الاختيار. والطائفة الاخرى القدرية قابلتهم فشهدت وقوع افعالهم بقدرتهم اختيارهم وتوهموا انه لا يمكن مع ذلك ان يدخل ذلك في قضاء الله وقدره. ولم تتسع قلوب الجبرية والقدرية للجمع بين امرين فرد كل منهما قسما كبيرا من نصوص الكتاب والسنة. المؤيدة للقول الصحيح. وهدى الله اهل السنة والجماعة امنوا بجميع الكتاب والسنة. وامنوا بقضائه وقدره وشموله ما لكل موجود. وبشرعه وامره وان قاد فاعلون حقيقة مختارون. فايمانهم بعموم القدر يوجب لهم الاستعانة التامة بربهم. لعلمهم انه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وان له في عباده المؤمنين الطافا وتيسيرا لا يناله احد منهم الا بقوة الايمان والتوكل واوجب لهم ايمانهم بالشرع والامر والنهي والاسباب وانها مرتبطة بمسبباتها شرعا وقدرا. الجد والاجتهاد في فعله الاسباب النافعة. وبذلك تعرف ان الايمان الصحيح سبب لكل خير. ومن فوائد الايمان بالقضاء والقدر انه يوجب قل للعبد سكون القلب وطمأنينته وقوته وشجاعته. لعلمه ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه كما انه يسلي العبد عن المصائب ويوجب له الصبر والتسليم والقناعة بما رزقه الله. قال تعالى ومن يؤمن بالله يهدي قلبه قال بعض السلف هو الرجل تصيبه المصيبة في علم انها من عند الله فيرضى ويسلم. ومن فوائده انه يوجب للعبد شهود منة الله عليه فيما يمن به عليه من فعل الخيرات وانواع الطاعات. ولا يعجب بنفسه ولا يدل بعمله لعلمه انه تعالى هو الذي تفضل عليه بالتوفيق والإعانة. وصرف الموانع والعوائق وانه لو وكل الى نفسه لضعف وعجز عن العمل كما انه سبب لشكر نعم الله بما ينعم عليه من نعم الدين والدنيا. فانه يعلم انه ما بالعبد من نعمة الا من الله اه وان الله عز وجل هو الدافع لكل مكروه ونقمة. فصل الايمان. قال المصنف رحمه الله ومن اصول اهل السنة ان الدين والايمان قول وعمل. قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح. وان كان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وهم مع ذلك لا يكفرون اهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر. كما يفعله الخوارج بل الاخوة الايمانية ثابتة مع المعاصي. كما قال في اية القصاص فمن عفي له من اخيه شيء فاتباع بالمعروف وقال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما. فان بغت احداهما على الاخرى التي تبغي حتى تفيء الى امر الله. فان فائت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا. ان الله يحب المقصرين انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم. قد دل الكتاب والسنة على ما قاله الشيخ رحمه الله. واجمع على ذلك سلف الامة. فكم من اية قرآنية واحاديث نبوية اطلقت على كثير من الاقوال والاعمال اسم الايمان. فالايمان المطلق يدخل فيه جميع الدين ظاهره وباطنه. اصوله وفروعه ويدخل فيه العقائد التي يجب اعتقادها في كل ما احتوى عليه هذا الكتاب. ويدخل فيه اعمال القلوب كالحب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وارادته لله والانابة اليه. والفرق بين اقوال القلب وبين اعماله ان اقواله هي العقائد التي يعترف بها القلب ويعلم ويعتقدها. واما اعمال القلب فهي حركته التي يحبها الله ورسوله. وضابطها محبة الخير وارادته الجازمة وكراهية الشر والعزم على تركه لله عز وجل. وهذه الاعمال القلبية تنشأ عنها مال الجوارح فالصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد من الايمان وبر الوالدين وصلة الارحام والقيام بحقوق الله حقوق خلقه المتنوعة كلها من الايمان. وكذلك الاقوال. فقراءة القرآن وذكر الله والثناء عليه والدعوة الدعوة الى الله والنصيحة لعباد الله وتعلم العلوم النافعة. كلها داخلة في الايمان. ولهذا لما كان الايمان اسما لهذه امور ترتب عليه انه يزيد وينقص كما هو صريح الادلة من الكتاب والسنة. وكما هو ظاهر مشاهد في تفاوت المؤمنين في عقائدهم واعمال قلوبهم وجوارحهم. ومن زيادته ونقصه ان قسم الله عز وجل المؤمنين الى ثلاث طبقات سابقون بالخيرات وهم الذين ادوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات. فهؤلاء مقربون ومقتصدون وهم الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات وظالمون لانفسهم وهم الذين على بعض المحرمات وقصروا في بعض الواجبات. مع بقاء اصل الايمان معهم. فهذا من اكبر البراهين على زيادة الايمان ونقصه فما اعظم التفاوت بين هؤلاء الطبقات ومن وجوه زيادته ونقصه ان المؤمنين متفاوتون في علوم الايمان وتفاصيله. فمنهم من وصل اليه من تفاصيله وعقائده خير كثير. فازداد به ايمانه وتم به ومنهم من هو دون ذلك ودون ذلك. حتى تصل الحال الى ان من المؤمنين من معه ايمان اجمالي ولم يتيسر له من التفاصيل شيء. وهو مع ذلك مؤمن. ومعلوم الفرق بين هذه المراتب. ومن وجوه قيادة الايمان ونقصه ان المؤمنين متفاوتون تفاوتا كبيرا في اعمال القلب والجوارح وكثرة الطاعات وقلتها. وهذا شيء شيء محسوس ومن وجوه زيادته ونقصه ان من المؤمنين من لم تجرح المعاصي ايمانه وان وقع منه شيء من ذلك بادر الى التوبة والانابة. ومنهم من هو متجرأ على كثير من المعاصي. ومعلوم الفرق بينهما. ومن وجوه زيادته ان من المؤمنين من هو واجد حلاوة الايمان وقد ذاق طعمه واستحلى الطاعات واستنار قلبه بالايمان ومن منهم من لم يصل الى ذلك. ولهذا قال المصنف رحمه الله ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الايمان بالكلية. ولا يخلدون في النار كما تقول المعتزلة. بل الفاسق يدخل في اسم الايمان المطلق كما في قوله فتحرير رقبة مؤمنة. وقد لا يدخل في اسم الايمان المطلق كما في قوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وقوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا اشربوا الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس اليه فيها ابصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن ونقول هو مؤمن ناقص الايمان او مؤمن بايمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب اطلق الاسم وهذا تحقيق مذهب السلف الذي باينوا فيه الخوارج المارقين الذين يسلبون العصاة اسم الايمان ويخلدونهم هم في النار وباينوا فيه المعتزلة الذين وافقوا الخوارج في المعنى وخالفوهم في اللفظ. اما الكتاب والسنة فانهما دل من وجوه كثيرة على ان العبد يكون فيه خير وشر وايمان وخصال كفر وخصال نفاق. لا تخرجه عن الايمان بالكلية وان الايمان المطلق انما يتناول الايمان الممدوح الكامل في مثل قوله تعالى انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياتهم زادتهم ايمانا. وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ونحو ذلك من النصوص. واما مطلق الايمان الذي يدخل فيه الايمان الكامل والايمان الناقص. فانه قد ثبت في الكتاب والسنة اطلاقه على العصاة من المؤمنين. واجمع على ذلك سلف الامة وائمتها. قال تعالى فتحرير رقبة مؤمنة ومن المعلوم دخول اي مؤمن من الارقاء في هذا النص. وكذلك قوله تعالى فاصلحوا بين اخويكم فسماه اخوة بعد وجود الاقتتال. ويقال ايضا في توضيح ذلك ان الايمان الممدوح الذي يؤتى به في سياق الثناء على اهله انما تناولوا الايمان الكامل والايمان الذي يقال لصاحبه انه من المؤمنين يدخل فيه هذا وهذا. ويقال ايضا الايمان الذي يمنع صاحبه من التجري على الزنا وشرب الخمر والسرقة ونحوها من الفواحش هو الايمان الكامل. والايمان الذي لا يمنع من ذلك هو الناقص. وهذا هو وجه الحديث الذي ذكره المصنف لا يزني الزاني الى اخره. ويقال ايضا الايمان الذي يمنع من دخول النار هو الايمان الكامل. والايمان الذي يمنع من الخلود فيها يكون ايمانا ناقصا. وقد تواترت الاحاديث بخروج من في قلبه حبة خردل من ايمان. ويقال ايضا الاحكام الاصولية والفروعية تدور مع اسبابها وعلمها تليها واذا وجد في العبد اسباب متعارضة عمل كل سبب في مسببه. فالطاعات سبب لدخول الجنة والثواب والمعاصي سبب لدخول النار والعقاب. فاعمل كل واحد في مقتضاه. ولكن لما كانت رحمة الله عز وجل قد سبق قد غضب وفضله على العباد قد غمرهم وتنوع عليهم من كل وجه. كان اقل القليل من الايمان له الاثر المستقر الذي الذي يضمحل ضده من كل وجه. وان كان معه شيء من الايمان فان مآله الى الخلود في دار النعيم. فصل الصحابة قال المصنف رحمه الله ومن اصول اهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم والسنتهم لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله عز وجل به في قوله والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا. ربنا انك رؤوف رحيم. وهذا الدعاء الصادر ممن اتبع المهاجرين والانصار يدل على كمال محبتهم لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثنائهم عليهم. لان من سعى في امن من الامور فهو ساع في تحقيقه فاجتهد في طلبه متضرعا لربه ان يتم ذلك له. واولى من دخل في هذا الدعاء الصحابة رضي الله عنهم الذين سبقوا الى الايمان وحققوه وحصل لهم من براهينه وطرقه ما لم يحصل لغيرهم. ونفي الغل من جميع الوجوه اقتضي تمام المحبة لهم. فهم يحبون الصحابة لفضلهم وسبقهم واختصاصهم لصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم احسانهم الى جميع الامة. لانهم هم المبلغون جميع ما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم. فما وصل لاحد علم ولا خير الا على ايديهم وبواسطتهم رضي الله عنهم. قال المصنف رحمه الله وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله اتسب اصحابي؟ فوالذي نفسي بيده لو ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه على الامة ان يطيعوا النبي صلى الله عليه وسلم في كل امر. وخصوصا في هذا الامر الخاص. وان يوقروا اصحابه ويحترموهم. ويعتقدون وان العمل القليل منهم يفضل العمل الكثير من غيرهم. كما في هذا الحديث وهذا من اعظم براهين فضلهم على غيرهم قال المصنف رحمه الله ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والاجماع من فضائلهم ومراتبهم. ويفضلون من انفق من قبل للفتح وهو صلح الحديبية وقاتل على من انفق من بعده وقاتل. وقد ذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للصحابة فضائل كثيرة على الامة. فيجب على الامة الايمان بها وان يحبوا الصحابة لاجلها. وقيل لصلح الحديبية فتح ما ترتب عليه من المصالح والخير الكثير ودخول الكثير في الاسلام. ولهذا كان من اسلم قبل ذلك وانفق وقاتل افضل ممن فعل قبل ذلك بعده لما حصل لهم من السبق في الاسلام وقت ضعف المسلمين وكثرة الاعداء ووجود الموانع والمصاعب الكثيرة في طريق الاسلام ثم قال المصنف رحمه الله ويقدمون المهاجرين على الانصار وهذا لان المهاجرين جمعوا الوصفين نصرة والهجرة. ولهذا كان الخلفاء الراشدون وبقية العشرة من المهاجرين. وقد قدم الله ذكر المهاجرين على الانصار في سور سورة التوبة والحشر وهذا التفضيل للجملة على الجملة لا لكل فرد من هؤلاء على كل فرد من الاخرين. قال المصنف رحمه الله ويؤمنون بان الله قال لاهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وبانه لا يدخل النار احد بايع تحت الشجرة. كما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وكانوا اكثر من الف واربعمائة. اي رضي الله عنهم في قوله لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة وكان عددهم يتراوح ما بين الف واربعمائة او خمسمائة. فاهل بدر واهل بيعة الرضوان يشهد لهم بالجنة والنجاة من من النار على وجه اخص من الشهادة بذلك لجميع الصحابة في قوله. وكلا وعد الله الحسنى. ولهذا قال المصنف رحمه الله ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة وثابت ابن قيس ابن شماس وغيرهم من وهذا من اعظم الفضائل تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالشهادة بالجنة وهو من جملة براهين رسالته صلى الله عليه وسلم. فان جميع من عينه النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة له بالجنة ولوازمها. لم يزالوا مستقيمين على ايمان حتى وصلوا الى ما وعدوا به رضي الله عنهم. قال المصنف رحمه الله ويقرون بما تواتر به عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه وغيره من ان خير هذه الامة بعد نبيها ابو بكر ثم عمر سلسون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم كما دلت عليه الاثار وكما اجمع الصحابة على تقديم عثمان رضي الله عنه في البيعة. ايها الخلافة وخلافة احد الاثنين لم يكن الا بعد مشاورة جميع المسلمين على اختلاف طبقاتهم والقصة مشهورة في كتب التاريخ. قال المصنف رحمه الله مع ان بعض اهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما. بعد اتفاقهم على تقديم ابي بكر وعمر رضي الله عنهما ايهما افضل. فقدم قوم عثمان وربعوا بعلي وقدم قوم عليا وتوقفوا لكن استقر امر اهل السنة على تقديم عثمان ثم علي رضي الله عنهما وان كانت هذه المسألة مسألة عثمان وعلي رضي الله عنهما ليست من الاصول التي يضلل يخالف فيها عند جمهور اهل السنة. ولكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة. وذلك انهم يؤمنون ان الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم. ومن طعن في خلافة احد من هؤلاء هو اضل من حمار اهله. يريد المؤلف رحمه الله ان الخلاف الكائن بين الامة على وجهين. احدهما الخلاف في الفروع والمسائل الاجتهادية التي اذا اجتهد فيها الحاكم من قاض ومفت ومصنف ومعلم فاصاب فله اجران واذا اجتهد واخطأ فله اجر واحد. الوجه الثاني الخلاف في المسائل الاصولية. كمسائل صفات الباري والقدر والايمان ونحوها وهذا يضلل فيها المخالفون لما دل عليه الكتاب والسنة. ولما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم باحسان. فمسألة خلافة وتقديم علي على عثمان رضي الله عنهما فيها. يعد من البدع التي من اعتقدها فهو في الغالب متشيع. وقد يزرى بالمهاجرين والانصار. كما قال ذلك غير واحد من السلف. واما التفضيل بينهما فانها مسألة خفية من جنس في مسائل الخلاف في المسائل الاجتهادية. قال المصنف رحمه الله تعالى ويحبون اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تولونهم ويحفظون فيهم وصية محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم. اذكركم الله في اهل بيتي. وقال ايضا ابن عباس عمه وقد اشتكى اليه ان بعض قريش يجفوا بني هاشم فقال والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله قرابة فمحبة اهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة من وجوه. منها اولا لاسلامهم وفضلهم وسوابقهم ومنها لما يتميزون به من قرب النبي صلى الله عليه وسلم واتصالهم بنسبه. ومنها لما حث عليه صلى الله عليه وسلم ورغب فيه. ولما في ذلك من علامة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال المصنف رحمه الله وقال صلى الله عليه وسلم ان الله اصطفى من بني اسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني واصطفاني من بني هاشم. فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار. وقد جمع الله له انواع الشرف من كل وجه. قال المصنف رحمه الله ويتولون ازواج النبي صلى الله عليه وسلم امهات المؤمنين. ويؤمنون بانهن ازواجه في الاخرة خصوصا خديجة رضي الله عنها ام اكثر اولاده. فان جميع اولاده الذكور والاناث منها الا ابراهيم فانه من سريته مارية القبطية. قال المصنف رحمه الله واول من امن وعاضده على امره. وكان لها منه المنزلة الطيبة. والصديقة بنت الصديق التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. وعائشة وخديجة رضي الله عنهما هما افضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف العلماء ايهما افضل والتحقيق ان لكل واحدة منهن من الفضائل خصائص ما ليس للاخرى. فلخديجة من السبق ومعاونة النبي صلى الله عليه وسلم على امره في اول الامر. وتثبيته اكثر اولاد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ليس لعائشة. ولعائشة من العلم والتعليم ونفع الامة ما ليس لخديجة رضي الله عنهم قال المصنف رحمه الله ويتبرأون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم وطريقة نواصب الذين يؤذون اهل البيت بقول او عمل. واول من سمى الروافض بهذا اللقب زيد بن علي الذي خرج في اوائل دولة بني العباس وبايعه كثير من الشيعة ولما نظروه في ابي بكر وعمر رضي الله عنهما وطلبوا منه ان ان يتبرأ منهما فابى تفرقوا عنه فقال رفضتموني فمن يومئذ قيل لهم الرافضة. وكانوا فرقا كثيرة منهم الغالية ومنهم من هم دون ذلك. وفرقهم معروفة. واما النواصب فهم الذين نصبوا العداوة والاذية لهم كاهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وكان لهم وجود في صدر هذه الامة. لاسباب وامور سياسية معروفة. ومن من طويل ليس لهم وجود والحمدلله. ثم قال المصنف رحمه الله ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون ان هذه الاثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه. والصحيح منه هم فيه اما مجتهدون مصيبون واما مجتهدون مخطئون. وهم مع ذلك لا يعتقدون ان كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الاثم وصغائره بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم ان صدر حتى انهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم. لان لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم. وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم خير القرون وان المد من احدهم اذا تصدق به كان افضل من جبل احد ذهب ابى ممن بعدهم. ايه وهذه الامور اذا قبلت بالمساوي على فرض ان هناك مساوئ اضمحلت تلك المساوي معها لا يقاربهم احد في شيء من ذلك رضي الله عنهم. قال المصنف رحمه الله ثم اذا كان قد صدر عن احد منهم ذنب كونوا قد تاب منه او اتى بحسنات تمحوه او غفر له بفضل سابقته او بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم احق الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم او ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه. فاذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الامور التي كانوا فيها مجتهدين ان اصابوا فلهم اجران وان اخطأوا فلهم اجر. والخطأ مغفور. ثم ان القدر الذي من فعل بعضهم قليل نزر مغفور. في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الايمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح. ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة. وما من الله عليهم به من الفضائل علم يقينا انهم خير الخلق بعد الانبياء. لا كان ولا يكون مثلهم وانهم الصفوة من قرون هذه الامة. التي هي خير الامم واكرمها على الله. وهذا كلام نفيس في غاية التحقيق والابداع. ولا زيادة عليه في اقامة على كمال فضل الصحابة رضي الله عنهم. لا يحتاج الى شرح او بيان. فصل كرامات الاولياء. قال المصنف رحمه الله ومن اصول اهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الاولياء وما يجري الله على ايديهم من خوارق العادات في انواع العلوم والمكاشفات وانواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سلف الامة في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الامة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الامة. وهي موجودة فيها الى يوم القيامة. وتواترت نصوص الكتاب والسنة والوقائع قديما وحديثا على وقوع كرامات الله لاوليائه. المتبعين لانبيائه عليهم الصلاة والسلام. وكرامتهم في الحقيقة تفيد ثلاث قضايا اعظمها الدلالة على كمال قدرة الله عز وجل ونفوذ مشيئته. وكما ان سننا واسبابا تقتضي مسبباتها الموضوعة لها شرعا وقدرا. فان لله ايضا سننا اخرى. لا يقع عليها البشر ولا تدركها اعمالهم واسبابهم. فمعجزات الانبياء وكرامات الاولياء. بل وايام الله عز وجل وعقوباته في اعدائه الخارقة للعادة كلها تدل دلالة واضحة ان الامر كله لله. والتقدير والتدبير كله لله. وان الله عز وجل سننا لا يعلمها بشر ولا ملك. فمن ذلك قصة اصحاب الكهف والنوم الذي اوقعه الله عز وجل بهم تلك عظيمة وقيد اسبابا متنوعة لحفظ دينهم وابدانهم. كما ذكر الله عز وجل في قصتهم. ومنها ما اكرم الله عز وجل به مريم بنت عمران. وانه كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا. قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب. وكذلك حملها وولادتها بعيسى عليه الصلاة والسلام على ذلك الوصف الذي ذكر الله عز وجل وكلامه في المهد هذا فيه كرامة لمريم ومعجزة لعيسى عليه السلام وكذلك هبته تعالى الولد لابراهيم من سارة. وهي عجوز عقيم على كبره كما وهبني زكريا يا يحيى على كبره وعقم زوجته. وهذه معجزة للنبي وكرامة لزوجته. وقد اطال المؤلف النفس وبسط الكلام في هذا الموضوع في كتابه الفرقان بين اولياء الرحمن واولياء الشيطان. وذكر قصصا كثيرة متوافرة تدل على هذه القضية. القضية الثانية ان وقوع الكرامات للاولياء في الحقيقة معجزات للانبياء. لان تلك الكرامات لم تحصل لهم الا ببركة متابعة نبيهم. الذي نالوا به خيرا كثيرا من جملتها الكرامات. القضية الثالثة ان كرامات الاولياء هي من البشرى المعجلة لهم في الحياة الدنيا. كما قال تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا وهي على قول بعض السيرين كل امر يدل على ولايتهم وحسن عاقبتهم. ومن ذلك الكرامات ولم تزل الكرامات موجودة لم تنقطع في اي وقت وفي اي زمن وقد رأى الناس منها العجائب والامور الكثيرة ولم ينكرها الا زنادقة الفلاسفة وليس غريبا عليهم فانه فرع عن جحودهم وانكارهم لرب العالمين ولقضائه وقدره. وقد انكرها ايضا طائفة من اهل الكلام ظنا منهم ان في اثباتها ابطال لمعجزات الانبياء وهذا وهم باطل ابطله المؤلف في كتابه النبوات وغيره من كتبه. فاهل السنة والجماعة يعترفون بكرامات الله لاوليائه اجمالا وتفصيلا. ويثبتون ذلك على وجه التفصيل كما ورد عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وكما تحقق وقوعه ولكن قد ادخل كثير من الناس في الكرامات امورا كثيرة اخترعوها وافتروها وخدعوا بها العوامة والسذج من الناس. واوهموهم بانها من الكرامات وليست الا قسما من الخرافات والشعوذات. واهل السنة ابعد الناس عن التصديق بالخرافات والاكاذيب المفتراة. واعرفهم بالطرق التي يتبين بها كذب الكاذبين وافتراء المفترين. فصل اهل السنة قال المصنف رحمه الله ثم من طريقة اهل السنة والجماعة اتباع اثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا واتباع سبيل السابقين الاولين من المهاجرين والانصار واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال عليكم بسنة وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي. تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. واياكم ومحدثات الامور. فان كل بدعة ويعلمون ان اصدق الكلام كلام الله. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. ويؤثرون كلام الله على غيره من كلام اصناف الناس ويقدمون هدي محمد صلى الله عليه وسلم على هدي كل احد. ولهذا سموا اهل الكتاب والسنة اهل الجماعة لان الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة. وان كان لفظ الجماعة قد صار اسما لنفس القوم المجتمعين اجماع هو الاصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين. وهم يزنون بهذه الاصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من اقوال واعمال مال باطنة او ظاهرة مما له تعلق بالدين. والاجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح. اذ بعدهم كثر خلاف انتشر في الامة. لما ذكر طريقة اهل السنة في مسائل الاصول المعينة ذكر طريقهم الكلي في اخذ دينهم. اصوله وفروعه وانهم سلكوا في ذلك الصراط المستقيم والعصمة النافعة. الكتاب والسنة واتبعوا اعظم الناس معرفة وعلما واتباعا للكتاب والسنة وهم الصحابة رضي الله عنهم عموما. والخلفاء الراشدون خصوصا. فسلكوا الى الله عز وجل ذلك الطريق مستصحبين هذه الاصول الجليلة وما جاءهم مما قاله الناس او ذهبوا اليه من المقالات وزنوه بمعيار الكتاب والسنة واجماع الصحابة والقرون المفضلة ولا استقامت طريقتهم وسلموا من بدع الاقوال المخالفة لما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. واصحابه رضي الله عنهم في الاعتقادات كما سلموا من بدع الاعمال فلم يتعبدوا ولم يشرعوا الا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فصل قضايا كلية. ثم قال المصنف رحمه الله ثم هم مع هذه الاصول يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. اي باليد ثم باللسان ثم بالقلب تبعا للقدرة والمصائب ويسلكون اقرب طريق يحصل به المقصود بالرفق والسهولة. متقربين بنصيحة الخلق الى الله. قاصدين نفع خلقي وايصالهم الى كل خير. وكفهم عن كل شر. ساعين في ذلك حسب وسعهم. قال المصنف رحمه الله ويرون اقامة الحج والجهاد والجمع والاعياد مع الامراء ابرارا كانوا او فجارا. وذلك لان غرضهم الوحيد تحصيل المصالح وتكملتها وتعطيل المفاسد وتقليلها فلا يمتنعون من اعانة الظالم على الخير وترغيبه فيه قول وفعلا فيشاركون الولاة الظلمة في الخير ويفارقونهم في الشر ويحرصون على الاتفاق وينهون عن الافتراق قال رحمه الله ويحافظون على الجماعات ويدينون بالنصيحة للامة ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كلبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك بين اصابعه صلى الله عليه وسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى ويأمرون بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بمر القضاء. ويدعون الى مكارم الاخلاق ومحاسن الاعمال ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا. ويندبون كأن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ويأمرون ببر الوالدين وصلة الارحام وحسن الجوار والاحسان الى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق او بغير حق ويأمرون بمعالي الاخلاق وينهون عن سفاسفها. وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فان انما هم فيه متبعون للكتاب والسنة. وطريقتهم هي دين الاسلام الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم. لكن لما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان امته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة. كلها في النار الا واحدة وهي الجماعة. وفي في حديث عنه صلى الله عليه وسلم انه قال هم من كان على مثل ما انا عليه اليوم واصحابي صار المتمسكون بالاسلام الخالص عن الشوب هم اهل السنة والجماعة. وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون. ومنهم اعلام الهدى ومصابيح الدجى واولو المناقب المأثورة والفضائل المذكورة وفيهم الابدال وفيهم ائمة الدين الذين اجمع المسلمون على هدايتهم وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من امتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة. فنسأل الله ان يجعلنا منهم والا يزيغ بعد اذ هدانا ويهب لنا من لدنه رحمة. انه هو الوهاب. وهذا كلام جامع واضح نادر جمعه في موضع واحد. لا يحتاج الى شرح ولا الى مزيد من الايضاح. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وعلى محمد واله وسلم. وقال ذلك وكتبه معلقه عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي غفر الله له