ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الصدقة برهان اي برهان ودليل على صحة ايمان صاحبها فان الايمان محبوب ويجب تقديم هذا المحبوب على جميع محاب النفوس. فمتى تعارض الداعي الطبيعي وهو الشح وداعي الايمان عند هذا التعارض نظر في عدة ايات ان الانفاق في حقوق الايمان الكلية الكبار. وانه لا يتم ايمان عبد حتى يؤدي الزكاة. وحتى ينفق النفقات المأمورة وبها وان من قوي ايمانه لا يتمادى معه خلق البخل والشح بل ياتي انفاقه تبعا منقادا لداعي الايمان. وهذا اقوى علاج لهذا المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الخامس والعشرون في ان القرآن شفاء لما في الصدور من الامراض ورحمة جالبة للخير. قد اخبر الله في عدة ايات من كتابه ان القرآن شفاء من الامراض وخصوصا الامراض القلبية وانه رحمة تحصل بها الخيرات والكرامات فبه تزول المكاره وبه يحصل المحاب اخبر بذلك في عدة مواضع وشرح كلامه المفصل لهذا الامر العام في مواضع عند كلامه على التشريع وتفصيله الاوامر والنواهي فصل الامراض القلبية وشخصها وبين اضرارها ومفاسدها الكثيرة. وذكر العباد كيف يسعون في ازالتها واقتلاعها اه وتوجيهها الى ما ينفع ولا يضر. نذكر لهذا الاصل امثلة يتضح بها الامر. فمنها ان الشح طبيعة نفسية ومرض داخلي في قوله تعالى واحضرت الانفس الشح. وان الانسان مجبول على محبة المال وانه لحب الخير لشديد. وذلك يقتضي من كل وجه فهذا المرض موجود في كل النفوس البشرية. متغلغل في الضمائر. ولكنه تعالى عالجه بعلاجات قوية نافعة عالجه بقوة تقهر جميع القوى النفسية اذا تمت. وهي قوة الايمان. وبين ان الايمان يدعو المؤمنين الى القيام بجميع حقوق وخصوصا الواجبات الكبار والحقوق الضرورية كالنفقة في الزكاة والجهاد وعلى المحتاجين وعلى من لهم حق على الانسان من هو المؤمن حقا؟ الذي يوفي كل ما عليه لا يلتفت الى شح وبخل ومحبة للمال. ممن لم يصل الايمان الى قلبه. وهو الذي يعبدوا الله على حرف ان سلم من المعارضات ثبت على دينه وان عارضه اي هوى يكون انحاز مع الهوى وترك الدين فهذا قد خسر ترى الدنيا والاخرة. عالج هذا الخلق ايضا بالترغيب المتنوع في النفقات. بالثواب العاجل والاجل. وما فيه من الخلف وتنمية خلق الكرم جود والاجر المتضاعف الذي لا يدع المؤمن يتجارى مع بخله وشحه. ويفوت المغانم الجليلة والاثار الجميلة. وايضا يرهب من عقوبات الممسكين وعواقب البخلاء المانعين. فكم حدا هذا الترغيب والترهيب الى البذل في الواجبات والمستحبات بنفوس مطمئنة وقلوب واثقة بوعد الله خائفة من وعيده. وقرر ذلك بذكر مآل المحسنين. وما نالوا من الخير العاجل والاجل. ومآل الممسكين كيف كانت عواقبهم اسوأ العواقب؟ كيف زالت نعمهم ومحابهم؟ وحلت بهم النقم والمكاره. ولم يزل يرغبهم في الانفاق بكل وسيلة يخبرهم ان من اطاع الشح وقد اطاع الشيطان الذي يعد بالفقر ويخرج من القلب الثقة بالله والرحمة بعباد الله وان من انفق فقد اطاع الله وحصلت له المغفرة الشاملة والرحمة العامة والفضل والخلف العاجل والبركة في الرزق. ولم يزل يعالجهم بهذه الادوية النافعة حتى انقادت نفوس المؤمنين راغبة طائعة مختارة مؤثرة ما عند الله مطمئنة بفضله. ربما وصلت الحال بكثير منهم الى ان ما يعطون احب اليهم مما يأخذون. لاهل الكرم هنا حكايات جميلة في بذلهم وايثارهم. وكيف انقلب ذلك الطبع الجبلي بالعلاجات الشرعية والادوية الربانية الى ضده. ومن ذلك انه ابدى واعاد في ذم الرياء ومصانعة الخلق وانه خلق رذيل ساقط دنيء جدا من اخلاق المنافقين الارذلين المنقطعين عن رب العالمين. في تعلقهم به وبما يحبه ويرضاه. فلم يزل ليبينوا لهم رذالة هذا الخلق وانه لا يتصف به الا الاراذل من المنافقين. وانهم في الدرك الاسفل من النار كما كانوا في الدرك الاسفل اسفل من الاخلاق ويبين ان المرائي مع ضعف دينه قد ضعف عقله فانه رأى المخلوقين الفقراء العاجزين. الذين لا يملكون لانفسهم فضلا عن غيرهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وان من عمل لاجلهم فقد اعتمد على غير معتمد. وافتكأ على شفا جرف هار وان المخلصين هم اهل الهمم العالية والاجور الفاضلة. وان الجزاء بحسب الاخلاص. والاعمال بالنيات وان العمل القليل من المخلص يزن الاعمال الكثيرة ممن لم يكن كذلك. وان المخلصين هم الذين يخلصهم في الدنيا من الفتن والاثام ومن العقوق والالام وانه باخلاصهم يحلهم المقامات العالية في دار السلام. لم يزل يعالجهم بهذه العلاجات العالية حتى علموا علم قيل انه لا عمل الا بالاخلاص وان الاخلاص هو السبب الوحيد المنجي من المكاره. المحصل للمحاب كلها وان الله لم يخلقهم الا ليخلصوا له الدين ويقوموا بعبوديته وحده لا شريك له. وان من رأى الناس بعمله فقد خسر دينه وعقله وعلمه وتعلق بغير متعلق فاي مرض يبقى مع هذه العلاجات الناجحة الراقية التي هي علاج العزيز الحكيم. الرب الرحيم الذي هو ارحم بعباده من الوالدة بولدها فتبارك الله رب العالمين. ومن ذلك داء الكبر الذي هو اشر الادواء واخسها واسقطها. وهو رد الحق واحتقار الخلق والتعامل عليهم اخبر تعالى في عدة ايات ان هذا ليس من صفات الازكياء ولا الاخيار من العباد وانه من صفات الجبابرة الذين لم يعرفوا ربهم ولم يعرفوا حقيقة انفسهم وان قلوبهم امتلأت من هذا الخيال الباطل. وهو التعاظم على الحق الذي يجب على جميع الخلق الدخول تحت دقه وهو غاية شرفهم وعبودية الله والافتقار له والخضوع له. اكمل خلعة خلعت على العبد وافضل عطية يعطاها. فالمتكبر وخلع هذه الخلعة العالية واستبدل بها الخلعة الخسيسة الكبر الذي هو خيال لا يبلغه العبد بالكلية. ولهذا قال تعالى الذين يجادلون في ايات الله بغير سلطان اتاهم في صدورهم ان في صدورهم الا كبر ما هم ببالغين. فاستعذ بالله اه انه هو السميع البصير. فكذلك الكبر على الخلق واحتقارهم وازدراؤهم. لا ريب انه وشر الاخلاق كما قال صلى الله عليه وسلم بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم. ولو علم المسكين ماذا فاته من الخير وماذا حصل له من الشر والمقت لناح على نفسه وندبها وعلم انه وضعها في اسقط المواضع وعرضها للعقوبات المتنوعة. حذرهم تعالى من هذا الخلق الرذيل بانه لا يحب المتكبرين. بل يمقتهم اشد المقت ويوقع عليهم اللعنة منه. ومن عباده وان النار مثوى مكبرين وان من تكبر اهانه الله وخذله ومن تواضع اكرمه ورفعه بما في خلق التواضع من الخير والبشارة والثواب العاجل والاجل وان المتواضع قريب من الله قريب من الناس قريب من الرحمة قريب من الجنة بعيد من النار والمتكبر بضده. فما زال الله يشرح لهم عن هذا الخلق ويصوره باشنع صورة ويذكر اثاره القبيحة حتى اقتلعه من قلوب المؤمنين. استبدلوا به خلق التواضع الجميل خلق الانبياء الاصفياء والاولياء. ومن ذلك داء الحسد والغل والحقد والغش للعباد. اخبرهم انه خلق الاراذل وانه موجب الله وعقابه ونقص الايمان وخلو القلوب من النصح الذي هو اساس الخير. وانه خلق الجبابرة الذين اوقع بهم العقوبات كقوم شعيب وغيرهم وانه من البغي الذي يعود ضرره على الباغي. وان القلوب المتصفة به قلوب منحرفة عن الخير مقبلة على الشر وكفى بهذا شرا وضررا. وبمقابلة ذلك اخبرهم تعالى بان النصح وسلامة الصدور من اخلاق الانبياء. واوصاف الاصفياء. وان الدين انه النصيحة باكملها وان من خلا من النصيحة فقد فقد دينه وفقد اخلاقه وان خواص المؤمنين هم الذين يدعون ربهم في زوال هذا الخلق عنهم فيقولون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان. ولا تجعل في قلوبنا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم. وان من جمع الله له وبين محبة الله والنصح لعباده فقد جمع كل خير. ما زال الله في كتابه وعلى لسان رسوله يعالج العباد عن هذا الخلق. بهذه العلاجات الية الناجحة المضمون لها الشفاء حتى ظهرت اثارها على المؤمنين. وبدت انوارها وخيراتها على المستجيبين. ومن ذلك داء الغفلة اعراض عن الله وعن طاعته بين تعالى انه مناف لما خلق له العباد. فان الله خلقهم ليعبدوه. واسدى عليهم النعم ليشكروه بذلك من نعم الى اكبر منها. وان الغافلين المعرضين نسوا الله فانساهم انفسهم. انساهم مصالحها ومنافعها حتى اهملوا وضروها غاية الضرر وان غاية المعرض انه اعرض عمن كل السعادة والخير والفلاح في الاقبال عليه الى من كل الشقاء طيبة والخسران في الاقبال عليه استبدل الخسيس بالنفيس. والامور الدنية عن الامور العلية. وان المعرضون ييسرون للعسر اليسرى ولا يزالون ينتقلون من شقاء الى اخر وانهم حرموا الخيرات وحصلوا على الشرور والحسرات. ونعى على المعرضين احوالهم كلها وان اسماعهم وابصارهم وافئدتهم ما اغنت عنهم شيئا ولاستفادوا منها الا قيام الحجة فتبا للمعرضين وما اقبح احوال الغافلين ثم في مقابلة ذلك يذكر تعالى حالة المنيبين المقبلين عليه الراضين لفضله الطامعين في بره وانه تعالى سيجازيهم من خيره وبره العاجل ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وانهم في حياة طيبة ونعيم عاجل وطمع في نعيم واخبر تعالى ان لهم الفوز المطلق والسعادة الابدية. فبهذه الادوية الجليلة اقبلت القلوب اليه وصغت اليه الافئدة. وتزودت من طاعته اكمل حظ واوفر نصيب. وقوى ذلك ان القلوب الصحيحة مجبولة على محبة الكمال. وعلى محبة من احسن اليها. والله تعالى له الكمال المطلق التام من جميع الوجوه لا غاية لكماله ولا منتهى لجلاله ومن النعم كلها ظاهرها وباطنها. فيا ويح المعرضين من الغافلين عنه ويا سعادة المقبلين عليه. فهذه امثلة توضح لك وجه ان هذا القرآن جعله الله شفاء لما في الصدور. ورحمة وهدى عليها كل داء قلبي وبدني. وبالله التوفيق