كما قالت الملائكة والرسل سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا. وان يتوقى التكلم بما لا يعلم فان العلم اعظم المنن وشكر هذه النعمة الاعتراف لله بها ثناء عليه بتعليمها تعليم الجهال والوقوف على ما علمه العبد. والسكوت عما لم يعلمه. ومنها ان الله جعل هذه القصة لنا معتبرا وان الحسد والكبر والحرص من اخطر الاخلاق على العبد. فكبر ابليس وحسده لادم المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله فصل في قصة ادم ابي البشر. لم يزل الله اولا ليس قبله شيء. ولم يزل فعالا لما يريد. ولا خلا وقت من الاوقات من افعال واقوال تصدر عن مشيئته وارادته بحسب ما تقتضيه حكمة الله. الذي هو حكيم في كل قدره وقضاه. كما هو حكيم في كل ما شرعه لعباده. فلما اقتضت الحكمة الشاملة والعلم المحيط من الله والرحمة السابغة خلق ادم ابي البشر الذين فضلهم الله على كثير ممن خلق تفضيلا اعلم الملائكة وقال اني جاعل في الارض خليفة يخلف من كان قبلكم من المخلوقات التي لا يعلمها الا هو قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وهذا منهم تعظيم لربهم واجلال له على انه ربما يخلق مخلوقا يشبه اخلاق المخلوقات الاول. او ان الله تعالى اخبرهم بخلق ادم وبما يكون من مجرم في ذريته. قال الله للملائكة اني اعلم ما لا تعلمون فانه محيط علمه بكل شيء وبما يترتب على هذا المخلوق من المصالح والمنافع التي لا تعد ولا تحصى وعرفهم تعالى بنفسه بكمال علمه وانه يجب الاعتراف لله بسعة العلم والحكمة التي من جملتها انه لا يخلق شيئا عبثا ولا لغير حكمة. ثم بين لهم على وجه التفصيل فخلقه بيده تشريفا له على جميع المخلوقات. قبض قبضة من جميع الارض سهلها وحزنها طيبها وخبيثها ليكون النسل على هذه الطبائع. فكان ترابا اولا ثم القى عليه الماء فصار طينا. ثم لما قال مدة بقاء الماء على الطين تغير ذلك الطين فصار حمأ مسنونا. طينا اسود ثم ايبسه بعدما صوره بارك الفخار الذي له صلصلة. وفي هذه الاطوار هو جسد بلا روح فلما تكامل خلق جسده نفخ فيه الروح فانقلب ذلك الجسد الذي كان جمادا حيوانا له عظام ولحم واعصاب وعروق. وروح هي حقيقة الانسان واعده الله لكل علم وخير. ثم اتم عليه النعمة فعلمه اسماء الاشياء كلها. والعلم التام يستدعي الكمال التام جمال الاخلاق. فاراد الله ان يري الملائكة كمال هذا المخلوق فعرض هذه المسميات على الملائكة وقال لهم انبئوني باسمائه ان كنتم صادقين في مضمون كلامكم الاول الذي مقتضاه ان ترك خلقه اولى. هذا بحسب ما بدا لهم في تلك الحال فعجزت الملائكة عليهم السلام عن معرفة اسماء هذه المسميات وقالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا. انك انت العليم الحكيم. قال الله يا ادم انبئهم باسمائهم. فلما انبأهم باسمائهم شاهد الملائكة من كمال هذا المخلوق وعلمه ما لم يكن لهم في حساب وعرفوا بذلك على وجه التفصيل والمشاهدة كمال حكمة الله وعظموا ادم غاية التعظيم فاراد الله ان يظهر هذا التعظيم والاحترام لادم من الملائكة ظاهرا وباطنا فقال للملائكة اسجدوا لادم احتراما له وتوقيرا وتبجيلا وعبادة منكم لربكم وطاعة ومحبة وذلا فبادروا كلهم اجمعون فسجدوا وكان ابليس بينهم. وقد وجه اليه الامر بالسجود معهم وكان من غير عنصر الملائكة كان من الجن المخلوقين من نار السموم. وكان مبطنا للكفر بالله. والحسد لهذا الانسان الذي فضله الله هذا التفضيل. فحمله كبره وكفره على الامتناع عن السجود لادم كفرا بالله واستكبارا. ولم يكفه الامتنان حتى باح بالاعتراض على ربه والقدح في حكمته فقال انا خير منه. خلقتني من نار وخلقته من طين. فقال الله له يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت كي استكبارك ام كنت من العالين. فكان هذا الكفر والاستكبار والاباء منه. وشدة النفاق هو السبب الوحيد ان يكون مطرودا ملعونا. فقال الله له فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج انك من الصابرين فلم يخضع الخبيث لربه ولم يتب اليه بل بارزه بالعداوة وصمم التصميم التام على عداوة ادم وذريته ووطن نفسه لما علم انه حتم عليه الشقاء الابدي ان يدعو الذرية بقوله وفعله وجنوده الى ان من حزبه الذين كتبت لهم دار البوار. فقال رب انظرني الى يوم يبعثون. فيتفرغ لاعطاء حقها في ادم وذريته ولما كانت حكمة الله اقتضت ان يكون الادمي مركبا من طبائع متباينة واخلاق طيبة او خبيثة. وكان لابد من تمييز هذه الاخلاق وتصفيتها بتقدير اسبابها من الابتلاء والامتحان الذي من اعظمه تمكين هذا العدو من دعوتهم الى كل شر اجاب فانك من المنظرين. الى يوم الوقت المعلوم. فقال لربه معلنا معصيته وعداوته ادم وذريته فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لاتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين قال ابليس هذه المقالة ظنا منه لانه عرف ما جبل عليه الادمي ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين فمكنه الله من الامر الذي يريده ابليس في ادم وذريته. فقال الله له اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء موفورا. واستفزز من استطعت منهم صوتك واجلب عليهم بخيرك ورجلك. وشاركهم في الاموال والاولاد. اي ان قدرت فاجعلهم منحرفين في تربية اولادهم الى التربية الضارة. وفي صرف اموالهم المصارف الضارة. وفي الكسب الضار. وايضا شارك منهم من اذا تناول طعاما او شرابا او نكاحا ولم يذكر اسم الله عليه ذلك في الاموال والاولاد. وعدهم اي مرهم ان يكذبوا بالبعث والجزاء. والا يقدموا على خير. وخوفهم من اوليائك خوفهم عند الانفاق النافع بالفحشاء والبخل. وهذا من الله لحكم عظيمة واسرار. وانك ايها العدو المبين لا تبقي من تقدورك في اغوائهم شيئا. فالخبيث منهم يظهر خبثه. ويتضح شره. والله لا يعبأ به ولا يبالي. واما خاص الذرية من الانبياء واتباعهم من الصديقين والاصفياء طبقات الاولياء والمؤمنين. فان الله تعالى لم يجعل لهذا العدو عليهم تسلطا. بل اقام عليهم سورا منيعا هو حمايته وكفايته. وزودهم بسلاح لا يمكن عدوهم مقاومتهم. بكمال الايمان بالله وقوة توكلهم عليه انه ليس له سلطان على الذين امنوا وعلى ربهم يتوكلون. ومع ذلك فاعانهم على مقاومة هذا العدو المبين بامور كثيرة. انزل عليهم كتبه المحتوية على العلوم النافعة. والمواعظ المؤثرة والترغيب الى فعل الخيرات والترهيب من فعل الشرور. وارسل اليهم الرسل مبشرين من امن بالله واطاعه بالثواب العاجل. ومنذرين من كفر وكذب بالعقوبات المتنوعة. وضمن لمن اتبع هداه الذي انزل به كتبه وارسل به رسله الا يضل في الدنيا ولا اشقى في الاخرة. وانه لا خوف عليه ولا حزن يعتريه. وارشدهم في كتبه. وعلى السنة رسله الى الامور التي بها يحتمون من هذا العدو المبين. وبين لهم ما يدعو اليه هذا الشيطان وطرقه التي يصطاد بها الخليقة كما بينها لهم ووضحها فقد ارشدهم الى الطرق التي ينجون بها من شره وفتنته. واعانهم على ذلك اعانة قدرية خارجة عن قدرتهم بانهم لما بذلوا المجهود واستعانوا بالمعبود سهل لهم كل طريق يوصل الى المقصود. ثم ان الله تعالى اتم نعمته على ادم فخلق منه زوجته حواء من جنسه وعلى شكله. ليسكن اليها وتتم المقاصد المتعددة. من الزواج والالتئام تنبث الذرية بذلك. وقال له ولزوجته ان الشيطان عدو لكما. فاحذراه غاية الحذر. فلا يخرجنكما من الجنة التي اسكنكما الله اياها. واباحكما ان تأكلا من جميع ثمارها. وان تتمتع بجميع لذاتها الا شجرة معينة في هذه الجنة. فحرمها عليهما فقال فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين. وقال الله لادم في تمتيعه هذه الجنة ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى. وانك لا تظمأ فيها ولا تضحى. فمكثا في الجنة ما شاء الله على هذا الوصف الذي ذكره الله تعالى وعدوهما يراقبهما ويراصدهما. وينظر الفرصة فيهما. فلما رأى سرور ادم بهذه ورغبته العظيمة في دوامها جاءه بطريق لطيف. في صورة الصديق الناصح فقال يا ادم هل ادلك على شجرة اذا اكلت منها خلدت في هذه الجنة؟ ودام لك الملك الذي لا يبلى. فلم فليوسوس ويزين ويسول ويعد ويمني ويلقي عليهما من النصائح الظاهرة. وهي اكبر الغش حتى غرهما كلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها وحرمها عليهما. فلما اكلا منها بدت لهما سوءاتهما. بعدما كانا قرين وطفقا يخصفان على انفسهما من اوراق تلك الجنة. اي يلزقان على ابدانهما العارية. ليكون بدل اللباس وسقط في ايديهما. وظهرت في الحال عقوبة معصيتهما وناداهما ربهما الم انهكما عن تلكما الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين رعى الله في قلوبهما التوبة التامة والانابة الصادقة. فتلقى ادم من ربه كلمات وقال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. فتاب الله عليهما ومحى الذنب الذي اصاب ولكن الامر الذي حذرهما الله منه وهو الخروج من هذه الجنة ان تناول منها تحتم فهو مضى فخرج منها الى الارض التي حشي خيرها بشرها وسرورها بكدرها. واخبرهما الله انه لابد ان يبتليهما وان من امن وعمل صالحا كانت عاقبته خيرا من حالته الاولى. ومن كذب وتولى فاخر امره الشقاء ابدي والعذاب السرمدي. وحذر الله الذرية منه فقال يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما. انه يراكم هو وقبيله ومن حيث لا ترونهم وابدلهم الله بذلك اللباس الذي نزعه الشيطان من الابوين بلباس يواري السوءات ويحصل به الجمال الظاهر في الحياة ولباس اعلى من ذلك وهو لباس التقوى. الذي هو لباس القلب والروح بالايمان والاخلاص والانابة. والتحلي بكل خلق كريم والتخلي عن كل خلق رذيل. ثم بث الله من ادم وزوجه رجالا كثيرا ونساء ونشرهم في الارض واستخلفهم فيها لينظر كيف يعملون فوائد مستنبطة من هذه القصة اصولية وفروعية واخلاق واداب فمنها ان هذه القصة العظيمة ذكرها الله في كتابه في مواضع كثيرة طريحة لا ريب فيها ولا شك وهي من اعظم القصص التي اتفقت عليها الرسل ونزلت بها الكتب السماوية. واعتقدها جميع اتباع الانبياء من الاولين والاخرين حتى نبغت في هذه الازمان المتأخرة فرقة خبيثة زنادقة انكروا جميع ما جاءت به الرسل. وانكروا وجود الباري ولم تثبت من العلوم الا العلوم الطبيعية التي وصلت اليها معارفهم القاصرة. فبناء على هذا المذهب الذي هو ابعد المذاهب عن حقيقة شرعا وعقلا انكروا ادم وحواء. وما ذكره الله ورسوله عنهما. وزعموا ان هذا الانسان كان حيوانا قردا او شبيها بالقرد. حتى ارتقى الى هذه الحال الموجودة وهؤلاء اغتروا بنظرياتهم الخاطئة المبنية على ظنون وعقول من اصلها فاسدة. وتركوا لاجلها جميع العلوم الصحيحة خصوصا ما جاءتهم به الرسل. وصدق عليهم قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم. فرحوا بما عندهم من العلم وحاق مما كانوا به يستهزئون. وهؤلاء امرهم ظاهر لجميع المسلمين. ولجميع المثبتين وجود الباري يعلمون انهم اضلوا الطوائف. ولكن تسرب على بعض المسلمين من هذا المذهب الدهري بعض الاثار والفروع المبنية على هذا القول. اذ فالسر طائفة من العصريين سجود الملائكة لادم ان معناه تسخير هذا العالم للادميين. وان المواد الارضية والمعدنية ونحوها قد سخرها الله للادمي. وان هذا هو معنى سجود الملائكة ولا يستريب مؤمن بالله واليوم الاخر ان هذا مستمد من ذلك الرأي الافن. وانه تحريف لكتاب الله لا فرق بينه وبين تحريف الباطنية والقرامطة. وانه اذا اولت هذه القصة الى هذا التأويل توجه نظيف هذا التحريف لغيرها من قصص القرآن. وانقلب القرآن بعدما كان تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة رموزا يمكن كل عدو للاسلام ان يفعل بها هذا الفعل. فيبطل بذلك القرآن. وتعود هدايته اضلالا. ورحمته نقمة سبحانك هذا بهتان عظيم والمؤمن في هذا الموضع يكفيه لابطال هذا القول الخبيث ان يتلو ما قصه الله علينا من قصة ادم وسجود الملائكة اعلم ان هذا مناف لما قصد الله ورسوله غاية المنافاة. وان زخرفه اصحابه ولووا له العبارات ونسبوه الى بعض لمن يحسن بهم الظن. فالمؤمن لا يترك ايمانه ولا كتاب ربه لمثل هذه الترويجات المغررة او المغرور اصحابها ومنها فضيلة العلم ان الملائكة لما تبين لهم فضل ادم بعلمه عرفوا بذلك كماله وانه يستحق الاجلال والتوقير. ومنها ان من من الله عليه بالعلم عليه ان يعترف بنعمة الله عليه. وان يقول طيره الى ما ترى. وحرص ادم وزوجه حملهما على تناول الشجرة. ولولا تدارك رحمة الله لهما لاودت بهما الى الهلاك ولكن رحمة الله تكمل الناقص وتجبر الكسير وتنجي الهالك وترفع الساقط. ومنها انه ينبغي للعبد اذا وقع في ذنب ان يبادر الى التوبة والاعتراف ويقول ما قاله الابوان من قلب خالص وانابة صادقة. فما قص الله علينا صفة توبتهما الا لنقتدي بهما. فنفوز بالسعادة وننجو من الهلكة. وكذلك كما اخبرنا بما قاله الشيطان من توعدنا وعزمه الاكيد على اغوائنا بكل طريق الا لنستعد لهذا العدو الذي تظاهر بهذه العداوة البليغة المتأصلة. والله يحب منا ان نقاومه بكل ما نقدر عليه من تجنب طرقه وخطواته وفعل الاسباب التي يخشى منها الوقوع في شباكه. ومن عمل الحصون من الاوراد الصحيحة والاذكار تاري القلبية والتعوذات المتنوعة ومن السلاح المهلك له من صدق الايمان وقوة التوكل على الله ومراغمته في اعمال الخير ومقاومة وساوسه. والافكار الرديئة التي يدفع بها الى القلب كل وقت بما يضادها ويبطلها من العلوم النافعة والحقائق الصادقة. ومنها ان فيها دلالة لمذهب اهل السنة والجماعة المثبتين لله ما اثبته لنفسه من الاسماء الحسنى والصفات كلها. لا فرق بين صفات الذات ولا بين صفات الافعال. ومنها اثبات اليدين لله. كما هو في قصة ادم صريحا. لما خلقت بيدي يدان حقيقية كما ان ذاته لا تشبهها الذوات فصفاته تعالى لا تشبهها الصفات