قولي واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي. فاجاب الله طلبته ونبأ اخاه هارون كما نبأه فارسله معي ردءا اي معاونا لي على امري ان يصدقوني ولهم علي ذنب اي في قتل القبطي من خوارق العادات فالقى عصاه فاذا هي ثعبان اي ذكروا الحيات مبين ظاهر لكل احد لا خيال ولا تشبيه ونزع يده من جيبه اي لها نور عظيم. لا نقص فيها لمن نظر اليها بما لا يقدر عليه الناس وخوفهم ان قصده بهذا السحر التوصل الى اخراجهم من وطنهم ليجدوا ويجتهدوا في معاداة من يريد اجلاءهم عن اولادهم وديارهم. فماذا تأمرون ان نفعل به قال فرعون للملأ حوله معارضا للحق ومن جاء به يريد ان يخرجكم من ارضكم بسحره فماذا تأمرون اعليهم لعلمه بضعف عقولهم ان هذا من جنس ما يأتي به السحرة لانه من المتقرر عندهم ان السحرة يأتون من العجائب اليه من الكفر فقال موسى عليه السلام معتذرا من ربه ومبينا لعذره وسائلا له المعونة على هذا الحمل الثقيل فقال ربي اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهون اي قد سحرت فانت تهذي بما لا معنى له اي فاي فضيلة فقتنى بها حتى تدعونا الى اتباعك هذا مع ان مجرد اعتبار حالته وحالة ما دعا اليه من اكبر المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم تلك ايات الكتاب المين. يشير الباريت على اشارة اشارة تدل على التعظيم لايات الكتاب المبين. البين الواضح الدال على جميع المطالب الالهية والمقاصد الشرعية. بحيث لا عند الناظر فيه شك ولا شبهة فيما اخبر به او حكم به. لوضوحه ودلالته على اشرف المعاني. وارتباط الاحكام بحكمها وتعليقها بمناسبها. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينذر به الناس. ويهدي به الصراط المستقيم. فيهتدي بذلك عباد والله المتقون ويعرض عنه من كتب عليه الشقاء. فكان يحزن حزنا شديدا على عدم ايمانهم. حرصا منه على الخير ونصحا لهم فلهذا قال تعالى عنه. لعلك باخع النفس اي مهلكها وشاق عليها. اي فلا تفعل ولا تذهب نفسك عليهم حسرات فان الهداية بيد الله وقد اديت ما عليك من التبليغ وليس فوق هذا القرآن المبين اية حتى ننزلها ليؤمنوا بها. فان انه كاف شاف لمن يريد الهداية. ولهذا قال ان شأن نزل عليهم من السماء اية اي من ايات الاقتراح فظلت اعناقهم اي اعناق المكذبين لها خاضعين. ولكن لا حاجة الى ذلك ولا مصلحة فيه. فانه اذ ذاك وقت يكون الايمان غير نافع وانما الايمان النافع الايمان بالغيب كما قال الله تعالى هل ينظرون الا ان تأتيهم ملائكة او يأتي ربك او يأتي بعض ايات ربك يوم يأتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها الا كانوا عنه معرضين. وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث يأمرهم وينهاهم. ويذكرهم ما ينفعهم ويضرهم بقلوبهم وابدانهم. هذا اعراضهم عن الذكر المحدث. الذي جرت العادة ان يكون موقعه ابلغ من غيره. فكيف عن غيره وهذا لانهم لا خير فيهم. ولا تنجح فيهم المواعظ. ولهذا قال يستهزؤون. فقد كذبوا اي بالحق. وصار التكذيب لهم سجية لا تتغير ولا تتبدل اي سيقع بهم العذاب ويحل بهم ما كذبوا به. فانهم قد حقت عليهم كلمة العذاب. قال الله منبها على التفكر الذي ينفع صاحبه من جميع اصناف النباتات حسنة المنظر كريمة في نفعها كان اكثرهم مؤمنين وان ربك لهو العزيز الرحيم. ان في ذلك لاية على احياء الله الموتى بعد موتهم. كما احيا الارض بعد موتها وما كان اكثرهم مؤمنين. كما قال تعالى وما اكثرنا الناس ولو حرصت بمؤمنين. وان ربك لهو العزيز حديقة قهر كل مخلوق ودان له العالم العلوي والسفلي. الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء. ووصل جوده الى كل حي العزيز الذي اهلك الاشقياء بانواع العقوبات الرحيم بالسعداء. حيث انجاهم من كل شر وبلاء اعاد الباري تعالى موسى وثناها في القرآن. ما لم يثني غيرها لكونها مشتملة على حكم عظيمة وعبر. وفيها نبأه مع الظالمين والمؤمنين وهو صاحب الشريعة الكبرى وصاحب التوراة افضل الكتب بعد القرآن. فقال واذكر حالة موسى الفاضلة واقتنداء الله حين كلمه ونبهه وارسله فقال انئت القوم الظالمين قوم فرعون الا يتقوا الذين تكبروا في الارض. وعلو على اهلها وادعى كبيرهم الربوبية اي قل لهم بلين قول ولطف عبارة الا تتقون الله الذي خلقكم ورزقكم فتتركون ما انتم عليه انا معكم مستمعون قال كلا اي لا يتمكنون من قتلك. فانا سنجعل لك ما سلطانا فلا يصلون اليكما باياتنا انتما ومن اتبعكم الغالب ولهذا لم يتمكن فرعون من قتل موسى مع منابذته له غاية المنابذة. وتسفيه رأيه وتضليله وقومه فاذهبا باياتنا الدالة على صدقكما وصحة ما جئتما به. انا معكم مستمعون احفظكما واكلؤكما اي ارسلنا اليك لتؤمن به وبنا من قاد لعبادته وتذعن لتوحيده. فكن فعنهم عذابك وارفع عنهم يدك ليعبدوا ربهم ويقيموا امر دينهم. فلما جاء فرعون وقال لهما قال الله لهما لم يؤمن فرعون ولم يلن وجعل يعارض موسى من عمرك سنين. قال الم نربك فينا وليدا؟ اي الم ننعم عليك؟ ونقم بتربيتك منذ كنت ولي اذا في مهدك ولم تزل كذلك. وفعلت فعلتك وفعلت فعلتك التي فعلت وهي قتل موسى طيب حين استغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ووكزه موسى فقضى عليه اي وانت اذ ذاك طريقك طريقنا. وسبيلك سبيلنا في الكفر. فاقر على نفسه بالكفر من حيث لا يدري قال موسى اي عن غير كفر وانما كان عن ضلال وسفه. فاستغفرت ربي فغفر لي فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ففررت منكم لما خفتكم حين تراجعتم بقتلي فهربت الى مدين ومكثت سنين ثم جئتكم فالحاصل ان اعتراض فرعون على موسى اعتراض جاهل او متجاهل فانه جعل المانع من كونه رسولا ان جرى منه القتل. فبين له موسى ان قتله على وجه الضلال والخطأ الذي ان لم يقصد نفس القتل وان فضل الله تعالى غير ممنوع منه احد. فلما منعتم ما منحني الله من الحكم والرسالة؟ بقي عليك يا فرعون ادلائك بقولك الم ن ربك فينا وليدا؟ وعند التحقيق يتبين ان لا منة لك فيها ولهذا قال موسى وتلك نعمة تمنها علي ان عبدت بني اسرائيل اي تدلي علي بهذه المنة. لانك سخرت بني اسرائيل وجعلتهم لك بمنزلة العبيد. وانا لقد اسلمتني من تعبيدك وتسخيرك. وجعلتها علي نعمة فعند التصور يتبين ان الحقيقة انك ظلمت هذا الشعب الفاضل وعذبتهم وسخرتهم باعمالك. وانا قد سلمني الله من اذاك مع وصول اذاك لقومي. فما هذه المنة التي تبت بها وتدلي بها وهذا انكار منه لربه ظلما وعلوا مع من صحة ما دعاه اليه موسى رب السماوات والارض وما بينهما. اي الذي خلق العالم العلوي والسفلي ودبره بانواع التدبير. ورباه بانواع ومن جملة ذلك انتم ايها المخاطبون فكيف تنكرون خالق المخلوقات وفاطر الارض والسماوات فقال فرعون متجرهما ومعجبا لقومه الا تستمعون ما يقول هذا الرجل؟ فقال موسى تعجبتم ام لا؟ استكبرتم ام اذعنتم؟ فقال فرعون معاندا للحق قادحا بمن جاء به حيث قال خلاف ما نحن عليه وخالف فيما ذهبنا اليه فالعقل عنده واهل العقل من زعموا انهم لم يخلقوا او ان السماوات والارض ما زالتا موجودتين من غير وجد وانهم بانفسهم خلقوا من غير خالق. والعقل عنده ان يعبد المخلوق الناقص من جميع الوجوه والجنون عنده ان يثبت الرب الخالق للعالم العلوي والسفلي. والمنعم بالنعم الظاهرة والباطنة. ويدعو الى عبادته. وزين لقومه هذا القول كانوا سفهاء الاحلام خفيفي العقول فاستخف قومه فاطاعوه انهم كانوا قوما فاسقين. فقال موسى عليه السلام مجيبا لانكار فرعون وتعطيله لرب العالمين ان كنتم تعقلون. رب المشرق والمغرب وما بينهما من سائر المخلوقات. ان كنتم تعقلون. فقد اديت لكم من البيان والتبيين ما يفهمه كل من له ادنى مسكة من عقل. فما بالكم تتجاهلون فيما اخاطبكم به؟ وفيه ايماء تنبيه الى ان الذي رميتم به موسى من الجنون انه داؤكم. فرميتم ازكى الخلق عقلا واكملهم علما بالجنون والحال انكم انتم المجانين. حيث ذهبت عقولكم لانكار اظهار الموجودات. خالق الارض والسماوات وما بينهما. فاذا جحدتموه فاي شيء تثبتون؟ واذا جهلتموه فاي شيء تعلمون؟ واذا لم تؤمنوا به وبآياته فبأي شيء بعد الله واياته تؤمنون تالله ان المجانين الذين بمنزلة البهائم اعقل منكم. وان الانعام السارحة اهدى منكم. فلما خنقت فرعون الحجة وعجزت قدرته وبيانه عن المعارضة. قال متوعدا لموسى بسلطانه الها غيري لاجعلنك من المسجونين زعم قبحه الله انه قد طمع في اظلال موسى والا يتخذ الها غيره. والا فقد تقرر انه هو ومن معه. على بصيرة من امرهم. فقال له موسى قال اولو جئتك بشيء مبين. اي اية ظاهرة جلية على صحة ما جئت به حاشرين. قالوا ارجح اخاه اي اخرهما وابعث في المدائن حاشرين جامعين للناس يأتوك اولئك الحاشرون بكل سحار عليم. اي ابعث في جميع مدنك التي هي مقر العلم ومعدن السحر. من يجمع لك فكل ساحر ماهر عليم في سحره. فان الساحر يقابل بسحر من جنس سحره. وهذا من لطف الله ان يري العباد بطلان ما مون فرعون الجاهل الضال المضل ان ما جاء به موسى سحر قيدهم ان جمعوا اهل المهارة بالسحر لينعقد المجلس عن حضرة الخلق العظيم في ظهر الحق على الباطل ويقر اهل العلم واهل الصناعة بالصحة ما جاء به موسى. وانه ليس بالسحر. فعمل في برأيهم فارسل في المدائن من يجمع السحرة واجتهد في ذلك وجد قد وعدهم اياه موسى وهو يوم الزينة. الذي يتفرغون فيه من اشغالهم. وقيل اي نودي بعموم الناس بالاجتماع في ذلك اليوم الموعود اي قالوا للناس اجتمعوا لتنظروا غلبة السحرة لموسى وانهم ماهرون في صناعتهم فنتبعهم ونعظمهم ونعرف فضيلة علم السحر. فلو وفقوا للحق لقالوا علنا نتبع المحق منهم ولنعرف الصواب. فلذلك ما افاد فيهم ذلك الا قيام الحجة عليهم فلما جاء السحرة ووصلوا لفرعون قالوا له ان لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين لموسى قال نعم لكم اجر وثواب وانكم اذا لمن المقربين انا عندي وعدهم الاجر والقربة منه ليزداد نشاطهم ويأتوا بكل مقدورهم في معارضة ما جاء به موسى فلما اجتمعوا للموعد هم وموسى واهل مصر وعظهم موسى وقال ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب. وقد خاب من افترى. وتنازعوا وتخاصموا ثم شجعهم فرعون وشجع بعضهم بعضا. قال لهم موسى القوا ما انتم ملقون القوا كل ما في خواطركم القاؤه. ولم يقيده بشيء دون شيء. لجزمه ببطلان ما جاءوا به من معارضة الحق فالقوا حبالهم قوموا عصيهم فاذا هي حيات تسعى وسحروا بذلك اعين الناس فاستعانوا بعزة عبد ضعيف عاجز من كل وجه الا انه قد تجبر وحصل له صورة وجنود فغرتهم تلك الابهة. ولم تنفذ بصائرهم الى حقيقة الامر. او ان هذا قسم منهم بعزة فرعون. والمقسم وعليه انهم غالبون. فالقى موسى عصاه فاذا هي تلقف تبتلع وتأخذ ما يأفكون. فالتفت جميع ما القوا من الحبال والعصي. لانها افك وكذب وزور وذلك كله باطل. لا يقوم للحق ولا يقاومه. فلما رأى السحرة هذه الاية العظيمة تيقنوا لعلمهم ان هذا ليس بسحر وانما هو اية من ايات الله ومعجزة تنبئ بصدق موسى وصحة ما جاء به فالقي السحرة ساجدين لربهم وانقمع الباطل في ذلك المجمع قرر رؤساؤه ببطلانه ووضح الحق وظهر. حتى رأى ذلك الناظرون بابصارهم. ولكن ابا فرعون الا عتوا وضلالا تماديا في غيه وعناد. فقال للسحرة امنتم له قبل ان اذن لكم يتعجب ويعجب قومه من جرائتهم عليه. واقدامهم على الايمان من غير اذنه ومؤامرته. انه لكبيركم الذي علمكم السحر. هذا وهو هو الذي جمع السحرة وملأه الذين اشاروا عليه بجمعهم من مدائنهم. وقد علموا انهم ما اجتمعوا بموسى ولا رأوه قبل ذلك. وانهم جاؤوا من السحر بما يحير الناظرين ويهيلهم. ومع ذلك فرج عليهم هذا القول الذي هم بانفسهم وقفوا على بطلانه. فلا يستنكر وعلى اهل هذه العقول الا يؤمنوا بالحق الواضح والايات الباهرة. لانهم لو قال لهم فرعون عن اي شيء كان انه على خلاف حقيقته صدقوه ثم توعد السحرة فقال لو قطعن ايديكم وارجلكم من خلاف. اي اليد اليمنى والرجل اليسرى كما يفعل بالمفسد في الارض. لتختزوا وتذلوا فقال السحرة حين وجدوا حلاوة الايمان وذاقوا لذته لا ضير اي لا نبالي بما توعدتنا به لنا ربنا خطايانا كنا اول المؤمنين انا نطمع ان يغفر لنا ربنا خطايانا من الكفر والسحر وغيره ان كنا اول المؤمنين بموسى من هؤلاء الجنود فثبتهم الله وصبرهم. فيحتمل ان فرعون فعل بهم ما توعدهم به. لسلطانه واقتداره اذ ذاك. ويحتمل ان الله منع منهم ثم لم يزل فرعون وقومه مستمرين على كفرهم يأتيهم موسى بالايات البينات وكلما جاءتهم اية وبلغت منهم كل مبلغ وعدوا موسى وعاهدوه لان كشف الله عنهم ليؤمنن به وليرسلن معه بني اسرائيل فيكشف الله ثم يمكثون. فلما يأس موسى من ايمانهم وحقت عليهم كلمة العذاب. وان لبني اسرائيل ان ينجيهم من اسرهم ويمكن لهم في الارض اوحى الله الى موسى ان اسرب عبادي اي اخرج ببني اسرائيل اول الليل ليتمادوا ويتمهلوا في ذهابهم اي سيتبعكم فرعون وجنوده ووقع كما اخبر فانهم لما اصبحوا واذا بنوا اسرائيل قد سروا كلهم مع موسى يجمعون الناس ليوقع ببني اسرائيل يقول مشجعا لقومه قليلون ان هؤلاء اي بني اسرائيل لشرذمة قليلون وانهم لنا لغائضون. ونريد ان ننفذ غيظنا في هؤلاء العبيد. الذين ابقوا منا اي الحذر على الجميع منهم. وهم اعداء للجميع. والمصلحة مشتركة. فخرج فرعون وجنوده في جيش عظيم ونفير عام لم يتخلف منهم سوى اهل الاعذار الذين منعهم العجز. قال الله تعالى وكنوز ومقام كريم فاخرجناهم من جنات وعيون اي بساتين مصر وجنانها الفائقة وعيونها المتدفقة وزروع قد ملأت اراضيهم وعمرت بها حاضرتهم وبواديهم. ومقام كريم يعجب الناظرين. ويلهي المتأملين. وتمتعوا به دهرا طويلا وقضوا بلذاته وشهواته عمرا مديدا على الكفر والعناد. والتكبر على العباد والتيه العظيم. كذلك كذلك واورثناها اي هذه البساتين والعيون والزروع والمقام الكريم. بني اسرائيل الذين جعلوهم من قبل عبيدهم. وسخروا في اعمالهم الشاقة. فسبحان فمن يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء بطاعته ويذل من يشاء بمعصيته اي اتبع قوم فرعون قوم موسى وقت شروق الشمس وساقوا خلفهم محثين على غيظ وحنقاد فلما تراءى الجمعان اي رأى كل منهما صاحبه قال اصحاب موسى شاكين لموسى وحزينين انا لمدركون. قال موسى مثبتا لهم ومخبرا لهم بوعد ربه الصادق المدركون قال كلا ان معي ربي سيهدين. كلا اي ليس الامر وكما ذكرتم انكم مدركون. ان معي ربي سيهدين. لما فيه نجاتي ونجاتكم فاوحينا الى موسى ان اضرب بعصاك البحر فانفلق. ان اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق اثني عشر طريقا فكان كل فرق كالطود اي الجبل العظيم. فدخله موسى وقومه وازلفنا ثم في ذلك المكان الاخرين. اي فرعون وقومه قربناهم وادخلناهم في الطريق الذي سلك منه موسى وقومه ومن معه اجمعين استكملوا خارجين لم يتخلف منهم احد. لم يتخلف منهم عن الغرق احد ان في ذلك لاية عظيمة على صدق ما جاء به موسى عليه السلام. وبطلان ما عليه فرعون وقومه مع هذه الايات المقتضية للايمان لفساد قلوبكم بعزته اهلك الكافرين المكذبين وبرحمته نجى موسى ومن معه اجمعين. اي واتل يا محمد على الناس نبأ ابراهيم الخليل وخبره الجليل في هذه الحالة بخصوصها والا فله انباء كثيرة ولكن من اعجب بانبائه وافضلها. هذا النبأ المتضمن لرسالته ودعوته قومه. ومحاجته اياهم وابطاله ما هم عليه. ولذلك ايده بالظرف فقال قالوا متبجحين بعبادتهم نعبد اصناما ننحتها ونعملها بايدينا سنظل لها عاكفين. اي مقيمين على عبادتها في كثير من اوقاتنا. فقال لهم ابراهيم مبينا لعدم للعبادة. هل يسمعونكم اذ تدعون فيستجيبون دعائكم ويفرجون كربكم ويزيلون عنكم كل مكروه. او ينفعونكم فاقروا ان ذلك كله غير موجود فيها. فلا تسمع دعاء ولا تنفع ولا تضر. ولهذا لما كسر وقال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون. قالوا له لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. اي هذا امر امر متقرر من حالها لا يقبل الاشكال والشك. فلجأوا الى تقليد ابائهم الضالين. فقالوا بل وجدنا انا كذلك يفعلون. فتبعناهم على ذلك وسلكنا سبيلهم. وحافظنا لعاداتهم فقال لهم ابراهيم انتم واباؤكم كلكم خصوم في هذا الامر والكلام مع الجميع واحد ارأيتم ما كنتم تعبدون انتم واداؤكم الاقدمون فانهم عدو لي فليضروني بادنى شيء من الضرر وليكيدوني فلا يقدرون الا رب العالمين. هو المنفرد بنعمة الخلق نعمة الهداية للمصالح الدينية والدنيوية. ثم خصص منها بعض الضروريات فقال والذي يميتني ثم يحيين والذي اطمع ان يغفر لي خطيئتي يوم الدين. فهذا هو له المنفرد بذلك. فيجب ان يفرد بالعبادة والطاعة وتترك هذه الاصنام. التي لا تخلق ولا تهدي ولا تمرض ولا تشفي. ولا اتطعم ولا تسقي ولا تميت ولا تحيي ولا تنفع عابديها بكشف الكروب ولا مغفرة الذنوب. فهذا دليل قاطع وحجة باهرة لا تقدرون انتم واباؤكم على معارضتها. فدل على اشتراككم في الضلال وترككم طريق الهدى والرشد. قال الله تعالى وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هداني؟ ثم دعا عليه السلام ربه فقال والحقني بالصالحين. رب هب لي حكما. اي علما كثيرا. اعرف به الاحكام والحلال والحرام واحكم به بين الانام. من اخوانه الانبياء والمرسلين اي اجعل لي ثناء صدق مستمر الى اخر الدهر. فاستجاب الله دعاءه فوهب له من العلم والحكم ما كان به من افضل المرسلين. والحقه باخوانه المرسلين. وجعله محبوبا مقبولا معظما مثنى عليه في جميع الملل في كل الاوقات. قال تعالى وتركنا عليه في الاخرين. سلام على ابراهيم انا كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين. واجعل لي من ورثة اي من اهل الجنة التي يورثهم الله اياها فاجاب الله دعاءه فرفع منزلته في النعيم وهذا الدعاء بسبب الوعد الذي قال لابيه ساستغفر لك ربي انه كان بي حفيا. قال الله تعالى وما كان استغفارك ابراهيم لابيه الا عن موعدة وعدها اياه. فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه. ان ابراهيم لاواه ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا ولا تخزني يوم يبعثون. اي بالتوبيخ على بعض الذنوب والعقوبة عليها والفضيحة. بل اسعدني في ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون. فهل هذا الذي ينفعه عندك. وهذا الذي ينجو به من العقاب. ويستحق جزيل الثواب. والقلب السليم معناه الذي سلم من الشرك والشك ومحبته الشر والاصرار على البدعة والذنوب. ويلزم من سلامته مما ذكر. اتصافه باضدادها من الاخلاص والعلم واليقين ومحبة الخير وتزينه في قلبه. وان تكون ارادته ومحبته تابعة لمحبة الله. وهواه تبعا لما جاء عن الله. ثم ذكر من صفات ذلك اليوم العظيم وما فيه من الثواب والعقاب فقال وازلفت الجنة. اي قربت للمتقين ربهم. الذين امتثلوا اوامره. واجتنبوا زواجره. واتقوا او سخطه وعقابه. وبرزت الجحيم اي برزت واستعدت ما فيها من العذاب للغاوين الذين اوضعوا في معاصي الله وتجرأوا على محارمه وكذبوا رسله. وردوا ما جاءوهم به من الحق وقيل لهم اينما كنتم تعبدون من دون الله هل او ينتصرون بانفسهم اي فلم يكن من ذلك من شيء. وظهر وخزيهم ولاحت خسارتهم وفضيحتهم. وبان ندمهم وضل سعيهم فكبكبوا فيها اي القوا في النار. هم اي ما كانوا يعبدون. والغاوون العابدون لها وجنود ابليس اجمعون. من الانس والجن الذين ازهم الى المعاصي ازا سلط عليهم بشركهم وعدم ايمانهم. فصاروا من دعاته والساعين في مرضاته وهم ما بين داع لطاعته. ومجيب لهم ومقلد لهم على شركهم. قالوا اي جنود ابليس الغاوون لاصنامهم واوثانهم التي عبدوها اذ نسويكم برب العالمين في العبادة محبة والخوف والرجاء وندعوكم كما ندعوه فتبين لهم حينئذ ضلالهم واقروا بعدل الله في عقوبتهم وانها في محلهم وهم لم يسووهم برب العالمين الا في العبادة لا في الخلق بدليل قولهم رب العالمين انهم مقرون ان الله رب العالمين كلهم الذين من جملتهم اصنامهم واوثانهم الا المجرمون. وما اضلنا عن طريق الهدى والرشد. ودعانا الى طريق الغي والفسق. الا المجرمون وهم الائمة الذين يدعون الى النار. فما لنا حينئذ من شافعين لنا لينقذون من عذابه. اي قريب مصاف ينفعنا بادنى لا نفع كما جرت العادة بذلك في الدنيا فايسوا من كل خير وابلسوا بما كسبوا وتمنوا العودة الى الدنيا ليعملوا صالحا فلو ان لنا كرة فنكون من المؤمنين فلو ان لنا اكره اي رجعة الى الدنيا واعادة اليها. لنسلم من العقاب ونستحق الثواب. هيهات هيهات قد حيل بينهم وبين ما يشتهون. وقد غلقت منهم الرهون وما كان اكثرهم مؤمنين وان ربك لهو العزيز ان في ذلك الذي ذكرنا لكم ووصفنا لاية لكم وما كان اكثرهم مؤمنين مع نزول الايات الا تتقون. يذكر تعالى تكذيب قوم نوح لرسولهم نوح. وما رد عليهم وردوا عليه. وعاقبة الجميع فقال كذبت قوم نوح المرسلين جميعهم وجعل تكذيب نوح كتكذيب جميع المرسلين. لانهم كلهم اتفقوا على كدعوة واحدة واخبار واحدة. فتكذيب احدهم تكذيب بجميع ما جاءوا به من الحق. كذبوه نوح الا تتقون. اذ قال لهم اخوهم في النسب نوح وانما ابتعث الله الرسل من نسب من ارسل اليهم. لان تشمئز من الانقياد له. ولانهم يعرفون حقيقته. فلا يحتاجون ان يبحثوا عنه. فقال لهم مخاطبا بالطف خطاب كما هي طريقة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. الا تتقون الله تعالى فتتركون ما انتم مقيمون عليه من عبادة الاوثان وتخلصون العبادة لله وحده فكونه رسولا اليهم بالخصوص يوجب لهم تلقي ما ارسل به اليهم والايمان به. وان يشكروا الله تعالى على ان خصهم بهذا الرسول الكريم. وكونه امينا يقتضي انه لا يتقول على الله. ولا يزيد في وحيه ولا ينقص هذا يوجب لهم التصديق بخبره والطاعة لامره. فاتقوا الله واطيعوني فيما امركم به وانهاكم عنه فان هذا هو الذي يترتب على كونه رسولا اليهم. امينا. فلذلك رتبه بالفاء الدالة على السبب. فذكر السبب الموجب ثم ذكر انتفاء المانع فقال وما اسألكم عليه من اجر. فتتكلفون من المغرم الثقيل. ان اجري الا على رب العالمين. ارجو بذلك القرب منه والثواب الجزيل. واما انتم فمنيتي ومنتهى ارادتي منكم. النصح لكم وسلوككم الصراط المستقيم فاتقوا الله واطيعوه. كرر ذلك عليه السلام بتكريره دعوة قومه. وطول مكفه في ذلك. كما قال تعالى فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاما. وقال ربي اني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي الا فرارا فقالوا ردا لدعوته ومعارضة له بما ليس يصلح للمعارضة اي كيف نتبعك ونحن لا نرى اتباعك الا اسافل الناس واراذلهم وسقطهم. بهذا يعرف تكبرهم عن الحق وجهلهم بالحقائق فانهم لو كان قصدهم الحق لقانوا ان كان عندهم اشكال وشك في دعوته بين لنا صحة ما جئت به بالطرق الموصلة الى ذلك ولو تأملوا حق التأمل لعلموا ان اتباعه هم الاعلون خيار الخلق اهل العقول الرزينة والاخلاق الفاضلة وان الارض من سلب خاصية عقله فاستحسن عبادة الاحجار ورضي ان يسجد لها ويدعوها. وابى الانقياد لدعوة الرسل الكمل بمجرد ما يتكلم احد الخصمين في الكلام الباطل يعرف فساد ما عنده بقطع النظر عن صحة دعوى خصمه. فقوم نوح لما سمعنا عنهم انهم قالوا في ردهم دعوة نوح انؤمن لك واتبعك الارذلون؟ فبنوا على هذا الاصل الذي كل احد يعرف فساده رد عرفنا انهم ضالون مخطئون ولو لم نشاهد من ايات نوح ودعوته العظيمة ما يفيد الجزم واليقين بصدقه وصحة ما جاء فقال نوح عليه السلام اي اعمالهم وحسابهم على الله. انما علي التبليغ وانتم دعوهم عنكم. ان كان ما جئتكم به في الحق فانقادوا له وكل له عمله وما انا بطارد المؤمنين كانهم قبحهم الله طلبوا منه ان يطردهم عنه تكبرا وتجبرا ليؤمنوا فقال وما انا بطارد المؤمنين فانهم لا يستحقون الطرد والاهانة وانما يستحقون الاكرام القولي والفعلي. كما قال تعالى واذا جاءك الذين يؤمنون باياتنا فقل سلام عليكم. كتب ربكم على نفسه الرحمة اي ما انا الا منذر ومبلغ عن الله. ومجتهد في نصح العباد. وليس لي من الامر شيء. ان الامر الا لله. فاستمر نوح عليه الصلاة والسلام على دعوتهم ليلا ونهارا سرا وجهارا. فلم يزدادوا الا نفورا قالوا لان لم تنتهي يا نوح من دعوتك ايانا الى الله وحده اي لنقتلك شر قتلة بالرمي بالحجارة كما يقتل الكلب فتبا لهم ما اقبح هذه المقابلة. يقابلون الناصح الامين الذي هو اشفق عليهم من انفسهم. بشر مقابلة لا جرم فلما انتهى ظلمهم واشتد كفرهم دعا عليهم نبيهم بدعوة احاطت بهم. فقال ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا وهنا فافتح بيني وبينهم فتحا. اي اهلك الباغية منا. وهو يعلم انهم البغاة ولهذا قال فانجيناه ومن معه في الفلك اي السفينة المشحون من الخلق والحيوانات ثم اغرقنا بعد اي بعد نوح ومن معه من المؤمنين الباقين اي جميع قومه ان في ذلك اي نجاة نوح واتباعه واهلاك من كذبه لاية دالة على صدق رسولنا وصحة ما جاءوا به وبطلان ما عليه اعداؤهم المكذبون بهم ان ربك لهو العزيز الرحيم. وان ربك لهو العزيز الذي قهر بعزه اعداءه. فاغرقهم بالطول الرحيم باوليائه حيث نجى نوحا ومن معه من اهل الايمان لهم اخوهم هود الا تتقون. اي كذبت القبيلة المسماة عادا. رسولهم هود وتكذيبهم له تكذيب لغيره لاتفاق الدعوة. اذ قال لهم اخوهم في النسب هود بلطف وحسن خطاب. الا تتقون الله فتتركون الشرك وعبادة غيره؟ اني لكم رسول امين اي ارسلني الله اليكم رحمة بكم واعتناء بكم وانا امين تعرفون ذلك مني رتب على ذلك قوله. اي ادوا حق الله تعالى وهو تقوى وادوا حقي بطاعتي فيما امركم به وانهاكم عنه. فهذا موجب لان تتبعوني وتطيعوني. وليس ثم مانع يمنعكم من من الايمان فلست اسألكم على تبليغي اياكم ونصحي لكم اجرا. حتى تستثقلوا ذلك المغرم الذي رباهم بنعمته وادر عليهم فضله وكرمه خصوصا ما ربى به اولياءه وانبياءه. اتبنون في كل ريع اي مدخل بين الجبال اية اي علامة تعبثون اي تفعلون ذلك عبثا لغير فائدة تعود دينكم ودنياكم. وتتخذون مصانع اي ومجابي للمياه لعلكم تخلدون. والحال انه لا سبيل الى الخلود لاحد واذا بطشتم بالخلق بطشتم جبارين قتلا وضربا واخذ اموال. وكان الله تعالى لقد اعطاهم قوة عظيمة. وكان الواجب عليهم ان يستعينوا بقوتهم على طاعة الله. ولكنهم فخروا واستكبروا. وقالوا من اشد منا قوة واستعملوا قوتهم في معاصي الله وفي العبث والسفه. فلذلك نهاهم نبيهم عن ذلك فاتقوا الله واتركوا شرككم وبطركم. واطيعون حيث علمتم اني رسول الله اليكم امين النار واتقوا الذي امدكم بما تعلمون واتقوا الذي امدكم اي اعطاكم اتعلمون اي امدكم بما لا يجهل ولا ينكر من الانعام امدكم بانعام من ابل وبقر وغنم وبنين. اي وكثرة نسل كثر اموال لكم وكثر اولادكم خصوصا الذكور. افضل القسمين. هذا تذكيرهم بالنعم. ثم ذكرهم حلول عذاب الله. فقال قال اي اني من شفقتي عليكم وبري بكم اخاف وان ينزل بكم عذاب عظيم اذا نزل لا يرد. ان استمريتم على كفركم وبغيكم. فقالوا معاندين للحق مكذبين لنبيهم سواء علينا او لم تكن من الواعظين. اي الجميع على حد سواء وهذا غاية العتو فان قوما بلغت بهم الحال الى ان صارت مواعظ الله التي تذيب الجبال صم الصلاب تصدع لها افئدة اولي الالباب. وجودها وعدمها عندهم على حد سواء. لقوم انتهى ظلمهم. واشتد شقاؤهم انقطع الرجاء من هدايتهم ولهذا قالوا ان هذا الا خلق الاولين. اي هذه الاحوال والنعم ونحو ذلك. عادة الاولين تارة يستغنون وتارة يفتقرون وهذه احوال الدهر لا ان هذه محن ومنح من الله تعالى وابتلاء لعباده وهذا انكار منهم للبعث. او تنزل مع نبيهم وتهكم به. اننا على فرض اننا نبعث. فاننا كما ادرت علينا في الدنيا كذلك لا تزال مستمرة علينا اذا بعثنا. فكذبوه اي صارت تكذيب سجية لهم وخلقا. ما يردعهم عنه رادع. بريح صرصن عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما. فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية وما كان اكثرهم مؤمنين. ان في ذلك لاية على صدق نبينا هود عليه السلام. وصحة ما جاء به وبطلان ما عليه قومه من الشرك والجبروت. وما كان اكثرهم مؤمنين. مع وجود الايات المقتضية ايمان ان ربك لهو العزيز الذي اهلك بقوته قوم هود على قوتهم وبطشهم الرحيم بنبيه هود حيث نجاه ومن معه من المؤمنين كذب الثمود القبيلة المعروفة في مدائن الحجر المرسلين. كذبوا صالحا عليه السلام الذي جاء بالتوحيد الذي دعت اليه المرسلون. فكان تكذيبهم له تكذيبا للجميع اذ قال لهم اخوهم صالح في النسب برفق ولين الا تتقون الله تعالى وتدعون الشرك والمعاصي فاتقوا الله واطيعوا اني لكم رسول من الله ربكم ارسلني اليكم لطفا بكم ورحمة. فتلقوا رحمته بالقبول وقابلوها امين تعرفون ذلك مني وذلك يوجب عليكم ان تؤمنوا بي وبما جئتوا به وما اسألكم عليه من اجر. فتقولون يمنعنا من اتباعك انك تريد اخذ اموالنا ان اجري الا على رب العالمين. اي لا اطلب الثواب الا منه ها هنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل اين ضيد كثير؟ اي اتحسبون انكم تتركون في هذه الخيرات والنعم سدى؟ تتنعم عامون وتمتعون كما تتمتع الانعام وتتركون سدى. لا تؤمرون ولا تنهون. وتستعينون بهذه النعم على معاصي الله وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين. اي بلغت بكم الفراهة والحذق الى ان اتخذتم بيوت من الجبال الصم الصلاب الذين تجاوزوا الحد. اي الذين وصفهم الافساد في الارض بعمل المعاصي والدعوة اليها. افسادا لا اصلاح فيه. وهذا اضر ما يكون. لانه شر محض. وكان اناسا عندهم مستعدون لمعارضة نبيهم. موضعون في الدعوة لسبيل الغي. فنهاهم صالح عن الاغترار بهم. ولعلهم الذين قال الله فيهم وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون. فلم يفد فيهم هذا النهي والوعظ شيئا. فقالوا لصالح الايات البينات على صحة ما جاء به وصدقه. ولكنه من قسوتهم سألوا ايات الاقتراح التي في الغالب لا يفلح طلبها لكون طلبه مبنيا على التعنت لا على الاسترشاد. فقال صالح هذه ناقة تخرج من صخرة صماء ملساء ترونها كما تشاهدونها باجمعكم لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. اي تشربوا ماء البئر يوما وانتم تشربون لبنها. ثم تصدر عنكم اليوم الاخر وتشربون انتم ماء البئر ولا تمسوها بسوء بعقل او غيره فيأخذكم عذاب يوم عظيم. فخرجت استمرت عندهم بتلك الحال فلم يؤمنوا واستمروا على طغيانهم فاخذهم العذاب. وهي صيحة نزلت عليهم فدمرتهم اجمعين كان اية وما كان اكثرهم مؤمنين ان في ذلك لاية على صدق ما جاءتهم به رسلنا وبطلان قول معارضيهم وما اتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من ازواجكم بل انتم قوم عادون. كذبت قوم لوط المرسلين قال لهم وقالوا كما قال من قبلهم تشابهت قلوبهم في الكفر فتشابهت اقوالهم وكانوا مع شركهم يأتون فاحشة لم يسبقهم اليها احد من عالمين يختارون نكاح الذكران المستقذر الخبيث. ويرغبون عما خلق لهم من ازواجهم لاسرافهم وعدوانهم. فلم لم يزل ينهاهم حتى قالوا له اي من بلد فلما رأى استمرارهم عليه اي المبغضين له الناهين المحذرين من فعله وعقوبته فاستجاب الله الله له. اي الباقين في العذاب وهي امرأته وامطرنا عليهم مطرا اي حجارة من سجيل فساء مطر المنذرين. اهلكهم عن اخرهم ان في ذلك لآية وما كان اكثرهم مؤمنين. وان ربك لهو العزيز الرحيم اصحاب الايكة اي البساتين الملتفة اشجارها وهم اصحاب مدين فكذبوا نبيهم شعيبا. الذي جاء بما جاء به المرسلون الا تتقون الله تعالى فتتركون ما يسخطه ويغضبه من الكفر والمعاصي يترتب على ذلك ان تتقوا الله وتطيعون اوفوا الكيل ولا تكونوا وكانوا مع شركهم يبخسون المكاييل والموازين. فلذلك قال لهم اوفوا الكيل اي اتموه واكملوه ولا تكونوا من المخسرين. الذين ينقصون الناس اموالهم ويسلبونها. ببخس المكيال والميزان. وزنوا بالقسط اي بالميزان العادل الذي لا يميل واتقوا الذي خلقكم والجبلة الاولين. اي الخليقة الاولين فكمن فرد بخلقكم وخلق من قبلكم من غير مشارك له في ذلك. فافردوه بالعبادة والتوحيد. وكما انعم عليكم والامداد بالنعم فقابلوه بشكره. قالوا له مكذبين له رادين لقوله فانت تهذي وتتكلم كلام المسحور. التي غايته الا يؤاخذ به مثلنا وان ظنك لمن الكاذبين. وما انت الا بشر مثلنا. فليس فيك فضيلة اختصصت بها علينا حتى تدعونا الى اتباعك. وهذا مثل قول من قبلهم ومن بعدهم. ممن عارضوا الرسل بهذه الشبهة التي لم يزالوا يدلون بها ويصولون ويتفقون عليها لاتفاقهم على الكفر. وتشابه قلوبهم. وقد اجابت عنها الرسل بقولهم ان نحن الا لا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. وهذا جراءة منهم وظلم وقول زور قد انطووا على خلافه فانهما من رسول من الرسل واجه قومه ودعاهم وجادلهم وجادلوه الا وقد اظهر الله على يديه من الايات ما به يتيقنون صدقه وامانته. خصوصا شعيبا عليه السلام الذي يسمى خطيب الانبياء لحسن مراجعته هي قومه ومجادلتهم بالتي هي احسن. فان قومه قد تيقنوا صدقه وان ما جاء به حق. ولكن اخبارهم عن ظن كذبه كذب منهم فاسقط علينا كسفا من السماء ان كنت من الصادقين فاسقط علينا كسفا من السماء. اي قطع عذاب تستأصلنا قول اخوانهم واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم او انهم بعض ايات الاقتراح التي لا يلزم تتميم مطلوب من سألها. قال شعيب عليه السلام اي نزول العذاب ووقوع ايات الاقتراح. لست انا الذي اتي بها وانزلها بكم. وليس علي الا تبليغكم ونصحكم وقد فعلت وانما الذي يأتي بها ربي العالم باعمالكم واحوالكم الذي يجازيكم ويحاسبكم فاخذهم عذاب يوم الضلة. فكذبوه. اي صار التكذيب لهم وصفا. والكفر لهم ديدنا بحيث لا تفيدهم الايات وليس بهم حيلة الا نزول العذاب. فاخذهم عذاب يوم الظلة. اظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها مستلذين. لظلها فاحرقتهم بالعذاب فظلوا تحتها خامدين ولديارهم مفارقين ولدار الشقاء والعذاب نازلين انه كان عذاب يوم عظيم. لا كرة لهم الى الدنيا فيستأنفوا العمل. ولا يفتر عنهم العذاب ساعة. ولا هم ينظرون ان في ذلك لاية وما كان اكثرهم مؤمنين ان في ذلك لاية دالة على صدق شعيب وصحة ما دعا اليه وبطلان رد قومه عليه. وما كان اكثرهم مؤمنين مع رؤيتهم الايات. لانهم لا زكاء افهم ولا خير لديهم؟ وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وان ربك لهو العزيز الذي امتنع بقوته عن ادراك احد وقهر كل مخلوق الرحيم الذي الرحمة ومن اثارها جميع الخيرات في الدنيا والاخرة. من حين اوجد الله العالم الى ما نهاية له. ومن عزته ان اهلك اعداء حين كذبوا رسله ومن رحمته ان نجى اولياءه ومن اتبعهم من المؤمنين لما ذكر قصص الانبياء مع اممهم وكيف دعوهم وما ردوا عليهم به؟ وكيف اهلك الله اعداءهم؟ وصارت لهم العاقبة. ذكر هذا الرسول الكريم والنبي المصطفى العظيم وما جاء به من الكتاب الذي فيه هداية لاولي الالباب. فقال وانه لتنزيل رب العالمين. فالذي انزله فاطر الارض والسماوات المربي جميع العالم العلوي والسفلي. وكما انه رباهم بهدايتهم لمصالح دنياهم وابدانهم. فان انه يربيهم ايضا بهدايتهم لمصالح دينهم واخراهم. ومن اعظم ما رباهم به انزال هذا الكتاب الكريم. الذي اشتمل على الخير الكثير والبر الغزير. وفيه من الهداية لمصالح الدارين والاخلاق الفاضلة ما ليس في غيره. وفي قوله وانه تنزيل رب العالمين من تعظيمه وشدة الاهتمام فيه. من كونه نزل من الله لا من غيره مقصودا فيه نفعكم وهدايتكم نزل به الروح الامين وهو جبريل عليه السلام الذي هو افضل الملائكة واقواهم. الامين الذي قد امن ان يزيد فيه او ينقص على قلبك يا محمد لتكون من المنذرين. تهدي به الى طريق الرشاد وتنذر به عن طريق الغي بلسان عربي وهو افضل الالسنة بلغة من بعث اليهم وباشر دعوتهم اصلا اللسان بين الواضح وتأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم فانه افضل الكتب نزل به افضل الملائكة على افضل خلق على افضل بضعة فيه وهي قلبه على افضل امة اخرجت للناس بافضل الالسنة وافصحها واوسعها وهو اللسان العربي المبين. اي قد بشرت به كتب الاولين وصدقته. وهو لما نزل طبق ما به صدقها بل جاء بالحق وصدق المرسلين اولم يكن لهم اية على صحته وانه من الله ان يعلمه علماء بني اسرائيل الذي قد انتهى اليهم العلم وصاروا اعلم الناس وهم اهل الصنف. فان كل شيء يحصل به اشتباه يرجع فيه الى اهل الخبرة والدراية. فيكون قولهم حجة على غيرهم. كما عرف السحرة الذين مهروا في علم السحر. صدق معجزة موسى وانه ليس بسحر. فقول الجاهلين بعد هذا لا يؤبه به ولو نزلناه على بعض الاعجمين الذين لا يفقهون لسانهم. ولا يقدرون على التعبير لهم كما ينبغي ما كانوا به مؤمنين. فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين. يقولون ما نفقه ما يقول. ولا ندري ما يدعو اليه فليحمدوا ربهم ان جاءهم على لسان افصح الخلق واقدرهم على التعبير عن المقاصد بالعبارات الواضحة وانصحهم يبادر الى التصديق به وتلقيه بالتسليم والقبول. ولكن تكذيبهم له عن غير شبهة ان هو الا محض الكفر والعناد. وامر قد توارثته الامم المكذبة. فلهذا قال اي ادخلنا التكذيب انظمناه في قلوب اهل الاجرام كما يدخل السلك في الابرة فتشربته وصار وصفا لها وذلك بسبب ظلمهم وجرمهم فلذلك لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الاليم. على بهم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون. ان يأتيهم على حين غفلة وعدم احساس منهم ولا استشعار بنزوله ليكون ابلغ في عقوبتهم والنكال بهم. فيقول قولوا اذ ذاك هل نحن منظرون؟ اي يطلبون ان ينظروا ويمهلوا؟ والحال انه قد فات الوقت وحل بهم العذاب الذي لا يرفع عنهم ولا يفطر ساعة. يقول تعالى افبعذابنا الذي هو العذاب الاليم العظيم الذي لا يستهان به ولا يحتقر يستعجلون. فما الذي غرهم؟ هل فيهم قوة وطاقة للصبر عليه؟ ام عندهم قوة يقدرون على دفعه او رفعه اذا نزل ام يعجزوننا ويظنون اننا لا نقدر على ذلك افرأيت اذا لم نستعجل عليهم بانزال العذاب وامهلناهم عدة سنين يتمتعون في الدنيا ثم جاءهم ما كانوا يوعدون من العذاب ما اغنى عنهم ما كانوا يمتعون من اللذات والشهوات. اي اي شيء تغني عنهم وتفيدهم. وقد مضت وبطلت واضمحلت. واعقبت تبعاتها. وضعف لهم العذاب عند طول المدة. القصد ان الحذر من وقوع العذاب واستحقاقهم له. واما تعجيله او تأخيره فلا اهمية تحته. ولا جدوى عنده الا لها منذرون. يخبر تعالى عن كمال عدله في اهلاك المكذبين. وانه ما اوقع بقرية هلاكا وعذابا الا بعد ان يعذر منهم ويبعث فيهم النذر بالايات البينات. ويدعونهم الى الهدى وينهونهم عن الردى. ويذكرونهم بايات الله وينبهونهم على ايامه في نعمه ونقمه. ذكرى لهم واقامة حجة عليهم وما كنا ظالمين. فنهلك القرى قبل ان ننذرهم. ونأخذهم وهم غافلون عن النذر. كما قال قال وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا. رسلا مبشرين ومنذرين لان لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. ولما تعالى كمال القرآن وجلالته. نزهه عن كل صفة نقص. وحماه وقت نزوله وبعد نزوله. من شياطين الجن والانس. فقال قال وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون. وما ينبغي له اي لا يليق بحالهم ولا يناسبهم وما يستطيعون ذلك قد ابعدوا عنه واعدت لهم الرجوم لحفظه. ونزل به جبريل اقوى الملائكة. الذي لا يقدر شيطان ان يقربه او يحوم حوله الى ساحته وهذا كقوله انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ينهى تعالى رسوله اصلا وامته اسوة له في ذلك عن دعاء غير الله من جميع المخلوقين وان ذلك موجب للعذاب الدائم والعقاب السرمدي. لكونه شركا ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار والنهي عن الشيء امر بضده. فالنهي عن الشرك امر باخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. محبة و خوفا ورجاء وذلا وانابة اليه في جميع الاوقات. ولما امره بما فيه كمال نفسه. امره بتكميل غيره. فقال الذين هم اقرب الناس اليك واحقهم باحسانك الديني والدنيوي لا ينافي امره بانذار جميع الناس. كما اذا امر الانسان بعموم الاحسان. ثم قيل له احسن الى قرابتك. فيكون هذا خصوصا دالا على التأكيد وزيادة الحق. فامتثل صلى الله عليه وسلم هذا الامر الالهي. فدعا سائر بطون قريش. فعمم وخصص وذكرهم ووعظهم ولم يبق صلى الله عليه وسلم من مقدوره شيئا من نصحهم وهدايتهم الا فعله. فاهتدى من اهتدى واعرض من اعرض واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين بلين جانبك ولطف خطابك لهم وتوددك وتحببك اليهم وحسن خلقك والاحسان التام بهم. وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك. قال تعالى فبما رحمة من الله هل انت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر. فهذه اخلاقه صلى الله عليه وسلم اكملوا الاخلاق التي يحصل بها من المصالح العظيمة ودفع المضار ما هو مشاهد. فهل يليق بمؤمن بالله ورسوله؟ ويدعي اتباعه والاقتداء به. ان يكون كلا على المسلمين شرس الاخلاق. شديد الشكيمة عليهم. غليظ القلب. فظ القول فظيعة وان رأى منهم معصية او سوء ادب هجرهم ومقتهم وابغضهم. لا لين عنده ولا ادب لديه ولا توفيق. قد حصل من هذا هذه المعاملات من المفاسد وتعطيل المصالح ما حصل. ومع ذلك تجده محتقرا لمن اتصف بالصفات الرسول الكريم. قد رماه بالنفاق والمداهنة وقد كمل نفسه ورفعها واعجب بعمله. فهل هذا الا من جهله؟ وتزيين الشيطان وخدعه له. ولهذا قال الله لرسوله فان عصوك فقل اني بريء فان عصوك في امر من الامور فلا تتبرأ منهم ولا تترك معاملتهم بخفض الجناح ولين الجانب بل تبرأ من عملهم فعظهم وانصحهم وابذل قدرتك في ردهم عنه وتوبتهم منه. وهذا لدفع احتراز وهم من يتوهم ان قوله واخفض جناحك للمؤمنين يقتضي الرضا بجميع ما يصدر منهم ما داموا مؤمنين. فدفع هذا بهذا والله اعلم اعظم مساعد للعبد على القيام بما امر به. الاعتماد على ربه والاستعانة بمولاه على توفيقه للقيام بالمأمور. فلذلك امر الله تعالى بالتوكل عليه. فقال وتوكل على العزيز والتوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار مع ثقته به وحسن ظنه بحصول مطلوبه فانه عزيز رحيم. بعزته يقدر على ايصال الخير ودفع الشر عن عبده. وبرحمته به يفعل ذلك ثم نبهه على الاستعانة باستحضار قرب الله. والنزول في منزل الاحسان. فقال وتقلبك في الساجدين. ان يراك في هذه العبادة العظيمة التي هي الصلاة وقت قيامك وتقلبك راكعا مساجد خصها بالذكر بفضلها وشرفها. ولان من استحضر فيها قرب ربه خشع وذل. واكملها وبتكميلها يكمل سائر عمله ويستعين بها على جميع اموره. انه هو السميع الاصوات على اختلافها وتشتتها وتنوعها. العليم الذي احاط بالظواهر والبواطن والغيب والشهادة. فاستحضار العبد رؤية الله له في جميع احواله. وسمعه لكل ما ينطق به. وعلمه بما ينطوي عليه قلبه. من الهم والعزم والنيات. مما على منزلة الاحسان يلقون السمع واكثرهم كاذبون. هذا جواب لمن قال من كذب الرسول ان محمدا ينزل عليه الشيطان وقول من قال انه شاعر فقال هل انبئكم اي اخبركم الخبر الحقيقي الذي لا شك فيه ولا شبهة على من تنزلوا الشياطين اي بصفة الاشخاص الذين تنزل عليهم الشياطين على كل افاك اي كذاب كثير القول للزور والافك بالباطل. اثيم في فعله كثير المعاصي. هذا الذي تنزل عليه الشياطين وتناسب حاله حالهم. يلقون عليه السمع الذي يسترقونه من السماء واكثرهم كاذبون. اي اكثر ما يلقون اليه كذب. فيصدق واحدة ويكذب معها مئة يختلط الحق بالباطل ويضمحل الحق بسبب قلته. وعدم علمه. فهذه صفة الاشخاص الذين تنزل عليهم الشياطين هذه صفة وحيهم له. واما محمد صلى الله عليه وسلم فحاله مباينة لهذه الاحوال اعظم مباينة. لانه الصادق الامين البار الراشد الذي جمع بين بر القلب وصدق اللهجة ونزاهة الافعال من المحرم. والوحي الذي ينزل عليه من عند الله ينزل محروسا محفوظا مشتملا على الصدق العظيم. الذي لا شك فيه ولا ريب. فهل يستوي يا اهل العقول هذا واولئك؟ وهل الا على مجنون لا يميز ولا يفرق بين الاشياء. فلما نزهه عن نزول الشياطين عليه برأه ايضا من الشعر فقال والشعراء اي هل انبئكم ايضا عن حالة ووصفهم الثابت فانهم يتبعهم الغاوون عن طريق الهدى. المقبلون على طريق الغي والردا فهم في انفسهم غاوون اتباعهم كل غاو ضال فاسد. المتر تهم شدة ضلالهم انهم في كل واد من اودية الشعر يهيمون فتارة في مدح وتارة في قدح وتارة في صدق وتارة في كذب وتارة يتغزلون واخرى يسخرون ومرة يمرحون واونة يحزنون فلا يستقر لهم قرار ولا يثبتون على حال من الاحوال. اي هذا وصف الشعراء انهم تخالف اقوالهم افعالهم. فاذا سمعت الشاعر يتغزل بالغزل الرقيق. قلت هذا اشد الناس غراما. وقلبه فارغ من ذاك اذا سمعته يمدح او يذم قلت هذا صدق وهو كذب وتارة يتمدح بافعال لم يفعلها وتروك لم يتركها وكرم لم يحم حول ساحته وشجاعة يعلو بها على الفرسان. وتراه اجبن من كل جبان. هذا وصفهم فانظر هل يطابق حالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الراشد البار الذي يتبعه كل راشد ومهتد الذي قد استقام على الهدى وجانب الردى ولم فقط افعاله ولم تخالف اقواله افعاله. الذي لا يأمر الا بالخير ولا ينهى الا عن الشر. ولا اخبر بشيء الا صدق. ولا امر بشيء الا كان اول الفاعلين له. ولا نهى عن شيء الا كان اول التاركين له. فهل تناسب حاله حالة الشعراء او يقاربه ام هو مخالف لهم من جميع الوجوه؟ وصلوات الله وسلامه على هذا الرسول الاكمل والهمام الافضل ابد الابدين الذي ليس بشاعر ولا ساحر ولا مجنون ولا يليق به الا كل كمال وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا. وذكروا الله كثيرا ولما وصف الشعراء بما وصفهم به استثنى منهم من امن بالله ورسوله وعمل صالحا واكثر من ذكر الله وانتصر من اعدائه المشركين من بعد ما ظلموهم. فصار شعرهم من اعمالهم الصالحة واثار ايمانهم لاشتماله على مدح اهل الايمان والانتصار من اهل الشرك والكفر والذب عن دين الله وتبيين العلوم النافعة والحث على الاخلاق الفاضلة فقال سيعلم الذين ظلموا اي منقلبين ينقلبون ينقلبون الى موقف وحساب. لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ولا حقا الا استوفاه. والحمد لله رب العالمين