فمن يملك لكم من الله شيئا ان اراد بكم ضرا او اراد بكم نفعا. بل كان الله بما وزين ذلك في قلوبكم ما ظننتم ظن السوء وكنتم قوما منبورا. ومن لم من ذلك ثم قال ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه لانه حرم نفسه ثواب الله تعالى وفاته خير كثير ولن يضر الله بترك الانفاق شيئا. فان الله هو الغني وانتم الفقراء. والله الغني المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم. هذا ثناء منه تعالى على كتابه العزيز وتعظيم له. وفي ضمن ذلك ارشاد العباد الى ابتداء بنوره والاقبال على تدبر اياته واستخراج كنوزه ولما بين انزال كتابه متضمنا للامر والنهي ذكر خلقه السماوات والارض فجمع بين الخلق والامر الاله الخلق والامر؟ كما قال تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن. وكما قال تعالى ينزل الملائكة بالروح من امره على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون. خلق السماوات والارض بالحق. فالله تعالى هو الذي خلق المكلفين وخلق مساكنهم وسخر لهم ما في السماوات وما في الارض. ثم ارسل اليهم رسله وانزل عليهم كتبه. وامرهم ونهاهم. واخبرهم ان هذه الدار دار اعمال وممر للعمال. لا دار اقامة لا يرحل عنها اهلها. وانهم سينتقلون منها الى دار الاقامة والقرار وموطن الخلود والدوام. وانما اعمالهم التي عملوها في هذه الدار. سيجدون ثوابها في تلك الدار كاملا موفرا. واقام الادلة الدالة على تلك الدار. واذاق العباد نموذجا من الثواب والعقاب العاجل. ليكون ادعى لهم الى طلب المحبوب. والهرب من المرهوب ولهذا قال هنا ما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق. اي لا عبثا ولا سدى بل يعرف العباد عظمة خالقهم ويستدل على كماله ويعلم ان الذي خلقهما على عظمهما قادر على ان يعيد العباد بعد موتهم للجزاء وان خلقهما بقائهما مقدر الى اجل مسمى. فلما اخبر بذلك وهو اصدق القائلين واقام الدليل وانار السبيل. اخبر مع ان طائفة من الخلق قد ابوا الا اعراضا عن الحق وصدوفا عن دعوة الرسل فقال والذين كفروا عن ما واما الذين امنوا فلما علموا حقيقة الحال قبلوا وصايا ربهم وتلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالانقياد والتعظيم ففازوا بكل خير واندفع عنهم كل شر ائتوني بكتاب اي قل لهؤلاء الذين اشركوا بالله اوثانا واندادا لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. قل لهم مبينا عجز اوثانهم وانها لا تستحق شيئا من العبادة. اروني ماذا اتقوا من الارض ام لهم شرك في السماوات هل خلقوا من اجرام السماوات والارض شيئا؟ هل خلقوا جبالا؟ هل اجروا انهارا؟ هل نشروا اخوانا هل انبتوا اشجارا؟ هل كان منهم معاونة على خلق شيء من ذلك؟ لا شيء من ذلك باقرارهم بانفسهم فضلا عن غيرهم فهذا دليل عقلي قاطع على ان كل من سوى الله فعبادته باطلة. ثم ذكر انتفاء الدليل النقلي فقال ائتوني بكتاب من قبل هذا الكتاب يدعو الى الشرك او اثارة من علم موروث عن الرسل يأمر بذلك. من المعلوم انهم عاجزون ان يأتوا عن احد من الرسل بدليل يدل على ذلك بل نجزم ونتيقن ان جميع الرسل دعوا الى توحيد ربهم ونهوا عن الشرك به. وهي اعظم ما يؤثر عنهم من العلم. قال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت. وكل رسول قال لقومه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره فعلم ان جدال المشركين في شركهم غير مستندين فيه على برهان ولا دليل. وانما اعتمدوا على ظنون كاذبة واراء كاسدة وعقول فاسدة. يدلك على فسادها استقراء احوالهم. وتتبع علومهم واعمالهم. والنظر في حال من افنوا اعمارهم بعبادته هل افادهم شيئا في الدنيا او في الاخرة؟ ولهذا قال تعالى ايستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعاءهم غافلون. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء. وكانوا بعبادتهم كافرين. ومن اضل مما من يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة. اي مدة مقامه في الدنيا لا ينتفع به بمثقال ذرة لا يسمعون منهم دعاء ولا يجيبون لهم نداء. هذا حالهم في الدنيا ويوم القيامة كورونا بشركهم. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء يلعن بعضهم بعضا. ويتبرأ بعضهم من بعض. واذا تتلى اياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين اي واذا تتلى على المكذبين اياتنا بينات بحيث تكون على وجه لا يمترى بها ولا يشك في وقوعها وحقها لم تفيدهم خيرا بل قامت عليهم بذلك الحجة. ويقولون من افكهم وافترائهم للحق لما جاءهم هذا سحر مبين. اي ظاهر لا شك وهذا من باب قلب الحقائق الذي لا يروج الا على ضعفاء العقول والا فبين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السحر من المنافاة والمخالفة اعظم مما بين السماء والارض. وكيف يقاس الحق الذي علا وارتفع ارتفاعا على الافلاك وفاق بضوئه ونوره نور الشمس وقامت الادلة الافقية والنفسية عليه. واقرت به واذعنت اولوا البصائر والعقول الرزينة. بالباطل الذي هو السحر. الذي لا يصدر الا من ضال ظالم خبيث النفس خبيث العمل. فهو مناسب له وموافق لحاله. وهل هذا الا من البهرجة كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم. ان يقولون افتراه اي افترى محمد هذا القرآن من عند نفسه فليس هو من عند الله. قل لهم ان افتريته فالله علي قادر وبما تفيضون فيه عالم فكيف لم يعاقبني على افتراء الذي زعمتم؟ فهل تملكون لي من الله شيئا ان ارادني الله بضر او ارادني برحمة كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم. كفى به شهيدا بيني وبينكم. فلو كنت عليه لاخذ مني باليمين ولا عاقبني عقابا يراه كل احد. لان هذا اعظم انواع الافتراء لو كنت متقولا. ثم دعاهم الى التوبة مع ما صدر منهم من معاندة الحق ومخاصمته. فقال اي فتوبوا اليه واقلعوا ما انتم فيه يغفر لكم ذنوبكم ويرحمكم فيوفقكم للخير ويثيبكم جزيل الاجر قل ما كنت بدعا من الرسل اي لست باول رسول جاءكم حتى تستغربوا رسالتي وتستنكروا دعوتي فقد تقدم من الرسل والانبياء من وافقت دعوتي دعوتهم. فلاي شيء تنكر رسالتي؟ وما ادري ما يفعل بي ولا بكم؟ اي لست الا بشر ترى ليس بيدي من الامر شيء. والله تعالى هو المتصرف بي وبكم. الحاكم علي وعليكم ولست الاتي بالشيء من عندي ان قبلتم رسالتي واجبتم دعوتي فهو حظكم ونصيبكم في الدنيا والاخرة. وان رددتم ذلك علي فحسابكم على الله. وقد انذرت ومن انذر فقد اعذر ان الله لا يهدي القوم الظالمين. اي اخبروني لو كان هذا القرآن من عند الله وشهد على صحته الموفقون من اهل الكتاب. الذين عندهم من الحق ما يعرفون انه الحق. فامنوا به واهتدوا فتطابقت انباء الانبياء واتباعهم النبلاء. واستكبرتم ايها الجهلاء الاغبياء فهل هذا الا اعظم الظلم واشد الكفر؟ ان الله لا يهدي القوم الظالمين من الظلم الاستكبار عن الحق بعد التمكن منه هنا اليه. واذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قليل. ومن قبله كتاب موسى ينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين اي قال الكفار بالحق معاندين له ورادين لدعوته لو كان خيرا ما سبقونا اليه اي ما سبقنا اليه المؤمنون. اي لكنا اول مبادر به وسابق اليه. وهذا من البهرجة في مكان. فاي دليل يدل على ان علامة الحق سبق المكذبين به للمؤمنين. هل هم ازكى نفوسا ام اكمل عقولا؟ ام الهدى بايديهم ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به انفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه. ولهذا قال اذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا افك قديم. اي هذا السبب الذي دعاهم اليه انهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم اعظم المواهب واجل الرغائب. قدحوا فيه بانه كذب. وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه. الذي قد وافق الكتب السماوية خصوصا اكملها وافضلها بعد القرآن. وهي التوراة التي انزلها الله على موسى اماما ورحمة يقتدي بها بنو اسرائيل ويهتدون بها فيحصل لهم خير الدنيا والاخرة. وهذا كتاب لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين وهذا القرآن كتاب مصدق للكتب السابقة شهد بصدقها وصدقها بموافقته لها. وجعله الله لسانا عربيا ليسهل تناوله ويتيسر تذكره. لينذر الذين ظلموا انفسهم بالكفر الفسوق والعصيان ان استمروا على ظلمهم بالعذاب الوبيل ويبشر المحسنين في عبادة الخالق وفي نفع المخلوقين بالثواب الجزيل الدنيا والاخرة وبذكر الاعمال التي ينذر عنها والاعمال التي يبشر بها ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. اي ان الذي حين اقروا بربهم وشهدوا له بالوحدانية. والتزموا طاعته وداموا على ذلك. واستقاموا مدة حياتهم فلا خوف عليهم من كل شر امامهم ولا هم يحزنون على ما خلفوا ورائهم. اولئك اصحاب الجنة خالدين فيها جزاء اولئك اصحاب الجنة اي اهلها الملازمون لها الذين لا يبغون عنها حول ولا يريدون بها بدلا. خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون بما كانوا يعملون من الايمان بالله المقتضي للاعمال الصالحة التي استقاموا عليها. ووصينا اي احسانا حملته امه كرها حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله حتى اذا بلغ شده وبلغ اربعين سنة ونعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه. واصلح لي هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره به للوالدين ان وصى الاولاد وعهد اليهم ان يحسنوا الى والديهم بالقول اللطيف. والكلام اللين وبذل المال والنفقة وغير ذلك من وجوه الاحسان ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الام من ولدها وما قاسته من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة. ثم مشقة الرضاع وخدمة الحضانة. وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة او ساعتين وانما ذلك مدة طويلة قدرها ثلاثون شهرا. للحمل تسعة اشهر ونحوها. والباقي للرضاع. هذا الغالب تدل بهذه الاية مع قوله والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين. ان اقل مدة الرضاع ستة اشهر. لان مدة الرضاع وهي سنتان اذا سقطت من الثلاثين شهرا بقي ستة اشهر مدة للحمل اربعين سنة قال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي حتى اذا بلغ اشده اي نهاية قوته وشبابه. وكمال عقله. وبلغ اربعين سنة. قال رب اوزعني اي الهمني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. اي نعم الدين ونعم الدنيا وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها. ومقابلته منته بالاعتراف والعجز عن الشكر. والاجتهاد في الثناء بها على الله. والنعم على الوالدين نعم على اولادهم وذريتهم. لانهم لا بد ان ينالهم منها ومن اسبابها واثارها. خصوصا نعم الدين. فان صلاح الوالدين بالعلم والعمل من اعظم الاسباب لصلاح اولادهم. بان يكون جامعا لما يصلحه سالما من مما يفسده فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله ويثيب عليه واصلح لي في ذريتي لما دعا لنفسه بالصلاح دعا لذريته ان يصلح الله احد ولهم وذكر ان صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله واصلح لي اني تبت اليك من الذنوب والمعاصي. ورجعت الى طاعتك. واني من المسلمين. اولئك الذين نتقبل عنهم احسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم ونتجاوز عن سيئاتهم في اصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. اولئك الذين ذكرت اوصافهم الذين نتقبل عنهم احسن ما عملوا وهو الطاعات. لانهم يعملون ايضا غيرها. ونتجاوز عن سيئاتهم في جملة اصحاب الجنة فحصل لهم الخير والمحبوب. وزال عنهم الشر والمكروه. وعد الصدق الذي كانوا يوعدون وعد الصدق الذي كانوا يوعدون. اي هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد صادق من اصدق القائلين. الذي لا يخلف الميعاد والذي قال لوالديه اف لك ما اتعدانني ان اخرج وقد خلت القرون من قبل وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان وهما استغيثا الله ويلك امن وهنا يستغيثان الله ويلك امين فيقول ما هذا الا اساطير الاولين. لما ذكر تعالى حال الصالح البادر لوالديه ذكر حال العاق وانها شر الحالات. فقال والذي قال لوالديه اذ دعواه الى الايمان بالله واليوم الاخر وخوفاه الجزاء. وهذا اعظم احسان يصدر من الوالدين لولدهما. ان يدعواه الى ما فيه سعادته الابدية وفلاحه السرمدي فقابلهما باقبح مقابلة فقال اف لك ما اي تبا لك ما ولما جئتما به. ثم ذكر وجه استبعاده انكاره لذلك فقال اتعدانني ان اخرج من قبري الى يوم القيامة؟ وقد خلت القرون من قبلي على التكذيب. وسلفوا على الكفر وهم الائمة المقتدى بهم لكل كفور وجهول ومعاند. وهما يستغيثان الله ويلك وهما اي والداه يستغيثان الله عليه ويقولان له ويلك امن. اي يبذلان غاية جهدهما ويسعيان في هدايته اشد السعي حتى انهما من حرصهما عليه. انهما يستغيثان الله استغاثة الغريق. ويسألانه سؤال الشريق يعدلان ولدهما ويتوجعان له ويبينان له الحق. فيقولان ثم يقيمان عليه من الادلة ما امكنهما. وولدهما لا يزداد الا عتوا ونفورا. واستكبارا عن الحق وقدحا فيه. فيقول ما هذا اي الا منقول من كتب المتقدمين ليس من عند الله ولا اوحاه الله الى رسوله وكل احد يعلم ان محمدا صلى الله عليه وسلم امي لا يكتب ولا يقرأ ولا تعلم من احد فمن اين يتعلمه وان للخلق ان يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. اولئك الذين حق عليهم القول في اولئك الذين بهذه الحالة الذميمة حق عليهم القول اي حقت عليهم كلمة العذاب في جملة امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس على الكفر والتكذيب فسيدخل هؤلاء في غمارهم وسيغرقون في تيارهم والخسران فوت رأس مال الانسان. واذا فقد رأس ما له فالارباح من باب اولى واحرى. فهم قد فاتهم الايمان ولم يحصلوا على شيء من ولا سلموا من عذاب الجحيم ولكل من اهل الخير واهل الشر درجات مما عملوا اي كل على حسب مرتبته من الخير والشر. ومنازلهم في الدار الاخرة على قدر اعمالهم. ولهذا قال اعمالهم وهم لا يظلمون. بان لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من ويوم يعرض الذين كفروا على النار الهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعوا بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الارض بغير الحق يذكر تعالى حال الكفار عند عرضهم على النار حين يوبخون ويقرعون فيقال لهم اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا حيث اطمأننتم الى الدنيا واغتررتم بلذاتها ورضيتم بشهواتها والهتكم طيباتها عن السعي لاخرتكم. وتمتعتم تمتع الانعام السارحة. فهي حظكم من اخرتكم فاليوم تجزون عذاب الهون. اي العذاب الشديد الذي يهينكم ويفضحكم بما كنتم تقولون على الله غير الحق اي تنسبون الطريق الضالة التي انتم عليها الى الله والى حكمه. وانتم كذبة في ذلك اي تتكبرون عن طاعته. فجمعوا بين قول الباطل والعمل بالباطل. والكذب على الله بنسبته الى رضاه والقدح في الحق والاستكبار عنه. فعوقبوا اشد العقوبة. واذكر اخاذ انذر قومه بالاحقاف وقد خلت الندر من بين يديه ومن خلفه الا تعبدوا الا الله. الا تعبدوا ان الله اني يخاف عليكم عذاب يوم عظيم. اي واذكر بالثناء الجميل اخا عاد وهو هود عليه السلام. حيث كان من الرسل الكرام الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة الى دينه وارشاد الخلق اليه. اذ انذر قومه وهم عاد بالاحقاف اي في منازلهم اليهم المعروفة بالاحقاف. وهي الرمال الكثيرة في ارض اليمن. وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه. فلم يكن بدعا منهم ولا مخالف لهم قائلا لهم فامرهم بعبادة الله الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد. ونهاهم عن الشرك والتنديد. وخوفهم ان لم يطيعوه العذاب الشديد. فلم تفد بهم تلك الدعوة قالوا اجئتنا لتأفكنا عن الهتنا فاتنا بما تعدنا قالوا اجئتنا لتأفكنا عن الهتنا اي ليس لك من القصد ولا معك من الحق الا انك حسدتنا على الهتنا فاردت ان عنها وهذا غاية الجهل والعناد عند الله يبلغكم ما ارسلت به ولكني اراكم قوما تجهلون. قال انما العلم عند الله فهو الذي بيده ازمة الامور ومقاليدها. وهو الذي يأتيكم بالعذاب ان شاء. وابلغكم ما ارسلت به اي ليس علي الا البلاغ ولكني اراكم قوما تجهلون. فلذلك صدر منكم ما صدر من هذه الجرأة الشديدة. فارسل الله عليهم العذاب العظيم وهي الريح التي دمرتهم واهلكتهم. ولهذا قال قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم. ريح فيها عذاب اليم. فلما رأوه اي العذاب عارضا مستقبل اوديته اي معترضا كالسحاب قد اقبل على اوديتهم التي تسيل فتسقي نوابتهم ويشربون من ابارها وغدرانها. قالوا مستبشر هذا عارض ممطرنا. اي هذا السحاب سيمطرنا. قال تعالى بل هو ما استعجلتم به. اي هذا الذي جنيتم به على انفسكم حيث قلتم فاتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين الا مساكنهم. كذلك نجزي القوم المجرمين. تدمر كل شيء تمر عليه من شدتها ونحسها فسلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما. فترى القوم فيها صرعى كانهم اعجاز نخل خاوية امر ربها اي باذنه ومشيئته. فاصبحوا لا يرى الا مساكنهم. قد تلفت مواشيهم واموالهم وانفسهم بسبب جرمهم وظلمهم هذا مع ان الله تعالى قد ادر عليهم النعم العظيمة فلم يشكروه ولا ذكروه. ولهذا قال ولقد مكناهم فيما ان مكناكم فيه اي مكناهم في الارض يتناولون طيباتها ويتمتعون بشهواتها. وعمرناهم عمرا يتذكر فيه من تذكر. ويتعظ فيه مهتدي اي ولقد مكنا عادا كما مكناكم يا هؤلاء المخاطبون. اي فلا تحسبوا ان ما مكناكم فيه مختص بكم. وانه سيدفع عنكم من عذاب الله شيئا. بل غيركم اعظم منكم تمكينا. فلم تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم ولا جنودهم من الله شيئا وجعلنا لهم سمعا وابصارا وافئدة. اي لا قصور في سمعهم ولا ابصارهم ولا اذهانهم. حتى يقالوا انهم تركوا الحق جهلا منهم. وعدم تمكن من العلم به ولا خلل في عقولهم ولكن التوفيق بيد الله وذلك بسبب انهم يجحدون بايات الله الدالة على توحيده وافراده بالعبادة اي نزل بهم العذاب الذي يكذبون بوقوعه ويستهزئون بالرسل الذين حذروهم منه. ولقد اهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الايات لعلهم يرجعون يحذر تعالى مشركي العرب وغيرهم باهلاك الامم المكذبين. الذين هم حول ديارهم بل كثير منهم في جزيرة العرب كعاد وثمود ونحوهم. وان الله تعالى صرف لهم الايات اي نوعها من كل وجه. لعلهم يرجعون عما هم عليه من الكفر والتكذيب فلما لم يؤمنوا اخذهم الله اخذ عزيز مقتدر. ولم تنفعهم الهتهم التي يدعون من دون الله من شيء. ولهذا قال هنا بل ضلوا عنهم وذلك افكهم وما كانوا فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا الهة ان يتقربون اليهم ويتألهونهم لرجاء نفعهم بل ضلوا عنهم وذلك افكهم وما كانوا يفترون. بل ضلوا عنهم فلم يجيبوهم ولا دفعوا عنهم وذلك افكهم وما كانوا يفترون من الكذب الذي يمنون به انفسهم. حيث يزعمون انهم على الحق وان اعمالهم ستنفعهم فضلت وبطلت وان صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما كان الله تعالى قد ارسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم الى الخلق. انسهم وجنهم وكان لابد من ابلاغ الجميع لدعوة النبوة والرسالة فالانس يمكنه عليه الصلاة والسلام دعوتهم وانذارهم. واما الجن فصرفهم الله اليه بقدرته. وارسل اليه نفرا من الجن يستمعون القرآن. اي وصى بعضهم بعضا بذلك تولوا الى قومهم منذرين. فلما قضي وقد وعوه واثر ذلك فيهم ولوا الى قومهم المنذرين نصحا منهم لهم واقامة لحجة الله عليهم وقيضهم الله معونة لرسوله صلى الله عليه وسلم في نشر به في الجن يهدي الى الحق والى طريق مستقيم. قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى لان كتاب موسى اصل للانجيل. وعمدة لبني اسرائيل في احكام الشرع. وانما الانجيل متمم ومكمل ومغير لبعض احكام مصدقا لما بين يديه. يهدي هذا الكتاب الذي سمعناه الى الحق وهو الصواب في كل مطلوب وخبر. والى طريق مستقيم موصل الى الله والى جنته. من العلم بالله وباحكامه الدينية واحكام الجزاء. فلما مدحوا القرآن وبينوا محله مرتبته. دعوهم الى الايمان به فقالوا يا قوم انا اجيب داعي الله وامنوا به يغفر لكم من ذنوبكم. يغفر لكم من ذنوبكم يا قومنا اجيبوا داعي الله اي الذي لا يدعو الا الى ربه. لا يدعوكم الى غرض من ولا هوى وانما يدعوكم الى ربكم ليثيبكم ويزيل عنكم كل شر ومكروه. ولهذا قالوا يا ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم. واذا اجارهم من العذاب الاليم فما ثم بعد ذلك الا النعيم هذا جزاء من اجاب داعي الله. ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اولئك في ضلال مبين. ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الارض فان الله على كل شيء قدير. فلا يفوته هارب ولا يغالبه مغالب. وليس له من دونه اولياء انك في ضلال مبين. واي ضلال ابلغ من ضلال من نادته الرسل. ووصلت اليه النذر بالايات البينات. والحجج متواترات فاعرض واستكبر هذا استدلال منه تعالى على الاعادة بعد الموت بما هو ابلغ منها. وهو انه الذي خلق السماوات والارض على عظمهما وسعتهما واتقان خلقهم من دون ان يكترث بذلك ولم يعي بخلقهن فكيف تعجزه اعادتكم بعد موتكم وهو على كل شيء قدير يوم يعرض الذين كفروا على النار اليس هذا بالحق؟ قالوا بلى وربنا. قال فذوقوا العذاب يخبر تعالى عن حال الكفار الفظيعة عند عرضهم على النار التي كانوا يكذبون بها انهم يوبخون ويقال لهم اليس هذا بالحق؟ فقد حضرتموه وشاهدتموه عيانا. قالوا بلى وربنا فاعترفوا بهم وتبين كذبهم. اي عذابا لازما دائما كما كان كفركم صفة لازمة ثم امر تعالى رسوله ان يصبر على اذية المكذبين المعادين له. وان لا يزال داعيا لهم الى الله. وان يقتدي بصدر اولي العزم من مرسلين سادات الخلق وللعزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم وتم يقينهم فهم احق الخلق بالاسوة بهم والقفو لاثارهم والاهتداء بمنارهم. فامتثل صلى الله عليه وسلم لامر ربه. فصبر صبرا لم يصبره نبي قبله. حتى ما هم معادون له عن قوس واحدة. وقاموا جميعا بصده عن الدعوة الى الله. وفعلوا ما يمكنهم من المعاداة والمحاربة. وهو صلى الله عليه وسلم فلم يزل صادعا بامر الله مقيما على جهاد اعداء الله صابرا على ما يناله من الاذى حتى مكن الله له في الارض واظهر دينه على سائر الاديان وامته على الامم. فصلى الله عليه وسلم تسليما. وقوله اي لهؤلاء المكذبين المستعجلين للعذاب. فان هذا من جهلهم وحمقهم. فلا يستخفنك بجهلهم. ولا يحملك ما ترى من استعجالهم على ان تدعو الله عليهم بذلك. فان كل ما هو ات قريب اه وكانهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا في الدنيا الا ساعة من نهار. فلا يحزنك تمتعهم القليل هم سائرون الى العذاب الوبيل. بلاغ اي هذه الدنيا متاعها وشهواتها ولذاتها بلغة منغصة. ودفع وقت حاضر قليل. او هذا القرآن العظيم الذي بينا لكم فيه في البيان التام بلاغ لكم وزاد الى الدار الاخرة. ونعم الزاد والبلغة. زاد يوصل الى دار النعيم. ويعصم من العذاب الاليم فهو افضل زاد يتزوده الخلائق. واجل نعمة انعم الله بها عليهم فهل يهلك بالعقوبات الا القوم الفاسقون؟ اي الذين لا خير فيهم وقد خرجوا عن طاعة ربهم ولم يقبلوا الحق الذي جاءت به الرسل واعذر الله لهم وانذرهم. فبعد ذلك اذ يستمرون على تكذيبهم وكفرهم. نسأل الله العصمة بسم الله الرحمن الرحيم. هذه الايات مشتملة على ذكر ثواب المؤمنين وعقاب العاصين. والسبب في ذلك ودعوة الخلق الى الاعتبار بذلك. فقال الذين كفروا صدوا عن سبيل الله وهؤلاء رؤساء الكفر. وائمة الضلال الذين جمعوا بين الكفر بالله واياته. والصد لانفسهم عن سبيل الله التي هي الايمان بما دعت اليه الرسل واتباعه. فهؤلاء اضل الله اعمالهم اي ابطلها واشقاهم بسببها وهذا يشمل اعمالهم التي عملوها ليكيدوا بها الحق واولياء الله ان الله جعل كيدهم في نحورهم فلم يدركوا مما حصدوا شيئا واعمالهم التي يرجون ان يثابوا عليها ان الله سيحبطها عليهم. والسبب في ذلك انهم اتبعوا الباطل وهو كل غاية لا يراد بها وجه الله من عبادة الاصنام والاوثان. والاعمال التي في نصر الباطل لما كانت باطلة كانت الاعمال لاجلها باطلة. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو ان كفر عنهم سيئاتهم واصلح بالهم. واما الذين امنوا بما انزل الله على رسله عموما. وعلى محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا وعملوا الصالحات بان قاموا بما عليهم من حقوق الله وحقوق عباده الواجبة والمستحبة كفر الله عنهم سيئات فئاتهم صغارها وكبارها. واذا كفرت سيئاتهم نجوا من عذاب الدنيا والاخرة. كفر عنهم سيئاتهم واصلح اي اصلح دينهم ودنياهم وقلوبهم واعمالهم واصلح ثوابهم بتنميته وتزكيته. واصلح جميع احوالهم والسبب في ذلك انهم اتبعوا الحق الذي هو الصدق واليقين وما اشتمل عليه هذا القرآن العظيم الصادر من ربهم الذي رباهم بنعمته ودبرهم بلطفه. فرباهم تعالى بالحق فاتبعوه. وصلحت امورهم. فلما كانت الغاية المقصودة لهم بالحق المنسوب الى الله الباقي الحق المبين. كانت الوسيلة صالحة باقية. باقيا ثوابها حيث بين لهم تعالى اهل الخير واهل الشر. وذكر لكل منهم صفة يعرفون بها ويتميزون. باهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب. حتى اذا فداء حتى تضع الحرب اوزارها. ذلك ولو يشاء الله لن والذين قتلوا في سبيل الله ان يضل اعمالهم. يقول تعالى مرشدا عباده الى ما فيه صلاحهم ونصرهم على اعدائهم. فاذا لقيتم الذين كفروا في الحرب والقتال فاصدقوهم القتال. واضربوا منهم الاعناق حتى تثخنوهم وتكسروا شوكتهم وتبطلوا شرتهم. فاذا فعلتم ذلك ورأيتم الاسر اولى واصلح فشدوا الوثاق. اي الرباط وهذا احتياط لاسرهم لان لا يهربوا. فاذا شد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من هربهم ومن شرهم فاذا كانوا تحت اسركم فانتم بالخيار بين المن عليهم واطلاقهم بلا مال ولا فداء واما ان تفدوهم بالا تطلقوهم حتى يشتروا انفسهم. او يشتريهم اصحابهم بمال او باسير مسلم عندهم. وهذا الامر حتى تضع الحرب اوزارها اي حتى لا يبقى حرب وتبقون في المسالمة والمهادنة فان لكل مقام مقالة ولكل حال حكما. فالحال المتقدمة انما هي اذا كان قتال وحرب. فاذا كان في بعض الاوقات لا حرب فيه لسبب من الاسباب اسباب فلا قتل ولا اسر. ذلك الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين. ومداولة الايام بينهم وانتصار بعضهم على بعض ولو يشاء الله لانتصر منهم فانه تعالى على كل شيء قدير. وقادر على الا ينتصر الكفار في موضع واحد ابدا المسلمون خضراءهم. ليقوم سوق الجهاد ويتبين بذلك احوال العباد الصادق من الكاذب وليؤمن من امن ايمانا صحيحا عن بصيرة. لا ايمانا مبنيا على متابعة اهل الغلبة. فانه ايمان ضعيف جدا لا يكاد يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا فاعمالهم والذين قتلوا في سبيل الله لهم ثواب جزيل واجر جميل وهم الذين قاتلوا من امروا بقتالهم هنا كلمة الله هي العليا. فهؤلاء لن يضل الله اعمالهم. اي لن يحبطها ويبطلها. بل يتقبلها وينميها لهم من اعمالهم نتائجها في الدنيا والاخرة. سيهديهم الى سلوك الطريق الموصلة اليه الجنة ويصلح بالهم اي حالهم وامورهم. وثوابهم يكون صالحا كاملا. لا نكد فيه ولا تنغيص بوجه من الوجوه ويدخلهم الجنة عرفها لهم. اي عرفها اولا بان شوقهم اليها ونعتها لهم ذكر لهم الاعمال الموصلة اليها. التي من جملتها القتل في سبيله. ووفقهم للقيام بما امرهم به. ورغبهم فيه. ثم اذا دخلوا ان حرفهم منازلهم وما احتوت عليه من النعيم المقيم والعيش السليم هذا امر منه تعالى للمؤمنين ان ينصروا الله بالقيام دينه والدعوة اليه وجهاد اعدائه. والقصد بذلك وجه الله. فانهم اذا فعلوا ذلك نصرهم الله وثبت اقدامهم. ان يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات. ويصبر اجسامهم على ذلك. ويعينهم على اعدائهم. فهذا وعد من كريم صادق الوعد ان الذي ينصره بالاقوال والافعال سينصره مولاه. وييسر له اسباب النصر من الثبات وغيره ثم ضل اعمالهم. واما الذين كفروا بربهم ونصروا الباطل فانهم في تعس. اي انتكاس من امرهم وخذلان والذين كفروا فتعسى لهم ما ضل اعمالهم اي ابطل اعمالهم التي يكيدون بها الحق. فرجع كيدهم في نحورهم اعمالهم التي يزعمون انهم يريدون بها وجه الله ذلك الاضلال والتعس للذين كفروا بسبب انهم كرهوا ما انزل الله من القرآن الذي انزله الله صلاحا للعباد وفلاحا لهم فلم يقبلوه بل ابغضوه وكرهوه وكيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين امثالها. اي افلا يسير هؤلاء المكذبون بالرسول صلى الله عليه وسلم. فانهم لا يجدون عاقبتهم الا شر العواقب فانهم لا يلتفتون يمنة ولا يسرة. الا وجدوا ما حولهم قد بادوا وهلكوا. واستأصلهم التكذيب والكفر احمدوا ودمر الله عليهم اموالهم وديارهم. بل دمر اعمالهم ومكرهم وللكافرين في كل زمان ومكان. امثال هذه العواقب بالوخيمة والعقوبات الذميمة. واما المؤمنون فان الله تعالى ينجيهم من العذاب. ويجزل لهم كثير الثواب بان الله مولى الذين امنوا وان الكافرين لا مولى لهم. ذلك بان الله مولى الذين امنوا تتولاهم برحمته فاخرجهم من الظلمات الى النور. وتولى جزاءهم ونصرهم ان الكافرين بالله تعالى حيث قطعوا عنهم ولاية الله وسدوا على انفسهم رحمته. لا مولى لهم يهديهم الى سبل السلام. ولا ينجيهم من عذاب الله وعقابه. بل اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ان الله يدخل الذين امنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار لما ذكر تعالى انه ولي المؤمن ذكر ما يفعل بهم في الاخرة من دخول الجنات التي تجري من تحتها الانهار التي تسقي تلك البساتين الزاهرة والاشجار الناظرة المثمرة لكل زوج بهيج وكل فاكهة لذيذة. ولما ذكر ان الكافرين لا مولى لهم. ذكر انهم وكلوا الى انفسهم لم يتصفوا بصفات المروءة وللصفات الانسانية بل نزلوا عنها دركات وصاروا كالانعام التي لا عقل لها ولا فضل بل كل همهم ومقصدهم التمتع بلذات الدنيا وشهواتها. فترى حركاتهم الظاهرة والباطنة دائرة حولها غير متعدية لها الى ما فيه الخير والسعادة. ولهذا كانت النار مثوى لهم. اي منزلا معدا لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم من عذابهم ايوا كم من قرية من قرى المكذبين هي اشد قوة من قريتك في الاموال والاولاد والاعوان والابنية والالات اهلكناهم حين كذبوا رسلنا ولم تفد فيهم المواعظ فلم نجد لهم ناصرا ولم تغني عنهم قوتهم من عذاب الله شيئا. فكيف حال هؤلاء الضعفاء اهل قريتك. اذ اخرجوك عن وطنك وكذبوك. وعادوك وانت افضل المرسلين. وخير الاولين والاخرين. اليس حق من غيرهم بالاهلاك والعقوبة. لولا ان الله تعالى بعث رسوله بالرحمة والتأني بكل كافر وجاحد اي لا يستوي من هو على بصيرة من امر دينه علما وعملا قد علم الحق واتبعه ورجى ما وعده الله لاهل الحق كمن هو اعمى القلب قد رفض الحق واضله واتبع هواه بغير هدى من الله. ومع ذلك يرى ان ما هو عليه من الحق. فما ابعد الفرق بين الفريقين وما اعظم التفاوت بين الطائفتين اهل الحق واهل الغي غير اس وانهار من لبن ولهم فيها من كل السمرات كمن هو خالد حميما وسقوما حميما اي مثل الجنة التي اعدها الله لعباده الذين اتقوا سخطه واتبعوا رضوانه اينعتها وصفتها الجميلة اي غير متغير لا بوخم ولا بريح منتنة. ولا بمرارة ولا بقدورة. بل هو اعذب المياه واصفاها واطيبها ريحا والذها شربا ولا غيرها. اي يلتذ به شيء لذة عظيمة لا كخمر الدنيا الذي يكره مذاقه ويصدع الرأس ويغول العقل من شمعه وسائر اوساخه ومغفرة من ربهم. ولهم فيها من كل الثمرات من نخيل وعنب وتفاح ورمان. واترج وتين وغير ذلك مما لا نظير له في الدنيا. فهذا المحبوب المطلوب قد حصل لهم. ثم قال ومغفرة من ربهم يزول بها عنهم المرهون هؤلاء خير ام من هو خالد في النار التي اشتد حرها؟ وتضاعف عذابها النار وسقومات ماء حميما. وسقما حميما وسقوا فيها ماء حميما اي حارا جدا فسبحان من فاوت بين الدارين والجزائين والعاملين والعملين الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا اه يقول تعالى ومن المنافقين من يستمع اليك ما تقول استماعا لا عن قبول وانقياد. بل معرضة قلوبهم عنه ولهذا قال حتى اذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم مستفهمين عما قلت وما سمعوا مما لم يكن لهم فيه رغبة ماذا قال انفا؟ اي قريبا. وهذا في غاية الذم لهم. فانهم لو كانوا حريصين على الخير لالقوا اليه اسماعهم ووعتهم قلوبهم وانقادت له جوارحهم ولكنهم بعكس هذه الحال. ولهذا قال اي ختم عليها وسد ابواب الخير التي تصل اليها بسبب اتباعهم اهواءهم التي لا يهوون فيها الا الباطل. ثم بين حال المهتدين فقال والذين اهتدوا والذين اهتدوا بالايمان والانقياد واتباع ما يرضي الله زادهم هدى شكرا منه تعالى لهم على ذلك. اي وفقهم للخير وحفظهم من الشر. فذكرا للمهتدين جزاءين العلم النافع والعمل الصالح اي فهل ينظر هؤلاء المكذبون او ينتظرون الا ساعة ان تأتيهم بغتة. اي فجأة وهم لا يشعرون اي علاماتها الدالة على قربها اي من اين لهم؟ اذا جاءتهم الساعة وانقطعت اجالهم ان يتذكروا ويستعتبوا. فقد فات ذلك. وذهب وقت تذكر فقد عمروا ما يتذكر فيه من تذكر. وجاءهم النذير. ففي هذا الحث على الاستعداد قبل مفاجأة الموت. فان الانسان قيام ساعته اه وللمؤمنين مؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم. العلم لابد فيه من اقرار القلب ومعرفته بمعنى ما طلب منه علمه. وتمامه ان يعمل بمقتضاه. وهذا العلم الذي امر الله به وهو العلم بتوحيد الله. فرض عين على كل انسان لا يسقط عن احد كائنا من كان. بل كل مضطر الى ذلك. والطريق الى العلم بانه لا اله الا الله. امور احدها بل اعظمها تدبر اسمائه وصفاته. وافعاله الدالة على كماله وعظمته وجلالته. فانها توجب بذل الجهد في التأله له والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال. الثاني العلم بانه تعالى المنفرد بالخلق تدبير في علم بذلك انه المنفرد بالالوهية. الثالث العلم بانه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة. الدينية والدنيوية فان ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته. والتأله له وحده لا شريك له. الرابع ما نراه ونسمعه من الثواب لاولياءه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة. ومن عقوبته لاعدائه المشركين به. فان هذا داع الى العلم بانه تعالى وحده المستحب للعبادة كلها. الخامس معرفة اوصاف الاوثان والانداد التي عبدت مع الله. واتخذت الهة وانها ناقصة من جميع الوجوه فقيرة بالذات لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ولا ينصرون من عبده ولا ينفعونهم بمثقال ذرة من جلب خير او دفع شر. فان العلم بذلك يوجب العلم بانه لا اله الا هو وبطلانه الهية ما سواه. السادس اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه. السابع ان خواص الخلق الذين هم اكملوا الخليقة اخلاقا وعقولا ورأيا وصوابا وعلما. وهم الرسل والانبياء والعلماء الربانيون. قد شهدوا لله بذلك امن ما اقامه الله من الادلة الافقية والنفسية. التي تدل على التوحيد اعظم دلالة. وتنادي عليه بلسان حالها بما اودعه من لطائف صنعته وبديع حكمته وغرائب خلقه. فهذه الطرق التي اكثر الله من دعوة الخلق بها الى انه لا اله الا الله وابداها في كتابه واعادها عند تأمل العبد في بعضها. لابد ان يكون عنده يقين وعلم بذلك. فكيف اذا اجتمعت وتواطأت واتفقت وقامت ادلة التوحيد من كل جانب. فهناك يرسخ الايمان والعلم بذلك في قلب العبد. بحيث يكون كالجبال الرواسي لا تزلزله الشبه والخيالات. ولا يزداد على تكرر الباطل والشبه الا نموا وكمالا. هذا وان نظرت الى الدليل العظيم والامر الكبير وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في اياته. فانه الباب الاعظم الى العلم بالتوحيد. ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره. وقوله واستغفر لذنبك اي اطلب من الله المغفرة لذنبك بان تفعل اسباب المغفرة من التوبة دعاء بالمغفرة والحسنات الماحية وترك الذنوب والعفو عن الجرائم. واستغفر ايضا للمؤمنين والمؤمنات. فانهم بسبب ايمانهم كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة. ومن جملة حقوقهم ان يدعو لهم ويستغفر لذنوبهم. واذا كان مأمورا بالاستغفار لهم المتضمن لازالة الذنوب وعقوباتها عنهم. فان من لوازم ذلك النصح لهم وان يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه. ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه ويأمرهم بما فيه الخير لهم وينهاهم عما فيه ضررهم ويعفو عن مساوئهم ومعايبهم ويحرص وعلى اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم. ويزول ما بينهم من الاحقاد المفضية للمعاداة والشقاق. الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم اوصيهم والله يعلم متقلبكم ومثواكم. والله يعلم متقلبكم اي تصرفاتكم وحركاتكم وذهابكم ومجيئكم ومثواكم الذي به تستقرون فهو يعلمكم في الحركات والسكنات. فيجازيكم على ذلك اتم واوفاه. ويقول الذين امنوا لولا نزلت سورة فاذا انزلت سورة محكمة ذكر فيها القتال وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون اليك نظر المغشي عليه من الموت. فاولى لهم طاعة وقول معروف. فاذا عزم الامر فاذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم يقول تعالى ويقول الذين امنوا استعجالا ومبادرة للاوامر الشاقة. لولا نزلت سورة اي فيها الامر بالقتال فاذا انزلت سورة محكمة اي ملزم العمل بها وذكر فيها القتال الذي هو اشق شيء على النفوس. لم يثبت ضعفاء المؤمنين على امتثال هذه الاوامر ولهذا قال عليه من الموت. نظر المغشي عليه من الموت من كراهتهم لذلك وشدته عليهم. وهذا كقوله تعالى قال المتر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة واتوا الزكاة. فلما كتب عليهم القتال اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية. ثم ندبهم تعالى الى ما هو الاليق بحالهم. فقال اي فاولى لهم ان يمتثلوا الامر الحاضر المحتم عليهم. ويجمعوا عليه هممهم. ولا يطلبوا ان يشرع لهم ما هو شر عليهم وليفرحوا بعافية الله تعالى وعفوه. فاذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم فاذا عزم الامر اي جاءهم الامر جد وامر محتم. ففي هذه الحال لو صدقوا الله بالاستعانة به وبذل الجهد في امتثاله لكان خيرا لهم من حالهم الاولى وذلك من وجوه. منها ان العبد ناقص من كل وجه لا قدرة له الا ان اعانه الله فلا يطلب زيادة على ما هو قائم بصدده. ومنها انه اذا تعلقت نفسه بالمستقبل ضعف عن العمل بوظيفة وقته وبوظيفة اما الحال فلان الهمة انتقلت عنه الى غيره. والعمل تبع للهمة. واما المستقبل فانه لا يجيء حتى تفتر الهمة عن نشاطها فلا يعان عليه. ومنها ان العبد المؤمل للامال المستقبلة مع كسله عن عمل الوقت الحاضر. شبيه بالمتألق للذي يجزم بقدرته على ما يستقبل من اموره. فاحرى به ان يخذل ولا يقوم بما هم به ووطن نفسه عليه. فالذي ينبغي ان يجمع العبد همه وفكرته ونشاطه على وقته الحاضر. ويؤدي وظيفته بحسب قدرته. ثم كلما جاء وقت استقبله بنشاط وهمة عالية. مجتمع سمعت غير متفرقة مستعينا بربه في ذلك فهذا حري بالتوفيق والتسديد في جميع اموره. ثم ذكر تعالى حالة المتولي عن طاعة ربه وانه لا يتولى الى خير بل الى شر. فقال في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله اي فهو هما امران اما التزام لطاعة الله وامتثال لاوامره. فثم الخير والرشد والفلاح. واما اعراض عن ذلك وتول عن الله فما ثم الا الفساد في الارض بالعمل بالمعاصي وقطيعة الارحام الله فاصمهم واعمى ابصارهم. اولئك الذين افسدوا في الارض وقطعوا ارحامهم. لعنهم الله بان ابعدهم عن رحمته وقربوا من سخط الله. اي جعلهم لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرون فلهم اذان ولكن لا تسمع سماع اذعان وقبول. وانما تسمع سماعا تقوم به حجة الله عليها ولهم اعين ولكن لا يبصرون بها العبر والايات. ولا يلتفتون بها الى البراهين والبينات. افلا يتدبرون ام على قلوب اقفالها اي فهلا يتدبر هؤلاء لكتاب الله ويتأملونه حق التأمل. فانهم لو تدبروه لدلهم على كل خير. ولحذرهم من كل شر. ولملأ وهم من الايمان وافئدتهم من الايقان. ولا اوصلهم الى المطالب العالية والمواهب الغالية. ولبين لهم الطريق الموصلة الى الله والى جنته ومكملاتها ومفسداتها. والطريق الموصلة الى العذاب. وباي شيء تحذر. ولا عرفهم بربهم واسمائه وصفاته واحسانه ولشوقهم الى الثواب الجزيل ورهبهم من العقاب الوبيل قد اغلق على ما فيها من الشر واقفلت فلا يدخلها خير ابدا. هذا هو الواقع يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والايمان على اعقابهم الى الضلال والكفران. ذلك لا عن دليل دلهم ولا برهان. وانما هو تسويل من عدوهم الشيطان دين لهم واملاء منه لهم. يعدهم ويمنيهم. وما يعدهم الشيطان الا غرورا. ذلك بانهم قانون الذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر والله يعلم اسرارهم. وذلك انهم قد تبين لهم الهدى فزهدوا فيه ورفضوه. وقالوا للذين كرهوا ما نزل الله من المبارزين العداوة لله ولرسوله اطيعكم في بعض الامر اي الذي يوافق اهواءهم فلذلك عاقبهم الله بالضلال. والاقامة على ما يوصلهم الى الشقاء الابدي عذاب السرمدي. فلذلك فضحهم وبينها لعباده المؤمنين. بالا يغتر بها فكيف اذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم انبارا فكيف ترى حالهم الشنيعة ورؤيتهم الفظيعة اذا توفتهم الملائكة الموكلون بقبض ارواحهم وجوههم ادبارهم. بالمقامع الشديدة كرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم. ذلك العذاب الذي استحقوه ونالوه بسبب انهم اتبعوا ما الله من كل كفر وفسوق وعصيان. وكرهوا رضوانه فلم يكن لهم رغبة فيما يقربهم اليه. ولا يدنيهم منه فاحبط اعمالهم. اي ابطلها واذهبها وهذا بخلاف من اتبع ما يرضي الله وكره سخطه. فانه سيكفر عنه سيئاته ويضاعف اجره وثوابه الله اضغانهم. يقول تعالى ام حسب الذين في قلوبهم مرض من شبهة او شهوة حيث تخرج القلب عن بصحته واعتداله ان الله لا يخرج ما في قلوبهم من الاضغان والعداوة للاسلام واهله. هذا ظن لا يليق بحكمة الله فانه لا لابد ان يميز الصادق من الكاذب وذلك بالابتلاء بالمحن التي من ثبت عليها ودام ايمانه فيها فهو المؤمن حقيقة. ومن رد على عقبيه فلم يصبر عليها. وحين اتاه الامتحان جزع وضعف ايمانه. وخرج ما في قلبه من الضغن. وتبين نفاقه هذا مقتضى الحكمة الالهية مع انه تعالى قال قم بسماهم. اي بعلاماتهم التي هي كالوسم في وجوههم. ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم اعمالكم. اي لابد ان يظهر ما في قلوبهم ويتبين بفلتات السنتهم. فان الالسن مغارف القلوب يظهر منها ما في القلوب من الخير والشر. فيجازيكم عليها. ثم ذكر اعظم امتحان يمتحن به عبادة وهو الجهاد في سبيل الله. فقال ثم الصابرين ونبلوا اخباركم. ولنبلونكم اي نختبر ايمانكم وصبركم فمن امتثل امر الله وجاهد في في سبيل الله لنصر دينه واعلاء كلمته فهو المؤمن حقا. ومن تكاسل عن ذلك كان ذلك نقصا في ايمانه الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى هذا وعيد جديد لمن جمع انواع الشر كلها من الكفر بالله وصد الخلق عن سبيل الله الذي نصبه موصلا اليه. وشاقوا الرسول من بعد ما بين لهم الهدى اي عاندوه وخالفوه عن عمد وعناد. لا عن جهل وغي وضلال فانهم لن يضروا الله شيئا. فلا ينقص ملكه. اي مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل الا تثمر لهم الا الخيبة والخسران. واعمالهم التي يرجون بها الثواب. لا تقبل لعدم وجود شرطها. يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم. يأمر تعالى المؤمنين بامر به تتم امورهم وتحصل سعادتهم الدينية والدنيوية. وهو طاعته وطاعة رسوله في اصول الدين وفروعه. والطاعة هي امتثال الاوامر واجتناب النهي على الوجه المأمور به بالاخلاص وتمام المتابعة. وقوله ولا تبطلوا اعمالكم. يشمل النهي عن ابطالها بعد عمله بما يفسدها من من بها واعجاب وفخر وسمعة. ومن عمل بالمعاصي التي تطمحل معها الاعمال. ويحبط اجرها ويشمل النهي عن افسادها حال وقوعها بقطعها او الاتيان بمفسد من مفسداتها. فمبطلات الصلاة والصيام والحج ونحوها كلها داخلة في هذا ومنهي عنها. ويستدل الفقهاء بهذه الاية على تحريم قطع الفرض. وكراهة قطع النفل من غير بموجب لذلك واذا كان الله قد نهى عن ابطال الاعمال فهو امر باصلاحها واكمالها واتمامها والاتيان بها على الوجه الذي يصلح به علما وعملا لن يغفر الله لهم. هذه الاية والتي في البقرة قوله ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر. فاولئك اعمالهم في الدنيا والاخرة مقيدتان لكل نص مطلق. فيه احباط العمل بالكفر. فانه مقيد بالموت عليه. فقال هنا ان الذين كفروا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. وصدوا الخلق عن سبيل الله بتزهيدهم اياهم بالحق. ودعوتهم الى باطل وتزينه ثم ماتوا وهم كفار لم يتوبوا منه. لا بشفاعة ولا بغيرها لانه قد تحتم عليهم العقاب وفاتهم الثواب. ووجب عليهم الخلود في النار. وسدت عليهم رحمة الرحيم الغفار. ومفهوم الاية الكريمة انهم ان تابوا من ذلك قبل موتهم فان الله يغفر لهم ويرحمهم ويدخلهم الجنة. ولو كانوا مفنين اعمارهم في الكفر به والصد عن سبيله والاقدام على معصيه. فسبحان من فتح لعباده ابواب الرحمة. ولم يغلقها عن احد ما دام حيا متمكنا من التوبة وسبحان الحليم الذي لا يعادل العاصين بالعقوبة بل يعافيهم ويرزقهم كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم. ثم قال قال تعالى فلا تهنوا وتدعوا الى السلم وانتم الاعلون فلا تهنوا اي لا تضعفوا عن قتال عدوكم ويستولي عليكم الخوف. بل اصبروا واثبتوا ووطنوا انفسكم على القتال والجلاد لمرضاة ربكم ونصحا للاسلام واغضابا للشيطان. ولا تدعو الى المسألة والمتركة بينكم وبين اعدائكم طلبا والحال انكم ولن يتركم اي ينقصكم اعمالكم. فهذه الامور الثلاثة كل منها مقتض للصبر وعدم الوهن. كونهم الاعلين. اي قد توفرت لهم اسباب النصر ووعدوا من الله بالوعد الصادق. فان الانسان لا يهن الا اذا كان اذل من غيره واضعف عددا وعددا. وقوة داخلية وخارجية الثاني ان الله معهم فانهم مؤمنون. والله مع المؤمنين بالعون والنصر والتأييد. وذلك موجب لقوة بهم واقدامهم على عدوهم. الثالث ان الله لا ينقصهم من اعمالهم شيئا. بل سيوفيهم اجورهم ويزيدهم من فضله خصوصا عبادة الجهاد فان النفقة تضاعف فيه الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة. وقال تعالى ذلك بانه هم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله. ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو ميلا الا كتب لهم به في عمل صالح ان الله لا يضيع اجر المحسنين. ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة. ولا يقطعون واديا الا كتب لهم ليجزيهم الله احسن ما كانوا يعملون. فاذا عرف الانسان ان الله تعالى لا يضيع عمله وجهاده. اوجب له ذلك النشاط وبذل الجهد فيما يترتب عليه الاجر والثواب. فكيف اذا اجتمعت هذه الامور الثلاثة؟ فان ذلك يوجب النشاط التام. فهذا من ترغيب الله لعباده حتى انه من شدة تأكده انه قال يد الله فوق ايديهم. اي كانهم بايعوا الله وصافحوه بتلك المبايعة. وكل هذا لزيادة التأكيد والتقوية وحملهم على الوفاء بها. ولهذا قال فمن نكث فلم يف بما عاهد الله عليه فانما يمكث على نفسه. اي لان وبال ذلك راجع اليه وعقوبته واصلة له وتشيطهم وتقوية انفسهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم. انما الحياة الدنيا لعب ولهو ان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم اجوركم ولا يسألكم اموالكم. هذا تزهيد منه لعباده في الحياة الدنيا عن حقيقة امرها بانها لعب ولهو. لعب في الابدان ولهو في القلوب. فلا يزال العبد لاهيا في ماله واولاده وزينته ولذاته من النساء والمآكل والمشارب. والمساكن والمجالس والمناظر والرياسات. لاعبا في كل عمل لا فائدة فيه. بل هو ثائر بين البطالة والغفلة والمعاصي. حتى تستكمل دنياه ويحضره اجله. فاذا هذه الامور قد ولت وفارقت. ولم يحصل العبد منها على طائل بل قد تبين له خسرانه وحرمانه وحضر عذابه فهذا موجب للعاقل الزهد فيها وعدم الرغبة فيها اهتمام بشأنها وانما الذي ينبغي ان يهتم به ما ذكره بقوله. وان تؤمنوا وتتقوا بان تؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتقوموا بتقواه التي هي من لوازم الايمان ومقتضياته. وهي العمل بمرضاته على الدوام. مع ترك معاصيه فهذا الذي ينفع العبد وهو الذي ينبغي ان يتنافس فيه وتبذل الهمم والاعمال في طلبه. وهو مقصود الله من عباده رحمة بهم ولطفا يثيبهم الثواب الجزيل. ولهذا قال وان تؤمنوا وتتقوا يؤتكم اجوركم ولا يسألكم اموال اي لا يريد تعالى ان يكلفكم ما يشق عليكم ويعنتكم من اخذ اموالكم وبقائكم بلا مال. او ينقصكم نقصا يضركم ولهذا قال اي ما في قلوبكم من الضغن اذا طلب منكم ما تكرهون بذلة الغني وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوما والدليل على ان الله لو طلب منكم اموالكم واحفاكم بسؤاله انكم تمتنعون منها انكم تدعون لتنفقوا في سبيل الله على هذا الوجه الذي فيه مصلحتكم الدينية والدنيوية منكم من يبخل اي فكيف لو سألكم وطلب منكم اموالكم في غير امر ترونه مصلحة عاجلة؟ اليس من باب اولى واحرى؟ امتناع انتم الفقراء. تحتاجون اليه في جميع اوقاتكم لجميع اموركم. وان تتولوا عن الايمان الايمان بالله وامتثال ما يأمركم به ثم لا يكون امثالكم في التولي. بل يطيعون الله ورسوله ويحبون الله ورسوله. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه بسم الله الرحمن الرحيم. انا فتحنا لك فتحا مبينا. هذا الفتح المذكور هو صلح الحديبية. حين رد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء معتمرا في قصة طويلة صار اخر امرها ان صالحهم رسول الله صلى الله عليه عليه وسلم على وضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين. وعلى ان يعتمر من العام المقبل. وعلى ان من اراد ان يدخل في عهد قريش وحلفهم دخل ومن احب ان يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده فعل. وبسبب ذلك لما امن الناس بعضهم بعضا اتسع دائرة الدعوة لدين الله عز وجل وصار كل مؤمن باي محل كان من تلك الاقطار يتمكن من ذلك وامكن الحريص على الوقوف على لا حقيقة الاسلام. فدخل الناس في تلك المدة في دين الله افواجا. فلذلك سماه الله فتحا. ووصفه بانه فتح مبين. ايضا ظاهر جلي وذلك لان المقصود في فتح بلدان المشركين اعزاز دين الله وانتصار المسلمين. وهذا حصل بذلك الفتح. ورتب الله على هذا الفتح عدة امور فقال ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وذلك والله اعلم بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة والدخول في الدين بكثرة. وربما تحمل صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط التي لا يصبر عليها الا اولوا حزم من المرسلين. وهذا من اعظم مناقبه وكراماته صلى الله عليه وسلم. ان غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما. ويتم نعمته عليك باعزاز دينك ونصرك على اعدائك واتساع كلمتك ويهديك صراطا مستقيما. تنال به السعادة الابدية والفلاح السرمدي او نصرا عزيزا. اي قويا لا يتضعضع فيه الاسلام. بل يحصل الانتصار التام. وقمع الكافرين وذلهم ونقصهم مع توفر قوى المسلمين ونموهم ونمو اموالهم. ثم ذكر اثار هذا الفتح على المؤمنين السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السماوات والارض يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بانزال السكينة في قلوبهم. وهي السكون والطمأنينة والثبات عند نزول المحن المقلقة والامور الصعبة. التي تشوش القلوب وتزعج الالباب وتضعف النفوس. فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال ان يثبته ويربط على قلبه وينزل عليه السكينة ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت ونفس مطمئنة فيستعد بذلك لاقامة امر الله في هذه الحال فيزداد بذلك ايمانه ويتم ايقانه. فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى ما جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين من تلك الشروط التي ظاهرها انها غضاضة عليهم وحط من اقدارهم وتلك لا تكاد تصبر النفوس فلما صبروا عليها ووطنوا انفسهم لها ازدادوا بذلك ايمانا مع ايمانهم. وقوله ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما. ولله جنود السماوات والارض اي جميعها في ملكه. وتحت تدبيره وقهره فلا يظن المشركون ان الله لا ينصر دينه ونبيه. ولكنه تعالى عليم حكيم. فتقتضي حكمته المداولة بين الناس في الايام وتأخير نصر المؤمنين الى وقت اخر الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما فهذا اعظم ما يحصل للمؤمنين. ان يحصل لهم المرغوب المطلوب بدخول الجنات. ويزيل عنهم المحظور بتكفير السيئات ذلك عند الله فوزا عظيما. وكان ذلك الجزاء المذكور للمؤمنين. عند الله فوزا عظيما. فهذا ما يفعل المؤمنين في ذلك الفتح المبين السوء الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم واعد لهم جهنم واما المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات فان الله يعذبهم بذلك ويريهم ما يسوؤهم حيث كان مقصودهم خذلان المؤمنين وظنوا بالله الظن السوء انه لا ينصر دينه ولا يعلي كلمته وان الى الباطل ستكون لهم الدائرة على اهل الحق. فادار الله عليهم ظنهم وكانت دائرة السوء عليهم في الدنيا. وغضب الله عليهم بما اقترفوه من المحادة لله ولرسوله. ولعنهم اي ابعدهم واقصاهم عن رحمته ولله جنود السماوات والارض وكان الله عزيز كرر الاخبار بان له ملك السماوات والارض وما فيهما من الجنود ليعلم العباد انه تعالى هو المعز المذل وانه سينصر جنوده المنسوبة اليه. كما قال تعالى وان جندنا لهم الغالبون. وكان الله عزيزا اي قويا غالبا قاهر لكل شيء ومع عزته وقوته فهو حكيم في خلقه وتدبيره. يجري على ما تقتضيه حكمته واتقانه ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. اي انا ارسلناك ايها الرسول الكريم شاهدا لامتك بما فعلوه من خير وشاهدا على المقالات والمسائل حقها وباطلها وشاهدا لله تعالى بالوحدانية والانفراد بالكمال من كل وجه بشرا من اطاعك واطاع الله بالثواب الدنيوي والديني والاخروي. ومنذر من عصى الله بالعقاب العاجل والاجل. ومن تمام البشارة النذارة بيان الاعمال والاخلاق التي يبشر بها وينذر. فهو المبين للخير والشر والسعادة والشقاوة والحق من الباطل ولهذا رتب على ذلك قوله لتؤمنوا بالله ورسوله اي بسبب دعوة الرسول لكم وتعليمه لكم ما ينفعكم. ارسلناه لتقوموا الايمان بالله ورسوله المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الامور. وتعزروه وتوقروه اي تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وقروا اي تعظموه وتجلوه وتقوموا بحقوقه. كما كانت له المنة العظيمة برقابكم وتسبحوه اي تسبحوا لله بكرة واصيلا اي اول النهار واخره. فذكر الله في هذه الاية الحق المشترك بين الله وبين رسوله وهو الايمان بهما والمختص بالرسول وهو التعزير والتوقير والمختص بالله وهو التسبيح له والتقديس بصلاة او غيرها اه يد الله فوق ايديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه هذه المبايعة التي اشار الله اليها هي بيعة الرضوان التي بايع الصحابة رضي الله عنهم هم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الا يفروا عنه فهي عقد خاص من لوازمه الا يفروا ولو لم يبق منهم الا القليل ولو كانوا في حال يجوز الفرار فيها. فاخبر تعالى ان الذين بايعوك حقيقة الامر انهم يبايعون الله ويعقدون العقد معه ومن اوفى بما عاهد عليه الله اي اتى به كاملا وفر فسيؤتيه اجرا عظيما. لا يعلم عظمه وقدره الا الذي اتاه اياه. سيقول لك المخلفون من اعراب شغلتنا اموالنا واهلنا فاستغفر لنا. يقولون بالسنتهن ما ليس في قلوبهم يذم تعالى المتخلفين عن رسوله في الجهاد هادي في سبيله من الاعراب الذين ضعف ايمانهم وكان في قلوبهم مرض وسوء ظن بالله تعالى وانهم سيعتذرون بان اموالهم واهليهم شغلتهم عن الخروج في الجهاد. وانهم طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يستغفر لهم. قال الله تعالى فان طلبهم الاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ندمهم على انفسهم بالذنب وانهم تخلفوا تخلفا يحتاج الى توبة واستغفار. فلو كان هذا الذي في قلوبهم لكان استغفار الرسول نافعا لهم لانهم قد تابوا وانابوا. ولكن الذي في قلوبهم انهم انما تخلفوا لانهم ظنوا بالله ظن السوء فظنوا ان لن ينقلب الرسول والمؤمنون الى اهليهم ابدا. اي انهم سيقتلون ويستأصلون. ولم يزل هذا الظن يزين في قلوبهم مطمئنون اليه حتى استحكم وسبب ذلك امران. احدها انهم كانوا قوما بورا اي هلكى لا خير فيهم. فلو كان فيهم خير لم يكن هذا في قلوبهم. الثاني ضعف ايمانهم ويقينهم بوعد الله. ونصر دينه واعلاء كلمته لهذا قال ومن لم يؤمن بالله الله ورسوله اي فانه كافر مستحق للعذاب. فانا اعتدنا للكافرين سعيرا. ولله ملك السماوات والارض اغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. يغفر لمن غفورا رحيما. اي هو تعالى المنفرد بملك السماوات والارض يتصرف فيهما بما يشاء من الاحكام القدرية والاحكام الشرعية والاحكام الجزائية. ولهذا ذكر حكم الجزاء ان مرتب على الاحكام الشرعية فقال يغفر لمن يشاء وهو من قام بما امره الله به ويعذب من يشاء ممن تهاوى انا بامر الله غفورا رحيما اي وصفه اللازم الذي لا ينفك عنه المغفرة والرحمة فلا يزال في جميع الاوقات يغفر للمذنبين ويتجاوز عن الخطائين ويتقبل توبة التائبين وينزل خيره المدرار اناء الليل والنهار يقول المخلفون اذا انطلقتم الى مغانم لتأخذوها ذرنا نتبعكم يريدون ان يبدلوا بل كانوا لا يفقهون الا لما ذكر تعالى المخلفين وذمهم ذكر ان من عقوبتهم الدنيوية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اصحابه اذا انطلقوا الى غنائم لا قتال فيها ليأخذوها. طلبوا منهم الصحبة والمشاركة. ويقولون ذرونا نتبعكم يريدون بذلك ان يبدلوا كلام الله. حيث حكم بعقوبتهم واختصاص الصحابة المؤمنين بتلك الغنائم. شرعا وقدرا قل لن تتبعون كذلكم قال الله من قبل. انكم محرومون منها بما جنيتم على انفسكم. وبما تركتم القتال اول مرة فسيقولون مجيبين لهذا الكلام الذي منعوا به عن الخروج بل تحسدوننا على الغنائم. هذا منتهى علمهم في هذا موضع ولو فهموا رشدهم لعلموا ان حرمانهم بسبب عصيانهم. وان المعاصي لها عقوبات دنيوية ودينية. ولهذا قال بل كانوا لا يفقهون الا قليلا. قل للمخلفين من الاعراب خمسة الله اجرا حسنا. لما ذكر تعالى ان المخلفين من الاعراب يتخلفون عن الجهاد في سبيله. ويعتذرون بغير عذر. وانهم يطلبون الخروج معهم اذا لم يكن شوكة ولا بل لمجرد الغنيمة. قال تعالى ممتحنا لهم قل للمخلفين من الاعراب ستدعون الى قوم اولي بأس شديد اي سيدعوكم الرسول ومن ناب منابه من الخلفاء الراشدين والائمة. وهؤلاء القوم فارس والروم. ومن نحى نحوهم واشبههم تقاتلونهم او يسلمون اي اما هذا واما هذا وهذا هو الامر الواقع. فانهم في حال قتالهم ومقاتلتهم لاولئك الاقوام اذ كانت شدتهم وبأسهم معهم فانهم في تلك الحال لا يقبلون ان يبذلوا الجزية بل اما ان يدخلوا في الاسلام واما ان يقاتلوا وعلى ما هم عليه. فلما اثخنهم المسلمون وضعفوا وذلوا ذهب بأسهم. فصاروا اما ان يسلموا واما ان يبذلوا الجزية ان تطيعوا يؤتيكم الله اجرا حسنا. فان تطيعوا الداعي لكم الى قتال هؤلاء. يؤتيكم الله اجرا حسنا. وهو الاجر الذي رتبه الله ورسوله على الجهاد في سبيله وان تتولوا كما توليتم من قبل عن قتال من دعاكم الرسول الى قتاله يعذبكم عذابا اليما. ودلت هذه الاية على فضيلة الخلفاء الراشدين الداعين لجهاد اهل البأس من الناس. وانه تجب طاعتهم في ذلك. ثم ذكر الاعذار التي يعذر بها العبد عنها للخروج الى الجهاد فقال اي في التخلف عن الجهاد لعذرهم المانع ومن يطع الله ورسوله في امتثال امرهما واجتناب نهيهما. يدخله جنات تجري من تحتها الانهار. فيها ما الانفس وتلذ الاعين. ومن يتولى عن طاعة الله ورسوله يعذبه عذابا اليما. فالسعادة كلها في طاعة الله والشقاوة في معصيته ومخالفته المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة. فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم واثابهم فتحا يخبر تعالى بفضله ورحمته برضاه عن المؤمنين اذ يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم تلك المبايعة التي بيضت وجوههم واكتسبوا بها سعادة الدنيا والاخرة. وكان سبب هذه البيعة التي يقال لها بيعة الرضوان. لرضى الله عن المؤمنين ويقال لها بيعة اهل الشجرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن من وانه لم يجيء لقتال احد. وانما جاء زائرا هذا البيت معظما له. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان ابن عفان لمكة في ذلك فجاء خبر غير صادق ان عثمان قتله المشركون فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من معه من المؤمنين وكانوا نحوا من الف وخمسمائة. فبايعوه تحت الشجرة على قتال المشركين. والا يفروا حتى يموتوا. فاخبر تعالى انه ورضي عن المؤمنين في تلك الحال التي هي من اكبر الطاعات واجل القربات. فعلم ما في قلوبهم فعلم ما في قلوبهم من الايمان فانزل السكينة عليهم شكرا لهم على ما في قلوبهم زادهم هم هدى وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله. فانزل عليهم السكينة تثبتهم. وتطمئن بها قلوبهم واثابهم فتحا قريبا وهو فتح خيبر لم يحضره سوى اهل الحديبية فاختصوا بخيبر وغنائمها جزاء وشكرا على ما فعلوه من طاعة الله تعالى والقيام بمرضاته. ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا ومغانم كثيرة يأخذونها. اي له العزة والقدرة التي قهر بها الاشياء. فلو شاء لانتصر من الكفار في كل وقعة يكون بينهم وبين المؤمنين ولكنه حكيم يبتلي بعضهم ببعض ويمتحن المؤمن بالكافر. وعدكم الله مغانم كثيرة فعجل لكم هذه وكف ايدي الناس اية وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها وهذا يشمل كل غنيمة غنمها المسلمين الى يوم القيامة. فعجل لكم هذه اي غنيمة خيبر اي فلا تحسبوها وحدها. بل تم شيء كثير من الغنائم سيتبعها. واحمدوا الله اذ كف ايدي الناس القادرين على قتالكم. الحريصين عليه عنكم فهي نعمة وتخفيف عنكم. ولتكون هذه الغنيمة اية للمؤمنين يستدلون بها على خبر الله الصادق ووعده الحق وثوابه للمؤمنين. وان الذي قدرها سيقدرها وغيرها ويهديكم بما يقيض لكم من الاسباب. صراطا مستقيما من العلم والايمان والعمل واخرى اي وعدكم ايضا غنيمة اخرى لم تقدروا عليها وقت هذا الخطاب. قد احاط الله بها اي هو قادر عليها. وتحت تدبيره وملكه. وقد وعدكموها فلابد من وقوع ما وعد به لكمال اقتدار الله تعالى. ولهذا قال ولو قاتلكم الذين كفروا لو ولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا هذه بشارة من الله لعباده المؤمنين. بنصرهم على اعدائهم الكافرين. وانهم لو قابلوهم وقاتلوهم لو الادبار. ثم لا يجدون وليا يتولى امرهم ولا نصيرا ينصرهم ويعينهم على قتالكم. بل هم مخدولون مغلوبون. سنة الله التي قد وهذه سنة الله في الامم السابقة ان جند الله هم الغالبون يقول تعالى ممتنا على عباده بالعافية من شر الكفار ومن قتالهم فقال وهو الذي كف ايديهم اي اهل مكة عنكم وايديكم عنهم ببطن من بعد ان اظفركم عليهم اي من بعد ما قدرتم عليهم وصاروا تحت ولايتكم بلا عقد ولا عهد وهم نحو ثمانين رجلا ان على المسلمين ليصيبوا منهم غرة فوجدوا المسلمين منتبهين فامسكوهم فتركوهم ولم يقتلوهم رحمة من الله بالمؤمنين اذ لم يقتلوهم. فيجازي كل عامل بعمله ويدبركم ايها المؤمنون بتدبيره حسن هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي مع محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ان تطأوهم ان تطؤوهم لو تزينون عذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما. ثم ذكر تعالى الامور المهيجة على قتال المشركين وهي كفرهم بالله ورسوله. وصدهم رسول الله ومن معه من المؤمنين. ان يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة هم الذين ايضا صدوا الهدي معكوفا اي محبوسا ان يبلغ محله. وهو محل ذبحه وهو مكة. فمنعوه من الوصول الى اليه ظلما وعدوانا. وكل هذه امور موجبة وداعية الى قتالهم. ولكن ثم مانع وهو وجود رجال ونساء من اهل الايمان بين اظهر المشركين وليسوا متميزين بمحلة او مكان يمكن ان لا ينالهم اذى. فلولا هؤلاء الرجال المؤمنون والنساء نساء المؤمنات الذين لا يعلمهم المسلمون ان تطأوهم اي خشية ان تطأوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم معرة ما يدخل تحت قتالهم من نيلهم بالاذى والمكروه. وفائدة اخروية وهو انه ليدخل في رحمته من يشاء. فيمن عليهم بالايمان بعد الكفر وبالهدى بعد الضلال. فيمنعكم من قتالهم لهذا السبب. لو تزينون عذبنا الذين كفروا لو تزيلوا اي لو زالوا من بين اظهرهم لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا اليما. لان لكم قتالهم ونأذن فيه وننصركم عليهم. اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين. والزمهم كلمة التقوى وكانوا احق واهلها وكان الله بكل شيء علي ما يقول تعالى اذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية. حيث انفوا من كتابة بسم الله الرحمن الرحيم. وانفوا من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم ام المؤمنين اليهم في تلك السنة. لان لا يقول الناس دخلوا مكة قاهرين لقريش. وهذه الامور ونحوها من امور الجاهلية لم تزل في قلوبهم حتى اوجبت لهم ما اوجبت من كثير من المعاصي فلم يحملهم الغضب على مقابلة المشركين بما قابلوهم به. بل صبروا لحكم الله والتزموا الشروط التي فيها تعظيم حرمات الله ولو كانت ما كانت ولم يبالوا بقول القائلين ولا لوم اللائمين. والزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها والزمهم كلمة التقوى. وهي لا اله الا الله وحقوقها. الزمهم القيام بها. فالتزموها وقاموا بها وكانوا احق بها من غيرهم. وكانوا اهلها الذين استأهلوها. لما يعلم الله عندهم وفي قلوبهم من الخير. ولهذا قال وكان الله بكل شيء عليما. لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن ان المسجد لتدخلن المسجد الحرام ان شاء الله امنين محلقين رؤوس انفسكم ومقصرين لا تخافون. فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا يقول تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق. وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المدينة رؤيا اخبر بها اصحابه انهم سيدخلون مكة ويطوفون بالبيت. فلما جرى يوم الحديبية ما جرى ورجعوا من غير دخول لمكة. كثر في ذلك الكلام ومنهم حتى انهم قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم الم تخبرنا انا سنأتي البيت ونطوف به؟ فقال اخبرتكم انه كل عام قالوا لا. قال فانكم ستأتونه وتطوفون به. قال الله هنا لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق. اي لابد من وقوعها وصدقها ولا يقدح في ذلك تأخر تأويلها يا الله امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون. اي في هذه الحال المقتضية لتعظيم في هذا البيت الحرام وادائكم للنسك وتكميله بالحلق والتقصير وعدم الخوف. فعلم ما لم تعلموا فجعل فعلم من المصلحة والمنافع ما لم تعلموا. فجعل من دون ذلك الدخول بتلك الصفة قريبا. ولما كانت هذه الواقعة مما تشوشت بها قلوب بعض المؤمنين. وخفيت عليهم حكمتها. فبين تعالى حكمتها منفعتها وهكذا سائر احكامه الشرعية. فانها كلها هدى ورحمة. اخبر بحكم عام فقال رسوله بالمهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله وكفى هو الذي ارسل رسوله بالهدى الذي هو العلم النافع. الذي يهدي من الضلالة ويبين طرق الخير والشر ودين الحق اي الدين الموصوف بالحق. وهو العدل والاحسان والرحمة. وهو كل عمل صالح مزك للقلوب. مطهر مربي للاخلاق معلن للاقدار. ليظهره بما بعثه الله به على الدين كله بالحجة والبرهان. ويكون داعيا لاخضاعهم بالسيف والسنان على رحماء بينهم ترى سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثل ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فازره فاستغلظه فاستوى على سوقه يعجب الزرع ليغيظ بهم الكفار وعد الله تميز عن غيره في وجوب حقه على الامة ووجوب الايمان به. والحب الذي لا يتم الايمان الا به. فان في عدم القيام بذلك محظورا خشية ان يحبط عمل العبد وهو لا يشعر. كما ان الادب معه من اسباب حصول الثواب وقبول الاعمال اه الذين امنوا وعملوا الصالحات منهن مغفرة واجرا يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم واصحابه من المهاجرين والانصار انهم باكمل الصفات واجل الاحوال وانهم اشداء على الكفار اي جادون ومجتهدون في عداوتهم وساعون في ذلك بغاية جهدهم فلم يروا منهم الا الغلظة والشدة. فلذلك ذل اعدائهم لهم وانكسروا وقهرهم المسلمون. رحماء بينهم اي متحابون متعاطفون كالجسد الواحد يحب احدهم لاخيه ما يحب لنفسه. هذه معاملتهم مع الخلق. واما معاملتهم مع فانك تراهم ركعا سجدا. اي وصفهم كثرة الصلاة التي اجل اركانها الركوع والسجود. يبتغون بتلك العبادة فضلا من الله ورضوانا. اي هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم والوصول الى ثوابه. اي قد اثرت العبادة من كثرتها وحسن في وجوههم حتى استنارت لما استنارت بالصلاة بواطنهم استنارت بالجلال ظواهرهم. ذلك المذكور مثلهم في اي هذا وصفهم الذي وصفهم الله به. مذكور بالتوراة هكذا. ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه. واما مثلهم في الانجيل فانهم موصوفون بوصف اخر وانهم في كمالهم وتعاونهم كزرع اخرج شطأه فازره اي اخرج فراخه فوازرته فراخه في الشباب والاستواء فاستغلظ ذلك الزرع اي قوي وغلظ. فاستوى على سوقه جمع ساق يعجب الزراع من كماله واستوائه وحسنه واعتداله. كذلك الصحابة رضي الله عنهم هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس اليهم. فقوة ايمانهم واعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه وكون الصغير والمتأخر اسلامه. قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه. من اقامة دين الله والدعوة اليه الذي اخرج شطأه فازره فاستغلظ. ولهذا قال ليغيظ بهم الكفار حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال ومعامع القتال الصالحات منهن مغفرة واجرا عظيما. فالصحابة رضي الله عنهم عنهم الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح. قد جمع الله لهم بين المغفرة التي من لوازمها وقاية الشرور الدنيا والاخرة. والاجر العظيم عظيم في الدنيا والاخرة بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله هذا متضمن للادب مع الله تعالى ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعظيم له واحترامه واكرامه. فامر الله عباده المؤمنين بما يقتضيه الايمان بالله وبرسوله. من امتثال اوامر الله واجتناب نواهيه وان يكونوا ماشيين خلف اوامر الله. متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. في جميع امورهم والا يتقدموا بين يدي الله ورسوله. ولا يقولوا حتى يقول ولا يأمروا حتى يأمر. فان هذا حقيقة الادب الواجب مع الله ورسوله وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه. وبفواته تفوته السعادة الابدية والنعيم السرمدي. وفي هذا نهي شديد عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم على قوله فانه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب اتباعها وتقديمها على غيرها كائنا ما كان. واتقوا الله ان الله سميع عليم. ثم امر والله بتقواه عموما وهي كما قال طلق بن حبيب ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله وقوله ان الله سميع عليم. ان الله سميع اي لجميع الاصوات في جميع الاوقات في خفي المواضع والجهات. عليم بالظواهر والبواطن والسوابق واللواحق. والواجب والمستحيلات والممكنات. وفي ذكر الاسمين الكريمين بعد النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله والامر بتقواه. حث على امتثال تلك الاوامر الحسنة والاداب المستحسنة وترهيب عن عدم الامتثال. ثم قال تعالى امنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم. ولا اجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون. وهذا ادب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه اي لا يرفع المخاطب له صوته معه فوق صوته ولا يجهر له بالقول بل يغض الصوت ويخاطبه بادب ولين وتعظيم وتكريم واجلال واعظام. ولا يكون الرسول كاحدهم بل يميزوه في خطابهم كما والتوسط بذلك على اكمل وجه يقع به الصلح. ويسلك الطريق الموصلة الى ذلك. فان صلحتا فبها ونعمت اي ترجع الى ما حد الله ورسوله من فعل الخير وترك الشر الذي من اعظمه الاقتتال. وقوله الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة ثم مدح من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بان الله امتحن قلوبهم للتقوى اي ابتلى واختبرها فظهرت نتيجة ذلك بان صلحت قلوبهم للتقوى ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم المتضمنة لزوال الشر المكروه والاجر العظيم الذي لا يعلم وصفه الا الله تعالى. وفي الاجر العظيم وجود المحبوب. وفي هذا دليل على ان الله يمتحن القلوب بالامر والنهي والمحن. فمن لازم امر الله واتبع رضاه وسارع الى ذلك. وقدمه على هواه. تمحض وتمحص للتقوى وصار قلبه صالحا لها. ومن لم يكن كذلك علم انه لا يصلح للتقوى الحجرات اكثرهم لا يعقلون. نزلت هذه الايات الكريمات في اناس من الاعراب. الذين وصفهم الله تعالى بالجفاء. وانهم اجدروا الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله. قدموا وافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدوه في بيته وحجرات نسائه. فلم يصبروا ويتأدبوا حتى يخرج. بل نادوه يا محمد يا محمد اي اخرج الينا فذمهم الله بعدم العقل. حيث لم يعقلوا عن الله الادب مع رسوله واحترامه. كما ان من العقل وعلامته استعمال الادب. فادب العبد عنوان عقله وان الله مريد به الخير. ولهذا قال اي غفور لما صدر عن عباده من الذنوب والاخلال بالاداب رحيم بهم حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات فتصبحوا على ما فعلتم نادمين هذا ايضا من الاداب التي على اولي الالباب التأدب بها واستعمالها. وهو انه اذا اخبرهم فاسق بخبر ان يتثبتوا في خبره. ولا يأخذ مجردا فان في ذلك خطرا كبيرا ووقوعا في الاثم. فان خبره اذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل حكم بموجب ذلك فحصل من تلف النفوس والاموال بغير حق. بسبب ذلك الخبر ما يكون سببا للندامة. بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبين فان دلت الدلائل والقرائن على صدقه عمل به وصدق. وان دلت على كذبه كذب ولم يعمل به. ففيه دليل على ان خبر الصادق مقبول. وخبر الكاذب مردود. وخبر الفاسق متوقف فيه كما ذكرنا. ولهذا كان السلف يقبلون روايات في كثير من الخوارج المعروفين بالصدق ولو كانوا فساقا لو يطيعكم في كثير من الامر لعنتم ولكن الله حبب اليكم الايمان وزين وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان. اولئك هم الراشدون اي ليكن لديكم معلوما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اظهركم. وهو الرسول الكريم البار الراشد الذي يريد بكم الخير وينصح لكم وتريدون لانفسكم من الشر والمضرة ما لا يوافقكم الرسول عليه. ولو يطيعكم في كثير من الامر لشق واعنتكم ولكن الرسول يرشدكم. والله تعالى يحبب اليكم الايمان ويزينه في قلوبكم. بما اودع الله في قلوبكم من محبة الحق وايثاره. وبما ينصب على الحق من الشواهد والادلة الدالة على صحته. وقبول القلوب والفطر له. وبما يفعله تعالى من توفيقه للانابة اليه ويكره اليكم الكفر والفسوق. اي الذنوب الكبار والعصيان هي ما دون ذلك من الذنوب ما اودع في قلوبكم من كراهة الشر. وعدم ارادة فعله. وبما نصبه من الادلة والشواهد على فساده وعدم قبول الفطر له. وبما يجعله الله من الكراهة في القلوب له. اولئك هم الراشدون. اولئك اي الذين زين الله الايمان في قلوبهم وحببه اليهم وكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان. هم الراشدون. اي الذين صلحت علومهم واعمالهم واستقاموا على الدين القويم والصراط المستقيم. وضدهم الغاوون الذين حبب اليهم الكفر والفسوق والعصيان. وكره اليهم ايمان والذنب ذنبهم فانهم لما فسقوا طبع الله على قلوبهم. ولما زاغوا ازاغ الله قلوبهم. ولما لم يؤمنوا بالحق لما جاءهم اول مرة قلب الله افئدتهم. وقوله اي ذلك الخير الذي حصل لهم هو بفضل الله عليهم واحسانه لا بحولهم وقوتهم. اي عليم بمن يشكر النعمة فيوفقه لها ممن لا يشكرها ولا تليق به. فيضع فضله حيث تقتضيه حكمته خفيفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا. فقاتلوا واقسطوا ان الله يحب المقسطين. هذا متضمن لنهي المؤمنين عن ان يبغي بعضهم على بعض يقاتل بعضهم بعضا وانه اذا اقتتل الطائفتان من المؤمنين فان على غيرهم من المؤمنين ان يتلافوا هذا الشر الكبير بالاصلاح بينهم ضعفت قدرتنا بالخلق الاول ليس الامر كذلك. فلم نعجز ونعي عن ذلك. وليسوا في شك من ذلك. بل هم في لبس وانما هم في لبس من خلق جديد. هذا الذي شكوا فيه والتبس عليهم العدل واقسطوا. هذا امر بالصلح وبالعدل في الصلح. فان الصلح قد يوجد ولكن لا يكون بالعدل بل بالظلم والحيف على احد الخصمين فهذا ليس هو الصلح المأمور به. فيجب الا يراعى احدهما لقرابة او وطن او غير ذلك من المقاصد والاغراض التي توجب العدول عن العدل. اي العادلين في حكمهم بين الناس وفي جميع الولايات الايات التي تولوها حتى انه قد يدخل في ذلك عدل الرجل في اهله وعياله في ادائه حقوقهم. وفي الحديث الصحيح المقسط عند الله على منابر من نور الذين يعدلون في حكمهم واهليهم وما ولوا فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون. انما المؤمنون اخوة هذا عقد عقده الله بين المؤمنين انه اذا وجد من اي شخص كان في مشرق الارض ومغربها الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر فانه اخ للمؤمنين. اخوة توجب ان يحب له المؤمنون ما يحبون لانفسهم. ويكرهون له ما يكرهون لانفسهم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم امرا بحقوق الاخوة الايمانية لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا احدكم على بيع بعض وكونوا عباد الله اخوانا. المؤمن اخو المؤمن لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. وقال صلى الله الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا. وشبك صلى الله عليه وسلم بين اصابعه. ولقد امر الله ورسوله بالقيام بحقوق المؤمنين بعضهم لبعض. وبما به يحصل التآلف والتوادد والتواصل بينهم. كل هذا تأييد لحقوق بعضهم على بعض. فمن ذلك اذا وقع الاقتتال بينهم الموجب لتفرق القلوب وتباغضها وتدابرها. فليصلح المؤمنون اخوانهم وليسعوا فيما به يزول شنآنهم. ثم امر بالتقوى عموما ورتب على القيام بحقوق المؤمنين وبتقوى الله الرحمة فقال لعلكم ترحمون. واذا حصلت الرحمة حصل خير الدنيا والاخرة. ودل ذلك على ان عدم القيام بحقوق المؤمنين من اعظم حواجب الرحمة. وفي هاتين الايتين من الفوائد غير ما تقدم ان الاقتتال بين المؤمنين مناف للاخوة الايمانية. ولهذا اذا كان من اكبر الكبائر وان الايمان والاخوة الايمانية لا تزول مع وجود القتال كغيره من الذنوب الكبار التي دون الشرك. وعلى ذلك مذهب اهل السنة والجماعة. وعلى وجوب الاصلاح بين المؤمنين بالعدل. وعلى وجوب قتال البغاة حتى يرجعوا الى امر الله. وعلى انهم لو ارجعوا لغير امر الله بان رجعوا على وجه لا يجوز الاقرار عليه والتزامه. انه لا يجوز ذلك وان اموالهم معصومة. لان الله ابى باح دماءهم وقت استمرارهم على بغيهم خاصة دون اموالهم يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم. ولا نساء خيرا منهن. ولا تلمزوا انفسكم ثم لا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب اولئك هم الظالمون. وهذا ايضا من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض. الا يسخر قوم من قوم بكل كلام وقول وفعل دال على تحقير الاخ المسلم فان ذلك حرام لا يجوز. وهو دال على اعجاب الساخر بنفسه. وعسى ان يكون المسخور به خيرا من الساخر. كما اهو الغالب والواقع؟ فان السخرية لا تقع الا من قلب ممتلئ من مساوئ الاخلاق. متحل بكل خلق ذميم. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم ثم قال ولا تلمزوا انفسكم اي لا يعب بعضكم على بعض واللمز بالقول والهمز بالفعل وكلاهما منهي عنه حرام. متوعد عليه بالنار. كما قال تعالى ويل لكل همزة لمزة وسمى الاخ المؤمن نفسا لاخيه لان المؤمنين ينبغي ان يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد. ولانه اذا همز غير اوجب للغير ان يهمزه. فيكون هو المتسبب لذلك. اي لا يعير احدكم كن اخاه ويلقبه بلقب ذم يكره ان يطلق عليه. وهذا هو التنابز. واما الالقاب غير المذمومة فلا تدخل في هذا بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون. اي بئس ما تبدلتم عن الايمان والعمل بشرائعه وما تقتضيه بالاعراض عن اوامره ونواهيه. باسم الفسوق والعصيان الذي هو التنابز بالالقاب من لم يتب فاولئك هم الظالمون. فهذا هو الواجب على العبد ان يتوب الى الله تعالى ويخرج من لاخيه المسلم باستحلاله والاستغفار والمدح له مقابلة على ذمه فالناس قسمان. ظالم لنفسه غير تائب. وتائب مفلح. ولا ثم قسم ثالث غيرهما الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا واتقوا الله ان الله تواب رحيم. نهى تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين. فان بعض الظن اثم وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة. وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الاقوال والافعال المحرمة ان بقاء ظن السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك. بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي. ويفعل ما لا ينبغي. وفي ايضا اساءة الظن بالمسلم. وبغضه وعداوته. المأمور بخلاف ذلك منه. اي لا تفتشوا عن عورات ولا تتبعوها واتركوا المسلم على حاله. واستعملوا التغافل عن احواله. التي اذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي ولا يغتب بعضكم بعضا. والغيبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذكرك اخاك بما يكره ولو كان فيه. ثم ذكر مثلا منفرا عن الغيبة فقال شبه اكل لحمه ميتا المكروه للنفوس غاية الكراهة باغتيابه. فكما انكم تكرهون اكل لحمه وخصوصا اذا كان ميتا الروح فكذلك فلتكرهوا غيبته واكل لحمه حيا. واتقوا الله ان الله تواب رحيم الثواب الذي يأذن بتوبة عبده فيوفقه لها. ثم يتوب عليه بقبول توبته. رحيم بعباده. حيث دعاهم الى ما ينفعهم قبل منهم التوبة. وفي هذه الاية دليل على التحذير الشديد من الغيبة. وان الغيبة من الكبائر لان الله شبهها باكل لحم الميت وذلك من الكبائر شعوبا وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. ان اكرمكم عند الله يتقاكم ان الله عليم خبير. يخبر تعالى انه خلق بني ادم من واحد وجنس واحد وكلهم من ذكر وانثى. ويرجعون جميعهم الى ادم وحواء. ولكن الله تعالى بث منهما رجال كثيرا ونساء وفرقهم وجعلهم شعوبا وقبائل اي قبائل صغارا وكبارا وذلك لاجل ان يتعارفوا انهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه لم يحصل بذلك التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون والتوارث. والقيام بحقوق الاقارب ولكن الله جعلهم شعوبا وقبائل لاجل ان تحصل هذه الامور وغيرها مما يتوقف على التعارف ولحوق الانساب ان الكرم بالتقوى فاكرمهم عند الله اتقاهم. وهو اكثرهم طاعة وانكفافا عن المعاصي. لا اكثرهم قرابة وقوما ولا نسبا ولكن الله تعالى عليم خبير. يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ظاهرا وباطنا. ممن يقوم بذلك ظاهرا لا باطنا فيجازي كلا بما يستحق. وفي هذه الاية دليل على ان معرفة الانساب مطلوبة مشروعة. لان الله جعلهم شعوبا وقبائل لاجله لذلك يدخل الايمان في قلوبكم. وان تطيعوا الله ورسوله لا يرثكم من اعمالكم شيء يخبر تعالى عن مقالة الاعرابي الذين دخلوا في الاسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولا من غير بصيرة ولا قيام بما يجب يقتضيه الايمان. وانهم ادعوا مع هذا وقالوا امنا اي ايمانا كاملا مستوفيا لجميع اموره. هذا موجب هذا الكلام. فامر الله رسوله ان يرد عليهم. فقال يدخل الايمان في قلوبكم. قل لم تؤمنوا اي لا تدعوا بانفسكم مقام الايمان ظاهرا وباطنا كاملا. ولكن قولوا اسلمنا اي دخلنا في الاسلام واقتصروا على ذلك السبب في ذلك انه لما يدخل الايمان في قلوبكم. وانما امنتم خوفا او رجاء او نحو ذلك. مما هو السبب في ايمانكم ذلك لم تدخل بشاشة الايمان في قلوبكم. وفي قوله ولما يدخل الايمان في قلوبكم اي وقت هذا الكلام الذي صدر منكم. فكان ان فيه اشارة الى احوالهم بعد ذلك فان كثيرا منهم من الله عليهم بالايمان الحقيقي والجهاد في سبيل الله الله ورسوله لا يرثكم من اعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم وان تطيعوا الله ورسوله بفعل خير او ترك شر لا يلدكم من اعمالكم شيئا. اي لا ينقصكم منها مثقال ذرة فليوفيكم اياها اكمل ما تكون. لا تفقدون منها صغيرا ولا كبيرا. ان الله غفور رحيم غفور لمن تاب اليه واناب. رحيم به حيث قبل توبته وجاهدوا باموالهم هم الصادقون. انما المؤمنون على الحقيقة الذين امنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله. اي من جمعوا بين الايمان والجهاد في سبيل الله. فان من جاهد الكفار دل على الايمان التام في القلب. لان من جاهد غيره على الاسلام والقيام بشرائعه. فجهاده لنفسه على ذلك من باب اولى واحرى ولان من لم يقوى على الجهاد فان ذلك دليل على ضعف ايمانه. وشرط تعالى في الايمان عدم الريب وهو الشك. لان الايمان النافع والجزم اليقيني بما امر الله بالايمان به. الذي لا يعتريه شك بوجه من الوجوه. وقوله اي الذين صدقوا ايمانهم باعمالهم الجميلة. فان الصدق دعوا كبيرة في كل شيء يدعى. يحتاج يصاحبه الى حجة وبرهان. واعظم ذلك دعوى الايمان الذي هو مدار السعادة. والفوز الابدي والفلاح السرمدي. فمن ادعاه وقام بواجباته ولوازمه. فهو الصادق المؤمن حقا. ومن لم يكن كذلك علم انه ليس بصادق في دعواه. وليس لدعواه فائدة فان الايمان في القلب لا يطلع عليه الا الله تعالى. فاثباته ونفيه من باب تعليم الله بما في القلب. وهذا سوء ادب وظن بالله. ولهذا قال والله بكل شيء عليم. وهذا شامل للاشياء كلها التي من جملة يا ما في القلوب من الايمان والكفران والبر والفجور. فانه تعالى يعلم ذلك كله ويجازي عليه. ان خيرا فخير وان شرا فشر يمن عليكم ان هداكم للايمان بل الله يمن عليكم من هداكم للايمان ان كنتم صادقين. هذه حالة من احوال من لنفسه الايمان وليس به. فانه اما ان يكون ذلك تعليما لله. وقد علم انه عالم بكل شيء. واما ان يكون قصدهم بهذا الكلام المنة على رسوله. وانهم قد بذلوا له وتبرعوا بما ليس من مصالحهم. بل هو من حظوظه الدنيوية. وهذا تجمل بما لا يجمل وفخر بما لا ينبغي لهم ان يفتخروا على رسوله به. فان المنة لله تعالى عليهم. فكما انه تعالى يمن عليهم بالخلق والرزق ونعم الظاهرة والباطنة فمنته عليهم بهدايتهم الى الاسلام. ومنته عليهم بالايمان اعظم من كل شيء. ولهذا قال تعالى يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم. بل الله يمن بل الله يمن ايكم من هداكم للايمان ان كنتم صادقين. ان الله يعلم غيب السماوات والارض والله بصير بما تعملون. اي الخفية فيهما التي تخفى على الخلق. كالذي في لجج البحار ومهامه القفار. وما جنه الليل او وراه النهار. يعلم الامطار وحبات الرمال ومكنونات الصدور وخبايا الامور. وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات في الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين يحصي عليكم اعمالكم ويوفيكم اياها ويجازيكم عليها بما تقتضيه رحمته الواسعة وحكمته البالغة بسم الله الرحمن الرحيم. والقرآن المجيد. يقسم تعالى بالقرآن القرآن المجيد اي وسيع المعاني عظيمها. كثير الوجوه كثير البركات جزيل المبرات والمجد. سعة الاوصاف وعظمتها واحق كلام يوصف بهذا هذا القرآن الذي قد احتوى على علوم الاولين والاخرين. الذي حوى من الفصاحة اكملها ومن الفاظ اجزلها ومن المعاني اعمها واحسنها. وهذا موجب لكمال اتباعه وسرعة الانقياد له. وشكر الله على المنة به ولكن اكثر الناس لا يقدر نعم الله قدرها. ولهذا قال تعالى بل عجبوا اي المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم ان جاءهم منذر منهم اي ينذرهم ما يضرهم ويأمرهم بما ينفعهم وهو من جنسهم يمكنهم التلقي عنه ومعرفة احواله وصدقه فتعجبوا من امر لا ينبغي لهم التعجب منه. بل يتعجب من عقل من تعجب منه فقال الكافرون الذين حملهم كفرهم وتكذيبهم لا نقص بذكائهم وارائهم اي مستغرب وهم في هذا الاستغراب بين امرين. اما صادقون في استغرابهم وتعجبهم. فهذا يدل على غاية جهلهم وفي عقولهم بمنزلة المجنون الذي يستغرب كلام العاقل. وبمنزلة الجبان الذي يتعجب من لقاء الفارس للفرسان. وبمنزلة البخيل يستغرب سخاء اهل السخاء. فاي ضرر يلحق من تعجب من هذا حاله؟ وهل تعجبه الا دليل على زيادة ظلمه وجهله؟ واما ما ان يكونوا متعجبين على وجه يعلمون خطأهم فيه. فهذا من اعظم الظلم واشنعه. ثم ذكر وجه تعجبهم فقال متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد. قد علمنا ما تنقص الارض من فقاسوا قدرة من هو على كل شيء قدير الكامل من كل وجه بقدرة العبد الفقير العاجز من جميع الوجوه. وقاسوا الجاهل الذي لا علم له بمن هو بكل شيء عليم. الذي يعلم ما تنقص الارض من اجسادهم مدة مقامهم في برزخهم وقد احصى في كتابه الذي هو عنده محفوظ عن التغيير والتبديل. كل ما يجري عليهم في حياتهم ومماتهم. وهذا استدلال كمال علمه وسعته التي لا يحيط بها الا هو على قدرته على احياء الموتى اجابهم فهم في امر مريج. اي بل كلامهم الذي صدر منهم. انما هو عناد وتكذيب للحق الذي هو اعلى انواع الصدق. لما جاءهم فهم في امر مريج اي مختلط مشتبه لا يثبتون على شيء ولا يستقر لهم قرار. فتارة يقولون عنك انك ساحر. وتارة مجنون وتارة شاعر. وكذلك جعلوا القرآن عضين. كل وقال فيه ما اقتضاه رأيه الفاسد وهكذا كل من كذب بالحق فانه في امر مختلط لا يدرى له وجهة ولا قرار. فترى اموره مؤتفكة كما ان من اتبع الحق وصدق به قد استقام امره واعتدل سبيله وصدق فعله قيل انظروا الى السماء فوقه كيف بنيناها. كيف فبنيناها وزيناها وما لها من فروع. لما ذكر تعالى حالة المكذبين وما ذمهم به دعاهم الى النظر في اياته الافقية. كي يعتبروا ويستدلوا بها على ما جعلت ادلة عليه. فقال افلم ينظر الى السماء فوقهم اي لا يحتاج ذلك النظر الى كلفة وشد رحل. بل هو في غاية السهولة. فينظرون كيف بنيناها قبة الارجاء ثابتة البناء مزينة بالنجوم الخنس والجواري الكنس التي ضربت من الافق الى الافق في غاية الحسن والملاحة لا ترى فيها عيبا ولا فروجا ولا خلالا ولا اخلالا. قد جعلها الله سقفا لاهل الارض. واودع فيها من مصالحهم ضرورية ما اودع والى الارض كيف مددناها ووسعناها. حتى امكن كل حيوان السكون فيها والاستقرار والاستعداد لجميع مصالحه وارساها بالجبال لتستقر من التزلزل والتموج اي من كل صنف من اصناف النبات التي تسر ناظرها وتعجب مبصرها وتقر عين رامقها لاكل بني ادم واكل بهائمهم ومنافعهم رزقا للعباد واحيينا به بلدة وخص من تلك المنافع بالذكر الجنات المشتملة على الفواكه اللذيذة من العنب والرمان التفاح وغير ذلك من اصناف الفواكه ومن النخيل الباسقات اي الطوال التي يطول نفعها وترتفع الى السماء حتى تبلغ ومبلغا لا يبلغه كثير من الاشجار فتخرج من الطلع النضيد في قنوانها ما هو رزق للعباد قوتا وادما وفاكهة يأكلون فمنه ويدخرون هم ومواشيهم وكذلك ما يخرج الله بالمطر وما هو اثره من الانهار التي على وجه الارض. والتي تحتها من في الحصيد اي من الزرع المحصود من بر وشعير وذرة وارز ودخن وغيره. فان في النظر في هذه الاشياء تبصرة يتبصر بها من عمل جهل وذكرى يتذكر بها ما ينفع في الدين والدنيا. ويتذكر بها ما اخبر الله به. واخبرت به رسله. وليس ذلك لكل احد منيب الى الله اي مقبل عليه بالحب والخوف واجابة داعيه. واما المكذب او المعرض فما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون. وحاصل هذا ان ما فيها من الباهر والشدة والقوة دليل على كمال قدرة الله تعالى. وما فيها من الحسن والاتقان وبديع الصنعة وبديع الخلقة دليل على ان الله احكم الحاكمين. وانه بكل شيء عليم. وما فيها من المنافع والمصالح للعباد. دليل على رحمة الله التي وسعت كل شيء وجوده الذي عم كل حي. وما فيها من عظم الخلقة وبديع النظام. دليل على ان الله تعالى هو الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. ولم يكن له كفوا احد. وانه الذي لا تنبغي العبادة والذل والحب الاله تعالى وما فيها من احياء الارض بعد موتها دليل على احياء الله الموتى ليجازيهم باعمالهم. ولهذا قال واحييت ولما تراهم بهذه الايات السماوية والارضية. خوفهم اخذات الامم والا يستمروا على ما هم عليه من التكذيب. فيصيبهم ما اصاب اخوانهم من المكذبين فقال الرسل فحق وعيده. اي كذب الذين من قبلهم من الامم رسلهم الكرام. وانبيائهم العظام كذبه قومه وثمود كذبوا صالحا وعاد كذبوا هودا واخوان لوط كذبوا لوطا واصحاب الايكة كذبوا شعيبا وقوم تبع وتبع كل ملك اليمن في الزمان السابق قبل الاسلام. فقوم تبع كذبوا الرسول الذي ارسله الله اليهم ولم يخبرنا الله من هو ذلك الرسول. وان يتبع من التبابعة لانه والله اعلم كان مشهورا عند العرب لكونهم من العرب العرباء الذين لا تخفى احوالهم على العرب خصوصا مثل هذه الحادثة العظيمة. فهؤلاء كلهم كذبوا الرسل الذين ارسلهم الله اليهم فحق عليهم وعيد الله وعقوبته. ولستم ايها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم خيرا منهم ولا رسلهم اكرم على الله من رسولكم فاحذروا جرمهم لئلا يصيبكم ما اصابهم ثم استدل تعالى بالخلق الاول وهو والمنشأ الاول على الخلق الاخر وهو النشأة الاخرة. فكما انه الذي اوجدهم بعد العدم. كذلك يعيدهم بعد موتهم سرورتهم الى الرفات والرمم. فقال اي افعجزنا مع انه لا محل للبس فيه. لان الاعادة اهون من الابتداء. كما قال تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون وعليه يخبر تعالى انه المتفرد بخلق جنس الانسان ذكورهم واناثهم وانه يعلم احواله ما يسره ويوسوس في صدره وانه اقرب اليه من حبل الوريد الذي هو اقرب شيء الى الانسان. وهو العرق المكتنف لثغرة النحر وهذا مما يدعو الانسان الى مراقبة خالقه. المطلع على ضميره وباطنه. القريب منه في جميع احواله. فيستحي منه ان يراه او يفقده حيث امره وكذلك ينبغي له ان يجعل الملائكة الكرام الكاتبين منه على بال. فيجلهم ويوقرهم ويحذر ان يفعل او يقول ما يكتب عنه مما لا يرضي رب العالمين. ولهذا قال اذ يتلقى المتلقيان اي يتلقيان عن العبد اعماله كلها واحد عن اليمين يكتب الحسنات والاخر عن الشمال يكتب السيئات وكل منهم قعيد بذلك متهيأ لعمله الذي اعد له ملازم له ما يلفظ من قول خير او شر. اي مراقب له حاضر لحاله كما قال تعالى وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون. وجاء آآ الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. ايها فجاءت هذا الغافل المكذب بايات الله سكرة الموت بالحق الذي لا مرد له ولا مناص اي تتأخر وتنقص عنه اي اليوم الذي يلحق الظالمين ما اوعدهم الله به من العقاب. والمؤمنين ما وعدهم به من الثواب وشهيد. سائق يسوقها الى موقف القيامة. فلا يمكنها ان تتأخر عنه. وشهيد يشهد عليها باعمالها خيرها وشرها وهذا يدل على اعتناء الله بالعباد. وحفظه لاعمالهم ومجازاته لهم بالعدل. فهذا الامر مما يجب ان يسأله العبد منه على بال. ولكن اكثر الناس غافلون. ولهذا قال هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد لقد كنت في غفلة من هذا ان يقال للمعرض المكذب يوم القيامة هذا الكلام توبيخا ولوما وتعنيفا. اي لقد كنت مكذبا بهذا تاركا للعمل له. فالان كشفنا عنك غطاءك الذي غطى قلبك فكثر نومك واستمر اعراضك ينظر ما يزعجه ويروعه من انواع العذاب والنكال. او هذا خطاب من الله للعبد فانه في الدنيا في غفلة عن مما خلق له ولكنه يوم القيامة ينتبه ويزول عنه وزنه. ولكنه في وقت لا يمكنه ان يتدارك الفارق. ولا يستدرك وهذا كله تخويف من الله للعباد. وترهيب بذكر ما يكون على المكذبين في ذلك اليوم العظيم. وقال قرين هذا ما لدي عتيد. يقول تعالى وقال قرينه اي قرينه هذا المكذب المعرض من الملائكة الذين وكلهم الله على حفظه وحفظ اعماله فيحضره يوم القيامة ويحضر اعماله ويقول هذا ما لدي اي قد احضرت ما جعلت عليه من حفظه وحفظ عمله فيجازى بعمله ويقال لمن استحق النار اي كثير الكفر والعناد لايات الله. المكثر من المعاصي المجترئ على المحارم والمآثم مناع للخير ان يمنع الخير الذي عنده الذي اعظمه الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله مناع لنفع ماله وبدنه. معتد على عباد الله وعلى حدوده مريب اي شاك في وعد الله ووعيده. فلا ايمان ولا احسان. ولكن وصفه الكفر والعدوان. والشك والريب والشح واتخاذ الالهة من دون الرحمن. ولهذا قال الذي جعل مع الله الها اخر اي عبد معه غيره ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فالقياه ايها الملكان القرينان. الذي هو معظمها واشدها واشنعها في ضلال بعيد. قال قرينه الشيطان متبرأ منه حاملا عليه اثمه ربنا ما اعطيته. لاني لم يكن لي عليه سلطان ولا حجة ولا برهان فهو الذي ضل وابعد عن الحق باختياره. كما قال في الاية الاخرى. وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق. ووعدتكم فاخلفتكم. وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي. فلا تلوموني ولو صوموا انفسكم. قال الله تعالى مجيبا لاختصامهم قال لا تختصبوا لدي وقد قدمت اليكم لا تختصموا لدي. اي لا فائدة في اختصامكم عندي. والحال اني اي جائتكم رسلي بالايات البينات والحجج الواضحات والبراهين قطيعات اقامت عليكم حجتي وانقطعت حجتكم وقدمتم علي بما اسلفتم من الاعمال التي وجب جزاؤها ما يبدل القول لدي اي لا يمكن ان يخلف ما قاله الله واخبر به. لانه لا اصدق من الله قيلا ولا اصدق حديثا بل اجزيهم بما عملوا من خير وشر. فلا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم يوم نقول لجهنم هلمت وتقول هل من مزيد يقول تعالى مخوف لعباده يوم نقول لجهنم هل امتلأت وذلك من كثرة ما القي فيها اي لا تزال تطلب الزيادة من المجرمين العاصين غضبا لربها وغيضا على الكافرين وقد وعدها الله ملأها كما قال تعالى لاملأن جهنم من الجنة والناس اجمعين. حتى يضع رب العزة عليها قدمه كريمة المنزهة عن التشبيه فينزوي بعضها على بعض وتقول قطن قطن قد اكتفيتهم امتلأت للمتقين غير بعيد. وازلفت الجنة اي قربت بحيث تشاهد وينظر ما فيها من النعيم المقيم والحبرة والسرور وانما ازلفت قربت لاجل المتقين لربهم التاركين للشرك صغيره وكبيره الممتثلين لاوامر ربهم المنقادين له. ويقال لهم على وجه التهنئة اي هذه الجنة وما فيها مما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين هي التي وعد الله كل اواب. اي رجاع الى الله في جميع الاوقات. بذكره وحبه والاستعانة به ودعائه وخوفه ورجائه حفيظ ان يحافظ على ما امر الله به بامتثاله على وجه الاخلاص والاكمال له. على اكمل الوجوه حفيظ لحدود وده من خشي الرحمن اي خافه على وجه المعرفة بربه. والرجاء لرحمته. ولازم على خشية الله في حال غيبه اي مغيبه عن اعين الناس. وهذه هي الخشية الحقيقية. واما خشيته في حال نظر الناس وحضورهم. فقد تكون رياء وسمعة فلا تدل على الخشية. وانما الخشية النافعة خشية الله في الغيب والشهادة. ويحتمل ان المراد بخشية الله بالغيب كالمراد بالايمان بالغيب وان هذا مقابل للشهادة. حيث يكون الايمان وخشية ضروريا لا اختيارية. حيث يعاين العذاب تأتي ايات الله وهذا هو الظاهر اي وصفه الانابة الى مولاه. وانجذاب دواعيه الى مراضيه. ويقال لهؤلاء الاتقياء الابرار اي دخولا مقرونا بالسلامة من الافات والشرور مأمونا فيه جميع كاره الامور فلا انقطاع لنعيمهم ولا كدر ولا تنغيص الذي لا زوال له ولا موت ولا شيء من المكدرات. لهن يشاء لهم ما يشاؤون فيها اي كل ما تعلقت به مشيئته فهو حاصل فيها ولهم فوق ذلك مزيد. اي ثواب يمدهم به الرحمن الرحيم. مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. واعظم ذلك واجله وافضله. النظر الى وجه الله الكريم. والتمتع بسماع كلامه. والتنعم بقربه نسأل الله تعالى ان يجعلنا منهم يقول تعالى مخوفا للمشركين المكذبين للرسول وكم اهلكنا قبل فهم من قرن اي امما كثيرة هم اشد من هؤلاء بطشا. اي قوة واثارا في الارض. ولهذا قال فنقبوا في البلاد اي بنوا الحصون المنيعة والمنازل الرفيعة. وغرسوا الاشجار واجروا الانهار. وزرعوا وعمروا ودمروا. فلما كذبوا رسل الله وجحدوا ايات الله اخذهم الله بالعقاب الاليم والعذاب الشديد. اي لا مفر لهم من عذاب الله حين نزل بهم ولا منفذ فلم تغني عنهم قوتهم ولا اموالهم ولا اولادهم كان له قلب او القى السمع وهو شهيد. لمن كان له قلب اي قلب عظيم حي ذكي ذكي. فهذا اذا ورد عليه شيء من ايات الله تذكر بها وانتفع فارتفع. وكذلك من القى سمعه الى ايات الله. واستمعها استماعا يسترشد به وقلبه شهيد اي حاضر فهذا له ايضا ذكرى وموعظة وشفاء وهدى. واما المعرض الذي لم يلقي سمعه من الايات فهذا لا تفيده شيئا لانه لا قبول عنده. ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته خلقنا السماوات والارض ما بينهما في ستة ايام وما مسنا من الغروب وهذا اخبار منه تعالى عن قدرته العظيمة ومشيئته النافذة التي اوجد بها اعظم المخلوقات السماوات والارض وما بينهما ما في ستة ايام اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة من غير تعب ولا نصب ولا لغوب ولا اعياء فالذي اوجد ها على كبرها وعظمتها قادر على احياء الموتى من باب اولى واحرى فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبح هو ادبار السجود. فاصبر على ما يقولون من الذم لك وتكذيب بما جئت به. واشتغل عنهم ملهى بطاعة ربك وتسبيحه. اولا النهار واخره وفي اوقات الليل وادبار الصلوات. فان ذكر الله تعالى مصل للنفوس مؤنس لها مهون للصبر اي واستمع بقلبك نداء المنادي وهو اسرافيل عليه السلام حين ينفخ في الصور من مكان قريب من الخلق يوم يسمعون الصيحة اي كل الخلائق يسمعون تلك الصيحة المزعجة المهولة بالحق الذي لا شك فيه ولا امتراء ذلك يوم الخروج من القبور الذي انفرد به القادر على كل شيء. ولهذا قال ها نحن نحيي ونميت والينا المصير. يوم تشقق الارض عنهم سراعا يوم تشقق الارض عنهم صراعا اي عن الاموات سراعا اي لاجابة الداعي لهم الى موقف القيامة. اي هين على الله لا تعب فيه ولا كلفة نحن اعلم بما يقولون لك مما يحزنك من الاذى. واذا كنا اعلم بذلك فقد علمت كيف اعتناؤنا بك وتيسيرنا لامورك ونصرنا لك على اعدائك. فليفرح قلبك. ولتطمئن نفسك. ولتعلم اننا ارحم بك وارأف من فلم يبق لك الا انتظار وعد الله والتأسي باولي العزم من رسل الله اي مسلط عليهم انما انت منذر. ولكل قوم هاد. ولهذا قال والتذكير هو تذكير ما تقرر في العقول والفطر من محبة الخير وايثاره وفعله. ومن بغض الشر ومجانبته. وانما يتذكر بالتذكير من يخاف وعيده الله. واما من لم يخف الوعيد ولم يؤمن به فهذا فائدة تذكيره اقامة الحجة عليه. لئلا يقول ما جاءنا من بشير ولا نذير بسم الله الرحمن الرحيم. والذاريات ذرا فالحاملات يسرا هذا قسم من الله الصادق في قيله بهذه المخلوقات العظيمة التي جعل الله فيها من المصالح والمنافع ما جعل على ان وعده صدق وان الدين الذي هو يوم الجزاء والمحاسبة على الاعمال لواقع لا محالة ما له من دافع فاذا اخبر به الصادق عظيم واقسم عليه. واقام الادلة والبراهين عليه. فلما يكذب به المكذبون ويعرض عن العمل له العاملون. والمراد هي الرياح التي تذرو في هبوبها ذروا بلينها ولطفها وقوتها وازعاجها. فالحاملات السحاب تحمل الماء الكثير الذي ينفع الله به البلاد والعباد. فالجاريات يسرا. النجوم التي تجري على وجه اليسر سهولة فتتزين بها السماوات. ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر. وينتفع بالاعتبار بها. فالمقسمات امرا. الملائكة التي تقسم الامر وتدبره باذن الله. فكل منهم قد جعله الله على تدبير امر من امور الدنيا وامور الاخرة. لا يتعدى ما قدم له وما حد ورسم ولا ينقص منه. اي والسماء ذات الطرائق حسنة التي تشبه حبك الرمال ومياه الغدران حين يحركها النسيم انكم ايها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم. منكم من يقول ساحر ومنكم من من يقول كاهن ومنكم من يقول مجنون. الى غير ذلك من الاقوال المختلفة. الدالة على حيرتهم وشكهم. وان ما هم عليه باطل اي يصرف عنه من صرف عن الايمان. وانصرف قلبه عن ادلة الله اليقينية وبراهينه. واختلاف قوله دليل على فساده وبطلانه. كما ان الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. متفق يصدق بعضه بعضا لا تناقض فيه ولا اختلاف. وذلك دليل على صحته. وانه من عند الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا قتل الخراصون. يقول تعالى قتل الخراسون اي قاتل الله الذين كذبوا على الله وجحدوا اياته وخاضوا بالباطل ليدحضوا به الحق. الذين يقولون على الله ما لا يعلمون. الذين هم في غمرة الذين هم في غمرة في لجة من الكفر والجهل والضلال يسألون على وجه الشك والتكذيب ايان يبعثون. اي متى يبعثون؟ مستبعدين لذلك. فلا عن حالهم وسوء مآلهم. اي يعذبون بسبب من طووا عليه من خبث في الباطن والظاهر ويقال لهم ذوقوا فتنتكم اي العذاب والنار. الذي هو اثر ما افتتنوا به. من الابتلاء الذي سيرهم الى الكفر والضلال. هذا العذاب الذي اليه هو الذي كنتم به تستعجلون. فالان تمتعوا بانواع العقاب والنكال والسلاسل والاغلال والسخط وبال ان المتقين في جنات يقول تعالى في ذكر ثواب المتقين واعمالهم التي اوصلتهم الى ذلك الجزاء. ان المتقين الذين كانت التقوى شعارهم طاعة الله دثارهم في جنات مشتملات على جميع اصناف الاشجار والفواكه التي يوجد لها نظير في الدنيا والتي لا يوجد لها نظير مما لم تنظر العيون الى مثله ولم تسمع الاذان ولم يخطر على قلوب العباد وعيون سارحة تشرب منها البساتين ويشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا. اخذين ما اتاهم ربهم انهم كانوا كانوا قبل ذلك محسنين اخذين ما اتاهم ربهم يحتمل ان المعنى ان اهل الجنة قد اعطاهم مولاهم جميع مناهم. من جميع اصناف النعيم. فاخذوا ذلك راضين به. قد قرت به اعينهم. وفرحت به نفوسهم. ولم يطلبوا منه بدلا ولا يبغون عنه حولا. وكل قد ناله من النعيم ما لا يطلب عليه المزيد. ويحتمل ان هذا وصف المتقين في الدنيا انهم اخذون ما اتاهم الله من الاوامر والنواهي. اي قد تلقوها بالرحب وانشراح الصدر. منقدين لما امر الله به بالامتثال على اكمل الوجوه ولما نهى عنه من انزجار عنه لله على اكمل وجه. فان الذي اعطاهم الله من الاوامر والنواهي هو افضل العطايا في حقها ان تتلقى بالشكر لله عليها والانقياد. والمعنى الاول الصقوا بسياق الكلام. لانه ذكر وصفهم في الدنيا واعمالهم بقوله ايه؟ انهم كانوا قبل ذلك الوقت الذي وصلوا به الى نعيم محسنين وهذا شامل لاحسانهم بعبادة ربهم بان يعبدوه كانهم يرونه. فان لم يكونوا يرونه فانه يراهم وللاحسان الى عباد الله ببذل النفع والاحسان من مال او علم او جاه او نصيحة او امر بمعروف او نهي عن منكر او لذلك من وجوه الاحسان وطرق الخيرات. حتى انه يدخل في ذلك الاحسان بالقول والكلام اللين. والاحسان الى المماليك والبهائم مملوكة وغير المملوكة. ومن افضل انواع الاحسان في عبادة الخالق. صلاة الليل الدالة على الاخلاص. وتواطؤ القلب واللسان ولهذا قال كانوا اي المحسنون ما يهجعون اي كان هجوعهم اي نومهم بالليل قليلا. واما اكثر الليل فانهم قانتون لربهم ما بين صلاة وقراءة وذكر ودعاء وتضرع وبالاسحار التي هي قبيل الفجر. هم يستغفرون الله تعالى. فمدوا صلاتهم الى السحر. ثم جلسوا في خاتمة قيام بالليل يستغفرون الله تعالى استغفار المذنب لذنبه. والاستغفار بالاسحار فضيلة وخصيصة ليست لغيره. كما قال قال في وصف اهل الايمان والطاعة والمستغفرين بالاسحار وفي اموالهم حق واجب ومستحب اي للمحتاجين الذين يطلبون من الناس والذين لا يطلبون منهم للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون يقول تعالى داعيا عباده الى التفكر والاعتبار وذلك شامل لنفس الارض وما فيها من جبال وبحار وانهار واشجار ونبات. تدل المتفكر فيها المتأمل لمعانيها على عظمة خالقها وسعة سلطانه وعميم احسانه واحاطة علمه بالظواهر والبواطن. وكذلك في نفس العبد من العبر والحكمة والرحمة ما يدل على انه الله وحده الاحد الفرد الصمد. وانه لم يخلق الخلق سدى. وقوله وفي السماء رزقكم اي مادة رزقكم من الامطار وصنوف الاقدار الرزق الديني والدنيوي. وما توعدون من الجزاء في الدنيا والاخرة. فانه ينزل من عند الله كسائر الاقدار فلما بين الايات ونبه عليها تنبيها ينتبه به الذكي اللبيب. اقسم تعالى على ان وعده وجزاءه حق. وشبه ذلك باظهره الاشياء لنا وهو النطق. فقال مثل ما انكم فكما لا تشكون في نطقكم فكذلك لا ينبغي الشك في البعث بعد الموت. يقول تعالى هل اتاك اي اما جاءك حديث ضيف ابراهيم المكرمين ونبأهم الغريب العجيب. وهم الملائكة الذين ارسلهم الله لاهلاك قوم لوط. وامرهم قم بالمرور على ابراهيم فجأوه في صورة اضياف قال مجيبا لهم سلام اي عليكم قوم منكرون. اي انتم قوم منكرون تحب ان تعرفوني بانفسكم ولم يعرفهم الا بعد ذلك. فراغ الى اهله فجاء بعجل ولهذا راغ الى اهله اي ذهب سريعا في خفية ليحضر لهم قراهم فقربه اليهم. وعرض عليهم الاكل وبشروه بغلام عليم فاوجس منهم خيفة حين رأى ايديهم لا تصل اليه. قالوا لا تخف واخبروه بما جاءوا له. وبشروه بغلام وهو اسحاق عليه السلام. فلما سمعت المرأة البشارة اه فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم. اقبلت فرحة مستبشرة في صرة اي صيحة فصكت وجهها وهذا من جنس ما يجري من النساء عند السرور ونحوه. من الاقوال والافعال المخالفة للطبيعة والعادة قالت عجوز عقيم. اي ان لي الولد وانا عجوز قد بلغت من السن ما لا تلد معه النساء. ومع ذلك فانا عقيم غير صالح الرحم للولادة اصلا. فثما مانعان كل منهما مانع من الولد. وقد ذكرت المانع الثالثة في سورة هود بقولها وهذا بعلي شيخا. ان هذا لشيء عجيب. قالوا كذلك قال ربك انه هو الحكيم العليم. قالوا كذلك قال ربك اي الله الذي قدر ذلك وامضاه. فلا عجب في قدرة الله تعالى انه هو الحكيم العليم. اي الذي يضع الاشياء مواضعها. وقد وسع كل شيء علما فسلموا لحكمه واشكروه على نعمته