المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي لا يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد. يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان بالحكمة وهي العلم بالحق على وجهه وحكمته. فهي العلم بالاحكام. ومعرفة ما فيها من الاسرار والاحكام. فقد يكون الانسان عالما ولا يكون حكيما. واما الحكمة فهي مستلزمة للعلم. بل وللعمل. ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع والعمل الصالح فلما اعطاه الله هذه المنة العظيمة امره ان يشكره على ما اعطاه. ليبارك له فيه وليزيده من فضله. واخبره ان شكر الشاكرين يعود نفعه عليهم. وان من كفر فلم يشكر الله عاد وبال ذلك عليه. والله غني عنه. حميد فيما يقدره ويقضيه على ما من خالف امره فغناه تعالى من لوازم ذاته. وكونه حميدا في صفات كماله. حميدا في جميل صنعه. من لوازم ذاته. وكل كل واحد من الوصفين صفة كمال. واجتماع احدهما الى الاخر زيادة كمال الى كمال. واختلف المفسرون هل كان لقمان نبي او عبدا صالحا والله تعالى لم يذكر عنه الا انه اتاه الحكمة. وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه. فذكر اصول حكمة وقواعدها الكبار فقال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم. واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه او قال له قولا به يعظه بالامر والنهي. المقروء بالترغيب والترهيب. فامره بالاخلاص ونهاه عن الشرك. وبين له السبب في ذلك فقال تكبرا عليهم وتعاظما. ولا تمش في الارض مرحا. اي بطرا فخرا بالنعم. ناسيا المنعم معجبا بنفسه ان الله لا يحب كل مختال فخور. مختال في نفسه وهيئته وتعاظمه. فخور بقوله ووجه كونه عظيما. انه لا افظع وابشع ممن سوى المخلوق من تراب. بمالك الرقاب. وسوى الذي لا يملك من الادب شيئا بمن له الامر كله. وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه. بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه. وسوى من لم ينعم مثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم واخراهم وقلوبهم وابدانهم الا منه. ولا يصرف السوء الا هو فهل اعظم من هذا الظلم شيء؟ وهل اعظم ظلما ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده؟ فذهب بنفسه الشريفة فجعلها في اخس المراتب جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا. فظلم نفسه ظلما كبيرا. ولما امر بالقيام بحقه بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد امر بالقيام بحق الوالدين فقال ووصينا الانسان بوادر ان اشكر لي ولوالديك ووصينا الانسان اي عهدنا اليه وجعلناه وصية عنده سنسأله عن القيام بها وهل ام لا؟ فوصيناه بوالديه وقلنا له اشكر لي بالقيام بعبوديتي واداء حقوقي والا تستعين بنعمي على معصيتك ولوالديك بالاحسان اليهما بالقول اللين والكلام اللطيف والفعل الجميل والتواضع لهما واكرامهما واجلالهما القيام بمؤنتهما واجتناب الاساءة اليهما من كل وجه بالقول والفعل. فوصيناه بهذه الوصية واخبرناه ان الي المصير. اي سترجع ايها الانسان الى من وصاك وكلفك بهذه الحقوق. فيسألك هل قمت بها فيثيبك الثواب الجزيل ام ضيعتها فيعاقبك العقاب الوبيل ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الام فقال حملته امه وهنا على وهن اي مشقة على مشقة. فلا تزال تلاقي المشاق. من حين يكون نطفة من الوحم والمرض والضعف والثقل تغير الحال ثم وجع الولادة ذلك الوجع الشديد. ثم فصاله في عامين وهو ملازم لحضانة امه وكفالتها ورضاعها افما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد مع شدة الحب ان يؤكد على ولده ويوصي اليه بتمام الاحسان اليه وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما. وان جاهداك اي اجتهد فلذاك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم. فلا تطعهما ولا تظن ان هذا داخل في الاحسان اليهما. لان حق الله مقدم على حق كل لاحد ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولم يقل وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم. فعقهما بل قال فلا تطعهما اي بالشرك. واما برهما فاستمر عليه. ولهذا قال فلا تطعهما وصاحبهما في في الدنيا معروفا وصاحبهما في الدنيا معروفا. اي صحبة احسان اليهما بالمعروف واما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي فلا تتبعهما. وهم المؤمنون الله وملائكته وكتبه ورسله المستسلمون لربهم المنيبون اليه. واتباع سبيلهم ان يسلك مسلكهم في الانابة الى الله التي هي انجذاب دواعي القلب واراداته الى الله. ثم يتبعها سعي البدن فيما يرضي الله ويقرب منه ارجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون ثم الي مرجعكم الطائع والعاصي والمنيب وغيره. فلا يخفى على الله من اعمالكم خافية يأتي بها الله ان الله لطيف خبير. يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل التي هي اصغر الاشياء واحقرها فتكن في صخرة اي في وسطها او في السماوات او في الارض. في اي جهة من يأتي بها الله لسعة علمه وتمام خبرته وكمال قدرته. ولهذا قال اي لطف في علمه وخبرته حتى اطلع على الباطن والاسرار وخفايا القفار والبحار. والمقصود من هذا على مراقبة الله والعمل بطاعته مهما امكن. والترهيب من عمل القبيح قل او كثر. يا بني اقم الصلاة وامر يا بني اقم في الصلاة حثه عليها وخصها لانها اكبر العبادات البدنية. وامر بالمعروف وانهى عن المنكر. وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به والعلم بالمنكر لينهى عنه. والامر بما لا يتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا به. من الرفق والصبر. وقد صرح به في قوله ومن كونه فاعلا لما يأمر به كافا لما عنه فتضمن هذا تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر وتكميل غيره بذلك بامره ونهيه. ولما علم انه لابد ان يبتلى فاذا امر ونهى وان في الامر والنهي مشقة على النفوس امره بالصبر على ذلك فقال ان ذلك الذي وعظ به لقمان ابنه من عزم الامور. اي من الامور التي يعزم عليها ويهتم بها ولا يوفق لها الا اهل العزائم. ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا الله لا يحب كل مختال فخور. ولا تصعر خدك للناس اي لا تمله وتعبس بوجهك للناس واقصد في مشيك. اي امشي متواضعا مستكينا. لا مشي البطر والتكبر ولا مشي التماوت. واغضض من صوتك ادبا مع الناس ومع الله. ان انكر الاصوات اي افظعها وابشعها. فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة لما اختص بذلك الحمار الذي قد علمت خسته وبلادته. وهذه الوصايا التي وصى بها لقمان لابنه. تجمع امهات الحكم ما لم يذكر منها. وكل وصية يقرن بها ما يدعو الى فعلها ان كانت امرا والى تركها ان كانت نهيا. وهذا يدل على ما ذكرنا في الحكمة انها العلم بالاحكام وحكمها ومناسباتها. فامره باصل الدين وهو التوحيد ونهاه عن الشرك. وبين له الموجب لتركه وامره ببر الوالدين. وبين له السبب الموجب لبرهما. وامره بشكره وشكرهما. ثم احترز بان محل برهما وامتثاله لاوامرهما ما لم يأمرا بمعصية. ومع ذلك فلا يعقهما بل يحسن اليهما وان كان لا يطيعهما اذا جاهداه على الشرك وامره بمراقبة الله وخوفه القدوم عليه. وانه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر الا اتى بها. ونهاه عن التكبر وامره بالتواضع ونهاه عن البطر والاشر والمرح. وامره بالسكون في الحركات والاصوات. ونهاه عن ضد ذلك وامر اهو بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر واقامة الصلاة وبالصبر. الذين يسهل بهما كل امر كما قال تعالى. فحقيق من اوصى بهذه الوصايا ان يكون مخصوصا بالحكمة مشهورا بها. ولهذا من منة الله عليه وعلى سائر عباده ان قص عليهم من ما يكون لهم به اسوة حسنة عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم يمتن تعالى على عباده بنعمه ويدعوهم الى شكرها ورؤيتها عدم الغفلة عنها فقال الم تروا اي تشاهدوا وتبصروا بابصاركم وقلوبكم ان الله سخر لكم ما في السماوات من الشمس والقمر كلها مسخرات لنفع العباد. وما في الارض من الحيوانات والاشجار والزروع والانهار والمعادن ونحوها. كما قال تعالى هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا واسبغ عليكم اي عمكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة التي نعلم بها والتي تخفى نعم الدنيا ونعم الدين. حصول المنافع ودفع المضار. فوظيفتكم ان تقوموا بشكر هذه النعم. بمحبة المنعم الخضوع له وصرفها في الاستعانة على طاعته. والا يستعان بشيء منها على معصيته. ولكن مع توالي هذه النعم من الناس من لم اشكرها بل كفرها وكفر بمن انعم بها وجحد الحق الذي انزل به كتبه وارسل به رسله فجعل يجادل في الله يجادل عن الباطل ليدحض به الحق. ويدفع به ما جاء به الرسول من الامر بعبادة الله وحده. وهذا المجادل على غير بصيرة. فليس جداله وعن علم فيترك وشأنه ويسمح له في الكلام ولا هدى يقتدي به بالمهتدين ولا كتاب منير غير مبين للحق مسألة معقولة ولا من قول ولا اقتداء بالمهتدين. وانما جداله في الله مبني على تقليد اباء غير مهتدين. بل ضالين مضلين ولهذا قال اولو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير. واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله على ايدي رسله فانه الحق وبينت لهم ادلته الظاهرة قالوا معارضين ذلك بل نتبع ما وجدنا عليه اباءنا فلا نترك ما وجدنا عليه اباءنا لقول احد كائنا من كان. قال تعالى في الرد عليهم وعلى ابائهم فاستجاب له اباؤهم ومشوا خلفه وصاروا من تلاميذ الشيطان واستولت عليهم الحيرة. فهل هذا موجب لاتباعهم لهم؟ ومشيهم على طريقتهم؟ ام ذلك يرهبهم من سلوك سبيلهم؟ وينادي على ضلال والضلال من اتبعهم وليس دعوة الشيطان لابائهم ولهم. محبة لهم ومودة وانما ذلك عداوة لهم. ومكر بهم وبالحقيقة اتباعه من اعدائه الذين تمكن منهم وظفر بهم وقرت عينه باستحقاقهم عذاب السعير بقبول دعوته ومن يسلم وجهه الى الله وهو محسن فقد استمسك بالعرة الوسطى ومن يسلم وجهه الى الله ان يخضع له وينقاد له بفعل الشرائع مخلصا له دينه وهو محسن في ذلك الاسلام بان كان عمله مشروعا قد اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم اول من يسلم وجهه الى الله بفعل جميع العبادات وهو محسن فيها بان يعبد الله كانه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. او هو من يسلم وجهه الى الله بالقيام بحقوقه وهم محسن الى عباد الله قائم بحقوقهم. والمعاني متلازمة لا فرق بينها الا من جهة اختلاف مورد اللفظتين. والا فكلها متفقة على القيام بجميع شرائع الدين. على وجه تقبل به وتكمل. فمن فعل ذلك فقد استمسك بالعرة الوثقى اي بالعروة التي من تمسك بها توثق ونجى وسلم من الهلاك فاز بكل خير. ومن لم يسلم وجهه لله او لم يحسن. لم يستمسك بالعروة الوثقى. واذا لم يستمسك بالعروة الوثقى. لم يكن ثم ان الهلاك والبوار والى الله عاقبة الامور. اي رجوعها وموئلها ومنتهاها. في حكم في عباده يجازيهم بما آلت اليه اعمالهم ووصلت اليه عواقبهم فليستعدوا لذلك الامر انظروا الينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ان الله عليم بذات الصدور ومن كفر فلا يحزنك كفره. لانك اديت ما عليك من الدعوة والبلاغ. فاذا لم يهتدي فقد وجب اجرك على الله. ولم يبقى للحزن موضع على عدم اهتدائه. لانه لو كان فيه خير لهداه الله. ولا تحزن ايضا على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة ونابذوك المحاربة واستمروا على غيهم وكفرهم ولا تتحرق عليهم بسبب انهم ما بودروا بالعذاب. فانبئهم بما عملوا فننبئهم بما عملوا من كفرهم وعداوتهم وسعيهم في اطفاء نور الله واذى رسله التي ما نطق بها الناطقون فكيف بما ظهر وكان الشهادة نمتعهم قليلا في الدنيا ليزداد اثمهم ويتوفر عذابهم ثم نضطرهم اي نلجأهم. اي انتهى في عظمه وكبره وفظاعته والمه وشدته