لم يقدر على التخلف زمنا كثيرا. فقال لسليمان احطت بما لم تحط به عندي من العلم علم ما احطت به على علمك الواسع وعلو درجتك فيه وجئتك من سبأ القبيلة المعروفة في اليمن بنبأ يقين اي خبر متيقن المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم تلك ايات القرآن وكتاب مبين. ينبه تعالى عباده على عظمة القرآن. ويشير اليه اشارة دالة على التعظيم فقال اي هي اعلى الايات اقوى البينات واوضح الدلالات وابينها على اجل المطالب وافضل المقاصد. وخير الاعمال وازكى الاخلاق. ايات تدل على الاخبار الصادقة والاوامر الحسنة والنهي عن كل عمل وخيم وخلق ذميم. ايات بلغت في وضوحها وبيانها للبصائر النيرة. مبلغ الشمس للابصار. ايات دلت على الايمان ودعت للوصول الى الايقان. واخبرت عن الغيوب الماضية والمستقبلة. على طبق ما كان ويكون ايات دعت الى معرفة الرب العظيم باسمائه الحسنى وصفاته العليا وافعاله الكاملة. ايات عرفتنا برسله واولياءه ووصفتهم حتى كأننا ننظر اليهم بابصارنا. ولكن مع هذا لم ينتفع بها كثير من العالمين. ولم يهتدي بها جميع المعانين صونا لها عمن لا خير فيه ولا صلاح ولا زكاء في قلبه. وانما اهتدى بها من خصهم الله بالايمان. واستنارت بذلك قلوبهم وصفت سرائرهم. فلهذا قال اي تهديهم الى سلوك صراط المستقيم وتبين لهم ما ينبغي ان يسلكوه او يتركوه. وتبشرهم بثواب الله المرتب على الهداية لهذا الطريق الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم يوقنون. ربما قيل ثم فسر هذا النبأ فقال اني وجدت امرأة تملكهم اي تملك قبيلة سبأ وهي امرأة واوتيت من كل شيء ان يؤتاه الملوك من الاموال والسلاح والجنود والحصون والقلاع ونحو ذلك. اي كرسي ملكها لعله يكثر مدع الايمان فهل يقبل من كل احد ادعى انه مؤمن ذلك؟ ام لابد لذلك من دليل وهو الحق؟ فلذلك بين تعالى صفة المؤمنين فقال الذين يقيمون الصلاة فرضها ونفلها فيأتون بافعالها الظاهرة من اركانها وشروطها وواجباتها وافعالها الباطنة. وهو الخشوع الذي هو روحها ولبها. استحضار قرب الله وتدبر ما يقول المصلي ويفعله ويؤتون الزكاة المفروضة لمستحقيها. اي قد بلغ معهم الايمان الى وصل الى درجة اليقين وهو العلم التام الواصل الى القلب الداعي الى العمل ويقينهم بالاخرة يقتضي كمال سعيهم له وحذرهم من اسباب العذاب وموجبات العقاب. وهذا اصل كل خير ان الذين لا يؤمنون بالاخرة ويكذبون بها ويكذبون من جاء باثباتها حائرين مترددين مؤثرين الله على رضاه قد انقلبت عليهم الحقائق فرأوا الباطل حقا والحق باطلا اولئك الذين لهم سوء العذاب اي اشده واعظمه. حصل الخسارة فيهم بكونهم خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة وخسروا الايمان الذي دعتهم اليه الرسل اي وان هذا القرآن الذي ينزل عليك وتتلقفه وتتلقنه. ينزل من عند حكيم. يضع الاشياء مواضعها. وينزلها عليم باسرار الامور وبواطنها كظواهرها. واذا كان من عند حكيم عليم علم انه كله حكمة ومصالح العباد من الذي هو اعلم بمصالحهم منهم سآتيكم منها بخبر او اتيكم بشهاد قبس لعلكم تصطنون يعني اذكر هذه الحالة الفاضلة الشريفة من احوال موسى ابن عمران. وابتداء الوحي اليه واصطفائه برسالته. وتكليم الله اياه وذلك انه لما مكث في مدينة عدة سنين وسار باهله من مدين متوجها الى مصر. فلما كان في اثناء الطريق ظل وكان في ليلة مظلمة باردة فقال لهم اني انست نارا اي ابصرت نارا من بعيد سآتيكم منها بخبر عن طريق اي تستدفئون وهذا دليل على انه تائه ومشتد برده هو واهله اي ناداه الله تعالى واخبره ان هذا محل مقدس مبارك. ومن بركته ان جعله اللهم موضعا لتكليم الله لموسى وندائه وارساله. وسبحان الله رب العالمين. وسبحان الله رب العالمين عن ان يظن به نقص او سوء. بل هو الكامل في وصفه وفعله اي اخبره الله انه الله المستحق للعبادة وحده لا شريك له. كما في الاية الاخرى انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني واقم الصلاة لذكري. العزيز الذي قهر جميع الاشياء واذعنت له كل المخلوقات. الحكيم وفي امره وخلقه ومن حكمته ان ارسل عبده موسى ابن عمران الذي علم الله منه انه اهل لرسالته ووحيه وتكليمه. ومن ان تعتمد عليه ولا تستوحش من انفرادك وكثرة اعدائك وجبروتهم. فان نواصيهم بيد الله وحركاتهم وسكونهم ولا مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف اني لا فيخاف لدي المرسلون. والق عصاك فالقاها. فلما رآها تهتز كانها جان وهو ذكر سريع الحركة ولى مدبرا ولم يعقب. ذعرا من الحية التي رأى على مقتضى الطبائع البشرية. فقال الله له يا موسى لا تخف. وقال في الاية الاخرى اقبل ولا تخف انك من الامنين لان جميع المخلوقات مندرجة في قضائه وقدره. وتصريفه وامره. فالذين اختصهم الله برسالته واصطفاهم في وحيه لا ينبغي لهم ان يخافوا غير الله. خصوصا عند زيادة القرب منه والحظوة بتكليمه اي فهذا الذي هو محل الخوف والوحشة بسبب ما اسدى من الظلم وما تقدم له من الجرم. واما المرسلون فما لهم وللوحشة والخوف. ومع هذا من ظلم نفسه بمعاصي الله ثم تاب واناب فبدل سيئاته حسنات ومعاصيه طاعات. فان الله غفور رحيم. فلا ييأس احد من رحمته ومغفرته فانه يغفر الذنوب جميعا. وهو ارحم بعباده من الوالدة بولدها من غير سوء في تسع ايات فرعون وقومه انهم كانوا قوما فاسقين. وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء لا برص ولا نقص بل بياض يبهر الناظرين شعاعه كانوا قولا فاسقين. اي هاتان الايتان انقلاب العصا حية تسعى واخراج اليد من الجيب اخرج بيضاء في جملة تسعة ايات تذهب بها وتدعو فرعون وقومه. انهم كانوا قوما فاسقين فسقوا بشركهم وعتوهم وعلوهم على عباد الله واستكبارهم في الارض بغير الحق حياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين. فذهب موسى عليه السلام الى فرعون وملأه. ودعاه الى الله تعالى واراهم الايات. فلما جاءتهم اياتنا مبصرة مضيئة تدل على الحق. ويبصر بها كما الابصار بالشمس. لم يكفيهم مجرد القول بانه سحر. بل قالوا مبين لكل احد وهذا من اعجب العجائب. الايات المبصرات والانوار الساطعات. تجعل من ابين الخزعبلات واظهر السحر. هل هذا الا من اعظم المكابرة واوقح السفسطة ثم انظر كيف كان عاقبة المفسدين. وجحدوا بها اي كفروا بايات الله جاحدين له واستيقنتها انفسهم. اي ليس جحدهم مستندا الى الشك والريب. وانما جحدهم مع علمهم. ويقينهم بصحتها من منهم لحق ربهم ولانفسهم وعلوا على الحق وعلى العباد وعلى الانقياد للرسل اسوأ عاقبة دمرهم الله واغرقهم في البحر واخزاهم واورث مساكنهم المستضعفين من عباده وقال الحمدلله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين يذكر في هذا القرآن وينوه بمنته على داوود وسليمان ابنه. بالعلم الواسع الكثير بدليل التنكير. كما قال تعالى قال وداوود وسليمان اذ يحكمان في الحرث. اذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا اتينا حكما وعلما. وقال شاكرين لربهما منته الكبرى بتعليمهما. وقال الحمد بسم الله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين. فحمد الله على جعلهما من المؤمنين اهل السعادة وانهما كانا من خواصهم. ولا شك ان المؤمنين اربع درجات. الصالحون ثم فوقهم الشهداء ثم فوقهم الصديقون. ثم فوقهم الانبياء وداوود وسليمان من خواص الرسل. وان كان دون درجة اولي العزم الخمسة لكنهما من جملة الرسل الفضلاء الكرام. الذين نوه الله بذكرهم ومدحهم في كتابه مدحا عظيما فحمد الله على بلوغ هذه المنزلة. وهذا عنوان سعادة العبد ان يكون شاكرا لله على نعمه الدينية والدنيوية. وان يرى جميع النعم من ربه. فلا يفخر بها ولا يعجب بها. بل يرى انها تستحق عليه شكرا كثيرا. وورث سليمان ابو داود وقال يا ايها الناس علمنا مناطق الطير واوتينا هذا لهو الفضل المبين. فلما مدحهما مشتركين خصصوا سليمان بما خصه به لكون الله اعطاه ملكا عظيما. وصار له من المجريات ما لم يكن لابيه صلى الله عليهما وسلم فقال وورث سليمان داود اي ورث علمه ونبوته. فانضم علم ابيه الى علمه فلعله تعلم من ابيه ما من العلم مع ما كان عليه من العلم وقت ابيه. كما تقدم من قوله. ففهمناها سليمان. وقال شكرا لله تشحن باحسانه وتحدثا بنعمته. يا ايها الناس علمنا منطق الطير. فكان عليه الصلاة والسلام يفقه ما تقول وتتكلم به كما راجع الهدهد وراجعه وكما فهم قول النملة للنمل كما يأتي وهذا لم يكن لاحد غير سليمان عليه السلام واتينا من كل شيء اي اعطانا الله من النعم. ومن اسباب الملك ومن السلطنة والقهر. ما لم يؤت احدا من الادميين. ولهذا اذا دعا ربه وقال وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. سخر الله له الشياطين. يعملون له كل ما يشاء من الاعمال للتي يعجز عنها غيرهم وسخر له الريح غدوها شهر ورواحها شهر ان هذا الذي اعطانا الله وفضلنا واختصنا به لهو الفضل المبين الواضح الجلي. اعترف اكمل بنعمة الله تعالى اي جمع له جنوده الكثيرة الهائلة المتنوعة من بني ادم ومن الجن والشياطين ومن من الطيور فهم يوزعون. يدبرون ويرد اولهم على اخرهم. وينظمون غاية التنظيم. في سيرهم ونزولهم محلهم وترحالهم. قد استعد لذلك واعد له عدته. وكل هذه الجنود مؤتمرة بامره. لا تقدر على عصيانه ولا تتمردوا عليه. كما قال تعالى هذا عطاؤنا فامن او امسك. اي اعطي بغير حساب فسار بهذه الجنود الضخمة في بعض اسفاره يا ايها النمل حتى اذا اتوا على وادي النمل قالت نملة منبهة لرفقتها وبني جنسها يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وهم لا يشعرون. فنصح هذه النملة واسمعت النمل اما بنفسها ويكون الله قد اعطى النمل اسماعا خارقة للعادة. لان التنبيه للنمل الذي قد ملأ الوادي بصوت نملة واحدة من اعجب العجائب. واما بانها اخبرت من حولها من النمل. ثم صار الخبر من بعضهن البعض حتى بلغ الجميع وامرتهن بالحذر. والطريق في ذلك هو دخول مساكنهن. وعرفت حالة سليمان وجنوده وعظمة سلطانه واعتذرت عنهم انهم ان حطموكم فليس عن قصد منهم ولا شعور. فسمع سليمان عليه الصلاة والسلام قولها وفهمه. فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. فتبسم ضاحكا من قولها اعجابا منه بفصاحة ونصحها وحسن تعبيرها. وهذا حال الانبياء عليهم الصلاة والسلام. الادب الكامل والتعجب في موضعه لا يبلغ بهم الضحك الا الى التبسم. كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم جل ضحكه التبسم. فان القهقهة تدل على خشن العقل وسوء الادب وعدم التبسم والعجب مما يتعجب منه. يدل على شراسة الخلق والجبروت. والرسل منزهون عن وقال شاكرا لله الذي اوصله الى هذه الحال رب اوزعني اي الهمني ووفقني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي. فان النعمة على الوالدين نعمة على الولد. فسأل ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته. الدين النية والدنيوية عليه وعلى والديه. ايوة ان اعمل صالحا ترضاه لكونه موافقا لامرك. مخلصا فيه سالما من المفسدات والمنقصات برحمتك في عبادك الصالحين وادخلني برحمتك التي منها الجنة في جملة عبادك الصالحين. فان الرحمة مجعولة للصالحين على اختلاف درجاتهم ومنازلهم. فهذا نموذج ذكره الله من حالة سليمان عند معي خطاب النملة وندائها. ثم ذكر نموذجا اخر من مخاطبته للطير. فقال ماليا لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين. وتفقد الطير دل هذا على كمال عزمه وحزمه حسن تنظيمه لجنوده وتدبيره بنفسه للامور الصغار والكبار. حتى انه لم يهمل هذا الامر. وهو تفقد الطيور والنظر هل هي موجودة كلها ام مفقود منها شيء؟ وهذا هو المعنى للاية. ولم يصنع شيئا من قال انه تفقد الطير لينظر اين الهدهد منها ليدله على بعد الماء وقربه. كما زعموا عن الهدهد انه يبصر الماء تحت الارض الكثيفة. فان هذا القول لا يدل عليه دليل بل الدليل العقلي واللفظي دال على بطلانه. اما العقلي فانه قد عرف بالعادة والتجارب والمشاهدات ان هذه الحيوانات كلها ليس منها شيء يبصر هذا البصر الخارق للعادة. ينظر الماء تحت الارض الكثيفة. ولو كان كذلك لذكره الله لانه من الايات واما الدليل اللفظي فلو اريد هذا المعنى لقال وطلب الهدهد لينظر له الماء. فلما فقده قال ما قال او عن الهدهد او بحث عنه ونحو ذلك من العبارات. وانما تفقد الطير لينظر الحاضر منها والغائب ولزومها للمراكز والمواضع التي عينها لها وايضا فان سليمان عليه السلام لا يحتاج ولا يضطر الى الماء. بحيث يحتاج لهندسة الهدهد. فان عنده من والعفاريت ما يحفرون له الماء ولو بلغ في العمق ما بلغ. وسخر الله له الريح غدوها شهر ورواحها شهر. فكيف مع ذلك يحتاج الى الهدهد. وهذه التفاسير التي توجد وتشتهر بها اقوال لا يعرف غيرها. تنقل هذه الاقوال عن بني اسرائيل مجردة ويغفل الناقل عن مناقضتها للمعاني الصحيحة وتطبيقها على الاقوال. ثم لا تزال تتناقل وينقلها المتأخر مسلما للمتقدم حتى يظن انها الحق فيقع من الاقوال الردية في التفاسير ما يقع. واللبيب الفطن يعرف ان هذا القرآن الكريم العربي المبين الذي خاطب الله به الخلق كلهم عالمهم وجاهلهم وامرهم بالتفكر في معانيه وتطبيقها على الفاظه العربية المعروفة المعاني التي لا تجهلها العرب العرباء. واذا وجد اقوالا منقولة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. ردها الى هذا الاصل. فان وافقته قبلها لكون اللفظ دالا عليها وان خالفته لفظا ومعنى او لفظا او معنى ردها وجزم ببطلانها. لان عنده اصلا معلوما ناقضا لها وهو ما يعرفه من معنى الكلام ودلالته. والشاهد ان تفقد سليمان عليه السلام للطير وفقده الهدهد يدل على اكمال حزمه وتدبيره الملك بنفسه. وكمال فطنته حتى فقد هذا الطائر الصغير كان من الغائبين. اي هل عدم رؤيتي اياه لقلة فطنتي به؟ لكونه خفيا بين هذه الامم كثيرة ام على بابها بان كان غائبا من غير اذني ولا امري. فحينئذ تغيظ عليه وتوعده فقال لاعذبنه عذابا شديدا دون القتل اي حجة واضحة على تخلفه. وهذا كمال ورعه وانصافه انه لم يقسم على مجرد عقوبته بالعذاب او القتل. لان ذلك لا يكون الا من ذنب وغيبته قد تحتمل انها لعذر واضح. فلذلك استثناه لورعه وفطنته لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين فمكث غيرك بعيد ثم جاء وهذا يدل على هيبة جنوده منه. وشدة ائتمانهم لامره. حتى ان هذا الهدهد الذي خلفه العذر الواضح الذي تجلس عليه عرش هائل. وعظم العروش تدل على عظمة المملكة وقوة السلطان وكثرة رجال الشورى وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدا وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله اي هم يعبدون الشمس وزين لهم الشيطان اعمالهم. فرأوا ما هم عليه هو الحق. لان الذي يرى ان الذي هو عليه حق لا مطمع في هدايته حتى تتغير عقيدته. ثم قال الذي يخرج الخبء في السماوات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. اي هلا يسجدوا بسم الله الذي يخرج الخبء في السماوات والارض اي يعلم الخفي الخبيئ في اقطار السماوات وانحاء الارض من صغار المخلوقات وبذور النباتات وخفايا الصدور ويخرج خبء الارض والسماء بانزال المطر وانبات النباتات ويخرج خبء الارض عند النفخ في الصور واخراج الاموات من الارض ليجازيهم باعمالهم الا هو رب العرش العظيم. الله لا اله الا هو اي لا تنبغي العبادة والانابة والذل والحب الاله لانه المألوه لما له من الصفات الكاملة والنعم الموجبة لذلك الذي هو سقف المخلوقات ووسع الارض والسماوات. فهذا الملك عظيم السلطان كبير الشأن. هو الذي يذل له ويخضع ويسجد له ويركع. فسلم الهدهد حين القى اليه هذا النبأ العظيم. وتعجب سليمان كيف خفي عليه وقال مثبت لكمال عقله ورزانته فانظر ماذا يرجعون. اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم ثم تولى عنهم. اي استأخر غير بعيد. فانظر ماذا ايرجعون اليك وما يتراجعون به. فذهب به فالقاه عليهم فقالت لقومها اني القي الي كتاب كريم اي جليل المقدار من اكبر ملوك الارض ثم بينت مضمونه فقالت انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن اي لا تكونوا فوقي بل اخضعوا تحت وانقادوا لاوامري واقبلوا الي مسلمين. وهذا في غاية الوجازة مع البيان التام. فانه تضمن نهيهم عن العلو والبقاء على حالهم التي هم عليها والانقياد لامره والدخول تحت طاعته ومجيئهم اليه ودعوتهم الى الاسلام وفيه استحباب ابتداء الكتب بالبسملة كاملة. وتقديم الاسم في اول عنوان الكتاب. فمن حزمها وعقلها ان جمعت كبار ودولتها ورجان مملكتها وقالت قاطعة امرا حتى تشهدون. يا ايها الملأ افتوني في امري. اي اخبروني ماذا نجيبه به وهل ندخل تحت طاعته وننقاد؟ ام ماذا نفعل ما كنت مستبدة بامر دون رأيكم ومشورتكم والامر اليك فانظري ماذا تأمرين. قالوا نحن اولو قوة واولوا بأس شديد اي ان رددت عليه قوله ولم تدخلي في طاعته فان اقوياء على القتال فكأنهم مالوا الى هذا الرأي الذي لو تم لك كان فيه دمارهم ولكنهم ايضا لم يستقروا عليه. بل قالوا والامر اليك. اي الرأي ما رأيت لعلمهم بعقلها وحزمها ونصحها لهم. فانظري نظرك فكر وتدبر ماذا تأمرين؟ قالت لهم مقنعة لهم بالعدول عن رأيهم. ومبينة سوء مغبة القتال وكذلك يفعلون. ان الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها قتلا واسرى ونهبا لاموالها وتخريبا لديارها وجعلوا اعزة اهلها اذلة. اي جعلوا الرؤساء السادة اشراف الناس من الاذلين. اي فهذا رأي غير سديد. وايضا الست بمطيعة الله قبل الاختبار وارسال من يكشف عن احواله ويتدبرها. وحينئذ نكون على بصيرة من امرنا. فقالت فناظرة بما يرجع المرسلون منه هل يستمر على رأيه وقوله ام تخدعه الهدية وتتبدل فكرته وكيف احواله وجنوده؟ فارسلت اليه بهدية مع رسل من عقلاء قومها وذوي الرأي منهم فلما جاء سليمان اي جاءه الرسل بالهدية قال منكرا عليهم ومتغيظا على عدم اجابتهم. اتمدونني بمال فما اتاني الله خير مما اتاكم. فليست تقع عندي موقعا ولا افرح بها قد اغناني الله عنها واكثر علي النعم لحبكم للدنيا وقلة ما بايديكم. بالنسبة لما اعطاني الله. ثم اوصى الرسول من غير كتاب ما رأى من عقله وانه سينقل كلامه على وجهه فقال لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون ارجع اليهم اي بهديتك. فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم. اي لا طاقة لهم بها فرجع اليهم وابلغهم ما قال سليمان. وتجهزوا الى سليمان وعلم سليمان انهم لابد ان يسيروا اليه. فقال لمن حضره من الجن والانس بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين. ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني في مسلمين اي لاجل ان نتصرف فيه قبل ان يسلموا فتكون اموالهم محترمة واني عليه لقوي امين قال عفريت من الجن والعفريت هو القوي النشيط جدا. انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك قوي امين. والظاهر ان سليمان اذ ذاك في الشام فيكون بينه وبين سبأ نحو مسيرة اربعة اشهر شهران ذهابا وشهران ايابا. ومع ذلك يقول هذا العفريت انا التزم بالمجيء به على كبره وثقله وبعده قبل ان تقوم من مجلسك الذي انت فيه. والمعتاد من المجالس الطويلة ان تكون معظم الضحى. نحو ثلث يوم هذا نهاية المعتاد وقد يكون دون ذلك او اكثر. وهذا الملك العظيم الذي عند احد رعيته هذه القوة والقدرة. وابلغ من ذلك ان قال الذي عنده علم من الكتاب قبل ان يغتد اليك طرفك. قال المفسرون هو رجل عالم صالح عند سليمان يقال له اصف ابن برخيا كان يعرف اسم الله الاعظم الذي اذا دعا الله به اجاب واذا سأل به اعطي. انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك بان يدعو الله بذلك الاسم فيحضر حالا وانه دعا الله فحضر فالله اعلم هل هذا هو مراد ام ان عنده علما من الكتاب يقتدر به على جلب البعير وتحصيله الشديد فلما رآه مستقرا عنده حمد الله تعالى على اقداره وملكه وتيسير الامور له. قال هذا من فضل ربي ليبلوني اأشكر ام اكفر اي ليختبرني بذلك. فلم يغتر عليه السلام بملكه وسلطانه وقدرته. كما هو دأب الملوك الجاهلين. بل علم ان ذلك اختبار من ربه فخاف الا يقوم بشكر هذه النعمة. ثم بين ان هذا الشكر لا ينتفع الله به وانما يرجع نفعه الى صاحبه فقال ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربي ايراني كريم. غني عن اعماله. كريم كثير الخير. يعم به الشاكر والكافر. الا ان ونعمه داع للمزيد منها وكفرها داع لزوالها. ثم قال لمن عنده نكروا لها عرشها اي غيروه بزيادة ونقص ونحو ذلك ننظر مختبرين لعقلها اتهتدي للصواب ويكون عندها ذكاء وفطنة تليق بملكها من الذين لا يهتدون. فلما قيل اهكذا عرشك فلما جاءت قادمة على سليمان عرض عليها عرشها وكان عهدها به قد خلفت في بلدها وقيل لها اهكذا عرشك؟ اي انه استقر عندنا ان لك عرشا عظيما؟ فهل هو كهذا العرش الذي احضرنا ما هو لك؟ قالت كانه هو وهذا من ذكائها وفطنتها. لم تقل هو لوجود التغيير فيه والتنكير. ولم تنفي انه هو لانها عرفت فاتت بلفظ محتمل للامرين صادق على الحالين. فقال سليمان متعجبا من هدايتها وعقلها وشاكرا لله ان اعطاه اعظم منها واوتينا العلم من قبلها. اي الهداية والعقل والحزم. من قبل هذه الملكة وكنا مسلمين هي الهداية النافعة الاصلية. ويحتمل ان هذا من قول ملكة سبأ. واوتينا العلم عن ملك سليمان وسلطانه. فزيادة اقتداره من قبل هذه الحالة التي رأينا فيها قدرته على احضار العرش من المسافة البعيدة فاذعنا له وجئنا مسلمين له خاضعين لسلطانه. قال الله تعالى وصدها ما كانت تعبد من دون الله اي عن الاسلام والا فلها من الذكاء والفطنة ما به تعرف الحق من الباطل. ولكن العقائد الباطلة تذهب بصيرة القلب فاستمرت على دينهم وانفراد الواحد عن اهل الدين والعادة المستمرة بامر الله بعقله من ضلالهم وخطأهم من اندر ما يكون. فلهذا لا يستغرب بقاؤها على الكفر. ثم ان سليمان اراد ان ترى من سلطانه ما يبهر العقول فامرها ان تدخل الصرح وهو المجلس المرتفع المتسع. وكان مجلسا من قوارير تجري تحته الانهار فلما رأته حسبته لجة ماء لان القوارير شفافة. يرى الماء الذي تحتها كأنه بذاته يجري. ليس دونه شيء وكشفت عن ساقيها لتخوضه. وهذا ايضا من عقلها وادبها. فانها لم تمتنع من الدخول للمحل. الذي امرت دخوله لعلمها انها لم تستدعى الا للاكرام. وان ملك سليمان وتنظيمه قد بناه على الحكمة. ولم يكن في قلبها ادنى شك. من حالة السوء بعدما رأت ما رأت. فلما استعدت للخوض قيل لها انه صرح ممرد اي مملس من قوارير. فلا حاجة منك لكشف الساقين حينئذ لما وصلت الى سليمان وشاهدت ما شاهدت وعلمت نبوته ورسالته. تابت ورجعت عن كفرها نفسي واسلمت مع سليمان لله واسلمت كنت مع سليمان لله رب العالمين فهذا ما قصه الله علينا من قصة في ملكة سبأ وما جرى لها مع سليمان. وما عدا ذلك من الفروع المولدة والقصص الاسرائيلية. فانه لا يتعلق بتفسير لكلام الله وهو من الامور التي يتوقف الجزم بها على الدليل المعلوم عن المعصوم. والمنقولات في هذا الباب كلها او اكثرها ليس كذلك فالحزم كل الحزم الاعراض عنها وعدم ادخالها في التفاسير. والله اعلم. ولقد ارسلنا الى يخبر تعالى انه ارسل الى ثمود قبيلة المعروفة اخاهم في النسب صالحا وانه امرهم ان يعبدوا الله وحده. ويتركوا الانداد والاوثان منهم المؤمن ومنهم الكافر وهم معظمهم ومن الحسنة اي لم تبادرون فعل السيئات وتحرصون عليها قبل فعل الحسنات التي بها تحسن احوالكم وتصلح اموركم الدينية والدنيوية. والحال انه لا موجب لكم الى الذهاب لفعل لولا تستغفرون الله بان تتوبوا من شرككم وعصيانكم. وتدعوا ان يغفر لكم فان رحمة الله قريب من المحسنين. والتائب من الذنوب هو من المحسنين بل انتم قوم تفتنون قالوا لنبيهم صالح مكذبين ومعارضين اذ طيرنا بك وبمن معك. زعموا قبحهم الله انهم لم يروا على وجه صالح خيرا وانه هو ومن معه من المؤمنين صاروا سببا لمنع بعض مطالبهم الدنيوية. فقال لهم صالح طائركم عند الله اي ما ما اصابكم الا بذنوبكم. بل انتم قوم تفتنون بالسراء والضراء والخير والشر. لينظر هل تقلعون وتتوبون ام لا. فهذا دأبهم في تكذيب نبيهم. وما قابلوه به. وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون وكان في المدينة التي فيها صالح الجامعة معظم قومه تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون. اي وصفهم الافساد في الارض ولا لهم قصد ولا فعل بالاصلاح. قد استعدوا لمعاداة صالح والطعن في دينه ودعوة قومهم الى ذلك. كما قال تعالى فاتقوا الله واطيعون ولا تطيعوا امر مسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فلم يزالوا بهذه الحال الشنيعة حتى انهم من عداوتهم تقاسموا فيما بينهم. كل واحد اقسم للاخر لنبيتنه واهله. اي نأتيه ليلا هو هو اهله فلنقتلنهم ثم لنقولن لوليه اذا قام علينا وادعى علينا انا قتلناه ننكر ذلك وننفيه ونحلف ما شهدنا مهلك اهله وانا لصادقون. فتواطؤوا على ذلك ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون. ومكروا مكرا دبروا امرهم على قتل صالح واهله. على توجه الخفية حتى من قومهم خوفا من اوليائه ومكرنا مكرا بنصر نبينا صالح عليه السلام وتيسير امره هلاك قومه المكذبين وهم لا يشعرون هل حصل مقصودهم وادركوا بذلك المكر مطلوبهم؟ ام انتقض عليهم الامر هذا قال انا دمرناهم وقومهم اجمعين. اهلكناهم واستأصلنا شأفتهم. فجاءتهم صيحة عذاب فاهلكهم عن اخرهم فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا. فتلك بيوتهم خاوية قد تهدمت جدرانها على فيها واوحشت من ساكنيها وعطلت من نازليها بما ظلموا. اي هذه عاقبة ظلمهم وشركهم بالله وبغيهم في الارض ان في ذلك لاية لقوم يعلمون الحقائق يتدبرون وقائع الله في اوليائه واعدائه فيعتبرون بذلك. ويعلمون ان عاقبة الظلم الدمار والهلاك. وان عاقبة الايمان والعدل النجاة والفوز. ولهذا قال وانجينا الذين امنوا وكانوا يتقون اي انجينا المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره. وكانوا يتقون الشرك بالله والمعاصي ويعملون بطاعته وطاعة رسله اي واذكر عبدنا ورسولنا لوطا ونبأه الفاضل حين قال لقومه داعيا الى الله وناصحا يأتون الفاحشة اي الفعلة الشنعاء التي تستفحشها العقول والفطر. وتستقبحها الشرائع وانتم تبصرون ذلك وتعلمون قبحه. فعاندتم وارتكبتم ذلك ظلما منكم وجرأة على الله. ثم فسر تلك فاحشة فقال اي كيف توصلتم الى هذه الحال؟ فصارت شهوتكم للرجال وادبارهم محل الغائط النجوي والخبث وتركتم ما خلق الله لكم من النساء من المحال الطيبة التي جبلت النفوس على الميل اليها. وانتم انقلب عليكم الامر فاستحسنتم القبيح واستقبحتم الحسن. متجاوزون لحدود متجرؤون على محارمه فما كان جواب قومه قبول ولا انزجار ولا انما كان جوابهم المعارضة والمناقضة والتوعد لنبيهم الناصح ورسولهم الامين بالاجلاء عن وطنه والتشريد عن بلده. فما كان جواب قومه الا ان قالوا اخرجوا ال لوط من قريتكم. فكأنه قيل ما نقمتم منه وما ذنبهم الذي اوجب لهم الاخراج؟ فقالوا انهم اناس يتطهرون. اي يتنزهون عن اللواط وادبار الذكور. فقبحهم الله جعلوا افضل الحسنات بمنزلة اقباح السيئات. ولم يكتفوا بمعصيتهم نبيا فيما وعظهم به حتى وصلوا الى اخراجه والبلاء موكل بالمنطق. فهم قالوا اخرجوهم من قريتكم انهم اناس يتطهرون. ومفهوم هذا الكلام وانتم متلوثون بالخبث والقذارة. المقتضي لنزول العقوبة بقريتكم نجاة من خرج منها ولهذا قال تعالى وذلك لما جاءته الملائكة في سورة اضياف وسمع بهم قومه فجاءوا اليه يريدونهم بالشر واغلق الباب دونهم واشتد الامر عليه ثم اخبرته الملائكة عن جلية الحال وانهم جاؤوا لاستنقاذه من بين اظهرهم وانهم دون اهلاكهم وان موعدهم الصبح وامروه ان يسري باهله ليلا الا امرأته فانه يصيبها ما اصابهم فخرج لاهله ليلا فنجوا وصبحهم العذاب فقلب الله عليهم ديارهم وجعل اعلاها اسفلها وامطر عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك. ولهذا قال هنا اي بئس المطر مطرهم وبئس العذاب عذابهم. لانهم انذروا فلم ينزجروا ولم يرتدعوا. فاحل الله بهم عقابه الشديد الله خير اي قل الحمد لله الذي يستحق كمال الحمد والمدح والثناء. لكمال اوصافه وجميل معروفه وهباته وعدله وحكمته في عقوبته المكذبين وتعذيب الظالمين. وسلم ايضا على عباده الذين تخيرهم واصطفاهم على العالمين. من الانبياء والمرسلين وصفوة الله من العالمين امين وذلك لرفع ذكرهم وتنويها بقدرهم وسلامتهم من الشر والادناس وسلامة ما قالوه في ربهم من النقائص والعيوب الله خير وهذا استفهام قد تقرب وعرف اي الله الرب العظيم كامل الاوصاف عظيم الالطاف خير ام الاصنام والاوثان التي عبدوها معه؟ وهي ناقصة من كل وجه لا تنفع ولا تضر. ولا تملك لانفسها ولا لعابديها. مثقال ذرة من الخير. فالله خير مما يشركون ثم ذكر تفاصيل ما به يعرف ويتبين انه الاله المعبود ان عبادته هي الحق وعبادة ما سواه هي الباطل قال قد بهجة. ما كان بل هم قوم اي ان من خلق السماوات وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والملائكة والارض وما فيها من جبال وبحار وانهار واشجار وغير ذلك. وانزل لكم اي لاجلكم من السماء ماء. فانبتنا به حدائق اي بساتين ذات بهجة اي حسن منظر من كثرة اشجارها وتنوعها وحسن ثمارها انبتوا شجرها اله مع الله ما كان لكم ان تنبتوا شجرها لولا منة الله عليكم بانزال المطر. اإله مع الله فعل هذه الافعال حتى يعبد معه ويشرك به يعدلون به غيرة. ويسوون به سواه. مع علمهم انه وحده خالق العالم العلوي والسفلي تنزل الارزاق وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ان الله بل اكثرهم لا يعلمون. اي هل الاصنام والاوثان الناقصة من كل وجه؟ التي لا فعل منها ولا رزق ولا نفع خير ام الله الذي جعل الارض قرارا يستقر عليها العباد ويتمكنون من السكنة والحرث والبناء والذهاب والاياب وجعل خلالها انهارا اي جعل في خلال الارض انهارا ينتفع بها العباد في زروعهم واشجارهم وشربهم وشرب مواشيهم وجعل لها رواسي اي جبالا ترسيها وتثبتها لئلا تميد. وتكون اوتادا لها لان لا تضطرب. وجعل بين البحر المالح والبحر العذب. حاجزا يمنع من اختلاطهما. فتفوت المنفعة المقصودة من كل منهما. بل جعل بينهما حاجزا من الارض جعل مجرى الانهار في الارض مبعدة عن البحار. فتحصل منها مقاصدها ومصالحها االه مع الله فعل ذلك؟ حتى يعدل به ويشرك به معه وهم لا يعلمون. فيشركون بالله تقليدا لرؤسائهم. والا فلو علموا حق العلم لم يشركوا به شيئا امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء ويكشف السوء الارض االه مع الله االه قليلا ما تذكرون. اي هل يجيب المضطر الذي اطلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه الا الله وحده. ومن يكشف السوء اي البلاء والشر والنقمة الا الله وحده. ومن يجعلكم خلفاء الارض يمكنكم منها ويمد لكم بالرزق ويوصل اليكم نعمه. وتكونون خلفاء من قبلكم كما انه سيميتكم ويأتي بقوم بعدكم االه مع الله يفعل هذه الافعال؟ لا احد يفعل مع الله شيئا من ذلك حتى باقراركم ايها المشركون. ولهذا كانوا اذا مسهم الضر دعوا الله مخلصين له الدين. لعلمهم انه المقتدر على دفعه وازالته. اي قليل تذكركم وتدبركم للامور التي اذا تذكرتموها اذ ذكرتم ورجعتم الى الهدى. ولكن الغفلة والاعراض شامل لكم. فلذلك ما رعويتم ولا فديتم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته االه مع الله؟ االه مع الله اي من هو الذي يهديكم حين تكونون في ظلمات البر والبحر حيث لا دليل ولا يرى ولا وسيلة الى النجاة الا هدايته لكم. وتيسيره الطريق وجعل ما جعل لكم من الاسباب التي تهتدون بها يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته اإله مع الله اي بين يدي المطر فيرسلها فتثير السحاب. ثم تؤلفه ثم تجمعه ثم تلقحه. ثم تدره فيستبشر بذلك العبادة قبل نزول المطر االه مع الله الله فعل ذلك ام هو وحده الذي انفرد به؟ فلم اشركتم معه غيره؟ وعبدتم سواه تعاظم وتنزه وتقدس عن شركهم وتسويتهم به غيرة والارظ. االه قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين اي من هو الذي يبدأ الخلق وينشئ المخلوقات ويبتدي خلقها. ثم يعيد الخلق يوم البعث والنشور. ومن يرزقكم من السماء والارض. ومن يرزقكم من السماء والارض بالمطر والنبات االه مع الله يفعل ذلك ويقدر عليه قل هاتوا برهانكم اي حجتكم ودليلكم على ما قلتم والا فبتقدير انكم تقولون ان الاصنام لها مشاركة له في شيء من ذلك فذلك مجرد دعوة صدقوها بالبرهان. والا فاعرفوا انكم مبطلون. لا حجة لكم. فارجعوا الى الادلة اليقينية والبراهين القطعية الدالة على ان الله هو المتفرد بجميع التصرفات. وانه المستحق ان تصرف له جميع انواع العبادات في السماوات والارض الغيب الا الله وما يشعرون ايام يخبر تعالى انه المنفرد بعلم غيب السماوات والارض. كقوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر. وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس. الا في كتاب مبين وكقوله ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام. فهذه الغيوب ونحوها اختص الله بعلمها فلم يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل. واذا كان هو المنفرد بعلم ذلك المحيط علمه بالسرائر. والبواطن والخفايا فهو الذي لا تنبغي العبادة الاله. ثم اخبر تعالى عن ضعف علم المكذبين بالاخرة. منتقلا من شيء الى ما هو ابلغ منه فقال وما يشعرون اي وما يدرون ايان يبعثون اي متى البعث والنشور والقيام من القبور؟ اي فلذلك لم يستعدوا. بل ادارك علمهم في الاخرة بل هم في شك منها بل هم في شك من هذا الهم منها عمود اي بل ضعف ولم يكن يقينا ولا علما واصلا الى القلب. وهذا اقل وادنى درجة العلم ضعفه ووهائه بل ليس عندهم علم قوي ولا ضعيف. بل هم في شك وانما هم في شك منها اي من الاخرة. والشك زال به العلم. لان العلم بجميع مراتب لا يجامع الشك بل هم منها اي من الاخرة عمون. قد عميت عنها بصائرهم ولم يكن في قلوبهم علم من وقوعها والاحتمال بل انكروها واستبعدوها. ولهذا قال اي هذا بعيد غير ممكن قاسوا قدرة كامل القدرة بقدرهم الضعيفة لقد وعدنا هذا اي البعث نحن واباؤنا من قبل. اي فلم يجئنا ولا رأينا منه شيئا اي قصصهم واخبارهم التي تقطع بها الاوقات وليس لها اصل ولا صدق فيها فانتقل في الاخبار عن احوال المكذبين بالاخبار انهم لا يدرون متى وقت الاخرة. ثم الاخبار بضعف علمهم فيها ثم الاخبار بانه شك ثم الاخبار بانهم عمي ثم الاخبار بانكارهم لذلك واستبعادهم وقوعه. اي وبسبب هذه الاحوال ترحل خوف الاخرة من قلوبهم فاقدموا على معاصي الله. سهل عليهم تكذيب الحق والتصديق بالباطل. واستحلوا الشهوات على القيام بالعبادات. فخسروا دنياهم وافراهم نبههم على صدق ما اخبرت به الرسل فقال فلا تجدون مجرما قد استمر على اجرامه الا وعاقبته شر عاقبة. وقد احل الله به من الشر والعقوبة ما يليق بحاله. اي لا تحزن يا محمد على هؤلاء المكذبين وعدم ايمانهم. فانك لو علمت ما فيهم من الشر وانهم لا يصلحون للخير. لم تأس ولم تحزن. ولا يضر صدرك ولا تقلق نفسك بمكرهم فان مكرهم ستعود عاقبته عليهم. ويمكرون ويمكر الله. والله خير الماكرين ويقول المكذبون بالميعاد وبالحق الذي جاء به الرسول مستعجلين للعذاب وهذا من سفاهة رأيهم وجهلهم فان وقوعه ووقته قد اجله الله باجله قدره بقدر فلا يدل عدم استعجاله على بعض مطلوبهم. ولكن مع هذا قال تعالى محذرا لهم وقوع ما استعجلوه قل عسى ان يكون ردف لكم اي قرب منكم واوشك ان يقع بكم بعض الذي تستعجلون من العذاب ان اكثرهم لا يشكرون. ينبه عباده على سعة جوده وكثرة افضاله. ويحثهم على شكرها ومع هذا فاكثر الناس قد اعرضوا عن الشكر. واشتغلوا بالنعم عن المنعم وان ربك ليعلم ما تكن. اي تنطوي عليه صدورهم وما يعلنون. فليحذروا من عالم السرائر طاهر وليراقبوه وما من غائبة في السماء والارض اي خفية وسر من اسرار العالم العلوي والسفلي قد احاط ذلك الكتاب بجميع ما كان ويكون الى ان تقوم الساعة. فكل حادث جلي او الا وهو مطابق لما كتب في اللوح المحفوظ وهذا خبر عن هيمنة القرآن على الكتب السابقة وتفصيله وتوضيحه ما كان فيها قد وقع فيه اشتباه واختلاف عند بني اسرائيل. فقصحوا هذا القرآن قصا زال به الاشكال. وبين الصواب من المسائل المختلفة فيها واذا كان بهذه المثابة من الجلالة والوضوح وازالة كل خلاف وفصل كل مشكل كان اعظم نعم الله على العباد ولكن ما كل احد يقابل النعمة بالشكر. ولهذا بين ان نفعه ونوره وهداه مختص بالمؤمنين. فقال وانه لهدى من الضلالة والغي والشبه ورحمة تثلج له صدورهم وتستقيم به امورهم الدينية والدنيوية. للمؤمنين به. المصدقين له. المتلقين له بالقبول المقبل على تدبره المتفكرين في معانيه. فهؤلاء تحصل لهم به الهداية الى الصراط المستقيم. والرحمة المتضمنة للسعادة والفوز والفلاح. اي ان الله الله تعالى سيفصل بين المختصمين وسيحكم بين المختلفين بحكمه العدل وقضائه القسط. فالامور وان حصل فيها اشتباه في الدنيا بين المختلفين لخفاء الدليل او لبعض المقاصد فانه سيبين فيها الحق المطابق للواقع حين يحكم الله فيها وهو العزيز الذي قهر الخلائق فاذعنوا له. العليم بجميع الاشياء. العليم باقوال المختلفين. وعن ماذا صدرت وعن غاياتها ومقاصدها؟ وسيجازي كلا بما علمه فيه اي اعتمد على ربك في جلب المصالح ودفع المضار وفي تبليغ رسالة واقامة الدين وجهاد الاعداء. الواضح والذي على الحق يدعو اليه ويقوم بنصرته احق من غيره بالتوكل فانه يسعى الى امر مجزوم به. معلوم صدقه لا شك فيه ولا مرية وايضا فهو حق في غاية البيان لا خفاء فيه ولا اشتباه. واذا قمت بما حملت وتوكلت على الله في ذلك فلا يضرك ضلال من ضل وليس عليك هداهم. فلهذا قال انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء. اي حين تدعوهم ناديهم وخصوصا فانه يكون ابلغ في عدم اسماعهم وما انت بهادي العمي عن ضلالتهم. كما قال تعالى انك لا تهدي من احببت. ولكن الله يهدي من يشاء اي هؤلاء الذين ينقادون لك هم الذين يؤمنون بايات الله وينقادون لها باعمالهم واستسلامهم. كما قال تعالى انما يستجيب الذين يسمعون. والموتى يبعثهم الله ثم اليه يرجعون اي اذا وقع على الناس القول الذي الله وفرض وقته اخرجنا لهم دابة خارجة من الارض او دابة من دواب الارض. ليست من السماء وهذه الدابة تكلمهم اي تكلم العباد ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون. اي لاجل ان الناس ضعف علمهم ويقينهم بايات الله نهار الله هذه الدابة من ايات الله العجيبة ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون. وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في اخر الزمان وتكون من اشراط الساعة كما تكاثرت بذلك الاحاديث. لم يذكر الله ورسوله كيفية هذه الدابة. وان كما ذكر اثرها والمقصود منها وانها من ايات الله. تكلم الناس كلاما خارقا للعادة. حين يقع القول على الناس وحين بايات الله فتكون حجة وبرهانا للمؤمنين. وحجة على المعاندين يخبر تعالى عن حالة المكذبين في القيامة وان الله يجمعهم ويحشر من كل امة من الامم فوجا وطائفة ممن يكذب باياتنا فهم يوزعون. يجمع اولهم على اخرهم واخرهم على اولهم ليعمهم السؤال والتوبيخ واللوم. حتى اذا قال اكذبتم باياتي ولم تحيطوا بها علما. اما اذا كنتم تعملون حتى اذا جاءوا وحضروا قال لهم موبخا ومقرعا اكذبتم باياتي ولم تحيطوا بها علما؟ اي الواجب يجب عليكم التوقف حتى ينكشف لكم الحق. والا تتكلموا الا بعلم. فكيف كذبتم بامر لم تحيطوا به علما اذا كنتم تعملون. اي يسألهم عن علمهم وعن عملهم. فيجد علمهم تكذيبا بالحق وعملهم لغير الله او على غير سنة رسولهم. ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ووقع القول عليهم بما ظلموا. اي حقت عليهم كلمة العذاب بسبب ظلمهم. الذي استمروا عليه وتوجهت عليهم الحجة لانه لا حجة لهم ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون اي الم يشاهدوا هذه الاية العظيمة والنعمة الجسيمة؟ وهو تسخير الله لهم الليل والنهار. هذا بظلمته ليسكنوا فيه من التعب ويستعدوا للعمل وهذا بضيائه. لينتشروا فيه في معاشهم وتصرفاتهم بكمال وحدانية الله وسبوغ نعمته الله يخوف الله عباده ما امامهم من يوم القيامة وما فيه من المحن والكروب ومزعجات القلوب. فقال ويوم ينفخ في الصور ففزع بسبب النفخ فيه. من في السماوات ومن في الارض اي انزعجوا وارتاعوا وماج بعضهم ببعض. خوفا مما هو مقدمة له. الا من شاء الله. ممن اكرمه الله وثبته وحفظه من الفزع. وكل من الخلق عند النفخ في الصور. اتوه ساخرين صاغرين ذليلين. كما قال تعالى ان كل من في السماوات والارض الا اتي الرحمن عبدا. ففي ذلك اليوم يتساوى الرؤساء والمرؤوسون في الذل والخضوع لمالك الملك. وترى الجبال تحسبها جامدة انه ومن هوله انك ترى الجبال تحسبها جامدة. لا تفقد شيئا منها. وتظنها بقية على الحال المعهودة. وهي قد بلغت منها الشدائد والاهوال كل مبلغ. وقد تفتت ثم تضمحل وتكون هباء منبثا ولهذا قال وهي تمر مر السحاب من خفتها وشدة ذلك الخوف لا شيء انه خبير بما تفعلون. فيجازيكم باعمالكم. ثم بين كيفية بجزائه فقال من جاء بالحسنة يعم جنس الحسنات قولية او فعلية او قلبية فله خير منها هذا اقل التفضيل اي من الامر الذي فزع الخلق لاجله امنون. وان كانوا معهم ومن جاء بالسيئة اسم جنس يشمل كل سيئة فكبت وجوههم في النار. اي القوا في النار على وجوههم قالوا لهم انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء. وامرت ان اكون من اي قل لهم يا محمد انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة. اي مكة المكرمة الذي حرمها انعم على اهلها فيجب ان يقابلوا ذلك بالشكر والقبول. وله كل شيء من العلويات والسفليات. اتى به لئلا يتوهم اختصاص ربوبيته بالبيت وحده. اي ابادر الى الاسلام وقد فعل صلى الله عليه وسلم فانه اول هذه الامة اسلاما واعظمها استسلاما وامرت ايضا ان اتلو عليكم القرآن لتهتدوا به وتقتدوا وتعلموا الفاظه ومعانيه فهذا الذي علي وقد اديته. نفعه يعود عليها وثمرته عائدة اليه. وليس بيدي من الهداية شيء. وقل الحمد لله سيريكم اياته فتعرفونها. وما وقل الحمد لله الذي له الحمد في الاولى والاخرة ومن جميع الخلق خصوصا اهل الاختصاص والصفوة من عباده. فان الذي ينبغي ان يقع منهم من الحمد والثناء على ربهم اعظم مما من غيرهم لرفعة درجاتهم وكمال قربهم منه وكثرة خيراته عليهم معرفة تدل على الحق والباطل. فلا بد ان يريكم من اياته ما تستنيرون به في الظلمات. ليهلك من هلك عن ويحيى من حي عن بينة بل قد علم ما انتم عليه من الاعمال والاحوال. وعلم مقدار جزاء تلك الاعمال. وسيحكم بينكم حكما تحمدونه عليه. ولا يكون ولكم حجة بوجه من الوجوه عليه