هو الرزاق. ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين ان الله هو الرزاق. اي كثير الرزق الذي ما من دابة في الارض ولا في السماء الا على الله رزقها. ويعلم مستقرها الموافقة لاهويتهم. والحال انه لا موجب لهم يقتضي اتباعهم الظن. من فقد العلم والهدى. ولهذا قال تعالى ولقد جاءهم من ربهم الهدى. اي الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة وجميع المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. قال لهم ابراهيم عليه السلام قال فما خطبكم ايها المرسلون؟ اي ما شأنك وما تريدون لانه استشعر انهم رسل ارسلهم الله لبعض الشؤون المهمة وهم قوم لوط قد اجرموا اشركوا بالله وكذبوا رسولهم واتوا الفاحشة الشنعة التي ما سبقهم اليها احد من العالمين عند ربك للمسرفين. اي معلمة على كل حجر منها سمة صاحبه. لانهم اسرفوا وتجاوزوا ذو الحج وجعل إبراهيم يجادلهم في قوم لوط لعل الله يدفع عنهم العذاب فقال الله يا إبراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء امر ربك وانهم اتيهم عذاب غير مردود فما وجدنا فيها غير بيت من وهم بيت لوط عليه السلام الا امرأته فانها من المهلكين. وتركنا فيها اية للذين يخافون العذاب الاليم. يعتبرون بها ويعلمون ان الله شديد العقاب. وان رسله صادقون المصدوقون فصل في بعض ما تضمنته هذه القصة من الحكم والاحكام. منها ان من الحكمة قص الله على عباده نبأ الاخيار والفجار يعتبروا بحالهم واين وصلت بهم الاحوال. ومنها فضل ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. حيث ابتدأ الله قصته بما يدل على الاهتمام بشأنها والاعتناء بها. ومنها مشروعية الضيافة وانها من سنن ابراهيم الخليل الذي امر الله هذا النبي وامته ان يتبعوا ملته. وساقها الله في هذا الموضع على وجه المدح له والثناء. ومنها ان الضيف يكرم بانواعه الاكرام بالقول والفعل لان الله وصف الضيافة ابراهيم بانهم مكرمون اي اكرمهم ابراهيم ووصف الله ما صنع بهم من كافة قولا وفعلا ومكرمون ايضا عند الله تعالى. ومنها ان ابراهيم عليه السلام قد كان بيته مأوى للطارقين والاضياف لانهم دخلوا عليه من غير استئذان. وانما سلكوا طريق الادب في الابتداء بالسلام. فرد عليهم ابراهيم سلاما اكمل من سلامهم واتم لانه اتى به جملة اسمية دالة على الثبوت والاستقرار. ومنها مشروعية تعرف من جاء الى الانسان او صار له فيه نوع قال لان في ذلك فوائد كثيرة. ومنها ادب ابراهيم ولطفه في الكلام. حيث قال قوم منكرون. ولم يقل ان وبين اللفظين من الفرق ما لا يخفى. ومنها المبادرة الى الضيافة والاسراع بها. لان خير البر عاجله. ولهذا بادر ابراهيم باحضار قراء اضيافه. ومنها ان الذبيحة الحاضرة التي قد اعدت لغير الضيف الحاضر اذا جعلت له ليس فيها اقل كان بذلك من الاكرام كما فعل ابراهيم عليه السلام. واخبر الله ان ضيفه مكرمون. ومنها ما من الله به على خليله ابراهيم من الكرم الكثير وكون ذلك حاضرا عنده وفي بيته معدا لا يحتاج الى ان يأتي به من السوق او الجيران ولا غير ذلك ذلك ومنها ان ابراهيم هو الذي خدم اضيافه وهو خليل الرحمن وكبير من ضيف الضيفان. ومنها انه اقربه اليهم في المكان الذي هم فيه ولم يجعله في موضع ويقول لهم تفضلوا او ائتوا اليه لان هذا ايسر عليهم واحسن انها حسن ملاطفة الضيف في الكلام اللين خصوصا عند تقديم الطعام اليه. فان ابراهيم عرض عليهم عرضا لطيفا وقال الا تأكلون ولم يقل كلوا ونحوه من الالفاظ التي غيرها اولى منها. بل اتى باداة العرض. فقال الا تأكلون؟ فينبغي للمقتدي به ان استعمل من الالفاظ الحسنة ما هو المناسب واللائق بالحال؟ كقوله لاضيافه الا تأكلون او الا تتفضلون علينا؟ وتشرفون انا وتحسنون الينا ونحوه. ومنها ان من خاف من الانسان لسبب من الاسباب فان عليه ان يزيل عنه الخوف. ويذكر له ما يؤمن روعة ويسكن جأشه. كما قالت الملائكة لابراهيم لما خافهم لا تخف. واخبروه بتلك البشارة السارة بعد الخوف منه ومنها شدة فرح سارة امرأة ابراهيم حتى جرى منها ما جرى. من صك وجهها وسرتها غير المعهودة. ومنها ما اكرم الله به ابراهيم وزوجته سارة من البشارة بغلام عليم. وقوله تعالى وفي موسى وما ارسله الله به الى فرعون وملائه بالايات البينات معجزات الظاهرات اية للذين يخافون العذاب الاليم. فلما اتى موسى بذلك السلطان المبين. تتولى بركنه وقال فتولى فرعون بركنه اي اعرض بجانبه عن الحق ولم يلتفت اليه وقدح فيه اعظم القدح فقالوا اي ان موسى لا يخلو اما ان يكون ساحرا وما اتى به شعبذة ليس من الحق في شيء اي واما ان يكون مجنونا لا يؤاخذ بما صدر منه لعدم عقله. هذا وقد علموا خصوصا فرعون ان موسى صادق كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. وقال موسى لفرعون لقد علمت ما انزل هؤلاء الا رب السماوات والارض البصائر اي مذنب طاغ عات على الله فاخذه الله اخذ عزيز مقتدر اي وفي عهد القبيلة المعروفة اية عظيمة اي التي لا خير فيها حين كذبوا نبيهم هودا عليه السلام اي كالرمم البالية. فالذي اهلكهم على قوتهم وبطشهم دليل على كمال قوته واقتداره. الذي لا يعجزه شيء. المنتقم ممن عصاه. وفي ثمود اذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ارسل الله اليهم صالحا عليه السلام فكذبوه وعادوا وبعث الله له الناقة اية مبصرة فلم يزدهم ذلك الا عتوا ونفورا فاخذتهم الصاعقة اي العظيمة المهلكة وهم ينظرون الى عقوبتهم باعينهم فما استطاعوا من قيام ينجون به من العذاب وما كانوا منتصرين لانفسهم اي وكذلك ما فعل الله بقوم نوح حين كذبوا نوحا عليه السلام وفسقوا عن امر الله فارسل الله عليهم السماء والارض بالماء المنهمر. فاغرقهم الله تعالى عن اخرهم. ولم يبق من الكافرين ديارا هذه عادة الله وسنته فيمن عصاه انا لموسعون. يقول تعالى مبينا لقدرته العظيمة. والسماء بنيناها اي خلقناها واتقناها وجعلناها سقفا للارض وما عليها بايد اي قوة وقدرة عظيمة وانا لموسعون لارجائها وانحائها انا لموسعون ايضا على عبادنا بالرزق الذي ما ترك الله دابة في مهامه القفار. ولجج البحار واقطار العالم العلوي والسفلي. الا او اوصل اليها من الرزق ما يكفيها وساق اليها من الاحسان ما يغنيها. فسبحان من عم بجوده جميع المخلوقات. وتبارك الذي وسعت رحمته جميع البريات. والارض فرشناها فنعم الماهلون. والارض فرشناها اي جعلناها فراش عاش للخلق يتمكنون فيها من كل ما تتعلق به مصالحهم من مساكن وغراس وزرع وحرث وجلوس وسلوك للطرق الموصلة الى مقاصدهم ومآربهم. ولما كان الفراش قد يكون صالحا للانتفاع من كل وجه. وقد يكون من وجه دون وجه. اخبر تعالى انه مهدها ما احسن مهاد على اكمل الوجوه واحسنها واثنى على نفسه بذلك فقال. الذي ما هدى لعباده ما اقتضته حكمته ورحمته واحسانه. ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون صن اي صنفين ذكر وانثى من كل نوع من انواع الحيوانات. لعلكم تذكرون لنعم الله التي انعم بها عليكم في تقدير ذلك وحكمته حيث جعل ما هو السبب لبقاء نوع الحيوانات كلها. لتقوموا بتنميتها وخدمتها وتربيتها. فيحصل من ذلك ما يحصل من المنافع فلما دعا العباد الى النظر لاياته الموجبة لخشيته والانابة اليه امر بما هو المقصود من ذلك وهو الفرار اليه. اي الفرار مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا. الى ما يحبه قاهرا وباطنا. فرار من الجهل الى العلم. ومن الكفر الى الايمان. ومن المعصية الى الطاعة. ومن الغفلة الى ذكر الله. فمن استكمل هذه الامور فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب وحصل له نهاية المراد والمطلوب. وسمى الله الرجوع اليه فرارا. لان في الرجوع لغيره انواع المخاوف والمكاره. وفي الرجوع اليه انواع المحاب والامن والسرور والسعادة والفوز. فيفر العبد من قضائه وقدره الى قضائه وقدره. وكل من خفت منه فررت منه الا الله تعالى. فانه بحسب الخوف منه يكون الفرار اليه اي منذر لكم من عذاب الله ومخوف بين النذارة ولا تجعلوا مع الله الها اخر. هذا من الى الله بل هذا اصل الفرار اليه. ان يفر العبد من اتخاذ الهة غير الله من الاوثان والانداد والقبور وغيرها. مما عبد من دون الله ويخلص العبد لربه العبادة والخوف والرجاء والدعاء والانابة. كذلك ما اتى الذين من قبلهم الا قالوا ساحر او مجنون يقول الله مصليا لرسوله صلى الله عليه وسلم عن تكذيب بالمشركين بالله المكذبين له القائلين فيه من الاقوال الشنيعة ما هو منزه عنه. وان هذه الاقوال ما زالت دأبا للمجرمين المكذبين للرسل. فما ارسل الله من رسول الا رماه قومه بالسحر او الجنون. يقول الله تعالى هذه الاقوال صدرت منهم الاولين والاخرين هل هي اقوال تواصوا بها ولقن بعضهم بعضا بها؟ فلا يستغرب بسبب ذلك اتفاقهم عليه اليها بل هم قوم طاغون. تشابهت قلوبهم واعمالهم بالكفر والطغيان. فتشابهت اقوالهم الناشئة عن طغيانهم وهذا هو الواقع. كما قال تعالى وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله او تأتينا اية كذلك فقال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم وكذلك المؤمنون لما تشابهت قلوبهم بالاذعان للحق وطلبه والسعي في بادروا الى الايمان برسلهم وتعظيمهم وتوقيرهم وخطابهم بالخطاب اللائق بهم يقول تعالى امنوا رسوله بالاعراض عن المعرضين المكذبين. فتولى عنهم اي لا تبالي بهم ولا تؤاخذهم اقبل على شأنك فليس عليك لوم في ذنبهم. وانما عليك البلاغ. وقد اديت ما حملت. وبلغت ما ارسلت به. وذكر فان والتذكير نوعان تذكير بما لا يعرف تفصيله مما عرف مجمله بالفطر والعقول. فان الله فطر العقول على محبة الخير وايثاره. وكراهة الشر والزهد فيه. وشرعه موافق لذلك فكل ما امر به ونهي من الشرع فانه من التذكير. وتمام التذكير ان يذكر ما في المأمور به من الخير والحسن والمصالح. وما في ينهي عنه من المضار والنوع الثاني من التذكير تذكير بما هو معلوم للمؤمنين. ولكن انسحبت عليه الغفلة والذهول. فيذكرون لذلك ويكرر عليهم ليرسخ في اذهانهم. وينتبهوا ويعملوا بما تذكروه من ذلك. وليحدث لهم نشاطا وهمة توجب لهم والارتفاع واخبر الله ان الذكرى تنفع المؤمنين. لان ما معهم من الايمان والخشية والانابة واتباع رضوان الله. يوجب لهم ان تنفع الذكرى وتقع منهم الموعظة موقعها. كما قال تعالى فذكر ان نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الاشقاء واما من ليس معه ايمان ولا استعداد لقبول التذكير فهذا لا ينفع تذكيره بمنزلة الارض السبخة التي لا يفيدها المطر شيئا وهؤلاء الصنف لو جاءتهم كل اية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم الا ليعبدون. هذه الغاية التي خلق الله الجن والانس لها. وبعث جميع الرسل يدعون اليها. وهي عبادته المتضمنة لمعرفته ومحبته والانابة اليه والاقبال عليه والاعراض عمن سواه. وذلك يتضمن معرفته تعالى. فان تمام العبادة متوقف على المعرفة بالله بل كلما ازداد العبد معرفة لربه كانت عبادته اكمل. فهذا الذي خلق الله المكلفين لاجله فما خلقهم لحاجة منه اليهم. ما اريد منهم من رزق وما اريد ان فما يريد منهم من رزق وما يريد ان يطعموه. تعالى الله الغني المغني عن الحاجة الى احد بوجه من الوجوه انما جميع الخلق فقراء اليه في جميع حوائجهم ومطالبهم الضرورية وغيرها. ولهذا قال ومستودعها. ذو القوة المتين. اي الذي له القوة والقدرة كلها. الذي اوجد بها الاجرام العظيمة والعلوية وبها تصرف في الظواهر والبواطن. ونفذت مشيئته في جميع البريات. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا يعجزه هارب ولا يخرج عن سلطانه احد. ومن قوته انه اوصل رزقه الى جميع العالم. ومن قدرته وقوته انه يبعث الاموات بعد ما مزقهم البلى وعصفت بترابهم الرياح وابتلعتهم الطيور والسباع وتفرقوا وتمزقوا في مهامه ولجج البحار فلا يفوته منهم احد. ويعلم ما تنقص الارض منهم. فسبحانه القوي المتين حين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب اصحابهم فلا يستعجلون. اي وان للذين ظلموا وكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم من العذاب والنكال. ذنوبا اي نصيبا وقسطا مثلما فعل باصحابهم من اهل الظلم والتكذيب فلا يستعجلون بالعذاب. فان سنة الله في الامم واحدة. وكل مكذب يدوم على تكذيبه من غير توبة وانابة. فانه لا بد ان يقع على العذاب ولو تأخر عنه مدة. ولهذا توعدهم الله بيوم القيامة. فقال فويل للذين كفروا منهم يومهم الذي يوعدون وهو يوم القيامة الذي قد وعدوا فيه بانواع العذاب والنكال والسلاسل والاغلال. فلا مغيث لهم ولا منقذ من عذاب الله تعالى. نعوذ بالله منه. بسم الله الرحمن الرحيم. والطور وكتاب مستور. في رق من والسقف المرفوع والبحر المسجور يقسم تعالى بهذه الامور العظيمة المشتملة على الحكم الجليلة على البعث والجزاء للمتقين والمكبرين فاقسم بالطور الذي هو الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام. واوحى اليهما اوحى من الاحكام وفي ذلك من المنة عليه وعلى امته ما هو من ايات الله العظيمة ونعمه التي لا يقدر العباد لها على عد ولا ثمن يحتمل ان المراد به اللوح المحفوظ الذي كتب الله به كل شيء ويحتمل ان المراد به القرآن الكريم الذي هو افضل كتاب انزله الله محتويا على نبأ الاولين والاخرين. وعلوم السابقين واللاحقين. وقوله في رق اي ورق اي مكتوب مسطر ظاهر غير خفي. لا تخفى حاله على كل عاقل بصير وهو البيت الذي فوق السماء السابعة المعمور مدى الاوقات بالملائكة الكرام الذي يدخله كل يوم ومن سبعون الف ملك ويتعبدون فيه لربهم ثم لا يعودون اليه الى يوم القيامة. وقيل ان البيت المعمور هو بيت الله الحرام المعمور بالطائفين والمصلين والذاكرين كل وقت. وبالوفود اليه بالحج والعمرة. كما اقسم الله به في قوله وهذا البلد الامين وحقيق ببيت افضل بيوت الارض الذي قصده بالحج والعمرة احد اركان الاسلام ومبانيه العظام التي لا يتم بها وهو الذي بناه ابراهيم واسماعيل. وجعله الله مثابة للناس وامنا. ان يقسم الله به. ويبين من عظمته ما هو به وبحرمته. والسقف المرفوع. اي السماء التي جعلها الله سقفا للمخلوقات. وبناء للارض تستمد منها انوارها ويقتدى بعلاماتها ومنارها. وينزل الله منها المطر والرحمة وانواع الرزق اي المملوء ماء قد سجره الله ومنعه من ان يفيض على وجه الارض. مع ان مقتضى الطبيعة ان يغمر وجه الارض ولكن حكمته اقتضت ان يمنعه عن الجريان والفيضان. ليعيش من على وجه الارض من انواع الحيوان. وقيل ان المراد بالمسجور الموقد الذي يوقد نارا يوم القيامة. فيصير نارا تلظى ممتلئا على عظمته وسعته من اصناف العذاب. هذه الاشياء التي اقسم الله بها مما يدل على انها من ايات الله وادلة توحيده. وبراهين قدرته وبعثه الاموات. ولهذا قال ان عذاب ربك لواقع. اي لابد ان يقع ولا يخلف الله وعده وقيله ما له من دافع يدفعه ولا مانع يمنعه. لان قدرة الله تعالى لا يغالبها مغالب. ولا يفوتها هارب ثم ذكر وصف ذلك اليوم الذي يقع فيه العذاب فقال اي تدور السماء وتضطرب وتدوم حركتها بانزعاج وعدم سكون. وتسير الجبال سيرا. اي تزول عن اماكنها وتسير سير السحاب وتتلون كالعهن المنفوش. وتبث بعد ذلك حتى تصير مثل الهباء. وذلك كله لعظم هول يوم القيامة وفظاعة ما فيه من الامور المزعجة والزلازل المقلقة التي ازعجت هذه الاجرام العظيمة. فكيف بالادمي الضعيف فويل يومئذ للمكذبين والويل كلمة جامعة لكل عقوبة وحزن وعد عذاب وخوف ثم ذكر وصف المكذبين الذين استحقوا به الويل فقال الذين هم في خوض يلعبون. اي خوض في الباطل ولعب به. فعلومهم وبحوثهم بالعلوم الضارة المتضمنة بالحق والتصديق بالباطل واعمالهم اعمال اهل الجهل والسفه واللعب. بخلاف ما عليه اهل التصديق والايمان من العلوم النافعة والاعمال الصالحة. يوم يدعون الى نار جهنم دعا يوم يدفعون اليها دفعا. ويساقون اليها سوقا عنيفا. ويجرون على وجوههم. ويقال لهم توبيخا ولو ما فاليوم ذوقوا عذاب الخلد الذي لا يبلغ قدره ولا يوصف امره افسحر هذا ام انتم لا يحتمل ان الاشارة الى النار والعذاب كما يدل عليه سياق الاية اي لما رأوا النار والعذاب قيل لهم من باب التقريع اهذا سحر لا حقيقة له؟ فقد رأيتموه؟ ام انتم في الدنيا لا تبصرون؟ اي بصيرة لكم ولا علم عندكم. بل كنتم جاهلين بهذا الامر. لم تقم عليكم الحجة. والجواب انتفاء الامرين. اما كونه سحرا فقد ظهر لهم انه احق الحق واصدق الصدق. المخالف للسحر من جميع الوجوه. واما كونهم لا يبصرون فان الامر بخلاف ذلك. بل حجة الله قد قامت عليهم ودعتهم الرسل الى الايمان بذلك. واقامت من الادلة والبراهين على ذلك. ما يجعله من اعظم الامور المبرهنة الواضحة الجلية ويحتمل ان الاشارة بقوله افسحر هذا ام انتم لا تبصرون؟ الى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق المبين والصراط المستقيم. اي هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر ام عدم بصيرة بكم؟ حتى اشتبه عليكم الامر حقيقة الامر انه اوضح من كل شيء واحق الحق. وان حجة الله قامت عليهم ماء الحميم الذي يغلي في البطون شرب الابل الهيم اي العطاش التي قد اشتد عطشها او ان الهيم داء يصيب الابن لا تروى معه من شراب الماء. هذا الطعام والشراب نزول سواء عليكم انما تجزون ما كنتم تعملون. اصلوها اي ادخلوا النار على وجه تحيط بكم وتستوعب جميع ابدانكم وتطلعوا على افئدتكم. فاصبروا او لا تصبروا سواء عليكم اي لا يفيدكم الصبر على النار شيئا ولا يتأسى بعضكم ببعض ولا يخفف عنكم العذاب وليست من الامور التي اذا صبر العبد عليها هانت مشقة وزالت شدتها. وانما فعل بهم ذلك بسبب اعمالهم الخبيثة وكسبهم. ولهذا قال انما تجزون ما كنتم تعملون لما ذكرت على عقوبة المكذبين ترى نعيم المتقين ليجمع بين الترغيب والترهيب. فتكون القلوب بين الخوف والرجاء. فقال ان المتقين لربهم الذين اتقوا سخطهم هو عذابه بفعل اسبابه من امتثال الاوامر واجتناب النواهي. في جنات اي بساتين قد اكتست رياضها من الاشجار الملتفة والانهار متدفقة والقصور المحدقة والمنازل المزخرفة ونعيم وهذا شامل لنعيم القلب والروح والبدن ما اتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم فاكهين بما اتاهم ربهم اي معجبين متمتعين على وجه الفرح والسرور بما اعطاهم الله من النعيم الذي لا يمكن وصفه. ولا تعلم نفس ما اخفي له من قرة اعين فرزقهم المحبوب ونجاهم من المرهوب لما فعلوا ما احبه الله جانبوا ما يسخطه ويأباه كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون كلوا واشربوا اي مما تشتهيه انفسكم من اصناف المآكل والمشارب اللذيذة. هنيئا اي متهنئين بتلك المآكل والمشاكل على وجه الفرح والسرور والبهجة والحضور. بما كنتم تعملون اي نلتم ما نلتم بسبب اعمالكم الحسنة واقوالكم المستحسنة متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين متكئين على سرر مصفوفة. الاتكاء هو الجلوس على وجه التمكن والراحة والاستقرار. والسرور هي الارائك المزينة مع الزينة من اللباس الفاخر والفرش الزاهية. ووصف الله السرر بانها مصفوفة. ليدل ذلك على كثرتها وحسن تنظيمها واجتماع اهلها وسرورهم بحسن معاشرتهم ولطف كلام بعضهم لبعض. فلما اجتمع لهم من نعيم القلب والروح والبدن ما لا يخطر بالبال. ولا يدور في الخيال من المآكل والمشارب اللذيذة والمجالس الحسنة الانيقة لم يبقى الا التمتع بالنساء اللاتي لا يتم سرور بدونهن فذكر الله ان له من الازواج اكمل النساء اوصافا وخلقا واخلاقا. ولهذا قال وهن النساء اللواتي قد جمعن من جمال الصورة الظاهرة وبهائها. ومن الاخلاق الفاضلة ما يوجب ان يحيرن الناظرين ويسلبن عقول العالمين. وتكاد الافئدة ان تطيش شوقا اليهن. ورغبة في وصالهن والعين حسان الاعين مليحاتها التي صفا بياضها وسوادها. والذين امنوا واتبعتهم ذليتهم بايمان الحقنا بهم ذليتهم وما كل امرئ بما كسب رهين. وهذا من تمام نعيم يا اهل الجنة ان الحق الله بهم ذريتهم الذين اتبعوهم بايمان. اي الذين لحقوهم بالايمان الصادر من ابائهم. فصارت الذرية تبعا لهم بالايمان ومن باب اولى اذا تبعتهم ذريتهم بايمانهم الصادر منهم انفسهم. فهؤلاء المذكورون يلحقهم الله بمنازل ابائهم في الجنة وان لم يبلغوها جزاء لابائهم وزيادة في ثوابهم. ومع ذلك لا ينقص الله الاباء من اعمالهم شيئا ولما كان ربما توهم متوهم ان اهل النار كذلك يلحق الله بهم ابناءهم وذريتهم. اخبر انه ليس حكم الدارين حكما واحدا فان النار دار العدل. ومن عدله تعالى الا يعذب احدا الا بذنب. ولهذا قال اي مرتهن بعمله. فلا تزر وازرة وزر اخرى. ولا يحمل على احد ذنب احد. هذا اعتراض من فوائده الوهم المذكور وقوله اشتهوا وامددناهم اي امددنا اهل الجنة من فضلنا الواسع ورزقنا العميم بفاكهة من العنب والرمان واصناف الفواكه اللذيذة الزائدة على ما به يتقوتون ولحم مما يشتهون من كل ما طلبوه واشتهته انفسهم من لحم كالطير وغيرها يتنازعون فيها كأسا لا تأثير يتنازعون فيها كأسا اي تدور كاسات الرحيق والخمر عليهم ويتعاطونها فيما بينهم وتطوف عليهم الولدان المخلدون ابواب واباريق وكأس اي ليس في الجنة كلام لغو وهو الى فائدة فيه ولا تأثيم. وهو الذي فيه اثم ومعصية. واذا انتفى الامران ثبت الامر الثالث. وهو ان كلامهم فيها سلام طيب طاهر مصر للنفوس مفرح للقلوب. يتعاشرون احسن عشرة ويتنادمون اطيب المنادمة. ولا يسمعون من ربهم الا ما يقر اعينهم ويدل على رضاه عنهم ومحبته لهم. ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ ويطوف عليهم غلمان لهم اي خدم شباب مكنون من حسنهم وبهائهم يدورون عليهم بالخدمة وقضاء ما يحتاجون اليه. وهذا يدل على كثرة نعيمهم وكمال راحتهم عن امور الدنيا واحوالها قالوا في ذكر بيان الذي اوصلهم الى ما هم فيه من الحبرة والسرور. انا كنا قبل اي في دار الدنيا في اهلنا مشفقين. اي وجلين فتركنا من خوفه الذنوب واصلحنا لذلك العيوب فمن الله علينا بالهداية والتوفيق. ووقانا عذاب السموم. اي العذاب الحار الشديد حره انا كنا من قبل ندعوه ان يقينا عذاب السموم ويوصلنا الى النعيم. وهذا شامل دعاء العبادة ودعاء المسألة. اي لم نزل نتقرب اليه بانواع القربات. وندعوه في سائر الاوقات فمن بره بنا ورحمته ايانا انالنا رضاه والجنة ووقانا سخطه والنار يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ان يذكر الناس مسلمهم وكافرهم لتقوم حجة الله على الظالمين ويهتدي بتذكيره الموفقون وانه لا يبالي بقول المشركين مكذبين واذيتهم واقوالهم التي يصدون بها الناس عن اتباعه. مع علمهم انه ابعد الناس عنها. ولهذا نفى عنه كل نقص فقال فما انت بنعمة ربك اي منه ولطفه بكاه اي له رأي من الجن يأتيه باخبار بعض الغيوب التي يضم اليها مئة كبة ولا مجنون فاقد للعقل. بل انت اكمل الناس عقلا وابعدهم عن الشياطين واعظمهم صدقا واجلهم واكملهم. وتارة يقولون فيه انه وشاعر يقول الشعر والذي جاء به شعر والله يقول وما علمناه الشعر وما ينبغي له نتربص به ريب المنون اين به الموت فسيبطل امره ونستريح منه قل لهم جوابا لهذا الكلام السخيف. تربصوا اي انتظروا بي الموت فاني معكم من المتربصين. نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب كتاب من عنده او بايدينا اي اهذا التكذيب لك والاقوال التي قالوها؟ هل صدرت عن عقولهم واحلامهم؟ فبئس العقول والاحلام التي اثرت ما اثرت وصدر منها ما صدر. فان عقولا جعلت اكمل الخلق عقلا مجنونا. واصدق الصدق واحق الحق كذبا وباطلا هي العقول التي ينزه المجانين عنها؟ ام الذي حملهم على ذلك ظلمهم وطغيانهم؟ وهو الواقع؟ فالطغيان ليس له حد يقف عليه فلا يستغرب من الطاغي المتجاوز الحد كل قول وفعل صدر منه ام يقولون تقولا اي تقول محمد القرآن وقاله من تلقاء نفسه. فلو امنوا لم يقولوا ما قالوا. ان كانوا انه تقول فانكم العرب الفصحاء والفحول البلغاء. وقد تحداكم ان تأتوا بمثله. فتصدق معارضتكم او تقروا بصدق وانكم لو اجتمعتم انتم والانس والجن لم تقدروا على معارضته والاتيان بمثله. فحينئذ انتم بين امرين اما مؤمنون مهتدون بهديه واما معاندون متبعون لما علمتم من الباطل وهذا استدلال عليهم بامر لا يمكنهم فيه الا التسليم للحق. او الخروج عن موجب العقل والدين. وبيان ذلك انهم منكرون لتوحيد الله مكذبون لرسوله. وذلك مستلزم لانكار ان الله خلقهم. وقد تقرر في العقل مع الشرع ان الامور لا تخلو من احد ثلاثة امور. اما انهم خلقوا من غير شيء اي لا خالق خلقهم. بل وجدوا من غير ايجاد ولا موجد. وهذا عين المحال ام هم الخالقون لانفسهم؟ وهذا ايضا محال فانه لا يتصور ان يوجدوا انفسهم فاذا بطل هذان الامران وبان استحالتهما تعين القسم الثالث ان الله الذي خلقهم. واذا تعين ذلك علم ان الله تعالى هو نعبد وحده الذي لا تنبغي العبادة ولا تصلح الا له تعالى. وقوله ام خلقوا السماوات والارض وهذا استفهام يدل على تقرير النفي. اي ما خلقوا السماوات والارض فيكونون شركاء لله. وهذا امر واضح جدا. ولكن المكذبين لا يوقنون. اليس عندهم علم تام ويقين يوجب لهم الانتفاع بالادلة الشرعية والعقلية. اي اعندها هؤلاء المكذبين خزائن رحمة ربك. فيعطون من يشاؤون ويمنعون من يريدون. اي فلذلك حجروا على الله ان يعطي النبوة عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وكأنهم الوكلاء المفوضون على خزائن رحمة الله وهم احقر واذل من ذلك. فليس في ايديهم لانفسهم نفع ولا ضر ولا موت ولا حياة ولا نشور. اهم يقسمون رحمة ربك؟ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا هم المسيطرون. اي المتسلطون على خلق الله وملكه بالقهر والغلبة. ليس الامر كذلك بل هم العاجزون الفقراء ام لهم سلم يستمعون فيه. فليأت مستمعهم بسلطان مبين ام لهم سلم يستمعون فيه؟ اي الهم اطلاع على الغيب واستماع له بين الملأ الاعلى. فيخبرون عن امور لا يعلمها غيرهم فليأت مستمعهم بسلطان مبين. فليأتي مستمعهم المدعي لذلك بسلطان مبين وانى له ذلك؟ والله تعالى عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه احدا الا من ارتضى من رسول يخبره بما اراد فمن علمك واذا كان محمد صلى الله عليه وسلم افضل الرسل واعلمهم وامامهم وهو المخبر بما اخبر به من توحيد الله ووعده ووعيده وغير ذلك من اخباره الصادقة. والمكذبون هم اهل الجهل والضلال والغي والعناد. فاي المخبرين احق بقبول خبره خصوصا والرسول صلى الله عليه وسلم قد اقام من الادلة والبراهين على ما اخبر به ما يوجب ان يكون خبره عين اليقين واكمل الصدق وهم لم يقيموا على ما ادعوه شبهة فضلا عن اقامة حجة. وقوله ام له البنات كما زعمتم ولكم البنون فتجمعون بين المحذورين. جعلكم له الولد واختياركم له انقص الصنفين فهل بعد هذا التنقص لرب العالمين غاية او دونه نهاية ام تسألهم يا ايها الرسول اجرا على تبليغ الرسالة؟ فهم من مغرم مثقلون. ليس الامر كذلك بل انت حرصوا على تعليمهم تبرعا من غير شيء. بل تبذل لهم الاموال الجزيلة على قبول رسالتك والاستجابة لامرك ودعوتك. وتعطي المؤلفة فقلوبهم ليتمكن العلم والايمان من قلوبهم. فهم يكتبون كانوا يعلمونه من الغيوب فيكونون قد اطلعوا على ما لم يطلع عليه رسول الله. فعارضوه وعاندوه بما عندهم من علم الغيب. وقد علم انهم الامة الامية الجهالون الضالون ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي عنده من العلم اعظم من غيره وانبأه الله من علم على ما لم يطلع عليه احدا من الخلق. وهذا كله الزام لهم بالطرق العقلية والنقلية على فساد قولهم. وتصوير بطلانه باحسن الطرق واوضحها واسلمها من الاعتراض. وقوله ام يريدون بقدحهم فيك وفيما جئتهم به؟ كيدا يبطلون به دينك ويفسدون به امرك اي كيدهم في نحورهم. ومضرته عائدة اليهم. وقد فعل الله ذلك ولله الحمد. فلم الكفار من مقدورهم من المكر شيئا الا فعلوه. فنصر الله نبيه ودينه عليهم. وخذلهم وانتصر منهم كن غير الله سبحان الله عما يشركون. ام لهم اله غير الله اي الهم اله يدعى ويرجى نفعه ويخاف من ضره غير الله تعالى فليس له شريك في الملك ولا شريك في الوحدانية والعبادة. وهذا هو المقصود من الكلام الذي سيق لاجله. وهو بطلان عبادة ما سوى الله وبيان فسادها بتلك الادلة القاطعة. وان ما عليه المشركون هو الباطل. وان الذي ينبغي ان يعبد ويصلى له ويسجد. ويخلص له دعاء العبادة ودعاء المسألة هو الله المألوه المعبود. كامل الاسماء والصفات كثير النعوت الحسنة والافعال الجميلة. ذو الجلال والاكرام والعز الذي لا يرام. الواحد الاحد الفرد الصمد الكبير الحميد المجيد. وان يروا كسفا من نخل منقع اي كان جثثهم بعد هلاكهم مثل جذوع النخل الخاوي. الذي اصابته الريح فسقط على الارض فما اهون الخلق على الله اذا عصوا امره؟ فكيف كان عذابي؟ فكيف كان عذابي السماء ساقطا يقولوا سحاب مركون. يقول تعالى في ذكر بيان ان المشركين المكذبين بالحق الواضح قد عتوا عن الحق وعسوا على الباطل. وانه لو قام على الحق كل دليل لما اتبعوه ولخالفوه وعاندوه. وان كسبا من السماء ساقطا. اي لو سقط عليه من السماء من الايات الباهرة كسف اي قطع كبار من العذاب يقول سحاب مركون. اي هذا سحاب متراكم على العادة. اي فلا يبالون بما رأوا من الايات. ولا بها وهؤلاء لا دواء لهم الا العذاب والنكال. ولهذا قال فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي وهو يوم القيامة الذي يصيبهم فيه من العذاب والنكال ما لا يقادر قدره ولا يوصف امره يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون. يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا. اي الى ولا كثيرا وان كان في الدنيا قد يوجد منهم كيد يعيشون به زمنا قليلا. فيوم القيامة يضمحل كيدهم وتبطل مساعيهم لا ينتصرون من عذاب الله. ان للذين ظلموا عذابا دون ذلك لما ذكر الله عذاب الظالمين في القيامة. اخبر ان لهم عذابا دون عذاب يوم القيامة. وذلك شامل لعذاب الدنيا بالقتل والسبي والاخراج من الديار. ولعذاب البرزخ والقبر. اي اقاموا على ما يوجب العذاب وشدة العقاب ومن الليل فسبح وادبار النجوم ولما بين تعالى الحجج والبراهين على بطلان اقوال المكذبين. امر رسوله صلى الله عليه وسلم الا يعبأ بهم شيئا وان يصبر لحكم ربه القدري والشرعي بلزومه والاستقامة عليه ووعده الله بالكفاية بقوله فانك باعيننا اي مرأى منا وحفظ واعتناء بامره وامره ان يستعين على الصبر بالذكر والعبادة. فقال اي من الليل ففيه الامر بقيام الليل او حين تقوم الى الصلوات الخمس بدليل قوله اي اخر الليل ويدخل فيه صلاة الفجر والله اعلم بسم الله الرحمن الرحيم. والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى يقسم تعالى بالنجم عند هويه اي صوته في الافق في اخر الليل عند ادبار الليل واقبال النهار. لان في ذلك من ايات الله العظيمة ما اوجب ان اقسم به. والصحيح ان النجم اسم جنس شامل للنجوم كلها. واقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. من الوحي الالهي لان في ذلك مناسبة عجيبة. فان الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء. فكذلك الوحي واثاره زينة للارض لولا العلم الموروث عن الانبياء لكان الناس في ظلمة اشد من الليل البهيم. والمقسم عليه تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن في علمه والغي في قصده. ويلزم من ذلك ان يكون مهتديا في علمه. هاديا حسن القصد ناصحا للامة بعكس ما عليه اهل الضلال من فساد العلم وفساد القصد والا وحي يوحى علمه شديد القوى. وقال صاحبكم لينبههم على ما يعرفونه منه من الصدق والهداية وانه لا يخفى عليهم امره. وما ينطق عن الهوى اي ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه وحي يوحى علمه شديد القوى. اي لا يتبع الا ما اوحى الله اليه من الهدى والتقوى في نفسه وفي غيره ودل هذا على ان السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى وانزل الله عليك الكتاب وانه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه. لان كلامه لا يصدر عن هوى وانما يصدر عن وحي يوحى. ثم ذكر المعلم للرسول صلى الله عليه وسلم وهو جبريل عليه السلام افضل الملائكة الكرام واقواهم واكملهم فقال اي نزل بالوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام شديد القوى اي شديد القوة الظاهرة والباطنة قوي على تنفيذ ما امره الله بتنفيذه. قوي على ايصال الوحي الى الرسول صلى الله عليه وسلم. ومنعه من الشياطين له او ادخالهم فيهما ليس منه. وهذا من حفظ الله لوحيه ان ارسله مع هذا الرسول القوي الامين اه ذو مرة اي قوة وخلق حسن وجمال ظاهر وباطن. فاستوى جبريل عليه السلام وهو بالافق الاعلى اي افق السماء الذي هو اعلى من الارض. فهو من الارواح العلوية التي لا تنالها الشياطين. ولا يتمكنون من الوصول اليها ثم دنا جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم لايصال الوحي اليه فتدلى عليه من الافق الاعلى. فكان قاب قوسين او ادنى. فكان في قربه منه قاب قوسين اي قدر قوسين والقوس معروف او ادنى اي اقرب من القوسين وهذا يدل على كمال المباشرة للرسول صلى الله الله عليه وسلم بالرسالة وانه لا واسطة بينه وبين جبريل عليه السلام فاوحى الله بواسطة جبريل عليه السلام الى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما اوحى اي الذي اوحاه اليه من الشرع العظيم والنبأ المستقيم. اي اتفق فؤاد الرسول صلى الله وعليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي اوحاه الله اليه. وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره. وهذا دليل على كمال الوحي الذي اوحاه الله اليه وانه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب. فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره. ولم يشك بذلك. ويحتمل ان المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به. من ايات الله العظيمة وانه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته. هذا هو الصحيح في تأويل الاية الكريمة. وقيل ان المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الاسراء. وتكليمه اياه اختيار كثير من العلماء رحمهم الله فاثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا. ولكن الصحيح القول الاول وان المراد به جبريل عليه السلام كما يدل عليه السياق. وان محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الاصلية التي هو عليه مرتين مرة في الافق الاعلى تحت السماء الدنيا كما تقدم. والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال عند سدرة المنتهى. ولقد رآه نزلة اخرى. اي رأى محمد جبريل مرة اخرى نازلة اليه عند سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة جدا فوق السماء السابعة سميت سدرة المنتهى لانه ينتهي اليها ما من الارض وينزل اليها ما ينزل من الله من الوحي وغيره او الانتهاء علم الخلق اليها اي لكونها فوق السماوات والارض فهي في علوها او لغير ذلك. والله اعلم. فرأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في ذلك المكان. الذي هو محل الارواح العلوية الزاكية الجميلة التي لا يقربها شيطان ولا غيره من الارواح الخبيثة عند تلك الشجرة جنة المأوى اي الجنة الجامعة لكل نعيم. بحيث كانت محلا تنتهي اليه الاماني وترغب فيه ايرادات تأوي اليها الرغبات. وهذا دليل على ان الجنة في اعلى الاماكن وفوق السماء السابعة. اذ يغشى ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى. اذ يغشى السدرة ما يغشى اي يغشاها من امر الله شيء عظيم لا ايعلم وصفه الا الله عز وجل؟ اي ما زاغ يمنة ولا يسرة عن مقصوده؟ وما اي وما تجاوز البصر. وهذا كمال الادب منه صلوات الله وسلامه عليه. ان قام مقاما اقامه الله فيه. ولم يقصر عنه ولا تجاوزه ولا حاد عنه. وهذا اكمل ما يكون من الادب العظيم. الذي فاق فيه الاولين والاخرين. فان الاخلال يكون باحد هذه الامور اما الا يقوم العبد بما امر به او يقوم به على وجه التفريط او على وجه الافراط او على وجه الحيدة يمينا وهذه الامور كلها منتفية عنه صلى الله عليه وسلم من الجنة والنار وغير ذلك من الامور التي رآها صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به الثالثة الاخرى. لما زكت على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق. والامر بعبادة الله وتوحيده ذكر بطلان ما عليه المشركون من عبادة من ليس له من اوصاف الكمال شيء. ولا تنفع ولا تضر وانما هي اسماء فارغة من المعنى. سماها المشركون هم واباؤهم الجهال الضلال. ابتدعوا لها من الاسماء الباطلة التي لا تستحقها دعوا بها انفسهم وغيرهم من الضلال. فالآلهة التي بهذه الحال لا تستحق مثقال ذرة من العبادة. وهذه الانداد التي سموها بهذه الاسماء زعموا انها مشتقة من اوصاف هي متصفة بها. فسموا اللات من الاله المستحق للعبادة. والعزى من عزيز ومناه من المنان. الحادا في اسماء الله وتجريا على الشرك به. وهذه اسماء متجردة عن المعاني وكل من له ادنى مسكة من عقل يعلم بطلان هذه الاوصاف فيها قسمة اي اتجعلون لله البنات بزعمكم؟ ولكم البنون اي ظالمة جائرة. واي ظلم اعظم من قسمة تقتضي تفضيل العبد المخلوق على الخالق تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وقوله ما انزل الله بها من ما انزل الله بها من سلطان اي من حجة وبرهان على صحة في مذهبكم وكل امر ما انزل الله به من سلطان فهو باطل فاسد. لا يتخذ دينا وهم في انفسهم ليسوا بمتبعين لبرهان يتيقنون به ما ذهبوا اليه. وانما دلهم على قولهم الظن الفاسد والجهل الكاسد. وما تهواه انفسهم من الشرك والبدع قالبي التي يحتاج اليها العباد فكلها قد بينها الله اكمل بيان واوضحه. وادله على المقصود واقام عليه من الادلة والبراهين ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه فلم يبق لاحد عذر ولا حجة من بعد البيان والبرهان. واذا كان ما هم عليه غايته اتباع ونهايته الشقاء الابدي والعذاب السرمدي. فالبقاء على هذه الحال من اسفه السفه واظلم الظلم. ومع ذلك يتمنون الاماني ويغترون بانفسهم. ولهذا انكر تعالى على من زعم انه يحصل له ما تمنى وهو كاذب في ذلك. فقال فيعطي منهما من يشاء ويمنع من فليس الامر تابعا لامانيهم ولا موافقا لاهوائهم. يقول تعالى منكرا على من عبد غيره من الملائكة وغيرهم وزعم انها تنفعه وتشفع له عند الله يوم القيامة وكم من ملك في السماوات من الملائكة المقربين وكرم الملائكة لا تغني شفاعتهم شيئا. اي لا تفيد من دعاها وتعلق بها ورجاها اي لابد من اجتماع الشرطين اذنه تعالى في الشفاعة ورضاه عن المشفوع له من المعلوم المتقرر انه لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لوجه الله. موافقا فيه صاحبه الشريعة. فالمشركون اذا لا اصيب لهم من شفاعة الشافعين وقد سدوا على انفسهم رحمة ارحم الراحمين يسمون الملائكة تسمية الانثى. يعني ان المشركين بالله المكذبين لرسله. الذين لا بالاخرة وبسبب عدم ايمانهم بالاخرة تجرأوا على ما تجرأوا عليه من الاقوال والافعال المحادة لله ولرسوله قولهم الملائكة بنات الله فلم ينزهوا ربهم عن الولادة ولم يكرموا الملائكة ويجلوهم عن تسميتهم اياهم اناثا والحال انه ليس لهم بذلك علم. لا عن الله ولا عن رسوله. ولا دلت على ذلك الفطر والعقول. بل العلم كله دال على نقيض قولهم وان الله منزه عن الاولاد والصاحبة. لانه الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد وان الملائكة كرام مقربون الى الله قائمون بخدمته لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. وما يتبعون الا الظن لا يغني من الحق شيئا والمشركون انما يتبعون في ذلك القول القبيح وهو الظن الذي لا يغني من الحق شيئا فان الحق لا بد فيه من اليقين المستفاد من الادلة القاطعة والبراهين الساطعة ذكرنا ولم يرد الا الحياة الدنيا. ولما كان هذا دأب هؤلاء المذكورين انهم لا غرض لهم في اتباع الحق. وانما غرضهم ومقصودهم ما تهواه نفوسهم. امر الله رسوله بالاعراض عن من تولى عن ذكره. الذي هو الذكر الحكيم والقرآن العظيم والنبأ الكريم فاعرض عن العلوم النافعة ولم يرد الا الحياة الدنيا. فهذا منتهى ارادته. ومن المعلوم ان العبد لا يعمل ان للشيء الذي يريده. فسعيهم مقصور على الدنيا ولذاتها وشهواتها. كيف حصلت حصلوها؟ وباي طريق سنحت ابتدروها ذلك مبلغهم من العلم ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم به ذلك مبلغهم من العلم اي هذا منتهى علمهم وغايته. واما المؤمنون بالاخرة المصدقون بها اولي الالباب والعقول فهمتهم وارادتهم للدار الاخرة. وعلومهم افضل العلوم واجلها. وهو العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله رسوله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى اعلم بمن يستحق الهداية فيهديه. ممن لا يستحق ذلك. فيكله الى نفسه ويخذله فيضل عن سبيل الله. ولهذا قال تعالى فيضع فضله حيث يعلم المحل اللائق به بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى يخبر تعالى انه مالك الملك المتفرد بملك الدنيا والاخرة. وان جميع من في السماوات والارض ملك لله. يتصرف وفيهم تصرف الملك العظيم في عبيده ومماليكه. ينفذ فيهم قدره ويجري عليهم شرعه. ويأمرهم وينهاهم. ويجزيهم على ما امرهم به ونهاهم عنه فيثيب المطيع ويعاقب العاصي ليجزي الذين اساءوا العمل. السيئات من الكفر فما دونه. لما عملوا من اعمال الشر بالعقوبة البليغة ويجزي الذين احسنوا بالحسنى ويجزي الذين احسنوا في عبادة الله واحسنوا الى خلق الله بانواع المنافع بالحسنى اي بالحالة الحسنة في الدنيا والاخرة. واكبر ذلك واجله رضا ربهم والفوز بنعيم ثم ذكر وصفهم فقال الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش هو اعلم بكم اذ انشأكم من الارض واذ انتم اجنة في بطون امهاتكم. فلا لا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى. الذين يجتنبون كبائر الاثم الفواحش ان يفعلون ما امرهم الله به من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب ويتركون المحرمات الكبار كالزنا شرب الخمر واكل الربا والقتل ونحو ذلك من الذنوب العظيمة الا اللمم وهي الذنوب والصغار التي لا يصر صاحبها عليها او التي يلم بها العبد المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة فهذه ليس مجرد الاقدام عليها مخرجا للعبد من ان يكون من المحسنين فان هذه مع الاتيان بالواجبات وترك المحرمات. تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل شيء. ولهذا قال ان ربك واسع المغفرة. فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد. ولولا عفوه وحلمه لسقط السماء على الارض ولما ترك على ظهرها من دابة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. وقوله انشأكم من الارض واذ انتم اجنة في بطون انها اتكم هو تعالى اعلم باحوالكم كلها. وما جبلكم عليه من الضعف والخور عن كثير مما امركم الله به. ومن كثرة دواعي الى بعض المحرمات وكثرة الجواذب اليها وعدم الموانع القوية. والضعف موجود مشاهد منكم حين انشأكم الله من الارض واذ كنتم في بطون امهاتكم. ولم يزل موجودا فيكم. وان كان الله تعالى قد اوجد فيكم قوة على ما امركم به. ولكن الضعف لم يزل فلعلمه تعالى باحوالكم هذه ناسبت الحكمة الالهية والجود الرباني ان يتغمدكم برحمته ومغفرته وعفوه ويغمرك باحسانه ويزيل عنكم الجرائم والمآثم. خصوصا اذا كان العبد مقصوده مرضاة ربه في جميع الاوقات. وسعيه فيما يقرب اليه في اكثر الانات. وفراره من الذنوب التي يتمقت بها عند مولاه. ثم تقع منه الفلتة بعد الفلتة فان الله تعالى اكرم الاكرمين وارحم الراحمين. ارحم بعباده من الوالدة بولدها. فلابد لمثل هذا ان يكون من ربه قريبا. وان يكون الله له في جميع احواله مجيبا. ولهذا قال هو اعلم بمن اتقى. فلا تزكوا انفسكم اي تخبرون الناس بطهارتها على وجه التمدح هو اعلم بمن اتقى. فان التقوى محلها القلب والله هو المطلع عليه. المجازي على ما فيه من بر وتقوى واما الناس فلا يغنون عنكم من الله شيئا. افرأيت الذي تولى واعطى قليلا يقول تعالى افرأيت قبح حالة من امر بعبادة ربه وتوحيده فتولى عن ذلك واعرض عنه فان سمحت نفسه ببعض الشيء القليل فانه لا يستمر عليه. بل يبخل ويكد ويمنع فان المعروف ليس سجية له وطبيعة. بل التولي عن الطاعة وعدم الثبوت على فعل المعروف. ومع هذا فهو يزكي نفسه وينزلها غير منزلتها التي انزلها الله بها اعنده علم الغيب فهو يرى. اعنده علم الغيب فهو يرى الغيب ويخبر به؟ ام هو متقول على الله متجرأ على الجمع بين الاساءة والتزكية كما هو الواقع. لانه قد علم انه ليس عنده علم من الغيب. وانه لو قدر انه مع ذلك فالاخبارات القاطعة عن علم الغيب التي على يد النبي المعصوم تدل على نقيض قوله وذلك دليل على بطلانه ام لم ينبأ هذا المدعي بما في صحف موسى وابراهيم الذي وفى اي قام بجميع ما ابتلاه الله به. وامره به من الشرائع واصول الدين وفروعه. وفي تلك الصحف احكام كثيرة من اهمها ما ذكره الله بقوله اي كل عامل له عمله الحسن والسيء فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء ولا يتحمل احد عن احد ذنبا سوف يرى في الاخرة. فيميز حسنه من سيئه اي المستكمل لجميع العمل الحسن الخالص بالحسنى والسيء الخالص بالسوء. والمشوب بحسبه جزاء تقر بعدله واحسانه الخليقة كلها. وتحمد الله عليه حتى ان اهل النار ليدخلون النار. وان قلوبهم مملوءة من حمد ربهم. والاقرار له بكمال الحكمة ومقت انفسهم. وانهم الذين اوصلوا انفسهم واوردوها شر الموارد. وقد تدل بقوله تعالى وان ليس للانسان الا ما سعى. من يرى ان القرب لا يفيد اهداؤها للاحياء وللاموات. قالوا لان الله قال وان ليس للانسان الا ما سعى. فوصول سعي غيره اليه مناف لذلك. وفي هذا الاستدلال نظر فان الاية انما تدل على انه ليس للانسان الا ما سعى بنفسه. وهذا حق لا خلاف فيه. وليس فيها ما يدل على انه لا ينتفع بسعي غيره. اذا اهداه ذلك الغير له كما انه ليس للانسان من المال الا ما هو في ملكه وتحت يده. ولا يلزم من ذلك الا يملك ما وهبه له الغير من ما له الذي يملكه وقوله اي اليه تنتهي واليه تصير الاشياء والخلائق بالبعث والنشور. والى الله المنتهى في كل حال. فاليه ينتهي العلم والحكم والرحمة وسائر اي هو الذي اوجد اسباب الضحك والبكاء وهو الخير والشر والفرح والسرور والهم والحزن وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك احيا اي هو المنفرد بالايجاد والاعدام. والذي اوجد الخلق وامرهم ونهاهم. سيعيدهم بعد موتهم. ويجازيهم لتلك الاعمال التي عملوها في دار الدنيا نطفة اذا تبنا وانه خلق الزوجين فسر الزوجين بقوله الذكر والانثى وهذا اسم شامل لجميع الحيوانات. ناطقها وبهيمها فهو المنفرد بخلقها وهذا من اعظم الادلة على كمال قدرته. وانفراده بالعزة العظيمة حيث اوجد تلك الحيوانات. صغيرها وكبيرها من نطف ضعيفة من ماء مهين ثم نماها وكملها حتى بلغت ما بلغت. ثم صار الادمي منها اما الى ارفع المقامات في اعلى عليين واما الى ادنى الحالات في اسفل سافلين. ولهذا استدل بالبداءة على الاعادة فيعيد العباد من الاجداد ويجمعهم ليوم الميقات ويجازيهم على الحسنات والسيئات انه هو اغنى واغنى. اي اغنى العباد بتيسير امر معاشهم من التجارات وانواع المكاسب. من الحرف وغيرها واقنى اي افاد عباده من الاموال بجميع انواعها ما يصيرون به مقتنين لها ومالكين لكثير من الاعياد وهذا من نعمه على عباده. ان جميع النعم منه تعالى وهذا يوجب للعباد ان يشكروه. ويعبدوه وحده لا شريك له وانه هو رب الشعراء. وهو النجم المعروف بالشعر العبور المسماة بالمرزم وخصها الله بالذكر. وان كان رب كل شيء لان هذا النجم مما عبد في الجاهلية. فاخبر تعالى ان جنس ما يعبده المشركون مربوب مدبر مخلوق. فكيف تتخذ الها مع الله وانه اهلك عاد الاولى وهم قوم هود عليه السلام. حين كذبوا هودا فاهلكهم الله بريح صرصر عاتية وثمود قوم صالح عليه السلام ارسله الله الى ثمود فكذبوه فبعث الله اليهم الناقة اية فعقروها وكذبوه فاهلكهم الله تعالى. فما ابقى منهم احدا. بل اهلكهم الله عن انهم كانوا هم اظلم واطغى من هؤلاء اولى الامم فاهلكهم الله واغرقهم في اليم. والمؤتفكة وهم قوم لوط عليه السلام اهوى اي اصابهم الله بعذاب ما عذب به احدا من العالمين. قال باسفل ديارهم اعلاها وامطر عليهم حجارة من سجيل. ولهذا قال اي غشيها من العذاب الاليم الوخيم ما غش اي شيء عظيم لا يمكن وصفه اي فباي نعم الله وفضله تشك ايها الانسان؟ فان نعم الله ظاهرة لا تقبل شك بوجه من الوجوه فما بالعباد من نعمة الا منه تعالى ولا يدفع النقم الا هو اي هذا الرسول القرشي الهاشمي محمد بن عبدالله ليس ببدع من الرسل بل قد تقدمه من الرسل السابقين ودعوا الى ما دعا اليه فلاي شيء تنكر رسالته؟ وباي حجة تبطل دعوته؟ اليس اخلاقه اعلى اخلاق الرسل اليست دعوته الى كل خير؟ والنهي عن كل شر؟ الم يأتي بالقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. الم يهلك الله من كذب من قبله من الرسل الكرام؟ فما الذي يمنع العذاب عن المكذبين لمحمد سيد المرسلين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين. ازفت الازفة. اي قربت القيامة ودنا وقتها وبانت علاماتها اي اذا اتت القيامة وجاءهم العذاب الموعوظ به ثم توعد المنكرين لرسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المكذبين لما جاء به من القرآن الكريم فقال من هذا الحديث تعجبون. اي افمن هذا الحديث الذي هو خير الكلام وافضله واشرفه تتعجبون منه وتجعلونه من الامور المخالفة للعادة الخارقة للامور والحقائق المعروفة. هذا من جهلهم وضلالهم وعنادهم. والا فهو والحديث الذي اذا حدث صدق واذا قال قولا فهو القول الفصل الذي ليس بالهزل وهو القرآن العظيم الذي لو انزل على جبل ارأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. الذي يزيد ذوي الاحلام رأيا وعقلا. وتسديدا وثباتا وايمانا ويقينا. والذي ينبغي العجب من عقل من تعجب منه وسفهه وضلاله. اي تستعملون الضحك والاستهزاء به مع ان الذي ينبغي ان تتأثر منه النفوس وتلين له القلوب وتبكي له العيون سماعا لامره ونهيه واصغاء لوعده ووعيده والتفاتا لاخباره الحسنة الصادقة اي غافلون عنه. لاهون عن تدبره. وهذا من قلة عقولكم واديانكم. فلو عبدتم الله وطلبتم رضاه في جميع الاحوال لما كنتم بهذه المثابة التي يأنف منها اولو الالباب. ولهذا قال تعالى الامر بالسجود لله خصوصا. ليدل ذلك على فضله. وانه سر العبادة ولبها. فان لبها الخشوع لله والخضوع له والسجود هو اعظم حالة يخضع بها العبد. فانه يخضع قلبه وبدنه. ويجعل اشرف اعضائه على الارض المهينة الاقدام ثم امر بالعبادة عموما. الشاملة لجميع ما يحبه الله ويرضاه من الاعمال. والاقوال الظاهرة والباطنة بسم الله الرحمن الرحيم. يخبر تعالى ان الساعة وهي القيامة اقتربت وان اوانها وحان وقت مجيئها. ومع ذلك فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها غير مستعدين لنزولها ويريهم الله من الايات العظيمة. الدالة على وقوعها ما يؤمن على مثله البشر. فمن اعظم الايات الدالة على كصحة ما جاء به محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم انه لما طلب منه المكذبون ان يريهم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما جاء به وصدقه اشار صلى الله عليه وسلم الى القمر باذن الله تعالى فانشق فلقتين فلقة على جبل ابي قبيس وفلقة على جبل قعيقعان والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الاية الكبرى الكائنة في العالم العلوي التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل فشاهدوا امرا ما رأوا مثله. بل ولم يسمعوا انه جرى لاحد من المرسلين قبله نظيره. فانبهروا لذلك ولم يدخل الايمان وفي قلوبهم ولم يرد الله بهم خيرا ففزعوا الى بهتهم وطغيانهم وقالوا سحرنا محمد ولكن علامة ذلك انكم تسألون من قدم اليكم من السفر فانه وان قدر على سحركم لا يقدر ان يسحر من ليس مشاهدا مثلكم. فسألوا كل من قدم فاخبرهم بوقوع ذلك فقالوا سحر مستمر. سحرنا محمد وسحر غيرنا. وهذا من البهت الذي لا يروج الا على اسفه الخلق واضلهم عن الهدى والعقل. وهذا ليس انكارا منهم لهذه الاية وحدها. بل كل اية تأتيهم فانهم مستعدون مقابلتها بالباطل والرد لها. ولهذا قال وان يروا اية يعرضوا ويقولوا سحرا وان يروا اية يعرضوا ولم يعد الضمير على انشقاق القمر. فلم يقل وان يروها بل قال وان يروا اية يعرض وليس قصدهم اتباع الحق والهدى وانما قصدهم اتباع الهوى. ولهذا قال وكذبوا واتبعوا اهواءهم كقوله تعالى فان لم استجيب لك فاعلم ان ما يتبعون اهواءهم فانه لو كان قصدهم اتباع الهدى لامنوا قطعا واتبعوا محمدا صلى الله عليه سلم لانه اراهم الله على يديه من البينات والبراهين والحجج القواطع. ما دل على جميع المطالب الالهية والمقاصد الشرعية وكل امر مستقر. اي الى الان لم يبلغ الامر غايته ومنتهاه. وسيصير الامر الى اخره. فالمصدق يتقلب في جنات النعيم ومغفرة الله ورضوانه. والمكذب يتقلب في سخط الله وعذابه. خالدا مخلدا ابدا. وقال تعالى مبينا ان انهم ليس لهم قصد صحيح ولا اتباع للهدى ولقد جاءهم من الانباء اي الاخبار السابقة واللاحقة والمعجزات الظاهرة ما فيه اي زاجر يزجرهم عن غيهم وضلالهم. وذلك حكمة منه تعالى بالغة اي لتقوم حجته على المخالفين. ولا يبقى لاحد على الله حجة بعد الرسل. فما تغني كقوله تعالى ولو جاءتهم كل اية لا يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قد بان ان المكذبين لا حيلة في هداهم فلم يبق الا الاعراض عنهم والتولي عنهم. فقال وانتظر بهم يوما عظيما وهولا جسي وذلك حين يدعو الداع اسرافيل عليه السلام الى شيء نكر اي الى امر فظيع تنكره الخليقة فلم ترى نظرا افظع ولا اوجع منه فينفخ اسرافيل نفخة يخرج بها الاموات من قبورهم لموقف القيامة خش عن اي من الهول والفزع الذي وصل الى قلوبهم. فخضعت وذلت وخشعت لذلك ابصارهم. يخرجون من الاجداث اي وهي هي القبور كانهم من كثرتهم وروجان بعضهم ببعض جراد منتشر. اي مبثوث في الارض متكاثر جدا يقول الكافرون هذا يوم عسر. مهطعين الى الداع في مسرعين لاجابة النداء الداعي وهذا يدل على ان الداعي يدعوهم ويأمرهم بالحضور لموقف القيامة فيلبون دعوته ويسرعون الى اجابته يقول الكافرون الذين قد حضر عذابهم كما قال تعالى على الكافرين غير يسير. مفهوم ذلك انه يسير سهل على المؤمنين قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر. لما ذكر تبارك وتعالى حال مكذبين لرسوله وان الايات لا تنفع فيهم ولا تجدي عليهم شيئا. انذرهم وخوفهم بعقوبات الامم الماضية. المكذبة للرسل وكيف اهلكهم الله واحل بهم عقابه؟ فذكر قوم نوح اول رسول بعثه الله الى قوم يعبدون الاصنام. فدعاهم الى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. فامتنعوا من ترك الشرك وقالوا لا تذرن الهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث نعوق ونسرى ولم يزل نوح يدعوهم الى الله ليلا ونهارا وسرا وجهارا فلم يزدهم ذلك الا عنادا وطغيانا وقدحا في ولهذا قال هنا فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون لزعمهم ان ما هم عليه واباؤهم من الشرك والضلال هو الذي يدل عليه العقل وان ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام جهل وضلال. لا يصدر الا من المجانين. وكذبوا في ذلك وقلبوا الحقائق الثابتة شرعا طبعا وعقلا فان ما جاء به هو الحق الثابت. الذي يرشد العقول النيرة المستقيمة الى الهدى والنور والرشد. وما هم عليه جهل وضلال مبين وقوله وازدجر اي زجره قومه وعنفوه عندما دعاهم الى الله تعالى فلم يكفهم قبحهم الله عدم الايمان به ولا اياه حتى اوصلوا اليه من اذيتهم ما قدروا عليه. وهكذا جميع اعداء الرسل. هذه حالهم مع انبيائهم. فعند ذلك دعا ربه فقال اني مغلوب لا لي على الانتصار منهم. لانه لم يؤمن من قومه الا القليل النادر. ولا قدرة لهم على مقاومة قومهم. فانتصر اللهم لي منهم وقال في الاية الاخرى ربي لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. فاجاب الله سؤاله وانتصر له من قومه. قال تعالى ففتحنا ابواب السماء بماء منهمل. اي جدا متتابع وفجرنا الارض عيونا فجعلت السماء ينزل منها من الماء شيء خارق للعادة. وتفجرت الارض كلها حتى التنور الذي لم تجري العادة بوجود الماء فيه. فضلا عن كونه منبعا للماء. لانه موضع النار. فالتقى ماء اي ماء السماء والارض على امر من الله له بذلك قد قدر. اي كتبه الله في الازل وقضاه. عقوبة لهؤلاء الظالمين من الطاغين. اي ونجينا عبدنا نوحا على السفينة الالواح والدسر اي المسامير التي قد سمرت بها الواحها. وشد بها اسرها. تجري باعيننا جزاء تجري باعيننا اي تجري بنوح ومن امن معه ومن حمله من اصناف المخلوقات برعاية من الله وحفظ منه لها عن الغرق ونظر وكلاءة منه تعالى. وهو نعم الحافظ الوكيل اي فعلنا بنوح ما فعلنا من النجاة من الغرق العام. جزاء له حيث كذبه قومه وكفروا به فصبر على دعوتهم واستمر على امر الله فلم يرده عنه راد ولا صده عنه صاد. كما قال قال عنه في الاية الاخرى قيل يا نوح اهبط سلام منا وبركات عليك وعلى امم ممن معك. ويحتمل ان المراد انا اهلكنا يا قوم نوح وفعلنا بهم ما فعلنا من العذاب والخزي. جزاء لهم على كفرهم وعنادهم. وهذا متوجه على قراءة من قرأها بفتح ولقد تركناها اية فهل من مدكل؟ اي ولقد تركنا قصة نوح مع قومه اية يتذكر بها المتذكرون. على ان من عصى الرسل وعاندهم اهلكه الله بعقاب عام شديد. او ان الضمير يعود الى وجنسها وان اصل صنعتها تعليم من الله لعبده نوح عليه السلام. ثم ابقى الله تعالى صنعتها وجنسها بين الناس. ليدل ذلك على رحمته بخلقه وعنايته. وكمال قدرته وبديع صنعته. اي فهل متذكر للايات ملق ذهنه وفكرته لما يأتيه منها. فانها في غاية البيان واليسر فكيف كان عذابي ونذر. كيف رأيت ايها المخاطب عذاب الله الاليم وانذاره الذي لا يبقي لاحد عليه حجة. اي قد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم الفاظه للحفظ والاداء ومعانيه للفهم والعلم. لانه احسن الكلام لفظا واصدقه معنى وابينه تفسيرا. فكل من اقبل عليه يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير. وسهله عليه. والذكر شامل لكل ما يتذكر به العالمون من الحلال والحرام واحكام الامر والنهي واحكام الجزاء والمواعظ والعبر والعقائد النافعة والاخبار الصادقة. ولهذا كان القرآن حفظا وتفسيرا اسهل العلوم واجلها على الاطلاق. وهو العلم النافع الذي اذا طلبه العبد اعين عليه. قال بعض السلف عند هذه الاية هل من طالب علم فيعان عليه؟ ولهذا يدعو الله عباده الى الاقبال عليه والتذكر بقوله ارسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمل. وعاد هي القبيلة المعروفة باليمن ارسل الله اليهم هودا عليه السلام يدعوهم الى توحيد الله وعبادته فكذبوه فارسل الله عليهم صرصر اي شديدة جدا في يوم نحس اي شديد العذاب والشقاء عليهم مستمر عليهم سبع ليال وثمانية في ايام حسوما تنزع الناس من شدتها فترفعهم الى جو السماء ثم تدفعهم بالارض فتهلكهم فيصبحون كان والله العذاب الاليم والنذارة التي ما ابقت لاحد عليه حجة ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ كرر تعالى ذلك رحمة بعباده وعناية بهم حيث دعاهم الى ما يصلح دنياهم واخراهم. اي كذبت ثمود وهم القبيلة المعروفة المشهورة في ارض الحجر. نبيهم صالحا عليه السلام. حين دعاهم الى عبادة الله وحده لا شريك له. وانذر العقاب انهم خالفوه فكذبوه واستكبروا عليه. وقالوا كبرا وتيها. فقالوا ابشرا منا واحدا ابشرا منا واحدا نتبعه اي كيف نتبعه بشرا لا ملكا منا لا من غيرنا ممن هو اكبر عند الناس منا. ومع ذلك فهو شخص واحد. انا اذا اي ان اتبعناه وهو بهذه الحال لفي ضلال وسعر. اي انا لضالون اشقياء. وهذا الكلام من ضلالهم وشقائهم فانهم انفوا ان يتبعوا رسولا من البشر. ولم يأنفوا ان يكونوا عابدين للشجر والحجر والصور االقي الذكر عليه من بيننا؟ اي كيف يخصه الله من بيننا وينزل عليه الذكر؟ فاي مزية خصه من بيننا هذا اعتراض من المكذبين على الله. لم يزالوا يدلون به ويصولون ويجولون ويردون به دعوة الرسل. وقد اجاب الله عن هذه شبهة بقول الرسل لاممهم. قالت رسلهم ان نحن الا بشر مثلكم. ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. فالرسل من الله عليهم بصفات واخلاق وكمالات. بها صلحوا لرسالات ربهم والاختصاص بوحيه. ومن رحمته وحكمته ان كانوا من البشر فلو كانوا من الملائكة لم يمكن البشر ان يتلقوا عنهم ولو جعلهم من الملائكة لعاجل الله المكذبين لهم بالعقاب العاجل المقصود بهذا الكلام الصادر من ثمود لنبيهم صالح تكذيبه. ولهذا حكموا عليه بهذا الحكم الجائر. فقالوا كذاب اشر. اي كثير الكذب والشر فقبحهم الله ما اسفه احلامهم واظلمهم. واشدهم مقابلة للصادقين الناصحين بالخطاب الشنيع لا جرى ما عاقبهم الله حين اشتد طغيانهم فارسل الله الناقة التي هي من اكبر النعم عليهم اية من ايات الله ونعمة يحتلبون من ضرعها ما يكفيهم اجمعين. فتنة لهم اي اختبارا منه لهم وامتحانا اي اصبر على دعوتك اياهم وارتقب ما يحل بهم او ارتقب هل يؤمنون او يكفرون ان الماء قسمة بينهم كل شلب محتضر. اي اخبرهم ان الماء اي موردهم الذي يستعذبونه قسمة بينهم وبين الناقة. لها شرب يوم ولهم شرب يوم اخر معلوم. كل شرب محتضر ان يحضره من كان قسمته ويحظر على من ليس بقسمة له هدوا صاحبهم الذي باشر عقرها الذي هو اشقى القبيلة. فتعاطى اي ان قاد لما امروه به من عقرها فعقر فكيف كان عذابي ونذره؟ كان اشد عذاب واحدة فكانوا كهشيم المحتضر. ارسل الله عليهم صيحة ورجفة اهلكتهم عن اخرهم نجى الله صالحا ومن امن معه كذبت قوم لوط بالنذر انا ارسلنا عليهم حاصبا الا لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي ولقد انذرهم بطشتنا فتمارضوا بالنذر ولقد راودوه عن ضيفه فطنسنا اعينهم فذوقوا عذابي ونذر خلقني يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر اي كذبت قوم لوط لوطا عليه السلام حين دعاهم الى عبادة الله وحده لا شريك له. ونهاهم عن الشرك والفاحشة التي ما سبقهم بها من احد احد من العالمين فكذبوه واستمروا على شركهم وقبائحهم حتى ان الملائكة الذين جاؤوه بصورة اضياف حين سمع بهم قوم لوط جاءوا مسرعين يريدون ايقاع الفاحشة فيهم لعنهم الله وقبحهم. وراودوه عنهم فامر الله جبريل عليه السلام فطمع قسى اعينهم بجناحه وانذرهم نبيهم بطشة الله وعقوبته قلب الله عليهم ديارهم وجعل اسفلها اعلاها وتتبعهم بحجارة من سجيل منضود. مسومة عند ربك للمسرفين. ونجى الله لوطا واهلكه من الكرب العظيم. جزاء لهم على شكرهم لربهم وعبادته وحده لا شريك له. ولقد جاء ال فرعون النذر باياتنا كلها فاخذناهم اخذ عزيز مقتدر. اي ولقد جاء ال فرعون اي فرعون وقومه النذر. فارسل الله اليهم موسى الكليم وايده بالايات الباهرات والمعجزات القاهرات واشهدهم من العبر ما لم يشهد عليه احدا غيرهم. فكذبوا بايات الله كلها. فاخذهم اخذ عزيز مقتدر. فاغرقهم في اليم هو جنوده والمراد من ذكر هذه القصص تحذير الناس والمكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال براءة في السماء اكفاركم خير من اولئكم؟ اي هؤلاء الذين كذبوا افضل الرسل خير من اولئك المكذبين. الذين ذكر الله وما جرى عليهم فان كانوا خيرا منهم امكن ان ينجوا من العذاب ولم يصبهم ما اصاب اولئك الاشرار وليس الامر كذلك فانهم ان لم يكونوا شرا منهم فليسوا بخير منهم اي ام اعطاكم الله عهدا وميثاقا في الكتب التي انزلها على الانبياء. فتعتقدون حينئذ انكم الناجون باخبار الله ووعده وهذا غير واقع بل غير ممكن عقلا وشرعا ان تكتب برائتهم في الكتب الالهية المتضمنة للعدل والحكمة. فليس من من الحكمة نجاة امثال هؤلاء المعاندين المكذبين. لافضل الرسل واكرمهم على الله. فلم يبقى الا ان يكون بهم قوة ينتصرون بها تعالى انهم يقولون نحن جميعا قال تعالى بينا لضعفهم وانهم مهزومون. فوقع كما اخبر هزم الله جمعهم الاكبر يوم بدر. وقتل من صناديدهم وكبرائهم ما ذلوا به. ونصر الله دينه ونبيه وحزبه المؤمنين. ومع ذلك فلهم موعد يجمع به اولهم واخرهم. ومن اصيب في هذه الدنيا منهم. ومن متع بلذاته. ولهذا قال الساعة موعدهم والساعة ادهى وامر. بل الساعة موعدهم الذي يجازون به. ويؤخذ منهم الحق بالقسط والساعة ادهى وامر. اي اعظم واشق واكبر من كل ما يتوهم او يدور بالبال في ضلال وسعر. ان المجرمين اي الذين اكثروا من فعل الجرائم وهي الذنوب العظيمة من الشرك وغيره من المعاصي. في ضلال وسعر. اي هم ضالون في الدنيا ضلال عن العلم. وضلال عن العمل الذي ينجيهم من العذاب. ويوم القيامة في العذاب الاليم. والنار التي تتسعر بهم وتشتعل في اجسامهم. حتى تبلغ افئدتهم يوم يسحبون في يوم يسحبون في النار على وجوههم يوم يسحبون في النار على وجوههم التي هي اشرف ما بهم من الاعضاء. والمها اشد من غيرها فيهانون بذلك ويخزون. ويقال لهم اي ذوقوا الم النار واسفها بيضها ولهبها انا كل شيء خلقناه بقدر. وهذا شامل للمخلوقات والعوالم الوية والسفلية ان الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه ولا مشارك له في خلقها. وخلقها بقضاء سبق به علمه وجرى به قلمه بوقتها ومقدارها. وجميع ما اشتملت عليه من الاوصاف وذلك على الله يسير. فلهذا قال آآ كلمح بالبصر. فاذا اراد شيئا قال له كن فيكون كما اراد كلمح البصر من غير ممانعة ولا صعوبة ولقد اهلكنا اشياعكم من الامم السابقين الذين عملوا كما عملتم وكذبوا كما اي متذكر يعلم ان سنة الله في الاولين والاخرين واحدة. وان حكمته كما اقتضت اهلاك اولئك الاشرار فان هؤلاء مثلهم ولا فرق بين الفريقين في الزبر وكل صغير وكبير مستقر. اي كل ما فعلوه من خير وشر مكتوب عليهم في الكتب القدرية. اي مسطر مكتوب وهذا حقيقة القضاء والقدر ان جميع الاشياء كلها قد علمها الله تعالى وسطرها عنده في اللوح المحفوظ. فما شاء الله وكان وما لم يشأ لم يكن فما اصاب الانسان لم يكن ليخطئه. وما اخطأه لم يكن ليصيبه ونهر. ان المتقين لله بفعل اوامره وترك نواهيه. الذين الشرك والكبائر والصغائر. اي في جنات النعيم التي فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. من الاشجار اليانعة والانهار الجارية والقصور الرفيعة الانيقة والمآكل والمشارب اللذيذة والحور الحسان وروضات البهية في الجنان ورضوان الملك الديان والفوز ولهذا قال فلا تسأل بعد هذا عما يعطيهم ربهم من كرامته وجوده. ويمدهم به من احسانه ومنته. جعلنا الله منهم ولا حرمنا قام عنده بشر ما عندنا بسم الله الرحمن الرحيم. الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان هذه السورة الكريمة الجليلة افتتحها باسمه الرحمن الدال على سعة رحمته وعموم احسانه. وجزيل بره وواسع فضله. ثم وذكر ما يدل على رحمته واثرها الذي اوصله الله الى عباده من النعم الدينية والدنيوية والاخروية. وبعد كل جنس ونوع من نعمه ينبه الثقلين لشكره. ويقول فباي الاء ربكما تكذبان؟ فذكر انه علم القرآن اي علم الفاظه ومعانيه. ويسره على عباده. وهذا اعظم منة ورحمة رحم بها عباده. حيث انزل عليهم قرآنا عربيا الفاظ واحسن تفسير مشتمل على كل خير زاجر عن كل شر. خلق الانسان في احسن تقويم. كامل الاعضاء مستوفي الاجزاء محكم البناء. قد اتقن البديع تعالى خلقه اي اتقان. وميزه على سائر الحيوانات بان علمه البيان اي التبيين عما في ضميره وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي. فالبيان الذي ميز الله به الادمي على غيره من اجل نعمه واكبرها عليه اي خلق الله الشمس والقمر وسخرهما يجريان بحساب متقن وتقدير مقدر رحمة بالعباد وعناية بهم. وليقوم بذلك من مصالحهم ما يقوم. وليعرفوا عدد السنين والحساب اي نجوم السماء واشجار الارض تعرف ربها وتسجد له وتطيع وتخضع. تنقاد لما سخرها له من مصالح عباده ووضع الميزان. والسماء رفعها سقفها للمخلوقات الارضية ووضع الميزان اي العدل بين العباد في الاقوال والافعال. وليس المراد به الميزان المعروف وحده. بل هو كما ذكرنا يدخل فيه الميزان المعروف. والمكياج الذي به تكال الاشياء والمقادير والمساحات التي تظبط بها المجهولات. والحقائق التي يفصل بها بين المخلوقات ويقام بها العدل بينهم ولهذا قال الا تطغوا في الميزان. اي انزل الله الميزان لان لا تتجاوز الحد في الحقوق والامور فان الامر لو كان يرجع الى عقولكم وارائكم لحصل من الخلل ما الله به عليم. ولفسدت السماوات والارض ابي القسط ولا تخسر الميزان. واقيموا الوزن بالقسط. ايجعلوه قائما بالعدل الذي تصل اليه وامكانكم اي لا تنقصوا وتعملوا بضده وهو الجور والظلم والطغيان والارض وضعها للانام. والارض وضعها الله على ما كانت عليه من الكثافة والاستقرار واختلاف اوصافها واحوالها للانام. اي للخلق لكي يستقروا عليها وتكون لهم مهادا. وفراشا يبنون بها يحرثون ويغرسون ويحفرون ويسلكون سبلها فجاجا وينتفعون بمعادنها وجميع ما فيها مما تدعو اليه حاجتهم بل ضرورتهم ثم ذكر ما فيها من الاقوات الضرورية فقال الاكمان فيها فاكهة وهي جميع الاشجار التي تثمر الثمرات. التي يتفكه بها العباد من العنب والتين والرمان والتفاح وغير ذلك. والنخل ذات الاكمام اي ذات الوعاء الذي ينفلق عن القنوان. التي تخرج شيئا فشيئا حتى تتم فتكون قوتا يدخر ويؤكل ويتزود منه المقيم والمسافر. وفاكهة لذيذة من احسن الفواكه والريحان والحب ذو العصر اي ذو الساق الذي يداس فينتفع بتبنه للانعام وغيرها ويدخل في ذلك حب البر الشعير والذرة والارز والدخن وغير ذلك. والريحان يحتمل ان المراد بذلك جميع الارزاق التي يأكلها الادميون. فيكون هذا من باب عطف العام على الخاص. ويكون الله قد امتن على عباده بالقوت والرزق عموما وخصوصا. ويحتمل ان المراد بالريحان الريحان المعروف وان الله امتن على عباده بما يسره في الارض من انواع الروائح الطيبة والمشام الفاخرة. التي تسر الارواح وتنشرح لها النور ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه التي تشاهد بالابصار والبصائر. وكان الخطاب للثقلين الانس والجن قررهم تعالى بنعمه فقال اي فباي عام الله الدينية والدنيوية تكذبان. وما احسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة. فكلما مر بقول فباي الاء ربكما تكذبان؟ قالوا ولا بشيء من الائك ربنا نكذب فلك الحمد. فهكذا ينبغي للعبد اذا عليه نعم الله والاءه ان يقر بها ويشكر ويحمد الله عليها. ثم قال وهذا من نعمه تعالى على عباده. حيث اراهم من اثار قدرته وبديع صنعته ان خلق ابا الانسان وهو ادم عليه السلام من صلصال كالفخار اي من طين مبلول. قد احكم بلغه واتقن حتى فصار له صلصلة وصوت يشبه صوت الفخار وهو الطين المشوي ان من مارج من نار وخلق الجان اي ابا الجن وهو ابليس لعنه الله مما من نار اي من لهب النار الصافي. او الذي قد خالطه الدخان. وهذا يدل على شرف عنصر الادمي المخلوق من الطين والتراب الذي هو محل الرزانة والثقل والمنافع بخلاف عنصر الجان وهو النار التي هي محل الخفة والطيش والشر والفساد. ولما بين خلق الثقلين ومادة ذلك. وكان منة منه تعالى عليهم قال اي هو تعالى رب كل ما اشرقت عليه الشمس والقمر والكواكب النيرة وكل ما غربت عليه وكل ما كان فيه فهي تحت تدبيره وربوبيته وثناهما هنا لارادة العموم مشرقي الشمس شتاء وصيفا ومغربها كذلك يخرج منهم فباي الاء ربكما تكذبان المراد بالبحرين البحر العذب والبحر المالح. فهما يلتقيان فيصب العذب في البحر المالح. ويختلطان ويمتزجان ولكن الله تعالى جعل بينهما برزخا من الارض. حتى لا يبغي احدهما على الاخر. ويحصل النفع بكل منهما. فالعذب منه يشربون وتشرب جارهم وزروعهم والمالح به يطيب الهواء ويتولد السمك والحوت واللؤلؤ والمرجان ويكون مستقرا مسخرا للسفن مراكب ولهذا قال اي وسخر تعالى لعباده السفن الجواري التي تمخر البحر وتشقه باذن الله ينشأها الادميون فتكون من عظمها وكبرها كالاعلام وهي الجبال العظيمة. فيركبها الناس يحملون عليها امتعتهم وانواع تجاراتهم وغير ذلك. مما تدعو اليه حاجتهم وضرورتهم. وقد حفظها حافظ السماوات والارض وهذه من نعم الله الجليلة. ولهذا قال كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال ويبقى اي كل من على الارض من انس وجن ودواب وسائر المخلوقات يفنى ويموت ويبيت ويبقى الحي الذي لا يموت. ذو الجلال والاكرام. اي ذو العظمة والكبرياء والمجد الذي يعظم ويبجل ويجل لاجله. والاكرام الذي هو سعة الفضل والجود. والداعي لان يكرم اولياءه وخواص خلقه بانواع الاكرام الذي يكرمه اولياؤه ويجلونه ويعظمونه ويحبونه وينيبون اليه ويعبدونه لا تكذبان. اي هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته. وهو واسع الجود والكرم. فكل الخلق مفتقرون اليه يسألونه جميع حوائجهم بحالهم ومقالهم. ولا يستغنون عنه طرفة عين ولا اقل من ذلك. وهو تعالى يغني فقيرا ويجبر كسيرا ويعطي قوما ويمنع اخرين ويميت ويحيي ويخفض ويرفع لا يشغله شأن عن شأن. ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه الحاح الملحين. ولطول مسألة السائلين. فسبحان كريم الوهاب الذي عمت مواهبه اهل الارض والسماوات. وعم لطفه جميع الخلق في كل الانات واللحظات. وتعالى الذي لا من الاعطاء معصية العاصين. ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه. وهذه الشؤون التي اخبر انه كل يوم هو في شأن هي تقديره وتدابيره التي قدرها في الازل وقضاها. لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في اوقاتها التي اقتضتها حكمته. وهي احكام احكامه الدينية التي هي الامر والنهي. والقدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار. حتى اذا تمت هذه الخليقة الله تعالى واراد ان ينفذ فيهم احكام الجزاء ويريهم من عدله وفضله وكثرة احسانه ما به يعرفونه ويوحدون نقل المكلفين من دار الابتلاء والامتحان الى دار الحيوان وفرغ حينئذ لتنفيذ هذه الاحكام التي جاء وقتها وهو المراد بقوله اي سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم باعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان اي اذا جمعهم الله في موقف القيامة اخبرهم بعجزهم وضعفهم. وكمال سلطانه ونفوذ مشيئته وقدرته. فقال معجزا لهم ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا. اي تجدون مسلكا ومنفذا تخرجون به عن ملك الله وسلطانه. فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان اي لا تخرجون عنه الا بقوة وتسلط منكم. وكمال قدرة وانى لهم ذلك. وهم لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ففي ذلك الموقف لا يتكلم احد الا باذنه. ولا تسمع الا همسا. وفي ذلك الموقف يستوي الملوك والمماليك والرؤساء والمرؤوسون والاغنياء والفقراء. ثم ذكر ما اعد لهم في ذلك الموقف العظيم فقال يرسل عليكما شواظ من نار اي يرسل عليكما لهب صاف من النار وهو اللهب الذي قد خالطه الدخان. والمعنى ان هذين الامرين الفظيعين يرسلان عليكما يا معشر الجن والانس. ويحيطان فلا تنتصران لا بناصر من انفسكم ولا باحد ينصركم من دون الله. ولما كان تخويفه لعباده نعمة منه عليهم وصوتا يسوقهم به الى اعلى المطالب واشرف المواهب ذكر منته بذلك فقال فاذا فكانت وردة. فكانت وردة فاذا انشقت السماء اي يوم القيامة من الاهوال وكثرة البلبال وترادف الاوجال فانخسفت شمسها وقمرها وانتفخت نجومها فكانت من شدة الخوف والانزعاج وردة كالدهان. اي كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه فيومئذ لا يسأل عن اي سؤال استعلام بما وقع لانه تعالى عالم الغيب والشهادة شهادة والماضي والمستقبل ويريد ان يجازي العباد بما علمه من احوالهم. وقد جعل لاهل الخير والشر يوم القيامة علامات يعرفون بها كما قال تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. وقال هنا فيؤخذ بالنواصي. يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ النواصي والاقدام. اي فيؤخذ بنواصي المجرمين واقدامهم فيلقون في النار ويسحبون فيها وانما يسألهم تعالى سؤال توبيخ وتقرير بما وقع منهم. وهو اعلم به منهم. ولكنه تعالى يريد ان تظهر للخلق حجته البالغة وحكمته الجليلة اي يقال للمكذبين بالوعد والوعيد حين تسعر الجحيم المجرمون. فليهنهم تكذيبهم بها وليذوقوا من عذابها ونكالها وسعيرها واغلالها. ما هو جزاء لهم على بهم يطوفون بينها وبين حميم. يطوفون بينها اي بين اطباق في الجحيم ولهبها وبين حميم الان. اي ماء حار جدا قد انتهى حره وزمهرير قد اشتد برده وقره ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين شكر جزاء المتقين الخائفين فقال اي وللذي خاف ربه وقيامه عليه فترك ما نهى عنه وفعل ما امره به له جنتان من ذهب انيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما احدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات. والاخرى على فعل الطاعات. ومن اوصاف تلك الجنتين انهما ذواتان افنى ان اي فيهما من الوان النعيم المتنوعة نعيم الظاهر والباطن ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا لا خطر على قلب بشر ان فيهما الاشجار الكثيرة الزاهرة ذوات الغصون الناعمة التي فيها الثمار اليانعة الكثيرة اللذيذة اي اذا ذات انواع واصناف من جميع اصناف النعيم وانواعه. جمع فن اي صنف. وفي تلك الجنتين فيهما عينان تجريان آآ عينان تجريان يفجرونهما على ما يريدون ويشتهون آآ فيهما من كل فاكهة من جميع اصناف الفواكه زوجان اي صنفان كل صنف له لذة ولون النوع الاخر هذه صفة فرش اهل الجنة وجلوسهم عليها. وانهم متكئون عليها اي جلوس تمكن واستقرار وراحة كجلوس الملوك على الاسرة. وتلك الفرش لا يعلم وصفها وحسنها الا الله تعالى. حتى ان بطائنها التي الارض منها من استبرق وهو احسن الحرير وافخره. فكيف بظواهرها التي يباشرون الجنا هو الثمر المستوي. اي وثمر هاتين الجنتين قريب التناول. يناله القائم والقاعد والمضطجع. فيهن ان قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم ولاجات فيه قاصرات الطرف اي قد قصرنا طرفهن على ازواجهن من حسنهم وجمالهم. وكمال محبتهن لهم. وقصرن ايضا طرف ازواجهن عليهن من حسنهن وجمالهن ولذة وصالهن اي لم ينلهن احد قبلهم من الانس والجن. بل هن ابكار عرب متحببات الى ازواجهن. بحسن والتغنج والملاحة والدلال. ولهذا قال وذلك لصفائهن وجمال منظرهن وبهائهن الاحسان اي هل جزاء من احسن في عبادة الخالق ونفع عبيده الا ان يحسن اليه بالثواب الجزيل الكبير والنعيم المقيم والعيش السليم. فهاتان الجنتان العاليتان للمقربين من فضة بنيانهما وانيتهما وحليتهما وما فيهما. لاصحاب اليمين. وتلك الجنتان اي سوداوان من شدة الخضرة التي هي اثر فيهما عينان الضاختان اي فوارتان فيهما فاكهة ونخل ورمان فيهما فاكهة من جميع اصناف الفواكه واخصها النخل والرمان واللذان فيهما من المنافع ما فيهما. فيهن خيرات حساب فيهن اي في الجنات كلها اي خيرات الاخلاق حسان الاوجه فجمعنا بين جمال الظاهر والباطن وحسن الخلق والخلق اي محبوسات في خيام اللؤلؤ. قد تهيأنا واعددنا انفسهن لازواجهن ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض الجنة. كما جرت العادة لبنات ملوك المخدرات الخفرات فبأي متكئين على رفرف خضر وعبقر متكئين على رفرف خضر اي اصحاب هاتين الجنتين متكأهم على الرفرف الاخضر وهي الفرش التي تحت المجالس العالية التي قد زادت على مجالسهم فصار لها رفرفة من وراء مجالسهم لزيادة البهاء وحسن المنظر العبقري نسبة لكل منسوج نسجا حسنا فاخرا. ولهذا وصفها بالحسنى الشامل لحسن الصنعة وحسن المنظر ونعومة الملمس. وهاتان الجنتان دون الجنتين الاوليين. كما نص الله على ذلك بقوله ومن دونهما جنتان. وكما وصف الاوليين بعدة اوصاف لم يصف بها الاخريين. فقال في الاوليين فيهما عينان تجريان في الاخريين عينان نضاختان. ومن المعلوم الفرق بين الجارية والنضاخة. وقال في الاوليين ذواتا افنان ولم يقل ذلك في الاخريين وقال في الاوليين فيهما من كل فاكهة زوجان. وفي الاخريين فيهما فاكهة ونخل ورمان. وقد علم ما من الوصفين من التفاوت. وقال في الاوليين متكئين على فرش بطائنها من استبرق. وجنى الجنتين دان. ولم يقل ذلك في الاخريين بل قال متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان. وقال في الاوليين في وصف نسائهم وازواجهم فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن انس قبلهم ولا جان. وفي الاخريين حور مقصورات في الخيام. لقد علم التفاوت بين ذلك. وقال في الاوليين هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ فدل ذلك ان الاوليين جزاء المحسنين. ولم يقل ذلك في الاخيرتين. ومجرد تقديم على الاخريين يدل على فضلهما. فبهذه الاوجه يعرف فضل الاوليين على الاخريين وانهما معدتان للمقربين من الانبياء الصديقين وخواص عباد الله الصالحين. وان الاخريين معدتان لعموم المؤمنين. وفي كل من الجنات المذكورات ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفيهن ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. واهلها في غاية الراحة والرضا والطمأنينة في حسن المأوى حتى ان كلا منهم لا يرى احدا احسن حالا منه. ولا اعلى من نعيمه الذي هو فيه. ولما ذكر سعة فضله واحسانه قال تعاظم وكثر خيره الذي له الجلال الباهر والمجد الكامل والاكرام لاوليائه بسم الله الرحمن الرحيم يخبر تعالى بحال الواقعة التي لابد من وقوعها وهي القيامة التي كاذبة خافضة رافعة اذا رجت الارض اي لا شك فيها لانها قد تظاهرت عليها الادلة العقلية والسمعية ودلت عليها حكمته تعالى. خافضة اي خافضة لاناس في اسفل سافلين رافعة لاناس في اعلى عليين او خفضت بصوتها فاسمعت القريب ورفعت فاسمعت البعيد. اي حركت واضطربت. اي فتت ازواجا ثلاثة فاصبح الارض ليس عليها جبل ولا معلم. قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتى وكنتم ايها الخلق ازواجا ثلاثة. اي ان قسمتم ثلاث فرق بحسب اعمالكم الحسنة والسيئة. ثم فصل احوال ازواج الثلاثة فقال تعظيم لشأنهم وتفخيم لاحوالهم واصحاب المشأمة ما اصحاب المشأمة واصحاب المشأمة اي الشمال ما اصحاب المشأمة تهويل لحالهم. اي السابقون ان في الدنيا الى الخيرات هم السابقون في الاخرة لدخول الجنات. اولئك الذين هذا وصفهم المقربون عند الله في اعلى عليين في المنازل العاليات التي لا منزلة فوقها وهؤلاء المذكورون اي جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الامة وغيرهم وقليل من الاخرين. وهذا يدل على فضل صدر هذه الامة في الجملة على متأخريها. لكون من الاولين اكثر من المتأخرين والمقربون هم خواص الخلق. على سرور موضة اي مرمولة بالذهب والفضة. واللؤلؤ والجوهر وغير ذلك من الحلي والزينة. التي لا يعلمها الا الله تعالى متكئين عليها متقابلين. متكئين عليها اي على تلك السرور. جلوس تمكن وطمأنينة راحة واستقرار وجه كل منهم الى وجه صاحبه من صفاء قلوبهم وحسن ادبهم وتقابل في قلوبهم يطوف عليهم ولدان مخلدون اي يدور على اهل الجنة للخدمة وقضاء حوائجهم ولدان صغار الاسنان في غاية الحسن والبهاء كانهم لؤلؤ مكنون اي مستور لا يناله ما مخلوقون للبقاء والخلد. لا يهرمون ولا يتغيرون. ولا يزيدون على اسنانهم ويدورون عليهم بانية شرابهم باكواب وهي التي لا عرى لها الاواني التي لها عرى. وكأس من معين اي من خمر لذيذ المشرب. لا افة فيها لا يصدعون عنها اي لا تصدعهم رؤوسهم كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها ولا هم عنها ينزفون. اي لا تنزف عقولهم ولا تذهب احلامهم كما يكون لخمر الدنيا. والحاصل ان جميع ما في الجنة من انواع النعيم الموجود جنسه في الدنيا. لا يوجد في الجنة فيه كما قال تعالى فيها انهار من ماء غير اس وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشارع وانهار من عسل مصفى. وذكر هنا خمر الجنة ونفى عنها كل افة توجد في الدنيا اي مهما تخيروا وراق في اعينهم واشتهته نفوسهم من انواع الفواكه الشهية والجنى اللذيذ حصل لهم على اكمل وجه واحسنه اي من كل صنف من الطيور يشتهونه. ومن اي جنس من لحمه ارادوا وان شاءوا مشويا او طبيخا او غير ذلك وحور عين كامثال اللؤلؤ المكنون ولهم حور عين والحوراء التي في عينها كحل وملاحة وحسن وبهاء. والعين حسان الاعين وضخامها وحسن العين في الانثى من اعظم الادلة على حسنها وجمالها اي كأنهن اللؤلؤ الابيض الرطب الصافي البهي. المستور عن الاعين والريح والشمس. الذي يكون لونه من احسن الالوان. الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه. فكذلك الحور العين لا عيب فيهن بوجه. بل هن كاملات الاوصاف. جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها لم تجد فيه الا ما يسر الخاطر ويروق الناظر وذلك النعيم المعد لهم فكما حسنت منهم الاعمال احسن الله لهم الجزاء. ووفر لهم الفوز والنعيم اي لا يسمعون في جنات النعيم كلام لغو ولا يكون فيه فائدة ولا كلاما يؤثم صاحبه. اي الا كلاما طيبا وذلك لانها دار الطيبين. ولا يكون فيها الا كل طيب. وهذا دليل على حسن ادب اهل الجنة في خطابهم فيما ما بينهم وانه اطيب كلام واسره للنفوس. واسلمه من كل لغو واثم. نسأل الله من فضله ثم ذكر نعيم اصحاب اليمين فقال اي شأنهم عظيم وحالهم جسيم. اي مقطوع ما فيه من الشوك والاغصان الرديئة المضرة مجعول مكان ذلك الثمر الطيب. وللسدر من الخواص الظل الظليل وراحة الجسم فيه. وطلح والطلح معروف وهو شجر كبار يكون بالبادية تنضد اغصانه من الثمر اللذيذ الشهي وماء مسكوب اي كثير من العيون والانهار السارحة والمياه مياه المتدفقة اي ليست بمنزلة فاكهة الدنيا تنقطع في وقت من الاوقات وتكون ممتنعة اي متعسرة على مبتغيها بل هي على الدوام موجودة وجناها قريب يتناوله العبد على اي حال يكون انشأناهن ان شاء وفرش مرفوعة اي مرفوعة فوق الاسرة ارتفاعا عظيما وتلك الفرش من الحرير والذهب واللؤلؤ وما لا يعلمه الا الله انهن ان اي انا انشأنا نساء اهل الجنة نشأة غير النشأة التي كانت في الدنيا نشأة كاملة لا تقبل الفناء اي صغارهن وكبارهن وعموم ذلك يشمل الحور العين ونساء اهل الدنيا وان هذا الوصف وهو البكارة ملازم لهن في جميع الاحوال. كما ان كونهن عربا اترابا ملازم لهن في كل حال والعروب هي المرأة المتحببة الى بعلها بحسن لفظها وحسن هيئتها ودلالها وجمالها ومحبتها فهي التي ان تكلمت سبت العقول وود السامع ان كلامها لا ينقضي. خصوصا عند غنائهن بتلك الاصوات الرخيمة والنغمات المطربة وان نظر الى ادبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحا وسرورا. وان برزت من محل الى اخر. امتلأ ذلك الموضع ومنها ريحا طيبا ونورا. ويدخل في ذلك الغنجة عند الجماع. والاتراب اللاتي على سن واحدة. ثلاث وثلاثين سنة التي هي غاية ما يتمنى ونهاية سن الشباب. فنسائهم عرب اتراب متفقات مؤتلفات. راضيات مرضيات لا زن ولا يحزن بل هن افراح النفوس وقرة العيون وجلاء الابصار اي معدات لهم مهيئات اي هذا القسم من اصحاب اليمين عدد كثير من الاولين وعدد كثير من الاخرين ابو الشمال ماء اصحاب الشمال. المراد باصحاب الشمال هم اصحاب النار والاعمال المشؤومة فذكر الله لهم من العقاب ما هم حقيقون به فاخبر انهم في سموم اي ريح حارة من حر نار جهنم يأخذ بانفاسهم وتقلقهم اشد القلق وحميم اي ماء حار يقطع امعائهم. اي لهب نار يختلط بدخان ولا كريم. اي لا برد فيه ولا كرم. والمقصود ان هناك الهم والغم والحزن والشر. الذي لا خير فيه لاننا في الضد اثبات لضده. ثم ذكر اعمالهم التي اوصلتهم الى هذا الجزاء. فقال ذلك مترفين. اي قد الهتهم دنياهم وعملوا لها وتنعموا وتمتعوا بها. فالهاهم الامل عن احسان العمل فهذا الترف الذي ذمهم الله عليه. اي وكانوا يفعلون الذنوب الكبار ولا يتوبون منها. ولا يندمون عليها. بل يصرون على ما يسخط مولاهم. فقدموا عليه باوزار كثيرة غير مغفورة وكانوا ينكرون البعث. فيقولون استبعادا لوقوعه او اباء اي كيف نبعث بعد موتنا وقد بلينا؟ فكنا ترابا وعظاما. هذا من المحال قال تعالى جوابا لهم وردا عليهم مجموعون الى ميقات يوم معلوم اي قل ان متقدم الخلق ومتأخرهم الجميع سيبعثهم الله ويجمعهم لميقات يوم معلوم. قدره الله لعباده حين تنقضي الخليقة. ويريد الله تعالى جزاءه على اعمالهم التي عملوها في دار التكليف هنا المكذبون. ثم انكم ايها الضالون عن طريق الهدى التابعون لطريق الردى. المكذبون بالرسول صلى الله وعليه وسلم وما جاء به من الحق والوعد والوعيد وهو اقبح الاشجار واخسها. وانتنها ريحا وابشعها منظرا. فمالئون منها البطون. والذي اوجد قبلهم اكلها مع ما هي عليه من الشناعة. الجوع المفرط الذي يلتهب في اكبادهم. وتكاد تنقطع منه افئدتهم. هذا الطعام العام الذي يدفعون به الجوع وهو الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. فشاربون عليه من الحميم حاربون شرب الهيل. واما شرابهم فهو بئس الشراب وهو انهم يشربون على هذا الطعام من الماء اي ضيافتهم يوم الدين. وهي الضيافة التي قدموها لانفسهم واثروها على ضيافة الله لاوليائه. قال تعالى الا ان الذين امنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ثم ذكر الدليل العقلي على البعث فقال اي نحن الذين اوجدناكم بعد ان لم تكونوا شيئا مذكورا من غير عجز ولا تعب. افليس القادر على ذلك بقادر على ان ان يحيي الموتى بلى انه على كل شيء قدير. ولهذا وبخهم على عدم تصديقهم بالبعث. وهم يشاهدون ما هو اعظم منه افرأيتم ما تمنون انتم تخلقونه ام نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على ان نبدل امثالكم من انشئكم فيما لا تعلمون اي افرأيتم ابتداء خلقتكم من المني الذي تمنون؟ فهل انتم خالقون ذلك المني؟ وما ينشأ منه؟ ام الله تعالى الخالق الذي خلق فيكم من الشهوة والتها. من الذكر والانثى وهدى كلا منهما لما هنالك. وحبب بين الزوجين وجعل بينهما من المودة والرحمة ما هو سبب للتناسل؟ ولهذا احالهم الله تعالى على الاستدلال بالنشأة الاولى على النشأة الاخرى. فقال علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون فلولا تذكرون ان القادر على ابتداء خلقكم قادر على اعادتكم. وهذا امتنان منه على عباده. يدعوهم به الى توحيده وعبادته والانابة اليه. حيث انعم عليهم بما يسره لهم من الحرث للزروع والثمار. فتخرج من ذلك من الاقوات والارزاق والفواكه ما هو من ضروراتهم وحاجاتهم ومصالحهم التي لا يقدرون ان يحصوها فضلا عن شكرها واداء حقها. فقررهم بمنته فقال اي اانتم اخرجتموه نباتا من الارض ام انتم الذين نميتموه؟ ام انتم الذين اخرجتم سنبله وثمره؟ حتى صار حبا حصيدا وثمرا نضيجا. ام الله الذي انفرد بذلك وحده وانعم به عليكم وانتم غاية ما تفعلون ان تحرثوا الارض وتشقوها وتلقوا فيها البذور ثم بعد ذلك لا علم عندكم بما يكون بعد ذلك. ولا قدرة لكم على اكثر من ذلك. ومع ذلك فنبههم على ان ذلك الحرث معرض للاخطار لولا حفظ الله وابقاؤه لكم بلغة ومتاعا الى حين. فقال لو نشاء لجعلناه اي الزرع المحروث وما فيه من الثمار نار حطام اي فتاتا متحطما لا نفع فيه ولا رزق. فظلتم اي فصرتم بسبب جعله حطاما بعد ان تعبتم فيه وانفقتم النفقات الكثيرة. تفكهون اي تندمون وتحسرون على ما اصابكم ويزول بذلك فرحكم وسروركم وتفكهكم فتقولون اي انا قد نقصنا واصابتنا مصيبة اجتاحتنا. ثم تعرفون بعد ذلك من اين اوتيتم؟ وباي سبب دهيتم؟ فتقولون بل نحن فاحمدوا الله تعالى حيث زرعه الله لكم. ثم ابقاه وكمله لكم. ولم يرسل عليه من الافات ما تحرمون نفعه وخيره لو نشاء فلولا تشكرون. لما ذكر تعالى نعمته على عباده بالطعام. ذكر نعمته عليهم بالشراب العذب الذي منه يشربون. وانهم لولا ان الله يسره وسهله لما كان لكم سبيل اليه وانه الذي انزله من المزن وهو السحاب والمطر ينزله الله تعالى فيكون منه الانهار الجارية على وجه الارض وفي بطنها ويكون منه الغدران المتدفقة. ومن نعمته ان جعله عذبا فراتا. تصيغه النفوس. ولو شاء لجعله ملحا اجاجا. مكروها للنفوس لا ينتفع به. فلولا تشكرون الله تعالى على ما انعم به عليكم افرأيتم النار التي ترون شجرتها ام نحن المنشئون وهذه نعمة تدخل في الضروريات التي لا غنى للخلق عنها. فان الناس محتاجون اليها في كثير من امورهم وحوائجهم فقررهم تعالى بالنار التي اوجدها في الاشجار. وان الخلق لا يقدرون ان ينشئوا شجرها. وانما الله تعالى الذي انشأها من الشجر الاخضر اذا هي نار توقد بقدر حاجة العباد. فاذا فرغوا من حاجتهم اطفئوها واخمدوها نحن جعلناها تذكرة للعباد بنعمة ربهم وتذكرة بنار جهنم التي مدها الله للعاصين وجعلها سوطا يسوق به عباده الى دار النعيم. ومتاعا للمقوين اي المنتفعين او المسافرين. وخص الله المسافرين. لان نفع المسافر بذلك اعظم من غيره. ولعل السبب في ذلك لان الدنيا كلها دار سفر. والعبد من حين ولد فهو مسافر الى ربه. فهذه النار جعلها الله متاعا للمسافرين ان في هذه الدار وتذكرة لهم بدار القرار. فلما بين من نعمه ما يوجب الثناء عليه من عباده. وشكره وعبادته امر تسبيحه وتحميده فقال اي نزه ربك العظيم كامل الاسماء والصفات كثير الاحسان والخيرات. واحمده بقلبك ولسانك وجوارحك. لانه اهل لذلك. وهو المستحق لان يشكر فلا يكفر. ويذكر لا ينسى ويطاع فلا يعصى. اقسم تعالى بالنجوم ومواقعها اي مساقطها في مغاربها وما يحدث الله في تلك الاوقات من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده. ثم عظم هذا وانما كان القسم عظيما. لان في النجوم وجريانها وسقوطها عند مغاربها ايات وعبرا لا يمكن حصرها المقسم عليه فهو اثبات القرآن. وانه حق لا ريب فيه. ولا شك يعتريه. وانه كريم. اي كثير الخير. وزير العلم فكل خير وعلم فانما يستفاد من كتاب الله ويستنبط منه. اي مستور عن اعين الخلق وهذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ. اي ان هذا القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ. معظم عند الله وعند ملائكته في الملأ الاعلى ويحتمل ان المراد بالكتاب المكنون والكتاب الذي بايدي الملائكة الذين ينزلهم الله بوحيه وتنزيله ان المراد بذلك انه مستور عن الشياطين لا قدرة لهم على تغييره ولا الزيادة والنقص منه واستراقه لا المطهرون. اي لا يمس القرآن الا الملائكة الكرام. الذين طهرهم الله تعالى من الافات والذنوب والعيوب اذا كان لا يمسه الا المطهرون. وان اهل الخبث والشياطين لا استطاعة لهم ولا يدان الى مسه. دلت الاية بتنبيهها على انه لا يجوز ان يمس القرآن الا طاهر. كما ورد بذلك الحديث. ولهذا قيل ان الاية خبر بمعنى النهي. اي لا يمس القرآن الا طاهر. اي ان هذا القرآن الموصوف بتلك الصفات الجليلة هو تنزيل رب العالمين. الذي يربي عباده بنعمه الدينية والدنيوية. ومن اجل تربية ربى بها عباده. انزاله هذا القرآن الذي قد اشتمل على مصالح الدارين ورحم الله به العباد رحمة لا يقدرون لها شكورا. ومما يجب عليهم ان يقوموا به ويعلنوه ويدعوا اليه ويصدعوا به. ولهذا قال اي افبهذا الكتاب العظيم والذكر الحكيم انتم تدهنون اي تختفون وتدلسون خوفا من الخلق وعارهم والسنتهم. هذا لا ينبغي ولا يليق انما يليق ان يداهن بالحديث الذي لا يثق صاحبه منه. واما القرآن الكريم فهو الحق الذي لا يغالب به مغالب الا غلب ولا يصول به صائل الا كان العالي على غيره. وهو الذي لا يداهن به ولا يختفى. بل يصدع به ويعلم. وقوله اي وتجعلون مقابلة منة الله عليكم بالرزق التكذيب والكفر لنعمة الله فتقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وتضيفون النعمة لغير مسديها وموليها. فهلا شكرتم الله تعالى على احسانه اذ انزله الله اليكم ليزيدكم من فضله. فان التكذيب والكفر داع لرفع النعم وحلول النقم بلغت الحلق وانتم حينئذ ونحن اي فهلا اذا بلغت الروح الحلقوم وانتم تنظرون في هذه الحالة والحال انا نحن اقرب اليه منكم بعلمنا وملائكتنا ولكن لا تبصرون. فلولا ان كنتم غير مدينين ترجعونها ترجعونها ان كنتم صادقين اي فهلا اذا كنتم تزعمون انكم غير مبعوثين ولا محاسبين ومجازين. ترجعون الروح الى بدنها وانتم تقرون انكم عاجزون عن ردها الى موضعها. فحين اما ان تقروا بالحق الذي جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم. واما ان تعاندوا وتعلم حالكم وسوء مآلكم ذكر الله تعالى احوال الطوائف الثلاث المقربين واصحاب هذا اليمين والمكذبين الضالين في اول السورة في دار القرار. ثم ذكر احوالهم في اخرها عند الاحتضار والموت قال فاما ان كان الميت من المقربين وهم الذين ادوا الواجب والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وفضول المباحات فلهم روح اي راحة وطمأنينة وسرور وبهجة ونعيم القلب والروح وريحان. وهو اسم جامع لكل لذة بدنية. من انواع المآكل والمشارب وغيرهما. وقيل الريحان هو المعروف فيكون تعبيرا بنوع شيء عن جنسه العام. جامعة للامراض اليهما فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة التي تكاد تطير منها الارواح من الفرح والسرور. كما قال تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا. وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة. ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون. نزلا من غفور رحيم. وقد اول قوله تبارك وتعالى لهم البشرى في الحياة دنيا وفي الاخرة ان هذه البشارة المذكورة هي البشرى في الحياة الدنيا. وقوله اصحاب اليمين فسلام لك من اصحاب اليمين. واما ان كان من اصحاب وهم الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات. وان حصل منهم التقصير في بعض الحقوق التي لا تخل بتوحيدهم وايمانهم. فيقال لاحدهم اي سلام حاصل لك من اخوانك اصحاب باليمين ان يسلمون عليه ويحيونه عند وصوله اليهم ولقائهم له. او يقال له سلام لك من الافات والباليات والعذاب لانك من اصحاب اليمين الذين سلموا من الذنوب الموبقات واما ان كان من المكذبين الضالين اي الذين كذبوا بالحق وضلوا عن الهدى. فنزل من حميم. اي ضيافتهم يوم قدومهم على ربهم تصلية الجحيم التي تحيط بهم وتصل الى افئدتهم. واذا استغاثوا من شدة العطش والظمأ يغاثوا كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ان هذا الذي ذكره الله تعالى من جزاء العباد باعمالهم خيرها وشرها وتفاصيل ذلك هو حق اليقين اي الذي لا شك فيه ولا مرية بل هو الحق الثابت الذي لا بد من وقوعه. وقد اشهد الله عباده الادلة القواطع على ذلك حتى صار عند اولي الالباب كانهم ذائقون له مشاهدون له. فحمدوا الله تعالى على ما خصهم به من هذه النعمة العظيمة والمنحة الجسيمة ولهذا قال تعالى سبحان ربنا العظيم وتعالى وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا. والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه بسم الله الرحمن الرحيم. يخبر قال عن عظمته وجلاله وسعة سلطانه ان جميع ما في السماوات والارض من الحيوانات الناطقة والصامتة وغيرها والجوامد تسبح بحمد ربها وتنزهه عما لا يليق بجلاله. وانها قانتة لربها منقادة لعزته. قد ظهرت فيها اثار حكمته. ولهذا قال فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوقات العلوية والسفلية لربه فيها في جميع احوالها وعموم عزته وقهره للاشياء كلها. وعموم حكمته في خلقه وامره. ثم اخبر عن عموم ملكه فقال له ملك السماوات والارض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. له ملك السماوات والارض ارضي يحيي ويميت. اي هو الخالق لذلك. الرازق المدبر لها بقدرته. وهو على كل شيء قدير. هو الاول والاخر الظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم. هو الاول الذي ليس قبله شيء. والاخر الذي ليس بعده شيء قاهر الذي ليس فوقه شيء. والباطن الذي ليس دونه شيء. قد احاط علمه بالظواهر والبواطن والسرائر والخفايا والامور المتقدمة والمتأخرة ما استوى على العرش يعلم ما يرد في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير. هو الذي خلق السماوات والارض في ستة اشهر ايام اولها يوم الاحد واخرها يوم الجمعة. ثم استوى على العرش استواء يليق بجلاله فوق جميع خلقه يعلم ما يلج في الارض من حب وحيوان ومطر. وغير ذلك. وما يخرج منها من نبات وشجر وحيوان وغير ذلك اينزل من السماء من الملائكة والاقدار والارزاق وما يعرج فيها من الملائكة والارواح والادعية والاعمال وغير ذلك وهو معكم اينما كنتم. كقوله ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم. ولا خمسة الا هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا. وهذه المعية معية العلم والاطلاع. ولهذا توعد ووعد على المجازاة الاعمال بقوله والله بما تعملون بصير. اي هو تعالى بصير بما يصدر منكم من الاعمال. وما صدرت عنه كالاعمال من بر وفجور. فمجازيكم عليها وحافظها عليكم. له ملك السماوات والارض والى الله ترجع الام له ملك السماوات والارض ملكا وخلقا وعبيدا. يتصرف فيهم بما شاءه من اوامره القدرية والشرعية جارية على الحكمة الربانية. والى الله ترجع الامور من الاعمال والعمال. في عرض عليه العباد فيميز الخبيث من الطيب ويجازي المحسن باحسانه والمسيء باساءته يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. اي يدخل الليل على النهار فيغشيهم الليل بظلامه التجهز له فقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا؟ وهي النفقة الطيبة التي تكون خالصة لوجه الله موافقة لمرضاة الله من مال حلال طيب. طيبة به نفسه وهذا من كرم الله تعالى حيث سماه قرضا. والمال ماله والعبد عبده ووعد فيسكنون ويهدأون ثم يدخل النهار على الليل فيزول ما على الارض من الظلام ويضيء الكون فيتحرك العباد ويقومون الى مصالحهم ومعايشهم. ولا يزال الله يكور الليل على النهار. والنهار على الليل ويداول بينهما في الزيادة والنقص والطول والقصر حتى تقوم بذلك الفصول وتستقيم الازمنة. ويحصل من المصالح ما يحصل بذلك. فتبارك الله رب العالمين. وتعالى الكريم الجواد الذي انعم على عباده بالنعم الظاهرة والباطنة. اي بما يكون في صدور العالمين من يعلم انه اهل لذلك ويخذل من يعلم انه لا يصلح لهدايته ما جعلكم مستخلفين فيه. فالذين امنوا منكم وانفقوا لهم اجرا كبير يأمر تعالى عباده بالايمان به وبرسوله وبما جاء به. وبالنفقة في سبيله من الاموال التي جعلها الله في ايديهم واستخلف فهم عليها لينظر كيف يعملون. ثم لما امرهم بذلك رغبهم وحثهم عليه بذكر ما رتب عليه من الثواب. فقال الذين امنوا منكم وانفقوا لهم اجرا كبير. فالذين امنوا منكم وانفقوا اي جمعوا بين الايمان بالله ورسوله والنفقة في سبيله لهم اجر كبير اعظمه واجله رضى ربهم والفوز بدار كرامته وما فيها من نعيم المقيم الذي اعده الله للمؤمنين والمجاهدين. ثم ذكر السبب الداعي لهم الى الايمان وعدم المانع منه. فقال ما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد اخذ ميثاقكم ان كنتم مؤمنين ايوة ما الذي يمنعكم من الايمان؟ والحال ان الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم افضل الرسل واكرم داع دعا الى الله يدعوكم فهذا مما يوجب المبادرة الى اجابة دعوته. والتلبية والاجابة للحق الذي جاء به. وقد اخذ عليكم العهد والميثاق بالايمان ان كنتم مؤمنين. ومع ذلك من لطفه وعنايته بكم انه لم يكتفي بمجرد دعوة الرسول الذي هو اشرف العالم بل ايده بالمعجزات. ودلكم على صدق ما جاء به بالايات البينات. فلهذا قال بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور. وان الله بكم لرؤوف رحيم. هو الذي ينزل على عبده ايات بينات. اي ظاهرات تدل اهل العقول على صدق كل ما جاء به. وانه حق اليقين. ليخرجكم بارسال اليكم وما انزله الله على يده من الكتاب والحكمة. من الظلمات الى النور اي من ظلمات الجهل والكفر. الى نور العلم والايمان وهذا من رحمته بكم ورأفته. حيث كان ارحم بعباده من الوالدة بولدها. وان الله بكم لرؤوف رحيم وما لكم الا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والارض. اي وما الذي يمنعكم من النفقة في في سبيل الله وهو طرق الخير كلها. ويوجب لكم ان تبخلوا. والحال انه ليس لكم شيء. بل لله ميراث السماوات والارض. فجميع الاموال ستنتقل من ايديكم او تنقلون عنها. ثم يعود الملك الى مالكه تبارك وتعالى. فاغتنموا الانفاق ما دامت الاموال في ايديهم وانتهزوا الفرصة. ثم ذكر تعالى تفاضل الاعمال بحسب الاحوال والحكمة الالهية. فقال من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير. المراد بالفتح هنا هو فتح الحديبية حين جرى من الصلح بين الرسول وبين قريش. مما هو اعظم الفتوحات التي حصل بها نشر الاسلام. واختلاط المسلمين بالكافرين الدعوة الى الدين من غير معارض. فدخل الناس من ذلك الوقت في دين الله افواجا. واعتز الاسلام عزا عظيما. وكان المسلمون قبل هذا الفتح لا يقدرون على الدعوة الى الدين في غير البقعة التي اسلم اهلها كالمدينة وتوابعها. وكان من اسلم من اهل مكة وغيرها من ديار المشركين يؤذى ويخاف. فلذلك كان من اسلم قبل الفتح وانفق وقاتل. اعظم درجة واجرا وثوابا ممن لم يسلم ويقاتل وينفق الا بعد ذلك كما هو مقتضى الحكمة. ولذلك كان السابقون وفضلاء الصحابة غالبهم اسلم قبل الفتح. ولما كان التفضيل بين الامور قد يتوهم له نقص وقدح في المفضول احترز تعالى من هذا بقوله وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير وكلا وعد الله الحسنى. اي الذين اسلموا وقاتلوا وانفقوا من قبل الفتح وبعده. كلهم وعده الله الجنة. وهذا يدل على فضل الصحابة كلهم رضي الله عنهم حيث شهد الله لهم بالايمان ووعدهم الجنة. والله بما تعملون خبير فيجازي كلا منكم على ما يعلمه من عمله. ثم حث على النفقة في سبيله. لان الجهاد متوقف على النفقة فيه. وبذل الاموال في المضاعفة عليه اضعافا كثيرة وهو الكريم الوهاب. وتلك المضاعفة. محلها وموضعها يوم القيامة. يوم كل يتبين فقره نحتاج الى اقل شيء من الجزاء الحسن. ولذلك قال يوم ترى المؤمنين والمؤمنات نورهم بين ايديهم وبايمانهم بشراكم اليوم تجري من تحتها الانهار. خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يقول تعالى مبينا لفضل الايمان واغتباط اهله به يوم القيامة. يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم اي اذا كان يوم القيامة وكورت الشمس وخسف القمر. وصار الناس في الظلمة ونصب الصراط على متن جهنم. فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم. فيمشون بايمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل الصعب. كل على قدر ايمانه ويبشرون عند ذلك باعظم بشارة. فيقال خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم. فلله ما احلى هذه البشارة بقلوبهم والذها لنفوسهم حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب. ونجوا من كل شر ومرهوب للذين امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. قيل ارجعوا وراءكم فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من فاذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات قالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم. اي امهلونا لننال من نوركم ما نمشي به لننجو من العذاب. قيل فالتمسوا نورا. فقيل لهم ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا. اي ان كان ان ذلك ممكنا. والحال ان ذلك غير ممكن. بل هو من المحالات. فضرب بين المؤمنين والمنافقين. بسور اي حائط منيب وحصن حصين له باب باطنه فيه الرحمة وهو الذي يلي المؤمنين وظاهره من قبله العذاب وهو الذي يلي المنافق في نادي المنافقون المؤمنين فيقولون لهم تضرعا وترحما قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم مرتبتم. الم نكن معكم في الدنيا نقول لا اله الا الله ونصلي ونصوم ونجاهد ونعمل مثل عملكم. قالوا بلى كنتم معنا في الدنيا وعملتم في الظاهر في مثل عملنا ولكن اعمالكم اعمال المنافقين. من غير ايمان ولا نية صادقة صالحة. بل فتنتم انفسكم وتربصتم كتبتم اي شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شك امر الله وغركم بالله الغرور. وغرتكم الاماني الباطلة حيث تمنيتم ان تنالوا من ال المؤمنين وانتم غير موقنين. حتى جاء امر الله اي حتى جاءكم الموت وانتم بتلك الحال الذميمة فغركم بالله الغرور وهو الشيطان الذي زين لكم الكفر والريب. فاطمأننتم به ووثقتم بوعده وصدقتم خبره ثم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير. فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا فلو افتديتم بمثل الارض ذهبا ومثله معه لما تقبل منكم مأواكم النار اي مستقركم هي مولاكم التي تتولاكم وتضمكم اليها وبئس المصير النار. قال تعالى واما من خفت موازينه فامه هاوية وما ادراك ما هي نار حامية ذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون. لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الاخرة. كان ذلك مما يدعو القلوب الى الخشوع لربها والاستكانة لعظمته فعاتب الله المؤمنين على عدم ذلك. فقال الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق. اي الم يجيء الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله الذي هو القرآن وتنقاد لاوامره وزواجره. وما نزل من الحق الذي به محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى. ولما انزله من الكتاب والحكمة. وان يتذكر المؤمنون المواعظ الالهية والاحكام الشرعية كل وقت. ويحاسبوا انفسهم على ذلك اي ولا يكونوا كالذين انزل الله عليهم الكتاب الموجب خشوع القلب والانقياد التام. ثم لم يدوموا عليه ولا ثبتوا. بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة. فاضمحل ايمانهم وزال ايقانهم فقست قلوبهم وكثيرا منهم فاسقون فالقلوب تحتاج في كل وقت الى ان تذكر بما انزله الله الله وتناطق بالحكمة ولا ينبغي الغفلة عن ذلك فان ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين ايحيي الارض بعد موتها قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون. فان اياتي تدل العقول على العلم بالمطالب الالهية. والذي احيا الارض بعد موتها قادر على ان يحيي الاموات بعد موتهم. فيجازيهم باعمالهم والذي احيا الارض بعد موتها بماء المطر قادر على ان يحيي القلوب الميتة بما انزله من الحق على رسوله. وهذه الاية تدل على انه لا عقل لمن لم يهتدي بايات الله ولم ينقض لشرائع الله ان المصدقين والمصدقات بالتشديد. اي الذين اكثروا من الصدقات الشرعية والنفقات المرضية. واقرضوا الله قرضا حسنا بان من اموالهم في طرق الخيرات ما يكون مدخرا لهم عند ربهم. يضاعف لهم ما لهم اجرا كريم يضاعف لهم الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة ولهم اجر كريم وهو ما اعده الله لهم في الجنة مما لا تعلمه النفوس. والذين امنوا بالله ورسله اولئك هم والشهداء عند ربهم لهم اجرهم ونورهم. والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اولئك اصحاب الجحيم. والذي امنوا بالله ورسله والايمان عند اهل السنة هو ما دل عليه الكتاب والسنة هو قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. فالذين جمعوا بين هذه الامور هم الصديقون. اي الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين ودون مرتبة الانبياء. وقوله والشهداء عند ربهم لهم اجرهم كما ورد في الحديث الصحيح ان في الجنة مئة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض. اعدها الله للمجاهدين في سبيل وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم. وقربهم الى الله تعالى. والذين كفروا وكذبوا باياتنا اصحاب الجحيم فهذه الايات جمعت اصناف الخلق المتصدقين والصديقين والشهداء واصحاب الجحيم. فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الاحسان الى الخلق. وبذل النفع اليهم غاية ما يمكنهم خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله. والصديقون هم الذين كملوا مراتب الايمان والعمل الصالح. والعلم النافع واليقين صادق والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله لاعلاء كلمة الله وبذلوا انفسهم واموالهم فقتلوا واصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بايات الله. وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر. وهم المقتصدون الذين ادوا الواجبات وتركوا المحرمات. الا انهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله وحقوق عباده. فهؤلاء مآلهم الجنة. وان حصل لهم عقوبة ببعض ما فعل اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون كونوا حطاما وفي الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما حياة الدنيا الا متاع الغرور. يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه. ويبين غايتها وغاية اهلها. بانها ولهو تلعب بها الابدان وتلهو بها القلوب. وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من ابناء الدنيا. فانك تجدهم قد قطعوا اوقاتك اعمارهم بلهو القلوب والغفلة عن ذكر الله. وعن ما امامهم من الوعد والوعيد. وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا بخلاف اهل اليقظة وعمال الاخرة فان قلوبهم معمورة بذكر الله ومعرفته ومحبته. وقد اشغلوا اوقاتهم بالاعمال التي تقربهم الى الله. من القاصر والمتعدي وقوله وزينة اي تزين في اللباس والطعام والشراب والمراكب والدور والقصور والجاه وغير ذلك وتفاخر بينكم اي كل واحد من اهلها يريد الاخر وان يكون هو الغالب في امورها. والذي له الشهرة في احوالها. وتكاثر في الاموال والاولاد. اي كل يريد ان يكون هو الكافر لغيره في المال والولد. وهذا مصداقه وقوعه من محبي الدنيا والمطمئنين اليها. بخلاف من عرف وحقيقتها فجعلها معبرا ولم يجعلها مستقرا. فنافس فيما يقربه الى الله واتخذ الوسائل التي توصله الى الله. واذا مع من يكاثره وينافسه بالاموال والاولاد نافسه بالاعمال الصالحة. ثم ضرب للدنيا مثلا بغيث نزل على الارض فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام. حتى اذا اخذت الارض زخرفها واعجب نباته الكفار الذي قصروا هممهم ونظرهم الى الدنيا جاءها من امر الله ما اتلفها فهاجت ويبست فعادت على حالها الاولى كانه لم ينبت فيها خضراء ولا رؤية لها مرئا انيقا كذلك الدنيا بينما هي زاهية لصاحبها زاهرة مهما اراد من مطالبها حصل ومهما توجه لامر من امورها وجد ابوابه اذ اصابها القدر بما اذهبها من يده وازال تسلطه عليها او ذهب به عنها فرحل منها صفر اليدين. لم يتزود منها سوى الكفن فتبا لمن اضحى هي غاية امنيته ولها عمله وسعيه. واما العمل للاخرة فهو الذي ينفع ويدخر لصاحبه يصحب العبد على الابد. ولهذا قال تعالى وفي الاخرة عذاب شديد ومغفرة من الله اي حال الاخرة ما يخلو من هذين الامرين. اما العذاب الشديد في نار جهنم واغلالها وسلاسلها واهوالها لمن كانت الدنيا هي غايته ومنتهى مطلبه. فتجرأ على معاصي الله وكذب بايات الله وكفر بانعم الله. واما مغفرة من الله للسيئات وازالة للعقوبات ورضوان من الله يحل من احله به دار الرضوان لمن عرف الدنيا وسعى للاخرة سعيه فهذا كله مما يدعو الى الزهد في الدنيا والرغبة في الاخرة. ولهذا قال وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور اي الا متاع يتمتع به وينتفع به. ويستدفع به الحاجات. لا يغتر به ويطمئن اليه الا اهل العقول الضعيفة الذين يغرهم بالله الغرور. سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ثم امر بالمسابقة الى مغفرة الله ورضوانه وجنته. وذلك يكون بالسعي باسباب المغفرة من التوبة النصوح والاستغفار النافع والبعد عن الذنوب ومظانها. والمسابقة الى رضوان الله بالعمل الصالح. والحرص على ما يرضي الله على الدوام. من الاحسان في عبادة الخالق والاحسان الى الخلق بجميع وجوه النفع. ولهذا ذكر الله الاعمال الموجبة لذلك. فقال الله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والايمان بالله ورسله يدخل فيه اصول الدين وفروعها. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. اي هذا الذي بيناه لكم وذكرنا لكم فيه الطرق موصلة الى الجنة والطرق الموصلة الى النار. وان فضل الله بالثواب الجزيل والاجر العظيم. من اعظم منته على عباده وفضله الذي لا يحصى ثناء عليه بل هو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثني عليه عباده يقول تعالى مخبرا عن عموم قضائه وقدره. ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم. وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق من خير وشر. فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ. صغيرها وكبيرها وهذا امر عظيم لا تحيط به الع يقول بل تذهل عنده افئدة اولي الالباب. ولكنه على الله يسير. لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا ب فيما اتاكم والله لا يحب كل مختال فخور. واخبر الله عباده بذلك لاجل ان تتقرر هذه القاعدة عندهم ويبنوا عليها ما اصابهم من الخير والشر. فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم مما طمحت له انفسهم وتشوفوا اليه. لعلم ان يكون ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ. لا بد من نفوذه ووقوعه فلا سبيل الى دفعه. ولا يفرح بما اتاهم الله فرح بطر واشر لعلمهم انهم ما ادركوه بحولهم وقوتهم. وانما ادركوه بفضل الله ومنه. فيشتغلوا بالشكر من اولى النعم ودفع النقم. ولهذا قال والله لا يحب كل مختال فخور. اي متكبر فظ غليظ. معجب بنفسه. فخور بنعم الله ينسبها الى نفسه وتطغيه وتلهيه. كما قال تعالى ثم اذا خولناه نعمة منا قال انما اوتيته على علم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتولى فان الله هو الغني الحميد الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل. اي يجمعون بين الامرين الذميمين الذين كل منهما كاف في الشر. البخل وهو منع الحقوق الواجبة ويأمرون الناس بذلك فلم يكفهم بخلهم حتى امروا الناس بذلك وحثوهم على هذا الخلق الذميم بقولهم وفعلهم وهذا من اعراض عن طاعة ربهم وتوليهم عنها. ومن يتولى عن طاعة الله فلا يضر الا نفسه ولن يضر الله شيئا. الذي غناه من لوازم ذاته. الذي قيل له ملك السماوات والارض وهو الذي اغنى عباده واقناهم. الحميد الذي له كل اسم حسن. ووصف كامل وفعل جميل. يستحق ان احمد عليه ويثنى ويعظم. لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقول الناس بالقسط وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب. ان الله قوي عزيز يقول تعالى لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وهي الادلة والشواهد والعلامات الدالة على صدق ما جاءوا به واحقيته وانزلنا معهم الكتاب وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب. التي انزلها الله لهداية الخلق وارشادهم. ما ينفعهم في دينهم ودنياهم والميزان وهو العدل في الاقوال والافعال. والدين الذي جاءت به الرسل. كله عدل وقسط في الاوامر والنواهي. وفي معاملة الخلق. وفي الجنايات والقصاص والحدود والمواريث وغير ذلك. وذلك ليقوم الناس بالقسط قياما بدين الله وتحصينا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها وهذا دليل على ان الرسل متفقون في قاعدة الشرع وهو القيام بالقسط. وان اختلفت انواع العدل بحسب الازمنة والاحوال وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. وانزلنا الحديد فيه بأس شديد من الات الحرب كالسلاح والدروع وغير ذلك. ومنافع للناس وهو ما يشاهد من نفعه في انواع الصناعات والحرف. والاواني والات الحرث حتى انه قل ان يوجد شيء الا وهو يحتاج الى الحديد اي ليقيم تعالى سوق الامتحان بما انزله من الكتاب والحديث. فيتبين من ينصره وينصر رسله في حال الغيب. التي ينفع وفيها الايمان قبل الشهادة التي لا فائدة بوجود الايمان فيها. لانه حينئذ يكون ضروريا. ان الله قوي عزيز اي لا يعجزه شيء ولا يفوته هارب. ومن قوته وعزته ان انزل الحديد الذي منه الالات القوية. ومن اخوته وعزته انه قادر على الانتصار من اعدائه. ولكنه يبتلي اولياءه باعدائه. ليعلم من ينصره بالغيب. وقرن تعالى في هذا موضع بين الكتاب والحديث لان بهذين الامرين ينصر الله دينه ويعلي كلمته بالكتاب الذي فيه الحجة والبرهان والسيف الناصر باذن الله وكلاهما قيامه بالعدل والقسط. الذي يستدل به على حكمة الباري وكماله. وكمال شريعته التي شرعها على السنة رسله ولقد ارسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب. فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون. ولما ذكر نبوة الانبياء عموما. ذكر من خواصهم النبيين الكريمين نوحا وابراهيم الذين جعل الله النبوة والكتاب في ذريتهما. فقال اي الانبياء المتقدمين والمتأخرين كلهم من نوح وابراهيم عليهما السلام. وكذلك الكتب كلها نزلت على ذرية هذين النبيين الكريمين فمنهم اي ممن ارسلنا اليهم الرسل مهتد بدعوتهم منقاد لامرهم مسترشدون وكثير منهم فاسقون. اي خارجون عن طاعة الله وطاعة الرسل والانبياء. كما قال تعالى وما اكثر الناس ولو حرصت وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله. فما رعوها حق رعايتهم فاتينا الذين امنوا منهم اجرهم وكثير منهم فاسقون. ثم قفينا اي اتبعنا على اثارهم برسلنا وكفينا بعيسى ابن مريم خص الله عيسى عليه السلام لان السياق مع النصارى الذين يزعمون اتباع عيسى عليه السلام واتيناه الانجيل الذي هو من كتب الله الفاضلة. واجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة. كما قال تعالى اذا اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا. ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى بان منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون. ولهذا كان النصارى الين من غيرهم قلوبا. حين كانوا على شريعة عيسى عليه السلام ورهبانية ابتدعوها والرهبانية العبادة. فهما ابتدعوا من عند انفسهم عبادة. ووظفوها على انفسهم. والتزموا وازم ما كتبها الله عليهم ولفرظها. بل هم الذين التزموا بها من تلقاء انفسهم. قصدهم بذلك رضا الله تعالى ومع ذلك فما رعوها حق رعايتها اي ما قاموا بها ولا ادوا حقوقها. فقصروا من وجهين. من جهة ابتداعهم ومن جهة عدم قيامهم بما فرضوه على فهذه الحال هي الغالب من احوالهم. ومنهم من هو مستقيم على امر الله. ولهذا قال منهم اجرهم وكثير منهم فاسقون. فاتينا الذين امنوا منهم اجرهم. اي الذين امنوا بمحمد صلى الله الله عليه وسلم مع ايمانهم بعيسى كل اعطاه الله على حسب ايمانه وكثير منهم فاسقون وامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا. ويجعل هل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم ما الله غفور رحيم. وهذا الخطاب يحتمل انه خطاب لاهل الكتاب الذين امنوا بموسى وعيسى عليهما السلام يأمرهم ان يعملوا بمقتضى ايمانهم بان يتقوا الله فيتركوا معاصيه ويؤمنوا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وانهم ان فعلوا ذلك اعطاهم الله كفلين من رحمته. اي نصيبين من الاجر. نصيب على ايمانهم الانبياء الاقدمين ونصيب على ايمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. ويحتمل ان يكون الامر عاما يدخل فيه اهل الكتاب وغيرهم. وهذا الظاهر وان الله امرهم بالايمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين. ظاهره وباطنه اصوله وفروعه. وانهم ان امتثلوا هذا الامر العظيم اعطاهم الله كفلين من رحمته. لا يعلم وصفهما وقدرهما الا الله تعالى. اجر على الايمان واجر على التقوى. او اجر على امتثال واجر على اجتناب النواهي. او ان التثنية المراد بها تكرار الايتاء مرة بعد اخرى به ويغفر لكم ما الله غفور رحيم. ويجعل لكم نورا تمشون به. ان يعطيكم علما وهدى ونورا تمشون به في ظلمات الجهل ويغفر لكم السيئات. والله ذو الفضل العظيم. فلا يستكثر هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم. الذي فضله اهل السماوات والارض. فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ولا اقل من ذلك. وقوله لان لا يعلم اهل الكتاب وان الفضل بيد الله من يشاء والله ذو الفضل العظيم. اي بينا لكم فضلنا واحساننا لمن امن انا ايمانا عاما واتقى الله وامن برسوله. لاجل ان اهل الكتاب يكون لديهم علم بانهم لا يقدرون على شيء من فضل الله. اي لا يشكرون على الله بحسب اهوائهم وعقولهم الفاسدة. فيقولون لن يدخل الجنة الا من كان هودا او نصارى. ويتمنون على الله الاماني ايه ده؟ فاخبر الله تعالى ان المؤمنين برسوله محمد صلى الله عليه وسلم المتقين لله لهم كفلان من رحمته ونور ومغفرة رغما على انوف اهل الكتاب وليعلموا ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. ممن اقتضت حكمته تعالى ان يؤتيه من فضله الله ذو الفضل العظيم. الذي لا يقادر قدره