المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين ايا ايها الذي من الله عليه بالنبوة واختصه بوحيه على سائر الخلق اشكر نعمة ربك عليك باستعمال تقواه. التي انت اولى بها من غيرك. والذي يجب عليك منها اعظم من سواك. فامتثل اوامره ونواهيه. وبلغ رسالاته وادي الى عباده وحيه. وابذل النصيحة للخلق. ولا يصدنك عن هذا المقصود صاد ولا يردك عنه راد. فلا تطع كل كافر قد اظهر العداوة لله ورسوله. ولا منافق قد استبطن التكذيب والكفر. واظهر ضده فهؤلاء هم الاعداء على الحقيقة فلا تطعهم في بعض الامور التي تنقض التقوى وتناقضها. ولا تتبع اهواءهم يضلوك عن واتبعوا ما يوحى اليك من ربك ولكن اتبع ما يوحى اليك من ربك فانه هو الهدى والرحمة. وارجو بذلك ثواب ربك. فانه بما تعملون خبير. يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم من الخير والشر وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا. فان وقع في قلبك انك ان لم تطعهم في اهوائهم من مضلة حصل عليك منهم ضرر او حصل نقص في هداية الخلق فادفع ذلك عن نفسك واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره وهو التوكل على الله بان تعتمد على ربك اعتماد من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. في سلامتك من شرهم وفي اقامة الدين الذي امرت به وثق بالله في حصول ذلك الامر على اي حال كان. وكفى بالله وكيلا. توكل اليه الامور فيقوم بها وبما هو اصلح للعبد. وذلك لعلمه بمصالح عبده. من حيث لا يعلم العبد وقدرته على ايصالها اليه من حيث لا يقدر عليها العبد وانه ارحم بعبده من نفسه ومن والديه وارأف به من كل احد خصوصا خواص عبيده الذين لم يزل ببرك ويدر عليهم بركاتهم ظاهرة والباطنة خصوصا وقد امره بالقاء اموره اليه ووعده. فهناك لا تسأل عن كل امر يتيسر وصعب يسهل وخطوب تهون وكروب تزول واحوال وحوائج تقضى وبركات تنزل ونقم تدفع ترفع وهناك ترى العبد الضعيف الذي فوض امره لسيده. قد قام بامور لا يقوم بها امة من الناس. وقد سهل الله عليه ما كان يصعب على فحول الرجال. وبالله المستعان ظاهرون منهن امهاتكم وما جعل ادعياء بافواهكم والله يقول الحق والله يقول الحق يعاتب تعالى عباده عن التكلم بما لا حقيقة له من الاقوال. ولم يجعله الله تعالى كما قالوا فان ذلك القول منكم كذب وزور. يترتب عليه منكرات من الشرع. وهذه قاعدة عامة في التكلم في كل شيء. والاخبار بوقوع وجود ما لم يجعله الله تعالى. ولكن خص هذه الاشياء المذكورة لوقوعها وشدة الحاجة الى بيانها. فقال ما جعل الله لرجل من من قلبين في جوفه هذا لا يوجد فاياكم ان تقولوا عن احد ان له قلبين في جوفه فتكونوا كاذبين على الخلقة الالهية ظاهرون منهن امهاتكم. وما جعل ازواجكم اللائي منهن بان يقول احدكم لزوجته انت علي كظهر امي او كامي. فما جعلهن الله امهاتكم. امك من ولدتك وصارت اعظم الناس عليك حرمة وتحريما. وزوجتك احل النساء لك. فكيف تشبه احد المتناقضين بالاخر؟ هذا امر لا يجوز كما قال تعالى الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن امهاتهم. ان امهاتهم الا اللائي ولدنهم. وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا وما جعل ادعيائكم ابنائكم والادعياء الولد الذي كان الرجل يدعيه وهو ليس له او يدعى اليه بسبب تبنيه اياه. كما كان الامر بالجاهلية واول الاسلام. فاراد الله تعالى ان يبطله ويزيله. فقدم بين يدي ذلك كبيان قبحه وانه باطل وكذب وكل باطل وكذب لا يوجد في شرع الله ولا يتصف به عباد الله. يقول تعالى فالله ولم يجعل الادعية الذين تدعونهم او يدعون اليكم ابناءكم فان ابناءكم في الحقيقة من ولدتموهم وكانوا منكم واما هؤلاء الأدعياء من غيركم فلا جعل الله هذا كهذا. ذلكم القول الذي تقولون في الدعي انه ابن فلان الذي ادعاه او فلان قولكم بافواهكم اي قول لا حقيقة له ولا معنى له. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والله يقول الحق اي اليقين والصدق. فلذلك امركم باتباعه على قوله وشرعه. فقوله حق وشرعه حق. والاقوال قال والافعال الباطلة لا تنسب اليه بوجه من الوجوه. وليست من هدايتك لانه لا يهدي الا الى السبيل المستقيمة. والطرق الصادقة. وان كان ذلك واقعا بمشيئته. فمشيئته عامة لكل ما وجد من خير وشر. ثم صرح لهم بترك الحالة الاولى المتضمنة للقول الباطل فقال اباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم. وليس عليكم جناح فيما اخطأ ادعوهم اي الادعية لابائهم الذين ولدوهم هو ابسط عند الله اي اعدل واقوم واهدى. فان لم تعلموا اباءهم الحقيقيين فاخوانكم في الدين ومواليكم. اي اخوتكم في دين الله ومواليكم في ذلك. فادعوهم بالاخوة الايمانية الصادقة. والموالاة على ذلك فترك الدعوة الى من تبناهم حتم لا يجوز فعلها. واما دعاؤهم لابائهم فان علموا دعوا اليهم. وان لم يعلموا اقتصر وعلى ما يعلم منهم وهو اخوة الدين والموالاة. فلا تظنوا ان حالة عدم علمكم بابائهم عذر في دعوتهم الى من تبناهم. لان نور لا يزول بذلك وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به. بان سبق على لسان احدكم دعوته الى من تبناه. فهذا غير مؤاخذ به او علم ابوه ظاهرا فدعوتموهم اليه. وهو في الباطن غير ابيه. فليس عليكم في ذلك حرج اذا كان خطأ. ولكن يؤاخذكم بما ما تعمدت قلوبكم من الكلام بما لا يجوز. وكان الله غفورا رحيما. غفر لكم ورحمكم حيث لم يعاقبكم بما سلف وسمح لكم بما اخطأتم به. ورحمكم حيث بين لكم احكامه التي تصلح دينكم ودنياكم. فله الحمد تعالى كان ذلك في الكتاب مستورا. يخبر تعالى المؤمنين خبرا به حالة الرسول صلى الله عليه وسلم ومرتبته. فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة. فقال النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم اقرب ما للانسان واولى ما له نفسه. فالرسول اولى به من نفسه. لانه عليه الصلاة والسلام بذل لهم من النصح والشفقة رأفة ما كان به ارحم الخلق وارأفهم. فرسول الله اعظم الخلق منة عليهم من كل احد. فانه لم يصل اليه مثقال ذرة من الخير ولن دفع عنهم مثقال ذرة من الشر الا على يديه وبسببه. فلذلك وجب عليه انه اذا تعارض مراد النفس او مراد احد من الناس مع مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ان يقدم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم والا يعارض قول الرسول بقول احد لمن كان وان يفدوه بانفسهم واموالهم واولادهم. ويقدموا محبته على محبة الخلق كلهم. والا يقولوا حتى يقول ولا يتقدم بين يديه وهو صلى الله عليه وسلم اب للمؤمنين. كما في قراءة بعض الصحابة يربيهم كما يربي الوالد اولاده. فترتب فعلى هذه الابوة ان كان نساؤه امهاتهم اي في الحرمة والاحترام والاكرام لا في الخلوة والمحرمية وكأن هذا مقدمة لما يأتي في قصة زيد ابن حارثة الذي كان قبل يدعى زيد ابن محمد حتى انزل الله ما كان محمد ابا احد من رجالكم فقطع نسبه وانتسابه منه فاخبر في هذه الاية ان المؤمنين كلهم اولاد للرسول صلى الله عليه وسلم فلا مزية لاحد عن وان انقطع عن احدهم انتساب الدعوة فان نسب الايمانية لم ينقطع عنه فلا يحزن ولا يأسف. وترتب على ان زوجات الرسول امهات المؤمنين انهن لا يحلن لاحد من بعده كما صرح الله بذلك. ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا الى اولياءكم معروفا. واولو الارحام اي الاقارب قربوا او بعدوا. بعضهم اولاد ببعض في كتاب الله اي في حكمه فيرث بعضهم بعضا ويبر بعضهم بعضا. فهم اولى من الحلف والنصرة والادعياء الذين كانوا من قبل يرثون بهذه الاسباب دون ذوي الارحام. فقطعت عالى التوارث بذلك وجعله للاقارب لطفا منه وحكمة. فان الامر لو استمر على في العادة السابقة لحصل من الفساد والشر والتحيل لحرمان الاقارب من الميراث شيء كثير. من المؤمنين والمهاجرين اي سواء كان الاقارب مؤمنين مهاجرين وغير مهاجرين. فان ذوي الارحام مقدمون في ذلك. وهذه الاية حجة على ولاية ذوي الارحام في جميع الولايات كولايات النكاح والمال وغير ذلك اي ليس لهم حق مفروض وانما هو بارادتكم ان شئتم ان تتبرعوا لهم تبرعا وتعطوهم معروفا منكم كان ذلك الحكم المذكور في الكتاب مستورا. اي قد سطر وكتب. وقدره الله فلا بد من نفوذه اخذنا منهم ميثاقا غليظا يخبر تعالى انه اخذ من النبيين عموما. ومن اولي العزم وهم هؤلاء الخمسة المذكورون خصوصا. ميثاقهم الغليظ الثقيل المؤكد على القيام بدين الله والجهاد في سبيله. وان هذا سبيل قد مشى الانبياء المتقدمون. حتى ختموا بسيدهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم وامر الناس بالاقتداء بهم. وسيسأل الله الانبياء واتباعهم عن هذا العهد الغليظ. هل وفوا فيه وصدقوا فيثيبهم جنات النعيم ام كفروا فيعذبهم العذاب الاليم. قال تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فارسل اسفل منكم وافزاغت يذكر تعالى عباده المؤمنين نعمته عليهم. ويحثهم على شكرها حين جاءتهم جنود اهل مكة والحجاز من فوقهم. واهل نجد من اسفل منهم وتعاقدوا وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة. وذلك في وقعة الخندق. وما لئتهم طوائف اليهود الذين حوالي المدينة. فجاءوا عظيمة وامم كثيرة. وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة. فحصروا المدينة واشتد الامر. وبلغت القلوب الحناجر حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ لما رأوا من الاسباب المستحكمة والشدائد الشديدة. فلم يزل الحصار على المدينة مدة طويلة والامر كما وصف الله وتظنون بالله الظنون اي الظنون السيئة ان الله لا ينصر دينه ولا يتم كلمته ينزل زلزالا شديدا. هنالك ابتلي المؤمنون بهذه الفتنة العظيمة. وزلزلوا زلزالا شديدا بالخوف والقذف والجوع ليتبين ايمانهم ويزيد ايقانهم فظهر ولله الحمد من ايمانهم والشدة يقينهم ما فاقوا فيه الاولين والاخرين وعندما اشتد الكرب وتفاقمت الشدائد صار ايمانهم عين اليقين. ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله. وما زادهم الا ايمانا وتسليما. وهنالك تبين نفاق المنافقين وظهر ما كانوا يضمرون. قال قال وهذه عادة المنافق عند الشدة والمحنة لا يثبت ايمانه وينظر بعقله القاصر الى الحالة القاصرة ويصدق طائفة منهم يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا يستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون الا فرارا. واذ قالت طائفة من المنافقين بعدما جزعوا وقل صبرهم صاروا ايضا من المخذلين فلا صبروا بانفسهم ولا تركوا الناس من شرهم. فقالت هذه الطائفة يا اهل يثرب يريدون يا اهل المدينة فنادوهم باسم الوطن المنبئ عن التسمية. فيه اشارة الى ان الدين والاخوة الايمانية ليس له في قلوبهم قدر. وان الذي حملهم على ذلك مجرد الخور الطبيعي. يا اهل يثرب لا مقام لكم. اي في موضعكم الذي خرجتم اليه خارج المدينة. وكانوا عسكر الخندق وخارج المدينة فارجعوا الى المدينة. فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد وتبين انهم لا قوة لهم بقتال عدوهم يأمرونهم بترك القتال. فهذه الطائفة اشر الطوائف واضرها. وطائفة اخرى دونهم. اصابهم الجبن والجزع. واحبوا ان ينخزلوا عن الصفوف فجعلوا يعتذرون بالاعذار الباطلة وهم الذين قال الله فيهم يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة. اي عليها الخطر. ونخاف عليها ان يهجم عليها الاعداء. ونحن عنها فاذن لنا ان نرجع اليها فنحرسها وهم كذبة في ذلك. وما هي بعورة ان يريدون اي ما قصدهم الا فرارا. ولكن جعلوا هذا الكلام وسيلة وعذرا لهم. فهؤلاء قل ايمانهم وليس له ثبوت عند اشتداد المحن ولو دخلت عليهم المدينة من اقطارها اي لو دخل الكفار اليها من نواحيها واستولوا عليها لكن كان ذلك ثم سئل هؤلاء الفتنة اي الانقلاب عن دينهم والرجوع الى دين المستوليين المتغلبين لاتوها اي لاعطوها بادرين. وما تلبسوا بها الا يسيرا. اي ليس لهم منعة ولا تصلب على الدين. بل بمجرد ما تكون الدولة للاعداء يعطونهم ما طلبوا ويوافقونهم على كفرهم هذه حالهم. ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولوا هنا للادبا وكان عهد الله مسئولا. والحال انهم قد عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسؤولا. سيسألهم عن ذلك العهد. فيجدهم قد نقضوه. فما ظنهم اذا بربهم