المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله التاسع والسبعون والمائتان الحديث الخامس عن ابن عمر انه قال اصاب عمر ارضا بخيبر فاتى النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم يستأمره فيها فقال يا رسول الله اني اصبت ارضا بخيبر لم اصب مالا قط هو انفس عندي منه فما تأمرني به قال ان شئت حبست اصلها وتصدقت بها قال فتصدق بها عمر غير انه لا يباع اصلها ولا يوهب ولا يورث قال فتصدق بها عمر في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها ان يأكل منها بالمعروف او يطعم صديقا غير متمول فيه وفي لفظ غير متأثل رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته قوله في حديث ابن عمر اصاب عمر ارضا بخيبر اي لما فتح الله خيبر على رسوله قسمها فيمن حضر الحديبية فاصاب عمر نصيبه منها فاتى النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم يستأمره فيها ان يستشيره في اي وجه من وجوه الخير يصرفها فيه وقصده طلب الافضل فقال يا رسول الله اني اصبت ارضا بخيبر لم اصب مالا قط هو انفس عندي منه اي انه انفس ما له عنده فما تأمرني به فقال ان شئت حبست اصلها اي ان احببت جعلتها وقفا ومن هذا الحديث اخذ الفقهاء حد الوقف فقالوا هو تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة ويعلم من هذا انه لا يصح الوقف الا في عين ينتفع بها مع بقاء اصلها واما ما لا ينتفع فيه الا باتلافه كالطعام والشراب ونحوهما فلا يصح فيه الوقف وان بذل فعلى وجه الصدقة وقال بعض العلماء الوقف الذي هو تحبيث الاصل وتسبيل المنفعة خاص بهذه الامة لم يكن لغيرها وانما عند غيرهم الصدقة فقط وقوله وتصدقت بها اي بنفعها وفسر قوله حبست اصلها الى اخره بقوله فتصدق بها عمر غير انه لا يباع اصلها ولا يوهب ولا يورث فهو محبوس عن هذه التصرفات في اصله ونحوها مما يراد للتملك كالرهن واما الثمرة فانه يتصرف فيها كغيرها وقوله فتصدق عمر في الفقراء اي المحاويج وفي القربى اي قرابة الرسول وفي الرقاب اي المماليك والمكاتبين والاسارى وفي سبيل الله اي الجهاد ونحوه وابن السبيل اي الغريب والضيف لا جناح على من وليها اي الناظر عليها ان يأكل منها بالمعروف اي قدر كفايته من غير اسراف او يطعم صديقا اي بالمعروف ولهذا قال غير متمول فيه وفي لفظ غير متأثل اي غير اخذ فوق حاجته يتخذه وراءه ما لم يتموله وفي هذا الحديث فوائد عديدة منها مشروعية الوقف ومنها ان الوقف تحبيس الاصل وتسبيل المنفعة ومنها معرفة شروط الوقف وانه لا يصح الا في عين ينتفع فيها مع بقاء عينها وانه لا يصح الا على بر ومنها انه ينبغي لمن اراد ان يفعل شيئا ان يستشير من هو اعلم منه فيه فلا خاب من استخار ولا ندم من استشار ومنها انه يلزم من استشير ان ينصح من استشاره ومنها ان الوقف من افضل القربات وهو عين جارية ومنها انه لا بد من ناظر للوقف وينبغي ان يعين له احسن من يجد ومنها انه ان احتاج الناظر فله الاكل بالمعروف وكذا كل من تولى مالا بلا عوض معين ولم يكن متبرعا بعمله فله الاكل منه بالمعروف قال الفقهاء فيمن تولى مال اليتيم وله ان يأكل الاقل من كفايته او اجرته ومنها انه ينبغي لمن تصدق بصدقة او اوصى بوصية ان يعين مصرفها وان يتخير لها احسن وجوه البر واذا تأملت وصايا الناس اليوم وجدت اكثرها او كلها على غير الشرع فتجده يوقف على اولاده ويحرم باقي الورثة وهذا لا يجوز فاذا اراد ان ينفع اولاده فليترك المال لهم ولا يوصي بشيء وله بذلك اجر كما ان له اجرا بالنفقة عليهم في حياته خصوصا اذا كان قليل المال فترك الوصية له اولى ولم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا اصحابه ولا التابعين يعرف هذا الوقف ولهذا لما كان مخالفا للشرع تجد فيه من الجور والظلم ما فيه فيحرم بعض ورثته ويحرم منه اولاد البنات ولهذا لما كان على غير الوجه المأمور به تجد بين اهله من الشقاق والعداوة شيئا كثيرا وكل هذا من اسباب العدول عن المشروع وقد ورد في التحذير عن ذلك الانسان يعمل في طاعة الله سبعين عاما ثم يحيف في وصيته فيدخل النار او كما قال فينبغي لمن اراد الوصية او الوقف ان يجعل ذلك اما لمصلحة مسجد معين او لاقاربه المحتاجين غير الورثة ونحو ذلك من وجوه البر كالمدارس وابن السبيل