المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي وارسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير لما ذكر فضله على داوود عليه السلام ذكر فضله على ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام. وان الله سخر له الريح تجري بامره وتحمله. وتحمل جميع ما معه المسافة البعيدة جدا في مدة يسيرة. فتسير في اليوم مسيرة شهرين غدوها شهر اي اول النهار الى الزوال ارواحها شهر من الزوال الى اخر النهار. واسلنا له عين القطر. اي سخرنا له عين النحاس وسهلنا له الاسباب في استخراجه يستخرج منها من الاواني وغيرها. وسخر الله له ايضا الشياطين والجن. لا يقدرون ان يستعصوا عن امره منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير. واعمالهم محاريب وتماثيل وجفان كل ما شاء سليمان عملوه من محاريب وهو كل بناء يعقد وتحكم به الابنية. فهذا فيه ذكر الابنية الفخمة. وتماثيل اي صور الحيوانات والجماد من اتقان صنعتهم وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان وجفان كالجواب اي كالبرك الكبار يعملونها ال سليمان للطعام لانه يحتاج الى ما لا يحتاج اليه غيره. ويعملون له قدورا راسيات. لا تزول عن اماكنها من عظم فلما ذكر منته عليهم امرهم بشكرها فقال اعملوا ال داوود وهم داوود واولاده واهله لان المنة على الجميع وكثير من المصالح عائد لكلهم. شكرا لله على ما اعطاهم ومقابلة لما اولاهم. وقليل فاكثرهم لم يشكروا الله تعالى على ما اولاهم من نعمه ودفع عنهم من النقم والشكر اعتراف القلب بمنة الله تعالى وتلقيها افتقارا اليه وصرفها في طاعة الله تعالى وصونها عن صرفها في المعصية الارض تأكل من سأته. فلما خرت بينت كانوا يعلمون الغيب ما لبسوا في العذاب المهين فلم يزل الشياطين يعملون لسليمان عليه الصلاة والسلام كل بناء. وكانوا قد موهوا على الانس واخبروهم انهم يعلمون الغيب ويطلعون على المكنونات. فاراد الله تعالى ان يري العباد كذبهم في هذه الدعوة. فمكثوا يعملون على عملهم. وقضى الله الموت على فسليمان عليه السلام واتكأ على عصاه وهي المنسأة فصاروا اذا مروا به وهو متكئ عليها ظنوه حيا وهابوه فغدوا على عملهم كذلك سنة كاملة على ما قيل. حتى سلطت دابة الارض على عصاه. فلم تزل ترعاها حتى باد وسقط فسقط سليمان عليه السلام وتفرقت الشياطين وتبينت الانس ان الجن ما لبسوا في العذاب المهين وهو العمل الشاق عليهم. فلو علموا الغيب لعلموا موت سليمان الذي هم احرص شيء عليه ليسلموا مما هم فيه. لقد كان لسبب في مسكنهم اية كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب في اكل خنط واسلم وشيء من سدر قليل. ذلك جزيناهم بما كفروا سيروا فيها ليالي واياما امنين. فقالوا ربنا باعد سبأ قبيلة معروفة في ادان اليمن ومسكنهم بلدة يقال له مأرب ومن نعم الله ولطفه بالناس عموما. وبالعرب خصوصا انه قص في القرآن اخبار المهلكين والمعاقبين. ممن كان العرب ويشاهد اثاره ويتناقل الناس اخباره ليكون ذلك ادعى الى التصديق واقرب للموعظة فقال لقد كان سبأ في مسكنهم اي محلهم الذي يسكنون فيه. اية والاية هنا ما ادر الله عليه من النعم. وصرف عنهم من النقم الذي يقتضي ذلك منهم ان يعبدوا الله ويشكروه. ثم فسر الاية بقوله وكان لهم واد عظيم. تأتيه سيول كثيرة. وكانوا بنوا سدا محكما. يكون مجمعا للماء. فكانت السيول تأتيه فيجتمع هناك ماء عظيم. فيفرقونه على بساتينهم التي عن يمين ذلك الوادي وشماله. وتغل لهم تلك الجنتان العظيمتان من الثمار ما يكفيهم ويحصل لهم به الغبطة والسرور. فامرهم الله بشكر نعمه التي ادرها عليهم من وجوه كثيرة. منها هاتان الجنتان اللتان غالب اقواتهم منهما. ومنها ان الله جعل بلدهم بلدة طيبة بحسن هوائها وقلة وخامها وحصول الرزق الرغد فيها ومنها ان الله تعالى وعدهم ان شكروا ان يغفر لهم ويرحمهم. ولهذا قال ومنها ان الله لما علم احتياجهم في تجارتهم ومكاسبهم الى الارض المباركة حركة الظاهر انها قرى صنعاء. قاله غير واحد من السلف. وقيل انها الشام هيأ لهم من الاسباب ما به يتيسر وصولهم اليها بغاية السهولة من الامن وعدم الخوف وتواصل القرى بينهم وبينها. بحيث لا يكون عليهم مشقة بحمل الزاد والمزاد ولهذا قال وقدرنا فيها السير اي سيرا مقدرا يعرفونه ويحكمون عليه. بحيث لا يتيهون عنه ليالي واياما امنين اي مطمئنين في السير في تلك الليالي والايام غير خائفين. وهذا من تمام نعمة الله عليهم ان امنهم من الخوف فاعرضوا عن المنعم وعن عبادته. وبطر النعمة وملوها حتى انهم طلبوا وتمنوا ان تتباعد اسفارهم بين تلك القرى التي كانت السير فيها متيسرا. وظلموا انفسهم بكفرهم بالله وبنعمته. فعاقبهم الله تعالى بهذه النعمة التي اطغتهم فابادها عليهم فارسل عليهم سيل العرم. اي السيل المتوعر الذي خرب سدهم واتلف جناتهم وخرب بساتينهم. فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة والاشجار المثمرة. وصار بدلها اشجار لا نفع فيها ولهذا قال ذواتي اكل اي شيء قليل من الاكل الذي لا يقع منه موقعا وهذا كله شجر معروف وهذا من جنس عملهم. فكما بدلوا الشكر الحسن بالكفر القبيح فضلوا تلك النعمة بما ذكر. ولهذا قال ايها النجازي جزاء العقوبة بدليل السياق الا من كفر بالله وبطل النعمة. فلما اصاب ما اصابهم تفرقوا وتمزقوا بعد ما كانوا مجتمعين. وجعلهم الله احاديث يتحدث بهم واسمارا للناس وكان يضرب بهم المثل فيقال تفرقوا ايدي سبأ. فكل احد يتحدث بما جرى لهم ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم الا من قال الله ان في ذلك لايات لكل صبار شكور. صبار على المكاره والشدائد يتحملها لوجه الله ولا يتسخطها بل يصبر عليها شكور لنعمة الله تعالى يقر بها ويعترف ويثني على من اولاها ويصرفها في طاعته. فهذا اذا سمع بقصتهم وما جرى منهم وعليهم عرف بذلك ان تلك العقوبة جزاء لكفرهم نعمة الله وان من فعل مثلهم فعل به كما فعل بهم. وان شكر الله تعالى حافظ للنعمة دافع للنقمة. وان رسل والله صادقون فيما اخبروا به وان الجزاء حق. كما رأى انموذجه في دار الدنيا ثم ذكر ان قوم سبأ من الذين صدق عليهم ابليس ظنا حيث قال لربه فبعزتك لاغوينهم اجمعين. الا عبادك منهم المخلصين. وهذا ظن من ابليس لا يقين لانه لا يعلم الغيب ولم يأته خبر من الله انه سيغويهم اجمعين الا من استثنى. فهؤلاء وامثالهم ممن صدق عليهم ابليس ظنه ودعاهم واغواهم. ممن لم يكفر بنعمة فانه لم يدخل تحت ظن ابليس. ويحتمل ان قصة سبأ انتهت عند قوله ان في ذلك لايات لكل صبار شكور ثم ابتدأ فقال ولقد صدق عليهم اي على جنس الناس فتكون الاية عامة في كل من اتبعه. ثم قال تعالى وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو منها وما كان له اي لابليس عليهم من سلطان اي تسلط وقهر وقصر على ما يريده منهم. ولكن حكمة الله تعالى اقتضت تسليطه وتسويله لبني ادم. لنعلم من نؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك. اي ليقوم سوق الامتحان ويعلم به الصادق من الكاذب ويعرف من كان ايمانه صحيحا عند الامتحان والاختبار والقاء الشبه الشيطانية. ممن ايمانه غير ثابت يتزلزل بادنى شبهة. ويزول باقل داع يدعوه سئل ضده فالله تعالى جعله امتحانا. يمتحن به عباده. ويظهر الخبيث من الطيب يحفظ العباد ويحفظ عليهم اعمالهم ويحفظ تعالى جزاءها. فيوفيهم اياها كاملة موفرة