المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اي يا ايها الرسول للمشركين بالله غيره من المخلوقات التي لا تنفع ولا تضر ملزما لهم بعجزها ومبينا لهم بطلان سادتها ادع الذين زعمتم من دون الله اي زعمتموهم شركاء لله ان كان دعاؤكم ينفع فانهم قد توفرت فيهم اسباب العجز وعدم اجابة الدعاء من كل وجه فانهم ليس لهم ادنى ملك فلا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض على وجه الاستقلال ولا على وجه الاشتراك. ولهذا قال وما لهم اي لتلك الالهة الذين زعمتم فيهما اي في السماوات والارض من شرك اي لا شرك قليل ولا كثير فليس لهم ملك ولا شركة ملك. بقي ان يقال ومع ذلك فقد يكونون اعوانا للمالك ووزراء فدعاؤهم يكون نافعا لانهم بسبب حاجة الملك اليهم يقضون حوائج من تعلق بهم. فنفى تعالى هذه المرتبة فقال وماله اي لله تعالى الواحد القهار منهم اي من هؤلاء المعبودين من ظهير اي معاون ووزير يساعده على الملك والتدبير. فلم يبق الا الشفاعة فنفاها بقوله ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له. فهذه انواع التعلقات التي يتعلق بها المشركون بانداد واوثانهم من البشر والشجر وغيرهم. قطعها الله وبين بطلانها تبيينا حاسما لمواد الشرك. قاطعا لاصوله ان المشرك انما يدعو ويعبد غير الله لما يرجو منه من النفع. فهذا الرجاء هو الذي اوجب له الشرك. فاذا كان من يدعوه غير الله لا مالكا للنفع والضر ولا شريكا للمالك ولا عونا وظهيرا للمالك. ولا يقدر ان يشفع بدون اذن المالك. كان هذا الدعاء وهذه في العبادة ضلالا في العقل باطلة في الشرع. بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده. فانه يريد منها النفع فبين الله بطلانه وعدمه. وبين في ايات اخر ضرره على عابديه. وانه يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض. ويلعن بعضهم بعضا ومأواهم النار. واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. والعجب ان المشرك استكبر عن القيادي للرسل بزعمه انهم بشر. ورضي ان يعبد ويدعو الشجر والحجر. استكبر عن الاخلاص للملك الرحمن الديان. ورضي بعباده من ضره اقرب من نفعه طاعة لاعدى عدو له وهو الشيطان. وقوله قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير. يحتمل ان الضمير في هذا الموضع يعود الى المشركين لانهم مذكورون في اللفظ. والقاعدة في الضمائر ان تعود الى اقرب مذكور. ويكون المعنى اذا كان يوم القيامة وفزع عن قلوب المشركين اي زال الفزع. وسئلوا حين رجعت اليهم عقولهم عن حالهم في الدنيا. وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل انهم يقرون ان ما هم عليه من الكفر والشرك باطل. وان ما قال الله واخبرت به عنه رسله هو الحق. فبدأ سالهم ما كانوا يخفون من قبل. وعلموا ان الحق لله واعترفوا بذنوبهم. وهو علي بذاته فوق جميع مخلوقاته. وقهره لهم وعلو قدره بما له من الصفات العظيمة جليلة المقدار. الكبير في ذاته وصفاته ومن علوه ان حكمه تعالى يعلو وتذعن له النفوس حتى نفوس المتكبرين والمشركين وهذا انا اظهر وهو الذي يدل عليه السياق ويحتمل ان الضمير يعود الى الملائكة. وذلك ان الله تعالى اذا تكلم بالوحي سمعته الملائكة فصعقوا وخروا لله سجدا. فيكون اول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما اراد. واذا زال الصعق عن قلوب للملائكة وزال الفزع. فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك الكلام الذي صعقوا منه. ماذا قال ربكم؟ فيقول بعضهم لبعض. قال الحق اما اجمالا لعلمهم انه لا يقول الا حقا. واما ان يقولوا قال كذا وكذا بالكلام الذي سمعوه منه. وذلك من فيكون المعنى على هذا ان المشركين الذين عبدوا مع الله تلك الالهة التي وصفنا لكم عجزها ونقصها وعدم نفعها من الوجوه كيف صدفوا وصرفوا عن اخلاص العبادة للرب العظيم؟ العلي الكبير الذي من عظمته وجلاله ان الملائكة الكرام والمقربين من الخلق يبلغ بهم الخضوع والصعق عند سماع كلامه هذا المبلغ. ويقرون كلهم لله انه ليقول الا الحق فما بال هؤلاء المشركين استكبروا عن عبادة من هذا شأنه. وعظمة ملكه وسلطانه. فتعالى العلي الكبير عن شرك المشركين وافكهم وكذبهم يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ان يقول لمن بالله ويسأله عن حجة شركه من يرزقكم من السماوات والارض فانهم لابد ان يقروا انه الله ولئن لم يقروا قل فانك لا تجد من يدفع هذا القول فاذا تبين ان الله وحده الذي يرزقكم من السماوات والارض وينزل لكم المطر وينبت لكم النبات ويفجر لكم الانهار ويطلع لكم من ثمار الاشجار وجعل لكم الحيوانات جميعها لنفعكم ورزقكم فلما معه من لا يرزقكم شيئا ولا يفيدكم نفعا. وقوله اي احدى الطائفتين منا ومنكم على الهدى مستعلية عليه او في ضلال مبين. منغمرة فيه وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق واتضح له الصواب. وجزم بالحق الذي هو عليه وبطلان ما عليه خصمه. اي قد شرحنا من الواضحة عندنا وعندكم ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه. من المحق منا ومن المبطل؟ ومن المهتدي؟ ومن الضال؟ حتى ان انه يصير التعيين بعد ذلك لا فائدة فيه. فانك اذا وازنت بين من يدعو الى عبادة الخالق لسائر المخلوقات المتصرف فيها بجميع انواع تصرفات المسي جميع النعم الذي رزقهم واوصل اليهم كل نعمة. ودفع عنهم كل نقمة. الذي له الحمد كله والملك كله وكل احد من الملائكة فما دونهم خاضعون لهيبته. متذللون لعظمته. وكل الشفعاء تخافه. لا يشفع احد منهم عنده الا باذنه العلي الكبير في ذاته واوصافه وافعاله. الذي له كل كمال وكل جلال وكل جمال. وكل حمد وثناء ومجد يدعو الى التقرب لمن هذا شأنه واخلاص العمل له. وينهى عن عبادة من سواه. وبين من يتقرب الى اوثان واصنام لا تخلق ولا ترزق ولا تملك لانفسها ولا لمن عبدها نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. بل هي جمادات لا تعقل ولا تسمع دعاء عابديها. ولو سمعته ما استجابت لهم. ويوم القيامة يكفرون بشركهم. ويتبرأون منهم ويتلاعنون بينهم. ليس لهم قسط من الملك ولا شركة فيه. ولا اعانة فيه. ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون الله. فهو ويدعو من هذا وصفه ويتقرب اليه مهما امكنه. ويعادي من اخلص الدين لله ويحاربه. ويكذب رسل الله الذين جاءوا بالاخلاص لله واحدة تبين لك اي الفريقين المهتدي من الضال والشقي من السعيد. ولم تحتج الى ان يعين لك ذلك. لان وصف قال اوضح من لسان المقال اي كل منا ومنكم له عمله. انتم لا تسألون عن اجرامنا وذنوبنا لو اذنبنا. ونحن لا نسأل عن اعمالكم. فليكن المقصود منا ومنكم طلب الحقائق وسلوك طريق الانصاف ودعوا ما كنا نعمل. ولا يكن مانعا لكم من اتباع الحق. فان احكام الدنيا تجري على على الظواهر ويتبع فيها الحق ويجتنب الباطل. واما الاعمال فلها دار اخرى يحكم فيها احكم الحاكمين. ويفصل بين من المختصين اعدل العادلين. ولهذا قال ثم يفتح بيننا ان يحكم بيننا حكما يتبين به الصادق من الكاذب والمستحق قل الثواب من المستحق للعقاب وهو خير الفاتحين كلا كلا بل هو الله العزيز الحكيم. قل لهم يا ايها الرسول ومن ناب منابك اروني الذين الحقتم به شركاء. اي اين هم؟ واين السبيل الى معرفتهم؟ وهل هم في الارض ام في السماء فان عالم الغيب والشهادة قد اخبرنا انه ليس في الوجود له شريك. ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم. ويقولونها هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبئون الله بما لا يعلم وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون. وكذلك خواص خلقه من الانبياء والمرسلين. لا يعلمون له شريكا. فيا ايها المشركون اروني الذين الحقتم بزعمكم الباطل بالله شركاء. وهذا السؤال لا يمكنهم الاجابة عنه. ولهذا قال الله العزيز الحكيم. كلا اي ليس لله شريك ولا ند ولا ضد. بل هو الله الذي لا يستحق التألق والتعبد الا هو. العزيز الذي قهر كل شيء. فكل ما سواه فهو مقهور مسخر مدبر. الحكيم الذي اتقن ما خلق واحسن ما شرعه ولو لم يكن في حكمته في شرعه الا انه امر بتوحيده واخلاص الدين له. واحب ذلك وجعله طريقا نجاة ونهى عن الشرك به واتخاذ الانداد من دونه. وجعل ذلك طريقا للشقاء والهلاك. لكفى بذلك برهانا على كمال حكمته. فكيف وجميع ما امر به ونهى عنه مشتمل على الحكمة يخبر تعالى انه ما ارسل رسوله صلى الله عليه وسلم الا يبشر جميع الناس بثواب الله. ويخبرهم بالاعمال الموجبة لذلك. وينذرهم عقاب الله ويخبرهم في الاعمال الموجبة لذلك فليس لك من الامر شيء. وكل ما اقترح عليك اهل التكذيب والعناد فليس من وظيفتك. انما ذلك بيد الله تعالى اي ليس لهم علم صحيح بل اما جهال او معاندون ان لم يعملوا بعلمهم فكأنهم لا علم لهم. ومن عدم علمهم جعلهم عدم الاجابة لما اقترحوه على الرسول. موجبا لرد دعوته فمما اقترحوه استعجالهم العذاب الذي انذرهم به. فقال وهذا ظلم منهم. فاي ملازمة بين صدقه وبين الاخبار بوقت وقوعه؟ وهل هذا الا رد للحق فهم في العقل اليس النذير في امر في احوال الدنيا؟ لو جاء قوما يعلمون صدقه ونصحه ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم ويعد لهم فقال لهم تركت عدوكم قد سار يريد اجتياحكم واستئصالكم. فلو قال بعضهم ان كنت صادقا فاخبرنا باي ساعة يصل الينا واين مكانه الان؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا؟ ام يحكم بسفهيه وجنونه؟ هذا والمخبر يمكن صدقه وكذبه. والعدو قد يبدو له غيرهم. وقد تنحل عزيمته وهم قد يكون بهم منعة يدافعون بها عن انفسهم. فكيف ممن كذب اصدق الخلق المعصوم في خبره. الذي لا ينطق عن الهوى بالعذاب اليقين. الذي لا مدفع له ولا ناصر منه ليس رد خبره بحجة عدم بيانه وقت وقوعه من اسفه السفه. قل لهم مخبرا بوقت وقوعه الذي لا شك فيه فاحذروا ذلك اليوم واعدوا له عدته ولو ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم الى بعض يقول الذين استضعفوا الذين استكبروا لولا انتم لكن مؤمنين لما ذكر تعالى ان ميعاد المستعجلين بالعذاب لابد من وقوعه عند حلول اجله. ذكر هنا حالهم في ذلك اليوم. وانك لو رأيت حالهم اذا وقفوا عند ربهم واجتمع الرؤساء والاتباع في الكفر والضلال. لرأيت امرا عظيما وهولا جسيما. ورأيت كيف يتراجع فيرجع بعضهم الى بعض القول يقول الذين استضعفوا وهم الاتباع للذين استكبروا وهم القادة ولكنكم حلتم بيننا وبين الايمان وزينتم لنا الكفران فتبعناكم على ومقصودهم بذلك ان يكون العذاب على الرؤساء دونهم بل كنتم مجرمين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا. مستفهمين لهم ومخبرين ان الجميع مشتركون في الجرم. انحن صددناكم عن الهدى بعد اذن جاءكم اي بقوتنا وقهرنا لكم. اي مختارين للاجرام لستم مقهورين عليه وان كنا قد زينا لكم فما كان لنا عليكم من سلطان. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار اذ تأمروننا ان نكفر بالله. اذ تأمرون بالله ونجعل له اندادا واسروا الندامة ما رأوا العذاب وجعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون. اي بل الذي دهان منكم ووصل الينا منكم ما دبرتموه من المكر في الليل والنهار. اذ تحسنون لنا الكفر وتدعوننا اليه وتقولون انه الحق. وتقدحون ففي الحق وتهجنونه وتزعمون انه الباطل. فما زال مكركم بنا وكيدكم ايانا. حتى اغويتمونا وفتنتمونا. فلم تفت المراجعة بينهم شيئا الا تبري بعضهم من بعض. والندامة العظيمة. ولهذا قال ما رأوا العذاب. اي زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض. لينجو من العذاب وعلم انه ظالم مستحق له. فندم كل منهم غاية الندم. وتمنى ان لو كان على الحق. وانه ترك الباطل الذي اوصله الى هذا هذا العذاب سرا في انفسهم لخوفهم من الفضيحة في اقرارهم على انفسهم. وفي بعض مواقف القيامة وعند دخولهم النار يظهرون ذلك الندم جهرا ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحابه السعير واجعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا. يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون هل يجزون في هذا العذاب والنكال؟ وتلك الاغلال الافتقار من الكفر والفسوق والعصيان