المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث الثامن والعشرون عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ان الدين يسر ولن يشاد الدين احد الا غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة متفق عليه وفي لفظ والقصد القصد تبلغ قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه ما اعظم هذا الحديث واجمعه للخير والوصايا النافعة والاصول الجامعة فقد اسس صلى الله عليه وعلى اله وسلم في اوله هذا الاصل الكبير فقال ان الدين يسر اي ميسر مسهل في عقائده واخلاقه واعماله وفي افعاله وطروكه فان عقائده التي ترجع الى الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب وتوصل معتقديها الى اجل غاية وافضل مطلوب واخلاقه واعماله اكمل الاخلاق واصلح الاعمال بها صلاح الدين والدنيا والاخرة وبفواتها يفوت الصلاح كله وهي كلها ميسرة مسهلة كل مكلف يرى نفسه قادرا عليها لا تشق عليه ولا تكلفه عقائده صحيحة بسيطة تقبلها العقول السليمة والفطر المستقيمة وفرائضه اسهل شيء اما الصلوات الخمس فانها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات في اوقات مناسبة لها اه وتمم اللطيف الخبير سهولتها بايجاب الجماعة والاجتماع لها فان الاجتماع في العبادات من المنشطات والمسهلات لها ورتب عليها من خير الدين وصلاح الايمان وثواب الله العاجل والاجل ما يوجب للمؤمن ان يستحليها ويحمد الله على فرضه لها على العباد اذ لا غنى لهم عنها واما الزكاة فانها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي وانما تجب على الاغنياء تتميما لدينهم واسلامهم وتنمية لاموالهم واخلاقهم ودفعا للافات عنهم وعن اموالهم وتطهيرا لهم من السيئات ومواساة لمحاويجهم وقياما لمصالحهم الكلية وهي مع ذلك جزء يسير جدا بالنسبة الى ما اعطاهم الله من المال والرزق واما الصيام فان المفروض شهر واحد من كل عام يجتمع فيه المسلمون كلهم فيتركون فيه شهواتهم الاصلية من طعام وشراب ونكاح في النهار ويعوضهم الله عن ذلك من فضله واحسانه تميم دينهم وايمانهم وزيادة كمالهم واجره العظيم وبره العميم وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير ويكون سببا لحصول التقوى التي ترجع الى فعل الخيرات كلها وترك المنكرات واما الحج فان الله لم يفرضه الا على المستطيع في العمر مرة واحدة وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده وقد فصلنا مصالح الحج ومنافعه في محل اخر قال تعالى ليشهدوا منافع لهم اي دينية ودنيوية ثم بعد ذلك بقية شرائع الاسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لاداء حق الله وحق عباده فهي في نفسها ميسرة قال تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ومع ذلك اذا عرض للعبد عارض مرض او سفر او غيرهما رتب على ذلك من التخفيفات وسقوط بعض الواجبات او صفاتها وهيئتها ما هو معروف ثم اذا نظر العبد الى الاعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة المتنوعة اه من فرض ونفل وصلاة وصيام وصدقة وغيرها واراد ان يقتدي فيها باكمل الخلق وامامهم محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم رأى ذلك غير شاق عليه ولا مانع له عن مصالح دنياه بل يتمكن معه من اداء الحقوق كلها حق الله وحق النفس وحق الاهل والاصحاب وحق كل من له حق على الانسان برفق وسهولة واما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم ولا بما علمه للامة وارشدهم اليه بل غلا واوغل في العبادات فان الدين يغلبه واخر امره العجز والانقطاع ولهذا قال ولن يشاد الدين احد الا غلبه فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو ولم يقتصد غلبه الدين واستحسر ورجع القهقرى ولهذا امر صلى الله عليه وعلى اله وسلم بالقصد وحث عليه فقال والقصد القصد تبلغ ثم وصى صلى الله عليه وعلى اله وسلم بالتسديد والمقاربة وتقوية النفوس بالبشارة بالخير وعدم اليأس فالتسديد ان يقول الانسان القول السديد ويعمل العمل السديد ويسلك الطريق الرشيد وهو الاصابة في اقواله وافعاله من كل وجه فان لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع وليقارب الغرض فمن لم يدرك الصواب كله فليكتفي بالمقاربة ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه ويؤخذ من هذا اصل نافع دل عليه ايضا قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم والمسائل المبنية على هذا الاصل لا تنحصر وفي حديث اخر يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ثم ختم الحديث بوصية خفيفة على النفوس وهي في غاية النفع فقال واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة وهذه الاوقات الثلاثة كما انها السبب الوحيد لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الاسفار الحسية مع راحة المسافر وراحة راحلته ووصوله براحة وسهولة فهي السبب الوحيد لقطع السفر الاخروي وسلوك الصراط المستقيم والسير الى الله سيرا جميلا فمتى اخذ العامل نفسه واشغلها بالخير والاعمال الصالحة المناسبة لوقته اول نهاره واخر نهاره وشيئا من ليله وخصوصا اخر الليل حصل له من الخير ومن الباقيات الصالحات اكمل حظ واوفر نصيب ونال السعادة والفوز والفلاح وتم له النجاح في راحة وطمأنينة مع حصول مقاصده الدنيوية واغراضه النفسية وهذا من اكبر الادلة على رحمة الله بعباده بهذا الدين الذي هو مادة السعادة الابدية اذ نصبه لعباده واوضحه على السنة رسله وجعله ميسرا مسهلا واعان عليه من كل وجه ولطف بالعاملين وحفظهم من القواطع والعوائق فعلمت بهذا انه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد القاعدة الاولى التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم القاعدة الثانية المشقة تجلب التيسير وقت حصولها القاعدة الثالثة اذا امرتكم بامر فاتوا منه ما استطعتم القاعدة الرابعة تنشيط اهل الاعمال وتبشيرهم بالخير والثواب المرتب على الاعمال القاعدة الخامسة الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوك الى الله التي تغني عن كل شيء ولا يغني عنها شيء فصلوات الله وسلامه على من اوتي جوامع الكلم ونوافعها