المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل السابع والعشرون في الرياضة وهي التمرن والتمرين على الامور التي تنفع في العاجل والاجل. والتدريب على سلوك الوسائل النافعة التي تدرك بها المقاصد الجليلة وهي ثلاثة اقسام رياضة الابدان ورياضة الاخلاق ورياضة الاذهان ووجه الحصر ان كمال الانسان المقصود منه تقوية بدنه لمزاولة الاعمال المتنوعة وتكميل اخلاقه ليحيى حياة طيبة مع الله ومع خلقه تحصيل العلوم النافعة الصادقة. وبذلك تتم امور العبد. والنقص انما يكون بفقد واحد من هذه الثلاثة او اثنين او كلها. والاقسام الثلاثة مما حث عليها الشرع والعقل ولو لم يكن الا الاستدلال بالقاعدة الشرعية العقلية الكبيرة وهي ان الوسائل لها احكام المقاصد وان الامر الذي يتم به المأمور به مأمور به امر ايجاب او استحباب لكفى دليلا وبرهانا على العناية بالرياضة بانواعها اما الرياضة البدنية فبتقوية البدن بالحركات المتنوعة وبالمشي والركوب واصناف الحركات المتنوعة. ولكل قوم عادة لا مشاحة في الاصطلاحات فيها اذا لم يكن فيها محذور. واذا تدبرت العوائد الشرعية في الحركات البدنية عرفت انها مغنية عن غيرها الطهارة والصلاة والمشي الى العبادات ومباشرتها وخصوصا اذا انضاف الى ذلك تذلل العبد بها. وحركات الحج والعمرة والجهاد المتنوعة وحركات العلم والتعليم والتمرين على الكلام والنظر والكتابة واصناف الصناعات والحرف كلها داخلة في الرياضة البدنية ويختلف الرياضة البدنية باختلاف الابدان قوة وضعفا ونشاطا وكسلا. ومتى تمرن على الرياضة البدنية قويت اعضاؤه واشتدت اعصابه وخفت حركاته وزاد نشاطه واستحدث قوة الى قوته يستعين بها على الاعمال النافعة. لان الرياضة البدنية من باب الوسائل التي تقصد لغيرها بها لا لنفسها. وايضا اذا قويت الابدان وحركاتها ازداد العقل وقوي الذهن وقلت الامراض او خفت واغنت الرياضة عن كثير من الادوية التي يحتاجها او يضطر لها من لا رياضة له. ولا ينبغي للعبد ان يجعل الرياضة البدنية غايته ومقصودة. فيضيع عليه وقته المقصود والغاية النافعة الدينية والدنيوية ويخسر خسرانا كثيرا كما هو دأب كثير من الناس الذين لا غاية لهم شريفة انما غاية مشاركة البهائم فقط. وهذه غاية ما احقرها وارذلها واقل بقاءها. واما رياضة الاخلاق فانها عظيمة صعبة على النفوس ولكنها يسيرة على من يسرها الله عليه ونفعها عظيم وفوائدها لا تنحصر. وذلك ان كمال العبد بالتخلق بالاخلاق الجميلة مع الله ومع خلقه لينال محبة الله ومحبة الخلق ولينال الطمأنينة والسكينة والحياة الطيبة وشعبها كثيرة جدا ولكن نموذج ذلك ان يمرن العبد نفسه على القيام بما اوجب الله عليه ويكمله بالنوافل على وجه المراقبة والاحسان. كما قال صلى الله عليه وسلم في تفسير الاحسان في عبادة الله ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. فيحاسب العبد نفسه على بها على هذا الوجه الكامل او ما يقاربه. ويقاطعها على تكميل الفرائض والجد في ايقاعها على اكمل الوجوه. وكلما رأى من نفسه قصورا او تقصيرا في ذلك جاهدها وحاسبها واعلمها ان هذا مطلوب منها. ويجاهدها على تكميل مقام الاخلاص الذي هو روح كل عمل العمل اذا كان الداعي لفعله وتكميله وجه الله وطلب رضاه والفوز بثوابه. فهذا العمل المقبول الذي قليله كثير وغايته هو اشرف الغايات ونفعه مستمر دائم. فاذا رأى من نفسه اخلالا او تقصيرا بهذا الامر لم يزل بها حتى يقيمها على الصراط المستقيم بحيث تكون الحركات الفعلية والقولية كلها خالصة لله تعالى مرادا بها ثوابه وفضله فلا يزال العبد يمرن نفسه على ذلك حتى يكون الاخلاص له طبعا ومراقبة الله حالا ووصفا. وبذلك يكون من المخلصين المحسنين. وبذلك تهون عليه الطاعات. وربما استحلى في هذا السبيل مشاق الطاعات وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وكذلك يمرن نفسه على التخلق بالاخلاق الجميلة مع الخلق على اختلاف طبقاتهم فيحسن خلقه للصغير والكبير والشريف والوضيع ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه ويحسن الى من اساء اليه قول او فعل ويمتثل ما ارشده الله اليه بقوله ولا تستوي الحسنة ولا السيئة تدفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميد. وما يلق طه الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم اخبر تعالى انها من اعظم الحظوظ المطلوبة. وانه لا يوفق لها الا الصابرون الذين مرنوا انفسهم وراوضوها على التزام هذه الاخلاق وطنوها على الاتصاف بها. فتوطين النفس على كل امر ممكن حدوثه من الناس من اقوال وافعال. وعلى الصبر عليه عون كبير على لهذا الخلق الجليل. وكذلك يمرن نفسه ويروضها على النصح لجميع الخلق. بقوله وفعله وجميع حركاته. فان النصح هو غاية الاحسان الى الخلق وهو الدين الحقيقي. ويمرنها على الصدق والعدل واستواء الظاهر والباطن. فهذه الرياضة لا يتم القيام بحقوق الله حقوق عباده الا بها. وكل امر من الامور يحتاج اليها فيه. فان النفس مجبولة على الكسل وعدم النهوض الى المكارم. فلابد من مجاهدتها على اما تصلح به امورها واما رياضة الاذهان فهو الاشتغال بالعلوم النافعة وكثرة التفكر فيها والابتداء فيما يسهل على العبد منها ثم تتدرج به الى ما فوقه ثم يتدرج به الى ما فوقه. فتعويد الذهن السكون الى صحيح العلوم وصادقها. وذوده عن فاسدها وكاذبها وما لا نفع فيه منها فان تعود السكون الى الصدق والصحيح والنفور من ضده فقد سلك بفكره وذهنه المسلك النافع وليداوم على كثرة التفكير والنظر كما حث الله على ذلك في كتابه في عدة ايات. وانفع ما ينبغي تمرين الذهن عليه كلام الله وكلام رسوله. فان فيهما الشفاء والهدى مجملا ومفصلا وفيهما اعلى العلوم وانفعها واصلحها للقلوب والدين والدنيا والاخرة. فكثرة تدبر كتاب الله وسنة رسوله. افضل على الاطلاق ويحصل فيها من تفتيح الاذهان وتوسع الافكار والمعارف الصحيحة والعقول الرجيحة. ما لا يمكن الوصول اليه بدون ذلك ذلك التفكر فيما دعا الله عباده الى التفكر فيه من السماوات والارض وما اودع فيهما من المخلوقات والمنافع ليستدل بها على التوحيد والمعادي والنبوة وبراهين ذلك. وليستخرج منها ما فيها من المنافع النافعة للناس في امور دينهم ودنياهم. فمن عود نفسه ودربها على كثرة التفكر في هذه الامور وما يتبعها فلابد ان تترقى افكاره وتتسع دائرة عقله وينشحذ ذهنه ومن ترك التفكر مدة قريحته وكل ذهنه استولت عليه الافكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع بل ضررها اكثر من نفعها. ومن الافكار النافعة الفكر في نعم الله الخاصة بالعبد والعامة. فبذلك يعرف العبد ان النعم كلها من الله وانه لا يأتي بالخير والحسنات الا الله. وانه لا يدفع الشر والسيئات الا هو. وبذلك تستجلب محبة الله. وبه يوازن العبد بين النعم والمحن. وان المحن لا نسبة لها الى النعم بوجه من الوجوه بل انها تكون في حق المؤمن القائم بوظيفة الصبر نعمة من الله. فكل ما يتقلب فيه المؤمن فهو خير له. لانه يسعى بايمانه يتكسب به في جميع تنقلاته. وهذه افضل حلل الايمان وثمراته البهيجة. وكذلك من انفع الافكار الفكر في عيوب الناس وعيوب اعمال والتوصل الى الوقوف عليها ثم السعي في طريق ازالتها. فبذلك تزكو الاعمال وتكمل الاحوال وبالله التوفيق