يعرفون اول امره واخره. وثم مانع للنفوس اخر من اتباع الداعي الى الحق. وهو انه يأخذ اموال من يستجيب له ويأخذ اجرة على دعوته. فبين الله تعالى نزاهة رسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الامر. فقال المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ان هو الا نذير لكم بين يدي لدي عذابي شديد. اي قل يا ايها الرسول لهؤلاء المكذبين المعاندين. المتصدين لرد الحق وتكذيبه والقدح ممن جاء به. انما اعظكم بواحدة اي بخصلة واحدة. اشير عليكم بها وانصح لكم في سلوكها. وهي طريق لست ادعوكم بها الى اتباع قولي ولا الى ترك قولكم من دون موجب لذلك. وهي ان تقوموا لله مثنى وفرادى. اي تنهضوا همة ونشاط وقصد لاتباع الصواب واخلاص لله مجتمعين ومتباحثين في ذلك ومتناظرين وفرادى كل واحد يخاطب نفسه بذلك. فاذا قمتم لله مثنى وفرادى استعملتم فكركم واجلتموه وتدبرتم احوال رسولكم. هل هو نون فيه صفات المجانين من كلامه وهيئته وصفته ام هو نبي صادق منذر لكم ما يضركم مما امامكم من العذاب شديد فلو قبلوا هذه الموعظة واستعملوها لتبين لهم اكثر من غيرهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون لان فئاته ليست كهيئات المجانين في خنقهم واختلاجهم ونظرهم بل هيئته احسن الهيئات وحركاته اجل الحركات هو اكمل الخلق ادبا وسكينة وتواضعا ووقارا. لا يكون الا لارزن الرجال عقلا. ثم اذا تأملوا كلامه الفصيح ولفظه مليح وكلماته التي تملأ القلوب امنا وايمانا. وتزكي النفوس وتطهر القلوب. وتبعث على مكارم الاخلاق. وتحث على محاسن وتراهب عن مساوئ الاخلاق ورذائلها. اذا تكلم رمقته العيون هيبة واجلالا وتعظيما. فهل هذا يشبه وهذيان المجانين وعربدتهم وكلامهم الذي يشبه احوالهم. فكل من تدبر احواله ومقصده استعلام هل هو رسول الله ام لا سواء تفكر وحده او مع غيره جزم بانه رسول الله حقا. ونبيه صدقا خصوصا المخاطبين. الذي هو صاحبه ان جري الا على الله وهو عليه كل شيء شهيد. قل ما سألتكم من اجر اي على اتباعكم للحق فهو لكم. اي فاشهدكم ان ذلك الاجر على التقدير انه لكم اي محيط علمه بما ادعو اليه. فلو كنت كاذبا لاخذني بعقوبته. وشهيد ايضا على اعمالكم سيحفظها عليكم ثم يجازيكم بها ولما بين البراهين على صحة الحق وبطلان الباطل. اخبر تعالى ان هذه سنته وعادته ان يقذف بالحق على الباطل فيدمغه. فاذا هو وزاهق لانه بين من الحق في هذا الموضع ورد به اقوال المكذبين ما كان عبرة للمعتبرين واية للمتأملين فانك كما ترى كيف اضمحلت اقوال المكذبين وتبين كذبهم وعنادهم وظهر الحق وسطع وبطل الباطل وانقمع وذلك بسبب بيان علام الغيوب الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب من الوساوس والشبه. ويعلم ما يقابل ذلك ويدفعه من الحجج فيعلم بها عبادة ويبينها لهم. ولهذا قال وما يعينه. قل جاء الحق اي ظهر وبان. وصار بمنزلة الشمس. وظهر سلطانه وما يعينه. اي اضمحل وبطل امره. وذهب سلطانه فلا يبدئ ولا يعيد. قل ان طلبت فان انما اضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحي الي ربي انه سميع قريب ولما تبين الحق بما دعا اليه الرسول. وكان المكذبون له يرمونه بالضلال. اخبرهم بالحق ووضحه لهم وبين لهم عجزهم عن مقاومته. واخبرهم ان رميهم له بالضلال. ليس بضائر الحق شيئا ولا دافع ما جاء به. وانه ان وحاشاه من ذلك لكن على سبيل التنزل في المجادلة فانما يضل على نفسه اي ضلاله قاصر على نفسه غير متعد الى غيره. وان اهتديت فبما يوحي الي ربي انه سميع قريب. وان اهتديت فليس ذلك من نفسي وحولي وقوتي. وانما هدايتي بما يوحي الي ربي. فهو مادة هدايتي. كما هو مادة هداية غيري ان ربي سميع للاقوال والاصوات كلها. قريب ممن دعاه وسأله وعبده. ولو ترى اذ فزعوا فلا فوز يقول تعالى ولو ترى ايها الرسول ومن قام مقامك حال هؤلاء المكذبين اذ فزعوا حين رأوا العذاب وما اخبرتهم به الرسل وما كذبوا به لرأيت امرا هائلا ومنظرا مفظعا وحالة من كرة وشدة شديدة وذلك حين يحق عليهم العذاب فليس لهم عنه مهرب ولا فوت اي ليس بعيدا عن محل العذاب بل يؤخذون ثم يقذفون في النار التناوش من مكان بعيد. وقالوا في تلك الحال امنا بالله وصدقنا ما به كذبنا. ولكن انى لهم اي تناول الايمان. قد حيل بينهم وبينه. وصار من الامور المحالة في هذه الحال فلو انهم امنوا وقت الامكان لكان ايمانهم مقبولا ولكنهم كفروا به من قبل. ويقذفون اي يرمون بقذفهم الباطل ليدحضوا به الحق. ولكن لا سبيل الى ذلك كما لا سبيل للرامي من مكان بعيد الى اصابة الغرض فكذلك الباطل من المحال ان يغلب الحق او يدفعه. وانما يكون له صولة وقت غفلة الحق عنه. فاذا برز الحق وقاوم الباطل القمعة انهم كانوا في شك مريب. وحيل بينهم وبين ما يشتهون من من الشهوات واللذات والاولاد والاموال والخدم والجنود. قد انفردوا باعمالهم وجاؤوا فرادى كما خلقوا. وتركوا ما خولوا وراء ظهورهم كما فعل باشياعهم من الامم السابقين. حين جاءهم الهلاك حيل بينهم وبين ما يشتهون اي محدث الريبة وقلق القلب فلذلك لم يؤمنوا ولم يعتبوا حين استعتبوا