المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم انا رسلا اولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق الق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير. يمدح الله تعالى نفسه الكريمة المقدسة على خلقه السماوات والارض. وما اشتملتا عليه من المخلوقات. لان ذلك دليل على كمال قدرته وسعة ملكه وعموم رحمته وبديع حكمته واحاطة علمه. ولما ذكر الخلق ذكر بعده ما يتضمن الامر. وهو انه جاعل الملائكة رسلا في تدبير اوامره القدرية ووسائط بينه وبين خلقه. في تبليغ اوامره الدينية. وفي ذكره انه جعل الملائكة رسلا ولم يستثني منهم احدا دليل على كمال طاعتهم لربهم وانقيادهم لامره. كما قال تعالى لا يعصون الله ما امرهم ثم يفعلون ما يؤمرون. ولما كانت الملائكة مدبرات باذن الله ما جعلهم الله موكلين فيه. ذكر قوتهم على ذلك سيرهم بان جعلهم اولي اجنحة تطير بها. فتسرع تنفيذ ما امرت به. مثنى وثلاث ورباع. اي منهم من له جناحان وثلاثة واربعة بحسب ما اقتضته حكمته الله على كل شيء قدير. يزيد في الخلق ما يشاء اي يزيد بعض مخلوقاته على بعض. في صفة خلقه وفي القوة وفي الحسن وفي زيادة الاعضاء المعهودة وفي حسن الاصوات ولذة النغمات فقدرته تعالى تأتي على ما يشاؤه. ولا يستعصي عليها شيء. ومن ذلك زيادة مخلوقاته بعضها على بعض. ثم ذكر انفراده تعالى بالتدبير والعطاء والمنع. فقال وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز وما يمسك من رحمته عنهم فلا مرسل له من بعده. فهذا يوجب التعلق بالله تعالى اليه من جميع الوجوه. والا يدعى الا هو ولا يخاف ويرجى الا هو وهو العزيز الذي قهر الاشياء كلها. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. وينزلها منازلها اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله؟ هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا اله الا هو فان يأمر تعالى جميع الناس ان يذكروا نعمته عليهم. وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا. وباللسان ثناء وبالجوارح انقيادا فان ذكر نعمه تعالى داع لشكره. ثم نبههم على اصول النعم وهي الخلق والرزق. فقال ولما كان من معلوم انه ليس احد يخلق ويرزق الا الله. نتج من ذلك ان كان ذلك دليلا على الوهيته وعبوديته. ولهذا قال لا اله الا هو اي تصرفون من عبادة الخالق الرازق لعبادة المخلوق المرزوق وان يكذبك يا ايها الرسول فلك اسوة بمن قبلك من المرسلين. فقد كذبت رسل من قبلك. فاهلك المكذبون ونجى الله الرسل واتباعهم يقول تعالى يا ايها الناس ان وعد الله بالبعث والجزاء على الاعمال حق. اي لا شك فيه ولا مرية ولا تردد. قد دلت على ذلك الادلة السمعية والبراء اهين العقلية واذا كان وعده حقا فتهيأوا له وبادروا اوقاتكم الشريفة بالاعمال الصالحة. ولا يقطعكم عن ذلك قاطع فلا تغرنكم الحياة الدنيا بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية فتلهيكم عما خلقتم له ولا يغرنكم بالله الغرور الذي هو الشيطان الذي هو عدوكم في الحقيقة. اي لتكن منكم عداوته على بال ولا تهملوا محاربته كل وقت فانه يراكم وانتم لا ترونه. وهو دائما لكم بالمرصاد هذا غايته ومقصوده في من تبعه. ان يهان غاية الاهانة بالعذاب الشديد. ثم ذكر ان ناس انقسموا بحسب طاعة الشيطان وعدمها الى قسمين. وذكر جزاء كل منهما فقال الذين كفروا اي جحدوا ما جاءت به الرسل ودلت عليه الكتب لهم عذاب شديد في في جهنم شديد في ذاته ووصفه. وانهم خالدون فيها ابدا والذين امنوا بقلوبهم بما دعا الله الى الايمان به وعملوا بمقتضى ذلك الايمان بجوارحهم الاعمال الصالحات لهم مغفرة لذنوبهم يزول بها عنهم الشر والمكروه كبير يحصل به المطلوب فلا تذهب نفسك يقول تعالى افمن زين له عمله السيء القبيح زينه له الشيطان وحسنه في عينه فرآه حسنا اي كمن هداه الله الى الصراط والدين القويم فهل يستوي هذا وهذا؟ فالاول عمل السيء ورأى الحق باطلا والباطل حقا. والثاني عمل الحسن ورأى الحق حقا والباطل باطلا. ولكن الهداية والاضلال بيد الله تعالى فلا تذهب نفسك فلا تذهب نفسك عليهم حسرات اي على الضالين الذين زين لهم سوء اعمالهم وصدهم الشيطان عن الحق حسرات فليس عليك الا البلاغ. وليس عليك من هداهم شيء. والله هو الذي يجازيهم باعمالهم طه عليم بما يصنعون والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها. كذلك يخبر تعالى عن كمال اقتداره وسعة جوده. وانه ارسل الرياح فتثير سحابا. فسقناه الى بلد ميت فانزله الله عليها فحيت البلاد والعباد وارتزقت حيوانات ورتعت في تلك الخيرات. كذلك الذي احيا الارض بعد موتها ينشر الله امواتا من قبورهم بعد ما مزقهم البلاء فيسوق اليهم مطرا كما ساقه الى الارض الميتة. فينزله عليهم فتحيا الاجساد ارواح من القبور ويأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم. ويفصل بحكمه العدل لله العزة جميعا. اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكروه اولئك ايا من يريد العزة اطلبها ممن هي بيده. فان العزة بيد الله ولا تنال الا بطاعته ذكرها بقوله اليه يصعد الكلم الطيب من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل. وكل كلام حسن طيب في رفع الى الله ويعرض عليه. ويثني الله على صاحبه بين الاعلى والعمل الصالح من اعمال القلوب واعمال الجوارح. يرفعه الله تعالى اليه ايضا كالكلم الطيب. وقيل والعمل صالح يرفع الكلمة الطيب. فيكون رفع الكلم الطيب بحسب اعمال العبد الصالحة. فهي التي ترفع كلمه الطيب. فاذا لم يكن له عمل صالح لم يرفع له قول الى الله تعالى فهذه الاعمال التي ترفع الى الله تعالى ويرفع الله صاحبها ويعزه. واما فانها بالعكس يريد صاحبها الرفعة بها ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه ولا يزداد الا اهانة ونزولا والعمل الصالح يرفعه. والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد لهم عذاب شديد يهانون فيه غاية الاهانة. اي ويضمحل ولا يفيدهم شيئا لانه مكر بالباطل. لاجل الباطل يذكر تعالى خلقه الادمي وتنقله في هذه الاطوار من تراب الى نطفة وما بعدها. ثم جعلكم ازواجا اي لم يزل ينقلكم طورا بعد حتى اوصلكم الى ان كنتم ازواج ذكرا يتزوج انثى ويراد بالزواج الذرية والاولاد. فهو وان كان النكاح من الاسباب فيه فانه مقترن بقضاء الله وقدره وعلمه وكذلك اطوار الادمي كلها بعلمه وقضائه ولا ينقص من عمره الا في كتابه. ان ذلك على وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره. اي عمري الذي كان معمرا عمرا طويلا. الا بعلم تعالى او وما ينقص من عمر الانسان الذي هو بصدد ان يصل اليه. لولا ما سلكه من اسباب قصر العمر كالزنا وعقوق الوالدين وقطيعة الارحام ونحو ذلك مما ذكر انها من اسباب قصر العمر. والمعنى ان طول العمر وقصره بسبب وبغير سبب كله بعلم الله تعالى. وقد اثبت ذلك في كتاب وما يجري على العبد في جميع اوقاته وايام حياته ان ذلك على الله يسير. اي احاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة. واحاطة كتابه فيها فهذه ثلاثة ادلة من ادلة البعث والنشور كلها عقلية نبه الله عليها في هذه الايات احياء الارض بعد موتها وان الذي احياها الموتى وتنقل الادمي في تلك الاطوار. فالذي اوجده ونقله طبقا بعد طبق وحالا بعد حال. حتى بلغ ما قدر له فهو على اعادته وانشائه النشأة الاخرى اقدر. وهو اهون عليه واحاطة علمه بجميع اجزاء العالم. العلوي والسفلي دقيقها وجليلها الذي في القلوب والاجنة التي في البطون وزيادة الاعمال ونقصها واثبات ذلك كله في كتابه فالذي كان هذا يسيرا عليه فاعادته للاموات ايسر وايسر. فتبارك من كثر خيره ونبه عباده على ما فيه في معاشهم ومعادهم وهذا ملح اجاجه ومن كل انثى يأكلون لحم نظريا وتستخرجون حلية تلبسونها. وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. هذا اخبار عن قدرة وحكمته ورحمته انه جعل البحرين لمصالح العالم الارضي كلهم. وانه لم يسوي بينهما لان المصلحة تقتضي ان تكون الانهار عذبة فراتا. سائغا شرابها لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون. وان يكون البحر ملحا اجاجا في الا يفسد الهواء المحيط بالارض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات. ولانه ساكن لا يجري. فملوحته تمنعه من التغير ولتكون حيواناته احسن والذ. ولهذا قال ومن كل من البحر الملح والعذب تأكلون وهو السمك المتيسر صيده في البحر. وتستخرجون حلية تلبسونها من لؤلؤ ومرجان وغيرهما. مما يوجد في البحر فهذه مصالح عظيمة للعباد. ومن المصالح ايضا والمنافع في البحر ان سخره الله تعالى يحمل الفلك من السفن والمراصد فتراها تمخر البحر وتشقه. فتسلك من اقليم الى اقليم اخر. ومن محل الى محل. فتحمل السائرين واثقالهم جاراتهم فيحصل بذلك من فضل الله واحسانه شيء كثير. ولهذا قال وسخر الشمس والقمر كله يجري لاجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من ومن ذلك ايضا الى تعالى الليل بالنهار. والنهار بالليل يدخل هذا على هذا وهذا على هذا كلما اتى احدهما ذهب الاخر ويزيد احدهما وينقص الاخر ويتساويان فيقوم ذلك ما يقوم من مصالح العباد في ابدانهم وحيواناتهم واشجارهم وزروعهم. وكذلك ما جعل الله في تسخير الشمس والقمر الضياء والنور والحركة والسكون. وانتشار العباد في طلب فضله. وما فيهما من تنظيج الثمار وتجفيف ما يجفف. وغير ذلك من ما هو من الضروريات التي لو فقدت للحق الناس الضرر. وقوله اي كل من الشمس والقمر يسيران في فلكهما ما شاء الله ان يسيرا. فاذا جاء الاجل وقرظ انقضاء دنيا انقطع سيرهما وتعطل سلطانهما وخسف القمر وكورت الشمس وانتثرت النجوم. فلما بين تعالى ما بين ان من هذه المخلوقات العظيمة وما فيها من العبر الدالة على كماله واحسانه. قال ذلكم الله ربكم له الملك. اي الذي انفرد خلق هذه المذكورات وتسخيرها هو الرب المألوه المعبود الذي له الملك كله والذين تدعون من دونه من الاوثان والاصنام اي لا يملكون شيئا لا قليلا ولا كثيرا. حتى ولا القطمير الذي هو احقر الاشياء. وهذا من تنصيص النفي وعمومه. فكيف يدعون؟ وهم غير مالكين لشيء من ملك السماوات والارض. ومع اهذا ان تدعوهم لا يسمعون لانهم ما بين جماد واموات وملائكة مشغولين بطاعة ربهم ويوم القيامة يكفرون بشرككم. ولو سمعوا على وجه الفرض والتقدير ما استجابوا لكم. لانهم لا يملكون شيئا ولا يرضى اكثرهم بعبادة من عبده. ولهذا قال ويوم القيامة يكفرون بشركك ثم لا ينبئك مثل خبير. ان يتبرأون منكم ويقولون سبحانك انت ولينا من دون ولا ينبئك مثل خبير. اي لا احد ينبئك اصدق من الله العليم الخبير. فاجزم بان هذا الامر الذي نبأ به كانه رأي عين فلا تشك فيه ولا تمتر. فتضمنت هذه الايات الادلة والبراهين الساطعة الدالة على انه تعالى المألوه المعبود. الذي لا يستحق شيئا من العبادة سواه. وان عبادة ما سواه باطلة متعلقة اطل لا تفيد عابده شيئا