قومه حين سمع ما دعت اليه الرسل وامن به. وعلم ما رد به قومه عليهم. فقال لهم فامرهم باتباعهم ونصحهم على ذلك. وشهد لهم بالرسالة. ثم ذكر تأييدا لما شهد به ودعا اليه. فقال المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يس والقرآن على صراط مستقيم هذا قسم من الله تعالى بالقرآن الحكيم الذي وصفه الحكمة وهي وضع كل شيء موضعه وضع الامر والنهي في الموضع اللائق بهما. ووضع الجزاء بالخير والشر في محلهما اللائق بهما. فاحكامه الشرعية والجزائية كلها مشتملة على غاية الحكمة. هذا المقسم عليه وهو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وانك من جملة المرسلين فلست ببدع من الرسل. وايضا فجئت بما جاء به الرسل من الاصول الدينية. وايضا فمن تأمل احوال المرسلين واوصافهم وعرف الفرق بينهم وبين غيرهم. عرف انك من خيار المرسلين بما فيك من الصفات الكاملة والاخلاق الفاضلة ولا يخفى ما بين المقسم به وهو القرآن الحكيم. وبين المقسم عليه وهو رسالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من الاتصال انه لو لم يكن لرسالته دليل ولا شاهد الا هذا القرآن الحكيم. لكفى به دليلا وشاهدا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. بل القرآن العظيم اقوى الادلة المتصلة المستمرة على رسالة الرسول. فادلة القرآن كلها ادلة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثم اخبر باعظم اوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم الدالة على رسالته وهو انه معتدل موصل الى الله والى دار كرامته. وذلك الصراط المستقيم مشتمل على اعمال وهي الاعمال الصالحة المصلحة للقلب والبدن والدنيا والاخرة. والاخلاق الفاضلة المزكية للنفس المطهرة للقلب المنمية للاجر فهذا الصراط المستقيم الذي هو وصف الرسول صلى الله عليه وسلم. ووصف دينه الذي جاء به. فتأمل جلالة هذا القرآن الكريم كيف جمع بين القسم باشرف الاقسام؟ على اجل مقسم عليه. وخبر الله وحده كاف. ولكنه تعالى اقام من الادلة الواضحة براهين الساطعة في هذا الموضع على صحة ما اقسم عليه. من رسالة رسوله ما نبهنا عليه. واشرنا اشارة لطيفة لسلوك طريقه هذا الصراط المستقيم. فهو الذي انزل به كتابه وانزله طريقا لعباده. موصلا اليه فحماه بعزته عن التغيير والتبديل ورحم به عباده رحمة اتصلت بهم حتى اوصلتهم الى دار رحمته. ولهذا الاية بهذين الاسمين الكريمين العزيز الرحيم. فلما اقسم تعالى على رسالته واقام الادلة عليها ذكر شدة اليها واقتضاء الضرورة لها فقال وهم العرب الاميون الذين لم يزالوا خاليين من الكتب عادمين الرسل. قد عمتهم الجهالة وغمرتهم الضلالة عليهم وعلى سفههم عقول العالمين. فارسل الله اليهم رسولا من انفسهم. يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين. فينذر العرب الاميين ومن لحق بهم من كل امي. ويذكر اهل الكتب بما عندهم من الكتب. فنعمة الله به على العرب خصوصا وعلى غيرهم عموما. ولكن هؤلاء الذين بعثت فيهم لانذارهم بعدما انذرتهم انقسموا قسمين قسم رد لي ما جئت به ولم يقبل النذارة وهم الذين قال الله فيهم يؤمنون اي نفذ فيهم القضاء والمشيئة انهم لا يزالون في كفرهم وشركهم وانما حق عليهم القول بعد ان عرض عليهم الحق فرفضوه فحين اذ عوقبوا بالطبع على قلوبهم. وذكر الموانع من وصول الايمان لقلوبهم. فقال انا جعلنا في اعناقهم اغلالا وهي جمع غل والغل ما يغل به العنق. فهو للعنق بمنزلة القيد للرجل. وهذه الاغلال التي في الاعناق عظيمة وصلت الى اذقانهم ورفعت رؤوسهم الى فوق. اي رافعوا رؤوسهم من شدة الغل الذي في اعناقهم فلا يستطيعون ان يخفضوها اغشيناهم فهم لا يبصرون. وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا. اي حاجزا يحجزهم عن الايمان فهم لا يبصرون. قد غمرهم الجهل والشقاء من جميع جوانبهم. فلم تفد فيهم النذارة ام لم تنذرهم لا يؤمنون. وكيف يؤمن من طبع على قلبه ورأى الحق باطلا والباطل حقا. والقسم الثاني الذين قبلوا النذارة وقد ذكرهم بقوله انذروا من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة. فبشره بمغفرة انما تنذر اي انما تنفع نذارتك. ويتعظ بنصحك من اتبع الذكر. اي لمن قصده اتباع الحق وما ذكر به وخشي الرحمن بالغيب اي من اتصف بهذين الامرين القصد الحسن في طلب الحق وخشية الله تعالى فهم الذين ينتفعون برسالتك ويزكون بتعليمك. وهذا الذي وفق لهذين الامرين فبشره بمغفرة لذنوبه واجر كريم لاعماله الصالحة ونيته الحسنة انا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا واثارهم وكل شيء احصيناه وفي امام مبين انا نحن نحيي الموتى اي نبعثهم بعد موتهم. لنجازيهم على الاعمال ونكتب ما قدموا من الخير والشر. وهو اعمالهم التي عملوها وباشروها في حال حياتهم. واثارهم وهي اثار الخير اثار الشر التي كانوا هم السبب في ايجادها في حال حياتهم وبعد وفاتهم. وتلك الاعمال التي نشأت من اقوالهم وافعالهم واحوالهم كل خير عمل به احد من الناس بسبب علم العبد وتعليمه ونصحه. او امره بالمعروف او نهيه عن المنكر. او علم اودعه عند المتعلم او في كتب ينتفع بها في حياته وبعد موته. او عمل خيرا من صلاة او زكاة او صدقة او احسان. فاقتدى به غيره او مسجدا او محلا من المحال التي يرتفق بها الناس. وما اشبه ذلك فانها من اثاره التي تكتب له. وكذلك عمل الشر ولهذا من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها الى يوم القيامة. ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة. وهذا الموضع يبين لك علو مرتبة الدعوة الى الله. والهداية الى سبيله بكل وسيلة وطريق موصل اليه الى ذلك ونزول درجة الداعي الى الشر الامام فيه. وانه اسفل الخليقة واشدهم جرما واعظمهم اثما. وكل شيء من الاعمال والنيات وغيرها. اي كتاب هو ام الكتب واليه مرجع والكتب التي تكون بايدي الملائكة وهو اللوح المحفوظ اي واضرب لهؤلاء المكذبين برسالتك الراضين لدعوتك. مثلا يعتبرون به ويكون لهم موعظة ان وفقوا خير وذلك المثل اصحاب القرية وما جرى منهم من التكذيب لرسول الله وما جرى عليهم من عقوبته ونكاله وتعيين تلك القرية لو كان فيه فائدة لعينها الله. فالتعرض لذلك وما اشبهه من باب التكلف والتكلم بلا علم. ولهذا اذا تكلم احد في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخلط والاختلاف الذي لا يستقر له قرار. ما تعرف به ان طريق العلم الصحيح الوقوف مع الحقائق. وترك التعرض سلم على فائدة فيه. وبذلك تزكوا النفس ويزيد العلم من حيث يظن الجاهل ان زيادته بذكر الاقوال التي لا دليل عليها. ولا حجة عليه ولا يحصل منها من الفائدة الا تشويش الذهن واعتياد الامور المشكوك فيها. والشاهد ان هذه القرية جعلها الله مثلا للمخاطبة اذ جاءها المرسلون من الله تعالى يأمرونهم بعبادة الله وحده واخلاص الدين له وينهونهم عن الشرك والمعاصي فعززنا بثالث فقالوا انا اليكم مرسلون اذ ارسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث. اي قويناهما بثالث. فصاروا ثلاثة رسل. اعتناء من الله واقامة للحجة بتوالي الرسل اليهم. فقالوا لهم انا اليكم مرسلون. فاجابوهم بالجواب الذي ما زال مشهورا عند من رد دعوة الرسل قالوا ما انتم الا بشر مثلنا. اي فما الذي فضلكم علينا وخصكم من دوننا؟ قالت الرسل ان نحن الا بشر مثلكم. ولكن الله يمن على من يشاء من عباده. وما انزل الرحمن من شيء اي انكروا عموم الرسالة ثم انكروا ايضا المخاطبين لهم فقالوا فقالت هؤلاء الرسل الثلاثة فلو كنا كاذبين لاظهر الله خزينا ولبادرنا بالعقوبة علينا الا البلاغ المبين. اي البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الامور المطلوب بيانها. وما عدا هذا من ايات ومن سرعة العذاب فليس الينا وانما وظيفتنا التي هي البلاغ المبين قمنا بها وبيناها لكم فان اهتديتم فهو حظكم وتوفيقكم وان ظللتم فليس لنا من الامر شيء. فقال اصحاب القرية لرسولهم انا بكم اي لم نر على قدومكم علينا واتصالكم بنا الا الشر. وهذا من اعجب العجائب. ان يجعل من قدم عليهم باجل نعمة ينعم الله بها على العباد واجل كرامة يكرمهم بها وضرورتهم اليها فوق كل ضرورة. قد قدم بحالة شر. زادت على الشر الذي هم عليه تشأموا بها ولكن الخذلان وعدم التوفيق يصنع بصاحبه اعظم مما يصنع به عدوه. ثم توعدوهم فقالوا لئن لم تنتهوا لنرجمنكم لنقتلنكم رجما بالحجارة اشنع القتلات؟ فقالت لهم رسلهم طائركم معكم. ائن ذكرتم بل انتم قوم مسرفون طائركم معكم وهو ما معهم من الشرك والشر. المقتضي لوقوع المكروه والنقمة وارتفاع المحبوب والنعمة ان ذكرتم اي بسبب انا ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم. قلتم لنا ما قلتم متجاوزون للحد متجرهمون في قولكم. فلم يزدهم دعاؤهم الا نفورا واستكبارا. وجاء من والمدينة رجل يسعى قال يا قومي اتبعوا المرسلين. وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى حرصا على ومن لا يسألكم اجرا وهم مهتدون. اتبعوا من لا يسألكم اجرا اي اتبعوا من نصحكم نصحا يعود اليكم بالخير وليس يريد منكم اموالكم ولا اجرا على نصحه لكم وارشاده اياكم. فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه. بقي يقال فلعله يدعو ولا يأخذ اجرة ولكنه ليس على الحق فدفع هذا الاحتراز بقوله لانهم لا يدعون الا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه. ولا ينهون الا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه. فكأن قومه لم يقبلوا نصحه. بل عادوا نائمين له على اتباع الرسل واخلاص الدين لله وحده. فقال وما لي لا اعبد الذي فطرني واليه ترجعون ايها المانع لي من عبادة من هو المستحق للعبادة؟ لانه الذي فطرني وخلقني ورزقني واليه مآل جميع الخلق فيجازيهم باعمالهم. فالذي بيده الخلق والرزق والحكم بين العباد في الدنيا والاخرة. هو الذي يستحق ان يعبد ويثنى عليه تمجد دون من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا عطاء ولا منعا ولا حياة ولا موتا ولا نشورا. ولهذا قال الهة لانه لا احد يشفع عند الله الا باذنه. فلا تغني شفاعتهم عني شيئا. ولا هم ينقذوني من الضر الذي اراده الله اني اذا اي ان عبدت الهة هذا وصفها. فجمع في هذا الكلام بين نصح والشهادة للرسل بالرسالة والاهتداء والاخبار بتعين عبادة الله وحده وذكر الادلة عليها وان عبادة غيره باطلة وذكر البراهين عليها والاخبار بضلال من عبدها. والاعلان بايمانه جهرا. مع خوفه الشديد من قتلهم. فقال فقتله قومه لما سمعوا منه وراجعهم بما راجعهم به فقيل له في الحال ادخل الجنة فقال بما وصل اليه من الكرامة على توحيده واخلاصه. وناصحا لقومه بعد وفاته. كما نصح لهم في حياته بما غفر لي ربي اي باي شيء لي فازال عني انواع العقوبات. بانواع المثوبات والمسرات. اي تواصل علم ذلك الى قلوبهم لم يقيموا على شركهم. قال الله في عقوبة قومه اي ما احتجنا ان نتكلف في عقوبتهم فننزل جندا من السماء لاتلافهم لعدم الحاجة الى ذلك. وعظمة اقتدار الله تعالى وشدة ضعف بني ادم. وانهم ادنى شيء يصيبه من عذاب الله يكفيهم ان كانت اي كانت عقوبتهم الا صيحة واحدة. اي صوتا واحدا تكلم به بعض ملائكة الله قد تقطعت قلوبهم في اجوافهم وانزعجوا لتلك الصيحة فاصبحوا خامدين لا صوت ولا حركة ولا حياة بعد ذلك العتو استكبار ومقابلة اشرف الخلق بذلك الكلام القبيح وتجبرهم عليهم. يا حسرة على العباد ما اي ما اعظم شقاءهم وابطل عناءهم واشد جهلهم حيث كانوا بهذه الصفة القبيحة التي هي سبب لكل شقاء وعذاب ونكاد