تحير دلوه باوضح حجتي ما قضى ربي بكفري بزعمكم ولم يرضه مني فما وجه حيلتي؟ دعاني وسد الباب دوني فهل اله دخولي سبيل بينوا لي قضيتي فهل انا راض بالذي فيه شقوتي فلا لوم علي قيل له هذه حجة ابطلها الله في كتابه حيث قال سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا ولا اباؤنا ولا حرمنا منك شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا. قل هل وان على ولا ناكح فرجا على وجه غيتي. ولا قاطع للناس نهج سبيلهم ولا مفسد في الارض من كل وجهة. ولا شاهد بالزور افكا وفرية. ولا للمحصنات بزنية ولا مهلك للحرث والنسل عامدا. ولا حاكم للعالم وسييسر لعمل اهل الشقاوة. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية. فاما من اعطى واتقى واما من بخل واستغنى فبين صلى الله عليه وسلم ان السعادة والشقاوة وان كانت مقدرة مفروغا منها فان الله قدرها باسبابها. وهو ان الله يسر اهل السعادة لليسرى بما فعلوه من الاسباب الثلاثة وهي قوله فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. وان الله فدونك فافهم ما به قد اجبت منه. معان اذا انحلت بفهم غريزتي. اشارت الى لا اصل يشير الى الهدى. ولله رب الخلق اكمل مدحتي. اي دونك هذه الاجوبة لما سألت عنه وتم نقله من خط المؤلف بيد الفقير الى مولاه بكل احواله. محمد بن سليمان البسام في العشرين من شعبان سنة احدى وعشرين واربعمائة والف من الهجرة المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الدرة البهية شرح القصيدة التائية لشيخ الاسلام ابن تيمية. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين اشهد انه الاله الحق الملك المبين. واشهد ان محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين. اللهم صل وسلم على محمد وعلى اله وصحبه وعلى التابعين لهم باحسان الى يوم الدين. اما بعد فقد طلب مني بعض الاخوان ان اشرح المنظومة التائية في القدم لشيخ الاسلام والمسلمين احمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية. لما فيها من التحقيق العظيم في مسألة القضاء قدر ولمتانتها وصعوبة فهمها واحتياجها الى شرح متوسط يوضحها. ويكشف عن معانيها. ولكون المقام والموضوع مقاما مهما جدا. والحاجة بل الضرورة داعية الى علمه والتحقق به معرفة واعتقادا. وهذا النظم قد اتى فيه الشيخ بالعجب العجاب وبين الحق الصريح. وكشف الشكوك والشبهات التي طالما خالطت قلوب اذكياء العلماء وحيرت كثيرا من اهل العلم والفضلاء. فاجبت هذا السائل لما طلبه. وارجو الله واسأله ان يعين على تحقيقه فضيحة فان التوضيح والبيان خصوصا في هذا المقام اولى من الاختصار. وذكر الشواهد والامثلة الموضحة اولى من باختصار واسأله تعالى ان يجعل الداعي اليه ارادة وجهه الكريم وارادة النفع للمشتغلين به. والشيخ رحمه الله وقدس روحه نظمها جوابا لسؤال اورده عليه من قال انه ذمي. ليشبه على المسلمين وليشككهم في اصول الدين فان الايمان بالقضاء والقدر احد اصول الاسلام ومبانيه العظام. وهذا نص السؤال ايا علماء وهل لي رضا ما ليس يرضاه سيدي. فقد حرت دلوني على كشف حيرة وهل اختيار ان اخالف حكمه؟ فبالله فاشفوا بالبراهين هذا اخر السؤال المذكور. وحاصله انه ايراد على مذهب الجبرية القائلين ان العبد مجبور مقهور عليه جميع اقواله وافعاله. وانه لا قدرة له على شيء منها. بل هي عندهم واقعة بغير اختياره. وهذا القول باطل بالكتاب والسنة وباطل بالعقل والحس. كما يأتي ان شاء الله بيانه. وجميع المسلمين من جميع الطوائف اهل السنة وغيرهم ينكرون هذا المذهب ويتبرأون منه. فيقول هذا المشبه على المسلمين المشكك لهم بانيا على مذهب الجبرية الذي يتبرأ منه جميع الطوائف سوى غلاة الجهمية من الجبرية. يقول اذا كان الله قضى علي بالكفر قدر علي الا اكون مسلما او قدر علي المعاصي والا اكون طائعا. فكيف لي الخلاص من الكفر والمعاصي كيف اتمكن من الايمان والطاعة بعد ما قضى علي الكفر والمعصية؟ فهل اكون معذورا اذا تجرأت على الكفر والفسوق والعصيان وانا لا حيلة لي في الانفكاك عنها. وكيف اجمع بين الرضا بالقضاء؟ وبين الرضا بالمقضي من الكفر والمعاصي فان الله لا يرضى بالكفر والفسوق والعصيان. فكيف قدرها علي وهو لا يرضاها؟ هذا حاصل هذا السؤال جواب هذا السؤال على وجه الاجمال بسيط ولله الحمد. فانه لا يرد على مذهب جمهور طوائف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم باحسان وائمة الهدى المشهود لهم بالعلم والايمان. بل ولا على مذهب المعتزلة والقدرية والخوارج وغيرهم من اتباع البدع فان الجميع يقولون بما جاء به الكتاب والسنة من اثبات الاصلين. احدهما الاعتراف بان جميع الاشياء كلها اعيانها واوصافها وافعالها بقضاء وقدر. لا تخرج عن مشيئة الله وارادته. بل ما شاء الله كان وما لم نشأ لم يكن الاصل الثاني ان افعال العباد من الطاعات والمعاصي وغيرها واقعة بارادتهم وقدرتهم. وانهم لم اجبروا عليها بل هم الذين فعلوها بما خلق الله لهم من القدرة والارادة. ويقولون لا منافاة بين الامرين فالحق حوادث كلها من جملتها افعال العباد. بمشيئة الله وارادته. والعباد هم الفاعلون لافعالهم المختارون لها. فهم الذين اختاروا فعل الخيرات وفعلوها. واختاروا ترك المعاصي فتركوها. والاخرون اختاروا فعل المعاصي وفعلوها. واختاروا ترك الاوامر فتركوها. فاستحق الاولون المدح والثواب. واستحق الاخرون الذم والعقاب. ولم يجبر الله احدا منهم بخلاف مراده واختياره فلا عذر للعاصين اذا عصوا. وقالوا ان الله قدرها علينا فلنا بذلك العذر. فيقال له قم ان الله قد اعطاكم المكنة والقدرة على كل ما تريدون. وانتم بزيغكم وانحرافكم اردتم الشر ففعلتموه والله قد حذركم وهيأ لكم كل سبب يصرف عن معاصيه. واراكم سبيل الرشد فتركتموه. وسبيل الغي فسلكتموه واذا اردت زيادة ايضاح لهذا المقام. فانه من المعلوم لكل احد ان كل فعل يفعله العبد. وكل كلام يتكلم به فلابد فيه من امرين قدرة منه على ذلك الفعل والقول وارادة منه. فمتى اجتمع وجدت منه الاقوال والافعال. والله تعالى هو الذي خلق قدرة العبد وارادة العبد. وخالق السبب التام خالق للمسبب. فالله تعالى خالق افعال العباد. والعباد هم الفاعلون لها حقيقة. فهذا الايراد الذي اورده هذا المشكك وما اشبهه من الايرادات التي يحتج بها اهل المعاصي بالقدر يجيبونهم بهذا الجواب المفحم. فيقولون دلت ادلة الكتاب والسنة الكثيرة على ان الله خالق كل شيء وعلى كل شيء قدير. وان كل شيء بقضاء وقدر. الاعيان والاوصاف والافعال ودلت ايضا ادلة الكتاب والسنة ان العباد هم الفاعلون لفعلهم حقيقة بقدرتهم واختيارهم. فانه تعالى نسب واضاف اليهم كل ما فعلوه من ايمان وكفر وطاعة ومعصية. وانه تعالى مكنهم من هذا ومن هذا. ولكنه تعالى حبب الى المؤمنين الايمان. وزينه في قلوبهم وكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان. وولى الاخرين ما تولوا انفسهم حيث اختاروا الشر على الخير. واسباب العقاب على اسباب الثواب. وهذا كما انه معلوم بالضرورة من الشرع. فهو معلوم بالحس الذي لا يمكن احدا المكابرة فيه. فان العبد يفرق بين افعاله التي يقصر ويجبر ويقهر عليها. وبين افعاله التي يختارها ويريدها ويحب حصولها. فهذا الجواب المجمل. واما الجواب المفصل فقد ذكره الشيخ قدس الله روحه فقال سؤالك يا هذا سؤال معاند مخاصم رب العرش بار البرية فهذا سؤال خاصم الملأ العلا قديما به ابليس اصل البلية بين الشيخ في اول الجواب ان هذا السؤال والايراد انما صدر عن رجل معاند مكابر مخاصم لله فان هذا سؤال في الحقيقة موجه الى الله. والسائل قد اورده على ربه اعترض عليه. وزعم ان الله ظالم له. حيث قدر عليه الكفر والمعاصي وعذبه عليه. وكل من عاند الله حجته داحضة باطلة. وهو مخصوم محجوج. وهذا سؤال من جنس سؤال ابليس حيث قال فبما اغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم فقال فبما اغويتني ولم يقل غويت. وابليس هو الذي غوى واستكبر عن امر ربه. حيث امره بالسجود ادم فقال ااسجد لمن خلقت طينا؟ قال ارأيتك هذا الذي كرمت علي لئن اخرتني الى يوم القيامة لاحتنكن الا قليلا خاصم الله وباده بالمعصية واستكبر عن امره. واستكبر على ادم فكل من خاصم عن نفسه او عن غيره في معصية الله فهو ابليس وعنه اخذ هذه الخصومة. فكل من خاصم الحق فرج وخصم. كما ان كل من خاصم بالحق فلج وغلب جاء الحق وزهق الباطل. ان الباطل كان زهوقا. فكل من نصر الباطل فهو من خصوم الله. ولكن اصناف القدرية الثلاثة هم احق الناس بهذا الوصف. فلهذا قال الشيخ وتدعى الله يوم ميعادهم الى النار طرا فرقة القدرية. سواء نفوه واوسعوا ليخاصموا به الله او ما روا به للشريعة. يشير الشيخ الى ما رواه ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من تكلم في شيء من القدر سئل عنه يوم القيامة اي سؤال تقريع وتوبيخ. وهو كما ذكر الشيخ يشمل طوائف القدرية الثلاث. القدرية النفاة القدرية المجبرة والقدرية المشركين. فكل الطوائف الثلاث قاضوا في القدر خوفا منحرفا. وبعضهم اغلض من بعض. وكلهم عن الصراط ناكبون فاما القدرية النفاة فهم الذين يطلق عليهم اكثر العلماء اسم القدرية. وهم الذين ورد فيهم الحديث الذي في السنن انما هذه الامة المكذبون باقدار الله. واكثر المعتزلة على هذا المذهب الباطل. وحقيقة مذهبهم انهم يقولون ان افعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدره. فاثبتوا قدرة الله على اعيان المخلوقات واوصافها ونفوا قدرته على افعال المكلفين. وقالوا ان الله لم يردها ولم يشأها منهم. بل هم الذين ارادوها وشاؤوها. وفعلوها بدون مشيئة الله. ويزعمون انهم بهذا القول ينزهون الله عن الظلم. لانه لو قدر المعاصي عليهم ثم عذبهم عليه لكان ظالما لهم ولا لزم من اثبات قدرة الله على افعالهم الجبر الذي هو باطل بالشرع والعقل كما تقدمت الاشارة ولكنهم بهذا القول الباطل ردوا نصوصا كثيرة من الكتاب والسنة. تثبت وتصرح ان جميع اعمال العباد من خير وشر وطاعة ومعصية بقضاء الله وقدره. كما اجمع المسلمون انه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وسموا مجوس هذا هذه الامة لانهم اشبه المجوس الذين اثبتوا خالقا للخير وهو الله وخالقا للشر وهو ابليس على زعم المجوس. وهؤلاء القدرية اثبتوا ان الله خالق للعباد لاعيانهم واوصافهم. ولم يثبتوا انه خالق لافعالهم. فاخرجوا افعال العباد عن قدره لله ولم يهتدوا الى ما اهتدى اليه اهل السنة. من ان الله كما انه الذي خلقهم وخلق ما به يفعلون من قدرتهم وارادتهم. ثم فعلوا الافعال المتنوعة من طاعة ومعصية بقدرتهم وارادتهم التي خلقها الله باتفاق المسلمين. حتى هؤلاء القدرية يثبتون ان قدرة العباد وارادتهم لله. وحيث وقعت افعال العباد بقدرتهم وارادتهم اللتين خلقهما الله في العبد ليتمكن بهما من كل ما يريده من اقواله وافعاله وخالق السبب التام. خالق للمسبب. فالعبد المؤمن هو الذي يصلي ويصوم ويتصدق ويحج ويعمل اعمال البر بما مكنه الله واعطاه من قدرة وارادة يتمكن بها من افعال الخير. والعبد الكافر او الفاجر هو الذي يشرك ويقتل ويزني ويسرق. ويعمل اجناس المعاصي بما مكنه الله به واعطاه من قدرة وارادة. يفعلون بها تلك الافعال والقدرة والارادة اللتان اعطاهما الله للعبد هما خير ونعمة وفضل من الله. لكن العبد العاصي هو الذي وجه واه وافعاله الى اعمال الشر. فلم يكن له على الله حجة بل لله عليه الحجة البالغة. نهج الله له طريق الخير فاباه لك بنفسه طريق الشر وارتضاه فلا يلومن بعد ذلك الا نفسه. فمن احتج مع ذلك على ربه وقال انه قدر علي المعاصي قل فلله الحجة البالغة. فلو شاء لهداك اجمعين. فتضمنت هاتان الايتان ان الاحتجاج بالقدر على المعاصي باطل من وجوه. منها ان هذا فهو احتجاج المشركين. ومنها ان هذا الاحتجاج بالقدر على الشر لم يمنعهم من عذاب الله. حيث قال كذلك كذب الذين من قبيلهم حتى ذاقوا بأسنا. ومنها ان الله وبقهم على ذلك. وطالبهم بالبرهان في قوله. قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا فنفى عنهم العلم واخبر انهم يتبعون الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا. ومنها انه اخبر ان له حجة البالغة على جميع من تجرأ على معاصيه. فمن احتج بالقدر على المعاصي فهو من اظلم الظالمين. وايضا فهذا المحتج قدر المقيم لعذر نفسه على ربه ويكذب نفسه بنفسه. فانه لو تجرأ عليه احد بتعد على ما له او بدنه او محبوب واعتذر بالقدر لم يقبل عذره. فكيف يقبل عذر نفسه على تجريه على ربه؟ المحتج بالقدر على المعاصي يكذبه الكتاب والسنة والعقل وضميره يكذبه كما ذكرنا. وانما يقصد باحتجاجه دفع الشنعة عن نفسه. وكانت طائفة القدر في ولامرهم ينكرون العلم وينكرون القدر فيقولون ان الله لا يعلم اعمال العباد قبل ان يعملوها ولا تعلقت بها الله. فلما شنع عليهم المسلمون وكفروهم بذلك تحللوا عن قولهم الاول فاثبتوا العلم وانكروا القدر. ولهذا كان الائمة كالامام احمد وغيره يقولون ناظروا القدرية بالعلم. فان انكروا العلم كفروا وان اعترفوا به خصموا. يعني ان القدرية لعلم الله بافعال عباده جاحدون لنصوص الكتاب والسنة. المصرحة باحاطة علم الله بما كان وما يكون من اعيان اوصاف وافعال مما دق وجل. فمن انكر ذلك فقد كذب الكتاب والسنة صريحا. وذلك هو الكفر. وان اعترفوا احاطة علم الله بكل شيء وبافعال العباد. قبل وقوعها كما هو القول الذي استقر عليه مذهبهم خصموا. ووجه ذلك انهم يقولون ان افعالهم لا تتعلق بها مشيئة الله وارادته. وانما هم مستقلون بها من كل وجه. اذا كان هذا قولهم في مشيئة الله مع قولهم ان الله يعلم اعمال العباد قبل ان يعملوها. فهذا تناقض محض. كيف يعلمها وهو لم يقدرها ولم يردها. هذا محال. الا اعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. فيلزمهم احد امرين. اما الا يتناقضوا فينفوا الامرين علم الله بافعالهم مشيئته لها فيتضح كفرهم. واما ان يرجعوا الى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة. واجمع عليه المسلمون. وهو انه كما انه بكل شيء عليم وبكل شيء محيط. فانه على كل شيء قدير. ومن جملة الاشياء افعال العباد وطاعاتهم ومعاصيهم فهو تعالى يعلمها اجمالا وتفصيلا قبل ان يعملوها. واعمالهم وافعالهم داخلة تحت مشيئة الله وارادته. فقد شاء منهم وارادها ولم يجبرهم لا على الطاعات ولا على المعاصي. بل هم الذين فعلوها باختيارهم كما قال تعالى يا الله الا ان يشاء الله رب العالمين فهذا هذه الاية فيها رد على القدرية النفاة على القدرية المجبرة. واثبات للحق الذي عليه اهل السنة والجماعة. فقوله لمن شاء من منكم ان يستقيم فاثبت لهم مشيئة حقيقية وفعلا حقيقية. وهو الاستقامة باختيارهم. هذا رد على الجبرية. وقوله وما تشاؤون الا ان يشاء الله. اخبر ان مشيئتهم تابعة لمشيئة الله. وانها لا توجد بدونها ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ففيها رد على القدرية القائلين ان مشيئة العباد مستقلة ليست تابعة لمشيئة الله بل عندهم يشاء العباد ويفعلون ما لا يشاءه الله ولا يقدره. ودلت الاية على الحق الواضح وهو ان العباد هم الذين يعملون الطاعات والمعاصي حقيقة ليسوا مجبورين عليها. وانها مع ذلك تابعة لمشيئة الله كما تقدم كيفية وجه ذلك. والايات على هذا كثيرة جدا. فهذه احدى الطوائف الثلاث المخاصمين لله فانهم انكروا عموم مشيئته وقدره. وجحدوا ما قرره الله في كتابه وعلى لسان رسوله من شمول قدره لكل شيء. فزعموا ان افعال العباد خارجة من هذا العموم. واما الطائفة الثانية فهم الجبرية الذين يقال لهم القدرية المجبرة. وهم غلاة الجهمية الذين امامهم في هذا وغيره جهم بن صفوان متفق على بدعته بل بدعه الخبيثة المتنوعة. فزعموا ان عموم مشيئة الله وعموم ارادته تقتضي ان العبد مجبور على افعاله. مقصور مقهور على اقواله وافعاله. لا قدرة له على شيء من الطاعات. ولا على ترك المعاصي. ومع انه لا قدرة له على عندهم فهو مثاب معاقب على ما لا قدرة له عليه. وهذا القول من اشنع البدع وانكرها. وهو مخالف للكتاب والسنة واجماع الائمة المهتدين من الصحابة والتابعين لهم باحسان. ومخالف للعقول والفطر ومخالف للمحسوس. وكل قول يمكن صاحبه ان يطرده الى هذا القول الشنيع فانه لا يمكنه ان يعمل به ويطرده. كما تقدم انه لا يعذر من ظلمه وتعدى عليه واعتذر ترى المعتدي بالقدر فان الجبري لا يعذره بل يرى اعتذاره بالقدر زيادة ظلم وتهكما به. فكيف يسلك هذا المسلك مع ربه وهو لا يرتضيه لنفسه من غيره. والمقصود ان هذه الطائفة خالفت المنقول والمعقول. ونصوص الكتاب والسنة تبطل قولهم. فان الله نسب اعمال العباد اليهم من الطاعات المتنوعة والمعاصي الكثيرة. كلها يضيفها الى الفاعلين. ويخبر انهم هم الفاعلون لها تستحقون جزاءها من خير وشر. فلو كانوا مجبورين عليها لم ينسبها لهم. ولم يضفها اليهم. بل ينسب الاعمال الى نفسه حاشاه وتعالى عن ذلك. فلا يقال الله الذي فعل الايمان والكفر والطاعة والمعصية. بل يقول كل احد العبد هو الذي فعلها. والله هو هو الذي قدرها من غير ان يجبره عليها. ويلزم على قول الجبرية ايضا اسقاط الامر والنهي. لانه كيف يؤمر وينهى من لا قدرة له على امتثال الامر واجتناب النهي. ويلزم ايضا على قولهم اسقاط الحدود عن جميع اهل الجرائم. اذ كيف يعاقبون وتقام عليهم الحدود وهم غير قادرين بالمجبورين. فهذا القول الباطل مخالف لجميع اصول الدين وفروعه. ويلزم ايضا على قول الجبرية تعطيل الاسباب الدنيوية والدينية وذلك ان الله تعالى جعل الاسباب موصلة الى مسبباتها. وامر العباد بسلوك كل سبب نافع لهم في دينه قال تعالى صنع الله الذي اتقن كل شيء. وقال الذي احسن كل شيء خلقه. وقال تعالى ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور؟ اي نقص وخلو من الحكمة. ثم ارجع ودنياهم فكيف يؤمرون وهم مجبورون غير قادرين؟ القول بالجبر فيه فساد الدين والدنيا والذي حملهم على هذا القول مع ظهور بفساده ظنهم انه لا يمكنهم اثبات عموم مشيئة الله وقدره. حتى يسلبوا العبد قدرته. وقد غلطوا بهذا الظن فانه كما يتمكن العبد من اثبات عموم القدر ومن اثبات ان الاعمال هي اعمال العباد حقيقة. لان الله خلقهم وخلق كل ما فيهم من والظاهرة والباطنة وبقدرتهم وارادتهم اللتين خلقهما الله ومكن العبد بهما من كل ما يريده من خير وشر فعلوا الامرين باختيارهم من غير اجبار. وقد تصل هذه الطائفة وتغلو في القدر حتى يعتقدوا ان معاصيهم طاعات. لانها بمشيئة الله سيشاركون الطائفة الثالثة وهم القدرية المشركون الذين اعتذروا عن شركهم وتحريمهم ما اباح الله بالمشيئة وجعلوا مشيئة الله هي محبته. فقالوا لو شاء الله ما اشركنا ولا آبائنا ولا حرمنا من شيء. الاية وفي الاية الاخرى يا الله ما عبدنا من دونه من شيء. نحن ولا اباء هنا ولا حرمنا من دونه من شيء. كذلك فعل الذين من قبل فهذه الطوائف الثلاث هم خصماء الله في قضاء وقدره منهم من نفاه ومنهم من غلا فيه غلوا اوقعه في الباطل وهدى الله اهل السنة والجماعة لما اختلفوا فيه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. فاثبتوا عموم قضاء الله ونفوذ مشيئته في كل شيء واثبتوا مع ذلك افعال العباد من الطاعات والمعاصي. وقالوا انها واقعة باختيارهم. ولا حجة للعاصين على الله اذا احتجوا وعلى معاصيهم بقدره. بل حجتهم داحضة باطلة وقالوا ان مشيئة الله غير محبته. فمشيئته تعلقت بكل شيء موجود من خير وشر وطاعة ومعصية ومحبته خاصة للطاعات واهلها. كما اخبر بذلك في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال الشيخ رحمه الله واصل ضلال الخلق في كل فرقة هو الخوض مشيئة خلق دار الخليقة وذات اله الخلق واجبة بما لها من صفات واجبة قديمة مشيئته مع علمه ثم قدرة لوازم ذات الله قاضي القضية وابداعه ما شاء من مبدعاته بها حكمة فيه يذكر الشيخ ان اصل ضلال الخلق من جميع فرق الضلال هو الخوض في فعل الرب وذلك ان جميع الكون العالم العلوي والسفلي وما فيهن من المخلوقات خلقها الله. واوجدها بمشيئته وقدرته. انه تعالى هو الواجب باسمائه وصفاته القديمة. التي لا اول لها لانه الاول الذي ليس قبله شيء. ولم يزل باسمائه وصفاته كذلك. فاذا كانت اوصافه كلها قديمة واجبة لانه واجب الوجود. فمن لوازم صفاته اللازمة في ذاته العلم المحيط بكل شيء. والقدرة الشاملة لكل شيء. والمشيئة العامة لكل موجود. فهو تعالى لم يزل عليم من فعالا لما يريد وافعاله تعالى وابداعه لمبتدعاته تابعة لحكمته. التي هي وضع الاشياء مواضعها وتنزيل الامور منازلها. فلم يخلق ولن يخلق شيئا عبثا. بل خلق المخلوقات وابدع المبدعات بالحق وللحق فهي صدرت عن الحق واشتملت على الحق. وكانت غاياتها المقصودة الحق. فهذا التقرير الصحيح لمذهب اهل السنة والجماعة وهو الذي دلت عليه الادلة الكثيرة. فكما انه تعالى اخبر انه على كل شيء قدير. وانه فعال لما يريد انه اذا اراد امرا قال له كن فيكون. وان كل شيء خلقه بقدر. وكل صغير وكبير مستطر. فكذلك قد اخبر انه الحكيم الذي شملت حكمته كل شيء. وانه خلق السماوات والارض ومن فيهن بالحق. ولم يخلقهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا. افحسبتم انما خلقناكم عبثا لا ترجعون. ايحسب الانسان ان يترك سدى. الى غير ذلك من من الايات الدالات على الاصلين. وهما عموم مشيئته لكل موجود. وشمول حكمته للخلق والامر. هذا الذي يتعين على المكلفين الاعتراف به واعتقاده. واما مذهب الجبرية فانهم زعموا ان فعل الرب وابداعه لجميع المبتدعات لغير حكمة بل اوجدها عندهم بمشيئة مجردة. وقالوا انه لا يسأل عما يفعل. ولا حجة لهم بالاية الكريمة. بل هي حجة عليهم فانه لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته. فلا يمكن مخلوقا ان يعترض على الله اعتراضا صحيحا في شيء من مخلوقاته. بل لو اجتمعت عقول الخلق من اولهم الى اخرهم ليقترحوا احسن من خلقه وابداعه وتكوينه لعجزت وقواهم وانما حسب العقول الكاملة ان تدرك حكمة الله وان تفهمها. وما يخفى عليه من الحكم اعظم واكثر ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير. ومن تأمل في المخلوقات وتغلغل فكره في بدائع المصنوعات ورأى ما فيها من الحسن والانتظام والاتقان. وشاهد ما فيها من المنافع التي لا تحصى. شهد لله بكمال الحكمة وعموم رحمة فتبا لمن زعم ان افعال الباري صادرة عن محض المشيئة الخالية من الحكمة والرحمة. وانه يرجح مثلا على بلا معنى ولا سبب مرجح. لقد ضلت افهامهم حيث انكروا اظهر الاشياء واوضحها. ولهذا قال الشيخ ولسنا فاذا قلنا جرت بمشيئة من المنكر اياته المستقيمة. بل الحق ان الحكم لله وحده له الخلق والامر الذي في الشريعة. اي اذا قلنا ان جميع الكائنات جرت بمشيئة وارادته فلسنا ننكر حكمته واياته المستقيمة الدالة على الغايات المحمودة. بل نجمع بين اثبات امرين ونعتقد شمول الاصلين لكل ما خلقه وشرعه. لانه تعالى له الحكم وحده. الا له الخلق والامر. اي له وصفا وفعلا الخلق الشامل لكل مخلوق. والامر الشامل لجميع الاحكام الشرعية. فكما لا خالق سواه فلا حاكم بين العباد سواه كما ان مخلوقاته مملوءة من الحكمة والرحمة. فشرعه العظيم اعظم واعظم. كله حكمة وكله رحمة. ومن احسن من الله حكما لقومي يوقنون. فلهذا قال هو الملك المحمود في كل حالة له الملك من غير انتقاص بشركة. اي له الملك كله وله الحمد كله. لا شريك له في ملكه ولا في حمده. فهو المحمود على ما له من الاسماء الحسنى. وعلى ما له من الصفات الكاملة العليا. وهو المحمود على فضله الشامل ورحمته الواسعة وعلى عدله وحكمته التي وضع بها الاشياء مواضعها. فيحمد على عدله كما يحمد على فضله. كما قال الشاعر ما للعباد عليه حق واجب. كلا ولا سعي لديه ضائع. ان عذبوا فبعدله او نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع وقد قرر مولانا الشيخ هذا المقام فقال مقررا مكررا للمعاني بعبارات مختلفة. لان المقام مهم من جدة فما شاء مولانا الاله فانه يكون وما لا يكون بحيلتي. وقل قدرته لا نقص فيها وحكمه يعم فلا تخصيص في ذي القضية. اريد بذلك ان الحوادث كلها بقدرته كانت ومحض المشيئة. ومالكنا في لما قد اراده له الحمد حمدا يعتلي كل مدحتي. فان له في الخلق رحيم سارت ومن حكم فوق العقول الحكيمة امورا يحار العقل فيها الى اذا رأى من الحكم العليا وكل عجيبة. يعني انه ما شاء الله كان لا مانع من كونه ووجوده اذا شاءه الله وما لم يشأ لم يكن فلا يدرك بحيلة ولو اجتمع عليه جميع الخلق. وفي حديث ابن عباس انه صلى الله عليه وسلم قال واعلم ان الخلق لو اجتمعوا على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء كتبه الله لك. ولو اجتمعوا على ان بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك. فقدرة الباري تعالى كاملة لا نقص فيها. حدثت جميع الحوادث ووجدت جميع الموجودات بها وبمشيئته. وله في ذلك الخلق والايجاد كمال الحكمة. وسعة الرحمة التي تحار في كثرتها وسعتها وعظمتها وهو المحمود تعالى على ذلك كله. ثم قال ايضا فنؤمن ان الله عز بقدرة وخلق وابرام لحكم المشيئة. فنثبت هذا كله لاله ونثبت ما في ذاك من كل حكمة. وهذا مقام طالما عجز الاولى نفوه وكروا راجعين بحيرة. وتحقيق ما فيه بتبيين غوره. وتحرير لرواد بحره وذا عسر في نظم هذه القصيدة لحاجة الى بيان محقق. لاوصاف مولانا الاله الكريمة واسمائه الحسنى واحكام دينه وافعاله في كل هذه طليقتي. وهذا بحمد الله قد بان ظاهرا. والهامه للخلق افضل نعمة وقد قيل في هذا وخط كتابه بيان شفاء للنفوس السقيمة قرر المؤلف هذه المعاني بهذه العبارات. لما ذكره ان المقام مقام عظيم. طالما عجز الذين نفوه ولم يفهموه حائرين غير مهتدين. ومسائله العظيمة مستمدة من اسماء الله واوصافه وافعاله. ومعرفة دينه والتدبر لكتابه فمن تفقه في الاسماء الحسنى واعترف بما لله من الصفات العليا. وعرف ان افعاله تعالى مشتملة على الحق. والحق غايتها ومقصودها. وتدبر كتاب الله الذي فيه الهدى والشفاء. وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. من عرف ذلك فكن له واعترف به جزم جزما لا تردد فيه. بانه تعالى خلق المخلوقات واوجدها ودبرها بمشيئة نافذة. وحكمة شاملة ورحمة واسعة. وذلك ان عظمة المخلوقات تدل على عظمة خالقها ومبدعها وكمال قدرته. وما فيها من التخصيص المتنوعة من كل وجه. تدل على نفوذ مشيئته وارادته. وما فيها من الحكم والانتظام والحسن والالتئام والخلق الغريب والابداع العجيب يدل على شمول علمه واحاطته وشمول حكمته وحمده وما فيها من الخيرات الكثيرة والمنافع الغزيرة والصلاح والاصلاح. يدل ذلك على سعة رحمته وبره وكرمه واحسانه. وتحقيق هذه المقامات هو والمطلب الاقصى لرواد الحقيقة ولا سبيل لذلك الا الاستمداد من كلام الله وكلام رسوله والاستنارة بهداية الائمة المهتدون دين ومعرفته والهامه للعباد من اجل نعم الله عليهم. والقرآن شفاء لما في الصدور من امراض الشكوك والشبهات والشهوات ثم قال الشيخ مجيبا للمعترض فقولك لم قد شاء مثل سؤال من؟ يقول فلم قد كان الازلية وذاك سؤال يبطل العقل وجهه. وتحريمه قد جاء في كل شرك يعني رحمه الله تعالى ان سؤال السائل واعتراض المعترض بقوله لما شاء وكيف شاء كفر الكافرين ووقوف العصيان من العاصين ونحوها من الاسئلة المشابهة لذلك. كلها محظورة ممنوعة لان الله هو الحاكم ليس محكوما عليه ولا يلزم ان يبدي لعباده كل حكمة اشتملت عليها مراداته ومفعولاته. فقد اخبر عباده بالامر العام وهو انه حكيم في كل ما خلق وكل ما شرع واما دقائق الخلق واسرارها واسرار افعاله فعنده علمها لا يلزم ان يطلع عباد عليها الا ما شاء منها. وهذا مثل سؤال السائل. لما قدم الله هذا المخلوق على هذا المخلوق؟ ولما كان المخلوق مسابقا وهذا المخلوق لاحقا. فانه تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فالعقل والشرع لا يبيح امثال هذه الاسئلة التي يعترض بها العبد الحقير على الرب العظيم. فانه محرم في جميع الشرائع حتى وصلت بهم الحال الى ما قال النبي صلى الله عليه عليه وسلم لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خلق هذا الخلق فمن خلق الله فمن وجد ذلك فليستعذ بالله من الشيطان ولينتهي. وفي رواية فليقل امنت بالله. فامر صلى الله عليه وسلم عند هذه الشكوك والاسئلة المحرمة بثلاثة اشياء. بالايمان بالله. لان الايمان الصحيح يدفع هذه الشبهات. لعلم العبد المؤمن انه تعالى الاول قل الذي ليس قبله شيء وانه لا منتهى لاوليته كما لا منتهى لاخريته. وبالاستعاذة بالله من الشيطان الموسوس الموقع لهذه الشكوك والشبهات. وامره ان ينتهي وان يعلم ان هذا سؤال باطل. شرعا وعقلا. وهو من باب المكابرة والمباهتة بانه تعالى واجب الوجود. ووجود كل شيء بايجاده. وفي الكون تخصيص كثير يدل من له نوع عقل انه بارادة واصداره عن واحد بعد واحد او القول رمية حيرة ولا ريب في تعليق كل مسبب بما قبله من من علة موجبية. بل الشأن في الاسباب اسباب ما ترى. واصدارها عن حكم محض المشيئة. يقول ان في العالم العلوي والسفلي تخصصات كثيرة جدا. تدل دلالة عقلية صريحة انها بارادة العزيز الحكيم. مثل جعل بعضها عاليا وبعضها سافلا. وبعضها كبيرا وبعضها صغيرا. وبعضها بغيره وبعضها منفصلا. وبعضها على صفة وبعضها على صفة اخرى. مثل قوله والله خلق كل فمنهم من يمشي على ومنهم من يمشي على اربع يخلق الله ما يشاء. والتخصيصات لا يحيط بها هذا الوصف. وكلها تدل على انها متعلقة ثقة بارادة الله ومشيئته. وانه الفعال لما يريد. ومن الغلط العظيم والحيرة والضلال. قول الفلاسفة. ان الواحد لا يصدر عنه الا واحد. فان هذا باطل شرعا وعقلا من وجوه كثيرة ذكرها الشيخ في كتاب العقل والنقل وفي المنهاج وغيرها من كتبه لكن الامر الذي لا ريب فيه ان كل مسبب لابد له من سبب. وكل معلول لا بد له من علة موجبة. وكل كل شيء لابد له من مادة قد خلق منها. ولكن جميع الاسباب تنتظم في قضاء الله وقدرته. وهي من القضاء والقدر ولهذا لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ارأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاتل فقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال هي من قدر الله. وثبت في الصحيحين ان الصحابة رضي الله عنهم حين ذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم القدر السابق قالوا يا رسول الله افلا نتكل على كتابنا الاول وندع العمل؟ فقال فكل ميسر لما خلق له. اما من كان من اهل السعادة فسييسر لعمل اهل السعادة. واما من كان من اهل الشقاوة اهل الشقاوة للعسرى بما فعلوه من الاسباب الثلاثة. وهي قوله واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. ومشيئته تعالى لا تنافي ما جعله الله من الاسباب الدنيوية والاخروية. فقد اخبر في عدة انه يهدي من يشاء ويضل من يشاء. وفي ايات اخرى اخبر بها بالاسباب التي تنال بها هداية الله. ويستحق العبد ان يبقى على ضلاله كقوله يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. ويخرجهم من الظلمات الى النور وكقوله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. وكقوله يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وقوله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ونحوها. وقوله في الضلال فلما ما زاغوا ازاغ الله قلوبهم. وقوله في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. وقوله ونقل افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. وقوله سبحانه ومن يعش عن ذكر الرحمن له شيطانا فهو له قرين. وهذه الايات فيها من اسرار القدر في هداية من يهديه واضلال من يضله ما يشهد لله بكمال الحكمة والحمد. وكذلك اخبر في عدة ايات انه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. في ايات اخر اخبر عن الاسباب التي تنال بها مغفرة الله. مثل قوله واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى. والاسباب التي يستحق بها العذاب مثل قوله انا قد اوحي الينا ان العذاب تاب على من كذب وتولى. وكذلك اخبر في ايات كثيرة انه يرزق من يشاء. ويوسع الرزق على من من يشاء ويقبضه عمن يشاء. وفي ايات اخرى ذكر الاسباب التي ينال بها رزقه. مثل قوله ومن من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حسبه. وقوله ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا. كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من احب ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اجله فليصل رحمه. وكذلك الاسباب المادية مثل قوله تعالى هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه. واليه النشور. وجميع المطالب الدنيوية والاخروية جعل لها اسبابا متى سلكها الانسان حصل له المطلوب. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في كلمة واحدة فقال احرص على ما ينفعك واستعن بالله. فقوله احرص على ما ينفعك. اي في دينك ودنياك. واسلك كل طريق يوصلك الى هذه المنفعة. ولكن لا تتكل على حولك وقوتك. بل توكل على الله واستعن به. فمن فعل ذلك فهو عنوان سعادته ونجاحه. والا فلا يلم العبد الا نفسه. وقولك لمن شاء الاله هو الذي اضل عقول الخلق في قعر حفرتي فان المجوس القائلين بخالق لنفع ورب مبدع للمضرة. سؤالهم عن علة السر اوقعت اوائلهم في شبهة يعني ان هذا السؤال الذي مضمونه الاعتراض على الله ومضمونه ايضا الدخول فيما ليس للعقل سبيل اليه. لم يزل فليضلوا عقول الخلق ويلقيهم في الهلاك. وهو الذي اوقع المجوس القائلين ان الخالق اثنان خالق الخير هو الله وخالق الشر هو الشيطان. فاشركوا بالربوبية بعد شركهم في الالهية. فكانوا يعبدون النار ويستحلون المحارم كاد شرهم على المشركين من جهة استحلال المحارم. ومن جهة اعتقادهم ان ابليس خالق الشر. فجعلوا رب العالمين اثنين ولهذا يقال لهم الثانوية. والذي اوقعهم في هذا الشر العظيم الذي لم يصل اليه المشركون هذا السؤال. فقال كيف يخلق الله الشر. فعلينا ان ننزه الله عن خلق الشر. فاتوا بهذه الطامة الكبرى والمقالة الشنعاء. يقول الشيخ رحمه الله فهؤلاء المشككون الذين يقولون كيف يقدر الله علينا الكفر والمعاصي ويعذبنا على ذلك؟ قد تابعوا افتراضهم كل كفار عنيد من المجوس الثانوية. وكذلك من هم اعظم منهم شرا وجرما ملاحدة الفلاسفة. فلهذا قال الفلاسفة الاولى يقولون بالفعل القديم لعلتي في الكون بعد انعدامه فلم يجدوا ذاكم فضلوا بضلتي. يعني ان ملاحدة الفلاسفة المعطلين لله ولكتبه ورسله المكذبين لهم. اوقعتهم عقولهم الفاسدة في الهلاك. حيث حكموها في البحث عن علة ايجاد هذا الكون فلم تهتدي لذلك لقصورها وتقصيرها. فزعم كثير منهم ان هذا العالم قديم. وانه لم يزل ولا يزال وبذلك انكروا وجود الرب العظيم. ومن باب اولى انكروا رسله وكتبه. وتضاربت نظرياتهم الفاسدة اضلوا واضلوا. ولقد صدق عليهم قوله تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ثم ان هؤلاء الفلاسفة الملاحدة في هذه الاوقات ابطلوا بانفسهم نظرية اسلافهم واحدثوا لهم نظريات متعددة متضاربة مبنية على الخرس والجهل المركب. ولم يزالوا في اضطراب وهذه حالة كل من ترك الحق واستكبر عنه وتاه بعقله. قال تعالى بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في امر ولهذا قال الشيخ وان مبادئ الشر في كل امتي ذويهم في ملة ميمونة نبوية. لخوضهم في ذاكم صار شركهم. وجاء رؤوس بفترة. يعني وكذلك الامم الذين ينتسبون للانبياء كاليهود والنصارى. مبادئ شرهم وشركهم جنس هذا سؤالي وخوضهم بالباطل فانحرفوا عن اديان الانبياء واتبعوا كل شيطان مريد. قال تعالى ولما اباءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم. مصدق لما معه من فريق من الذين اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلوا الشياطين على سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا. يعلمون بات السحر وما انزل على الملكين بباب لهاروت وماروت وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر. فيتعلم منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه. وما هم بضال به من احد الا باذن الله. ويتعلمون ما يضرهم ولا ولقد علموا لمن اشتراهما له في الاخرة من خلاق ولبئس ما شروا به لو كانوا يعلمون فاخبر ان تركوا الايمان بسيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وافضل الكتب. وتعوضوا عن ذلك بالعلوم الباطلة التي هي السحر ونحو فكل من ترك الامور النافعة ابتلي بالامور الضارة. وكل من زهد بالحق وقع في الباطل. وهذا مضطرد في كل زمان ومكان وكل امة. ويكفيك نقضا ان ما قد سألته من العذر مردود لدى كل فطرة فانت تعيب الطاعنين جميعهم. عليك وترميهم بكل مذمة وتنحل من والاك صفو مودة وتبغض من ناواك من كل فرقة حالهم في كل قول وفعلة كحالك يا هذا بارجح حجتي. وهذا كما تقدم ونقد واضح على من اعتذر عن مخالفته ومعاصيه بالقدر. فانه في كل فطرة عاقل ان من ذمك ذممته. ومن عاد عبده ومن ظلمك في نفسك او مالك عاملته معاملة الظالم فكيف تعذر نفسك اذا عصيت الله ولا تعذرهم اذا ذموك او ظلموك. بل تبغضهم وتذمهم وتقابلهم على ظلمهم بما تقدر عليه. وهذا شيء كل احد يعرفه فاتضح بهذا ان المحتج بالقدر على المعاصي. كما انه مخالف للشرع والعقل. فهو مخالف للفطرة التي فطر عليها كل احد بل هو مكابر مستهزئ. ثم اعاد هذه المعاني بذكر امثلة توضح المقام لكونه من اهم المهمات فقال وهبك كثفت اللوم عن كل كافر. وكل غوي خارج عن محجتي. فيلزمك على الناس في نفس ومال وحرمة. فلا تغضبن يوما على سافك دما ولا سارق مالا لصاحب فاقتي. ولا شاتم عرضا مصونا برشوة وكف لسان اللوم عن كل مفسد. ولا تأخذن ذا جرمة بعقوبة وسهل سبيل الكاذبين تعمدا. على ربهم من كل جاء بفريتي قصدوا اضلال من يستجيبهم. برغم فساد النوع ثم الرياسة. وجاءدل عن فرعون اذ طغى فاغرق في اليم انتقاما بغصة وكل كفور مشرك بي الهي واخر طاغ كافر بنبوتي كعاد ونمروذ وقوم لصالح وقوم للوط ثم اصحاب اي كتي. وخاصم لموسى ثم سائر من اتى من الانبياء حيا للشريعة على كونهم جاهدوا الناس اذا بغوا. ونالوا من العاصي ببليغ العقوبة والا فكل الخلق في كل لفظة ولحظة عين او تحرك شعر وبطشة كف او تخطي قديمة. وكل حراك بل كل سكينتي هم تحت اقدار الاله وحكمه فما انت فيما قد اتيت بحجة. هذه الالزامات التي ذكرها الشيخ وفي غاية القوة والوضوح. يبطل كل واحد منها اعتذار المعتذر بالاقدار. ومثل بامثلة كثيرة يعرفها كل احد لان كثرة الامثلة توضح المعاني وتصور المقالات القبيحة باشنع صورة. ولانه لو فرض انه تأول من التزم فيها بعض هذه الامثلة باحتمالات ضعيفة لم يكن له سبيل الى بقيتها. فالشيخ يقول لهؤلاء المعارضين المعترضين باقدار الله على المعاصي. يلزمكم ان تعرضوا عن كل ظالم للناس. في دمائهم واعراضهم واموالهم. فلا تغضبون من سفك الدماء واخذ الاموال بالغضب والسرقة. ولا من شتم الاعراض ولا على الزناة وقطاع الطريق والمفسدين في الارض على قاذف او شاهد بالزور. ولا من سعى في الارض ليهلك الحرث والنسل. ولا على من حكم بالرشوة وجار في حكمه. بل يجب عندهم كف اللسان عن كل مفسد معتد على الخلق. بل عليك ان تسهل سبيل الكاذبين على ربهم. وتعتذر عنهم ان سعوا في اضلال الناس بل وجادل عن ائمة الكفر كفرعون وقارون وهامان وكل مشرك وكافر كعاد وثمود قوم لوط واصحاب الايكة وما اشبههم من الكفار المعاندين. بل على قول هؤلاء عليك ان تخاصم جميع الرسل والانبياء حيث جاهدوا الناس على الايمان وعاقبوا اهل الجرائم لان الخلق كلهم في جميع حركاتهم وسكناتهم ولفظاتهم ولحظات تحت اقدار الله. وهذا القول الفظيع الذي يفضي الى هذه المكابرات. والمجاهرة بتكذيب الله ورسله وكتبه. حسب لهذا القول ان يتصور هذه اللوازم التي في غاية المشاقة لله ولرسله. وفيه فساد الدين والدنيا والاخرة وهبك رفعت اللوم عن كل فاعل فعال ردا طردا لهذا المقيصة فهل يمكنا رفع الملام جميعه عن الناس طرا عند كل قبيحة. وترك عقوبات الذين قد اعتدوا وترك الورى الانصاف بين الرعية. فلا تضمنن نفس ومال بمثله ولا يعقبن عاد بمثل الجريمة. وهل في عقول الناس او في داعيهم قبول لقول النذل ما وجه حيلتي. لما ذكر الشيخ تلك الالزامات التي لا محيد لهم عنها جاءهم ايضا الى الزامات اخر. فقال لو فرض وقدر انك ايها المعتذر بالقدر عن المعاصي. رفعت اللوم عن العاملين لمعاصي الله المتجرئين على محارمه. فهل يمكنك طرد ذلك وترك عقوبات المعتدين؟ وترك الحدود عن اهل الجرائم بحيث لا يضمن القاتل نفسا ولا الغاصب والمتلف مالا. ولا ينصف الحكام بين رعاياهم. اذا قالوا وادعوا انهم معذور بالقدر وهل في عقل احد او فطرته قبول قول الواحد من هؤلاء المجرمين؟ ما وجه حيلتي وانا معذور؟ فان وان خالفت الشرع فقد وافقت القدر. وهل هذا الا تلاعب محض وتهكم صرف. ويكفيك نقصا اما بجسم ابن ادم صبي ومجنون وكل بهيمة. من الالم المقضي من غير حيلة وفيما يشاء الله اكمل حكمتي. اذا كان في هذا له حكمة فما يظن به بخلق الفعل ثم العقوبة الله اكمل حيلتي. اذا كان في هذا له حكمة فما يظن بخلق الفعل ثم العقول ومن هذا عذاب مولد عن الفعل فعل العبد عند الطبيعة اكلس من اوجب الموت اكله. وكل بتقدير لرب المشيئة. فكفرك يا هذا من اكلته وتعذيب نار مثل جرعة غصتي. الست ترى في هذه الدار منجنا يعاقب اما بالقضاء او بشرعه. ولا عذر للجاني بتقدير خالق. كذلك في الاخرى بلا مثنوية. يعني انه يكفيك نقصا لقولك وابطالا له ان الله تعالى يقضي بحكمته الالام على غيره المكلفين من الصبيان والمجانين والبهائم. وهذه الالتزامات من لوازم الطبيعة. فلا تنفك الطبائع الا ان تكون على هذه الصفة تكون صحيحة ومريضة ومرتاحة ومتألمة. بحسب ما يعرض للطبيعة من استقامة وانحراف. فاذا كانت اسباب الالام اذا وجدت تولدت عنها الالام وترتبت عليها الاسقام. كمن اكل سما ترتب عليه الهلاك. او القى نفسه في نار او مهلكة فكفر الكافرين واجرام المجرمين بمنزلة من اكل سما او قذف نفسه في نار او مهلكة. لابد ان يترتب عليه مقتضاه واثره. فاذا كنت لا تعذر من اكل سما او القى نفسه في تهلكة وتنسب هلاكه الى عمله فالكفر والمعاصي كذلك بل ابلغ لان اكل السم والملقي نفسه بالهلكة. ربما يعرض بعض العوارض المانعة من الهلاك بخلاف الكفر وتوابعه فان اثاره مترتبة عليه قطعا الا اذا رفعها العبد بتوبة نصوح. ومما يؤيد هذا انك تشاهد في هذه الدار عقوبة الباغين والظالمين والمعتدين. عقوبات يشاهدها كل احد. اما عقوبات قدرية يوقعها الله بالمجرمين كما اهلك الامم السابقة بالعقوبات المتنوعة وكما يشاهده من سبر احوال الخلق وتتبع مجرياتهم. وكيف كانت عواقب الباغين مجرمين اشنع العواقب واما بعقوبات شرعية يقتل القاتل ويقطع السارق ويقام الحد بالرجم او الجلد على ويجلد الشارب للخمر ويعزر في كثير من المعاصي. وهذه عقوبات قدرية شرعية. فهل تقول ايها المعتذر عن العاصين بالقدر ان جميع هؤلاء قد ظلمهم الله حيث اوقع بهم هذه العقوبات. وحيث احل بهم المثلات. فان قلت ذلك فقد بلغت من عداوة الله وعداوة رسوله. ومحاربة الله مبلغا ما بلغه احد. وان رجعت الى الحق. وقلت ان هذه العقوبة القدرية والشرعية هي عدل الله بين عباده وهي حكمته التي وضعها موضعها وجعلها في محلها اللائق بها. وليس لهؤلاء الجناة المعاقبين عذر بل ما اصابهم من مصيبة فبما كسبت ايديهم ويعفو عن كثير. فالرجوع الى الحق حق وبذلك وغيره يتضح بطلان الاعتذار بالقدر عن المجرمين. وشبيه بهذا ايضا قول الشيخ وتقدير في الخلق للذنب موجب لتقدير عقبى الذنب الا بتوبتي. وما كان من جنس المتاب لرفعه عواقب افعال العباد الخبيثة كخير به تمحى الذنوب ودعوة تجاب من الجاني وتقديره للفعل يجلب نعمة كتقديره الاشياء طرا بعلتي تعني كما جعل الله الذنوب والجرائم اسبابا للعقوبات. فقد جعل الله التوبة واعمال الخير والدعوات والشفاعات تمحى بها الذنوب وتكشف بها الكروب. فالله تعالى بحكمته ورحمته جعل اعمال العباد خيرها وشرها تترتب عليها اثارها. وتحصل موجبات عاجلا واجلا. فكم جلبت افعال الخير من نعم! وكم دفعت من نقم! كذلك افعال الشر. كم حصل بها من عقوبات! وكم ترتب عليها من شرور ومصائب. فهذه امور لابد منها في قدر الله وفي حكمه الشرعي. وحكمه الجزائي الذي يحمد عليه لما فيه من العدل والفضل. ثم قال الشيخ رحمه الله. وقول حليف الشر اني مقدر على قول الذئب هذه بطبيعتي فهل يرفع الندم الملوم بانه كذا طبعه ام هل يقال ام الذم والتعذيب او للذي طبيعته فعل الشرور الشنيعة. يعني ان المجرم اذا اعتذر بذلك العذر المردود. وقال ان الذنب مقدر علي فهو مثل قول الذئب والسبع المفترس ومثل الشرير اذا فعل الشر والعدوان والبغي وقال هذه طبيعتي لوم علي فهل يرفع هذا القول عنه الملام والعقاب؟ ام يكون لومه اشد وعقوبته اوكد؟ لانه عمل العمل القبيح واتصف بالخلق القبيح. فكان اغلظ جرما واشد عقوبة ممن فعل جرما عارضا. فانه يرجى له الرجوع والتوبة بخلاف الشرك الذي طبيعته وقوته متوجهة الى الشرور والمعاصي. ثم ذكر الشيخ ما ينجي العبد من هذا المأزق الحرج. فقال ان كنت ترجو ان تجاب بما عسى ينجيك من نار الاله العظيمة فدونك رب الخلق فاقصده ضارعا مريدا لان يهديك نحو الحقيقة ودلل القيادة النفس للحق واسمع ولا تعصي من يدعو لاقوم شراء ودع دين ذا العادات لا تتبعنه واعج عن سبيل الامة الغضبية وما بان من حق فلا ومن ضل عن حق فلا تكفرنه وز ما عليهن بالمعدنية هنالك تبدو طالعات من الهدى بتبشير من جاء بالحنفية بملة ابراهيم في مداك امامنا ودين رسول الله خير البرية فلا يقبلن الرحمن دينا سوى الذي به جاءت الرسل الكرام السجية. وقد جاء هذا الحاشر الخاتم الذي حوى كل خير في عموم الرسالة واخبر عن رب العباد بان من غدا عنه في الاخرى باقبح خيبتي فهذه دلالات العباد واما هداه فهو فعل الربوبية. وفقد الهدى عن الورى لا يفيد من غدا عنه بل يجري الى وجه حجتي. هذه نصائح نفيسة من نصائح الشيخ. مستندة الى الكتاب والسنة. يقول ان كنت ايها العبد تريد نجاتك من من عذاب الله والفوز بثوابه. فاقصد ربك متضرعا له اناء الليل والنهار. واسأله ان يهديك الصراط المستقيم. ووطي النفس سكن الانقياد للحق واقبله ممن قاله وكن ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه. ودع عنك دين العادات والاقتداء باهل الغضب والضلال. واكثر من التدبر لكتاب الله وسنة نبيه. ثم ما بان لك من الحق فاتبعه غير مبال بخلاف المخالفين. واجعل كتاب الله وسنة نبيه نصب عينيك. وزن بهما احوالك واحوال غيرك. فانهما الميزان العادل غير العائل. فانك اذا فعلت ذلك حصلت لك تباشير الخير وامارات السعادة. واتبع ملة ابراهيم حنيفا مائلا عن جميع الاديان والبدع الى دين محمد صلى الله عليه وسلم فان الله لا يقبل من احد دينا سوى الدين الذي ارتضاه لرسله واتباعهم. حتى ختمهم بامامهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم. الذي جمع الله به وله من المحاسن والكمالات ما لم تجتمع في غيره. وقد اخبر عن ربه ان من تبعه فهو المهتدي السعيد. ومن تولى عنه فهو الضال الطريد. ثم قال وهذا الذي بينته في هذه الابيات فيها الدلالة للحيران والتفاصيل التي يحصل بها الفرقان. والهداية بيد الله لكنه من اقبل على ربه صادقا عمل باسباب الهداية فلابد ان يقبله الله ويسلك به الصراط المستقيم. وحجة محتج بتقدير ربه يزيد عذابا كاحتجاج مريضتي. وذلك لانه عمل في الحقيقة جرمين بل ثلاثة احدها فعله للذنب. ثانيا احتجاجه عليه بالقدر وهو كذب فان مضمون الاحتجاج بالقدر يعني ان الله اضطره والجأه اليه واكرهه عليه وهو لا يريد الذنب. وهذا كذب صريح. فان الله مكنه من الترك. بل فتح له كل باب يصده عن الذنب. وقد ابت نفسه الامارة بالسوء الا ان توقعه في الذنب. فالملام عليه لا على ربه. ثالثا انه بهذا الاعتذار يمهد لنفسه الاصرار على الذنوب والاقامة على ما يسخط علام الغيوب. فان هذا الاعتذار يهون عليه كل ذنب كما هو مشاهد بالقضاء فانما امرنا بان نرضى بمثل المصيبة كسقم وفقر فقر ثم ذل وغربة. وما كان من مؤذ بغير جريمتي. فاما الافاعيل التي كرهت لنا فلا نص ياتي في رضاها بطاعتي. وقد قال قوم من اولي العلم لا رضا فعل المعاصي والذنوب الكبيرة. فان اله الخلق لم يرضه لنا. فلا ترتضي وقال فريق ترتضي بقضائه ولا ترتضي المقضي اقبح خصلة وقال فريق ترتضي باضافة اليه وما فينا فنلقى بسخطه. كما انها للرب خلق وانها لمخلوقه كسب كفعل الغريزة. فنرضى من الوجه الذي هو خلقه ونسخط من وجه اكتساب بحيلتي. فقد اجاب الشيخ باربعة اجوبة. كل واحد منهم كاف شاف كيف اذا اجتمعت احدها ان الذي امرنا ان نرضى به المصائب دون المعايب؟ فاذا اصبنا بمرض او فقر او فاقة ونحوها من حصول مكروه او فقد محبوب فيجب علينا الصبر على ذلك. واختلف في وجوب الرضا استحبابه لانه لم يثبت وجوب الامر به على وجه الوجوب. ولتعذره على اكثر النفوس. فان الصبر حبس النفس عن التسخط واللسان عن الشكوى. والاعضاء عن عملها بمقتضى السخط. من نتف الشعر وشق الجيوب وحشو التراب على الرؤوس ونحوها. وهذا واجب مقدور. واما الرضا الذي هو مع ذلك طمأنينة القلب عند المصيبة. والا يكون فيه تمن انها ما كانت فهذا صعب جدا على اكثر الخلق. فلهذا لم يجبه الله ولا رسوله. وانما هو من الدرجات العالية وهو مأمور به امر استحباب. واما الرضا بالذنوب والمعايب فلم نؤمر بالرضا بها. ولم يأت نص صريح او ضعيف في الامر بها فاين هذا من ذاك؟ الجواب الثاني ما قاله طائفة من اهل العلم ان الله لم يرض لنا ان نكفر ونعصي فعلينا ان نوافق ربنا في رضاه وسخطه. قال تعالى ان تكفروا فان الله غني فالدين موافقة ربنا في كراهة الكفر والفسوق والعصيان مع تركها. وموافقته في محبة الشكر والايمان والطاعة لنا مع فعلها الجواب الثالث ان القضاء غير المقضي فترضى بالقضاء. لانه فعله تعالى. واما المقضي الذي هو فعل العبد فينقسم الى اقسام كثيرة. الايمان والطاعة علينا الرضا بها. والكفر والمعصية لا يحل لنا الرضا بها. بل علينا ان ونفعل الاسباب التي ترفعها من التوبة والاستغفار والحسنات الماحية. واقامة الحد والتعزير على من فعلها باحات مستوية الطرفين. الجواب الرابع ان الشر والمعاصي تختلف اضافتها. فهي من الله خلقا وتقديرا وتدبيرا وهي من العبد فعلا وتركا. فحيث اضيفت الى الله قضاء وقدرا نرضى بها من هذا الوجه. وحيث اضيفت الى العبد نسخطها ونسعى بازالتها بحسب مقدورنا. فهذه الاجوبة عن الامر بالرضا والقضاء قد اتضح انها لا تدل على شيء من مطلوب المعترض ثم قال الشيخ ومعصية العبد المكلف تركه لما امر المولى وان مشيئتي فان اله الخلق حق مقاله بان عبادي في جحيم وجنتي اما انهم في هذه الدار هكذا. بل البهم في الالام ايضا ونعمتي. يعني ان معصية كالعبد تركه لما امر الله به ورسوله. وان كان ذلك بمشيئة الله فالله تعالى شاءه واراده لما له في ذلك من حكمة ولعلمه تعالى ان العبد يفعله باختياره ومراغمته لربه فلا حجة له في ذلك. وقد اخبر الله تعالى ان الابرار لفي نعيم. وان الفجار لفي جحيم. في دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار. اما الجنة او النار بل البهائم في الدنيا منها ما هو منعم ومنها ما هو مريض او مصيبه شيء من الالام. ولذلك كل اسباب وطرق معروفة. يحمد المولى بوضعه الاسباب المنوعة. مفضية الى مسبباتها. ولهذا قرر الشيخ وهذا المقام بقوله وحكمته العليا اقتضت ما اقتضته من فروق بعلم ثم ايد ورحمة سوق اولي التعذيب بالسبب الذي يقدره نحو العذاب بعزتي ويهدي اولي التنعيم نحو نعيمهم باعمال صدق في رجاء وخشية. وامر اله الخلق بين ما به تسوق اولي التنعيم نحو السعادة. فمن كان من اهل السعادة اثرت اوامره فيه بتيسير صنعتي ومن كان من اهل الشقاوة لم يبل بامر ولا نهي بتيسير شق ولا مخرج للعبد عما به قضى. ولكنه مختار حسن وسوءة. فل ليس بمجبور عديم ارادة ولكنه شائن بخلق الارادة. يعني ان حكمة الرب اقتضت افتراق العباد بالعلم والجهل والعمل والكسل والنعيم وضده. وذلك بحسب عملهم بالاسباب النافعة او الاسباب الضارة فان الله تعالى دعا الى دار السلام وبين طريقها واعمال البر الموصلة اليها التي مرجعها الى ثلاثة في امور تصديق خبر الله ورسوله. وامتثال امر الله وامر رسوله واجتناب نهيهما. وامر العباد بسلوكها اخبر بما لهم عنده من الكرامة. فمن كان من اهل السعادة يسره لعمل اهل السعادة. وحبب له الايمان وزينه في قلبه وكره اليه الكفر والفسوق والعصيان. فسار بحسن طريقه الى سعادته الابدية. ومن كان من اهل الشقاوة لم يبالي امر الله ولا نهيه. بل كذب وتولى. فاستحق العذاب بجرمه وذنوبه. بين الله له الهدى وامره بسلوكه فادبر تولى فولاه الله ما تولى لنفسه ووكله اليها ومن وكل الى نفسه الامارة بكل سوء. الظالمة الجاهلة قد هلك وذلك بما كسبت يداه ليس بمجبور على ذلك ولا مكره ولا مقصور. بل هو مختار مسرف كفور فلهذا قال الشيخ ومن اعجب الاشياء خلق مشيئة بها صار مختار الهدى والضلالة فقولك هل اختار تركا لحكمه؟ كقولك هل اختار ترك مشيئتي؟ واختار لا لا اختار فعل ضلالتي ولو نلت هذا الترك فزت بتوبتي. وذا ممكن لكنه توقف على ما يشاء الله من ذي المشيئة. يقول الشيخ ان من اعجب الاشياء ان خلق الله للعبد مشيئة يتمكن بها من كل ما يريد. فيختار بها الهدى ان كان من اهل السعادة. ويختار بها الضلالة ان كان من اهل الشقاوة والعبد هو الذي يفعل ويعمل ويكسب من غير مانع له عما يريده. فقولك ايها المعترض عليه هل اختار ترك حكم الله الله وقدره. مثل قولك هل اختار ترك مشيئتي؟ يعني فانت الذي اخترت افعال المعاصي. فلو زعمت انك لا تختار ولا تحب فعل الضلالة والغي. فانت بين امرين اما ان تكون كاذبا. وهو الواقع لكل من يعترض على المعاصي بالقدر. ولكن انه يريد بهذا الكلام دفع الشنعة عليه. وقصده معروف فهو يعرف من نفسه انه لا يختار ولا يحب ان كما باشره من الكفر والاجرام. فلو فرض وقدر على وجه الامكان انه صادق في قوله اني اختار الا اختار فعل الضلالة وكان ذلك من صميم قلبه صادقا في ذلك لو كان الامر كذلك لكان هذا توبة. لان العبد متى كان له ارادة مصممة على فعل ما يحبه الله. وعلى ترك ما يكرهه الله اقبل بهذه الارادة الى الخيرات. وانصرف عن السوء والسيئات. وكان توبة له من جميع الموبقات. ولكن من وفق لهذه الحال كان ابعد الناس عن الاحتجاج بالقدر. والوصول الى هذه الدرجة العالية ممكن في حق كل احد ولكنه يتوقف على مشيئة الله وارادته. ومن لجأ الى الله واناب اليه وتضرع له هداه الله. وشاء منه ان يفعل ما يحبه ويرضاه. واشار الشيخ الى هذا الفرق اللطيف بقوله ما يشاء الله من ذي المشيئة. وذو المشيئة هو العبد. وهذا الفرق اللطيف. هو انه ان شاء تعالى ان يعين عبده وعلى فعل ما يحبه ويرضاه. وشاء من عبده ذلك الفعل حصل المطلوب. وفاز العبد بكل مرغوب. وان لم يشأ تعالى اعانة عبده بل امره بالخير. واحب منه ان يفعله ونهاه عن الشر وكره له فعله. ولكن لم يشأ من نفسه اعانته بقي العبد على ما اختاره لنفسه من الاقامة على مساخط الله. قال الشيخ بعدما اجاب بهذه الاجوبة السديدة والمعارف المفيدة سواء كان السؤال سؤال استرشاد او سؤال اعتراض وعناد. كما هو الظاهر من الفاظ السائل وفحوى كلامه. وهو الذي فهمه شيخ فهذه الاجوبة التي تشير وتبين هذا الاصل وهو اصل القدر الذي هو احد اصول الايمان. وقد بين الشيخ في تفاصيل جوابه هذا الاصل بيانا شافيا. ووضحه توضيحا كافيا. لا تجد هذا التفصيل وهذا التحقيق في كلام غيره هذا الامام العظيم. فجزاه الله عن الاسلام والمسلمين عموما واهل العلم خصوصا افضل الجزاء. ورفعه في اعلى درجات ونفع بعلومه جميع المسلمين امين. خاتمة في ذكر امثلة منوعة تكشف لك مسألة القضاء والقدر حيث كان هذا المقام من اهم الامور. وقد حارت فيه افهام كثير من الاذكياء. ولم يهتدي الى الصواب المحض كثير من العلماء وكثير منهم يأخذ مسائله على وجه التقليد غير مقتنع بوجه يجمع فيه بين الايمان بشمول القضاء والقدر مع ان العبد هو الفاعل حقيقة لفعله. وهو الممدوح او الملوم على كسبه. مع ان الشيخ رحمه الله في هذا النظم حقق هذا المقام غاية التحقيق. وبين الهدى فيه من الضلال. حتى وضح الطريق. لكن الامثلة تزيد البصر بصيرة وتزيل عن الشاك الطالب للحق الريب والحيرة. لهذا نقول في ضرب الامثلة المتعلقة بهذه المسألة العظيمة المثال الاول رجل كان مسرفا على نفسه كثير الجرأة على المعاصي. فقال له صاحبه وهو يناصره ويحاوره اما ترتدع عما انت عليه؟ اما تتوب الى ربك وتنيب اليه؟ اما علمت ان عقابه شديد على العاصين فقال المسرف دعني اتمتع فيما اريد. فلو شاء الله لهداني ولو اراد لي غير ذلك لما اغواني. فقال له الناصر بهذا الاعتذار الكاذب ازداد جرمك وتضاعف ذنبك. فان الله لم يغوك بل الذي اغواك الشيطان. وان قال قادت له النفس الامارة بالسوء. حيث قال الشيطان مخاطبا لربه فبعزتك لاغوينهم اجمعين. الا زادك منهم المخلصين. فالشيطان دعاك الى المعاصي فاجبته. والله دعاك الى الهدى فعصيته. بين الله لك السعادة وسهل اسبابها ورغبك فيها ووضح لك طريق الشقاوة وحذرك من سلوكها واتباع خطوات الشيطان. واخبر بما تؤول اليه من العذاب الشديد. فرضيت واستبدلت الضلالة بالهدى والشقاوة على السعادة. وجعل لك قدرة وارادة تختار بهما وتتمكن بهما من كل ما تريد. ولم يلجئك الى فعل المعاصي ولا منعك من الخير. فسلكت طريق الغير وتركت طريق الرشد فلا تلم الا نفسك. اما سمعت ما يقول الداعي لاتباعه يوم القيامة حيث يقوم خطيبا فيهم وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق. ووعدكم دعوتكم فاستجبتم لي. فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي. الاية فقال المسرف كيف استطيع ان اترك ما انا فيه؟ والله هو الذي قدره علي. وهل يمكنني الخروج عن قضائه وقدره؟ فقال له الناصح نعم يمكنك الخروج من قدره بقدره. فالتوبة والاقلاع عما انت فيه. وانت تعلم علما لا تشك فيه من قدر الله فارفع قدر الله بقدره. ثم ان قولك ان المعاصي الواقعة مني من قدر الله ان اردت ان الله اجبرك عليها وحال بينك وبين الطاعة فانت كاذب. واول من يعلم كذبك نفسك. فانت تعلم كل العلم انك لو اردت ترك الذنوب لما فعلتها. ولو اردت ارادة جازمة فعل الواجبات لفعلتها. فلقد اقدمت على المعاصي برغبة منك ومحبة لها وارادة لا تشك ولا يشك غيرك فيها. وتعلم ان قولك انها بقضاء الله قدره دفع للوم عنك. فهل تقبل هذا العذر لو ظلمك ظالم او تجرأ عليك متجرأ. وقال اني معذور بالقدر فلا تلمني. اما يزيدك كلامه هذا حنقا وتعرف انه متهكم بك. فقال المسرف بلى هذا الواقع فقال الناصح كيف ترضى ان تعامل ربك الذي خلقك وانعم عليك النعم الكثيرة. بما لا ترضى ان يعاملك به الناس وان اردت بقولك انها بقضاء وقدر بمعنى ان الله علم مني اني ساقدم عليها واعطاني قدرة وارادة اتمكن بهما من فعلها وان الذي فعلت من المعاصي بما اعطاني ربي من القوى التي مكنتني فيها من المعاصي. واعلم انه لم اجبرني ولم يقهرني. وانما انا الذي فعلت. وانا الذي تجرأت. فقد رجعت الى الحق والصواب. واعترفت بان لله الحجة البالغة على عباده. المثال الثاني رجل جاء لبعض العلماء فقال له احب ان ترشدني الى امر يطمئن له قلبي وتقتنع به نفسي من جهة القضاء والقدر. فاني لا اشك ان جميع الحوادث بقضاء الله وقدره انه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. واعلم مع ذلك ان افعالي كلها باختياري وارادتي. وانا الذي عملتها هذا امر ضروري لا اشك فيه. واعتقد انه لا يشك فيه احد. ولكن احب طريقة تهديني الى كيفية الجمع الامرين فقال العالم الجواب المقنع في هذه المسألة انك اذا علمت ان الله خلقك وخلق اعضاءك الظاهرة واعضائك الباطنة هذا امر لا تشك فيه ولا يشك فيه مسلم. ومن اعظم الاعضاء الباطنة ان الله جعلك مريدا كل ما تحبه كارها لما تبغضه اجمالا وتفصيلا. وان الله اعطاك قدرة توقع بها جميع ما تريد فعله. وتنكف بها عما تريد تركه. فانت تعترف بذلك ولا تستريب فيه. وتعرف مع ذلك انك اذا اردت امرا من الامور ارادة قادة جازمة وانت تقدر عليه فعلته من دون توقف. حتى ان الامور المستقبلة التي تريد فعلها ارادة جازمة تقول فيها سافعل كذا ان شاء الله. كما قال تعالى ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله. فاذا اعترفت ذلك كله. يعني اعترفت بانه تعالى خلقك وخلق قواك الظاهرة والباطنة. ومكنك من كل ما تريده بما من قدرة ومشيئة وانت الذي تختار وتفعل او تترك. فقد جمعت بين الاصلين. الاعتراف بعموم قدر الله وان افعالك كلها من كسبك. وانه ان وفقك للخير فبفضله وتيسيره. وان لم يوفقك بل وكلاك الى نفسك فلا تلومن الا نفسك. ومعرفة هذه المقدمات سهلة بسيطة. وبها يحصل لك الاقتناع التام. ففعلك داخل في عموم قدرة الله وخلقه. لان خالق السبب التام هو الخالق للمسبب. والسبب التام قدرتك وارادتك الله هو الذي خلقهما. وانت الذي تفعل بهما. وانما الاشكال الذي لا يمكن حله لبطلان احد اصليه. اعتقادك انك مجبور على افعالك. فهذا الذي لا يمكن العبد ان يعترف معه ان الافعال افعاله. وهذا يعلم بطلانه بالضرورة كما سبق فقال الرجل السائل المسترشد لقد وضحت المسألة وضوحا لا اشك فيه. علمت بان الله خلقني وخلق جميع اوصافي وخلق الاسباب التي اتمكن بها من الافعال. وانا الذي افعل واطيع. ان ساعدني الله بتوفيقه واعصي واغفل ان وكلني الى نفسي. فقال العالم وازيدك ايضاحا وبيانا لهذا السؤال. قال الله لخيار المؤمنين ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم. وكره اليكم هم الكفر والفسوق والعصيان. فلم يقل ولكن الله اجبركم على الايمان الى اخره. ولكن انه لما علم تعالى حالة النفس وانها ظالمة جاهلة امارة بالسوء لطف بالمؤمنين. وحبب الى قلوبهم الايمان وزينه فيها. فانقادت الى الخيرات باختيارها. لما جعل في قلوبهم من هذه الاوصاف الجليلة. ولما كره اليهم الكفر والفسوق والعصيان انصرفوا عنها لكراهتهم لها. وكان هذا لطفا وكرما منه. واما الاخرون فلم يجعل لهم نصيبا من هذا اللطف فانحرفوا باختيارهم. وكانوا هم السبب لانفسهم. حيث كانت مقاصدهم فاسدة. حيث عرض عليهم الخير فرفضوه. واعترض لهم الشر والغي. فاختاروه فولاهم ما تولوا لانفسهم. واللوم كله عليهم. والحجة البالغة لله على العباد كلهم. قل فلله الحجة البالغة. فلو شاء لهداكم اجمعين. وازيدك ايضاحا وبيانا. الست تفرق ويفرق كل احد بين حركة المرتعش بغير اختياره وبين حركة الباطش والكاتب باختياره. وتعلم ان الاخير فعل العبد حقيقة. والاول مقصور عليه وما اشبه ذلك من الحركات التي من هذا النوع تفرق بين الحركة الاختيارية والحركة الاضطرارية. فمن الحق احد القسمين بالاخر وساواه فهو مختل الشعور. قال الرجل جزاك الله خيرا. فلقد ازلت عني كل اشكال واقتنعت بذلك غاية الاقتناع المثال الثالث قضية الرجل الجبري. قال رجل قد غلا في الجبر والقدر غلوا عظيما. فكان يعتذر بالقدر عند لكل جليل وحقير. حتى الت به الحال الى الاستهتار وانتهاك اصناف المعاصي. وكلما نصح وليم على افعاله جعل القدر حجة له في كل احواله. وكان له صاحب يعزله وينصحه عن هذه المقالة التي تخالف العقل والنقل والحس سيزيده العدل الا اغراء. وكان صاحبه ينتظر وينتهز الفرصة في الزامه بامور تختص به وتتعلق. وكان هذا صاحب ثروة له اموال منوعة قد وكل عليها الوكلاء والعمل. فصادف في وقت متقارب ان جاءه تصاحب ماشيته فقال ان الماشية هلكت وتلفت جميعها. لاني راعيتها في ارض جدبة. ليس فيها عود اخضر وقال له فعلت ذلك وانت تعلم ان الارض الفلانية مخصبة. فما عذرك في ذلك؟ فقال قضاء الله وقدره. وكان ممتلئا غضبا قبل ذلك. فزاد غضبه من هذا الكلام. واستشاط غضبه وكاد يتقطع من هذا الاعتذار. وجاء صاحب البضائع فقال اني سلكت الطريق المخوف فاقتطع المال قطاع الطريق. فقال له كيف تسلك هذا الطريق المخوف؟ مع علمك انه مخوف. وتترك الطريق الامن الذي لا تشك في امنه. فاجابه بمثل جواب الراعي للماشية. وعمل معه الجبري ما عمله مع صاحبه. ثم جاءه وكيله على تربية اولاده وحفظهم فقال اني امرتهم ان ينزلوا في البئر الفلانية ليتعلموا سباحة فغرقوا. فقال لما فعلت ذلك؟ وانت تعلم انهم لا يحسنون السباحة. والبئر المذكورة تعلم ان ماءها غزير فكيف تتركهم ينزلون فيها وحدهم؟ وانت لست معهم؟ فقال هكذا قضاء الله وقدره. فغضب عليه غضبا لا يشبه الغضب فعلى الاولين وكاد الغضب ان يقتله. وكل واحد من هؤلاء الذين وكلهم على ما ذكرنا يزداد غضبه عليه اذا قال له هذا قضاء الله وقدره. فحينئذ قال له صاحبه يا عجبا لك يا فلان كيف قابلت هؤلاء المذكورين بهذا الغضب بليغ ولم تعذرهم حين اعتذروا بالقدر. بل زاد هذا الاعتذار في جرمهم عندك. وانت مع ربك في احوالك المخجلة قد سلكت مسلكهم وحذوت حذوهم. فان كان لك عذر فهم من باب اولى اعذر واعذر. وان اعذارهم تشبه التهكم استهزاء فكيف ترضى ان تكون مع ربك هكذا؟ فانتبه الجبري حينئذ وصحى بعدما كان غارقا في غلوه. وقال الحمد لله الذي انقذني مما كنت فيه. وجعل لي موعظة وتذكيرا من هذه الوقائع التي وقعت لي. ولمست فيها غلطي الفاحش والان اعتقد ان ما حصل لي من نعمة الهداية الى الحق. اعظم عندي من هذه المصائب الكبيرة. كما تحقق فيها قوله تعالى وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وانتم لا تعلمون المثال الرابع تخاصم القدري مع الجبري. طال الخصام بين قدري يعتقد ان افعال العباد لا تتعلق بها مشيئة الله وبين جبري يعتقد ضد ذلك. وانهم مجبورون على افعالهم واقعة بغير اختيارهم. لانهما ساعدان في طرفي نقيض. فاتفقا على التحاكم الى عالم من علماء اهل السنة يعرفان كمال معرفته وكمال دينه فقال السني ليعرض كل منكما علي مقالته. ولكما علي ان ادقق الحكم بينكما. وان ارد ما كل واحد من باطل واثبت ما معه من الحق. فقال القدري انا اقول ان الله حكم عدل لا يظلم من عباده احدا. ومن مقتضى اثباتي لهذا الاصل اني انزه ربي عن ان تكون الفواحش الواقعة من العباد واقعة بمشيئة الله. بل العبد هو الذي تجرأ عليها وهو الذي فعلها استقلالا. وادلتي على هذا جميع النصوص الدالة على ان الله ليس بظالم لعباده مثقال ذرة. وانه حكم عدل. لان تعلق مشيئته بافعالهم ثم تعذيبهم عليها ظلم من جهتين. من جهة اضافتها الى مشيئته وظلم من جهة كيف يعذبهم على امر هو الذي ان شاءه وقدره. ثماني لو قلت انها واقعة تحت مشيئة الله. لابطلت بذلك امر الله ونهيه. بل في ذلك ابطال للشرع. فانا ما رأيت السلامة من هذا المحذور والمحظور الا بهذه الطريقة العادلة. التي يرتضيها كل عاقل منزه لله. فقال الجبري انا اقول ان الله على كل شيء قدير. وانه خالق كل شيء وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. قضايا لا يمكن لمسلم ان ينكرها ولا ينازع فيها. وهذا عموم لا تخرج عنه حادث. ومن اعظم الحوادث افعال العباد من طاعات ومعاص وغيرها. فلو انها خارجة عن قدرة الله ومشيئته لم يكن الله قديرا على كل شيء. ولا خالقا لكل شيء. ومقتضى ذلك ان العباد مجبورون على افعالهم غير مختارين لها. لانهم لو اختاروها وفعلوها حقيقة لخرجت عن مشيئة الله وقدرته. فتعين القول بالجبر وانهم مجبورون مقصورون على افعالهم. قد نفذت فيهم مشيئة الله وصرفتهم الارادة. وادلته على قولي هذا جميع النصوص المثبتة لعموم خلق الله ومشيئته وقدرته. واني لو قلت ان العبد فاعل حقيقة لفعله لاخرجت هذا القسم عن مشيئة الله وارادته. فقال الحاكم السني لقد وضح كل واحد منكما مذهبه توضيحا كاملا واستدل كل واحد منكما بادلة لا يمكن المنازعة فيها لكثرتها ووضوحها. ولكن كل واحد منكما لم ينظر المسألة من جميع نواحيها. من لاحظ جانبا وعمي عن الجانب الاخر. وكثير من الاغلاط ياتي من هذا السبب. وساحكم بينكما حكم يستند على الكتاب والسنة. ويستند الى العقل والفطرة. وسأقنع كل واحد منكما ان كان قصده طلب الحقيقة اما انت ايها القدري فاصبت بقولك ان افعال العبيد كلها من كسبهم وكلها من فعلهم طاعاتها ومعاصيها فيها وغيرها من افعالهم. واصبت في استدلالك عليها بان الله نسبها واضافها اليهم. واصبت في تبريرك من قولك يلزم منك منه اسقاط الامر والنهي وهو الجبر. ولكنك اخطأت خطأ كبيرا. حيث زعمت ان مشيئة الله وقدرته وخلقه لا تعلقا قالها بافعال العباد. فنفيت عموم النصوص الدالة على هذا الاصل. وظننت ان اثبات عموم الخلق والمشيئة لله ينافي كون الافعال الصادرة من العباد تكون باختيارهم ومن كسبهم. وهذا الظن غلط محض بل المؤمن العارف بجميع امرين يثبت لله تعالى انه خالق كل شيء من الاعيان والاوصاف والافعال. وانه مع ذلك الافعال صادقة منهم حقيقة. واما انت ايها الجبري فلقد اصبت باثباتك ان الله على كل شيء قدير. وانه خالف كل شيء وانه ما شاء الله كان. ووجب وجوده وما لم يشأ لم يكن. واصبت في هذا الاستدلال. ولكنك اخطأت خطأ كبيرا حيث زعمت ان من لوازم اثبات عموم مشيئة الله ان العبد مجبور على افعاله. لم تقع بمشيئته. وظننت ان اثبات عموم القدر يقتضي منك ان تقول هذا القول. ثم قال السني ايضا لهما لقد قال كل منكما قولا ممزوجا من حقه بباطله ساحكم بينكما بحكم يتضمن اثبات ما مع كل منكما من حق. وابطال ما مع كل منكما من باطل وقد دل على هذا الحكم عدة نصوص منها قوله تعالى لمن شاء منكم ان يستقيم رب العالمين. فهذه الاية الكريمة حكمت بينكما. فان الله اثبت للعبد مشيئة بها يفعل ويسلك الصراط المستقيم. او يدعه باختياره ومشيئته. او يدعه باختياره ومشيئته. واخبر ان مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله غير خارجة عنها. فمشيئة الله عامة لا يخرج عنها شيء. ومع ذلك فالعباد هم الذين يعملون ويطيعون ويعصون. ومع ان هذا هو الذي دلت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة فهو الذي يدل عليه العقل والواقع والحس. فان الله خلق العبد وخلق ما فيه من جميع الاوصاف والقوى تعترفان بذلك. وكل عاقل يعترف به؟ قال بلى. قال السني فان من جملة اوصاف العبد التي الله فيه انه اعطاه قدرة ومشيئة يتمكن بهما من كل ما يريده من خير وشر وطاعة ومعصية فيما تقع طاعاته ومعاصيه. وتعلمان ان العبد متى اراد امرا من الامور التي يقدر عليها فعله بتلك القدرة والارادة اللتين خلقهما الله فيه. فاذا اوقع العبد بهما فعلا من افعاله دخلت تحت عموم قدر الله. لان خالق التام الذي هو قدرة العبد وارادته خالق للمسبب. يعني لما يصدر عنهما. وكل منكما اعترف ان الله خالق قدرة العبد ومشيئته كما خلق جميع قواه الظاهرة والباطنة. فاذا اتفقتما على هذا القول قول الذي هو الصواب بما عرف من دلالة النصوص الشرعية عليه. وانه هو المعقول المحسوس. عاد الامر الى الوفاق فليتبرأ كل منكما من الباطل الذي معه. وليعترف بالحق الذي مع صاحبه. ليتبرأ الجبري من اعتقاده ان العبد مجبور مقهور على افعاله. وليعترف انها واقعة بكسبه وفعله حقيقة. وليتبرأ القدري من اعتقاده ان افعاله وغير داخلة تحت مشيئة الله. وغير شامل لها خلق الله وقدره. وليعترف بعموم خلق الله وشمول قدره والحمد لله الذي بين الصواب ووفق من شاء من عباده لاتباعه. والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم المثال الخامس في الاجال والارزاق. اعلم ان الاجال والارزاق كسائر الاشياء. مربوطة قضاء الله وقدره. فالله تعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. ولكل امة اجل. فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. فهذا امر لا ريب فيه ولا شك. ومع ذلك فهي ايضا كغيرها لها اسباب دينية واسباب طبيعية مادية. والاسباب تبع قضاء الله وقدره. ولو كان شيء سابق القضاء والقدر من الاسباب لسبقته العين لقوتها ونفوذها. فمن الاسباب الدينية لطول العمر وسعة رزق لزوم التقوى والاحسان الى الخلق. لا سيما الاقارب. كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من احب ان يبسط له في رزقه وينسأ له في اثره ان يطيل عمره فليصل رحمه. وذلك ان الله يجازي العبد من جنس عمله. فمن وصل رحمه وصل الله اجله. ورزقه وصلا حقيقيا. وضده من قطع رحمه قطعه الله في اجله وفي رزقه. وقال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن الاسباب الدينية لقطع طول العمر البغي والظلم للعباد. فالباغي سريع المصرع الظالم لا يغفل الظالم لا يغفل الله عن عقوبته. وقد يعاقبه عاجلا بقسم العمر. ومن الاسباب الدينية لمحق الرزق في المعاملات المحرمة كالربا والغش. واكل اموال الناس بالباطل. فصاحبها يظن بل يجزم انها توسع عليه الرزق ولهذا تجرأ عليها. الله تعالى يعامله بنقيض قصده. قال تعالى يمحق الله الربا ويربي الصداق فالمعامل بالربا يمحق صاحبه ويمحق ماله. وان تمتع به قليلا فمآله الى المحق والقل كما قال ان المتصدق يفتح الله له من ابواب الرزق ما لا يفتحه على غيره. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم نقصت صدقة من مال بل تزيده ثلاثا. وكذلك الغش واكل اموال اليتامى والاوقاف بغير حق من اكبر اسباب المحق مع ما علا صاحبها من الاثم والعقوبة. ومن اسباب طول العمر وقصره الطبيعية. الصحة والمرض العافية من الاسقام سبب لطول العمر. كما ان الامراض بانواعها سبب لقصره. والمسكن والبقعة اذا كانت صحية طيبة الهواء صارت من اسباب عافية اهلها وطول اعمارهم. والعكس بالعكس. البقاع الرديئة المناخ والهواء او قاع الوبيئة سبب لقصر العمر كما هو مشاهد. والتوقي عند المخاطر والمهالك واستعمال الاسباب الواقية. فائدتها في طول العمر ظاهرة والالقاء بالنفس الى التهلكة وسلوك المخاطر وكل امر فيه خطر سبب ظاهر للهلاك الامثلة في هذا كثيرة. ومن الاسباب المادية في حصول الرزق وسعته استكمال المكاسب النافعة. وهي كثيرة متنوعة. كل احد يناسب لها منها ما يوافقه ويحسنه. ويليق بحاله. كما قال تعالى قال لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور فيدخل في هذا العمل جميع الاسباب النافعة. وكذلك قوله تعالى ما كسبتم ومما اخرجنا لكم من الارض الى غير ذلك من الايات. وكل هذه الامور تابعة لقضاء الله وقدره. فان الله تعالى قدر الامور باسبابها فالاسباب والمسببات من قضاء الله وقدره. ولهذا لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ارأيت طرقا نسترقيها ودواء نتداوى به. وتقاتل نتقيها. هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال هي من قدرك لله. وكذلك الادعية المتنوعة سبب كبير لحصول المطلوب والسلامة من المرغوب. وقد امر الله بالدعاء عاد بالاجابة والدعاء نفسه. والاجابة كلها داخلة في القضاء والقدر. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الامر بالعمل بكل سبب نافع مع الاستعانة بالله. كما ثبت في الصحيح مرفوعا. احرص على ما ينفعك واستعن بالله. فهذا امر بالحرص على الاسباب النافعة في الدين والدنيا مع الاستعانة بالله. لان هذه الاستقامة وذلك لان الانحراف من احد امور ثلاثة اما الا يحرص على الامور النافعة بل يكسل عنها وربما اشتغل بضدها او يشتغل بها لكن يتوكل على حوله وقوته. وينظر الى الاسباب ويتعلق جميع قلبه بها. وينقطع عن مسببها او يشتغل بالاسباب النافعة. ويزعم انه متوكل على الله. فان التوكل لا يكون الا بعد العمل بالاسباب. فهذا الحديث بين به النبي صلى الله عليه وسلم الطرق النافعة للعباد. ولنقتصر على هذا فانه يحصل به المقصود والله اعلم وصلى الله على محمد وسلم. قال ذلك وكتبه عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي. غفر الله له ولوالديه جميع المسلمين وافق الفراغ منه في الثالث من ربيع الاول سنة ست وسبعين وثلاثمائة والف من الهجرة