المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الثامن والعشرون بان الانبياء صلى الله عليه وسلم بينوا للناس غاية البيان العلوم العقلية والنقلية وان علومهم هي الصحيحة النافعة في جميع المطالب العالية العقائد والاخلاق والاعمال. وبيان ذلك على وجه الاجمال والاختصار ان العلوم قسمان علوم سمعية تنبني على صدق المتكلم وبيانه وعلوم عقلية تنبني على صحة الفطرة وسلامتها وعدم انحرافها. اما الاول فانه او لا اصدق من الله ورسوله قيلا وحديثا ولا اعظم واوضح من بيان الله ورسوله. وقد تكفل الكتاب والسنة على وجه التفصيل ببيان جميع ما يحتاجه العباد من العقائد والاخلاق والاعمال والحقوق والمعاملات تفصيلا وتوضيحا. لو اجتمعت العقلاء كلهم من اولهم الى اخرهم ليقدروا ان يأتوا بشيء يقاربه في الحسن والتوضيح والاحكام والتفاصيل الصادقة عن امور الغيب وعن الاحكام الشرعية والمعاملات بين الخلق على اختلاف مراتبها. وكلما امعن العقلاء بمعرفة الكتاب والسنة عرفوا من ذلك ما تخضع له العقول. وتعترف ان له حاوي للكمال المطلق من جميع الوجوه. واما بيان الله ورسوله واما بيان الله ورسوله للعلوم العقلية فان في الكتاب والسنة من البراهين العقلية والادلة الحسية وتنبيه العقول على جميع المطالب العالية ما لو جمعت جميع ما عند النظار والمتكلمين من البراهين لكان فجزءا يسيرا بالنسبة لما في الكتاب والسنة مع وضوح دلالته وسلامته من الغلط والنقص والاختلال بوجه من الوجوه وهي براهين يفهمه العالم والجاهل والذكي والبليد. واذا اردت نموذجا لهذا الاصل فانظر الى اهم الاصول وهي التوحيد والرسالة واثبات المعاد. انظر ماذا في الكتاب والسنة على كل واحد من هذه الاصول الثلاثة من الادلة العقلية الفطرية الواضحة البينة. اما التوحيد فانظر الى هذا الحصر العقلي الذي يفهمه كل احد ويعترف به كل احد الا من كابر الحس والواقع. حيث قال تبارك وتعالى للمتكبرين ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون ام خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون فان كل احد يعلم علم اليقين انهم قد خلقوا وانهم لم يخلقوا انفسهم. فان هذه اعظم المحالات. ولا وجدوا من غير موجب فتعين ان الله هو الذي خلقهم فاضطر العقول الى الاعتراف بهذا الامر البين الواضح. وكذلك اخباره بان له المثل الاعلى. فكل كمال موجود في المخلوقات لا يتضمن نقصا. فالذي اعطى الكمال احق بالكمال. وكل نقص تنزه عنه المخلوق المربوب. فالله احق بالتنزه عنا وهذا برهان عقلي فطري واضح فان معطي الكمال احق بالكمال من غيره. وكذلك تنبيه العباد في عدة مواضع من كتابه على في عظمة السماوات والارض وما فيها من المخلوقات وحسنها وانتظامها وكثرة ما فيها من المنافع. اليس هذا من ابلغ الادلة على عظمة وكمال قدرته وشمول حكمته ورحمته واحاطة علمه بالكليات والجزئيات واخص من ذلك انه امرنا ان ننظر ونتفكر في انفسنا وما فيها من العجائب الدالة على وحدانية الله وعظمته. وانه لا يستحق العبادة الا هو ولا رب سواه. وفي كل شيء له اية تدل على انه الواحد. وكذلك دلهم دلالة عقلية على توحيده. وانه لا يستحق العبادة والتأله الا هو. بانه المتفرد بالخلق المخلوقات وتدبيرها ورزقها وتسخيرها. وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. فمن كان هذا وصفه المعترف به بين الخليقة برها فاجرها كان من المعلوم بالعقل والفطرة انه الواحد الذي لا يستحق العبادة الا هو. وكذلك دلهم في عدة مواضع بكثرة نعمه وخيراته على عبادة وان جميع النعم منه وان رحمته وسعت كل شيء. دلهم بذلك على ان من هذا شأنه فهو الذي يتعين ان يكون هو المحمود المشكور حبوب المخضوعة له المعبود. وبالجملة فان الاثار تدل على المؤثر. والصنعة تدل على صانعها. والمخلوقات تدل على خالقها فهي ادلة واضحات وبراهين بينات دالات على وحدانيته وانفراده بالالوهية والعبودية. كما دلت على انفراده بالخلق والرزق قوى الربوبية وادلة التوحيد الفعلية كثيرة جدا. بل جميع الموجودات وحركاتها وصفاتها وتنقلاتها كلها براهين على توحيده. واما براهين الرسالة العقلية فاننا اذا عرفنا ان ربنا عليم حكيم رحيم واسع الرحمة عظيم الاحسان. وان جميع الاحسان المتنوع فهو منه تعالى وهو الدافع للمكاره كلها. عرفنا ان من اعظم احسانه ورحمته بعثه الرسل صلوات الله عليهم وسلامه. ليبينوا للناس ما يحتاجونه ويعرفوهم بربهم وبدينه ويذكروهم بايامه. قال تعالى فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ولقد ايد الله رسله بالايات البينات والادلة القاطعات. جعل تعالى نفس بعثتهم وما بعثوا به من الدين الحق والهدى الخير والرحمة الشاملة من البراهين العقلية على بعثتهم وصدقهم. وجعل اخلاقهم وما هم عليه من الصفات العظيمة التي لا تكون الا للكمل من خلق براهين على رسالتهم وجعل معجزاتهم المتنوعة الخارقة للعادة التي لا تكون الا بتأييد منه من البراهين على رسالته فما بعث الله نبيا الا جعل على يده من الايات ما على مثله يؤمن البشر. وشاركهم محمد صلى الله عليه وسلم في جنس دينهم واختص من بينهم بايات عظيمة اعظمها واكبرها هذا القرآن العظيم الذي من تأمله وعرفه عرف انه من عند الله وان من جاء به اكمل الرسل واعمهم رسالة. وان البراهين التي قامت على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم من حسية وعقلية ونقلية لا يقاربها شيء من الايات والبراهين فازداد بها المؤمنون ايمانا ويقينا وتم بها ايمانهم ويقينهم وعلمهم وارتفعت بها درجاتهم واما براهين المعادي العقلية فقد اخبر الله في كتابه بعدة قصص ممن احياهم الله بعد موتهم وذلك برهان عقلي حسي على البعث وذكر خلقه الانسان وان الذي ابتدأ خلقه فاعادته اهون عليه واسهل. وذكر من البراهين خلق السماوات والارض وانها اكبر من خلقه بالناس وذكر احياء الارض بعد موتها وذكر كمال حكمته وانه لا يليق به ان يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون فكمال قدرته وحكمته من اكبر الادلة على المعاد. وذكر سعة علمه وقدرته في مواضع كثيرة. وان من جزئيات ذلك بعث الاموات ومجازاتهم باعمالهم خيرها وشرها. وذكر تعالى الاستدلال بالموتة الصغرى وهي النوم على الموتة الكبرى. ورد الارواح في الاجساد على رد الارواح في الاجساد واعاد هذه البراهين في الكتاب وابداها واعاد هذه البراهين في الكتاب وابداها لوضوحها وقوتها. وان المنكرات للبعث ليس عندهم الا مجرد استبعادات من عقول سخيفة. مبنية على قياس الرب العظيم وقدرته وعظمته بالمخلوق الناقص في كل اوصافه. وهذه اجناس الادلة فضلا عن انواعها. فضلا عن افرادها التي لو بسطت لبلغت مجلدات وهي براهين عقلية المشاهدة. واما البراهين النقلية فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام. اخبروا بذلك وفصلوه وقرروا توحيد الله وصدق رسله والجزاء والبعث. والقرآن يكاد يكون كله في تقرير هذه الاصول الثلاثة وتفصيلها. والسنة فيها من التفاصيل لهذه الاصول شيء كثير يشفي ويكفي وبالله التوفيق