المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي لما ذكر حال المجرمين ذكر حال المنيبين وثوابهم فقال والذين اجتنبوا الطاغوت ان والمراد بالطاغوت في هذا الموضع عبادة غير الله فاجتنبوها في عبادتها. وهذا من احسن الاحتراز من الحكيم العليم. لان مدح انما يتناول المجتنب لها في عبادتها. وانابوا الى الله بعبادته واخلاص الدين له. فانصرفت دواعيه من عبادة الاصنام. الى عبادة الملك العلام ومن الشرك والمعاصي الى التوحيد والطاعات. لهم البشرى التي لا يقادر قدرها ولا يعلم وصفها الا من اكرمه بها وهذا شامل للبشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن والرؤيا الصالحة والعناية الربانية من الله التي يرون في خلالها انه مريد لاكرامهم في الدنيا والاخرة. ولهم البشرى في الاخرة عند الموت وفي القبر وفي القيامة. وخاتمة البشرى ما يبشرهم الرب الكريم من دوام رضوانه وبره واحسانه وحلول امانه في الجنة. ولما اخبر ان لهم البشرى امره الله ببشارته وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال سنة اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب فبشر عباد الذين يستمعون القول وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميز وبينما ينبغي ايثاره مما ينبغي اجتنابه. فلهذا من حزمهم وعقلهم انهم يتبعون احسنه. واحسنه على الاطلاق. كلام الله وكلام رسوله كما قال في هذه السورة الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها وفي هذه الاية نكتة وهي انه لما اخبر عن هؤلاء الممدوحين انهم يستمعون القول فيتبعون احسنه كأنه قيل هل من طريق الى معرفة احسنه حتى نتصف بصفات اولي الالباب. وحتى نعرف ان من اثره علمنا انه من اولي الالباب. قيل نعم احسن نص الله عليه الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها. الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه لاحسن الاخلاق والاعمال. واولئك هم اولوا الالباب اي العقول الزاكية. ومن لبهم وحزمهم انهم عرفوا الحسن من غيره. واثروا ما ينبغي ايثاره على ما سواه هذا علامة العقل. بل لا علامة للعقل سوى ذلك. فان الذي لا يميز بين الاقوال حسنها وقبيحها. ليس من اهل العقول الصحيحة او الذي يميز لكن غلبت شهوته عقله. فبقي عقله تابعا لشهوته. فلم يؤثر الاحسن. كان ناقص العقل اي افمن وجبت عليه كلمة العذاب على غيه وعناده وكفره. فانه لا حيلة لك في هدايته. ولا تقدر تنقذ من في النار. لا محالة تجري من تحتها الانهار لكن الغنى كل الغنى والفوز كل الفوز للمتقين الذين اعد لهم من الكرامة وانواع النعيم ما لا يقادر قدره. لهم غرف اي منازل عالية مزخرفة من حسنها وبهائها وصفائها انه يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ومن علوها وارتفاعها انها ترى كما يرى الكوكب الغابر في الافق الشرقي او الغربي. ولهذا قال من فوقها غرف. اي بعضها فوق نعم مبنية بذهب وفضة وملاطها المسك الاظفر اه تجري من تحتها الانهار المتدفقة المسقية للبساتين الزاهرة والاشجار الطاهرة. فتغل بانواع الثمار اللذيذة فاكهة نضيجة. وقد وعد هذا الثواب فلابد من الوفاء به. فليوفوا بخصال التقوى ليوفيهم اجورهم يذكر تعالى اولي الالباب ما انزله من السماء من الماء وانه سلكه ينابيع في الارض اي اودعه فيها ينبوعا يستخرج بسهولة ويسر. ثم يخرج به زرعا مختلفا الوانه. من بر وذرة وشعير وارز وغير لذلك ثم يهيج عند استكماله او عند حدوث افة فيه فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما متكسرا يذكرون به عناية ربهم ورحمته بعباده حيث يسر لهم هذا الماء وخزنهم بخزائن الارض تبعا لمصالحهم. ويذكرون به كمال قدرته وانه يحيي الموتى كما احيا الارض بعد موتها. ويذكرون به ان الفاعلون قيل لذلك هو المستحق للعبادة. اللهم اجعلنا من اولي الالباب الذين نوهت بذكرهم وهديتهم بما اعطيتهم من العقول. واريتهم من اسرار كتابك وبديع اياتك ما لم يصل اليه غيرهم انك انت الوهاب اي افيستوي من شرح الله صدره للاسلام. فاتسع لتلقي احكام الله والعمل بها. منشغل قرير العين على بصيرة من امره. وهو المراد بقوله فهو على نور من ربه. كمن ليس كذلك بدليل قوله فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله. اي لا تلين لكتابه. ولا تتذكر اياته. ولا تطمئن بذكره. بل هي معرضة عن ربها. ملتفتة الى غيره فهؤلاء لهم الويل الشديد والشر الكبير. واي ضلال اعظم من لمن اعرض عن وليه ومن كل السعادة في الاقبال عليه وقسى قلبه عن ذكره واقبل على كل ما يضره وتلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاده. يخبر تعالى عن كتابه الذي نزله انه احسن الحديث على الاطلاق. فاحسن الحديث كلام الله واحسن الكتب المنزلة من كلام الله هذا القرآن. واذا كان هو الاحسن علم ان الفاظه افصح الالفاظ واوضحها وان معانيه اجل المعاني. لانه احسن الحديث في لفظه ومعناه. متشابها في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف بوجه من الوجوه. حتى انه كلما تدبره المتدبر وتفكر فيه المتفكر رأى من اتفاقه حتى في معانيه الغامضة ما يبهر الناظرين. ويجزم بان انه لا يصدر الا من حكيم عليم. هذا المراد بالتشابه في هذا الموضع. واما في قوله تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه ايات محكمة هن ام الكتاب واخر متشابهات. فالمراد بها التي تشتبه على فهوم كثير من الناس. ولا يزول هذا الاشتباه الا بردها الى المحكم ولهذا قال منه ايات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات. فجعل التشابه لبعضه. وهنا جعله كله متشابه بها اي في حسنه لانه قال احسنوا الحديث وهو سور وايات. والجميع يشبه بعضه بعضا كما ذكرنا. مثاني اي تثنى فيه القصص والاحكام والوعد والوعيد. وصفات اهل الخير وصفات اهل الشر. وتثنى فيه اسماء الله وصفاته. وهذا من جلالته وحسنه فانه تعالى لما علم احتياج الخلق الى معانيه المزكية للقلوب المكملة للاخلاق. وان تلك المعاني للقلوب بمنزلة الماء الى سقي الاشجار. فكما ان الاشجار كلما بعد عهدها بسقي الماء نقصت. بل ربما تلفت وكلما تكرر سقيها حسنت واثمرت انواع في مال نافعة فكذلك القلب يحتاج دائما الى تكرر معاني كلام الله تعالى عليه. وانه لو تكرر عليه المعنى مرة واحدة في جميع القرآن لم يقع منه موقعا ولم تحصل النتيجة منه. ولهذا سلكت في هذا التفسير هذا المسلك الكريم اقتداء بما هو تفسير له. فلا تجد فيه الحوالة على موضع من المواضع. بل كل موضع تجد تفسيره كامل المعنى. غير مراع لما مضى مما يشبهه. وان كان بعض المواضع يكون من بعض واكثر فائدة وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن المتدبر لمعانيه ان لا يدع التدبر في جميع المواضع منه فانه له بسبب ذلك خير كثير ونفع غزير. ولما كان القرآن العظيم بهذه الجلالة والعظمة اثر في قلوب اولي الالباب المهتدين هذا قال تعالى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم لما فيه من التخويف والترهيب المزعج اي عند ذكر الرجاء والترغيب فهو تارة يرغبهم لعمل الخير وتارة يرهبهم من عمل الشر. ذلك الذي ذكره الله من تأثير القرآن فيهم هدى الله اي هداية منه لعباده. وهو من جملة فضله واحسانه عليهم. يهدي به اي بسبب ذلك من يشاء من عباده ويحتمل ان المراد بقوله ذلك اي القرآن الذي وصفناه لكم هدى الله الذي لا طريق يوصل الى الله الا منه يهدي به من يشاء من عباده ممن حسن قصده. كما قال الله تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام فما له من هاده. لانه لا طريق يوصل اليه الا توفيقه. والتوفيق للاقبال على كتابه. فاذا لم يحصل هذا فلا سبيل الى الهدى وما هو الا الضلال المبين والشقاء اي افيستوي هذا الذي هداه الله وفقه لسلوك الطريق الموصلة لدار كرامته. كمن كان في الضلال واستمر على عناده. حتى قدم القيامة. فجاءه العذاب العظيم فجعل يتقي بوجهه الذي هو اشرف الاعضاء. وادنى شيء من العذاب يؤثر فيه. فهو يتقي فيه سوء العذاب. لانه قد غلت يداه وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون وقيل للظالمين انفسهم بالكفر والمعاصي وتقريعا ذوقوا ما كنتم تكسبون كذب الذين من قبلهم من الامم كما كذب هؤلاء فاتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. جاءهم في غفلة اول نهار او هم قائلون فاذاقهم الله بذلك العذاب الخزي في الحياة الدنيا. فافتضحوا عند الله وعند خلقه والعذاب الاخرة اكبر. لو كانوا يعلمون فليحذر هؤلاء من المقام على التكذيب فيصيبهم ثم اصاب اولئك من التعذيب