المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل التاسع والعشرون في العفة والغنى ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ومن يستعفف يعفه الله ومن تغني يغنه الله هذا خبر منه صلى الله عليه وسلم ووعد وترغيب في الاستعفاف والاستغناء عن الخلق. الفرق بين الامرين فرق ما بين الوسيلة والمقصود وما بين اللازم والملزوم فان من استغنى بالله وبرزقه وما قسم له الله واعطاه ولم يلتفت الى غير ربه وغير فضله واحسانه استعف عن الخلق ولم يعلق بهم قلبه لا خوفا ولا رجاء ولا طمعا ولا رغبة. وهذه المرتبة اعلى المراتب واشرفها ولهذا خلق الله العباد ليعبدوه وحده ويطلبوا الرزق والنصر منه وحده ويعلقوا رجاءهم وطمعهم وسؤالهم بالله وحده ويرضوا قضائه وقسمه وقدره ولا يعلقه شيئا من ذلك بالمخلوق. مع بذلهم الاسباب التي يدركون بها هذه الامور الجليلة. لهذا قال صلى الله عليه وسلم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله. اي من اجتهد في تحصيل العفة والاستغناء بحسب ما يقتدر عليه ويستطيعه من الاسباب وبذل جهده وجاهد نفسه على ذلك اعانه الله ووفقه ويسر له هذا الامر الذي طلبه ورغب فيه وبذل فيه مقدوره لعلمه بمحبة الله له ولعلمه انه بهذا يكسب الرزق الحقيقي والمراتب العالية. فاراح الله قلبه من تعلقه بالخلق واراحه من تشوش الاسباب واتيانها على غير مراده. واطمأن قلبه وحي حياة طيبة سعيدة. فانه لا اهنأ حياة ولا الذ ممن قطع رجاءه عن الخلق واستغنى عما في ايديهم. ولم يتطلع الى ما عندهم بل قنع برزق الله واستغنى بفضل الله. علم ان القليل من الرزق اذا اكسب القناعة خير من الكثير الذي لا يغني. فليس الغنى عن كثرة العرض وانما الغنى في الحقيقة غنى القلب. غناه بالله برزقه المتيسر على رجاء الخلق وسؤالهم. والاستبعاد لهم في مطالبهم الدنيا والرضوخ لرقهم. وهذه المرتبة العالية كل يحب الوصول اليها والاتصاف بها ولكن اكثر الخلق متخلف عنها. غير عامل بالاسباب الموصلة اليها. ولا متجرد من الموانع المانعة من من تحصيلها جهلا وتهاونا واشتغالا بما يضر عما ينفع. وبالمراتب الدنيئة عن المراتب العلية. فان قلت فما الاسباب التي تنال بها هذه المرتبة الجليلة قلت قد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في نفس هذا الحديث وهي قوله يستعفف ويستغني اي يسعى في ذلك وفي طلبه ويسلك كل سبب يوصله اليه. فاول ذلك مجاهدة نفسه على الاتصاف بذلك. ثم سؤال الله والالحاح عليه ان يعينه على الوصول الى هذا هذه المرتبة فان من اجتهد واستعان بالله والح عليه في السؤال لم يخيبه الله فانه امر بالدعاء ووعد عليه الاجابة في جميع الادعية افضلها واعلاها ان تدعو الله بالتوفيق لمراضيه وبالحفظ والوقاية عن مناهيه فما خاب من سأله ورجاه ولا من طمع في تحصيله لفضله وخيره وهداه. واذا علم العبد ان الله تعالى عنده جميع مطالب السائلين. وبيده خزائن الخيرات والبركات. وانه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده. وان النعم كلها منه لا يأتي بالحسنات الا هو. ولا يدفع السيئات الا هو وانه هو النافع الضار المعطي المانع. وان الخلق ليس بيدهم من هذه الامور شيء. وانهم جميعا مهما كانت احوالهم ومراتهم فانهم فقراء الى الله في كل شؤونهم. من عرف هذا حق المعرفة اضطرته هذه المعرفة الجليلة الواصلة الى القلب. الى تعليق اموري كلها على الله وتعلق القلب به وانقطاعه عن الخلق. وعلم العبد انه كلما قوي تعلقه وطمعه في فضله اتاه من الخير والبركة وطيب الحياة ما لا يخطر ببال. ثم اذا علم حق العلم ان تعلق القلب بالمخلوق يهبط بصاحبه الى اسفل الدرجات ويجعله حقيرا ذليلا مهينا مهانا وان ذلك غير نافع ولا مفيد. بل ضرره كبير وشره مستطير. فمتى علم ذلك حق العلم لم يركن الى احد من الخلق ولم يرجهم ولم يملكوا عليه ضميره حتى يكون اسيرا لهم عبدا ذليلا. يأنف من ذلك كله. ومما يعين على الاستعفاف قوله الله عليه وسلم برجل اوصاه بوصايا فقال واجمع اليأس عما في ايدي الناس. اعزم عزما مصمما لا تردد فيه عن تطاع املك وقلبك ورجائك عما في ايدي الناس. فان من يأس من شيء استغنى عنه. فما انفع هذه الوصية واحلاها. فان العزم الجامع مصمم الذي لا تردد فيه خير الة ووسيلة لادراك جميع المطالب. والخلل يأتي اما من عدم العزم او من ضعفه وتردده او من عدم قوته واستمراره فمتى عزم على قطع امله من الناس وقطع استشراف قلبه وسؤاله لهم حصلت له العفة التامة والغنى التام. ومتى رأى نفسه مفتقرة الى ما بين ايديهم ملتفتا اليه المرة بعد المرة فانه لا يزال مفتقرا اليهم ذليلا لهم خاضعا لهم وذلك هو الخسران المبين. ومن ايس من شيء استغنى عنه. ومما يوجب للعبد الاستعفاف والاستغناء. علمه بان افتقاره الى الخلق وتعلقه بهم واستشرافه لما بين ايديهم او سؤالهم يجلب الهم والغم والكدر والقلق. وان استغناءه عنهم وعدم تعلقه بهم. يوجب وراحة القلب وراحة وطمأنينة. ثم انه كلما قوي طمع العبد بالله وقوي رجاؤه لربه وقوي توكله. يسر الله له كل عسير وهون عليه كل صعب ورزقه من حيث لا يحتسب. وكفاه الهموم كلها وكسب الحرية التي لا ارفع منها ولا انفع