المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ترى الناس لا يعلمون. يخبر تعالى بما تقرر في العقول ان خلق السماوات والارض على عظمهما وسعتهما اعظم واكبر من خلق الناس. فان الناس بالنسبة الى خلق السماوات والارض من اصغر ما يكون. فالذي خلق الاجرام العظيمة واتقنها. قادر على اعادة الناس بعد موتهم من باب اولى واحرى. وهذا احد الادلة العقلية الدالة على البعث دلالة قاطعة. بمجرد نظر العاقل اليه يستدل بها استدلالا لا يقبل الشك والشبهة بوقوع ما اخبرت به الرسل من البعث. وليس كل احد يجعل فكره لذلك ويقبل ولهذا قال ولكن اكثر الناس لا يعلمون. ولذلك لا يعتبرون بذلك ولا يجعلون منهم على بال. ثم قال تعالى قليلا ما تتذكرون. وما يستوي الاعمى والبصير والذين امنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء اي كما لا يستوي الاعمى والبصير. كذلك لا يستوي من امن بالله وعمل الصالحات. ومن كان مستكبرا على عبادة ربه مقدما على عاصي ساعيا في مساخطه. اي تذكركم قليل والا فلو تذكرتم مراتب ومنازل الخير والشر. والفرق بين الابرار والفجار. وكانت لكم همة علية لاثرتم النافع على الضار. والهدى على الضلال والسعادة الدائمة على الدنيا الفانية لا يؤمنون. ان الساعة لاتية لا ريب فيها قد اخبرت بها الرسل الذين هم اصدق الخلق. ونطقت بها الكتب السماوية التي جميع اخبارها اعلى مراتب الصدق. وقامت عليها الشواهد المرئية والايات الافقية ولكن اكثر الناس لا يؤمنون مع هذه الامور. التي توجب كمال التصديق والاذعان. وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين هذا من لطفه بعباده ونعمته العظيمة. حيث دعاهم الى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم. وامرهم بدعائه دعاء العبادة ودعاء المسألة وعدهم ان يستجيب لهم وتوعد من استكبر عنها فقالون ان مداخلي اي ذليلين حقيرين يجتمع عليهم العذاب والاهانة جزاء على استكبارهم الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا. ان الله لذو فضل على الناس ولا ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا اله الا لا اله الا هو فانى تؤفكون. تدبر هذه الايات الكريمات. الدالة على سعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله ووجوب شكره وكمال قدرته وعظيم سلطانه وسعة ملكه وعموم خلقه لجميع الاشياء وكمال حياته واتصافه بالحمد على كل ما اتصف به من الصفات الكاملة. وما فعله من الافعال الحسنة. وتمام ربوبيته وانفراده فيها. وان التدبير في العالم العلوي والسفلي في ماضي الاوقات وحاضرها ومستقبلها بيد الله تعالى. ليس لاحد من الامر شيء ولا من القدرة في شيء فينتج من ذلك انه تعالى المألوه المعبود وحده. الذي لا يستحق احد غيره من العبودية شيئا. كما لم يستحق من الربوبية وينتج من ذلك امتلاء القلوب بمعرفة الله تعالى ومحبته وخوفه ورجائه. وهذان الامران وهما معرفته سادته هما اللذان خلق الله الخلق لاجلهما. وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده. وهما الموصلان الى كل خير وفلاح وصلاح كعادة دنيوية واخروية وهما اللذان هما اشرف عطايا الكريم لعباده وهما اشرف اللذات على الاطلاق وهما اللذان ان فات فات كل خير وحضر كل شر. فنسأله تعالى ان يملأ قلوبنا بمعرفته ومحبته. وان يجعل حركاتنا الباطنة والظاهرة خالصة لوجهه تابعة لامره انه لا يتعاظمه سؤال ولا يحفيه نوال. فقوله تعالى الناس لا يشكرون. الله الذي جعل لكم الليل اي لاجلكم جعل الله الليل مظلما. لتسكنوا فيه من حركاتكم التي لو استمرت لضرت فتؤون الى فرشكم ويلقي الله عليكم النوم الذي يستريح به القلب والبدن وهو من ضروريات الادمي لا يعيش بدونه ويسكن ايضا كل حبيب الى حبيبه. ويجتمع الفكر وتقل الشواغل. وجعل تعالى النهار مبصرا. منيرا بالشمس المستمرة في الفلك فتقومون من فرشكم الى اشغالكم الدينية والدنيوية. هذا لذكره وقراءته وهذا لصلاته وهذا لطلب للعلم ودراسته وهذا لبيعه وشرائه. وهذا لبنائه او حدادته. او نحوها من الصناعات. وهذا لسفره برا وبحرا وهذا لفلاحته وهذا لتصليح حيواناته ان الله له فضل اي عظيم كما يدل عليه التنكير على الناس حيث انعم عليهم بهذه من نعم وغيرها وصرف عنهم النقم. وهذا يوجب عليهم تمام شكره وذكره بسبب جهلهم وظلمهم وقليل من عبادي الشكور. الذين يقرون بنعمة ربهم ويخضعون لله ويحبونه ويصرفونها في طاعة مولاهم ورضاه لا اله الا هو فانى تؤفكون. ذلكم الذي فعل ما فعل. الله ربكم اي المنفرد بالالهية والمنفرد بالربوبية. لان انفراده بهذه النعم من ربوبيته. وايجابها للشكر من الوهيته. لا اله الا هو. تقرير انه المستحق للعبادة وحده لا شريك له. خالق كل شيء. تقرير لربوبيته. ثم صرح بالامر بعبادته فقال اي كيف تصرفون عن عبادته وحده لا شريك له بعد ما ابان لكم الدليل وانار لكم السبيل ذلك يخفف الذين كانوا بايات الله يجحدون. اي عقوبة على جحدهم لايات الله. وتعديهم على رسله صرفوا عن التوحيد والاخلاص. كما قال تعالى واذا ما انزلت سورة نظر بعضهم الى بعض هل يراكم من احد ثم انصرفوا؟ صرف الله قلوبهم بانهم قوم لا يفقهون. الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء وصوركم فاحسن صوركم ورزقكم من الله الذي جعل لكم الارض قرارا اي قارة ساكنة مهيئة لكل مصالحكم تتمكنون من حرثها وغرسها والبناء عليها والسفر والاقامة فيها. والسماء بناء سقفا للارض التي انتم فيها قد جعل الله فيها ما تنتفعون به من الانوار. والعلامات التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. وصورك كن فاحسن صوركم فليس في جنس الحيوانات احسن صورة من بني ادم. كما قال تعالى لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم اذا اردت ان تعرف حسن الادمي وكمال حكمة الله تعالى فيه. فانظر اليه عضوا عضوا. هل تجد عضوا من اعضائه يليق به ويصلح ان يكون في غير محله وانظر ايضا الى الميل الذي في قلوب بعضهم لبعض. هل تجد ذلك في غير الادميين؟ وانظر الى ما خصه الله بهم من العقل والايمان والمحبة والمعرفة التي هي احسن الاخلاق المناسبة لاجمل الصور. ورزقكم من الطيبات وهذا شامل لكل طيب من مأكل ومشرب ومنكح وملبس ومنظر ومسمع. وغير ذلك من الطيبات التي يسرها الله لعباده. ويسر لهم اسبابها ومن معه من الخبائث التي تضادها وتضر ابدانهم وقلوبهم واديانهم رب العالمين. ذلكم الذي دبر الامور وانعم عليكم بهذه النعم. الله ربكم فتبارك الله رب العالمين اي تعاظم وكثر خيره واحسانه. المربي جميع العالمين بنعمه فرعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين. هو الحي الذي له الحياة الكاملة التامة المستلزمة لما تستلزمه من صفاته الذاتية التي لا تتم حياته الا بها. كالسمع والبصر والقدرة والعلم والكلام. وغير من صفات كماله ونعوت جلاله. لا اله الا هو اي لا معبود بحق الا وجهه الكريم ان الحمد لله رب العالمين. فادعوه وهذا شامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة. مخلصين له الدين ايقصدوا بكل عبادة ودعاء وعمل وجه الله تعالى. فان الاخلاص هو المأمور به. كما قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. الحمد لله رب العالمين. اي جميع المحامد والمدائح والثناء. بالقول كنطق الخلق بذكره الفعل كعبادتهم له كل ذلك لله تعالى وحده لا شريك له. لكماله في اوصافه وافعاله وتمام نعمه