يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم لكم قراءة شرح كتاب اصول الايمان للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله الله. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. يقول العلامة عبدالرحمن بن ناصرين السعدي رحمه الله تعالى في شرح كتاب اصول الايمان للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد بسم الله وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم. اما بعد فهذا شرح كتاب اصول الايمان لشيخ الاسلام محمد بن عبدالوهاب قدس الله روحه. قال رحمه الله باب معرفة الله والايمان به. معرفة الله والايمان به اصل الاصول كلها. وكلها تتأسى على ذلك ومعرفة الله تعالى هي معرفة ما له من الاسماء الحسنى والصفات العليا وافعاله الحكيمة. ولابد مع معرفة الله من الايمان به وهو الخضوع التام في الباطن والظاهر لله. والقيام بعبوديته واخلاص الدين لله تعالى. واعلم ان القرآن العظيم وقد اشتمل على هذه المعارف الجليلة. وفصلها تفصيلا عظيما. وهي اعظم مقاصد القرآن. لكن المؤلف رحمه الله عز وجل جل لم يذكر الايات القرآنية وانما ساق شيئا من الاحاديث النبوية. لعل ذلك اكتفاء بما هو معروف لكل احد ان القرآن انا مشتمل على هذه المقاصد. قال رحمه الله عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك معي فيه غيري تركته وشركه. رواه مسلم هذا الحديث عظيم يشتمل على وجوب الاخلاص لله في كل عمل ديني. وهو ان يقصد العامل بعمله وجه الله وثوابه لا غير ذلك من الاغراض قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين. فاعظم الفروض على الاطلاق ان يقوم العبد باصول الايمان الستة وشرائع الدين خمسة ويقوم بالاحسان يقصد بذلك وجه الله والدار الاخرة. وهذا هو مقصود توحيد الالهية وتوحيد العبادة. لان وصف الله عز وجل الذي لا يشاركه فيه مشارك. فالله اعظم الاسماء الحسنى. معناه ذو الالوهية والعبودية خلقه اجمعين. والعبودية حقه تعالى. الذي لا يصرف شيء منها لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا لغيرهما من المخلوق فمن اشرك بالله شيئا فقد رفض هذا الايمان الذي هو اوجب الواجبات. وقد دخل في الشرك وعمله باطل. لان الله عز وجل اغنى الشركاء لا يقبل عملا اشرك فيه العبد. ولكن الشرك في العمل نوعان شرك اكبر. يخرج العبد من من الدين بالكلية وهو ان يعمل العمل ويتعبد به لغير الله. بان يصرف نوعا من العبادة لغير الله. فمن صلى لغير الله سجد لغير الله او دعا غير الله او خافه او رجاه او تقرب اليه بشيء مما امر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو مشرك كافر. النوع الثاني ان يعمل العمل لله لكن يقصد به مع ذلك مراعاة الخلق وتعظيمهم. فهذا هو الرياء وهو من الشرك الاصغر. والعمل الذي يشاركه الرياء من اصله يدل عموم هذا الحديث انه باطل مردود على صاحبه. ومع بطلانه فقد رأى صاحبه بالاثم لانه ترك الاخلاص الواجب عليه. ولانه وسيلة الى الشرك الاكبر. وجميع الوسائل للشرك والذرائع التي توصل اليه من الشرك الاصغر. فالشرك الاكبر هو صرف شيء من العبادات لغير الله. والاصغر هو ارتكاب ما يوصل الى ذلك. لكن نوعا من العبد العمل لله عز وجل ثم طرأ عليه الرياء في اثناء عمله. فان دفعه ولم يساكنه لم يضره. بل هذا من جهاد الردية التي تعرض لكثير من النفوس فان لم يدفعه بل ساكنه واطمأن اليه نقص العمل نقصا كبيرا تخشى من استمراره مع الانسان ان يوصله الى الرياء المحض المبطل للعمل بالكلية. وقد دل على هذا الاصل العظيم الذي تضمنه هذا الحديث نصوص كثيرة جدا من الكتاب والسنة. لانه الاصل الذي خلق الله عز وجل له الخلق من الانس والجن وامرهم به. ودعت اليه جميع غسل وجميع الكتب وهو روح الدين الذي لا يقوم الا به. وعن ابي موسى رضي الله عنه انه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال ان الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار. وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه. رواه مسلم. وهذا ايضا حديث عظيم تضمن معنى الحي القيوم العظيم المقسط. فهذا الحديث فيه بعض التفصيل معاني هذه الاسماء الحسنى. فالقيوم هو الذي قام بنفسه وقامت به جميع الموجودات. به وجدت وبه ايصال حتوى حفظت وبه قامت السماوات والارض. ومن كمال حياته وقيوميته انه لا ينام. ولا ينبغي له ان ينام انه جل جلاله كامل من جميع الوجوه لا يعتريه نقص بوجه من الوجوه والنوم فيه راحة من التعب وفيه غيبة الاشياء النائم والله تعالى لا يمسه تعب ولا لغوب ولا يغيب عن علمه وبصره وسمعه وتدبيره مثقال ذرة في العالم العلوي والعالم السفلي وهو القائم على كل نفس بما كسبت بعدله وقسطه وحكمته. ولهذا قال يخفض القسط فيرفعه. يعني ان تدبيره للموجودات التي تنزل من عنده والتي تصعد اليه. كلها لا تتجاوز القسط والعدل. بل هي دائرة بين فضله وعدله فلا يظلم العباد مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنه اجرا عظيما. وهو المجازي باحسانه وفضله والمسيء بعدله وحكمته. فالخلق كلهم معترفون بحكمته وحمده. ولهذا بعدما يقضي بين العباد يوم القيامة بالقسط العظيم. ينطق الكون كله بحمده والثناء عليه. كما قال تعالى وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد الحمد لله رب العالمين. حتى المعذبون في النار يدخلون النار وقد اعترفوا بعدله وانهم هم الظالمون. كما قال تعالى كما القي فيها فوج سألهم خزنتها الم يأتكم نذير؟ قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ان انتم في ضلال كبير. وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير ومن كمال قيوميته على كل نفس بما كسبت ان اعمال العاملين من خير وشر ترفع اليه بوقتها. حتى ان عمل سيدي الماضي يرفع اليه قبل عمل النهار الذي يليه. وعمل النهار الماضي اذا انتهى النهار يرفع اليه قبل عمل الليل الذي يليه. ترفعه الحفظة وترفعه الملائكة الذين يتعاقبون على الناس. ملائكة الليل وملائكة النهار. ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح فتنزل ملائكة الليل عند الشروع في صلاة العصر. وتبقى ملائكة النهار حتى تفرغ صلاة العصر. وكذلك في الصبح كما ثبت بذلك الحديث الصحيح. وهذا من نعمته على الادميين ان نزول هؤلاء الملائكة وقت الصلاة الفاضلة وصعودهم بعد ولهذا اذا سألهم ربهم وهو اعلم كيف تركتم عبادي؟ قالوا اتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون وما فعل ذلك جل جلاله وعظم كرمه الا تنويها بهم وارادة لاكرامهم وصلاة منه عليهم. قال تعالى الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور. وقال سبحانه وان الله بكم لرؤوف رحيم. ثم ثم ختم الحديث بذكر كمال عظمته وجلاله ومجده وملكه وملكوته فقال حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه اي جماله وجلاله وبهاؤه ما انتهى اليه بصره من خلقه. وذلك العوالم كلها لانه تعالى لا يغيب عن بصره وسمعه وعلمه منها شيء. فلو كشف هذا الحجاب العظيم لاحترقت المخلوقات باسرها. لانها لا يمكن ان تثبت لعظمة عظيم. ولهذا لما سأل موسى صلى الله عليه وسلم ربه ان ينظر اليه قال لن تراني اي لن تقدر ولا تثبت لرؤيتي. فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا. الاية ولهذا كان اصح الاقوال ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الدنيا. وانما حال النور بينه وبينه. كما في حديث ابي ذر رضي الله عنه الذي في الصحيح انه قال يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال نور انا اراه. ولولا ان الله تعالى ينشأ اهل الجنة نشأة عظيمة حياة كاملة لما ثبتوا لرؤية ربهم. وقد ذكر في هذا الحديث النور المخلوق وهو نور الحجاب الذي بينه وبين والنور الذي هو وصفه سبحانه. بقوله لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه. اي نوره وبهائه وجماله وجلاله الذي هو وصفه. فالله تعالى نور وحجابه نور ومعرفته والايمان به في القلوب نور كتابه نور ورسوله نور. واعلم انه لا تتم معرفة الله عز وجل والايمان به الا بثلاثة امور. احدها معرفة ما لله تعالى من الاسماء والصفات والافعال الثابتة بالكتاب والسنة والتفقه في معانيها. الثاني الاعتراف بها والاقصاء بها على الوجه اللائق بعظمة الله تعالى وجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل. ومن غير نفي لشيء منها ولا تعطيل. الثالث الانقياد ظاهرا وباطنا لله. وطاعة الله عز وجل بتصديق خبره وامتثال امره واجتناب نهيه. عن ابي هريرة رضي الله عنه عنه مرفوعا يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة. سحاء الليل والنهار ارأيتم ما انفق منذ خلق السماوات والارض فانه لم يغض ما في يمينه. والقسط بيده الاخرى يرفع ويخفض. اخرجاه في الصحيحين. هذا الحديث دل على سعة فضل الله وكمال عدله واثبات اليدين لله عز وجل. وسبيلهما سبيل جميع الصفات. انه تعالى موصوف بكل صفة كمال له من تلك الصفة اعظمها واوسعها. وانه كما لا يماثله احد في ذاته لا يماثله احد في شيء من صفاته ومن نفى شيئا منها متوهما ان ظاهر ذلك التشبيه فقد غرق افحش غلط. فان الصفات تابعة للموصوف. ومن اثبت شيئا منها دون شيء فقد غرق فيما نفاه وتناقض تناقضا يدل على بطلان قوله. وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث سعة غناه وسعة عطاياه. وانه كما ان جميع الموجودات في فضله وكرمه منذ خلقها. ولا يخلو ان وحال من الاحوال الا ولله عليها كلها نعم واحسان لا تحصى انواعه فضلا عن افراده. ومع هذا العطاء الواسع الشامل لجميع المخلوقات في كل كل الافاق لم يغض من فضله وكرمه مثقال ذرة. لان فضله وكرمه وغناه من لوازم ذاته. وخزائن العوالم كلها وتحت تصريفه وتدبيره. واذا اراد شيئا قال له كن فيكون. فلا يتصور ان ينقص شيء من كمال غناه. ومن سعة عطاياه مثقال ذرة. والله ذو الفضل العظيم. وكذلك سائر صفاته. كعلمه وكلامه وقدرته وحكمته وغيرها فلو نسب علم الخلائق كلهم من اولهم الى اخرهم الى علمه سبحانه. لم ينقص من علم الله الا كما ينقص العصفور اذا في البحر كما قال ذلك الخضر لموسى صلى الله عليهما وسلم ومن كمال غناه انه قال على لسان نبيه صلى الله الله عليه وسلم يا عبادي، لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم ورطبكم ويابسكم. قاموا في صعيد فسألوني كيف اعطيت كل انسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي الا كما ينقص المخيط اذا غمس في البحر. رواه مسلم. واذا اخبرنا الله عز وجل في كتابه او على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. عن غناه وسعة كرمه. فذلك يتضمن امرين احدهما ان نعرف ربنا بهذا الوصف العظيم. فان معرفة الله اجل المطالب واعلى الرغائب. والثاني حث منه لنا ان نزداد طمعا في فضله وكرمه. وان نسأله كل وقت جميع مطالبنا الدينية والدنيوية. ولما بين في هذا الحديث سعد فضله ذكر فيه ايضا شمول عدله. وان القسط بيده الاخرى يخفض من يستحق الخفض. ويرفع من يستحق الرفع بحسب الاسباب التي جعلها الله عز وجل موصلة الى كل من الامرين. وهو المحمود على رفعه وخفضه. وحكمته وضعه اول الاشياء مواضعها وتنزيله للامور منازلها اللائقة بها. ولهذا كان المسلمون كلهم يقولون ان تفضل وتكرم واحسن الى عباده فذلك من فضله. وان عذب وعاقب فان ذلك من عدله. وما احسن ما قاله بعضهم. ما للعباد على اليه حق واجب. كلا ولا سعي لديه ضائع. ان عذبوا فبعدله او نعموا فبفضله وهو الكريم الواسع وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم وبيده الاخرى القسط ولم يقل اليسرى ولا الشمال بيان انه لا يوصف الا بالكمال ولا يستعمل لذلك الا احسن الالفاظ. ولهذا في بعض الفاظ هذا الحديث وكلتا يدي الرحمن يمين. وعن ابي في ذر رضي الله عنه انه قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين ينتطحان فقال اتدري فيما ينتطحان يا ابا ذر؟ قلت لا. قال لكن الله عز وجل يدري وسيحكم بينهما. رواه احمد. هذا الحديث مع الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل ليقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء مع قوله تعالى واذا الوحوش نشرت على قول اكثر المفسرين تدل على ان الحيوانات غير المكلفين يحشرها الله عز وجل ويقتص لبعضها من بعض ليرى العباد كمال عدله حتى في الحيوانات العجم. ولا ينافي ذلك ان التكليف بالامر والنهي والشرائع خاص بالثقلين والجن لان هذا نوع خاص من القصاص في ظلم بعضها بعضا. والله تعالى جعل لها معرفة لمنافعها ومضارها فانه اعطى كل شيء خلقه ثم هدى كل مخلوق الى ما خلق له فهي تعرف ما ينفعها من مأكل ومشرب ووقاية من الاضراب والقوي فيها اذا اذى الضعيف منها عرف ظلمه في ذلك. وكما انه تعالى يجري عليها في الدنيا من التنعم والتألم واسباب الاضرار ما يجري مما هو مقتضى طبيعتها. ومقتضى حكمة الله عز وجل. فاي مانع يمنع من بعثها وان يجري عليها من الجزاء المؤقت ما يوافق العدل والحكمة. ولهذا ورد انه بعدما يقتص لبعضها من بعض يقول لها كوني ترابا واما الجزاء عن التكاليف الشرعية التي جاءت بها الرسل ونزلت بها الكتب والانتهاء الى دار القرار اما الجنة او النار دائما ابدا فذلك خاص بالمتقين كما تواترت به النصوص. واذا كانت هذه الحيوانات في الدنيا قد تكون عند من يكرمها ويدفع عنها الاجر وعند من هو بضد ذلك وذلك راجع الى حسن الملكة او الى سوءها. وهي لم تعمل من الظلم ما يوجب عقوبتها ولا من باحسان ما يوجب اكرامها في كثير من الاوقات. بل اباحة الله عز وجل للانسان ذبحها. الذي هو اعظم الامها تقديما اصبحت الانسان على مصلحتها. واباح له استعمالها بالحمل والركوب والحرث وغيرها من الاعمال لهذا الغرض. فكيف لا يجازي ظالمها على ظلمه. هذا كله بيان ان ذلك موافق للحكمة وللواقع. ليعرف بذلك حكمة الشارع. مع انه يجب على العبد ان ان يخضع لكل ما ثبتت به نصوص الكتاب والسنة. سواء فهم حكمته او فهم بعضها او لم يفهمها. فاننا نعرف من حيث العموم ان لله عز وجل الحكمة في كل شيء. وفي كل تدبير قدري وشرعي وجزائي. وهو المحمود على ذلك. وانما قلت ذلك دفعا لقول من قال ان مثل هذه النصوص يراد بها التمثيل لبيان عدله. وان الواقع بخلاف ذلك. وهذا قول ينافي صريح النصوص ولكن بعض الناس اذا انعقد في قلبه بعض الشبه حمل على النصوص بالتأويل والتحريف الباطل. والواجب ان تكون العقول تابعة ما جاءت به الرسل مهتدية بشرائع الله واحكامه التي هي غاية في الكمال والحسن. ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون والعقول لا تكمل ولا تهتدي بغير ما جاءت به الرسل. انظر الى من طغوا بعقولهم وعلومهم. واستكبروا بها عما جاءت به الرسل كيف كان حالهم؟ وكيف كانت لهم العواقب الوخيمة في الدنيا والاخرة؟ كما قال تعالى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. الاية وقال تعالى وجعلنا لهم سمعا وابصارا ايه ده! فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء. اذ كانوا يجحدون بايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ثم انظر الى ائمة الهدى ومصابيح الدجى لما تم اهتداؤهم بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كيف فضلوا جميع الخلق في عقولهم وعلومهم وهدايتهم واخلاقهم. وكيف كانت لهم العواقب الحميدة والاثار الجميلة والذكر الحسن مدى الاوقات وفي هذا وهذا عبرة لاولي الالباب. وفي هذا الحديث بيان احاطة علم الباري بجميع المخلوقات جلائلها ودقائقها حتى انه يعلم الاسباب التي دعت الحيوانات الى تصرفاتها المتنوعة. فهو يعلم السر واخفى. ومن باب اولى واحرى يعلم تعالى ما صدرت عنه اعمال المكلفين من النيات الصالحة وغيرها. ولهذا يخبر سبحانه وتعالى في كتابه عند الجزاء والثواب والعقاب. باطلاعه وعلمه بذات الصدور. وبنيات العباد ومقاصدهم. وسيجازيهم على ذلك خيرا فخير وان شرا فشر. عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الاية. ان الله يأمركم ان ان تؤدوا الامانات الى اهلها. الى قوله سميعا بصيرا. ويضع ابهاميه على اذنيه والتي تليهما على عينيه. رواه ابو داوود وابن حبان ابن ابي حاتم انما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم اصبعيه على اذنيه وعلى عينيه. تحقيقا لاثبات سمع الله وبصره. وذلك ان كل اسم من اسماء الله الحسنى يشتق له صفة من صفاته. ويترتب على ذلك حكم تلك الصفة. السميع البصير من اسمائه الحسنى. ويدلان على سمع الله وبصره وعلى انه تعالى يسمع جميع المسموعات السر والاعلان والخفي والجلي. ويبصر تعالى جميع المبصرات وان دقت وصغرت قال بعضهم يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الاليل ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ من بين العظ ومن نحل امن علي بتوبة تمحو بها ما كان مني في الزمان الاول. فقوله تعالى ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانة الى اهلها يشمل هذا امانات الولايات. فيجب الا يولى الولاية كبيرة او صغيرة الا الامناء اهل الكفاية والمعرفة تلك الولاية وكذلك امانات الاموال يجب على من هي بيده ان يحفظها والا يسلمها الا الى صاحبها او نائبه. وقوله واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل. وهذا يشمل القاضي والامير وكل من يتولى الحكم بين اثنين او جماعتين من الناس. فعليه العدل في حكمه. والا كائن موجود فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. واما محبة الله عز وجل فانها تتعلق بما يحبه الله من الاشخاص اقوى الاعمال فمحبته خاصة ومشيئته عامة. واعلم ان معاداة اولياء الله نوعان احدهما ان يعاديهم قريبا ولا صديقا ولا يحمله عداوة شخص على الحكم عليه بالهوى. ولما امر باداء الامانات الى اهلها الذي هو وظيفة المؤتمنين وبالحكم بالعدل الذي هو وظيفة الحاكمين. وكانت هذه الاحكام والاصول العظيمة قد بلغت نهاية الحسن والصلاح والاصلاح. واثمرت كل خير وبركة وفلاح اثنى تعالى على احكامه ومواعظه الجليلة فقال ان الله نعم ما يعظكم به اي نعم ما يعظكم به ارسلكم اليه من اصول الرشد والخيرات المنافية للشرور والهلكات. وختمها سبحانه بهذين الاسمين الكريمين. ان الله كان سميعا بصيرا ليعرفنا بنفسه ويرغبنا في قبول مواعظه ونصائحه. ويرهبنا من الاعراض عنها ويحثنا على اصلاح النية فيما نأتي ونذر فان النية الصالحة رح الاعمال وبها يتحقق كل خير وكمال. وعن ابن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها الا الله. لا يعلم ما في غد الا الله. ولا يعلم ما تغيض الارحام الا الله. ولا يعلم متى يأتي المطر الا الله ولا تدري نفس باي ارض تموت الا الله. ولا متى تقوم الساعة الا الله تبارك وتعالى. رواه مسلم. قال الله تعالى وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين. المفاتيح قيل انها الخزائن وقيل انها المفاتيح التي تفتح بها الخزائن والمعنى متقارب. فالباري جلت عظمته وتعالى مجده قد احاط علمه بكل شيء بجميع وجوه الاحاطة. يعلم جميع ما مضى وجميع ما سيأتي وما هو حاضر. ويعلم العالم العلوي والعالم السفلي. ويعلم الظواهر والبواطن والخفيات والجليات. ويعلم الواجبات والمستحيلات والممكنات ويعلم ما اطلع عليه الخلق وما لم يطلعوا عليه. ومع سعة علمه واحاطته فلا يضل ربي ولا ينسى. ولا يغيب عنه قال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين. وقد اطلع عباده على كثير من المعلومات واخفى عنهم اكثر حيث لا سبيل لعلومهم الى ادراكها او حيث لا مصلحة لهم في علمها. ومن ذلك مفاتيح الغيب الخمس المذكورة في هذا الحديث. وهذه المذكورات كلها مستقبلة خفية عن علم الخلائق كلهم. كما هو نص الحديث. وغاية ما عندهم علم اسباب ومقدمات لما في مستقبل الزمان وما يحصل من المطر. فعلم الاسباب غير علم المسببات. لان الاسباب لا تكفي وحدها لوجود مسببها. بل لا بد من انضمام قضاء الله وقدره. ولهذا كم من امور يعزم عليها الخلق ويجزمون بوقوعها؟ لتوفر اسبابها ثم تخفق الاسباب اب ليري عباده ان الامر امره والحكم حكمه والقضاء قضاؤه. ولهذا قال تعالى ولا تقولن لشيء اني فاعل ذلك ذلك غدا الا ان يشاء الله. فانما شاء الله كان ووجب وجوده. وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده. فالامر بفعل الاسباب لوجود مسبباتها الدينية والدنيوية لا ينافي ان الله عز وجل مختص بعلم الغيوب المستقبلة. وكذلك علم الملك بوجود الجنين في بطن امه اذا ارسله الله عز وجل لنفخ الروح فيه. وكذلك الكشف الطبي عما في ارحام النساء من الاجنة. كله لا ينافي ان الله عز وجل مختص بعلم ما في الارحام. فان الماء الذي يتولد منه الولد لا سبيل لعلم احد من الخلائق اليه. واما انتقاله بعد ذلك في التخليق فقد يعلمونه من وجه دون وجه اخر. والاطوار الاولة علمهم فيها قاصر جدا. لا ينتهي الى درجة العلم بل نهايته الظن ثم ما تغيظ الارحام وما تزداده من القاء الجنين او ابقائه او زيادته او نقصه او موته او حياته. كل ذلك لا علم في احد من الخلق به. وكذلك معرفة الطبيعيين لبعض حوادث الجو وانعقاد السحاب وعدمه. علم ظني بعلم بعض الاسباب التي قد يتولى عنها سحاب وقد لا يتولد. واذا تولد سحاب قد يكون فيه مطر وقد لا يكون. فعلم ذلك على الحقيقة يختص الله عز وجل به. ولهذا فلما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال ما المسؤول عنها باعلم من السائل؟ اي انا وانت كلنا لا نعلمها. ولما سأله عن اشراطها وعلاماتها اخبره بها فالعلم بالمقدمات غير العلم بالمقصود. وهذه الخمس المذكورة في حديث ابن عمر رضي الله عنه صلى الله عليها في كتابه في قوله ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وماذا اتدري نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير. وسعة علم الرب واحاطته بكل شيء اكبر دليل على عظمة الله وعظمته في سلطانه وحكمته وعلى كمال قدرته. وانه سيبعث العباد الاولين منهم والاخرين. ولهذا يستدل على البعث بالعلم مثل قوله تعالى الا قد علمنا ما تنقص الارض منهم وعندنا كتاب حفيظ. ويستدل به على ايصال جزاء المحسنين والمسيئين اليهم. وانه يعلم ما عملوه من خير وشر وما يترتب على اعمارهم من الجزاء والثواب والعقاب. يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا احصاه الله ونسوه. والله على كل شيء شهيد. ومن نعمة الله وحكمته طيه عن خلقه علم هذه الاشياء. وخصوصا علم الاجال كاليو متى تقوم الساعة فانهم لو علم كل انسان الى اين ينتهي اجله لحضره الهم والغم الذي ربما يقضي عليه التفريط والتجرؤ على المحارم اذا علم اجله يقول المسرف سوف اقضي لذاتي المحرمة ثم اذا دنا اجلي تبت وانبت ولم يعلم ان الذنوب والجرائم اذا رانت على القلوب فبعيد عليه جدا ان يتخلص منها. بل وكذلك اذا دنا اجله ربما وزع ما له على شهوته وارادته وحارم ورثته المستحقين. وكذلك لو علم الناس ما يكون وما يجري في غد وفي مستقبل امورهم من خير وشر ونفع وضرر قدرت معيشتهم بل لتعطلت معايشهم ولكن الامور المستقبلة في الارزاق والاسباب والخير والشر جعلها الله عز وجل مجهولة لهم لينشطوا على الاسباب النافعة ويحذروا من كل ما يخشى منه الضرر. وابهام الله عز وجل هذه الامور وما اشبهها نافع للناس في امور دينهم ودنياهم كما هو ظاهر لكل متأمل. مع انه ايضا يضعف بذلك قوة توكل العباد على ربهم في حصول المنافع ودفع فالتوكل يضعف والنشاط في عمل الاسباب يضعف. وفي ذلك الضرر العظيم. فالحمد لله الذي علم العباد من شرعه وقدره ما به ينتفعون وطوى عنهم ما ليس لهم به مصلحة وما ليس لعقولهم سبيل الى ادراكه. عن انس رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لله اشد فرحا بتوبة عبده حيث يتوب اليه من احدكم كان على راحلته بارض فلاة فانفلتت منه ان هو عليها طعامه وشرابه. فايس منها فاتى شجرة فاضطجع في ظلها قد ايس من راحلته. فبينما هو كذلك اذ هو وبها قائمة عنده فاخذ بخطامها فقال من شدة الفرح. اللهم انت عبدي وانا ربك اخطأ من شدة الفرح اخرجاه. هذا حديث عظيم يدل على سعة رحمة الله وجوده. وعلى رحمته ورأفته الخاصة بالادمي. وانه من احسانه ومحبته تعالى لاستقامة عبده يفرح اذا تاب ورجع اليه هذا الفرح. الذي ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم هذا المثل الذي لا يمكن ان يوجد فرح يتصور وابلغ منه حيث فقد هذا الرجل الذي انفلتت منه راحلته اسباب حياته. والارض فلاة مهلكة لا يرجو من يستنقذه مما هو فيه فاضطجع ينتظر الموت ولا يشك فيه. لفقد اسباب الحياة كلها. فبينما هو كذلك اذ راحلته قائمة عند رأسه. فاخذ وايقن بالحياة والنجاة دفعة واحدة. فانتقل من اليأس الكامل الى الامن التام. فلا يتصور فرح اعلى من هذا. ومع هذا فالرب فرحه بتوبة عبده اشد من هذا الفرح. وهو جل جلاله لا ينتفع بطاعة الطائعين. وانما نفعها عائد اليهم فهذا برهان على انه تبارك وتعالى لم يخلق الخلق الا ليتم عليهم نعمته. بقيامهم بعبوديته اولا ثم بنيلهم غاية كرامته اخرا فانه يحب التوابين ويحب القائمين بعبوديته ظاهرا وباطنا. فاذا رجع عبده من ولاية الشيطان الى ولايته ومن خروجه الى مساخطه الى رجوعه الى محابه. احب الله ذلك منه محبة شديدة مع غناه التام عنه. وفي هذا من البشارة في الرجاء ما لا يمكن التعبير عنه وفيه حث للعباد الى رجوعهم الى ربهم كل وقت فان في ذلك صلاحهم وفلاحهم وسعادتهم العاجلة والاجلة وفي هذا الحديث اثبات محبة الله لعباده المؤمنين. وفرحه بتوبة التائبين. وسواء كان لتوبة من الكفر الى الاسلام او من المعصية الى الطاعة فانه الرحمن الرحيم الرؤوف الكريم. وهذا من اثار رحمته ورأفته وكرمه الخاص. اللهم ادخلنا برحمتك الخاصة في جملة عبادك الصالحين وفيه دليل ان الكلام الذي يصدر من الانسان بلا قصد بل خطأ لا اثم عليه. فهذا الرجل اراد ان يشكر ربه ويثني عليه بهذه النعمة العظمى ويريد ان يقول اللهم انت ربي وانا عبدك فاخطأ الصواب في لفظه فلم يؤاخذ بما قال. وفي تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب الراحلة الموصوفة بتلك الصفات فائدة جليلة. وهو ان الطعام والشراب وتوابعها والركوب هي زاد السفر الحسي. فكذلك التقوى والقيام بعبودية الله زادوا السفر المعنوي زادوا الاخرة. وكما ان فقد الطعام والشراب وتوابعها يؤدي الى التلف والهلاك. ووجودها به تحصل الحياة فكذلك فقد التقوى بالاصرار على المعاصي يؤدي الى الهلاك والشقاء. والتوبة منها والرجوع الى الله هو طريق حياة القلب وحياة الدنيا والاخرة وفي هذا الحديث ايضا اكبر دليل على ان الله عز وجل ارحم بعباده من الوالدين. بل ارحم بهم من انفسهم. وعلى ان محبة الله في غير مشيئته. فالله تعالى يحب التوابين والمؤمنين والصالحين. ومشيئته متعلقة بكل شيء. وعلى انه تعالى بين لعباده طريق الخير وطريق الشر ورغبهم في الخير ورهبهم من الشر. وجعل افعالهم تابعة لارادتهم واختيارهم. فليس لاحد على الله حجة. لكنه تعالى جعل لهدايته اسبابا من سلكها هداه وزاده هدى وايمانا. ولاضلاله اسبابا من اختارها لنفسه ولاه ما تولى لنفسه. ولم يوفقه للهداية اية لكمال حكمته تعالى. قال تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. وقال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة وقال سبحانه فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم عن ابي موسى رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم. وهذا من اثار جوده وكرمه ورحمته. ان العاصين لا يعاجلهم بالعقوبات. بل يحلم عليهم بل يستدعيهم الى التوبة عاجلا وعدم الاصرار عليها. ويرغبهم في رحمته ومغفرته وثوابه. ويسر لهم كل طريق يوصلهم الى التوبة والانابة وان هذا الاستدعاء والترغيب والتشويق لهم الى التوبة مستمر لا ينقطع حتى تأتي مقدمات القيامة وتطلع الشمس من مغربها فيسد باب التوبة. قال تعالى هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة او يأتي ربك او يأتي بعض ايات ربك. يوم تأتي بعض ايات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا. وقد فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بطرق طلوع الشمس من مغربها فكل من اسلم بعد ذلك او تاب من ذنوبه او ازداد عملا غير الذي كان يعمل لم ينفعه. لان الامر صار شاهدا والايمان وتوابعه انما ينفع اذا كان غيبا. ومفهوم الاية الكريمة ان المؤمن الذي كانت له اعمال يعملها قبل هذه الايات انه ينتفع بايمانه السابق واعماله السابقة. ويقارب هذا المعنى ما ثبت في صحيح مسلم مرفوعا. من مرض او سافر كتب له ما كان يعمل اعمل صحيحا مقيما ويدخل في المرض الجنون والاغماء. وكذلك بلوغ العبد سن التخريف اذا ترك ما كان يعمله وعقله معه جاء ان يكتب له ما كان يعمله ومن نيته الاستمرار عليه. ولا يستغرب ذلك على كرم كريم. وفي هذا الحديث اثبات اليدين لله عز وجل وقد ثبت بهما الكتاب والسنة وطريقها عند اهل السنة طريق باقي باقي باقي باقي الصفات انهم يجب اثبات ما اثبته الله عز وجل لنفسه او اثبته رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بعظمة الباري من غير تعطيل ولا تمثيل. ومن الانحراف عن الصراط المستقيم نستدرك على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فنحرف شيئا من صفاته ونقول ان المراد بها كذا وكذا مما هو مخالف لصريح النصوص. بل نقول ما قاله الله عز وجل عن نفسه او قاله رسوله صلى الله عليه وسلم. متيقنين انه الحق وما سواه باطل ونسأل الله عز وجل العافية من داء التعطيل لشيء منها وداء التمثيل. وهذا الحديث الدال على كمال رحمة الله وسعة كرمه و مغفرته المقصود به امران ان نعرف الله تعالى بما عرفنا به نبينا صلى الله عليه وسلم. وان نسلك كل طريق يوصلنا الى رحمته وكرمه ومغفرته. نسأل الله ان يحقق لنا ذلك بمنه وكرمه. عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال قدم على النبي صلى الله عليه عليه وسلم بسبي هوازن. فاذا امرأة من السبي تسعى اذ وجدت صبيا في السبي فاخذته فالزقته ببطنها فارضعته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم اترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا والله. فقال الله ارحم بعباده من هذه بولدها متفق عليه. وهذا الحديث ايضا يدل على سعة رحمة الله وغلبتها وتقدمها على رحمة كل راحم. والنبي صلى الله عليه وسلم احب ان يفهم المسلمون عنه شدة رحمة الله ورأفته. حيث مثل بهذه الام الحنون التي ذهلت نفسها وذهلت غيرها عند فقدها لولدها ثم لما وجدته الزقته في بطنها وارضعته. فالله ارحم بعباده من الوالدة بولدها. وكيف تقارب رحمة الام بلغت في الحنان ما بلغت رحمة ارحم الراحمين. الذي رحمة الوالدين ورحمة غيرهم لا تنسب الى رحمة الله بوجه من الوجوه. فالله تعالى هو الذي برحمته اوجدهم وبرحمته احسن خلقهم وقوى اسرهم وبرحمته جعل لهم القوى الظاهرة والباطنة وبرحمته سبب لهم اسباب المعايش والارزاق المتنوعة. وبرحمته اسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة. فما بالعباد من نعمة فمن الله وبرحمته اليهم الرسل وانزل عليهم الكتب. وبين لهم طريق النجدين طريق الخير والشر. وبرحمته حبب اليهم الايمان وزينه في قلوبهم وكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان وجعلهم من الراشدين. فضلا منه ونعمة وبفضله ورحمته القى في قلوبهم التوبة ثم قبلها منهم وهو الذي برحمته اتاهم من كل ما سألوه بلسان المقال او بلسان الحال وبرحمته اعد للطائعين الذين من رحمته اعد لهم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. الى غير ذلك من اجناس رحمته وانواعها فضلا عن افرادها فمن هذه رحمته وهذا شأنه؟ يستحيل ان تكون رحمة احد تقارب او تنسب الى رحمة ارحم الراحمين وفي هذا الحديث الحث على السعي في طلب رحمته بسلوك كل سبب يوصل الى الرحمة. وهي مذكورة في الكتاب والسنة. وفيه اثبات رحمة الله وانها من جملة اوصافه والقائمة به. التي لا تزال اثارها في كل اللحظات تترى على العباد. فانظر الى اثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش. ان رحمتي سبقت غضبي رواه البخاري وله ما عنه رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جعل الله الرحمة مائة جزء فامسك عنده تسعة وتسعين جزءا ونزل في الارض جزءا واحدا. فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية ان تصيبه. ولمسلم من حديث سلمان رضي الله عنه معناه وفيه كل رحمة طباق ما بين السماء والارض. فاذا كان يوم القيامة كملها هذه الرحمة هذان الحديثان كما سبق يدلان على سعة رحمة الله وانها وسعت كل شيء. وكمال ذلك ان الله عز وجل كتب على نفسه ان رحمتي تغلب او تسبق غضبي فهذا فيه بشرى عظيمة انه اذا وجد موجبان موجب للرحمة وموجب للغضب فان رحمة الله عز وجل تغلب غضبه. وقد ظهر ذلك في شرعه وفي قدره. حيث ان العامل للسيئات تكتب له السيئة الواحدة. وهي على رجاء الغفران وتكتب له الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة الى اضعاف كثيرة. والكون كله مملوء من رحمة الله. وهذه الرحمة التي في في الخلق والحنان فيما بينهم خصوصا الامهات على اولادها جزء من مائة جزء من رحمة الله وسيضم هذا الجزء الى تسعة وتسعين تسعين جزءا كل جزء يملأ ما بين السماوات والارض فيرحم بها عباده. ويظهر في موقف القيامة للخلائق من رحمة الله وجزاءه تأهيل الطائعين وعفوه عن العاصين. ما لا تعبر عنه الالسن. ولعل هذا سر ذكر الرحمن مقرونا بيوم الدين في عدة مواضع من القرآن مثل قوله تعالى الملك يومئذ الحق للرحمن. وقوله وخشعت الاصوات للرحمن. والعبد في هذه الدنيا اذا استحضر كثير من نعم الله عليه وعلى غيره. واثار رحمته اوجب له ذلك ان يمتلئ قلبه من محبة الله. وان يسعى في كل سبب جعله الله عز وجل موصلا الى رحمته وهذا من اعظم مقاصد نصوص الكتاب والسنة فانها كما انها خبر عن الله عز وجل فانها حث للعباد على تعلق قلوبهم واعمالهم بالله وبرحمته وجوده. واعلم ان الرحمة صفة من صفات الله الذاتية الفعلية. فانه لم يزل ولا يزال رحيما متصفا بالرحمة. ومن اثارها جميع خيرات الدنيا والاخرة. ولهذا لما كانت الجنة جامعة من اصناف النعيم وفنونه ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين من نعيم القلوب والارواح والابدان. سماها الله الله عز وجل رحمته فقال واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون. وفي الحديث الصحيح حين تحاجت الجنة والنار نار وفيه فقال الله عز وجل للجنة انت رحمتي ارحم بك من اشاء من عبادي. وقال للنار انت عذابي اعذبك من اشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها. وعن انس رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الكافر اذا عمل حسنة اطعم بها طعمة في الدنيا. واما المؤمن فان الله عز وجل يدخر له في الاخرة ويعقبه رزقا في الدنيا على رواه مسلم. هذا الحديث يدل على خلاف ما يقوله كثير من اهل العلم. من ان عمل الكافر مهدر غير مقبول. ويطلقون الكلام اطلاقا والتحقيق ان في ذلك تفصيلا تدل عليه النصوص. وهو ان الحسنات التي يستحق بها دخول الجنة او النجاة من النار او الخروج منها لا يستثنى منها شيء. فليس شيء من اعمال الكفار وان كثرت توجب دخول الجنة او توجب النجاة او توجب الخروج من النار. لان النصوص من الكتاب والسنة تواترت في تحريم الجنة على كل كافر. وانه لا يدخلها الا المؤمنون. كذلك تواترت في خلود جميع اصناف الكفار في النار وانه لا يخرج منها احد لا بعملوه ولا بشفاعة ولا غيرها. واما الحسنات التي يعملها الكافر في الدنيا لله وخصوصا الاحسان المالية او غيره الى الخلق اذا كان قصده وجه الله عز وجل فان الله عز وجل يطعمه في الدنيا ويجازيه فيها على ذلك العمل. اما بعافية بدنه او سلامته من اخطار او زيادة رزق او حصول ولد او غير ذلك مما يتنعم به في الدنيا. كما دل عليه هذا الحديث بل وكذلك في تخفيف عقوبات الدنيا وعقوبات الاخرة. فان الكفار في النار دركات بحسب غلظ كفرهم وخفته. ولكل درجات مما ما عملوا ولهذا لما كان ابو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم له من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم. والقيام معه ما هو معروف خفف الله عز وجل عنه عذاب النار. فكان في ضحضاح من نار عليه نعلان يغلي منهما دماغه. ولولا ذلك لكان في الدرك الاسفل من النار لان كفره كفر معرفة وعناد. لانه تحقق ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف بذلك. ولكن دين قومه واجداده اختارهم على دين الله. بل وكذلك العقوبات الدنيوية. من تأمل عقوبات الله للطاغين. رآها بحسب ما هم عليه من الطغيان كما جرى للاقوام الذين كذبوا الانبياء فعاقبهم عقوبات مناسبة لجرائمهم. وانظر لقضية الاحزاب الذين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه يوم الخندق. لما كان اليهود هم الاصل والسبب الذي جيشوا وحزبوا الاحزاب صارت العاقبة السيئة على رؤوسهم من نظر في احوال وقته وما قبله بيسير رأى معظم الشرور وفضائعها عمل اهل البغي والطغيان. وان كان لغيرهم نصيب منه هذه حالة الله عز وجل في اعدائه. وكلها موافقة للعدل والحكمة. واما المؤمنون فان الله عز وجل يجمع لهم بين خير الدنيا والاخرة. فاذا عملوا الحسنات حصل لهم جزاء في الدنيا ورزق وحياة طيبة. وجزاء اخروي بحسب اعمالهم وفضل الله عليهم كما في هذا الحديث وكما في قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة جزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون. وقوله سبحانه ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل توكل على الله فهو حسبه وقوله ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا. وله عنه رضي الله عنه مرفوعا ان الله ليرضى عن العبد يأكل الاكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها. هذا الحديث فيه ان الله عز وجل يرضى عن عبده. اذا اذا عمل ما يحبه. اما عبادات مستقلة كالصلاة والصيام والصدقة ونحوها. وبر الوالدين وصلة الارحام والاحسان الى الخلق وتوابع ذلك فان الاعمال الصالحة هي موضوع مراضيه. فمن فعل منها ما يرضيه رضي الله عنه. ولهذا لما كمل المؤمنون مراتب الخير كلها اخبر عنهم بالرضا المطلق منه ومنهم. فقال سبحانه رضي الله عنهم ورضوا عنه. وقال لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت شجرة الاية وقال والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه. الاية فقد اخبر عن جميع طبقات المؤمنين انهم نالوا رضا ربهم لما قاموا بما يحبه ويرضاه. هذا النوع اشرف انواع ما ينال به رضا الله النوع الثاني العادات وتناول الطيبات من اكل وشرب وتوابعها. اذا تناولها العبد لقصد الاستعانة بها على طاعة الله اقامة البنية والقيام بالواجب والمستحب له ولعائلته. ثم حمد الله عز وجل عند تمامها. فان الله عز وجل يرضى عنه وتنقلب عاداته عبادات وتكون الطيبات له خالصة يوم القيامة. فيجمع الله عز وجل له بين نعيم الدنيا وطيبها وبين نعيم الاخرة فسبحان من لا يحصي احد ثناء عليه. ولا تعد نعمه والاءه. وفي هذا الحديث اثبات الرضا لله عز وجل. كما في بقية النصوص اوصي من الكتاب والسنة وواصفة من صفات الله وفيه اثبات الافعال الاختيارية المتعلقة بمشيئة الله وقدرته. وانها لا تزال في كل وقت فالله في كل وقت ويوم له شأن من الشؤون يبديها ويبتديها. ولم يزل ولا يزال فعالا لما يريد. مما تقتضيه حكمته وحمده تبارك وتعالى وعن ابي ذر رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قطت السماء وحق لها ان تئط ما في فيها موضع اربع اصابع الا فيه ملك ساجد لله تعالى. ولو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. وما تلذذتم النساء على الفرش ولخرجتم الى الصعدات تجأرون الى الله عز وجل. رواه الترمذي وقال حديث حسن. قوله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا في الصحيحين من حديث انس رضي الله عنه. هذا الحديث دليل على عظمة الله وعظمة اخوانه وكثرة الملائكة واشتغالهم في كل اوقاتهم بالعبادات والخضوع لله تعالى. فهم على سعة السماوات وعظمها قد ملأوها حتى لم يبقى فيه موضع الا هو معمور بهم. والقطيط صوت الرحل اذا ثقل عليه الراكب او الحمل. فالسماوات من كثرة الملائكة الذين عليها قطة ويحق لها ان تئط. وقال تعالى عن الملائكة يسبحون الليل والنهار لا يفترون. وقال تعالى ان الذين عند ربك لا عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون. ثم خوفهم صلى الله عليه وسلم هذا التخويف العظيم. فقال لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم الى الصعدات تجأرون الى الله عز وجل. فأبهم صلى الله عليه وسلم الشرط فدل على انها المعلومات التي توجب هذه الاثار وذلك كالعلم بعظمة الله وكبريائه وشدة عقابه وما اعد عاصين من العذاب والنكال. والنبي صلى الله عليه وسلم وان كان يعلم هذه الامور لكن لقوته وكماله وقدرته على اداء الحقوق لا يمنعه هذا العلم من القيام بحقوق الخلق والتلذذ بالنساء. اما امته فلضعفهم وعجزهم عن تحمل هذا المعلوم الذي اشار اليه اليه صلى الله عليه وسلم. فمن رحمة الله بهم انه لم يظهر لهم من عظمته وشدة عقابه الا بقدر ما يتحملون. وبقدر ما به المقصود منهم بحيث لا يشغلهم عن القيام بمصالح دينهم ودنياهم. وهذا من نعمته وحكمته. ويقارب هذا انه صلى الله عليه كل من كان يواصل وينهى امته عن الوصال ويقول ايكم مثلي اني ابيت عند ربي يطعمني ويسقيني. ولمسلم عن جندب رضي الله عنهما مرفوعا قال رجل والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله تعالى من ذا الذي يتألى علي الا اغفر لفلان؟ اني قد غفرت له واحبطت عملك. وهذا ايضا فيه بيان سعة فضل الله ومغفرته. فان هذا الرجل الذي غفر الله عز وجل له قد كان مسرفا على نفسه وكان هذا القائل يراه على الذنب المرة بعد المرة فينهاه فحمله ما حمله حتى قال هذه المقالة التي فيها التألي على الله عز وجل والحجر على رحمته وفيها شوب ترفع ونوع كبر لعل هذا هو السبب الذي احبط الله عز وجل به عمله بهذه المقالة. فليحذر العبد من المقالات التي فيها نوع تأل على الله وادلال وترفع. وليعلم ان الله عز وجل فوق ما يظن الظانون. فانه الحليم الرحيم الذي تمهل عباده ويعفو عنهم ويفتح لهم ابواب الخير ولا يمنعه معاودتهم للذنوب اذا رجعوا اليه وانابوا. وله عن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته احد. وللبخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا الجنة اقرب الى احدكم من شراك نعله. والنار مثل ذلك. هذان الحديث ان يوجبان للعبد ان يكون بين الخوف والرجاء. ان نظر الى الله العامة والخاصة رجا وطمع. وان نظر الى عدل الله وعقوبته للعاصين خاف وخشي. وكذلك في حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان الجنة والنار اقرب الى العبد من شراك نعله. لان مدار ذلك على صحة الايمان والتوحيد او عدمه. فمن كان مؤمنا لا يشرك بالله شيئا فهو من اهل جنة. ومن كان مشركا فهو من اهل النار. ومن قرب الجنة والنار ان العبد قد يعمل بطاعة الله في كل عمره ثم يزيغ عن الحق في اخر حياته فيكون من اهل النار. وقد يعمل بعمل اهل النار ثم يوفقه الله عز وجل اخر حياته للانابة اليه. فيختم له بعمل اهل ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ان العبد يتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن ان تبلغ ما بلغت فيكتب الله عز وجل له رضوانا ويتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن ان تبلغ ما بلغت فيكتب الله عز وجل له سخطه. ومن ذلك ان طغيا سقت كلبا ينهث من العطش ورحمته فرحمها الله عز وجل وغفر لها. وان امرأة عذبت في هرة ربطتها حتى ماتت جوعا ومن ذلك ان من وصل رحمه وصله الله. ومن قطعها قطعه الله. ومن ذلك ان من علم الله عز وجل من نيته وقصده اتباع الهدى وفقه الله عز وجل اليه. وحبب اليه الايمان وزينه في قلبه. وكره اليه الكفر والفسوق والعصيان. ومن رد الحق ورأى طريق فزهد فيه ولاه الله عز وجل ما تولى. وخذله وضل عن الصراط المستقيم. ومن اقبل على الله اقبل الله عليه. ومن اعرض فعن الله اعرض عنه. وهكذا وما اشبه هذا من الامثلة. وكذلك الاعمال تابعة لنياتها. وانما لكل امرئ ما نوى. ولهذا ذكر الشيخ بعده هذا الحديث. وعن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. ان امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد اندلع لسانه من العطش فنزعت له موقها فسقته فغفر الله لها به. وقال صلى الله عليه وسلم دخلت النار امرأة في هرة حبستها لا هي اطعمتها ولا ارسلتها تأكل من خشاش الارض. قال الزهري لان لا يتكل احد ولا ييأس. اخرجه. وعن ابي موسى رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا احد اصبر على اذى سمعه من الله عز وجل يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم. رواه البخاري بخاري وذلك ان من اسمائه الحسنى الذاتية الحليم الصبور. فحلمه تعالى وصبره لا يمكن ان يماثله فيه احد كبقية صفاته وحلمه وصبره عن كمال قدرة وعن سعة رحمة. فالخلق يؤذونه بتكذيبه ومحاربته ومحاربة رسله. وهو تعالى يمهلهم ويمد بالعافية والارزاق والنعم السابغة خيره اليهم نازل وشرهم اليه صاعد يتحبب اليهم بالنعم مع كمال غناه عنهم ويتمقتون اليه بالمعاصي مع شدة فقرهم اليه. وهذا الحلم والصبر العظيم الذي لا يشبهه شيء مما يجلب قلوب العباد اليه والى الانابة اليه والحياء منه. ولما كانت هكذا معاملته للعاصين فكيف معاملته للطائعين؟ ومع هذا الحلم والصبر اذا تاب العبد اليه محي عنه ما سلف من الجنايات فكأنه ما كان منه شيء. فنسأله تعالى ان يعرفنا به وباسمائه وصفاته معرفة صحيحة انه جواد كريم. وله عن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. اذا احب الله العبد نادى جبريل ان الله ايحب فلانا فاحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في اهل السماء ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء ثم يوضع له القبول في الارض. وهذا من اثار رحمته ولطفه باصفيائه واحبائه. الذين قاموا ان الله عز وجل يحبهم ويحببهم الى ملائكته والى اهل الارض. وهو من البشارات العاجلة. ولا ريب ان محبة الملائكة لهم ومحبة المؤمنين. ينالهم فيها خيرات كثيرة. فنفس محبتهم لهم نافعة لهم. حيث كانت لله متصلة تنبيه وما يتأثر عنها من الدعاء والثناء والصلاة عليهم. واذا احبه المؤمنون ووضع له القبول بين الناس كان معتبرا ونصائحه مقبولة واثاره مأثورة واقواله وافعاله مؤتما بها. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. وفي هذا الحديث كغيره من النصوص في الكتاب والسنة اثبات محبة الله لاحبابه ولخيار خلقه. وان ثمراتها اجل الثمرات. فاذا كانت هذه الثمرات الخارجية محبة خيار الخلق له من الملائكة والادميين. فما ظن بما يوفقه الله عز وجل له من الاعمال الداخلة في كسبه. وان الله عز وجل سينميها له اضعافا مضاعفة. وما ذلك على كرم الودود بعزيز. وعنه رضي الله عنه مرفوعا. عجب ربنا من قوم يقادون الى الجنة بالسلاسل. رواه احمد والبخاري وهؤلاء هم الذين كانوا راضين بما هم عليه من الكفر وترك الايمان بالله المفضي بصاحبه الى الهلاك الابدي. فيقيض الله عز وجل له من يلزمهم ان يهتدوا الزاما. اما بجهاد المجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا. فيقال هم هؤلاء الكفار فينصر الله عز وجل المسلمين عليهم. ويذعنون الى الحق ويدخلون في الدين كرها وخوفا. وبعد ذلك يكون الدين احب اليهم من كل شيء. كما هو حال اكثر من يدخل في الاسلام رهبة او رغبة. وكذلك من يلتزم التوبة من العصاة او يسلك طريقا من الخير بغير اختياره. ثم بعد ذلك يحسن نيته. وقد ورد في الحديث ان الله عز وجل يزع بالسلطان ما الا يزع بالقرآن وعن جرير ابن عبدالله البجلي رضي الله عنه انه قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم اذ نظر الى قمر ليلة البدر قال انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر. لا تضامون في رؤيته. فان استطعتم الا تغلبوا على قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا. وتلا قوله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب. رواه الجماعة هذا الحديث من جملة الادلة الكثيرة الدالة على ان المؤمنين يرون ربهم تعالى في الجنة ويتنعمون برؤيته وذكر لهم هذا المثال الذي هو اوضح الامثلة وهذا تمثيل للرؤية بالرؤية لا للمرء وهو القمر بالمرئ وهو الله عز وجل. لانه ليس كمثله شيء وبعد ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رؤيتهم لله تعالى حضهم على المحافظة على صلاة الفجر وصلاة العصر انه ثبت في الصحيحين من حافظ على البردين دخل الجنة. اي ومن دخل الجنة رأى ربه تبارك وتعالى. وقد ثبت في الصحيح ان خواطر قص الخلق ينظرون الى ربهم بكرة وعشيا. فلعل الحديث اشار الى ان من حافظ على الفجر والعصر وافتتح نهاره وختمه بذكر الله روجي ان يكون من الذين ينظرون الى الله بكرة وعشيا. وعن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال يقول الله تعالى من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه. فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به. وبصره الذي يبصر به التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه. وما ترددت عن شيء انا افاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت واكره مساءته. ولابد له منه. رواه البخاري. هذا اشرف حديث في فضل الاولياء او كرامتهم على الله عز وجل. فمن ذلك ان الله عز وجل جعل معاداتهم محاربة له لمحبته له لهم وعلو مقامهم وان الله تعالى يسددهم في جميع حركاتهم وسكناتهم. ويكون معهم في كل احوالهم اذا قاموا بولاية وان ولاية الله مدارها على اداء فرائض الله. والقيام بحقوقه وحقوق عباده. ثم الازدياد من نوافل العبادات كلها من صلاة وصيام وصدقة وحج وذكر وقراءة وتعلم علم وتعليمه. وذلك من العبادات ومن الاحسان المتعلق بمن لهم حق خاص من اقارب وجيران ومماليك ومعاملين واصحاب. ومن لهم حق عام من جميع الخلق. فمن ادى الفرائض وتقرب الى الله عز وجل بالنوافل. احبه الله عز وجل وسدده. وكان الله معه. واجاب الله دعوته واحب الله كرامته. وكره الله مساءته حتى في الامر الذي لا بد منه وهو الموت. فان الله عز وجل قضى قضاء محتما ان كل نفس ذائقة الموت. ولما كان وليه عنده في غاية الكرامة؟ والله ارحم به من والديه ومن نفسه صارت كراهة الولي للموت يكرهها الله عز وجل لمشقة على عبده المؤمن. ولكن الله عز وجل منفذ امره. ومع ذلك فهذه المشقة العظيمة التي يجدها المؤمن عند الموت يثيبه الله عليها فانه تعالى قضى انه لا يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا اذى حتى الشوكة يشاكها الا كفر الله الله عنه بها من خطاياه. وكذلك مع ثوابه يلطف به في هذا المصرع. ويتحمل عنه ويسهل عليه. فانه من تعرف الى الله في الرخاء عرفه في الشدة. واعانه على كل مشقة. وفي هذا الحديث اثبات محبة الله لعباده المؤمنين. وانها تتفاوت تفاوت ما من الله به على اوليائه من طاعته وطاعة رسوله قلة وكثرة وحسنا وضدا. وفيه ان الفرائض افضل من النوافل وان مقدمة عليها فمتى تزاحمت الفرائض والسنن؟ فالفرائض هي المقدمة. اللهم انا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا الى حبك. وفي الحديث برهان على ان محبة الله غير مشيئته. فان مشيئته تتعلق بكل من اجل ولايتهم لله وقيامهم بدينه. فهذا كفر وردة ومحاربة تامة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والنوع الثاني ان يعاديهم لاغراض دنيوية ولعصبية جاهلية. ولتأويل يحسبه المتأول حقا. فهذا لا يلحق بالاول هذا النوع مراتب بحسب الدواعي الى هذه المعاداة. وبحسب ما يقوم في القلوب من الشبه حتى قد يشتبه الامر على طائفتين او شخصين كل منهم يرى ان الحق معه. وكلهم يريد الحق. فهذا النوع لا يدخل في هذا الحديث. فلا بد من هذا النظر وهذا التفصيل وتفصيل القضايا في هذا يطول والله اعلم. وعنه رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا الى السماء سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر. يقول من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فاعطيه؟ من يستغفرني فاغفر له ده متفق عليه. احاديث نزول الرب الى السماء الدنيا تواترت واعتقدها اهل السنة على حقيقتها. وتبرأوا من تحريفاتها اهل البدع وعلموا مع ذلك ان الله عز وجل لم يزل ولا يزال عريا. وانه ينزل كيف يشاء. ليس كمثله شيء هذا يدل على كمال رحمته وعنايته العظيمة بعباده. ولهذا في بعض الفاظ هذا الحديث ان الله تعالى يقول لا اسأل عن عبادي غدا وهذا من رحمته الخاصة حيث يدعو عباده الى دعائه وسؤاله واستغفاره ووعده ان يستجيب لهم وحث لهم على الصيام في اخر الليل والتهجد والتضرع اليه. وهذا اخص من قوله تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم. فتبارك من كثر خيراته وتوالت على عباده مبراته وبركاته. وعن ابي موسى رضي الله عنه مرفوعا جنتان من ذهب انيتهما وما فيهما وجنتان من فضة انيتهما وما فيهما. وما بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجه فيه في جنة عدن. رواه البخاري. الظاهر ان هاتين الجنتين الذهبيتين والجنتين الفضيتين هما المذكورتان في تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان وهما الذهبيتان ثم وصفهما بتلك الاوصاف العظيمة. ثم قال سبحانه ومن دونهما جنتان وهما الفضيتان ثم وصفهما. وفي كلتا الجنتين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي هذا الحديث بيان لكمال قربهم من ربهم وابتهاجهم برضوانه والنظر اليه واهل الجنة درجات متفاوتة جدا. بحسب ما قاموا به من الايمان وشرائعه. فاعلاهم المقربون وهم السابقون في الدنيا الى كل خير ثم المقتصدون ثم من دونهم وما فيهم دني بل كل واحد عنده من النعيم الكامل والسرور التام اصناف الخيرات ما لا يريد له بدلا ولا يطلب عنه حولا. نسأل الله من فضله وكرمه