وما تدري نفس ماذا تكسب غدا من كسب دينها ودنياها وما تدري نفس باي ارض تموت. بل الله تعالى هو المختص بعلم ذلك جميعه. ولما خصص هذه الاشياء عمم علمه بجميع الاشياء فقال محيط بالظواهر والبواطن والخفايا والخبايا والسرائر. ومن حكمته التامة ان اخفى علم هذه الخمسة عن العباد. لان في ذلك من المصالح فيما لا يخفى على من تدبر ذلك يمتن تعالى على عباده بنعمه ويدعوهم الى شكرها ورؤيتها وعدم الغفلة عنها فقال الم تروا اي تشاهدوا وتبصروا بابصاركم وقلوبكم ان الله سخر لكم ما في السماوات من الشمس والقمر المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. تلك ايات الكتاب الحكيم يشير تعالى اشارة دالة على التعظيم الى ايات الكتاب الحكيم اياته محكمة صدرت من حكيم خبير من احكامها انها جاءت باجل الالفاظ وافصحها وابينها. الدالة على اجل المعاني واحسنها. ومن احكامها انها محفوظة من التغيير والتبديل. والزيادة والنقص والتحريف. ومن احكامها ان جميع ما فيها من الاخبار السابقة واللاحقة. والامور الغير كلها مطابقة للواقع. مطابق لها الواقع. لم يخالفها كتاب من الكتب الالهية. ولم يخبر بخلافها نبي من الانبياء ولم يأتي ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح يناقض ما دلت عليه. ومن احكامها انها ما امرت بشيء الا وهو خالص او راجحها ولا نهت عن شيء الا وهو خالص المفسدة او راجحها. وكثيرا ما يجمع بين الامر بالشيء مع ذكر حكمته فائدته والنهي عن شيء مع ذكر مضرته. ومن احكامها انها جمعت بين الترغيب والترهيب. والوعظ البليغ الذي تعتدل به النفوس وتحتكم فتعمل بالحزم. ومن احكامها انك تجد اياته المتكررة كالقصص والاحكام ونحوها. قد اتفقت كلها فليس فيها تناقض ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا. واعمل فيها العقل تفكرا. انبهر عقله وذهل لبه من التوافق والتواطؤ وجزم جزما لا يمترى فيه انه تنزيل من حكيم حميد ولكن مع انه حكيم يدعو الى كل خلق كريم. وينهى عن كل خلق لئيم. اكثر الناس محرومون الاهتداء به. معرضون عن الايمان والعمل به الا من وفقه الله تعالى وعصمه. وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون الى الخلق. فانه هدى لهم الى الصراط المستقيم ويحذرهم من طرق الجحيم. ورحمة لهم تحصل لهم به السعادة في الدنيا والاخرة. والخير الكثير والثواب الجزيل والفرح والسرور ويندفع عنهم الضلال والشقاء ثم وصف المحسنين بالعلم التام وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب الله فيتركون عاصية ووصفهم بالعمل وخص من العمل عملين فاضلين الصلاة المشتملة على الاخلاص ومناجاة الله تعالى والتعبد العام القلب واللسان والجوارح المعينة على سائر الاعمال. والزكاة التي تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة. وتنفع اخاه المسلم. وتسد حاجته ويبين بها ان العبد يؤثر محبة الله على محبته للمال. فيخرجه محبوبه من المال لما هو احب اليه. وهو طلب مرضاة الله. فاولئك هم المحسنون الجامعون بين العلم التام والعمل على هدى اي عظيم كما يفيده التنكير. وذلك الهدى حاصل لهم وواصل اليهم من ربهم الذي لم يزل يربيهم بالنعم ويدفع عنهم النقم. وهذا الهدى الذي اوصله اليهم من تربيته الخاصة باولياءه وهو افضل انواع التربية. الذين ادركوا رضا ربهم وثوابه الدنيوي والاخروي وسلموا من سخطه وعقابه. وذلك لسلوكهم طريق الفلاح الذي لا طريق له غيرها. ولما ذكر تعالى المهتدين بالقرآن المقبلين عليه ذكر من اعرض عنه ولم يرفع به رأسا. وانه عوقب على ذلك بان تعوض عنه كل باطل من القول فترك اعلى الاقوال واحسن الحديث واستبدل به اسفل قول واقبحه. فلذلك قال لهم عذاب مهين. اي ومن الناس من هو محروم مخذول يشتري اي يختار ويرغب. رغبة من يبذل الثمن في الشيء لهو الحديث اي الاحاديث المنهية للقلوب الصادة لها عن اجل مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم وكل كل لغو وباطل. وهذيان من الاقوال المرغبة في الكفر والفسوق والعصيان. ومن اقوال الراضين على الحق المجادلين بالباطل ليدحض وبه الحق ومن غيبة ونميمة وكذب وشتم وسب. ومن غناء ومزامير شيطان ومن الماجريات الملهية. التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا فهذا الصنف من الناس يشتري لهو الحديث عن هدي الحديث ليضل الناس بغير علم. اي بعدما ضل بفعله اضل غيره لان الاضلال ناشئ عن الضلال واضلاله في هذا الحديث صده عن الحديث النافع والعمل النافع والحق المبين والصراط مستقيم ولا يتم له هذا حتى يقدح في الهدى والحق. ويتخذ ايات الله هزوا ويسخر بها وبمن جاء بها. فاذا بين مدح الباطل والترغيب فيه والقدح في الحق والاستهزاء به وباهله اضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه اليه من القول الذي لا يميزه ذلك الضال ولا يعرف حقيقته. بما ضلوا واضلوا واستهزأوا بايات الله وكذبوا الحق الواضح. ولهذا قال واذا تتلى عليه اياتنا ليؤمن بها وينقاد لها ولى مستكبرا. اي ادبر ادبار مستكبر عنها. راد لها ولم تدخل قلبه ولا اثرت فيه. بل ادبر عنها. بل كأن في اذنيه وقرا. اي صمما لا تصل اليه الاصوات هذا لا حيلة في هدايته. فبشره بعذاب اليم. فبشره بشارة تؤثر في قلبه الحزن والغم. وفي بشرته السوء والظلم والغبرة بعذاب اليم مؤلم لقلبه ولبدنه. لا يقادر قدره ولا يدرى بعظيم امره. وهذه بشارة اهل الشر فلا نعمة البشارة. واما بشارة اهل الخير فقال جمعوا بين عبادة الباطن بالايمان والظاهر بالاسلام والعمل الصالح جنات النعيم. بشارة لهم بما قدموه فقرا لهم بما اسلفوه. خالدين فيها وعد الله حقا خالدين فيها اي في جنات النعيم نعيم القلب والروح والبدن. وعد الله حق لا يمكن ان يخلف ولا يغير ولا يتبدل. كامل العزة كامل الحكمة من عزته وحكمته وفق من وفق وخذل من خذل بحسب ما اقتضاه علمه فيهم وحكمته وانزلنا من السماء من كل زوج يتلو تعالى على عباده اثارا من اثار قدرته وبدائع من بدائع حكمته. ونعما من اثار رحمته. فقال خلق السماوات السبع على عظمها وكثافتها وارتفاعها الهائل بغير عمد ترونها. اي ليس لها عمد. ولو كان لها عمد لرؤيت وانما استقرت امسكت بقدرة الله تعالى والقى في الارض رواسي اي جبالا عظيمة ركزها في ارجائها وانحائها لئلا تميد بكم فلولا الجبال الراسيات لمادت الارض ولما استقرت بساكنيها وبث فيها من كل دابة. اي نشر في الارض الواسعة من جميع اصناف الدواب التي هي مسخرة لبني ادم ولمصالحهم ومنافعهم. ولما بثها في الارض علم تعالى انه لابد لها من رزق تعيش به فانزل من السماء ماء مباركا. كريم المنظر نافع مبارك فرتعت فيه كل الدواب المنبثة وسكن اليه كل حيوان. هذا خلق الله فاروني لماذا خلق الذين من دونه؟ بل الظالمون في ضلال مبين. هذا اي خلق العالم العلوي والسفلي من جماد وحيوان وسوق ارزاق الخلق اليهم خلق الله وحده لا شريك له كل مقر بذلك حتى انتم يا معشر المشركين. فاروني ماذا خلق الذين من دونه. اي الذين جعلتموهم له شركاء تدعونهم وتعبدونهم يلزم على هذا ان يكون لهم خلق كخلقه ورزق كرزقه فان كان لهم شيء من ذلك اروني ليصح ما ادعيتم فيه من استحقاق العبادة. ومن المعلوم انهم لا يقدرون ان يروه شيئا من الخلق لها. لان جميع المذكورات قد اقروا انها خلق الله وحده. ولا ثم شيء يعلم غيرها. فثبت عجزهم عن اثبات شيء لها تستحق به ان تعبد. ولكن عبادتهم اياها عن غير علم وبصيرة. بل عن جهل وضلال. ولهذا قال اي جلي واضح حيث عبدوا من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وتركوا الاخلاص للخالق رازق المالك لكل الامور انما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد. يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان بالحكمة وهي العلم بالحق على وجهه وحكمته. فهي العلم بالاحكام ومعرفة ما فيها من الاسرار والاحكام. فقد يكون الانسان لمن ولا يكون حكيما. واما الحكمة فهي مستلزمة للعلم بل وللعمل. ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع والعمل الصالح ولما اعطاه الله هذه المنة العظيمة امره ان يشكره على ما اعطاه. ليبارك له فيه وليزيده من فضله. واخبره ان شكر الشاكرين يعود نفعه عليهم. وان من كفر فلم يشكر الله عاد وبال ذلك عليه. والله غني عنه. حميد فيما يقدره ويقضيه على من خالف امره. فغناه تعالى من لوازم ذاته. وكونه حميدا في صفات كماله. حميدا في جميل صنعه. من لوازم ذاته وكل واحد من الوصفين صفة كمال واجتماع احدهما الى الاخر زيادة كمال الى كمال. واختلف المفسرون هل كان لقمان نبيا او عبدا صالحا. والله تعالى لم يذكر عنه الا انه اتاه الحكمة. وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه. فذكر اصول الحكمة وقواعدها الكبار فقال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله واذ قال لقمان لابنه وهو يعظه او قال له قولا به يعظه بالامر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. فامره بالاخلاص ونهاه عن الشرك. وبين له السبب في ذلك فقال ووجه كونه عظيما. انه لا افظع وابشع ممن سوى المخلوق من تراب. بمالك الرقاب. وسوى الذي لا يملك من الامر شيئا بمن له الامر كله. وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه. بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه. وسوى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم. بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم واخراهم وقلوبهم وابدانهم الا منه. ولا السوء الا هو. فهل اعظم من هذا الظلم شيء؟ وهل اعظم ظلما ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده؟ فذهب بنفسه الشريفة فجعلها في اخس المراتب جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا. فظلم نفسه ظلما كبيرا. ولما امر بالقيام بحق بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد امر بالقيام بحق الوالدين فقال ووصينا لوالديه حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين. ان اشكر لي ولوالدي ووصينا الانسان اي عهدنا اليه وجعلناه وصية عنده سنسأله عن القيام بها وهل حفظها ام لا؟ فوصيناه بوالديه وقلنا له اشكر لي بالقيام بعبوديتي واداء حقوقي وان لا تستعين بنعمي على معصيتي ولوالديك بالاحسان اليهما بالقول اللين والكلام اللطيف والفعل الجميل والتواضع لهما واكرامهما واجلالهما والقيام بمؤنتهما واجتناب الاساءة اليهما من كل وجه بالقول والفعل. فوصيناه بهذه الوصية واخبرناه اي سترجع ايها الانسان الى من وصاك وكلفك بهذه الحقوق. فيسألك هل قمت بها فيثيبك لك الثواب الجزيل ام ضيعتها فيعاقبك العقاب الوبيل. ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الام. فقال حملك امه وهنا على وهن. اي مشقة على مشقة فلا تزال تلاقي المشاق. من حين يكون نطفة من الوحم والمرض والضعف والثقل وتغير الحال ثم وجع الولادة ذلك الوجع الشديد. ثم فصاله في عامين وهو ملازم لحضانة امه وكفالتها ورضاعها افما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد مع شدة الحب ان يؤكد على ولده ويوصي اليه بتمام الاحسان اليه وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما. وان جاهداك اي فهو الذي انشأ ما فيها وعلم ما هو هل هو ذكر ام انثى؟ ولهذا يسأل الملك موكل بالارحام ربه هل هو ذكر ام انثى؟ فيقضي الله ما يشاء. وما تدرين نفس ماذا تكسب شهد والداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم. فلا تطعهما ولا تظن ان هذا داخل في الاحسان اليهما. لان حق الله مقدم على بحق كل احد ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولم يقل وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما بل قال فلا تطعهما اي بالشرك. واما برهما فاستمر عليه. ولهذا قال وصاحبهما في الدنيا معروفا اي صحبة احسان بالمعروف واما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي فلا تتبعهما. وهم المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله. المستسلمون لربهم المنيبون اليه. واتباع سبيلهم ان يسلك مسلكهم في الانابة الى الله التي هي انجذاب دواعي القلب واراداته الى الله. ثم يتبعها سعي البدن فيما يرضي الله ويقرب منه اي مرجعكم فانبئكم بما كنتم تعملون ثم الي مرجعكم الطائع والعاصي والمنير وغيره. فلا يخفى على الله من اعمالكم خافية يا بني يا بني انها ان تكن قال حبة من خردل التي هي اصغر الاشياء واحقرها فتكن في صخرة اي في وسطها او في السماوات او في الارض في اي جهة من جهاتهما يأتي بها الله لسعة علمه وتمام خبرته وكمال قدرته. ولهذا قال كن خبير. اي لطف في علمه وخبرته حتى اطلع على البواطن والاسرار. وخفايا القفار والبحار. والمقصود من هذا الحث على مراقبة الله والعمل بطاعته مهما امكن. والترهيب من عمل القبيح قل او كثر. يا بني اقم الصلاة وامر بالمعروف وانهى عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور. يا بن اقم الصلاة حثه عليها وخصها لانها اكبر العبادات البدنية. وامر بالمعروف وانهى عن المنكر. وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به. والعلم بالمنكر لينهى عنه. والامر بما لا يتم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا به. من الرفق والصبر وقد صرح به في قوله ومن كونه فاعلا لما يأمر به فلما ينهى عنه فتضمن هذا تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر وتكميل غيره بذلك بامره ونهيه. ولما علم انه لابد ان يبتلى اذا امر ونهى وان في الامر والنهي مشقة على النفوس امره بالصبر على ذلك فقال ان ذلك الذي وعظ به لقمان ابنه من عزم الامور. اي من الامور التي يعزم عليها او يهتم بها ولا يوفق لها الا اهل العزائم. ولا تصعب خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا ان الله لا يحب كل مختال فخور. ولا تصعر خدك للناس اي لا تمله وتعبس بوجهك للناس تكبرا عليهم وتعاظما. ولا تمش في الارض مرحا. اي بطرا فخرا بالنعم. ناسيا المنعم. معجبا بنفسك ان الله لا يحب كل مختال فخور. مختال في نفسه وهيئته وتعاظمه فخورم بقوله واقصد في مشيك. اي امشي متواضعا مستكينا. لا مشي البطر والتكبر ولا مشي التماوت. واغضب من صوتك ادبا مع الناس ومع الله ان انكر الاصوات اي افظعها وابشعها. فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة لما اختص بذلك الحمار الذي قد علمت خسته بلادته. وهذه الوصايا التي وصى بها لقمان لابنه تجمع امهات الحكم وتستلزم ما لم يذكر منها. وكل وصية يقرن بها ما يدعو الى فعلها ان كانت امرا والى تركها ان كانت نهيا. وهذا يدل على ما في تفسير الحكمة انها العلم بالاحكام وحكمها ومناسباتها. فامره باصل الدين وهو التوحيد ونهاه عن الشرك. وبين الموجب لتركه وامره ببر الوالدين. وبين له السبب الموجب لبرهما. وامره بشكره وشكرهما. ثم احترز بان محل برهم وامتثال اوامرهما ما لم يأمرا بمعصية. ومع ذلك فلا يعقهما بل يحسن اليهما وان كان لا يطيعهما اذا جاهداه عليه الشرك وامره بمراقبة الله وخوفه القدوم عليه. وانه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر الا اتى بها ها هو عن التكبر وامره بالتواضع ونهاه عن البطل والاشر والمرح. وامره بالسكون في الحركات والاصوات. ونهاه عن ضد ذلك وامره بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. واقامة الصلاة وبالصبر. الذين يسهل بهما كل امر. كما قال تعالى بمن اوصى بهذه الوصايا ان يكون مخصوصا بالحكمة مشهورا بها ولهذا من منة الله عليه وعلى سائر عباده ان قص عليه من حكمته ما يكون لهم به اسوة حسنة واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم والنجوم كلها مسخرات لنفع العباد. وما في الارض من الحيوانات والاشجار والزروع. والانهار والمعادن ونحوها. كما قال تعالى هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا. واسبغ عليكم اي عمكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة. التي نعلم بها والتي علينا نعم الدنيا ونعم الدين. حصول المنافع ودفع المضار فوظيفتكم ان تقوموا بشكر هذه النعم. بمحبة المنعم والخضوع له. وصرفها في الاستعانة على طاعته. والا يستعان بشيء منها على معصيته. ولكن مع توالي هذه النعم من الناس من لم يشكرها بل كفرها وكفر بمن انعم بها. وجحد الحق الذي انزل به كتبه وارسل به رسله. فجعل يجادل في الله ان يجادل عن الباطل ليدحض به الحق ويدفع به ما جاء به الرسول من الامر بعبادة الله وحده. وهذا المجادل على غير بصيرة. فليس جداله عن علم فيترك وشأنه. ويسمح له في الكلام ولا هدى يقتدي به بالمهتدين. ولا كتاب منير. غير مبين للحق فلا معقول ولا من قول ولا اقتداء بالمهتدين. وانما جداله في الله مبني على تقليد اباء غير مهتدين بالضالين مضلين. ولهذا قال او لو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير. واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله على ايدي رسله فانه الحق وبينت لهم ادلته الظاهرة قالوا معارضين ذلك بل نتبع ما وجدنا ما عليه اباءنا فلا نترك ما وجدنا عليه اباءنا لقول احد كائنا من كان. قال تعالى في الرد عليهم وعلى ابائهم او لو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير فاستجاب له اباؤهم ومشوا خلفه وصاروا من الشيطان واستولت عليهم الحيرة. فهل هذا موجب لاتباعهم لهم؟ ومشيهم على طريقتهم. ام ذلك يرهبهم من سلوك سبيلهم وينادي على ضلالهم وضلال من اتبعهم. وليس دعوة الشيطان لابائهم ولهم محبة لهم ومودة. وانما ذلك عداوة لهم ومكر بهم وبالحقيقة اتباعه من اعدائه. الذين تمكن منهم وظفر بهم. وقرت عينه باستحقاقهم عذاب السعير قبول دعوته ومن يسلم وجهه الى الله ان يخضع له وينقاد له بفعل الشرائع مخلصا له دينه وهو محسن في ذلك الاسلام. بان كان عمله مشروعا قد اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. اول من يسلم وجهه الى الله لجميع العبادات وهو محسن فيها. بان يعبد الله كأنه يراه. فان لم يكن يراه فانه يراه. او ومن يسلم وجهه الى الله بالقيام بحقوقه وهم محسنون الى عباد الله قائم بحقوقهم. والمعاني متلازمة لا فرق بينها الا من جهة اختلاف مورد اللفظتين والا فكلها متفقة على القيام بجميع شرائع الدين على وجه تقبل به وتكمل. فمن فعل ذلك اي بالعروة التي من تمسك بها توثق ونجى وسلم من الهلاك وفاز بكل خير. ومن لم يسلم لله او لم يحسن لم يستمسك بالعروة الوثقى. واذا لم يستمسك بالعروة الوثقى. لم يكن ثم الا الهلاك والبوار اي رجوعها وموئنها ومنتهاها فيحكم في عباده ويجازيهم بما آلت اليه اعمالهم ووصلت اليه عواقبهم فليستعدوا لذلك الامر ومن كفر فلا يحزنك كفر لانك اديت ما عليك من الدعوة والبلاغ. فاذا لم يهتدي فقد وجب اجرك على الله. ولم يبقى للحزن موضع على عدم اهتدائه انه لو كان فيه خير لهداه الله. ولا تحزن ايضا على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة ونابذوك المحاربة. واستمروا على غيهم وكفرهم ولا تتحرق عليهم بسبب انهم ما بودروا بالعذاب. فانبئهم بما عملوا. فن ننبئهم بما عملوا من كفرهم وعداوتهم وسعيهم في اطفاء نور الله واذى رسله التي ما نطق بها الناطقون. فكيف بما ظهر وكان الشهادة نمتعهم قليلا في الدنيا ليزداد اثمهم ويتوفر عذابهم ثم نضطرهم اي نلجأهم اي انتهى في عظمه وكبره وفظاعته والمه وشدته ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله الحمد لله بل اكثرهم لا يعلمون. اي ولئن سألت هؤلاء المشركين المكذبين بالحق من خلق السماوات اعلموا ان اصنامهم ما خلقت شيئا من ذلك. ولبادروا بقولهم الله الذي خلقهما وحده. فقل لهم ملزما لهم ومحتجا عليهم بما اقر على ما انكروا الحمد لله الذي بين النور واظهر الاستدلال عليكم من انفسكم. فلو كانوا يعلمون لجزموا ان المنفرد بالخلق والتدبير هو الذي يفرد بالعبادة والتوحيد. ولكن اكثرهم لا يعلمون. فلذلك اشركوا به غيره. ورضوا بتناقض ما ذهبوا اليه على وجه الحيرة والشك. لا على البصيرة ثم ذكر في هاتين الايتين النموذجا من سعة اوصافه ليدعو عباده الى معرفته ومحبته واخلاص الدين له في السماوات والارض ان الله هو الغني الحميد. فذكر عموم ملكه وان جميع ما في السماوات والارض وهذا شامل لجميع العالم العلوي والسفلي انه ملكه يتصرف فيهم باحكام الملك القدرية واحكامه الامرية واحكامه فكلهم عبيد مماليك مدبرون مسخرون ليس لهم من الملك شيء وانه واسع الغنى فلا يحتاج الى ما يحتاج اليه احد من الخلق ما اريد منه من رزق وما اريد ان يطعمون. وان اعمال النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. لا تنفعوا الله شيئا وانما تنفع عامليها. والله غني عنهم وعن اعمالهم. ومن غناه ان اغناهم واغناهم في دنياهم واخراهم. ثم اخبر تعالى عن حمده وان حمده من لوازم ذاته فلا يكون الا حميدا من جميع الوجوه. فهو حميد في ذاته وهو حميد في صفاته. فكل صفة من صفاته يستحق عليها اكمل حمد واتمه. لكونها صفات عظمة وكمال وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه اسمعوا ما امر به ونهى عنه يحمد عليه. وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد في الدنيا والاخرة. يحمد عليه. ثم اخبر عن سعة كلامه وعظمة قوله بشرح يبلغ من القلوب كل مبلغ. وتنبهر له العقول وتحير فيه الافئدة. وتسيح في معرفته اولو الالباب والبصائر. فقال كلمات الله ان الله عزيز ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام يكتب بها والبحر يمده من بعده سبعة ابحر مدادا يستمد بها فتكسرت تلك الاقلام ولفني ذلك المداد ولم تنفذ كلمات الله تعالى. وهذا ليس مبالغة لا حقيقة له. بل لما علم تبارك وتعالى ان العقول تتقاصر عن الاحاطة ببعض صفاته. وعلم تعالى ان معرفته لعباده افضل نعمة انعم بها عليهم واجل منقبة حصلوها وهي لا تنكر على وجهها. ولكن ما لا يدرك كله لا يترك كله. فنبههم تعالى تنبيهن تستنير به قلوبهم وتنشرح له صدورهم. ويستدلون بما وصلوا اليه الى ما لم يصلوا اليه. ويقولون كما قال افضلهم واعلمهم بربه لا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك. والا فالامر اجل من ذلك واعظم. وهذا التمثيل من باب تقريب المعنى الذي لا يطاق الوصول اليه الى الافهام والاذهان. والا فالاشجار وان تضاعفت على ما ذكر اضعافا كثيرة. والبحور لو امتدت باضعاف مضاعفة. فانه يتصور نفادها وانقضاؤها لكونها مخلوقة. واما كلام الله تعالى فلا يتصور بل دلنا الدليل الشرعي والعقلي على انه لا نفاد له ولا منتهى. وكل شيء ينتهي الا الباري وصفاته. وان الى بك المنتهى واذا تصور العقل حقيقة اوليته تعالى واخريته. وانه كل ما فرضه الذهن من الازمان السابقة. مهما تسلسل الفرد والتقدير فهو تعالى قبل ذلك الى غير نهاية. وانه مهما فرضه الذهن والعقل من الازمان المتأخرة. وتسلسل الفرض والتقدير وساعد على ذلك من ساعد بقلبه ولسانه. فالله تعالى بعد ذلك الى غير غاية ولا نهاية. والله في جميع الاوقات يحكم ويتكلم ويقول ويفعل كيف اراد. واذا اراد لا مانع له من شيء من اقواله وافعاله. فاذا تصور العقل ذلك عرف ان المثل الذي الذي ضربه الله لكلامه ليدرك العباد شيئا منه والا فالامر اعظم واجل. ثم ذكر جلالة عزته وكمال حكمته قال ان الله عزيز حكيم. اي له العزة جميعا. الذي ما في العالم العلوي والسفلي من القوة الا من اعطاها للخلق فلا حول ولا قوة الا به. وبعزته قهر الخلق كلهم وتصرف فيهم ودبرهم. وبحكمته خلق الخلق وابتدأه بالحكمة. وجعل غايته والمقصود منه الحكمة. وكذلك الامر والنهي وجد بالحكمة. وكانت غايته المقصودة الحكمة. فهو الحكيم في خلقه وامره. ثم ذكر عظمة قدرته وكمالها. وانه لا يمكن ان يتصورها العقل. فقال فلا بعثكم الا كنفس واحدة. ان الله سميع بصير وهذا شيء يحير العقول. ان خلق جميع الخلق على كثرتهم وبعثهم بعد موتهم بعد تفرقهم. في لمحة واحدة القه نفسا واحدة. فلا وجه لاستبعاد البعث والنشور والجزاء على الاعمال. الا الجهل بعظمة الله وقوة قدرته. ثم ذكر عموم سمعه لجميع المسموعات وبصره لجميع المبصرات. فقال المتر ان الله يولد الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهذا فيه ايضا انفراده بالتصرف والتدبير وسعة تصرفه بايلاج الليل في النهار والاج النهار في الليل اي ادخال احدهما على الاخر. فاذا دخل احدهما ذهب الاخر وتسخيره للشمس والقمر يجريان بتدبير ونظام. لم اختل منذ خلقهما ليقيم بذلك من مصالح العباد ومنافعهم في دينهم ودنياهم ما به يعتبرون وينتفعون. وكل من يجري الى اجل مسمى اذا جاء ذلك الاجل انقطع جريانهما وتعطل سلطانهما وذلك في يوم القيامة حين تتكور الشمس ويخسف القمر وتنتهي دار الدنيا وتبتدأ الدار الاخرة وان الله بما تعملون من خير وشر. خبير لا يخفى عليه شيء من ذلك. وسيجازيكم على تلك الاعمال بالثواب للمطيعين عقاب للعاصين وان الله هو العلي الكبير. وذلك الذي بين لكم من عظمته وصفاته ما بين بان الله هو الحق وفي ذاته وفي صفاته ودينه حق ورسله حق ووعده حق ووعيده حق وعبادته هي الحق. وان ما من دونه الباطل في ذاته وصفاته فلولا امداد الله له لما وجد ولولا امداده لما بقي. فاذا كان باطلا كانت عبادته ابطل وابطل. وان الله هو العلي بذاته فوق جميع مخلوقاته الذي علت صفاته ان يقاس بها صفات احد من الخلق وعلى على الخلق فقهرهم. الكبير الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته وله الكبرياء في قلوب اهل السماء والارض من اياته ان في ذلك لايات لكل صبار شكور. اي الم تر من اثار قدرته ورحمته وعنايته بعباده ان سخر البحر تجري فيه الفلك بامره القدري ولطفه واحسانه ليريكم من اياته ففيها الانتفاع والاعتبار فهم المنتفعون بالايات. صبار على الضراء. شكور على السراء. صبار على طاعة الله وعن معصيته. وعلى اقداره. شكوى لله على نعمه الدينية والدنيوية فلما نجاهم الى البر فمنهم وذكر تعالى حال الناس عند ركوبهم البحر وغشيان الامواج كالظل فوقهم انهم يخلصون الدعاء لله والعبادة. فلما نجاه الى البر انقسموا فريقين فرقة مقتصدة اي لم تقم بشكر الله على وجه الكمال بل هم مذنبون ظالمون لانفسهم كافرة بنعمة الله جاحدة لها. ولهذا قال كل ختار اي غدار. ومن غدره انه عاهد ربه. لان انجيتنا من البحر وشدته لنكونن من من الشاكرين. فغدر ولم يفي بذلك كفور بنعم الله. فهل يليق بمن نجاهم الله من هذه الشدة؟ الا القيام التام بشكر نعمه الله ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. ان وعد الله حق ان وعد الله حق ولا يغرنكم بالله الغرور يأمر تعالى الناس بتقواه التي هي امتثال اوامره وترك زواجره. ويستلفتهم لخشية يوم القيامة اليوم الشديد الذي فيه كل احد لا يهمه الا نفسه فلا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا. لا يزيد في حسناته ولا تنقص من سيئاته قد تم على كل عبد عمله وتحقق عليه جزاؤه. فلفت النظر في هذا لهذا اليوم المهيل مما يقوي العبد يسهل عليه تقوى الله وهذا من رحمة الله بالعباد. يأمرهم بتقواه التي فيها سعادتهم. ويعدهم عليها الثواب ويحذرهم من العقاب ويزعجهم اليه بالمواعظ والمخوفات فلك الحمد يا رب العالمين فتبرنكم الحياة الدنيا. ان وعد الله حق فلا تمتروا فيه. ولا تعملوا عمل غير المصدق فلهذا قال بزينتها وزخارفها وما فيها من الفتن والمحن. الذي هو الشيطان الذي ما زال لا يخدع الانسان ولا يغفل عنه في جميع الاوقات. فان لله على عباده حقا. وقد وعدهم موعدا يجازيهم فيه باعمالهم. وهل حقه ام قصروا فيه؟ وهذا امر يجب الاهتمام به. وان يجعله العبد نصب عينيه. رأس مال تجارته التي يسعى اليه من اعظم العوائق عنه والقواطع دونه الدنيا الفتانة والشيطان الموسوس المسول. فنهى تعالى عباده ان تغرهم الدنيا. او وهم بالله الغرور يعدهم ويمنيهم. وما يعدهم الشيطان الا غرورا الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام. وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدرين نفس باي ارض تموت ان الله عليم خبير. قد تقرر ان الله تعالى احاط علمه بالغيب والشهادة والظواهر والبواطن. وقد يطلع الله عباده على كثير من الامور الغيبية. وهذه الامور الخمسة من الامور التي طوى علمها عن جميع المخلوقات فلا يعلمها نبي مرسل. ولا ملك مقرب فضلا عن غيرهما. فقال ان الله عنده علم الساعة اي يعلم متى كما قال تعالى يسألونك عن الساعة ايان مرساها. قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو قالت في السماوات والارض لا تأتيكم الا بغتة. وينزل الغيث اي هو المنفرد بانزاله وعلم وقت نزوله