المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم كذلك يوحي اليك والى الذين له ما في السماوات وما في الارض وهو العلي العظيم يخبر تعالى انه اوحى هذا القرآن العظيم الى النبي الكريم. كما اوحى الى من قبله من الانبياء والمرسلين. ففيه بيان فضله بانزال الكتب وارسال الرسل سابقا ولاحقا. وان محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل. وان طريقته طريقة من قبله واحواله تناسب احوال من قبله من المرسلين. وما جاء به يشابه ما جاءوا به لان الجميع حق وصدق. وهو تنزيل من اتصف بالالوهية والعزة العظيمة والحكمة البالغة. وان جميع العالم العلوي والسفلي ملكه وتحت تدبيره القدري والشرعي وانه العلي بذاته وقدره وقهره. العظيم الذي من عظمته يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن على عظمها وكونها جمادا والملائكة الكرام المقربون خاضعون لعظمته مستكينون لعزته مذعنون بربوبيته يسبحون بحمد ربهم عظمونه عن كل نقص ويصفونه بكل كمال ويستغفرون لمن في الارض عما يصدر منهم مما لا يليق بعظمة ربهم وكبريائه مع انه تعالى هو الغفور الرحيم. الذي لولا مغفرته ورحمته لعاجل الخلق بالعقوبة المستأصلة. وفي وصفه تعالى بهذه الاوصاف بعد ان ذكر انه اوحى الى الرسل كلهم عموما. والى محمد صلى الله عليهم اجمعين خصوصا. اشارة الى ان هذا القرآن الكريم فيه من الادلة والبراهين والايات الدالة على كمال الباري تعالى ووصفه بهذه الاسماء العظيمة الموجبة لامتلاء القلوب من معرفته ومحبته محبته وتعظيمه واجلاله واكرامه. وصرف جميع انواع العبودية الباطنة والظاهرة له تعالى. وان من اكبر الظلم القول اتخاذ انداد لله من دونه. ليس بيدهم نفع ولا ضرر بل هم مخلوقون مفتقرون الى الله في جميع احوالهم. ولهذا اذا عقبه بقوله والذين اتخذوا من دونه اولياء يتولونهم بالعبادة والطاعة كما يعبدون الله ويطيعونه فانما اتخذوا الباطل وليسوا باولياء على الحقيقة. الله حفيظ عليهم يحفظ عليهم اعمالهم. فيجازيهم بخيرها وشرها. فتسأل عن اعمالهم وانما انت مبلغ ان اديت وظيفتك ثم ذكر منته على رسوله وعلى الناس حيث انزل الله قرآنا عربيا بين الالفاظ والمعاني. لتنذر ام القرى وهي مكة المكرمة. ومن حولها من قرى العرب. ثم يسري هذا الانذار الى سائر الخلق. وتنذر الناس يوم الجمع الذي يجمع الله به الاولين والاخرين. وتخبرهم انه لا ريب فيه. وان الخلق ينقسمون فيه فريقين فريق في الجنة وهم الذين امنوا بالله وصدقوا المرسلين وهم اصناف الكفرة المكذبين الظالمون ما لهم من ولي ولا نصير. ومع هذا لو شاء الله لجعل الناس واحدة على الهدى لانه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء. ولكنه اراد ان يدخل في رحمته من شاء من خواص خلقه. واما الظالمون الذين لا يصلحون لصالح فانهم محرومون من الرحمة. فما لهم من دون الله من ولي يتولاهم. فيحصل لهم المحبوب ولا نصير يدفع عنهم المكروه والذين اتخذوا من دونه اولياء يتولون بعبادتهم اياهم. فقد غلطوا اقبح غلط. فالله هو الولي الذي يتولاه عبده بعبادته وطاعته. والتقرب اليه بما امكن من انواع التقربات ويتولى عباده عموما بتدبيره ونفوذ القدر فيهم. ويتولى عباده المؤمنين خصوصا باخراجهم من الظلمات الى النور وتربيتهم بلطفه واعانتهم في جميع امورهم اي هو المتصرف بالاحياء والاماتة ونفوذ المشيئة والقدرة فهو الذي يستحق ان يعبد وحده لا شريك له يقول تعالى وما اختلفتم فيه من شيء من اصول دينكم وفروعه. مما لم تتفقوا عليه فحكمه الى الله يرد الى كتابه والى سنة رسوله. فما حكم به هو الحق وما خالف ذلك فباطل. ذلكم الله ربي اي فكما انه تعالى الرب الخالق الرازق المدبر. فهو تعالى الحاكم بين عباده بشرعه في جميع امورهم. ومفهوم الاية الكريمة ان اتفاق الامة حجة قاطعة. لان الله تعالى لم يأمرنا ان نرد اليه الا ما اختلفنا فيه. فما اتفقنا عليه يكفي اتفاق الامة عليه. لانها معصومة عن الخطأ. ولابد ان يكون اتفاقها وافقا لما في كتاب الله وسنة رسوله. وقوله ذلكم الله ربي عليه توكلت واليه انيب اي اعتمدت بقلبي عليه في جلب المنافع ودفع المضار. واثقا به تعالى في الاسعاف بذلك. واليه انيب اي اتوجه بقلبي وبدني اليه والى طاعته وعبادته. وهذان الاصنام كثيرا ما يذكرهما الله في كتابه. لانه ما قلوب مجموعهما كمال العبد ويفوته الكمال بفوتهما او فوت احدهما. كقوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين وقوله فاعبده وتوكل عليه ليس كمثله شيء وهو فاطر السماوات والارض اي خالقهما بقدرته ومشيئته وحكمته جعل لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وتنتشر منكم الذرية. ويحصل لكم من النفع ما يحصل. ومن الانعام ازواجا. اي ومن جميع اصنافها نوعين ذكرا وانثى لتبقى وتنمو لمنافعكم الكثيرة. ولهذا عداها باللام الدالة على التعليل اي جعل ذلك لاجلكم ولاجل النعمة عليكم. ولهذا قال يذرأكم فيه اي يبثكم ويكفركم ويكثر مواشيكم بسبب ان جعل لكم من انفسكم وجعل لكم من الانعام ازواجا ليس كمثله شيء اي ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته لا في ذاته ولا في اسمائه ولا في صفاته ولا في افعاله. لان اسمائه كلها حسنى. وصفاته صفات كمال وعظمة. وافعاله تعالى اوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك. فليس كمثله شيء لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه وهو السميع لجميع الاصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات. البصير يرى دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء. ويرى سريان القوت في اعضاء الحيوانات الصغيرة جدا. وسريان الماء كيف الاغصان الدقيقة وهذه الاية ونحوها دليل لمذهب اهل السنة والجماعة من اثبات الصفات ونفي مماثلة المخلوقات وفيها رد على المشبهة في قوله ليس كمثله شيء. وعلى المعطلة في قوله وهو السميع البصير. وقوله له مقاليد السماوات والارض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر انه بكل شيء عليم. اي له ملك السماوات والارض وبيده مفاتيح الرحمة والارزاق والنعم الظاهرة والباطنة. فكل الخلق مفتقرون الى الله في جلب مصالحهم. ودفع المضار عنهم في كل الاحوال. ليس بيد احد احد من الامر شيء والله تعالى هو المعطي المانع. الضار النافع الذي ما بالعباد من نعمة الا منه. ولا يدفع الشر الا هو وما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. وما يمسك فلا مرسل له من بعده. ولهذا قال هنا يبسط الرزق لمن يشاء اي يوسعه ويعطيه من اصناف الرزق ما شاء يقدر ان يضيق على من يشاء. حتى يكون بقدر حاجته لا يزيد عنها. وكل هذا تابع لعلمه وحكمته. فلهذا قال في علم احوال عباده فيعطي كلا ما يليق بحكمة وتقتضيه مشيئته وما وصينا به ابراهيم موسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب. هذه اكبر منة انعم الله بها على عباده. ان شرع لهم من الدين خير الاديان وافضل ولها وازكاها واطهرها دين الاسلام. الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده. بل شرعه الله لخيار الخيار وصفوة الصفوة وهم اولو العزم من المرسلين. المذكورون في هذه الاية اعلى الخلق درجة. واكملهم من كل وجه. فالدين الذي الله لهم لابد ان يكون مناسبا لاحوالهم موافقا لكمالهم. بل انما كملهم الله واصطفاهم بسبب قيامهم به لولا الدين الاسلامي ما ارتفع احد من الخلق فهو روح السعادة وقطب رحى الكمال. وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم. ودعا اليه التوحيد والاعمال والاخلاق والاداب. ولهذا قال اي امركم ان ان تقيموا جميع شرائع الدين اصوله وفروعه. تقيمونه بانفسكم وتجتهدون في اقامته على غيركم. وتعاونون على للبر والتقوى ولا تعاونون على الاثم والعدوان. ولا تتفرقوا فيه اي ليحصل منكم الاتفاق على اصول الدين وفروعه. واحرصوا وعلى الا تفرقكم المسائل وتحزبكم احزابا وتكونون شيعا يعادي بعضكم بعضا مع اتفاقكم على اصل دينكم ومن انواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه ما امر به الشارع من الاجتماعات العامة كاجتماع الحج والاعياد والجمع والصلوات الخمس والجهاد وغير ذلك من العبادات التي لا تتم ولا تكمل الا بالاجتماع لها وعدم التفرق ويهدي اليه من يريد كبر على المشركين ما تدعوهم اليه. اي شق عليهم غاية المشقة. حيث دعوتهم الى الاخلاص لله وحده. كما قال عن واذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالاخرة. واذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون قولهم اجعل الالهة الها واحدا؟ ان هذا لشيء عجاب. الله يجتبي اليه من يشاء اي يختار من خليقته من يعلم انه يصلح للاجتباء لرسالته وولايته. ومنه ان اجتبى هذه الامة وفضلها على سائر الامم. واختار لها افضل الاديان وخيرها هذا السبب الذي من العبد يتوصل به الى هداية الله تعالى وهو انابته لربه وانجذاب دواعي قلبه اليه. وكونه قاصدا وجهه فحسن مقصد العبد مع اجتهاده في طلب الهداية. من اسباب التيسير لها. كما قال الله تعالى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام. وفي هذه الاية ان الله يهدي اليه لمن ينيب مع قوله واتبع سبيل من اناب الي مع العلم باحوال الصحابة رضي الله عنهم وشدة انابتهم دليل على لان قولهم حجة خصوصا الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم اجمعين