المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الفصل الحادي والثلاثون اصول الفضائل ثلاثة العلم والدين والجهاد. اما العلم فهو الذي تقوم عليه الادلة والبراهين. فكل ما دخل في هذا الحد الجامعي قيل له علم فيدخل في ذلك العلوم التي يتوسل بها الى الدين والى الدنيا والى كل مقصود وحقيقة ولكن النافع من هذا ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وما تفرع على ذلك فلا تخرج العلوم النافعة عن الكتاب والسنة. واما الدين الصحيح فهو طاعة الله وطاعة رسوله بتصديق خبرهما والاعتراف به والتعبد لله بذلك وامتثال امرهما واجتناب نهيهما. فكل من كان اكمل طاعة لله ورسوله كان اكمل دينا والجهاد وحده بذل الجهد القوي والفعلي بتنفيذ امر الله وامر رسوله في النفس وفي الغير. وذلك تبع القدرة والاستطاعة فمن كان اكمل في هذه الصفات الثلاث العلم والدين والجهاد كان اكمل وافضل وارفع عند الله درجة. وللصحابة النصيب الاوفر والحظ الاكمل والاثار اكبر شاهد على ذلك. فان الصحابة رضي الله عنهم هم الواسطة بين الامة وبين نبيهم في ايصال جميع العلوم النافعة. وفي تنفيذ دينه فما وصل للامة من علم ودين الا على ايديهم وبسببهم ولا انتشر الدين في مشارق الارض ومغاربها الا بعلمهم ودينهم وجهادهم وهم في ذلك الفضل على مراتبهم. وكذلك من بعدهم من ائمة الدين والهدى الذين كانت لهم الاثار الحميدة والنفع الكثير والفضائل الغزيرة وانما ينبوع ذلك ومادته واصله من هذه الفضائل الثلاث ووجه الحصر ورجوع الفضائل كلها الى هذه الثلاث ان النقص الحاصل على الانسان اما ان يكون لفقد العلم وحصول الجهل وذلك ضلال وفقد للهداية التي تنير للعبد جميع الطرق والدنيوية فلا يعرف الوسائل ولا المقاصد ولا يهتدي الى كيفية المنافع والمضار. واما ان يكون عارفا بذلك. ولكن لا يعمل بما معرفته يعرف الخير فيتركه ويعرف الشر فيفعله. يرى المنافع الدينية والدنيوية فينحرف عنها ويشاهد المضار المحققة فلا تدع الاغراض الضارة حتى يقتحمها. فهذا حصل له النقص الكبير لا لعدم معرفته بل لعدم دينه. فان الدين الصحيح هو الذي يسير العبد في مسالك الخيرات والمنافع ويمنعه من المضار والمهالك. واما ان يكون عارفا بالامور سالكا مقتضاها عاملا بعلمه. لكنه مقتصر على نفسه لا يسعى في هداية غيره ولا اصلاح سواه. قد ملكه الكسل. واستولى عليه الجبن والخبر عن الجد والاجتهاد في اصلاح الغير. والسعي في دفع الصائل هذا نقصه لفقد اتصافه بالجهاد الصحيح. فمن كملت له هذه الامور الثلاثة فهو السابق الى الخيرات. المستولي على كل الفضائل حيث عرف الحق فاتبعه والباطل فاجتنبه وجاهد نفسه وغيره للاستقامة على الصراط المستقيم. فاي فضيلة لم تحصل له واي خصلة حميدة لم يدركها. من فاته العلم وقع في الجهل والضلالات. وفاتته الخيرات والمنافع التي لا تستقيم اموره الا بها. من له العلم كيف يهتدي الى مصلحة وكيف يتخلص من مضرة من فاته العلم كيف يتعبد وكيف يعامل وكيف يتمكن من اقامة الحقوق والقيام بها وكما هو محمود في امور الدين فهو محمود في امور الدنيا. اما المكاسب والتجارات والحراثة والزراعة والصناعات كلها والاعمال مفتقرة الى العلم هل يتوصل اليها والى وسائلها ومقاصدها الا بالعلم؟ بالعلم يرفع العبد درجات وبالجهل ينزل دركات ثم ما العلم روحه وزينته وقوامه وخيره الدين فلا خير في علم لا دين معه. فاي فضيلة في من يعرف الخير والمنافع في تركها ويعرف المضار فيتبعها. بالدين تحصل السعادة والفلاح. وبالدين تدرك المطالب الطيبة ويتم النجاح. اللهم ارنا الحق حقا ارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. من حصل له مقتضى هذا الدعاء اجيبت دعوته فقد تم علمه ودينه. ولا يتم ذلك ولا يكمل الا بالجهاد. اليس التعلم والتعليم والصبر على ذلك من اكبر الجهاد؟ اليس الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للخلق من الجهاد اليس تنفيذ الحق ونصره ورد الباطل وقمعه من الجهاد؟ اليس تعليم الجاهلين وتنبيه الغافلين؟ وايقاظ المعرضين وموعظة المعارضين ومجادلتهم من الجهاد هل تتم الامور بدون الجهاد؟ وهل يستقيم الهدى والاهتداء ويحصل الصعود والارتقاء الا بالجهاد طوبى لاهل العلم والدين والجهاد. ويا هناءهم بما نالوا من الخيرات والمصالح والرشاد. لقد نالوا شرف الدنيا وفوز الاخرة وتمت عليهم النعمة الباطنة والظاهرة. واذا اردت ان تعرف فضلهم العظيم وارتفاع منازلهم فقس كل واحد بضده. اعرف في الفرق بين الجاهل والعالم وبين المؤمن والجاحد وبين المجاهد والمخلد الى الكسل. قل هل يستوي الذين يعلمون والذي لا يعلمون. قال سبحانه امن هو قانت اناء الليل ساجدا وقا من يحذر الاخرة ويرجو رحمة ربه. اي كمان ليس كذلك. كم بين من ملئ قلبه من معرفة الله ومحبته والانابة اليه واخلاص الدين له. وعمل بمقتضى ذلك من القيام بحقوق الله وحقوق عباده. وبين من قلبه من التقوى وخراب واعماله كلها رياء وسمعة قد خلا قلبه من الاخلاص لله ومن النصيحة لعباد الله. وكم بين من عرف الله وعرف السبيل الموصلة الى الله وعرف كيف يهدي وينصح عباد الله وجاهد في تحقيق ذلك. وبين الخالي من هذه المعارف التي لا صلاح للعبد ولا للخلق القي الا بها انك بمجرد ما تصور احوالهم وتعرف صفاتهم تعرف الفرق العظيم بين من اخذ من هذه الصفات الثلاث باوفر حظ اكمل نصيب وبين من ليس له منها حظ ولا نصيب. فنسأل الله ان يمن علينا بالعلم النافع والايمان الصحيح والجد والاجتهاد في معرفة الحق والعمل به والقيام بحقه وحق عباده