المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون الا قال مترفوها اي منعموها وملؤها الذين اطرتهم الدنيا وغرتهم الاموال واستكبروا على الحق على امة. وانا على اثارهم مقتدون. اي فهؤلاء ليس ببدع منهم وليسوا باول من قال هذه المقالة. وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين بتقليدهم لابائهم الضالين. ليس المقصود به اتباع الحق والهدى وانما هو تعصب محض. يراد به نصرة ما معهم من الباطل. ولهذا كل رسول يقول لمن عارضه به هذه الشبهة الباطلة او لو جئتكم باهدى مما وجدتم عليه ابائكم؟ اي فهل تتبعوني لاجل الهدى انا بما اوصيتم به كافرون. فعلم بهذا انهم ما ارادوا اتباع الحق والهدى. وانما قصدهم اتباع الباطل والهوى فانتقمنا من منهم بتكذيبهم الحق وردهم اياه بهذه الشبهة الباطلة فليحذر هؤلاء ان يستمروا على تكذيبهم فيصيبهم ما اصابهم يخبر تعالى عن ملة ابراهيم الخليل عليه السلام الذي ينتسب اليه اهل الكتاب والمشركون وكلهم يزعم انه على طريقته فاخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال واذ قال ابراهيم لابيه الذين اتخذوا من دون الله الهة يعبدونهم ويتقربون اليهم اي مبغض له. مجتنب معاد لاهله. ان الذي فطرني فانه سيهدين. الا الذي فاني اتولاه وارجو ان يهديني للعلم بالحق والعمل به. فكما فطرني ودبرني بما يصلح بدني ودنياي. فسيهديني لما اصلحوا ديني واخرتي. وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون. وجعلها اي هذا خصلة الحميدة التي هي ام الخصال واساسها. وهي اخلاص العبادة لله وحده. والتبري من عبادة ما سواه. كلمة باقية في عقب اي ذريته لعلهم اليها يرجعون. لشهرتها عنه وتوصيته لذريته. وتوصية بعض بنيه كاسحاق ويعقوب لبعض كما قال تعالى ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه. فلم تزل هذه الكلمة موجودة في ذريته عليه السلام حتى دخلهم الطرف والطغيان فقال تعالى حق ورسول مبين. بل متعت هؤلاء واباءهم بانواع الشهوات. حتى صارت هي غايتهم ونهاية مقصودهم. فلم تزل يتربى حبها في قلوبهم حتى صارت صفات راسخة وعقائد متصلة. حتى جاءهم الحق الذي لا شك فيه ولا مرية ولا اشتباه اي بينوا الرسالة قامت ادلة رسالته قياما باهرا باخلاقه ومعجزاته وبما جاء به وبما تصدق به المرسلين وبنفس دعوته صلى الله عليه وسلم ولما جاءهم الحق الذي يوجب على من له ادنى دين ومعقول ان يقبله وينقاد له هذه كافرون. وهذا من اعظم المعاندة والمشاقة. فانهم لم يكتفوا بمجرد الاعراض عنه. بل ولا جحده. فلم يرضوا حتى قدحوا به قدحا شنيعا وجعلوه بمنزلة السحر الباطل. الذي لا يأتي به الا اخبث الخلق واعظمهم افتراء. والذي حملهم على ذلك كيانهم بما متعهم الله به وابائهم وقالوا مقترحين على الله بعقولهم الفاسدة اي معظم عندهم مبجل من اهل مكة او اهل الطائف كالوليد بن المغيرة ونحوه ممن هو عندهم عظيم. قال الله ردا لاقتراحهم اي اهم الخزان لرحمة الله وبيدهم تدبيرها فيعطون النبوة والرسالة من يشاؤون دعونها ممن يشاؤون. نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا من درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات. اي في الحياة الدنيا والحال ان رحمة ربك خير مما يجمعون من الدنيا. فاذا كانت معايير في العباد وارزاقهم الدنيوية بيد الله تعالى. هو الذي يقسمها بين عباده فيبسط الرزق على من يشاء. ويضيقه على من يشاء. بحسب فبحكمته فرحمته الدينية التي اعلاها النبوة والرسالة اولى واحرى ان تكون بيد الله تعالى. فالله اعلم حيث يجعل رسالته فعلم ان اقتراحهم ساقط لاغ وان التدبير للامور كلها دينيها ودنيوييها بيد الله وحده. وهذا اقناع له هم من جهة غلطهم في الاقتراح الذي ليس في ايديهم منه شيء ان هو الا ظلم منهم ورد للحق. وقولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم. لو عرفوا حقائق الرجال والصفات التي بها يعرف علو قدر الرجل وعظم منزلته عند الله وعند خلقه لعلموا ان محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم هو اعظم الرجال قدرا واعلاهم فخرا واكملهم عقلا علما واجلهم رأيا وعزما وحزما. واكملهم خلقا واوسعهم رحمة واشدهم شفقة. واهداهم واتقاهم قطب دائرة الكمال واليه المنتهى في اوصاف الرجال. الا وهو رجل العالم على الاطلاق. يعرف ذلك اولياؤه واعداؤه. فكيف فضلوا عليه المشركون من لم يشم مثقال ذرة من كماله. ومن جرمه ومنتهى حمقه ان جعل الهه الذي يعبده ويدعوه ويتقرب اليه صنما او شجرا او حجرا لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع. وهو كل على مولاه يحتاج لمن يقوم بمصالحه. فهل هذا الا من فعل السفهاء والمجانين. فكيف يجعل هذا عظيما؟ ام كيف يفضل على خاتم الرسل وسيد ولد ادم صلى الله عليه وسلم ولكن الذين كفروا لا يعقلون. وفي هذه الاية تنبيه على حكمة الله تعالى في تفضيل الله بعض العباد على بعض في الدنيا يتخذ بعضهم بعضا سخريا اي ليسخر بعضهم بعضا في الاعمال والحرف والصنائع. فلو تساوى الناس في الغنى ولم يحتج بعضهم الى تعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم. وفيها دليل على ان نعمته الدينية خير من النعمة الدنيوية. كما قال تعالى في الاية الاخرى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون عليها يظهرون. يخبر تعالى بان الدنيا لا تسوى عنده شيئا. وانه لولا لطفه ورحمته بعباده. التي لا يقدم عليها شيء لوسع الدنيا على الذين كفروا توسيعا عظيما ولجعل لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج اي درجا من فضة عليها يظهرون على سطوحهم اما متاع الحياة الدنيا والاخرة عند ربك للمتقين. من فضة ولجعل لهم زخرفا اي لزخرف لهم دنياهم بانواع الزخارف. واعطاهم ما يشتهون. ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده. خوفا عليه من التسارع في الكفر وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا. ففي هذا دليل على انه يمنع العباد بعض امور الدنيا منعا عاما او خاصا لمصالحهم. وان الدنيا فلا تزن عند الله جناح بعوضة. وان كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا منغصة مكدرة فانية. وان الاخرة عند الله تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال اوامره واجتناب نواهيه. لان نعيمها تام كامل من كل وجه. وفي الجنة ما تشتهيه تلذ الاعين وهم فيها خالدون. فما اشد الفرق بين الدارين ايتانا فهو له قرين. يخبر تعالى عن عقوبته البليغة لمن اعرض عن ذكره. فقال ومن يعش ان ويصد عن ذكر الرحمن الذي هو القرآن العظيم الذي هو اعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده. فمن قبلها فقد قبل خير وفاز باعظم المطالب والرغائب. ومن اعرض عنها وردها فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها ابدا. وقيض له رحمن شيطانا مريدا. يقارنه ويصاحبه. ويعده ويمنيه ويؤزه الى المعاصي ازا وانهم ليصدونهم عن السبيل اي عن الصراط المستقيم ديني القويم بسبب تزيين الشيطان للباطل وتحسينه له. واعراضهم عن الحق فاجتمع هذا وهذا فان قيل فهل لهذا من عذر؟ من حيث انه ظن انه مهتد وليس كذلك قيل لا عذر لهذا وامثاله الذين مصدر جهلهم الاعراب عن ذكر الله مع تمكنهم على الاهتداء. فزهدوا في الهدى مع القدرة عليه. ورغبوا في الباطل. فالذنب ذنبهم والجرم جرمهم. فهذه حالة هذا المعرض عن ذكر الله في الدنيا مع قرينه. وهو الضلال والغي وانقلاب الحقائق. واما قالوا اذا جاء ربه في الاخرة فهو شر الاحوال وهو اظهار الندم والتحسر. والحزن الذي لا يجبر مصابه والتبري من قرينه لهذا قال تعالى كما في قوله تعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا. لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني. وكان الشيطان للانسان خذولا. وقوله تعالى ولن اي ولا ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب. انتم قرناؤكم واخلاؤكم وذلك لانكم اشتركتم في الظلم. فاشتركتم في عقابه وعذابه. ولن ينفعكم ايضا روح التسلي في المصيبة فان المصيبة اذا وقعت في الدنيا واشترك فيها المعاقبون هان عليهم بعض الهون. وتسلى بعضهم ببعض. واما مصيبة الاخرة فانها جمعت كل عقاب ما فيه ادنى راحة حتى ولا هذه الراحة. نسألك يا ربنا العافية وان تريحنا برحمتك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم مسليا له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له. وانهم لا خير فيهم ولا فيهم زكاء يدعوهم الى الهدى. افانت تسمع الصم اي الذين لا يسمعون او تهدي العم الذين لا يبصرون او تهدي من كان في ضلال مبين. اي بين واضح بعلمه بضلال ورضاه به. فكما ان الاصم لا يسمع الاصوات والاعمى لا يبصر. والضال ضلالا مبينا لا يهتدي. فهؤلاء قد فسدت فطرهم وعقولهم باعراضهم عن الذكر. واستحدثوا عقائد فاسدة وصفات خبيثة. تمنعهم وتحول بينهم وبين الهدى. وتوجب لهم الازدياد من الردى. فهؤلاء لم يبقى الا عذابهم ونكالهم. اما في الدنيا او في الاخرة. ولهذا قال تعالى اي فان ذهبنا بك قبل ان نريك ما نعدهم من العذاب فاعلم بخبرنا الصادق ان منهم منتقمون؟ او نريك الذي وعدناهم فانا عليهم مقتدرون. او نريينك الذي وعدناهم من العذاب. ولكن ذلك متوقف على اقتضاء الحكمة لتعجيله او تأخيره. فهذه حالك وحال هؤلاء المكذبين. واما انت فاستمسك بالذي اوحي اليك انك على صراط مستقيم فاستمسك بالذي اوحي اليك فعلا واتصافا. بما يأمر بالاتصاف به. ودعوة اليه وحرصا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك انك على صراط مستقيم. موصل الى الله والى دار كرامته. وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به والاهتداء اذا علمت انه حق وعدل وصدق تكون بانيا على اصل اصيل. اذا بنى غيرك على الشكوك والاوهام والظلم والجور وانه اي هذا القرآن الكريم لذكر لك ولقومك اي فخر لكم ومنقبة جليلة ونعمة لا يقادر قدرها ولا يعرف وصفها. ويذكركم ايضا ما فيه الخير الدنيوي والاخروي ويحثكم عليه ويذكركم الشر ويرهبكم عنه. وسوف تسألون عنه. هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم؟ ام لم تقوموا به حجة عليكم وكفرا منكم بهذه النعمة حتى يكون للمشركين نوع حجة يتبعون فيها احدا من الرسل فانك لو سألتهم واستخبرتهم عن احوالهم لم تجد احدا منهم يدعو الى اتخاذ اله اخر مع الله. مع ان كل الرسل من اولهم الى اخرهم يدعون الى عبادة الله وحده لا شريك له. قال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وكل رسول بعثه الله يقول لقومه اعبدوا الله ما لكم من اله غيره. فدل هذا ان المشركين ليس لهم مستند في شركهم لا من عقل صحيح ولا نقل عن الرسل