صلى الله عليه وسلم. ففضل العالمين كلهم وجعلهم الله خير امة اخرجت للناس. وامتن عليهم بما لم يمتن به على غيرهم واتيناهم من الايات ما فيه بلاء مبين. واتيناهم اي بني المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. والكتاب المبين انا انزلناه في ليلة مباركة انا كنا منذرين. هذا قسم بالقرآن على القرآن فاقسم بالكتاب المبين لكل ما يحتاج الى بيانه انه انزله في ليلة مباركة اي كثيرة الخير والبركة بركة وهي ليلة القدر. التي هي خير من الف شهر. فانزل افضل الكلام بافضل الليالي والايام. على افضل الانام بلغة العربي الكرام لينذر به قوما عمتهم الجهالة. وغلبت عليهم الشقاوة فيستضيئوا بنوره. ويقتبسوا من هداه ويسير وراءه فيحصل لهم الخير الدنيوي والخير الاخروي. ولهذا قال فيها يفرق كل امر حكيم. فيها اي في تلك الليلة الفاضلة التي نزل فيها القرآن. يفرق كل امر حكيم اي يفصل ويميز ويكتب كل امر قدري وشرعي. حكم الله به. وهذه الكتابة والفرقان الذي يكون في ليلة القدر احد الكتابات التي تكتب وتميز فتطابق الكتاب الاول. الذي كتب الله به مقادير الخلائق واجالهم وارزاقهم واعمالهم احوالهم ثم ان الله تعالى قد وكل ملائكة تكتب ما سيجري على العبد وهو في بطن امه. ثم وكلهم بعد وجوده الى الدنيا وكل به كراما كاتبين يكتبون ويحفظون عليه اعماله. ثم انه تعالى يقدر في ليلة القدر ما يكون في السنة. وكل هذا من تمام علمه وكمال حكمته واتقان حفظه واعتنائه تعالى بخلقه امرا من عندنا اي هذا الامر الحكيم امر صادر من عندنا انا كنا مرسلين للرسل ومنزلين للكتب والرسل تبلغ اوامر المرسل وتخبر باقداره رحمة من ربك. اي ان ارسال الرسل وانزال الكتب التي افضلها القرآن رحمة من رب العباد بالعباد. فما رحم الله عباده برحمة اجل من هدايتهم بالكتب والرسل. وكل خير ينالونه في الدنيا والاخرة. فانه من اجل ذلك وسببه ان يسمع جميع الاصوات ويعلم جميع الامور الظاهرة والباطنة. وقد علم تعالى العباد الى رسله وكتبه فرحمهم بذلك ومن عليهم فله تعالى الحمد والمنة والاحسان رب السماوات والارض وما بينهما اي خالق ذلك والمتصرف فيه بما يشاء. اي عالمين بذلك علما مفيدا لليقين. فاعلموا ان الرب للمخلوقات هو الهها الحق. ولهذا قال لا اله الا هو اي لا معبود الا وجهه. يحيي ويميت اي هو المتصرف وحده وبالاحياء والاماتة وسيجمعكم بعد موتكم فيجزيكم بعملكم ان خيرا فخير وان شرا فشر اي رب الاولين والاخرين. مربيهم بالنعم الدافع عنهم النقم فلما قرر تعالى ربوبيته والوهيته بما يوجب العلم التام ويدفع الشك. اخبر ان الكافرين مع هذا البيان اي منغمرون في الشكوك والشبهات غافلون عن ما خلقوا له قد اشتغلوا باللعب الباطل الذي لا يجدي عليهم الا الضرر ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون. فارتقب اينتظر فيهم العذاب فانه قد قرب وان اوانه. يوم تأتي السماء بدخان مبين. يغشى الناس. ان يعمهم ذلك الدخان. ويقال قالوا لهم واختلف المفسرون في المراد بهذا الدخان فقيل انه الدخان الذي يغشى الناس ويعمهم حين تقرب النار من المجرمين في يوم القيامة وان الله توعدهم بعذاب يوم القيامة. وامر نبيهم ان ينتظر بهم ذلك اليوم. ويؤيد هذا المعنى ان هذه الطريقة هي طريقة القرآن في توعد الكفار والتأني بهم وترهيبهم بذلك اليوم وعذابه. وتسلية الرسول والمؤمنين بالانتظار بمن اذاهم ويؤيده ايضا انه قال في هذه الاية وهذا يقال يوم القيامة للكفار حين يطلبون الرجوع الى الدنيا قال قد ذهب وقت الرجوع. وقيل ان المراد بذلك ما اصاب كفار قريش حين امتنعوا من الايمان. واستكبروا على الحق. فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم. فقال اللهم اعني عليهم بسنينك سني يوسف. فارسل الله عليهم الجوع العظيم. حتى تأكل الميتات والعظام وصاروا يرون الذي بين السماء والارض كهيئة الدخان وليس به وذلك من شدة الجوع. فيكون على هذا قوله يوم تأتي السماء بدخان. ان ذلك بالنسبة الى ابصارهم وما يشاهدون. وليس بدخان حقيقة. ولم يزالوا هذه الحالة حتى استرحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسألوه ان يدعو الله لهم ان يكشفه الله عنهم. فدعا ربه فكشف الله عنهم وعلى هذا فيكون قوله اخبار بان الله سيصرفه عنكم. وتوعد لهم ان يعودوا الى الاستكبار والتكذيب. واخبار بوقوعه فوقع. وان ان الله سيعاقبهم بالبطشة الكبرى. قالوا وهي وقعة بدر وفي هذا القول نظر ظاهر. وقيل ان المراد بذلك ان ذلك ومن اشراط الساعة وانه يكون في اخر الزمان دخان يأخذ بانفاس الناس ويصيب المؤمنين منهم كهيئة الدخان والقول هو الاول الاول وفي الاية احتمال ان المراد بقوله ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون ثم تولوا عنه وقالوا ان هذا كله يكون يوم القيامة. وان قوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى ان هذا ما وقع لقريش كما تقدم. واذا نزلت هذه الايات على هذين المعنيين لم تجد في لفظ ما يمنع من ذلك بل تجدها مطابقة له ما اتم المطابقة. وهذا الذي يظهر عندي ويترجح. والله اعلم ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون لما ذكر تعالى تكذيب من كذب الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم. ذكر ان لهم سلفا من المكذبين. فذكر قصتهم مع موسى وما احل الله بهم ليرتدع هؤلاء المكذبون عما هم عليه. فقال ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون اي ابتليناهم واختبرناهم هم بارسال رسولنا موسى ابن عمران اليهم الرسول الكريم الذي فيه من الكرم ومكارم الاخلاق ما ليس في غيره. ان ادوا الي عباد الله اني لكم رسول امين. اي قال لفرعون وملأه ادوا الي عباد الله يعني بهم بني اسرائيل اي ارسلوهم واطلقوهم من عذابكم وصومكم اياهم سوء العذاب. فانهم عشيرتي وافضل العالمين في زمانهم قد ظلمتموهم واستعبدتموهم بغير حق فارسلوهم ليعبدوا ربهم اني لكم رسول امين. اي رسول من رب العالمين امين على ما ارسلني به. لا اكتمكم منه شيئا ولا ازيد فيه ولا انقص. وهذا يوجب تمام الانقياد له والا تعلوا على الله اني اتيكم بسلطان مبين. والا تعلوا على الله بالاستكبار عن عبادته والعلو على عباد الله. اي بحجة ظاهرة وهو ما اتى به من المعجزات الباهرات والادلة القاهرات. فكذبوه وهموا بقتله. فلجأ بالله من شرهم قال اي تقتلوني اشر القتلى بالرجم بالحجارة وان لم تؤمنوا لي فاعتزلوا اي لكم ثلاث مراتب الايمان بي هو مقصودي منكم فان لم تحصل منكم هذه مرتبة اعتزلوني لا علي ولا لي. فاكفوني شركم فلم تحصل منهم المرتبة الاولى ولا الثانية. بل لم يزالوا متمردين على الله محاربين لنبيه موسى عليه السلام غير ممكنين له من قومه بني اسرائيل اولئك قوم مجرمون. اي قد اجرموا جرما يوجب تعجيل العقوبة. فاخبر عليه السلام بحالهم وهذا دعاء بالحال التي هي ابلغ من المقال. كما قال عن نفسه عليه السلام ربي اني لما انزلت الي من خير فقط فامره الله ان يسري بعباده ليلا واخبر رواه ان فرعون وقومه سيتبعونه. واترك البحر رهوا اي بحاله وذلك انه لما سرى موسى ببني اسرائيل كما امره الله. ثم تبعهم فرعون. فامر الله موسى ان يضرب البحر فصار اثني عشر طريقا وصار الماء من بين تلك الطرق كالجبال العظيمة فسلكه موسى وقومه. فلما خرجوا منه امره الله ان يتركه رهوا اي بحاله. ليسلكه فرعون وجنوده فلما تكامل قوم موسى خارجين منه وقوم فرعون داخلين فيه امره الله تعالى ان يلتطم عليهم فغرقوا عن اخرهم تركوا ما متعوا به من الحياة الدنيا. واورثه الله بني اسرائيل الذين كانوا مستعبدين لهم. ولهذا قال وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها كذلك واورثناها قوما اخرين. كذلك واورثناها اي هذه النعمة المذكورة قوما اخرين وفي الاية الاخرى كذلك واورثناها بني اسرائيل اي لما اتلفهم الله واهلكهم لم تبك عليهم السماء والارض اي لم يحزن عليهم ولم يؤس على فراقهم بل كل استبشر بهلاكهم وتلافهم حتى السماء والارض لانهم ما خلفوا من اثارهم الا ما يسود وجوههم وجوههم ويوجب عليهم اللعنة والمقت من العالمين. اي ممهلين عن العقوبة بل في الحال ثم امتن تعالى على بني اسرائيل فقال ولقد نجينا بني اسرائيل من العذاب من العذاب المهين الذي كانوا فيه من فرعون اذ يذبح ابناءهم ويستحيي نسائهم مستكبر في الارض بغير الحق من المسرفين المتجاوزين لحدود الله المتجرئين على محارمه ولقد اخترناهم اي اصطفيناهم وانتقيناهم. على علم ان منا بهم وباستحقاقهم لذلك الفضل على العالمين اي عالم زمانهم ومن قبلهم وبعدهم حتى اتى الله بامة محمد اسرائيل من الايات الباهرة والمعجزات الظاهرة. اي كثير ظاهر منا عليهم وحجة عليهم على صحة ما جاءهم به نبيهم موسى عليه السلام يخبر تعالى ان هؤلاء المكذبين يقولون مستبعدين للبعث والنشور اي ما هي الا الحياة الدنيا فلا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار. ثم قالوا متجرئين على ربهم معجزين له. فاتوا ان كنتم صادقين. وهذا من اقتراح الجهلة المعاندين في مكان سحيق. فاي ملازمة بين صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وانه متوقف على الاتيان بابائهم. فان الايات قد قامت على صدق ما جاءهم به. وتواترت تواترا عظيما من كل وجه قال تعالى اهم خير ام قوم تبع والذين من قبلهم اهلكناهم كانوا مجرمين. اهم خير اي هؤلاء المخاطبون فانهم ليسوا خيرا منهم وقد اشتركوا في الاجرام فليتوقعوا من الهلاك ما اصاب اخوانهم المجرمين