ولهذا قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم لعمر ما اتاك من هذا المال وانت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك فقطع الاشراف في القلب والسؤال باللسان المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث الثالث والثلاثون عن ابي سعيد رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما اعطي احد عطاء خيرا واوسع من الصبر متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه هذا الحديث اشتمل على اربع جمل جامعة نافعة احداها قوله ومن يستعفف يعفه الله والثانية قوله ومن يستغني يغنه الله وهاتان الجملتان متلازمتان فان كمال العبد في اخلاصه لله رغبة ورهبة وتعلقا به دون المخلوقين فعليه ان يسعى لتحقيق هذا الكمال ويعمل كل سبب يوصله الى ذلك حتى يكون عبدا لله حقا حرا من رق المخلوقين وذلك ان يجاهد نفسه على امرين انصرافها عن التعلق بالمخلوقين بالاستعفاف عما في ايديهم فلا يطلبه بمقاله ولا بلسان حاله تعففا وترفعا عن منن الخلق وعن تعلق القلب بهم سبب قوي لحصول العفة وتمام ذلك ان يجاهد نفسه على الامر الثاني وهو الاستغناء بالله والثقة بكفايته فانه من يتوكل على الله فهو حسبه وهذا هو المقصود والاول وسيلة الى هذا فان من استعف عما في ايدي الناس وعما يناله منهم اوجب له ذلك ان يقوى تعلقه بالله ورجائه وطمعه في فضل الله احسانه ويحسن ظنه وثقته بربه والله تعالى عند حسن ظن عبده به ان ظن خيرا فله وان ظن غيره فله وكل واحد من الامرين يمد الاخر فيقويه فكلما قوي تعلقه بالله ضعف تعلقه بالمخلوقين وبالعكس ومن دعاء النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى فجمع الخير كله في هذا الدعاء فالهدى هو العلم النافع والتقى هو العمل الصالح وترك المحرمات كلها وهذا صلاح الدين وتمام ذلك بصلاح القلب وطمأنينته بالعفاف عن الخلق والغنى بالله ومن كان غنيا بالله فهو الغني حقا وان قلت حواصله فليس الغنى عن كثرة العرض انما الغنى غنى القلب وبالعفاف والغنى تتم للعبد الحياة الطيبة والنعيم الدنيوي والقناعة بما اتاه الله الثالثة قوله ومن يتصبر يصبره الله ثم ذكر في الجملة الرابعة ان الصبر اذا اعطاه الله العبد فهو افضل العطاء واوسعه واعظمه اعانة على الامور قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة اي على اموركم كلها والصبر كسائر الاخلاق يحتاج الى مجاهدة للنفس وتمرينها فلهذا قال ومن يتصبر ان يجاهد نفسه على الصبر يصبره الله ويعينه وانما كان الصبر اعظم العطايا لانه يتعلق بجميع امور العبد وكمالاته وكل حالة من احواله تحتاج الى صبر فانه يحتاج الى الصبر على طاعة الله حتى يقوم بها ويؤديها والى صبر عن معصية الله حتى يتركها لله والى صبر على اقدار الله المؤلمة فلا يتسخطها بل الى صبر على نعم الله ومحبوبات النفس فلا يدع النفس تمرح وتفرح الفرح المذموم بل يشتغل بشكر الله فهو في كل احواله يحتاج الى الصبر وبالصبر ينال الفلاح ولهذا ذكر الله اهل الجنة فقال والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقوبة الدار وكذلك قوله اولئك يجزون الغرفة بما صبروا فهم نالوا الجنة بنعيمها وادركوا المنازل العالية بالصبر ولكن العبد يسأل الله العافية من الابتلاء الذي لا يدري ما عاقبته ثم اذا ورد عليه فوظيفته الصبر العافية هي المطلوبة بالاصالة في امور الابتلاء والامتحان والصبر يؤمر به عند وجود اسبابه ومتعلقاته والله هو المعين وقد وعد الله الصابرين في كتابه وعلى لسان رسوله امورا عالية ليلة وعدهم بالاعانة في كل امورهم وانه معهم بالعناية والتوفيق والتسديد وانه يحبهم ويثبت قلوبهم واقدامهم ويلقي عليهم السكينة والطمأنينة ويسهل لهم الطاعات ويحفظهم من المخالفات ويتفضل عليهم بالصلوات والرحمة والهداية عند المصيبات والله يرفعهم الى اعلى المقامات في الدنيا والاخرة ووعدهم النصر وان ييسرهم لليسرى ويجنبهم العسرى ووعدهم بالسعادة والفلاح والنجاح وان يوفيهم اجرهم بغير حساب وان يخلف عليهم في الدنيا اكثر مما اخذ منهم من محبوباتهم واحسن وان يعوضهم عن وقوع المكروهات عوضا عاجلا يقابل اضعاف اضعاف ما وقع عليهم من كريهة ومصيبة وهو في ابتدائه صعب شديد وفي انتهائه سهل حميد العواقب كما قيل والصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه احلى من العسل