كغيرها من الطرق الموصلة للعذاب الاليم. فذكر اولا السبب الموجب لعدم معارضته امر الله ورسوله. وهو الايمان. ثم ذكر المانع من ذلك وهو التخويف من ضلال. الدال على العقوبة والنكال الذي يعصمكم من الله ان اراد بكم سوءا او اراد بكم رحمة. ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. قل من ذا الذي يعصمكم اي يمنعكم من الله ان اراد بكم سوءا ايا ايها الذي من الله عليه بالنبوة واختصه بوحيه فضله على سائر الخلق اشكر نعمة ربك عليك باستعمال تقواه. التي انت اولى بها من غيرك. والذي يجب عليك منها اعظم من سواك المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين الاوامره ونواهيه وبلغ رسالاته وادي الى عباده وحيه وابذل النصيحة للخلق. ولا يصدنك عن هذا المقصود صاد ولا يردك عنه راد. فلا تطع كل كافر قد اظهر العداوة لله ورسوله. ولا منافق قد استبطن التكذيب والكفر. واظهر ضد فهؤلاء هم الاعداء على الحقيقة. فلا تطعهم في بعض الامور التي تنقض التقوى وتناقضها. ولا تتبع اهواءهم يضلوك عن الصواب. ولكن اتبع ما اليك من ربك فانه هو الهدى والرحمة. وارجو بذلك ثواب ربك. فانه بما تعملون خبير. يجازيكم بحسب ما يعلمه منكم من الخير ايها الشر وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا. فان وقع في قلبك انك ان لم تطعهم في اهوائك المضلة حصل عليك منهم ضرر او حصل نقص في هداية الخلق فادفع ذلك عن نفسك واستعمل ما يقاومه ويقاوم غيره وهو التوكل على الله بان تعتمد على ربك اعتماد من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. في سلامتك من شرهم وفي اقامة الدين الذي امرت به وثق بالله في حصول ذلك الامر على اي حال كان. توكل اليه الامور فيقوم بها وبما هو اصلح للعبد. وذلك لعلمه بمصالح عبده. من حيث لا يعلم العبد وقدرته على ايصالها اليه من حيث لا يقدر عليها العبد. وانه ارحم بعبده من نفسه ومن والديه. وارأف به من كل احد. خصوصا خواص عبيده. الذين لم يزل ببره ويدر عليهم بركاتهم ظاهرة والباطنة. خصوصا وقد امره بالقاء اموره اليه ووعده. فهناك لا تسأل عن كل امر تيسر وصعب يسهل وخطوب تهون وكروب تزول واحوال وحوائج تقضى وبركات تنزل ونقم تدفع ترفع وهناك ترى العبد الضعيف الذي فوض امره لسيده. قد قام بامور لا يقوم بها امة من الناس. وقد سهل الله عليهما كان يصعب على فحول الرجال وبالله المستعان ازواجكم اللائي تظاهرون منهن امهاتكم. وما جعل ادعياء جاءكم ابناءكم داركم قولكم بافواهكم والله يقول الحق. والله يقول الحق يعاتب تعالى عباده عن التكلم بما لا حقيقة له من الاقوال. ولم يجعله الله تعالى كما قالوا فان ذلك القول منكم كذب وزور. يترتب عليه منكرات من الشرع. وهذه قاعدة عامة في التكلم في كل شيء. والاخبار بوقوع بوجود ما لم يجعله الله تعالى. ولكن خص هذه الاشياء المذكورة لوقوعها وشدة الحاجة الى بيانها. فقال ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه هذا لا يوجد فاياكم ان تقولوا عن احد ان له قلبين في جوفه فتكونوا كاذبين على الخلقة الالهية وما جعل ازواجكم اللائي ظاهرون منهن بان يقول احدكم لزوجته انت علي كظهر امي او كامي فما جعلهن الله امهاتكم امك من وصارت اعظم الناس عليك حرمة وتحريما. وزوجتك احل النساء لك. فكيف تشبه احد المتناقضين بالاخر؟ هذا امر لا يجوز كما قال تعالى الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن امهاتهم. ان امهاتهم الا اللائي ولدنهم. وانهم يقولون منكرا من القول وزورا وما جعل ادعيائكم ابناءكم والادعياء الولد الذي كان الرجل يدعيه وهو ليس له او يدعى اليه بسبب تبنيه اياه. كما كان الامر بالجاهلية واول الاسلام. فاراد الله تعالى ان يبطله ويزيله. فقدم بين يدي بيان قبحه وانه باطل وكذب وكل باطل وكذب لا يوجد في شرع الله ولا يتصف به عباد الله. يقول تعالى الله لم يجعل الادعياء الذين تدعونهم او يدعون اليكم ابناءكم. فان ابنائكم في الحقيقة من ولدتموهم وكانوا منكم. واما هؤلاء الأدعياء من غيركم فلا جعل الله هذا كهذا. ذلكم القول الذي تقولون في الدعي انه ابن فلان الذي ادعاه او فلان قولكم بافواهكم اي قول لا حقيقة له ولا معنى له. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل قيل والله يقول الحق اي اليقين والصدق. فلذلك امركم باتباعه على قوله وشرعه. فقوله حق وشرعه حق والافعال الباطلة لا تنسب اليه بوجه من الوجوه. وليست من هدايته لانه لا يهدي الا الى السبيل المستقيمة. والطرق الصادقة كان ذلك واقعا بمشيئته فمشيئته عامة لكل ما وجد من خير وشر. ثم صرح لهم بترك الحالة الاولى المتضمنة للقول الباغ فقال واباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم. وليس عليكم جناح فيما اخطأ ادعوهم اي الادعياء لابائهم الذين ولدوهم هو ابسط عند الله اي اعدل واقوم واهدى. فان لم تعلموا اباءهم الحقيقيين فاخوانكم في الدين ومواليكم اي اخوتكم في دين الله ومواليكم في ذلك. فادعوهم بالاخوة الايمانية الصادقة والموالاة على ذلك فترك الدعوة الى من تبناهم حتم لا يجوز فعلها. واما دعاؤهم لابائهم فان علموا دعوا اليهم. وان لم يعلموا على ما يعلم منهم وهو اخوة الدين والموالاة. فلا تظنوا ان حالة عدم علمكم بابائهم عذر في دعوتهم الى من تبناهم. لان محظور لا يزول بذلك وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به. بان سبق على لسان احدكم دعوته الى من تبناه. فهذا غير مؤاخذ به او علم ابوه ظاهرا فدعوتموهم اليه. وهو في الباطن غير ابيه. فليس عليكم في ذلك حرج اذا كان خطأ. ولكن يؤاخذكم ما تعمدت قلوبكم من الكلام بما لا يجوز. غفر لكم ورحمكم حيث لم يعاقبكم وسمح لكم بما اخطأتم به ورحمكم حيث بين لكم احكامه التي تصلح دينكم ودنياكم. فله الحمد تعالى هم اولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين الا ان تفعلوا الى اولياء ابدانهم عن القتال واموالهم عند النفقة فيه. فلا يجاهدون باموالهم وانفسهم. فاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك نظر المغشية عليه من الموت من شدة الجبن الذي خلع قلوبهم والقلق الذي اذهلهم وخوفا على اجبارهم على ما يكرهون من القتال كان ذلك في الكتاب مستورا. يخبر تعالى المؤمنين خبرا يعرفون به حالة الرسول صلى الله عليه وسلم ومرتبته. فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة. فقال النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم اقرب ما للانسان واولى ما له نفسه. فالرسول اولى به من نفسه. لانه عليه الصلاة والسلام بذل لهم من النصح والشفقة والرأفة ما كان به ارحم الخلق وارأفهم. فرسول الله اعظم الخلق منة عليهم من كل احد. فانه لم يصل اليه مثقال ذرة من الخير ولن دفع عنهم مثقال ذرة من الشر الا على يديه وبسببه. فلذلك وجب عليه انه اذا تعارض مراد النفس او مراد احد من الناس مع مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ان يقدم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم والا يعارض قول الرسول بقول احد من كان وان يفدوه بانفسهم واموالهم واولادهم ويقدموا محبته على محبة الخلق كلهم. والا يقولوا حتى يقول لا يتقدم بين يديه. وهو صلى الله عليه وسلم اب للمؤمنين. كما في قراءة بعض الصحابة يربيهم كما يربي الوالد اولاده على هذه الابوة ان كان نساؤه امهاتهم اي في الحرمة والاحترام والاكرام لا في الخلوة والمحرمية وكأن هذا مقدمة سيأتي في قصة زيد بن حارثة الذي كان قبل يدعى زيد بن محمد حتى انزل الله ما كان محمد ابا احد من رجالكم فقطع نسبه وانتسابه منه. فاخبر في هذه الاية ان المؤمنين كلهم اولاد للرسول صلى الله عليه وسلم. فلا مزية لاحد عن احد وان انقطع عن احدهم انتساب الدعوة فان النسب الايمانية لم ينقطع عنه فلا يحزن ولا يأسف. وترتب على ان زوجات الرسول امهات المؤمنين انهن لا يحلن لاحد من بعده. كما صرح الله بذلك. ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا حامد بعضهم اولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين الا ان تفعلوا الى اولياءكم معروفا. واولو الارحام اي الاقارب قربوا او بعدوا. بعضهم اولى ببعض في كتاب الله اي في حكمه فيرث بعضهم بعضا ويبر بعضهم بعضا. فهم اولى من الحلف والنصرة والادعياء الذين كانوا قبل يرثون بهذه الاسباب دون ذوي الارحام. فقطعت عالى التوارث بذلك. وجعله للاقارب لطفا منه وحكمة. فان الامر لو استمر على العادة السابقة لحصل من الفساد والشر والتحيل لحرمان الاقارب من الميراث شيء كثير. من المؤمنين والمهاجرين اي سواء كان اقارب مؤمنين مهاجرين وغير مهاجرين. فان ذوي الارحام مقدمون في ذلك. وهذه الاية حجة على ولاية ذوي الارحام في جميع الولايات كولايات النكاح والمال وغير ذلك اي ليس لهم حق مفروض وانما هو بارادتكم ان شئتم ان تتبرعوا لهم تبرعا وتعطوهم معروفا منكم كان ذلك الحكم المذكور في الكتاب مستورا. اي قد سطر وكتب وقدره الله فلا بد من نفوذه واخذنا منهم ميثاقا غليظا يخبر تعالى انه اخذ من النبيين عموما. ومن اولي العزم وهم هؤلاء خمسة المذكورون خصوصا. ميثاقهم الغليظ عادهم الثقيل المؤكد على القيام بدين الله والجهاد في سبيله. وان هذا سبيل قد مشى الانبياء المتقدمون. حتى ختموا بسيدهم وافضلهم محمد صلى الله عليه وسلم وامر الناس بالاقتداء بهم. وسيسأل الله الانبياء واتباعهم عن هذا العهد الغليظ. هل وفوا فيه وصدقوا فيثيبهم جنات النعيم ام كفروا فيعذبهم العذاب الاليم. قال تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فارسلوا منكم ذكروا تعالى عباده المؤمنين نعمته عليهم ويحثهم على شكرها حين جاءتهم جنود اهل مكة والحجاز من فوقهم واهل نجد من اسفل منهم منهم وتعاقدوا وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة. وذلك في وقعة الخندق. وما لئتهم طوائف اليهود الذين حوالي المدينة. فجاءوا جنود عظيمة وامم كثيرة. وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة. فحصروا المدينة واشتد الامر وبلغت القلوب الحناجر حتى بلغ الظن من كثير من الناس كل مبلغ لما رأوا من الاسباب المستحكمة والشدائد الشديدة. فلم يزل الحصار على المدينة مدة طويلة والامر كما وصف الله وتظنون بالله الظنون اي الظنون السيئة ان الله لا ينصر دينه ولا يتم كلمته. هنالك ابتلي المؤمنون هنالك ابتلي المؤمنون بهذه الفتنة العظيمة وزلزلوا زلزالا شديدا بالخوف في اضعاف هذا المرض وحسم الخواطر الردية. ومجاهدة نفسه على سلامتها من هذا المرض الخطر. وسؤال الله العصمة والتوفيق. وان ذلك من حفظ الفرج المأمور به واقم الصلاة واتينا الزكاة واطعنا الله ورسوله القلق والجوع ليتبين ايمانهم ويزيد ايقانهم. فظهر ولله الحمد من ايمانهم وشدة يقينهم ما فاقوا فيه الاولين والاخرين وعندما اشتد الكرب وتفاقمت الشدائد صار ايمانهم عين اليقين. ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما. وهنالك تبين نفاق المنافقين وظهر ما كانوا يضمرون. قال تعالى وان يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا وهذه عادة المنافق عند الشدة والمحنة لا يثبت ايمانه وينظر بعقله القاصر الى الحالة القاصرة ويصدق لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة يريدون الا فرارا. ان يريدون الا فرارا. واذ قالت طائفة من المنافقين بعدما جزعوا وقل صبرهم صاروا ايضا من المخذلين. فلا صبروا بانفسهم ولا تركوا الناس من شرهم. فقالت هذه الطائفة يا اهل يثرب يريدون يا اهل المدينة فنادوهم باسم الوطن المنبئ عن التسمية. فيه اشارة الى ان الدين والاخوة الايمانية ليس له في قلوبهم قدر ان الذي حملهم على ذلك مجرد الخور الطبيعي. يا اهل يثرب لا مقام لكم. اي في موضعكم الذي خرجتم اليه خارج المدينة. وكانوا عسكر دون الخندق وخارج المدينة فارجعوا الى المدينة. فهذه الطائفة تخذل عن الجهاد. وتبين انهم لا قوة لهم بقتال عدوهم يأمرونهم بترك القتال فهذه الطائفة اشر الطوائف واضرها وطائفة اخرى دونهم اصابهم الجبن والجزع واحبوا ان ينخزلوا عن الصفوف فجعلوا يعتذرون بالاعذار الباطلة وهم الذين قال الله فيهم يقولون ان بيوتنا عورة وما هي بعورة. اي عليها الخطر. ونخاف عليها ان يهجم عليها الاعداء. ونحن عنها فاذن لنا ان نرجع اليها فنحرسها. وهم كذبة في ذلك. وما هي بعورة ان يريدون اي ما قصدهم الا فرارا. ولكن جعلوا هذا الكلام وسيلة وعذرا لهم. فهؤلاء قل ايمانهم وليس له ثبوت عند اشتداد المحن ولو دخلت عليهم المدينة من اقطارها اي لو دخل الكفار اليها من نواحيها واستولوا عليها كان ذلك ثم سئل هؤلاء الفتنة اي الانقلاب عن دينهم والرجوع الى دين المستوليين المتغلبين لاتوها اي لاعطوها مبادرين. وما تلبسوا بها الا يسيرا. اي ليس لهم منعة ولا تصلب على الدين. بل بمجرد ما تكون الدولة للاعداء يعطونهم ما طلبوا ويوافقونهم على كفرهم هذه حالهم. ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولوا وكان عهد الله مسئولا. والحال انهم قد عاهدوا الله من قبل لا يولون هنا الادبار وكان عهد الله مسئولا. سيسألهم عن ذلك العهد فيجدهم قد نقضوه. فما ظنهم اذا بربهم ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل. واذا لا تمتعون الا قل لهم نائما على فرارهم. ومخبرا انهم لا يفيدهم ذلك شيئا. لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت او القتل فلو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم. والاسباب تنفع اذا لم يعارضها القضاء والقدر. فاذا جاء القضاء والقدر تلاشى كل سبب وبطلت كل وسيلة ظنها الانسان تنجيه. واذا حين فررتم لتسلموا من الموت والقتل. ولتنعموا في الدنيا فانكم لا تمتعون الا قليلا. متاعا لا يساوي فراركم وترككم امر الله وتفويتكم على انفسكم التمتع الابدي في النعيم السرمدي ثم بين ان الاسباب كلها لا تغني عن العبد شيئا اذا اراده الله بسوء فقال اي شر او اراد بكم رحمة فانه هو المعطي المانع الضار النافع. الذي لا يأتي بالخير الا هو ولا يدفع السوء الا هو ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. ولا يجدون لهم من دون الله وليا يتولاه فيجلب لهم النفع ولا نصير اي ينصرهم فيدفع عنهم المضار. فليمتثلوا طاعة المنفرد بالامور كلها. الذي نفذت مشيئته ومضى قدره ولم ينفع مع ترك ولايته ونصرته ولي ولا ناصر. ثم توعد تعالى المخذلين المعوقين هددهم فقال ثم الينا والقائلين لاخوانهم هلم الينا ولا يأتون قد يعلم الله المعوقين منكم عن الخروج لمن لم يخرجوا. والقائلين لاخوانهم الذين خرجوا هلم الينا اي ارجعوا كما تقدم من قولهم يا اهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا. وهم مع تعويقهم وتخذيلهم الا قليلا. لا يأتون البأس القتال والجهاد بانفسهم الا قليلا. فهم اشد الناس حرصا على التخلف. بعدم الداعي ذلك من الايمان والصبر ووجود المقتضي للجبن من النفاق وعدم الايمان كالذي يغشى عليه من الموت. اشحة عليكم اذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد اشحة على الخير اولئك لم يؤمنوا فاذا ذهب الخوف وصاروا في حال الامن والطمأنينة سلقوكم بالسنة اي خاطبوكم وتكلموا معكم بكلام حديد وغير صحيحة. وحين تسمعهم تظنهم اهل الشجاعة والاقدام اشحة على الخير الذي يراد منهم. وهذا شر ما في الانسان. ان يكون شحيحا بما امر به شحيحا بماله ان ينفقه في وجهه. شحيحا في بدنه ان يجاهد اعداء الله. او يدعو الى سبيل الله شحيحا بجاه شحيحا بعلمه ونصيحته ورأيه اولئك الذين بتلك الحالة لم يؤمنوا بسبب عدم ايمانهم احبط الله اهل اعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا. واما المؤمنون فقد وقاهم الله شح انفسهم ووفقهم لما امروا به من بذل لابدانهم في القتال في سبيله. واعلاء كلمته واموالهم للنفقة في طرق الخير. وجاههم وعلمهم يحسبون الاحزاب لم يذهبوا وان يأتي الاحزاب يودوا لو انهم بادون في الاعراب يسألون عن انباءكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا. يحسبون الاحزاب لم يذهبوا ان يظنون ان هؤلاء الاحزاب الذين تحزبوا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه لم يذهبوا حتى يستأصلوهم فخاب ظنهم وبطل حسبانهم وان يأتي الاحزاب مرة اخرى اي لو اتى الاحزاب مرة ثانية مثل هذه المرة ود هؤلاء المنافقون انهم ليسوا في مدينة ولا في القرب منها وانه مع الاعراب في البادية يستخبرون عن اخباركم ويسألون عن انبائكم ماذا حصل عليكم تبا لهم وبعدا فليسوا ممن يبالى بحضورهم. ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا. فلا تبالوهم ولا تأسوا عليهم. لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا. لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة. حيث حضر الهيجاء بنفسه الكريمة. وباشر موقف الحرب وهو الشريف الكامل البطل الباسل. فكيف تشحون لانفسكم عن امر جاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فيه. فتأسوا به في هذا الامر وغيره. واستدل الاصوليون في هذه الاية على الاحتجاج بافعال الرسول صلى الله عليه وسلم. وان الاصل ان امته اسوته في الاحكام الا ما دل الدليل الشرعي على الاختصاص به فالاسوة نوعان اسوة حسنة واسوة سيئة. فالاسوة الحسنة في الرسول صلى الله عليه وسلم. فان المتأسي به سالك الطريق الموصل الى كرامة الله وهو الصراط المستقيم. واما الاسوة بغيره اذا خالفه فهو الاسوة السيئة. كقول الكفار حين دعتهم الرسل للتأسي بهم انا وجدنا ابائنا على امة وانا على اثارهم مهتدون. وهذه الاسوة الحسنة انما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو الله واليوم الاخر فانما معه من الايمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول صلى الله عليه وهم باقون على دينهم لم يغير عليهم شيئا. فلما رأوا يوم الخندق الاحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرتهم وقلة المسلمين. وظنوا انهم سيستأصلون الرسول والمؤمنين. وساعد على ذلك تبجيل بعض رؤسائهم عليهم وسلم لما ذكر حالة المنافقين عند الخوف ذكر حال المؤمنين فقال ولما رأى المؤمنون الاحزاب الذين تحزبوا ونزلوا منازلهم وانتهى الخوف. قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله. في قوله ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا. حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله. الا ان نصر الله قريب. وصدق الله ورسوله. فانا رأينا ما اخبرنا به ايمانا وتسليما. وما زادهم ذلك الامر الا ايمانا في قلوبهم وتسليما في جوارحهم. وانقيادا لامر الله ولما ذكر ان المنافقين عاهدوا الله لا يولون الادبار ونقضوا ذلك العهد. ذكر وفاء المؤمنين به فقال رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه اي وفوا به واتموه فبذلوا مهجهم في مرضاته وسبلوا انفسهم في طاعته فمنهم من قضى نحبه. اي ارادته ومطلوبه وما عليه من الحق. فقتل في سبيل الله او مات مؤديا لحقه لم ينقصه شيئا. ومنهم من ينتظر تكميل ما عليه فهو شارع في قضاء ما عليه ووفاء نحبه ولما يكمل وهو في رجاء تكميله ساع في ذلك مجد. كما بدل غيرهم بل لم يزال على العهد لا يلون ولا يتغيرون. فهؤلاء الرجال على الحقيقة. ومن عاداهم فصورهم صور رجال. واما الصفات فقد قصرت عن صفات الرجال ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء او يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما. ليجزي الله الصادقين بصدقهم اي بسبب صدقهم في احوالهم واحوالهم ومعاملتهم مع الله واستواء ظاهرهم وباطنهم. قال تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. اي قدرنا ما قدرنا من هذه الفتن والمحن والزلازل. ليتبين الصادق من الكاذب. فيجزي بصدقهم ويعذب المنافقين. الذين تغيرت قلوبهم واعمالهم عند حلول الفتن. ولم يفوا بما عاهدوا الله عليه. ان شاء بان لم ينشأ هدايتهم. بل علم انهم لا خير فيهم فلم يوفقهم. او يتوب عليهم بان يوفقهم للتوبة والانابة هذا هو الغالب على كرم الكريم. ولهذا ختم الاية باسمين دالين على المغفرة والفضل والاحسان فقال غفورا لذنوب المسرفين على انفسهم ولو اكثروا من العصيان اذا اتوا بالمتاب رحيما بهم حيث وفقهم للتوبة ثم قبلها منهم وستر عليهم ما اجترحوه. ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفروا الله المؤمنين القتال وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قبيلا عزيزا. ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا. اي ردهم خائبين. لم يحصل لهم الامر الذي كانوا حنقين عليه قادرين عليه. جازمين بان لهم الدائرة قد غرتهم جموعهم واعجبوا بتحزبهم. وفرحوا بعددهم وعددهم. فارسل صلى الله عليهم ريحا عظيمة. وهي ريح الصبا فزعزعت مراكزهم وقوضت خيامهم وكفأت قدورهم وازعجتهم. وضربهم الله بالروح فانصرفوا بغيظهم وهذا من نصر الله لعباده المؤمنين بما صنع لهم من الاسباب العادية والقدرية. وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا لا يغالبه احد الا غلب. ولا يستنصره احد الا غلب. ولا يعجزه امر اراده. ولا ينفع اهل القوة والعزم قوتهم وعزتهم ان لم يعنهم بقوته وعزته قذف في قلوبهم الرب وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وانزل الذين ظهروهم اي عاونوهم من اهل الكتاب اي اليهود من صياصيهم اي انزلهم من حصونهم نزولا مغفورا بهم مجهولين تحت حكم الاسلام وقذف في قلوبهم الرعب. فلم يقوى على القتال بل استسلموا وخضعوا وذلوا تقتلون وتأسرون فريقا. فريقا تقتلون وهم الرجال المقاتلون وتأسرون فريقا. من عاداهم من النساء والصبيان واورثكم اي غنمكم ارضهم وديارهم واموالهم وارضا لم تطأوها اي ارضا كانت من قبل من شرفها وعزتها عند اهلها لا تتمكنون من وطئها. فمكنكم الله وخذلهم وغنمتم اموالهم وقتلتموهم واسرتموهم. وكان الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء. ومن قدرته قدر لكم ما قدر. وكانت هذه الطائفة من اهل الكتاب هم بنو قريظة من اليهود. في قرية من خارج المدينة غير بعيد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر الى المدينة. وودعهم وهادنهم فلم يقاتلهم ولم يقاتلوه قضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما لئوا المشركين على قتاله. فلما خذل الله المشركين تفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتالهم فحاصرهم في حصنهم فنزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فحكم فيهم ان تقتل مقاتل قاتلتهم وتسبى ذراريهم وتغنم اموالهم. فاتم الله لرسوله والمؤمنين المنة. واسبغ عليهم النعمة. واقرهم اعينهم بخذلان من انخذل من اعدائهم. وقتل من قتلوا واسر من اسروا. ولم يزل لطف الله بعباده المؤمنين مستمرا لما اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه في الغد وطلبنا منه النفقة والكسوة. طلبنا منه امرا لا يقدر عليه في كل وقت. ولم يزلن في طلبهن متفقات في مرادهن متعنتات فشق ذلك على الرسول حتى وصلت به الحال الى انه الة منهن شهرا. فاراد الله ان يسهل الامر على رسوله. وان يرفع درجة زوجاته ويذهب عنهن كل امر ينقص اجرهن. فامر رسوله ان يخيرهن فقال يا ايها النبي قل لازواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا اي ليس لكن في غيرها مطلب. وصرتن ترضين لوجودها وتغضبن لفقدها. فليس لي فيكن ارب وحاجة. وانتن بهذه الحال فتعالين امتعكن شيئا مما عندي من دنيا واصرح كن اي افارقكن سراحا جميلا من دون مغاضبة ولا مشاقة بل بسعة صدر وانشراح بال قبل ان يبلغ الحال الى ما لا ينبغي وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الاخرة اي هذه الاشياء مرادكن وغاية مقصودكن. واذا حصل لكن الله ورسوله والجنة. لم تبالين بسعة الدنيا وضيقها ويسرها وقنعتن من رسول الله بما تيسر. ولم تطلبن منه ما يشق عليه رتب الاجر على وصفهن بالاحسان. لانه السبب الموجب لذلك. لا لكونهن زوجات للرسول. فان مجرد ذلك لا يكفي بل لا يفيد شيئا مع عدم الاحسان. فخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. فاخترنا الله ورسوله والدار الاخرة كلهن ولم يتخلف منهن واحدة رضي الله عنهن. وفي هذا التخيير فوائد عديدة منها الاعتناء برسوله وغيرته عليه ان يكون بحالة يشق عليه كثرة مطالب زوجاته الدنيوية. ومنها سلامته صلى الله عليه وسلم بهذا التخيير من تبعة حقوق الزوجين وانه يبقى في حرية نفسه ان شاء اعطى وان شاء منع. ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له. ومنها تنزيه لو كان فيهن من تؤثر الدنيا على الله ورسوله والدار الاخرة عنها. وعن مقارنتها. ومنها سلامة زوجاته رضي الله عنهن عن الاثم والتعرض لسخط الله ورسوله. فحسم الله بهذا التخيير عنهن التسخط على الرسول صلى الله عليه وسلم. الموجب لسخطه المسخط لربه الموجب لعقابه. ومنها اظهار رفعتهن وعلو درجتهن. وبيان علوه هممهن. ان كان الله ورسوله والدار الاخرة مرادهن ومقصودهن دون الدنيا وحطامها. ومنها استعدادهن بهذا الاختيار للامر الخيار. للوصول الى خيار درجات في الجنة وان يكن زوجاته في الدنيا والاخرة. ومنها ظهور المناسبة بينه وبينهن. فانه اكمل الخلق. واراد الله ان تكون نساء كاملات المكملات. طيبات مطيبات. الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. ومنها ان هذا التخيير داع وموجب قناعة التي يطمئن لها القلب وينشرح لها الصدر ويزول عنها جشع الحرص وعدم الرضا الموجب لقلق القلب واضطرابه وهمه عمي ومنها ان يكون اختيارهن هذا سببا لزيادة اجرهن ومضاعفته. وان يكن بمرتبة ليس فيها احد من النساء لهذا قال لما اخترنا الله ورسوله والدار الاخرة ذكر ومضاعفة اجرهن ومضاعفة وزرهن واثمهن لو جرى منهن. ليزداد حذرهن وشكرهن الله تعالى. فجعل من اتى منهن بفاحشة من ظاهرة لها العذاب ضعفين ومن يقنت منكن اي تطيع لله ورسوله وتعمل صالحا قليلا او كثيرا نؤتها اجرها مرتين. اي مثلما نعطي غيرها مرتين وهي الجنة فقنتنا لله ورسوله وعملنا صالحا فعلم بذلك اجرهن ان اتقيتن ان فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا يقول تعالى يا نساء النبي خطاب لهن كلهن لستن كاحد من النساء ان اتقيتن الله فانكن بذلك تفوقن النساء ولا يلحقكن احد من النساء. فكملن التقوى بجميع وسائلها ومقاصدها. فلهذا ارشدهن الى قطع وسائل المحرم. فقال فلا تخضعن بالقول اي في مخاطبة الرجال او بحيث يسمعون فتلن في ذلك وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع الذي في قلبه في مرض اي مرض شهوة الزنا فانه مستعد ينظر ادنى محرك يحركه لان قلبه غير صحيح فان القلب الصحيح ليس فيه شهوة لما حرم الله فان ذلك لا تكاد تميله ولا تحركه الاسباب. لصحة قلبه وسلامته من المرض. بخلاف مريض القلب الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح. ولا يصبر على ما يصبر عليه. فادنى سبب يوجد يدعوه الى الحرام. يجيب دعوته ولا يتعصى عليه. فهذا دليل على ان الوسائل لها احكام المقاصد. فان الخضوع بالقول واللين فيه في الاصل مباح. ولكن لما كان وسيلة الى المحرم منع منه هذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال الا تلين لهم القول. ولما نهاهن عن الخضوع في القول فربما توهم انهن مأمورات باغلاظ القول دفع هذا بقوله وقلن قولا معروفا اي غير مريظ ولا جاف كما انه ليس بلين خاضع. وتأمل كيف قال فلا تخضعن بالقول ولم يقل فلا تلن بالقول. وذلك لان المنهي عنه القول اللين الذي فيه خضوع المرأة للرجل وانكسارها عنده. والخاضع هو الذي يطمع فيه. بخلاف من تكلم كلاما لينا ليس فيه خضوع. بل ربما صار فيه ترفع وقهر للخصم فان هذا لا يطمع فيه خصمه. ولهذا مدح الله رسوله باللين. فقال فبما رحمة من الله لنت لهم. وقال لموسى وهارون ذهب الى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى. ودل قوله فيطمع الذي في قلبه مرض مع امره بحفظ الفرج وثنائه على الحافظين لفروجهم والحافظات ونهيه عن قربان الزنا انه ينبغي للعبد اذا رأى من نفسه هذه الحالة وانه يهش لفعل المحرم عندما يرى او يسمع كلام من يهواه. ويجد دواعي طمعه قد انصرفت الى الحرام. فليعرف ان ذلك مرض. فليجد ويطهركم تطهيرا. وقرن في بيوتكن اي قرن فيها لانه اسلم واحفظ لكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى. اي لا تكثرن الخروج متجملات او متطيبات. كعادة اهل الجنة الاولى الذين لا علم عندهم ولا دين. فكل هذا دفع للشر واسبابه. ولما امرهن بالتقوى عموما وبجزئيات من التقوى نص عليها لحاجة النساء اليها كذلك امرهن بالطاعة خصوصا الصلاة والزكاة اللتان يحتاجهما ويضطر اليهما واحد وهما اكبر العبادات واجل الطاعات. وفي الصلاة الاخلاص للمعبود وفي الزكاة الاحسان الى العبيد. ثم امرهن بالطاعة عموما فقال واطعنا الله ورسوله يدخل في طاعة الله ورسوله كل امر امر به امر ايجاب او استحباب كما يريد الله ليذهب عنك ويطهركم تطهيرا. انما ايريد الله بامركن بما امركن به ونهيكن بما نهكن عنه ليذهب عنكم الرجس اي الاذى والشر والخبث يا اهل البيت يطهركم تطهيرا. حتى تكونوا طاهرين مطهرين. اي فاحمدوا ربكم واشكروه على هذه الاوامر والنواهي. التي اخبركم بمصلحتها انها محض مصلحتكم. لم يرد الله ان يجعل عليكم بذلك حرجا ولا مشقة. بل لتتزكى نفوسكم ولتتطهر اخلاقكم وتحسن ويعظم بذلك اجركم. ولما امرهن بالعمل الذي هو فعل وترك. امرهن بالعلم وبين لهن طريقة. فقال ان الله كان واذكرن ما يتلى في بيوتكن من ايات الله والحكمة. والمراد بايات الله القرآن والحكمة اسرار او سنة رسوله وامرهن بذكره يشمل ذكر لفظه بتلاوته وذكر معناه بتدبره والتفكر فيه واستخراج احكامه وحكمه وذكر العمل به وتأويله. يدرك اسرار الامور وخفايا الصدور وخبايا السماوات والارض والاعمال التي تبين وتسر. فلطفه وخبرته يقتضي حثهن على الاخلاص واصرار الاعمال. ومجازاة الله على تلك الاعمال ومن معان اللطيف الذي يسوق عبده الى الخير ويعصمه من الشر بطرق خفية لا يشعر بها ويسوق اليه من الرزق ما لا يدريه. ويريه من الاسباب التي تكرهها النفوس. ما يكون ذلك طريقا له الى اعلى الدرجات وارفع المنازل ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والمؤمنين والمؤمنات القانتين والقانتات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين اه والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة لما ذكر ثواب زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وعقابهن لو قدر عدم الامتثال. وانه ليس مثلهن احد من النساء. ذكر بقية النساء ولما كان حكمهن والرجال واحدا جعل الحكم مشتركا فقال ان المسلمين والمسلمات وهذا في الشرائع الظاهرة اذا كانوا قائمين بها والمؤمنين المؤمنات وهذا في الامور الباطنة من عقائد القلب واعماله ختات والقانتين اي المطيعين لله ولرسوله والقانتات والصادقين في مقالهم وفعالهم والصادقات والصابرين على الشدائد والمصائب والصابرات خاشعين في جميع احوالهم خصوصا في عباداتهم خصوصا في صلواتهم والخاشعات والمتصدقين فرضا ونفلا متصدقات والصائمين والصائمات شمل ذلك الفرض والنفل والحافظين فروجهم والذاكرين الله كثيرا والحافظين فروجهم عن الزنا ومقدماته والحافظات والذاكرين الله كثيرا اي في اكثر الاوقات خصوصا اوقات الاوراد المقيدة كالصباح والمساء وادبار الصلوات المكتوبات والذاكرات اعد الله لهم اي هؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجميلة والمناقب الجليلة التي هي ما بين اعتقادات واعمال قلوب واعمال جوارح واقوال لسان ونفع متعد وقاصر وما بين افعال الخير وترك الشر. الذي من قام بهن فقد قام بالدين كله. ظاهره وباطنه بالاسلام والايمان والاحسان فجازاهم على عمله بالمغفرة لذنوبهم. لان الحسنات يذهبن السيئات واجرا عظيما. لا يقدر قدره الا الذي اعطاه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. نسأل الله ان يجعلنا منهم اي لا ينبغي ولا يليق ممن اتصف بالايمان الا في مرضات الله ورسوله والهرب من سخط الله ورسوله. وامتثال امرهما واجتناب نهيهما. فلا يليق بمؤمن ولا مؤمنة. اذا الله ورسوله امرا من الامور. وحتم به والزم به ان يكون لهم الخيرة من امرهم. اي الخيار. هل يفعلونه ام لا؟ بل يعلم المؤمن والمؤمنة ان الرسول اولى به من نفسه. فلا يجعل بعض اهواء نفسه حجابا بينه وبين امر الله ورسوله اي بينا لانه ترك الصراط المستقيم الموصلة الى كرامة الله الى وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشن لكي لا يكون على المؤمنين حرجا وكان سبب نزول هذه الايات ان الله تعالى اراد ان يشرع شرعا عاما للمؤمنين ان الادعياء ليسوا في حكم ابنائي حقيقة من جميع الوجوه وان ازواجهم لا جناح على من تبناهم نكاحهن. وكان هذا من الامور المعتادة التي لا تكاد تزول الا بحادث كبير فاراد الله ان يكون هذا الشرع قولا من رسوله وفعلا. واذا اراد الله امرا جعل له سببا. وكان زيد ابن حارثة يدعى زيد ابن محمد قد تبناه النبي صلى الله عليه وسلم فصار يدعى اليه حتى نزل ادعوهم لابائهم فقيل له زيد ابن حارثة وكانت تحته زينب بنت جحش ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان قد وقع في قلب الرسول لو طلقها زيد لتزوجها فقدر الله ان يكون بينها وبين زيد ما اقتضى ان جاء زيد بن حارثة. يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في فراقها. قال الله وان قولوا للذي انعم الله عليه اي بالاسلام وانعمت عليه بالعتق. حين جاءك مشاورا في فراقها. فقلت له ناصحا ومخبرا بمصلحته مع وقوعها في قلبك امسك عليك زوجك. اي لا تفارقها واصبر على ما جاءك منها. واتق الله تعالى في امورك عامة. وفي امر زوجك خاصة فان التقوى تحث على الصبر وتأمر به وتخفي في نفسك ما الله مبديه والذي اخفاه انه لو طلقها زيد تزوجها صلى الله عليه وسلم. وتخشى الناس في عدم ابداء ما في نفسك. والله احق ان تخشاه والا تباليهم شيئا فلما قضى زيد منها وطرى اي طابت نفسه ورغب عنها وفارقها زوجناكها. وانما فعلنا ذلك لفائدة عظيمة وهي لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم. حيث رأوك تزوجت زوج زيد بن حارثة الذي كان من قبل ينتسب اليك. ولما كان قوله لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم. عاما في جميع الاحوال كان من الاحوال ما لا يجوز ذلك وهي قبل انقضاء وتره منها قيد ذلك بقوله اي لابد من فعله ولا عاائق له ولا مانع. وفي هذه الايات المشتملات على هذه القصة فوائد منها الثناء على زيد بن حارثة وذلك من وجهين. احدهما ان الله سماه في القرآن ولم يسمه من الصحابة باسمه غيره الثاني ان الله اخبر انه انعم عليه. اي بنعمة الاسلام والايمان. وهذه شهادة من الله له انه مسلم ومؤمن. ظاهرا وباطنا والا فلا وجه لتخصيصه بالنعمة. لولا ان المراد بها النعمة الخاصة. ومنها ان المعتق في نعمة المعتق. ومنها جواز زوجة الدعي كما صرح به. ومنها ان التعليم الفعلي ابلغ من القوي خصوصا اذا اقترن بالقول فان ذلك نور على نور ومنها ان المحبة التي في قلب العبد لغير زوجته ومملوكته ومحارمه. اذا لم يقترن بها محذور لا يأثم عليها العبد. ولو اقترن بذلك وامنيته ان لو طلقها زوجها لتزوجها من غير ان يسعى في فرقة بينهما او يتسبب باي سبب كان. لان الله اخبر ان الرسول صلى الله عليه عليه وسلم اخفى ذلك في نفسه. ومنها ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين. فلم يدع شيئا مما اوحي اليه الا وبلغه حتى هذا الامر الذي فيه عتابه. وهذا يدل على انه رسول الله ولا يقول الا ما اوحي اليه. ولا يريد تعظيم نفسه. ومنها ان المستشار مؤتمن يجب عليه اذا استشير في امر من الامور ان يشير بما يعلمه اصلح للمستشير ولو كان له حظ نفس فتقدم المستشير على هوى نفسه وغرضه. ومنها ان من الرأي الحسن لمن استشار في فراق زوجته ان يؤمر بامساكها مهما امكن صلاح الحال ما هو احسن من الفرقة؟ ومنها انه يتعين ان يقدم العبد خشية الله على خشية الناس. وانها احق منها واولى. ومنها فضيلة زينب رضي الله عنها ام المؤمنين. حيث تولى الله تزويجها من رسوله صلى الله عليه وسلم. من دون خطبة ولا شهود. ولهذا كانت تفتخر بذلك على ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتقول زوجكن اهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات. ومنها ان المرأة فاذا كانت ذات زوج لا يجوز نكاحها ولا السعي فيه وفي اسبابه. حتى يقضي زوجها وتره منها. ولا يقضي وتره حتى تنقضي عدتها لانها قبل انقضاء عدتها وهي في عصمته او في حقه الذي له وتر اليها ولو من بعض الوجوه هذا دفع لطعن من طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم في كثرة ازواجه وانه طعن بما لا مطعن فيه. فقال ما كان على النبي من حرج اي اثم وذنب فيما فرض الله له اي قدر له من الزوجات فان هذا قد اباحه الله للانبياء قبله. ولهذا قال سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان امر الله قد اي لابد من وقوعه. ثم ذكر من هم الذين من قبل قد خلوا. وهذه سنتهم وعادتهم رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا الا الله وكفى بالله اذا وانهم الذين يبلغون رسالات الله فيتلون على العباد ايات الله وحججه وبراهينه. ويدعونهم الى الله ويخشون وحده لا شريك له. ولا يخشون احدا الا الله. فاذا كان هذا سنة في الانبياء المعصومين. الذين وظيفتهم قد ادوها وقاموا بها اتم القيام وهو دعوة الخلق الى الله والخشية منه وحده. التي تقتضي فعل كل مأمور. وترك كل محظور. دل ذلك على انه لا نقص فيه بوجه وكفى بالله حسيبا. محاسبا عبادة مراقبا اعمالهم. وعلم من هذا ان النكاح من سنن سليم اي لم يكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ابا احد من رجالكم ايها الامة فقطع انتساب زيد ابن حارثة منه من هذا الباب ولما كان هذا النفي عاما في جميع الاحوال ان حمل ظاهر اللفظ على ظاهره. اي لا ابوة نسب ولا ابوة ادعاء. وقد كان تقرر فيما تقدم ان الرسول صلى الله عليه وسلم اب للمؤمنين كلهم وازواجه امهاتهم. فاحترز ان يدخل في هذا النوع بعموم النهي المذكور. فقال اي هذه مرتبته. مرتبة المطاع المتبوع المهتدى به المؤمن له الذي يجب تقديم محبته على محبة كل احد. الناصح لهم اي للمؤمنين. الذي من بره ونصحه كانه اب لهم اي قد احاط علمه بجميع الاشياء ويعلم حيث يجعل رسالاته ومن يصلح لفضله ومن لا يصلح يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا. يأمر تعالى المؤمنين بذكره ذكرا كثيرا. من تهليل وتحميد وتسبيح وتكبير وغير ذلك. من كل فيه قربة الى الله واقل ذلك ان يلازم الانسان اوراد الصباح والمساء وادبار الصلوات الخمس وعند العوارض والاسباب. وينبغي مداومة ذلك في جميع الاوقات على جميع الاحوال. فان ذلك عبادة يسبق بها العامل وهو مستريح. وداع الى محبة الله ومعرفته وغما والما وقالوا ربنا انا اطعنا سادتنا وكبرائنا وقلدناهم على ضلالهم فاضلونا السبيل كقوله تعالى ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا وعون على الخير وكف اللسان عن الكلام القبيح. اي اول النهار واخره لفضلها وشرفها وسهولة العمل فيها كان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام. اي من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم ان جعل من صلاته عليهم وثنائه وصلاة ملائكته ودعائهم ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل الى نور الايمان التوفيق والعلم والعمل. فهذه اعظم نعمة انعم بها على العباد الطائعين. تستدعي منهم شكرها والاكثار من ذكر الله. الذي لطف بهم رحمهم وجعل حملة عرشه افضل الملائكة ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين امنوا فيقولون ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما. فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم. ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تقي السيئات يومئذ فقد رحمت وذلك هو الفوز العظيم. فهذه رحمته ونعمته عليهم في الدنيا سلام. واما رحمته بهم في الاخرة فاجل رحمة وافضل ثواب. وهو الفوز برضى ربهم وتحيته واستماع الجليل ورؤية وجهه الجميل وحصول الاجر الكبير الذي لا يدري ولا يعرف كونها الا من اعطاهم اياه. ولهذا قال تحية يوم يلقونه سلام واعد لهم اجرا كريما هذه الاشياء التي وصف الله بها رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم. هي المقصود من رسالته وزبدتها واصولها التي اختص بها وهي خمسة اشياء احدها كونه شاهدا. اي شاهدا على امته بما عملوه من خير وشر. كما قال تعالى لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. فهو صلى الله عليه وسلم شاهد عدل مقبول. الثاني والثالث كونه مبشرا ونذيرا. وهذا يستلزم ذكر المبشر والمنذر. وما يبشر به وينذر والاعمال الموجبة لذلك. فالمبشر هم المؤمنون المتقون. الذين جمعوا بين الايمان والعمل الصالح وترك المعاصي لهم هم البشرى في الحياة الدنيا بكل ثواب دنيوي وديني. رتب على الايمان والتقوى. وفي الاخرى بالنعيم المقيم. وذلك كله يستلزم تفصيل المذكور من تفاصيل الاعمال وخصال التقوى وانواع الثواب. والمنظر هم المجرمون الظالمون. اهل الظلم والجهل. لهم في الدنيا من العقوبات الدنيوية والدينية المرتبة على الجهل والظلم. وفي الاخرى بالعقاب الوبيل والعذاب الطويل وهذه الجملة تفصيلها ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة المشتمل على ذلك. الرابع كونه داعيا الى الله اي ارسله الله يدعو الخلق الى ربهم ويسوقهم لكرامته ويأمرهم بعبادته التي خلقوا لها. وذلك يستلزم استقامته على ما يدعو اليه. وذكرى تفاصيل ما يدعو اليه لربهم بصفاته المقدسة وتنزيهه عما لا يليق بجلاله. وذكر انواع العبودية والدعوة الى الله باقرب طريق موصل اليه واعطاء كل ذي حق حقه. واخلاص الدعوة الى الله لا الى نفسه وتعظيمها. كما قد يعرض ذلك لكثير من النفوس في هذا المقام. وذلك كله باذن الله تعالى له في الدعوة وامره وارادته وقدره. الخامس كونه سراجا منيرا. وذلك يقتضي ان الخلق في ظلمة عظيمة لا نور يهتدى به في ظلماتها. ولا علم يستدل به في جهالاتها. حتى جاء الله بهذا النبي الكريم. فاضاء الله به تلك الظلمات وعلم به من الجهالات. وهدى به ضلالا الى الصراط المستقيم. فاصبح اهل الاستقامة قد وضح لهم الطريق. فمشوا خلف هذا الامام وعرفوا به الخير والشر واهل السعادة من اهل الشقاوة واستناروا به لمعرفة معبودهم وعرفوه باوصافه الحميدة وافعاله السديدة واحكامه رشيدة وقوله ذكر في هذه الجملة المبشر وهم المؤمنون وعند ذكر الايمان بمفرده تدخل فيه الاعمال الصالحة. وذكر المبشر وهو الفضل الكبير اي العظيم الجليل الذي لا يقادر قدره من النصر في الدنيا وهداية القلوب وغفران الذنوب وكشف الكروب وكثرة الارزاق الضارة وحصول النعم السارة والفوز برضا ربهم وثوابه والنجاة من سخطه وعقابه. وهذا مما ينشط العاملين ان يذكر لهم من ثواب الله على اعمالهم ما به يستعينون على سلوك الصراط المستقيم. وهذا من جملة حكم الشرع. كما ان من حكمه ان في مقام الترهيب العقوبات المرتبة على ما يرهب منه. ليكون عونا على الكف عما حرم الله. ولما كان ثمة طائفة من الناس مستعدة للقيام بصد الداعين الى الله من الرسل واتباعهم. وهم المنافقون الذين اظهروا الموافقة في الايمان وهم كفرة فجرة في الباطن والكفار ظاهرا وباطنا. نهى الله رسوله عن طاعتهم وحذره ذلك. فقال وتوكل على الله ولا تطع الكافرين والمنافقين اي في كل امر يصد عن سبيل الله ولكن لا يقتضي هذا اذاهم بل لا تطعهم ودع اذاهم. فان ذلك جالب لهم. وداع الى قبول الاسلام. والى كف كثير من اذيتهم له ولاهله. وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا. وتوكل على الله لاتمام امرك وخذلان عدوك وكفى بالله وكيلا. توكل اليه الامور المهمة. فيقوم بها ويسهلها على عبده الذين امنوا اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما يخبر تعالى المؤمنين انهم اذا نكحوا المؤمنات ثم طلقوهن من قبل ان يمسوهن. فليس عليهن في ذلك عدة يعتدها ازواجهن عليه وامرهم بتمتيعهن بهذه الحالة بشيء مما متاع الدنيا الذي يكون فيه جبر لخواطرهن لاجل فراقهن وان هن فراقا جميلا من غير مخاصمة ولا مشاتمة ولا مطالبة ولا غير ذلك. ويستدل بهذه الاية على ان الطلاق لا يكون الا بعد النكاح فلو طلقها قبل ان ينكحها او علق طلاقها على نكاحها لم يقع. لقوله اذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن فجعل الطلاق بعد النكاح. فدل على انه قبل ذلك لا محل له. واذا كان الطلاق الذي هو فرقة تامة وتحريم تام. لا يقع قبل النكاح فالتحريم الناقص لظهار او ايلاء ونحوه. من باب اولى واحرى الا يقع قبل النكاح. كما هو اصح قولي العلماء. ويدل على جواز لان الله اخبر به عن المؤمنين على وجه لم يلمهم عليه ولم يؤنبهم. مع تصدير الاية بخطاب المؤمنين. وعلى جوازه قبل كما قال في الاية الاخرى لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن. وعلى ان المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها بل بمجرد طلاقها يجوز لها التزوج حيث لا مانع. وعلى ان عليها العدة بعد الدخول. وهل المراد بالدخول والمسيس الوطئ؟ كما هو مجمع اليه او وكذلك الخلوة ولو لم يحصل معها وطئ كما افتى بذلك الخلفاء الراشدون وهو الصحيح. فمن دخل عليها وطأها ام لا اذا خلا بها وجب عليها العدة. وعلى ان المطلقة قبل المسيس تمتع على الموسع قدره. وعلى المقطر قدره. ولكن هذا اذا لم يفرض لها فان كان لها مهر مفروض. فانه اذا طلق قبل الدخول تنصف المهر. وكفى عن المتعة. وعلى انه ينبغي لمن فارق زوجته قبل الدخول او بعد ان يكون الفراق جميلا. يحمد فيه كل منهما الاخر. ولا يكون غير جميل. فان في ذلك من الشر المرتب عليه من قدح كل منهم بالاخر شيء كثير. وعلى ان العدة حق للزوج لقوله فما لكم عليهن من عدة دل مفهومه انه لو طلقها بعد المسيس كان له عليها عدة. وعلى ان المفارقة بالوفاة تعتد مطلقا. لقوله ثم طلقتموهن. وعلى ان من عدا غير المدخول بها من من المفارقات من الزوجات بموت او حياة عليهن العدة وامرأة لكي لا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما. يقول تعالى ممتنا على رسوله باحلاله فهما احل مما يشتركه والمؤمنون. وما ينفرد به ويختص. يا ايها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي اتيت اجورهن. اي ليتهن مهورهن من الزوجات. وهذا من الامور المشتركة بينه وبين المؤمنين. فان المؤمنين كذلك يباح لهم ما اتوهن اجورهن من الازواج وكذلك احللنا لك ما ملكت يمينك. اي الاماء التي ملكت مما افاء الله عليك من غنيمة الكفار من عبيدهم والاحرار. من لهن زوج منهم ومن لا زوج لهن وهذا ايضا مشترك. وكذلك من المشترك قوله شمل العم والعمة والخالة والخالة القريبين والبعيدين وهذا حصر المحللات يؤخذ من مفهومه ان ما عاداهن من الاقارب غير محلل. كما تقدم في سورة النساء فانه لا يباح من الاقارب من غير هؤلاء الاربع وما عاداهن من الفروع مطلقا. والاصول مطلقا وفروع الاب والام. وان نزلوا وفروع من فوقهم لصلبه فانه لا يباح وقوله اللاتي هاجرن معك قيد لحل هؤلاء للرسول. كما هو الصواب من القولين في تفسير هذه الاية واما غيره عليه الصلاة والسلام فقد علم ان هذا قيد لغير الصحة واحلى لك امرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي بمجرد هبتها نفسها ان اراد النبي ان يستنكحها اي هذا تحت الارادة والرغبة خالصة لك من دون المؤمنين. يعني اباحة موهبة. واما المؤمنون فلا يحل لهم ان يتزوجوا امرأة بمجرد هبتها نفسها لهم قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم وما ملكت ايمانهم لكي لا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما. قد علمنا ما فرضنا عليهم في ازواجهم وما ملكت ايمانهم. اي قد علمنا ما على المؤمنين وما يحل له لهم وما لا يحل من الزوجات وملك اليمين. وقد علمناهم بذلك وبينا فرائضه. فما في هذه الاية مما يخالف ذلك فانه خاص لك لكون الله جعله خطابا للرسول وحده. بقوله يا ايها النبي انا احللنا لك. وقوله خالصة لك من دون المؤمنين وابحنا لك يا ايها النبي ما لم نبح لهم ووسعنا لك ما لم نوسع على غيرك لكي لا يكون عليك حرج. وهذا من زيادة اعتناء الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم. وكان الله غفورا الرحيم اي لم يزل متصفا بالمغفرة والرحمة. وينزل على عباده من مغفرته ورحمته وجوده واحسانه ما اقتضته حكمته. ووجدت منهم اسبابه والله يعلم ما في قلوبكم وهذا ايضا من توسعة الله على رسوله ورحمته به ان اباح له ترك القسم بين زوجاته على وجه وجوب وانه ان فعل ذلك فهو تبرع منه. ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في القسم بينهن في كل شيء. ويقول اللهم هذا قسمي فيما املك. فلا تلمني فيما لا املك. فقال هنا ترجي من تشاء منهن. اي تؤخر من اردت من زوجاتك فلا تؤويها اليك ولا تبيت عندها وتؤوي اليك من تشاء. اي تضمها وتبيت عندها. ومع ذلك لا يتعين هذا الامر. من ابتغيت اي تؤويها فلا جناح عليك. والمعنى ان الخيرة بيدك في ذلك كله. وقال كثير من المفسرين ان هذا خاص بالواهبات له ان من يشاء ويؤوي من يشاء. اي ان شاء قبل من وهبت نفسها له وان شاء لم يقبلها. والله اعلم. ثم بين الحكمة في ذلك قال ذلك اي التوسعة عليك وكون الامر راجعا اليك وبيدك وكون ما جاء منك اليهن تبرعا منك ادنى ان تقر اعينهن ولا يحزن ويرضين بما اتيتهن كلهن. لعلمهن انك لم تترك واجبا ولم تفرط في حق اللازم والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما والله يعلم ما في قلوبكم اي ما لها عند اداء الحقوق الواجبة والمستحبة. وعند المزاحمة في الحقوق. فلذلك شرع لك التوسعة يا رسول الله. لتطمئن قلوب زوجاتك وكان الله عليما حليما. اي واسع العلم كثير الحلم. ومن علمه ان شرع لكم ما هو اصلح لاموركم. واكثروا لاجوركم في حلمه ان لم يعاقبكم بما صدر منكم وما اصرت عليه قلوبكم من الشر وهذا شكر من الله الذي لم يزل شكورا لزوجات رسوله رضي الله عنهن حيث اخترنا الله ورسوله والدار الاخرة ان رحمهن وقصر رسوله عليهن. فقال لا يحل لك النساء من بعد زوجاتك الموجودات. ولا ان تبدل بهن من ازواج. اي ولا تطلق بعضهن فتأخذ بدلها. فحصل بهذا انهن من الضرائر ومن الطلاق. لان الله قضى انه هن زوجاته في الدنيا والاخرة لا يكون بينه وبينهن فرقة. ولو اعجبك حسنهن اي حسن غيرهن فلا يحللن لك الا ما يمينك اي السراري فذلك جائز لك. لان المملوكات في كراهة الزوجات لسنا بمنزلة الزوجات في الاضرار للزوجات اي مراقبا للامور وعالما بما اليه تؤول وقائما بتدبيرها على اكمل واحسن احكام يأمر تعالى عباده المؤمنين بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دخول بيوته فقال يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى طعام. اي لا تدخلوها بغير اذن للدخول فيها لاجل الطعام وايضا لا تكونوا ناظرين انا. اي منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه. او سعة صدر بعد الفراغ منه. والمعنى انكم لا تدخلوا بيوت النبي الا بشرطين. الاذن لكم بالدخول. وان يكون جلوسكم بمقدار الحاجة. ولهذا قال ان اذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث. اي قبل الطعام وبعده. ثم بين حكمة النهي وفائدته فقال ان ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق. ان ذلك اي انتظاركم الزائد على الحاجة كان يؤذي النبي اي يتكلف منه ويشق عليه حبسكم اياه عن شؤون بيته واشتغاله فيه تحية منكم ان يقول لكم اخرجوا كما هو جاري العادة ان الناس وخصوصا اهل الكرم منهم يستحيون ان يخرجوا الناس من مساكنهم ولكن الله لا يستحي من الحق. فالامر الشرعي ولو كان يتوهم ان في تركه ادبا وحياء فان الحزم كل الحزم اتباع الامر الشرعي وان يجزم ان ما خالفه ليس من الادب في شيء. والله تعالى لا يستحي ان يأمركم بما فيه الخير لكم. والرفق لرسوله كائنا ما كان. فهذا هذا ادبهم في الدخول في بيوته. واما ادبهم معه في خطاب زوجاته. فانه اما ان يحتاج الى ذلك. ام لا يحتاج اليه؟ فان لم يحتج اليه لا حاجة اليه والادب تركه وان احتيج اليه كان يسألن متاعا او غيره من اواني البيت او نحوها فانهن يسألن من وراء حجاب اي يكون بينكم وبينهن ستر يستر عن النظر. بعدم الحاجة اليه. فصار النظر اليهن ممنوعا بكل حال. وكلامهن فيه التفصيل الذي ذكره الله. ثم ما ذكر حكمة ذلك بقوله ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن. لانه ابعد عن الريبة. وكلما بعد الانسان عن الاسباب الداعية الى الشر. فانه اسلم له لقلبه فلهذا من الامور الشرعية التي بين الله كثيرا من تفاصيلها ان جميع وسائل الشر واسبابه ومقدماته ممنوعة وانه مشروع البعد عنها بكل طريق. ثم قال كلمة جامعة وقاعدة عامة. وما كان لكم يا معشر المؤمنين. اي غير لائق ولا مستحسن منكم بل هو اقبح شيء ان تؤذوا رسول الله اي اذية قولية او فعلية بجميع ما يتعلق به ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا هذا من جملة ما يؤذيه. فانه صلى الله عليه وسلم له مقام التعظيم والرفعة والاكرام. وتزوج زوجاته بعده مخل بهذا المقام وايضا فانهن زوجاته في الدنيا والاخرة والزوجية باقية بعد موته. فلذلك لا يحل نكاح زوجاته بعده لاحد من امته ان ذلكم كان عند الله عظيما. وقد امتثلت هذه الامة هذا الامر واجتنبت ما نهى الله عنه منه. ولله الحمد والشكر ثم قال تعالى آآ ان تبدوا شيئا اي تظهروه او تخفوه فان الله كان بكل شيء عليما. يعلم ما في قلوبكم وما اظهرتموه فيجازيكم عليه اخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت ايمانهن واتقين الله الله كان على كل شيء شهيدا. لما ذكر انهن لا يسألن متاعا الا من وراء حجاب وكان اللفظ عاما لكل احد احتيج ان يستثنى منه هؤلاء المذكورون من المحارم. وانه لا جناح عليهن في عدم الاحتجاب عنهم ولم يذكر فيها الاعمام والاخوال لانهن اذا لم يحتجبن عن من هن عماته ولا خالاته. من ابناء الاخوة والاخوات مع رفعتهن عليهم فعدم احتجابهن عن عمهن وخالهن من باب اولى. ولان منطوق الاية الاخرى المصرحة بذكر العم والخال. مقدمة على ما يفهم من هذه الاية وقوله ولا نسائهن اي لا جناح عليهن الا يحتجبن عن نسائهن اي اللاتي من جنسهن في الدين. فيكون ذلك مخرجا لنساء الكفار ويحتمل ان المراد جنس النساء. فان المرأة لا تحتجب عن المرأة. ولا ما ملكت ايمانهن ما دام العبد في ملكها جميعه. ولما ارفع الجناح عن هؤلاء شرط فيه وفي غيره لزوم تقوى الله. والا يكون في محظور شرعي. فقال واتقين الله اي استعملن تقواه في جميع الاحوال ان الله كان على كل شيء شهيدا. يشهد اعمال العباد ظاهرها وباطنها. ويسمع اقوالهم ويرى حركاتهم. ثم جازيهم على ذلك اتم الجزاء واوفاه الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. وهذا فيه تنبيه على كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعة درجته وعلو منزلته عند الله وعند خلقه ورفع ذكره. وان الله تعالى وملائكته يصلون عليه. ان يثني الله عليه بين الملائكة وفي الملأ اعلى لمحبته تعالى له. وتثني عليه الملائكة المقربون. ويدعون له ويتضرعون اقتداء بالله وملائكته وجزاء له على بعض حقوقه عليكم. وتكميلا لايمانكم زيادة في حسناتكم وتكفيرا من سيئاتكم وافضل هيئات الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام ما علم به اصحابه. اللهم صل على محمد محمد وعلى ال محمد كما صليت على ال ابراهيم انك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ال ابراهيم انك حميد مجيد. وهذا الامر بالصلاة والسلام عليه مشروع في جميع الاوقات. واوجبه كثير من العلماء في الصلاة الذين يؤدون الله ورسوله لعنهم الله في لما امر تعالى بتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام عليه نهى عن اذيته وتوعد عليها فقال ان الذين الله ورسوله وهذا يشمل كل اذية قولية او فعلية من سب وشتم او تنقص له او لدينه او ما يعود عليه بالاذى لعنه الله في الدنيا اي ابعدهم وطردهم. ومن لعنهم في الدنيا انه يحتم قتل من شتم الرسول صلى الله عليه وسلم واذاه. والاخرة واعد لهم عذابا اليما. جزاء له على اذاه. ان يؤذى بالعذاب الاليم. فاذية الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كاذية غيره. لانه صلى الله الله عليه وسلم لا يؤمن العبد بالله حتى يؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم. وله من التعظيم الذي هو من لوازم الايمان. ما يقتضي ذلك الا يكون مثل غيره وان كانت اذية المؤمنين عظيمة واثمها عظيما. ولهذا قال فيها والذين يؤذون المؤمنين المؤمنات بغير ما اكتسبوا اي بغير جناية منهم موجبة للاذى. فقد احتملوا على ظهورهم بهتانا. حيث اذوهم بغير سبب واثما حيث تعدوا عليهم وانتهكوا حرمة امر الله باحترامها. ولهذا كان سب احاد المؤمنين موجبا للتعزير. بحسب حالته مرتبته فتعزير من سب الصحابة ابلغ وتعزير من سب العلماء واهل الدين اعظم من غيرهم هذه الاية التي تسمى اية الحجاب. فامر الله نبيه ان يأمر النساء عموما. ويبدأ بزوجاته وبناته. لانهن اكد من غيرهن. ولان الامر لغير ينبغي ان يبدأ بأهله قبل غيرهم. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا قوا انفسكم واهليكم نارا. ان يدنين عليهن من جلابيب بهن وهن اللاتي يكن فوق ثياب من ملحفة وخمار ورداء ونحوه. ان يغطين بها وجوههن وصدورهن. ثم ذكر حكمة ذلك فقال ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين دل على وجود اذية ان لم يحتجبن. وذلك لانهن اذا لم يحتجبن ربما ظن انهن غير عفيفات فيتعرض لهن من في به مرض فيؤذيهن وربما استهين بهن وظن انهن اماء فتهاون بهن من يريد الشر. فالاحتجاب حاسم لمطامع الطامعين فيه حيث غفر لكم ما سلف ورحمكم بان بين لكم الاحكام واوضح الحلال والحرام فهذا سد للباب من جهتهن. واما من جهة اهل الشر فقد توعدهم بقوله مجاورونك فيها الا قليلا. لان لم ينتهي المنافقون والذين في قلوبهم مرض. اي مرض شك او شهوة. والمرجفون في المدينة اي المخوفون المرهبون الاعداء المحدثون بكثرتهم وقوتهم وضعف المسلمين. ولم يذكر المعمول الذي ينتهون عنه رغم ذلك كل ما توحي به انفسهم اليه وتوسوس به وتدعو اليه من الشر. من التعريض بسب الاسلام واهله. والارجاف بالمسلمين وتوهين قواهم والتعرض للمؤمنات بالسوء والفاحشة وغير ذلك من المعاصي الصادرة من امثال هؤلاء لنغرينك بهم اي نأمرك بعقوبتهم ونسلطك عليهم ثم اذا فعلنا ذلك لا طاقة لهم بك وليس لهم قوة ولا امتناع ولهذا قال يجاورونك فيها الا قليلا. اي لا يجاورونك في المدينة الا قليلا. بان تقتلهم او تنفيهم. وهذا فيه دليل في اهل الشر الذين يتضرر باقامتهم بين اظهر المسلمين. فان ذلك احسن للشر وابعد منه. ويكونون ملعونين اي مبعدين اين وجدوا؟ لا يحصل لهم امن ولا يقر لهم قرار يخشون ان يقتلوا او يحبسوا او يعاقبوا. ان من تمادى في العصيان وتجرأ على الاذى ولم ينته منه فانه يعاقب عقوبة بليغة اي تغيير بل سنة الله تعالى وعادته جارية مع الاسباب المقتضية لاسبابها انما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا. ان الناس عن الساعة استعجالا لها. وبعضهم تكذيبا لوقوعها. وتعجيزا للذي اخبر بها. قل لهم انما علمها عند الله. اي لا يعلمها الا الله فليس لي ولا لغيري بها علم. ومع هذا فلا تستبطئوها فيما ومجرد مجيء الساعة قربا وبعدا ليس تحته نتيجة ولا فائدة. وانما النتيجة والخسار والربح والشقاء والسعادة هل يستحق العبد العذاب او يستحق الثواب؟ فهذه ساخبركم بها. واصف لكم مستحقها. فوصف مستحق العذاب ووصف العذاب لان الوصفة المذكورة منطبق على هؤلاء المكذبين بالساعة. فقال خيرا خالدين فيها ابدا لا يجدون وليا ولا نصيرا. ان الله لعن الكافرين اي الذين صار الكفر دأبهم وطريقتهم الكفر بالله وبرسله. وبما جاءوا به من عند الله. فابعدهم في الدنيا والاخرة من رحمته بذلك عقابا واعد لهم سعيرا. اي نارا موقدة تسعر في اجسامهم. ويبلغ العذاب الى افئدتهم. ويخلدون في ذلك العذاب شديد فلا يخرجون منه ولا يفتر عنهم ساعة. ولا يجدون لهم وليا فيعطيهم ما طلبوه ولا نصيرا يدفع عنهم العذاب. بل قد تخلى عنهم الولي والنصير. واحاط بهم عذاب السعير. وبلغ منهم مبلغا عظيما ولهذا قال يا ليتنا اطعنا الله واطعنا الرسول. يوم تقلب وجوههم في النار فيذوقون حرها ويشتدون عليهم امرها ويتحسرون على ما اسلفوا. يا ليتنا اطعنا الله واطعنا الرسول اه فسلمنا من هذا العذاب واستحققنا كالمطيعين جزيل الثواب. ولكن امنية فات وقتها فلم تفدهم الا حسرة وندما وهما قليلا لقد اضلني عن الذكر بعد اذ جاءني. ولما علموا انهم هم وكبراءهم مستحقون للعقاب. ارادوا ان يشتفوا ممن اضلوهم فقالوا فيقول الله لكل ضعف. فكلكم اشتركتم في الكفر والمعاصي. فتشتركون في العقاب. وان تفاوت عذاب بعضكم على بعض بحسب تفاوت الجرم يحذر جعل عباده المؤمنين عن اذية رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم. النبي الكريم الرؤوف الرحيم. فيقابلوه بضد ما يجب له من الاكرام احترام والا يتشبهوا بحال الذين اذوا موسى ابن عمران كليم الرحمن فبرأه الله مما قالوا من الاذية اي اظهر الله لهم براءته والحال انه عليه الصلاة والسلام ليس محل التهمة والاذية. فانه كان وجيها عند الله مقربا لديه. من خواص المرسلين ومن عباده المخلصين فلم يزجرهم ما له من الفضائل عن اذيته والتعرض له بما يكره. فاحذروا ايها المؤمنون ان تتشبهوا بهم في ذلك. والاذية المشار اليه هي قول بني اسرائيل لموسى لما رأوا شدة حيائه وتستره عنهم انه ما يمنعه من ذلك الا انه ادر اي كبير الخصيتين واشتهر ذلك عندهم فاراد الله ان يبرئه منهم فاغتسل يوما ووضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فاهوى موسى عليه السلام في طلبه فمر به على مجالس بني اسرائيل فرأوه احسن خلق الله فزال عنه ما رموه به امنوا اتقوا الله اتقوا الله وقولوا قولا يأمر تعالى المؤمنين بتقواه في جميع احوالهم في السر والعلانية ويخص منها ويندب للقول السديد. وهو القول الموافق للصواب او المقارب له عند تعذر اليقين. من قراءة وذكر وامر بمعروف نهيا عن منكر وتعلم علم وتعليم. والحرص على اصابة الصواب في المسائل العلمية. وسلوك كل طريق موصل لذلك. وكل وسيلة تعين عليه ومن القول السديد لين الكلام ولطفه في مخاطبة الانام. والقول المتضمن للنصح والاشارة بما هو الاصلح. ثم ذكر ما يترتب على تقواه وقول القول السديد فقال يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. يصلح لكم اعمالكم ان يكونوا ذلك سببا لصلاحها وطريقا لقبولها. لان استعمال التقوى تتقبل به الاعمال. كما قال تعالى انما يتقبل الله من المتقين يوفق فيه الانسان للعمل الصالح. ويصلح الله الاعمال ايضا بحفظها عما يفسدها. وحفظ ثوابها ومضاعفته. كما ان الاخلال بالتقوى والقول جديد سبب لفساد الاعمال وعدم قبولها وعدم ترتب اثارها عليها. ويغفر لكم ايضا ذنوبكم التي هي السبب في هلاككم فالتقوى تستقيم بها الامور ويندفع بها كل محذور. ولهذا قال ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فابين ان وحملها يعظم تعالى شأن الامانة التي ائتمن الله عليها المكلفين. التي هي امتثال الاوامر واجتناب المحارم في حال السر والخفية كحال العلانية. وانه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة السماوات والارض والجبال. عرض تخيير لا تحطيم. وان ان قمت بها واديتها على وجهها فلك الثواب. وان لم تقومي بها ولم تؤديها فعليك العقاب. فابين ان يحملنها واشفقن منها اي خوفا الا يقمن بما حملن. لا عصيانا لربهن ولا زهدا في ثوابه. وعرضها الله على الانسان على ذلك الشرط المذكور. فقبلها وحملها مع ظلمه وجهله وحمل هذا الحمل الثقيل فانقسم الناس بحسب قيامهم بها وعدمه الى ثلاثة اقسام. منافقون اظهروا انهم قاموا بها ظاهرا لا باطنا. ومشركون تركوها ظاهرا وباطنا. ومؤمنون قاموا بها ظاهرا وباطنا. فذكر الله تعالى اعمال هذه الاقسام الثلاثة وما لهم من الثواب والعقاب. فقال والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين المؤمنات وكان الله غفورا رحيما فله الحمد تعالى حيث ختم هذه الاية بهذين الاسمين الكريمين الدالين على تمام مغفرة الله وسعة رحمته وعموم جوده. مع ان عليهم كثير منهم لم يستحق المغفرة والرحمة لنفاقه وشركه