المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم هذه الايات مشتملات على ذكر ثواب المؤمنين وعقاب العاصين. والسبب في ذلك ودعوة الخلق الى الاعتبار بذلك. فقال الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله. وهؤلاء رؤساء الكفر وائمة الضلال الذين جمعوا بين الكفر بالله واياته والصد لانفسهم وغيرهم عن سبيل الله. التي هي الايمان بما دعت اليه الرسل واتباعه. فهؤلاء اضل الله اعمالهم اي ابطلها واشقاهم بسببها. وهذا يشمل اعمالهم التي عملوها ليكيدوا بها الحق واولياء الله. ان الله جعل كيدهم في نحر حورهم فلم يدركوا مما قصدوا شيئا واعمالهم التي يرجون ان يثابوا عليها ان الله سيحبطها عليهم. والسبب في ذلك انه متبع الباطل وهو كل غاية لا يراد بها وجه الله من عبادة الاصنام والاوثان. والاعمال التي في نصر الباطل. لما كانت باطلة كانت الاعمال لاجلها باطلة. والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد واما الذين امنوا بما انزل الله على رسله عموما وعلى محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا. وعملوا الصالحات بان قاموا بما عليهم من حقوق الله. وحقوق عباده الواجبة والمستحبة كفر الله عنهم سيئاتهم صغارها وكبارها. واذا كفرت سيئاتهم نجوا من عذاب الدنيا والاخرة هم سيئاتهم واصلح بالهم. اي اصلح دينهم ودنياهم وقلوبهم واعمالهم. واصلح ثوابهم بتنميته واصلح جميع احوالهم. والسبب في ذلك انهم اتبعوا الحق الذي هو الصدق واليقين. وما اشتمل عليه هذا القرآن العظيم الصادر من ربهم الذي رباهم بنعمته. ودبرهم بلطفه. فرباهم تعالى بالحق فاتبعوه. وصلحت امورهم. فلما كانت غاية المقصودة لهم متعلقة بالحق المنسوب الى الله الباقي الحق المبين. كانت الوسيلة صالحة باقية. باقيا ثوابها حيث بين لهم تعالى اهل الخير واهل الشر. وذكر لكل منهم صفة يعرفون بها ويتميزون ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة قابل حتى تضع الحرب اوزارها. ذلك ولو يشاء والذين قتلوا في سبيل لله فلن يضل اعمالهم. يقول تعالى مرشدا عباده الى ما فيه صلاحهم ونصرهم على اعدائهم فاذا لقيتم الذين كفروا في الحرب والقتال فاصدقوهم القتال واضربوا منهم الاعناق حتى تدخلوهم وتكسروا شوكتهم شرتهم فاذا فعلتم ذلك ورأيتم الاسر اولى واصلح فشدوا الوثاق اي الرباط وهذا احتياط لاسرهم لان ايهرب فاذا شد منهم الوثاق اطمئن المسلمون من هربهم ومن شرهم. فاذا كانوا تحت اسركم فانتم بالخيار بين المن عليهم واطلاقهم بلا مال ولا فداء. واما ان تفدوهم بالا تطلقوهم حتى يشتروا انفسهم. او يشتريهم اصحابهم بمال او باسير من عندهم وهذا الامر مستمر حتى تضع الحرب اوزارها اي حتى لا يبقى حرب وتبقون في المسالمة والمهادنة فان لكل مقام مقال ولكل حال حكما. فالحال المتقدمة انما هي اذا كان قتال وحرب. فاذا كان في بعض الاوقات لا حرب فيه لسبب من الاسباب فلا قتل ولا اسر. ذلك الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين. ومداولة الايام بينهم وانتصار بعضهم على بعض. ولو يشاء الله لانتصر منهم فانه تعالى على كل شيء قدير. وقادر على الا ينتصر الكفار في موضع واحد ابدا حتى يبيد المسلمون خضراءهم. ليقوم سوق الجهاد ويتبين بذلك احوال العباد الصادق من الكاذب. وليؤمن من امن ايمانا صحيحا عن بصيرة. لا ايمانا مبنيا على متابعة اهل الغلبة فانه ايمان ضعيف جدا. لا يكاد يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا. والذين قتلوا في سبيل الله والذين قتلوا في سبيل الله لهم ثواب جزيل واجر جميل وهم الذين قاتلوا امروا بقتالهم لتكون كلمة الله هي العليا. فهؤلاء لن يضل الله اعمالهم. اي لن يحبطها ويبطلها. بل يتقبلها او ينميها لهم ويظهر من اعمالهم نتائجها في الدنيا والاخرة. سيهديهم الى سلوك الطريق الموصلة الى الجنة. ويصلح بالهم اي حالهم وامورهم. وثوابهم يكون صالحا كاملا. لا نكد فيه ولا تنغير بوجه من الوجوه. اي عرفها اولا بان شوقهم اليها ونعتها لهم وذكر لهم الاعمال الموصلة اليها. التي من جملتها القتل في سبيله. ووفقهم للقيام بما امرهم به ورغبهم هم فيه ثم اذا دخلوا الجنة حرفهم منازلهم وما احتوت عليه من النعيم المقيم والعيش السليم هذا امر منه تعالى للمؤمنين ان ينصروا الله بالقيام بدينه والدعوة اليه. وجهاد اعدائه. والقصد بذلك وجه الله. فانهم اذا فعلوا ذلك نصرهم الله وثبتهم اقدامهم ان يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات. ويصبر اجسامهم على ذلك. ويعينهم على اعدائهم. فهذا وعد من كريم صادق الوعد ان الذي ينصره بالاقوال والافعال سينصره مولاه وييسر له اسباب النصر من الثبات وغيره الذين كفروا فتعسى لهم ما ضل اعمالهم. واما الذين كفروا بربهم ونصروا الباطل فانهم في تعس. اي انتكاس من امرهم وخذلانهم اي ابطل اعمالهم التي يكيدون بها الحق فرجع اكيدهم في نحورهم. وبطلت اعمالهم التي يزعمون انهم يريدون بها وجه الله ذلك الاضلال والتعس للذين كفروا بسبب انهم كرهوا ما انزل الله من القرآن الذي انزله الله صلاحا للعباد. وفلاحا لهم فلم يقبلوه بل ابغضوه وكرهوه. فاحبط اعمالهم في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين امثالها اي افلا يسير هؤلاء المكذبون بالرسول صلى الله عليه وسلم انهم لا يجدون عاقبتهم الا شر العواقب. فانهم لا يلتفتون يمنة ولا يسرة الا وجدوا ما حولهم قد بادوا وهلكوا. واستأصلوا فهم التكذيب والكفر فخمدوا ودمر الله عليهم اموالهم وديارهم. بل دمر اعمالهم ومكرهم وللكافرين في كل زمان ومكان امثال هذه العواقب الوخيمة والعقوبات الذميمة. واما المؤمنون فان الله تعالى ينجيهم من العذاب. ويجزل لهم كثير الثواب. ذلك بان الله مولى الذين امنوا فتولاهم برحمته فاخرجهم من الظلمات الى النور وتولى جزاءهم ونصرهم وان الكافرين بالله تعالى حيث قطعوا عنهم ولاية الله وسدوا على انفسهم رحمته. لا مولى لهم يهديهم سبل السلام ولا ينجيهم من عذاب الله وعقابه. بل اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون انهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم. لما ذكر تعالى انه ولي المؤمنين ذكر ما يفعل بهم في الاخرة من دخول الجنات التي تجري من تحتها الانهار التي تسقي تلك البساتين الزاهرة والاشجار الناظرة المثمرة لكل زوج بهيج وكل فاكهة لذيذة. ولما ذكر ان الكافرين لا مولى لهم ذكر ان هم وكلوا الى انفسهم فلم يتصفوا بصفات المروءة ولا الصفات الانسانية. بل نزلوا عنها دركات. وصاروا كالانعام التي لا لها ولا فضل. بل جل همهم ومقصدهم. التمتع بلذات الدنيا وشهواتها. فترى حركاتهم الظاهرة والباطنة دائرة حوله انها غير متعدية لها الى ما فيه الخير والسعادة. ولهذا كانت النار مثوى لهم. اي منزلا معدا. لا يخرجون منها ولا يفتر عنهم من عذابها اي وكم من قرية من قرى المكذبين هي اشد قوة من قريتك في الاموال والاولاد والاعوان والابنية والالات اهلكناهم حين كذبوا رسلنا ولم تفد فيهم المواعظ. فلم نجد لهم ناصرا ولم تغني عنهم قوتهم من عذاب الله فكيف حال هؤلاء الضعفاء؟ اهل قريتك؟ اذ اخرجوك عن وطنك وكذبوك. وعادوك وانت افضل المرسلين. وخير الاولين والاخرين. اليسوا باحق من غيرهم بالاهلاك والعقوبة؟ لولا ان الله تعالى بعث رسوله بالرحمة والتأني بكل كافر وجار