المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الخامس والثلاثون والثلاثمائة الحديث الخامس عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم مكة قتلته ذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية فقام النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم فقال ان الله عز وجل قد حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وانها لم تحل لاحد كان قبلي ولا تحل لاحد بعدي وانما احلت لي ساعة من النهار وانها ساعتي هذه حرام لا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا تلتقط ساقطتها الا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما ان يقتل واما ان يفدى فقام رجل من اهل اليمن يقال له ابو شاة فقال يا رسول الله اكتبوا لي فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اكتبوا لابي شاة ثم قام العباس فقال يا رسول الله الا الادخر فانا نجعله في بيوتنا وقبورنا فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم الا الادخر رواه البخاري ومسلم قال الشيخ السعدي رحمه الله في تعليقاته وقوله في حديث ابي هريرة لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم مكة وذلك سنة ثمان من الهجرة قتلته ذيل رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية اي انهم تغانموا الفرصة واخذوا ثأرهم فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اي مذكرا بحرمة مكة ولاجل هذه الواقعة فقال ان الله حبس عن مكة الفيل هو الذي ذكر الله قصته في القرآن بقوله بسم الله الرحمن الرحيم الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل الم يجعل كيدهم في تضليل وارسل عليهم طيرا ابابيل اي جماعات متفرقة ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول اي لما ارادوا تخريب بيت الله الحرام وكان اصحاب الفيل نصارى واهل مكة مشركين والنصارى اذ ذاك احسنوا حالا من المشركين ولكن الله تعالى حمى بيته وحرمه من كيدهم وان كان اهله على غير حق فهذا اكرام لبيته وحفظ له قوله وسلط عليها رسوله والمؤمنين اي اباح لهم القتال فيها ولهذا قال وانها لم تحل لاحد كان قبلي ولا تحل لاحد بعدي وانما احلت لي ساعة من نهار اي وقد مضت تلك الساعة ولهذا قال وانها ساعتي هذه حرام وفسر التحريم بقوله لا يعضد شجرها اي لا يقطع وهذا عام لجميع الشجر ولا يختلى خلاها وهو الحشيش الرطب اي لا يحش ولا يعضد شوكها اين يقطع حتى الشوك مع انه مؤذ ولا تلتقط ساقطتها اي لقطتها الا لمنشد اي كما تقدم انها لا تملك كلقطة غيرها بل يعرفها دائما وابدا او يدفعها الى الامام او يتصدق بها عن صاحبها بقصد الضمان ان وجده فان وجد صاحبها خيره فان شاء ضمنه والاجر للملتقط وان شاء امضى الصدقة وله الاجر وهذا هو الصحيح والحرم له احكام كثيرة تختص به دون غيره وقد تقدم بعضها ومن تتبع ما ذكره الفقهاء ظفر بكثير منها وقوله ومن قتل له قتيل اي سواء كان ذكرا او انثى صغيرا او كبيرا فهو اي ولي المقتول وهو وارثه بخير النظرين اما ان يقتل ان يقتاد من القاتل واما ان يفدى اي وان احب الفداء فله ذلك ففيه على ان الخيرة بيدي اولياء المقتول وهم ورثته والافضل لهم العفو مطلقا ثم العفو الى الدية ما لم يكن ثم مرجح للقود فالافضل اذا ان يقتاد وفيه انه لو عدل الى الدية لمكن من الرجوع الى القود وفيه انه يجب على القاتل الدية اذا طلبها اولياء المقتول لان الخيرة لهم وفيه انه يجوز ان يتراضوا على اكثر من الدية ولهذا لما ثبت القتل على هدبة بن خشرم من التابعين لبس حتى بلغ ابن القتيل فخير فاختار القود فاجتمع ناس من افاضل التابعين منهم عبد الله بن جعفر وجماعة معه فبذلوا لابن القتيل سبع ديات ويعفو فابى وقصته مشهورة فلما كانت هذه الخطبة جليلة القدر عظيمة الفائدة قام رجل من اهل اليمن يقال له ابو شاة فقال يا رسول الله اكتبوا لي اي مضمون هذه الخطبة وما اشتملت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم اكتبوا لابي شاة فاستدل بهذا على مشروعية كتابة العلم وفي الكتابة فوائد كثيرة ومصالح عظيمة فلولا الكتاب لضاعت مصالح الناس الدينية والدنيوية ولهذا امتن الله تعالى على خلقه في اول سورة نزلت بتعليمه القلم فقال اقرأ باسم ربك الى اخره فلا يمكن حفظ القرآن والسنن ومسائل العلم بدونها وكذلك لولاها لم يمكن الناس المتاجرة الا بالتجارة المتداولة فمصالح الكتابة كثيرة وقد امر الله تعالى من علمه الكتابة ان يكتب لمن لا يعرف الكتابة فقال ولا يأبى كاتب ان يكتب كما علمه الله وهكذا كل من انعم الله عليه بنعمة فينبغي ان يبذل من تلك النعمة لمن حرم منها كالغني يؤمر بالصدقة على الفقير ونحو ذلك وفيه مشروعية كتاب الحاكم الى حاكم او الى من يصل اليه كتابه وفيه انه لا يشترط ان يحضر الحاكم شاهدين ويقرأ عليهما كتابه ويقول اشهدا ان هذا كتابي الى فلان ابن فلان كما اشترط ذلك بعضهم وهو مذهب احمد ولكنه ضعيف جدا فالصحيح والعمل على خلافه منذ ازمنة طويلة ولا دليل مع من اشترط ذلك فقد كان صلى الله عليه وعلى اله وسلم لا يستعمل ذلك ولم يأمر به وقوله ثم قال العباس يا رسول الله الا الاذخر اي لما بين لهم تحريم جميع نبات الحرم ذكره استثناء الاذخر وبين حاجتهم الى ذلك بقوله فانا نجعله في بيوتنا اي فوق السقوف ويجعلون الطين عليه وفي قبورنا اي على خلل اللبن بمنزلة الوشايض عندنا وقد تقدم في المناسك انه قال فانه لقينهم اي الحداد يقبس به لانه سريع الولوع والاذخر نبت معروف ذكي طيب الرائحة فقال الا الادخر لما علم حاجتهم وقد ادبه الله تعالى وعلمه ما لم يعلم فعلم حكمة الله ورحمته وتيسيره على خلقه فذكر اباحته وقد تقدم ان في هذا فضل العباس رضي الله عنه وتقدم ان جميع نبات الحرم محرم ويستثنى من ذلك اشياء منها الاذخر ومنها ما زرعه او غرسه الادمي ومنها الشجر اليابس ومنها ما وجده منفصلا عن شجر ولو كان رطبا ومنها الكمأة وهو الفقع ويجوز ترك البهائم ترعى برؤوسها وما سوى ذلك لا يجوز قطعه