المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي اي لا يستوي من هو على بصيرة من امر دينه علما وعملا قد علم الحق واتبعه ورجى ما وعده الله لاهل الحق كمن هو اعمى القلب. قد رفض الحق واضله واتبع هواه بغير هدى من الله. ومع ذلك يرى ان ما هو عليه من الحق فما ابعد الفرق بين الفريقين وما اعظم التفاوت بين الطائفتين اهل الحق واهل الغي غير اس وانهار من خمر لذة للشق ولهم ومغفرة من ربهم كمن هو خالد كمن هو حميما. وسقوما اي مثل الجنة التي اعدها الله عبادة الذين اتقوا سخطه واتبعوا رضوانه اي نعتها وصفتها الجميلة غير اس. اي غير متغير لا بوخم ولا بريح منتنة. ولا بمرارة ولا بقدورة بل هو اعذب المياه واصفاها واطيبها ريحا والذها شربا لم يتغير طعمه. بحموضة ولا غيرها. وانهار من خمر اللذة هاربين. اي يلتذ به شاربه لذة عظيمة. لا كخمر الدنيا الذي يكره مذاقه. ويصدع الرأس ويغول العقل من شمعه وسائر اوساخه ومغفرة من ربهم. ولهم فيها من كل الثمرات من نخيل وعنب وتفاح ورمان واتروج وتين وغير ذلك مما لا نظير له في الدنيا. فهذا المحبوب المطلوب قد حصل لهم ثم قال ومغفرة من ربهم يزول بها عنهم المرهوب. هؤلاء خير ام من هو خالد في النار التي اشتد حرها؟ وتضاعف عذابها كمن هو خالد في النار وسقوما حميما الحبيب وسقوفهم فيها ماء حميما اي حارا جدا. فسبحان من فاوت بين الدارين والجزائين والعاملين والعملين قانون الذين اوتوا العلم ماذا قال انفا. اولئك الذين طبع الله على قلوبهم يقول تعالى ومن المنافقين من يستمع اليك ما تقول استماعا لا عن وانقياد بل معرضة قلوبهم عنه. ولهذا قال حتى اذا خرجوا من عندك قالوا للذين اوتوا العلم مستفهمين عما قلت وما سمعوا مما لم يكن لهم فيه رغبة. ماذا قال انفا؟ اي قريبا. وهذا في غاية الذم لهم. فانهم لو كانوا حريصين على الخير لالقوا اليه اسماعهم ووعته قلوبهم وانقادت له جوارحهم ولكنهم بعكس هذه الحال. ولهذا قال اولئك الذين طبع الله على قلوبهم ما اتبعوا اهواءهم. اي ختم عليها وسد ابواب الخير التي تصل اليها بسبب اتباعهم اهواءهم. التي لا يهوون فيها الا الباطل. ثم بين حال المهتدين فقال والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم والذين اهتدوا بالايمان والانقياد واتباع ما يرضي الله زادهم هدى شكرا منه تعالى لهم على ذلك. اي وفقهم للخير حفظهم من الشر. فذكر للمهتدين جزائين العلم النافع والعمل الصالح. فهل ينظرون الا الساعة اشراطها فانى لهم اذا فائتهم ذكراهم. اي فهل ينظر هؤلاء المكذبون او ينتظرون؟ الا الساعة ان تأتيهم بغتة. اي فجأة وهم لا يشعرون فقد جاء اشراطها اي علاماتها الدالة على قربها اي من اين لهم؟ اذا جاءتهم الساعة وانقطعت اجالهم ان يتذكروا تعتيب فقد فات ذلك وذهب وقت التذكر. فقد عمروا ما يتذكر فيه من تذكر. وجاءهم النذير. ففي هذا الاستعداد قبل مفاجأة الموت فان موت الانسان قيام ساعته فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لي والله يعلم متقلبكم ومثواكم العلم لابد فيه من اقرار القلب ومعرفته. بمعنى ما طلب منه علمه. وتمامه ان يعمل بمقتضاه. وهذا العلم الذي امر الله به وهو العلم بتوحيد الله فرض عين على كل انسان لا يسقط عن احد كائنا من كان. بل كل مضطر الى ذلك والطريق الى العلم بانه لا اله الا الله امور احدها بل اعظمها تدبر اسمائه وصفاته وافعاله الدالة على كماله عظمته وجلالته فانها توجب بذل الجهد في التأله له. والتعبد للرب الكامل الذي له كل حمد ومجد وجلال وجمال العلم بانه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير. في علم بذلك انه المنفرد بالالوهية. الثالث العلم بانه المنفرد من عن الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية. فان ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته. والتأله له وحده لا شريك له ما نراه ونسمعه من الثواب لاوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة. ومن عقوبته لاعدائه المشركين به. فان ان هذا داع الى العلم بانه تعالى وحده المستحق للعبادة كلها. الخامس معرفة اوصاف الاوثان والانداد التي عبدت مع الله واتخذت الهة وانها ناقصة من جميع الوجوه فقيرة بالذات. لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ولا ينصرون من عبدهم ولا ينفعونهم بمثقال ذرة. من جلب خير او دفع شر. فان العلم بذلك يوجب العلم بانه لا اله الا هو وبطلان الهية ما سواه. السادس اتفاق كتب الله على ذلك وتواطؤها عليه السابع ان خواص الخلق الذين هم اكمل الخليقة اخلاقا وعقولا ورأيا وصوابا وعلما وهم الرسل والانبياء والعلماء قد شهدوا لله بذلك. الثامن ما اقامه الله من الادلة الافقية والنفسية. التي تدل على التوحيد اعظم دلالة وتنادي عليه بلسان حالها بما اودعها من لطائف صنعته وبديع حكمته وغرائب خلقه. فهذه الطرق التي اكثر الله من دعوة الخلق بها الى انه لا اله الا الله. وابداها في كتابه واعادها عند تأمل العبد في بعضها. لابد ان يكون عنده يقين وعلم بذلك. فكيف اذا اجتمعت وتواطأت واتفقت؟ وقامت ادلة التوحيد من كل جانب. فهناك يرسخ الايمان والعلم بذلك في قلبه بالعبد بحيث يكون كالجبال الرواسي لا تزلزله الشبه والخيالات. ولا يزداد على تكرر الباطل والشبه الا نموا وكمالا هذا وان نظرت الى الدليل العظيم والامر الكبير وهو تدبر هذا القرآن العظيم والتأمل في اياته. فانه الباب الاعظم والى العلم بالتوحيد ويحصل به من تفاصيله وجمله ما لا يحصل في غيره. وقوله واستغفر لذنبك اي اطلب من الله المغفرة بان تفعل اسباب المغفرة من التوبة والدعاء بالمغفرة. والحسنات الماحية وترك الذنوب والعفو عن الجرائم. واستغفر ايضا للمؤمنين والمؤمنات فانهم بسبب ايمانهم كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة. ومن جملة حقوقهم ان يدعو لهم ويستغفر ولذنوبهم واذا كان مأمورا بالاستغفار لهم المتضمن لازالة الذنوب وعقوباتها عنهم فان من لوازم ذلك النصح لهم وان يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه. ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه. ويأمرهم بما فيه الخير لهم. وينهاهم عما فيه ضررهم ويعفو عن مساوئهم ومعايبهم ويحرص على اجتماعهم اجتماعا تتألف به قلوبهم. ويزول ما بينهم من الاحقاد المفضية للمعاداة والشقاق الذي به تكثر ذنوبهم ومعاصيهم. والله يعلم متقلبكم ومثواكم. والله يعلم متقلبكم اي تصرفاتكم وحركاتكم وذهابكم ومجيئكم ومثواكم الذي به تستقرون فهو يعلمكم في الحركات والسكنات فيجازيكم على ذلك اتم الجزاء واوفاه. ويقول الذين امنوا لولا نزلت سورة فاذا انزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم فاولى لهم طاعة الله لكان خيرا لهم. فاذا عزم الامر فلو صدق اتقوا الله لكان خيرا لهم. يقول تعالى ويقول الذين امنوا استعجالا ومبادرة للاوامر الشاقة. لولا نزلت سورة اي فيها الامر بالقتال. فاذا انزلت سورة محكمة اي ملزم العمل بها وذكر فيها القتال الذي هو اشق كل شيء على النفوس لم يثبت ضعفاء المؤمنين على امتثال هذه الاوامر. ولهذا قال نظر المغشي عليه من الموت من كراهتهم لذلك وشدته عليهم. وهذا كقوله تعالى الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم واقيموا الصلاة واتوا الزكاة. فلما كتب عليهم القتال. اذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله او اشد خشية. ثم ندبهم تعالى الى ما هو الاليق بحالهم. فقال قال اي فاولى لهم ان يمتثلوا الامر الحاظر المحتم عليهم ويجمعوا عليه هممهم ولا يطلبوا ان يشرع لهم ما هو شاق عليهم. وليفرحوا بعافية الله تعالى وعفوه. فاذا عزم الامر فلو صدق الله لكان خيرا لهم. فاذا عزم الامر اي جاءهم الامر جد وامر محتم. ففي هذه الحال لو صدق اتقوا الله بالاستعانة به وبذل الجهد في امتثاله. لكان خيرا لهم من حالهم الاولى. وذلك من وجوه منها ان العبد ناقص من كل في وجه لا قدرة له الا ان اعانه الله. فلا يطلب زيادة على ما هو قائم بصدده. ومنها انه اذا تعلقت نفسه بالمستقبل ضعف عن العمل بوظيفة وقته وبوظيفة المستقبل. اما الحال فلان الهمة انتقلت عنه الى غيره. والعمل تبع للهمة. واما فانه لا يجيء حتى تفتر الهمة عن نشاطها فلا يعان عليه. ومنها ان العبد المؤمل للامال المستقبلة مع عن عمل الوقت الحاضر شبيه بالمتألي الذي يجزم بقدرته على ما يستقبل من اموره فاحرى به ان يخذل ولا يقوم بما هم به ووطنه نفسه عليه. فالذي ينبغي ان يجمع العبد همه وفكرته ونشاطه على وقته الحاضر. ويؤدي وظيفته بحسب قدرته. ثم كلما جاء وقت استقبله بنشاط وهمة عالية مجتمعة غير متفرقة مستعينا بربه في ذلك فهذا حري بالتوفيق والتسديد في جميع اموره ثم ذكر تعالى حالة المتولي عن طاعة ربه وانه لا يتولى الى خير بل الى شر. فقال توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين اعانهم الله اي فهما امران. اما التزام لطاعة الله وامتثال لاوامره. فثم الخير والرشد والفلاح واما اعراض عن ذلك وتول عن طاعة الله فما ثم الا الفساد في الارض بالعمل بالمعاصي. وقطيعة الارحام. اول اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم واعمى ابصارهم. اولئك الذين ما افسدوا في الارض وقطعوا ارحامهم لعنهم الله بان ابعدهم عن رحمته. وقربوا من سخط الله اي جعلهم لا يسمعون ما ينفعهم ولا يبصرونه. فلهم اذان ولكن لا تسمع سماع اذعان وقبول انما تسمع سماعا تقوم به حجة الله عليها. ولهم اعين ولكن لا يبصرون بها العبر والايات. ولا يلتفتون بها الى البراهين بينات اي فهل لا يتدبر هؤلاء المعرضون لكتاب الله؟ ويتأملونه حق التأمل. فانهم لو تدبروه لدلهم على كل خير ولحذرهم من كل شر. ولملأ قلوبهم من الايمان وافئدتهم من الايقان. ولا اوصلهم الى المطالب العالية والمواهب الغالية بين لهم الطريق الموصلة الى الله والى جنته ومكملاتها ومفسداتها. والطريق الموصلة الى العذاب وباي شيء تحذر؟ ولعل فهم بربهم واسمائه وصفاته واحسانه. ولشوقهم الى الثواب الجزيل. ورهبهم من العقاب الوبيل اي قد اغلق على ما فيها من الشر واقفلت فلا يدخلها خير ابدا. هذا هو الواقع ان الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وامر يخبر تعالى عن حالة المرتدين عن الهدى والايمان على اعقابهم الى الضلال والكفران. ذلك لا عن دليل دلهم ولا برهان وانما هو تسويل من عدوهم الشيطان وتزيين لهم. واملاء منه لهم. يعدهم ويمنيهم. وما يعدهم الشيطان الا غرورا ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر والله يعلم اسرارهم. وذلك انهم قد تبين لهم الهدى فزهدوا فيه ورفضوه. وقالوا للذين كرهوا ما نزل الله من المبارزين العداوة لله ولرسوله. سنطيعكم في بعض الامر. اي الذي يوافق اهواءهم. فلذلك عاقبهم الله بالضلال اقامة على ما يوصلهم الى الشقاء الابدي والعذاب السرمدي. فلذلك فضحهم وبينها لعباده المؤمنين بان لا يغتروا بها. فكيف اذا توفتهم الملائكة فكيف ترى حالهم الشنيعة ورؤيتهم الفظيعة اذا توفتهم الملائكة الموكلون فبقبض ارواحهم. بالمقامع الشديدة الله وكرهوا رضوانه فاحبط اعمالهم. ذلك العذاب الذي استحقه حقوه ونالوه بسبب انهم اتبعوا ما اسخط الله. من كل كفر وفسوق وعصيان. وكرهوا رضوانه. فلم يكن لهم رغبة فيما يقربهم اليه ولا يدنيهم منه. فاحبط اعمالهم اي ابطلها واذهبها. وهذا بخلاف من اتبع ما ارض الله وكره سخطه. فانه سيكفر عنه سيئاته. ويضاعف اجره وثوابه