المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن لا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب. بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب اولئك هم الظالمون. وهذا ايضا من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض. الا يسخر قوم من قوم بكل وقول وفعل دال على تحقير الاخ المسلم. فان ذلك حرام لا يجوز. وهو دال على اعجاب الساخر بنفسه. وعسى ان يكون المسخور وبه خيرا من الساخر. كما هو الغالب والواقع. فان السخرية لا تقع الا من قلب ممتلئ من مساوئ الاخلاق. متحل بكل خلق تميم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم بحسب امرئ من الشر ان يحقر اخاه المسلم ثم قال ولا تلمزوا اي لا يعب بعضكم على بعض. واللمز بالقول والهمز بالفعل. وكلاهما منهي عنه حرام. متوعد عليه بالنار كما قال تعالى ويل لكل همزة لمزة وسمى الاخ المؤمن نفسا لاخيه لان المؤمنين ينبغي ان يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد واحد ولانه اذا همز غيره اوجب للغير ان يهمزه فيكون هو المتسبب لذلك اي لا يعير احدكم اخاه ويلقبه بلقب ذم يكره ان يطلق عليه. وهذا هو التنابز. واما الالقاب غير المذمومة فلا تدخلوا في هذا اي بئس ما تبدلتم عن الايمان والعمل بشرائعه. وما تقتضيه بالاعراض عن اوامره ونواهيه. باسم الفسوق والعصيان الذي هو التنابز بالالقاب. فهذا هو الواجب على العبد ان يتوب الى الله تعالى ويخرج من حق اخيه المسلم باستحلاله والاستغفار والمدح له مقابلة على ذمه اولئك هم الظالمون. فالناس قسمان ظالم لنفسه غير تائب. وتائب مفلح. ولا ثم قسم ثالث غيره تجسسوا ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه. واتقوا الله ان الله تواب رحيم. نهى تعالى عن كثير من ظن السوء بالمؤمنين فان بعض الظن اثم. وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة. وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الاقوال والافعال المحرمة. فان بقاء ظن السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك. بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي ويفعل ما لا ينبغي. وفي ذلك ايضا اساءة الظن بالمسلم. وبغضه وعداوته. المأمور بخلاف ذلك منه اي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها. واتركوا المسلم على حاله. واستعملوا التغافل عن احواله. التي اذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي. ولا يغتب بعضكم بعضا. والغيبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذكرك اخاك بما يكره ولو كان انا في ثم ذكر مثلا منفرا عن الغيبة فقال شبه اكل لحمه ميتا المكروه للنفوس غاية الكراهة باغتيابه. فكما انكم تكرهون اكل لحمه وخصوصا اذا كان ميتا فاقد الروح فكذلك فلتكرهوا غيبته واكل لحمه حيا. واتقوا الله ان الله تواب الرحيم. والتواب الذي يأذن بتوبة عبده فيوفقه لها. ثم يتوب عليه بقبول توبته. رحيم بعباده. حيث دعاهم الى ما ينفعهم وقبل منهم التوبة. وفي هذه الاية دليل على التحذير الشديد من الغيبة. وان الغيبة من الكبائر لان الله شبهها باكل لحم الميت وذلك من الكبائر وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير. يخبر على انه خلق بني ادم من اصل واحد وجنس واحد. وكلهم من ذكر وانثى. ويرجعون جميعهم الى ادم وحواء. ولكن الله تعالى بث منهما رجالا كثيرا ونساء وفرقهم وجعلهم شعوبا وقبائل اي قبائل صغارا وكبارا وذلك لاجل ان يتعارفوا فانهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه لم يحصل بذلك التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون والتوارث والقيام بحقوق الاقارب. ولكن الله جعلهم شعوبا وقبائل لاجل ان تحصل هذه الامور وغيرها. مما يتوقف على التعارف ولحوق الانساب ولكن الكرم بالتقوى فاكرمهم عند الله اتقاهم. وهو اكثرهم طاعة وانكفافا عن المعاصي. لا اكثرهم قرابة وقوما ولا اشرفهم نسبا. ولكن الله تعالى عليم خبير. يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ظاهرا وباطنا. ممن بذلك ظاهرا لا باطنا. فيجازي كلا بما يستحق. وفي هذه الاية دليل على ان معرفة الانساب مطلوبة مشروعة. لان الله جعل جعلهم شعوبا وقبائل لاجل ذلك ولما يدخل الايمان في قلوبكم. وان تطيعوا الله ورسوله لا يرثكم من اعمالكم شيئا ان الله غفور رحيم. يخبر تعالى عن مقالة الاعرابي الذين دخلوا في الاسلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولا من غير بصيرة ولا قيام بما يجب يقتضيه الايمان وانهم ادعوا مع هذا قالوا امنا اي ايمانا كاملا مستوفيا لجميع اموره. هذا موجب هذا الكلام. فامر الله رسوله ان يرد عليهم قال الايمان في قلوبكم قل لم تؤمنوا اي لا تدعوا لانفسكم مقام الايمان ظاهرا وباطنا كاملا. ولكن قولوا اسلمنا اي دخلنا في الاسلام واقتصروا على ذلك. والسبب في ذلك انه لما يدخل الايمان في قلوبكم. وانما امنتم خوفا او رجاء او نحو ذلك. مما هو السبب في ايمانكم فلذلك لم تدخل بشاشة الايمان في قلوبكم وفي قوله ولما يدخل الايمان في قلوبكم اي وقت هذا الذي صدر منكم فكان فيه اشارة الى احوالهم بعد ذلك فان كثيرا منهم من الله عليهم بالايمان الحقيقي والجهاد في سبيل سبيل الله ورسوله لا يرثكم من اعمالكم شيئا وان تطيعوا الله ورسوله بفعل خير او ترك شر لا يلدكم من اعمالكم شيئا. اي لا منها مثقال ذرة بل يوفيكم اياها اكمل ما تكون. لا تفقدون منها صغيرا ولا كبيرا الرحيم. غفور لمن تاب اليه واناب. رحيم به. حيث قبل توبته الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وجاهدوا هم الصادقون انما المؤمنون على الحقيقة الذين امنوا بالله ورسوله وجاهدوا في سبيل الله. اي من جمعوا بين الايمان والجهاد في سبيل الله ان من جاهد الكفار دل ذلك على الايمان التام في القلب. لان من جاهد غيره على الاسلام والقيام بشرائعه. فجهاده لنفسه على ذلك من باب اولى واحرى. ولان من لم يقع على الجهاد فان ذلك دليل على ضعف ايمانه. وشرط تعالى في الايمان عدم الريب وهو الشر لان الايمان النافع هو الجزم اليقيني بما امر الله بالايمان به. الذي لا يعتريه شك بوجه من الوجوه. وقوله اي الذين صدقوا ايمانهم باعمالهم الجميلة فان الصدق دعوة كبيرة في كل شيء يدعى يحتاج صاحبه الى حجة وبرهان. واعظم ذلك دعوى الايمان الذي هو مدار السعادة. والفوز الابدي والفلاح السرمدي فمن ادعاه وقام بواجباته ولوازمه فهو الصادق المؤمن حقا. ومن لم يكن كذلك علم انه ليس بصادق في دعوة وليس لدعواه فائدة فان الايمان في القلب لا يطلع عليه الا الله تعالى. فاثباته ونفيه من باب تعليم الله بما في القلب وهذا سوء ادب وظن بالله. ولهذا قال الله يعلم ما في السماوات وما في الارض. والله بكل شيء عليم. وهذا شامل للاشياء كلها التي من جملتها ما في القلوب من الايمان والكفران والبر والفجور. فانه تعالى يعلم ذلك كله ويجازي عليه خيرا فخير وان شرا فشر للايمان فالله يمن عليكم من هداكم للايمان ان كنتم صادقين هذه حالة من احوال من ادعى لنفسه الايمان وليس به. فانه اما ان يكون ذلك تعليما لله. فقد علم انه عالم بكل شيء واما ان يكون قصدهم بهذا الكلام المنة على رسوله. وانهم قد بذلوا له وتبرعوا بما ليس من مصالحهم. بل هو من حظوظه الدنيوية هذا تجمل بما لا يجمل. وفخر بما لا ينبغي لهم ان يفتخروا على رسوله به. فان المنة لله تعالى عليهم. فكما انه تعالى يمن بالخلق والرزق والنعم الظاهرة والباطنة. فمنته عليهم بهدايتهم الى الاسلام. ومنته عليهم بالايمان اعظم من كل شيء ولهذا قال تعالى بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان. بل يمن عليكم من هداكم للايمان ان كنتم صادقين ان الله يعلم غيب السماوات والارض والله بصير بما تعملون اي الامور الخفية فيهما التي تخفى على الخلق كالذي في لجج البحار ومهامه القفار وما جنه الليل او واراه النهار يعلم قطرات الامطار وحبات الرمال ومكنونات الصدور وخبايا الامور. وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين يحصي عليكم اعمالكم ويوفيكم اياها ويجازيكم عليها بما تقتضيه رحمته الواسعة وحكمته البالغة