المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض الحمد الثناء بالصفات الحميدة والافعال الحسنة فلله تعالى الحمد لان جميع صفاته يحمد عليها لكونها صفات كمال وافعاله يحمد عليها لانها دائرة بين الفضل الذي يحمد عليه ويشكر. والعدل الذي يحمد عليه ويعترف بحكمته فيه. وحمد نفسه هنا على ان له ما في السماوات وما في الارض ملكا وعبيدا يتصرف فيهم بحمده وله الحمد في الاخرة لان في الاخرة يظهر من حمده والثناء عليه ما لا يكون في دنيا فاذا قضى الله تعالى بين الخلائق كلهم ورأى الناس والخلق كلهم ما حكم به وكمال عدله وقسطه وحكمته فيه حمدوه كلهم على ذلك. حتى اهل العقاب ما دخلوا النار. الا وقلوبهم ممتلئة من حمده. وان هذا من جراء اعمالهم. وانه عادل في حكمه بعقابهم. واما ظهور حمده في دار النعيم والثواب. فذلك شيء قد تواردت به الاخبار. وتوافق عليه الدليل السمعي والعقلي فانهم في الجنة يرون من توالي نعم الله وادرار خيره وكثرة بركاته وسعة عطاياه التي لم يبقى في قلوب اهل الجنة امنية ولا ارادة. الا وقد اعطي فوق ما تمنى واراد. بل يعطون من الخير ما لم تتعلق به امانيهم. ولم يخطر قلوبهم فما ظنك بحمدهم لربهم في هذه الحال؟ مع ان في الجنة تطمحل العوارض والقواطع. التي تقطع عن معرفة الله ومحبته به والثناء عليه ويكون ذلك احب الى اهلها من كل نعيم. والذ عليهم من كل لذة. ولهذا اذا رأوا الله تعالى وسمعوا كلامه عند خطابه لهم اذهلهم ذلك عن كل نعيم. ويكون الذكر لهم في الجنة كالنفس. متواصلا في جميع الاوقات. هذا اذا اذا اضفت ذلك الى انه يظهر لاهل الجنة في الجنة كل وقت من عظمة ربهم وجلاله وجماله وسعة كماله ما يوجب لهم كمال الحمد والثناء عليه. وهو الحكيم في ملكه وتدبيره. الحكيم في امره ونهيه. الخبير المطلع على سرائر الامور وخفاياها. ولهذا فصل علمه بقوله يعني اعلم ما يلج في الارض اي من مطر وبذر وحيوان. وما يخرج منها من انواع النباتات واصناف الحيوانات. وما ينزل من السماء من الاملاح والارزاق والاقدار وما يعرج فيها من الملائكة والارواح وغير ذلك. ولما ذكر مخلوقاته وحكمته فيها وعلمه باحوالها ذكر مغفرته ورحمته لها فقال اي الذي الرحمة والمغفرة وصفه ولم تزل اثارهما تنزل على عباده كل وقت. بحسب ما قاموا به من مقتضياتهما لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتابه لما بين تعالى عظمته بما وصف به نفسه. وكان هذا موجبا لتعظيمه وتقديسه والايمان به ترى ان من اصناف الناس طائفة لم تقدر ربها حق قدره ولم تعظمه حق عظمته. بل كفروا به وانكروا قدرته على اعادة الاموات قيام الساعة وعارضوا بذلك رسله فقال وقال الذين كفروا اي بالله وبرسله وبما جاءوا به فقالوا بسبب كفرهم لا تأتينا الساعة اي ما هي الا هذه الحياة الدنيا نموت ونحيا. فامر الله رسوله ان يرد قولهم ويقسم على البعث وانه سيأتيهم واستدل على ذلك بدليل من اقر به لزمه ان يصدق بالبعث ضرورة وهو علمه وتعالى الواسع العام فقال عالم الغيب اي الامور الغائبة عن ابصارنا وعن علمنا فكيف بالشهادة ثم اكد علمه فقال لا يعزب اي لا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. اي جميع الاشياء بذواتها واجزائها حتى اصغر ما سيكون من الاجزاء وهو المثاقيل منها اي قد احاط به علمه وجرى به قلمه وتضمنه الكتاب المبين الذي هو اللوح المحفوظ. فالذي لا يخفى عن علمه الذرة فما دونه في جميع الاوقات. ويعلم ما تنقص الارض من الاموات. وما يبقى من اجسادهم قادر على بعثهم من باب اولى وليس بعثهم باعجب من هذا العلم المحيط. ثم ذكر المقصود من البعث فقال ليجزي الذي الذين امنوا بقلوبهم صدقوا الله وصدقوا رسله تصديقا جازما. وعملوا الصالحات تصديقا لايمانهم آآ اولئك لهم مغفرة لذنوبهم بسبب ايمانهم وعملهم يندفع بها كل شر وعقاب. ورزق كريم باحسانهم يحصل لهم به كل مطلوب ومرغوب وامنية والذين سعوا في آياتنا معاجزين اولئك لهم عذاب من رجز اليم والذين سعوا في اياتنا معاجزين اي سعوا فيها كفرا بها وتعجيزا لمن جاء بها وتعجيزا لمن انزلها كما عجزوه وفي الاعادة بعد الموت اولئك لهم عذاب من رجز اليم اي مؤلم لابدانهم وقلوبهم بهم ويرى الذين اوتوا العلم الذي انزل اليك من ربك هو الحق ويهدي الى صراط لما ذكر تعالى انكار من انكر البعث. وانهم يرون ما انزل على رسوله ليس بحق. ذكر حالة الموفقين من العباد وهم اهل العلم. وانهم يرون ما انزل الله على رسوله من الكتاب. وما اشتمل عليه من الاخبار هو الحق. اي الحق منحصر فيه وما خالفه ونقضه فانه باطل. لانهم وصلوا من العلم الى درجة اليقين. ويرون ايضا انه في اوامره ونواهيه ويهدي الى صراط العزيز الحميد. وذلك انهم جزموا بصدق ما اخبر به من وجوه كثيرة. من جهة علمهم لمن اخبر به ومن جهة موافقته للامور الواقعة والكتب السابقة. ومن جهة ما يشاهدون من اخبارها التي تقع عيانا. ومن جهة ما يشاهدون من الايات العظيمة الدالة عليها في الافاق. وفي انفسهم ومن جهة موافقتها لما دلت عليه اسماؤه تعالى واوصافه ويرون في الاوامر والنواهي انها تهدي الى الصراط المستقيم. المتضمن للامر بكل صفة تزكي النفس. وتنمي الاجر العامل وغيره كالصدق والاخلاص وبر الوالدين. وصلة الارحام والاحسان الى عموم الخلق. ونحو ذلك وتنهى عن كل صفة قبيحة تدنس النفس وتحبط الاجر وتوجب الاثم والوزر. من الشرك والزنا والربا والظلم في الدماء والاموال والاعراض. وهذه منقبة اهل العلم وفضيلة وعلامة لهم وانه كلما كان العبد اعظم علما وتصديقا باخبار ما جاء به الرسول واعظم معرفة اوامره ونواهيه كان من اهل العلم الذين جعلهم الله حجة على ما جاء به الرسول. احتج الله بهم على المكذبين المعاندين. كما في هذه الاية وغيرها كل ممزق انكم لفي خلق جديد. اي وقال الذين كفروا على وجه التكذيب والاستهزاء والاستبعاد وذكر وجه الاستبعاد اي قال بعضهم لبعض يعنون بذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه رجل من اتى بما يستغرب منه حتى صار بزعمهم فرجة يتفرجون عليه. واعجوبة يسخرون منه وانه كيف يقول انكم مبعوثون بعد ما مزقكم البلاء وتفرقت اوصالكم واضمحلت اعضاؤكم بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد. فهذا الرجل والذي يأتي بذلك هل افترى على الله كذبا؟ فتجرأ عليه وقال ما قال ام به جنة؟ فلا يستغرب منه فان الجنون فنون وكل هذا منهم على وجه العناد والظلم. ولقد علموا انه اصدق خلق الله واعقلهم. ومن علمهم انهم ابدوا واعادوا في معاداتهم وبذلوا انفسهم واموالهم في صد الناس عنه. فلو كان كاذبا مجنونا لم ينبغي لكم يا اهل العقول غير الزاكية ان تصووا لما قال ولا ان تحتفلوا بدعوته فان المجنون لا ينبغي للعاقل ان يلفت اليه نظره او يبلغ قوله منه كل مبلغ من اتباع الداعي الى الحق وهو انه يأخذ اموال من يستجيب له. ويأخذ اجرة على دعوته. فبين الله تعالى نزاهة رسوله صلى الله عليه وسلم عن هذا الامر فقال كل شيء شهيد. قل ما سألتكم من اجر ولولا عنادكم وظلمكم لبادرتم لاجابته ولبيتم دعوته. ولكن ما تغني الايات والنذر عن قوم لا يؤمنون لهذا قال تعالى بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب بل الذين لا يؤمنون بالاخرة. ومنهم الذين قالوا تلك المقالة. اي في الشقاء العظيم والضلال البعيد. الذي ليس بقريب من الصواب. واي شقاء وضلال ابلغ من انكارهم لقدرة الله على البعث وتكذيبهم لرسوله الذي جاء به واستهزائهم به وجزمهم بان ما جاءوا به هو الحق. فرأوا الحق باطلا والباطل والضلال وهدى. افلم يروا الى ما بين ايديهم وما خلفهم من السماء ثم نبههم على الدليل العقلي الدال على عدم استبعاد البعث الذي استبعدوه. وانهم لو نظروا الى ما بين ايديهم وما خلفهم من السماء ايها الارض فرأوا من قدرة الله فيهما ما يبهر العقول. ومن عظمته ما يذهل العلماء الفحول. وان خلقهما وعظمتهما وما فيه من المخلوقات اعظم من اعادة الناس بعد موتهم من قبورهم. فما الحامل لهم على ذلك التكذيب؟ مع التصديق بما هو اكبر من ذاك خبر غيبي الى الان. ما شاهدوه. فلذلك كذبوا به. قال الله اي من العذاب لان الارض والسماء تحت تدبيرنا فان امرناهما لم يستعصيا. فاحذروا اصراركم على تكذيبكم. فنعاقبكم اشد العقوبة ان في ذلك اي خلق السماوات السماوات والارض وما فيهما من المخلوقات. فكلما كان العبد اعظم انابة الى الله كان انتفاعه بالايات اعظم. لان المنيب مقبل الى ربه قد توجهت اراداته وهماته لربه. ورجع اليه في كل امر من اموره. فصار قريبا من ربه ليس له هم الا الاشتغال بمرضاته. فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة لا نظر غفلة غير نافعة معه والطير والنا له الحديد. انعمن سابغات اي ولقد مننا على عبد ورسولنا داوود عليه الصلاة والسلام. واتيناه فضلا من العلم النافع والعمل الصالح. والنعم الدينية والدنيوية ومن نعمه ما خصه به من امره تعالى الجمادات كالجبال والحيوانات من الطيور. ان تؤوب معه وترجع التسبيح بحمد ربها انها مجاوبة له. وفي هذا من النعمة عليه ان كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لاحد قبله ولا بعده. وان ذلك يكون منهضا له ولغيره على التسبيح اذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات تتجاوب بتسبيح ربها وتمجيده وتكبيره وتحميده كان ذلك مما يهيج على ذكر الله تعالى. ومنها ان ذلك كما قال كثير من العلماء انه طرب لصوت داوود. فان الله تعالى قد اعطاه من الصوت ما فاق به غيره. وكان اذا رجع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجي المطرب. قرب كل من سمعه من الانس والجن حتى الطيور والجبال. وسبحت بحمد ربها. ومنها انه لعله ليحصل له اجر تسبيحها. لانه ذلك وتسبح تبعا له. ومن فضله عليه ان الان له الحديد ليعمل الدروع السابغات وعلمه تعالى كيفية صنعته بان يقدره في السرد ان يقدره حلقا ويصنعه كذلك. ثم يدخل بعضها ببعض. قال تعالى وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم. فهل انتم شاكرون؟ ولما ذكر ما امتن به عليه وعلى اله امره بشكره. وان اعملوا صالحا ويراقب الله تعالى فيه. باصلاحه وحفظه من المفسدات. فانه بصير باعمالهم. مطلع عليهم لا يخفى عليه منها شيء واسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه لما ذكر فضله على داود عليه السلام. ذكر فضله على ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام. وان الله سخر له الريح تجري بامره وتحمله. وتحمل جميع ما معه وتقطع المسافة البعيدة جدا في مدة يسيرة. فتسير في اليوم مسيرة شهرين. غدوها شهر اي اول النهار الى الزوال ورواحها شهر من الزوال الى اخر النهار. واسلنا له عين القطر. اي سخرنا له عين النحاس وسهلنا له الاسباب في استخراج ما يستخرج منها من الاواني وغيرها. وسخر الله له ايضا الشياطين والجن. لا يقدرون ان يستعصوا عن امره ازغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير. واعمالهم ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفاء وجفان الداوود شكرا وقليل من عبادي الشكور. كل ما شاء سليمان من محاريب وهو كل بناء يعقد وتحكم به الابنية. فهذا فيه ذكر الابنية الفخمة. وتماثيل اي صور الحيوانات والجمادات من اتقان صنعتهم وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان وجفان كالجواب اي كالبرك الكبار لسليمان للطعام لانه يحتاج الى ما لا يحتاج اليه غيره. ويعملون له قدورا راسيات. لا تزول عن اماكنها من عظمها فلما ذكر منته عليهم امرهم بشكرها فقال وقليل من عبادي الشكور. اعملوا ال داوود وهم داوود واولاده واهله ان المنة على الجميع وكثير من المصالح عائد لكلهم. شكرا لله على ما اعطاهم ومقابلة لما اولاهم فاكثرهم لم يشكروا الله تعالى على ما اولاهم من نعمه. ودفع عنهم من النقم والشكر اعتراف القلب بمنة الله تعالى. وتلقيها افتقارا اليه. وصرفها في طاعة الله تعالى نهى عن صرفها في المعصية اداب الارض تأكل منسأته. فلما خرت بين كانت الجن الا لو كانوا يعلمون الغيب ما لبسوا في العذاب المهين فلم يزل الشياطين يعملون لسليمان عليه الصلاة والسلام كل بناء. وكانوا قد موهوا على الانس. واخبروهم انهم يعلمون الغيب ويطلعون على المكنونات. فاراد الله تعالى ان يري العباد كذبهم في هذه الدعوة. فمكثوا يعملون على عملهم. وقضى الله الموت على سليمان عليه السلام. واتكأ على عصاه وهي المنسأة. فصاروا اذا مروا به وهو متكئ عليها ظنوه حيا وهابوه فغدوا على عملهم كذلك سنة كاملة على ما قيل حتى سلطت دابة الارض على عصاه فلم تزل ترعاها حتى باد سقط فسقط سليمان عليه السلام وتفرقت الشياطين وتبينت الانس ان الجن اينما لبسوا في العذاب المهين وهو العمل الشاق عليهم. فلو علموا الغيب لعلموا فسليمان الذي هم احرص شيء عليه ليسلموا مما هم فيه. لقد كان لسبب في مسكنهم اية كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ذلك جزيناهم بما كفروا سيروا فيها ليالي واياما امنين. فقالوا ربنا سبأ قبيلة معروفة في اذان اليمن ومسكنهم بلدة يقال لها مأرب ومن نعم الله ولطفه بالناس عموما. وبالعرب خصوصا انه قص في القرآن اخبار المهلكين والمعاقبين. ممن انا يجاور العرب ويشاهد اثاره ويتناقل الناس اخباره ليكون ذلك ادعى الى التصديق واقرب للموعظة فقال لقد كان لسبأ في مسكنهم اي محلهم الذي يسكنون فيه اية والاية هنا ما ادر الله عليه من النعم وصرف عنهم من نقم الذي يقتضي ذلك منهم ان يعبدوا الله ويشكروه. ثم فسر الاية بقوله آآ وكان لهم واد عظيم تأتيه سيول كثيرة وكانوا بنوا سدا محكما يكون مجمعا للماء فكانت السيول فيجتمع هناك ماء عظيم. فيفرقونه على بساتينهم التي عن يمين ذلك الوادي وشماله. وتغل لهم تلك الجنتان العظيمة متان من الثمار ما يكفيهم ويحصل لهم به الغبطة والسرور. فامرهم الله بشكر نعمه التي ادرها عليهم من وجوه كثيرة. منها هاتان الجنتان اللتان غالب اخواتهم منهما. ومنها ان الله جعل بلدهم بلدة طيبة لحسن هوائها وقلة فخامها وحصول الرزق الراغد فيها. ومنها ان الله تعالى وعدهم ان شكروا ان يغفر لهم ويرحمهم. ولهذا قال ومنها ان الله لما علم احتياجهم في تجارتهم ومكاسبهم الى الارض المباركة الظاهر انها قرى صنعاء. قاله غير واحد من السلف. وقيل انها الشام هيأ له من الاسباب ما به وصولهم اليها بغاية السهولة من الامن وعدم الخوف وتواصل القرى بينهم وبينها بحيث لا يكون عليهم مشقة بحمل الزاد المزاد ولهذا قال قدرنا فيها السير. وقدرنا فيها السير اي سيرا مقدرا يعرفونه ويحكمون عليه. بحيث لا يتيهون عنه ليالي واياما امنين. اي مطمئنين في السير في تلك الليالي والايام غير خائفين. وهذا من تمام نعمة الله عليهم ان امنهم من الخوف فاعرضوا عن المنعم وعن عبادته. وبتروا النعمة وملوها حتى انهم طلبوا وتمنوا ان باعد اسفارهم بين تلك القرى التي كان السير فيها متيسرا. وظلموا انفسهم بكفرهم بالله وبنعمته. فعاقبهم الله تعالى بهذه النعمة التي اطغتهم فابادها عليهم فارسل عليهم سيل العرم. اي السيل المتوعر الذي خرب سدهم واتلف وخرب بساتينهم. فتبدلت تلك الجنات ذات الحدائق المعجبة والاشجار المثمرة. وصار بدلها اشجار لا نفع فيه ولهذا قال ذواتي اكل اي شيء قليل من الاكل الذي لا يقع منه موقعا فكل من تدبر احواله ومقصده استعلامه هل هو رسول الله ام لا؟ سواء تفكر وحده او مع غيره جزم بانه رسول الله حق ونبيه صدقا خصوصا المخاطبين. الذي هو صاحبهم يعرفون اول امره واخره. وثم مانع للنفوس اخر وهذا كله شجر معروف وهذا من جنس عملهم. فكما بدلوا الشكر حسن بالكفر القبيح فضلوا تلك النعمة بما ذكر. ولهذا قال فلنجازي الا الكفور. ايها النجازي جزاء العقوبة بدليل السياق الا من كفر بالله وبطل النعمة. فلم ما اصابهم ما اصابهم تفرقوا وتمزقوا بعد ما كانوا مجتمعين. وجعلهم الله احاديث يتحدث بهم واسمارا وكان يضرب بهم المثل فيقال تفرقوا ايدي سبأ. فكل احد يتحدث بما جرى لهم ولكن لا ينتفع بالعبرة فيهم الا من قال الله صبار على المكاره والشدائد يتحملها لوجه الله ولا يتسخطها بل يصبر عليها شكور لنعمة الله تعالى يقر بها ويعترف على من اولاها ويصرفها في طاعته. فهذا اذا سمع بقصتهم وما جرى منهم وعليهم عرف بذلك ان تلك العقوبة جزاء لكفرهم نعمة الله. وان من فعل مثلهم فعل به كما فعل بهم. وان شكر الله تعالى حافظ للنعمة. دافع للنقمة ان رسل الله صادقون فيما اخبروا به. وان الجزاء حق كما رأى انموذجه في دار الدنيا ثم ذكر ان قوم سبأ من الذين صدق عليهم ابليس ظنه حيث قال لربه فبعزتك لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين. وهذا ظن من ابليس يقين لانه لا يعلم الغيب ولم يأته خبر من الله انه سيغويهم اجمعين. الا من استثنى. فهؤلاء وامثالهم مما تصدق عليهم ابليس ظنه ودعاهم واغواهم. ممن لم يكفر بنعمة الله فانه لم يدخل تحت ظن ابليس. ويحتمل ان قصة سبأ انتهت عند قوله ان في ذلك لايات لكل صبار شكور ثم ابتدأ فقال ولقد صدق عليهم اي على جنس الناس فتكون الاية عامة في كل من اتبعه. ثم قال قال وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالاخرة ممن هو وما كان له اي لابليس عليهم من سلطان اي تسلط وقهر وقصر على ما يريده منهم. ولكن حكمة الله تعالى اقتضى تسليطه وتسويله لبني ادم اما من يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك. اي ليقوم سوق الامتحان ويعلم به الصادق من الكاذب ويعرف من كان ايمانه صحيح صحيحا يثبت عند الامتحان والاختبار والقاء الشبه الشيطانية ممن ايمانه غير ثابت يتزلزل بادنى شبهة ويزول باقل داعي ان يدعوه الى ضده فالله تعالى جعله امتحانا يمتحن به عباده ويظهر الخبيث من الطيب يحفظ العباد ويحفظ عليهم اعمالهم. ويحفظ تعالى جزاءها. فيوفيهم اياها كاملة اي قل يا ايها الرسول للمشركين بالله غيره من المخلوقات. التي لا تنفع ولا تضر. ملزما لهم بعجزها. ومبينا لهم بطلان عبادتها. ادع الذين زعمتم من دون الله اي زعمتموهم شركاء لله ان كان دعاؤكم ينفع فانهم قد توفرت فيهم اسباب العجز وعدم اجابة الدعاء من كل وجه فانهم ليس لهم ادنى ملك. فلا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض. على وجه الاستقلال ولا على وجه ولهذا قال وما لهم اي لتلك الالهة الذين زعمتم فيهما اي في السماوات والارض من شرك اي لا شرك قليل ولا كثير ليس لهم ملك ولا شركة ملك. بقي ان يقال ومع ذلك فقد يكونون اعوانا للمالك ووزراء له. فدعاؤهم يكون نافعا لانهم بسبب حاجة الملك اليهم يقضون حوائج من تعلق بهم. فنفى تعالى هذه المرتبة. فقال وما له اي لله تعالى الواحد القهار منهم اي من هؤلاء المعبودين من ظهير اي معاون ووزير يساعده على الملك والتدبير. فلم يبق الا الشفاعة فنفاها بقوله فهذه انواع التعلقات التي يتعلق بها المشركون باندادهم واوثانهم من البشر والشجر وغيرهم قطعها الله وبين بطلانها تبيينا حاسما لمواد الشرك قاطعا لاصوله لان المشرك انما يدعو هو يعبد غير الله لما يرجو منه من النفع. فهذا الرجاء هو الذي اوجب له الشرك. فاذا كان من يدعوه غير الله لا مالكا لنفع والضر ولا شريكا للمالك ولا عونا وظهيرا للمالك. ولا يقدر ان يشفع بدون اذن المالك. كان هذا الدعاء وهذه العبادة ضلالة في العقل باطلة في الشرع. بل ينعكس على المشرك مطلوبه ومقصوده. فانه يريد منها النفع فبين الله بطلانه وعدمه وبين في ايات اخر ضرره على عابديه. وانه يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض. ويلعن بعضهم بعضا. ومأواهم النار واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. والعجب ان المشرك استكبر عن الانقياد للرسل بزعمه انهم بشر ورضي ان يعبد ويدعو الشجر والحجر. استكبر عن الاخلاص للملك الرحمن الديان. ورضي بعبادة من ضره اقرب من نفعه طاعة لاعدى عدو له وهو الشيطان. وقوله ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير. يحتمل ان الضمير في هذا الموضع يعود الى لانهم مذكورون في اللفظ. والقاعدة في الضمائر ان تعود الى اقرب مذكور. ويكون المعنى اذا كان يوم القيامة وفزع عن قلوب المشركين اي زال الفزع. وسئلوا حين رجعت اليهم عقولهم عن حالهم في الدنيا. وتكذيبهم للحق الذي جاءت به الرسل انهم يقرون ان ما هم عليه من الكفر والشرك باطل. وان ما قال الله واخبرت به عنه رسله هو الحق. فبدا لهم ما كانوا يخفونه فمن قبل وعلموا ان الحق لله واعترفوا بذنوبهم. وهو العلي بذاته فوق جميع مخلوقاته وقهره لهم وعلو قدره بما له من الصفات العظيمة جليلة المقدار الكبير في ذاته وصفاته ومن علوه ان حكمه تعالى يعلو وتذعن له النفوس حتى نفوس المتكبرين والمشركين. وهذا المعنى اظهر وهو الذي يدل عليه السياق ويحتمل ان الضمير يعود الى الملائكة وذلك ان الله تعالى اذا تكلم بالوحي سمعته الملائكة فصعقوا لله سجدا فيكون اول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما اراد. واذا زال الصعق عن قلوب الملائكة وزال الفزع فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك الكلام الذي صعقوا منه. ماذا قال ربكم؟ فيقول بعضهم لبعض. قال الحق اما اجمالا لعلمهم انه لا يقول الا حقا. واما ان يقولوا قال كذا وكذا للكلام الذي سمعوه منه. وذلك من الحق. فيكون انا على هذا ان المشركين الذين عبدوا مع الله تلك الالهة التي وصفنا لكم عجزها ونقصها وعدم نفعها بوجه من الوجوه كيف صدفوا وصرفوا عن اخلاص العبادة للرب العظيم؟ العلي الكبير الذي من عظمته وجلاله ان الملائكة الكرام والمقربين من الخلق يبلغ بهم الخضوع والصعق عند سماع كلامه هذا المبلغ. ويقرون كلهم لله انه لا يقول الا الحق. فما بال هؤلاء المشركين استكبروا عن عبادة من هذا شأنه. وعظمة ملكه وسلطانه. فتعالى العلي الكبير عن شرك المشركين. وافكهم وكذبهم بهم قل من يرزقكم من السماوات والارض قل الله يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ان يقول لمن اشرك بالله ويسأله له عن حجة شركه من يرزقكم من السماوات والارض فانهم لا بد ان يقروا انه الله. ولان لم يقروا قل الله فانك لا من يدفع هذا القول فاذا تبين ان الله وحده الذي يرزقكم من السماوات والارض وينزل لكم المطر وينبت لكم النبات ويفجر ولكم الانهار ويطلع لكم من ثمار الاشجار. وجعل لكم الحيوانات جميعها لنفعكم ورزقكم. فلما تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا ولا يفيدكم نفعا. وقوله اي احدى الطائفتين منا ومنكم على الهدى مستعلية عليه او في ضلال مبين. منغمرة فيه. وهذا الكلام يقول من تبين له الحق واتضح له الصواب. وجزم بالحق الذي هو عليه. وبطلان ما عليه خصمه. اي قد شرحنا من الادلة الواضحة عندنا وعندكم ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه. من المحق منا ومن المبطل؟ ومن المهتدي؟ ومن الضال؟ حتى انه يصير التعيين بعد كذلك لا فائدة فيه فانك اذا وازنت بين من يدعو الى عبادة الخالق لسائر المخلوقات المتصرف فيها بجميع انواع التصرفات في جميع النعم الذي رزقهم واوصل اليهم كل نعمة. ودفع عنهم كل نقمة. الذي له الحمد كله والملك كله. وكل احد من ملائكتي فما دونهم خاضعون لهيبته. متذللون لعظمته وكل الشفعاء تخافه. لا يشفع احد منهم عنده الا باذنه علي الكبير في ذاته واوصافه وافعاله. الذي له كل كمال وكل جلال وكل جمال. وكل حمد وثناء ومجد. يدعو الى لمن هذا شأنه واخلاص العمل له. وينهى عن عبادة من سواه. وبين من يتقرب الى اوثان واصنام وقبور. لا تخلق ولا ترزق ولا تملك لانفسها ولا لمن عبدها نفعا ولا ضرا. ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. بل هي جمادات لا تعقل لا تسمع دعاء عابديها. ولو سمعته ما استجابت لهم. ويوم القيامة يكفرون بشركهم. ويتبرأون منهم ويتلاعنون بينهم ليس لهم قسط من الملك ولا شركة فيه ولا اعانة فيه. ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون الله. فهو يدعو من هذا وصفه ويتقرب اليه مهما امكنه. ويعادي من اخلص الدين لله ويحاربه. ويكذب رسل الله الذين جاءوا بالاخلاص لله وحده. تبين كان لك اي الفريقين المهتدي من الضال والشقي من السعيد. ولم تحتج الى ان يعين لك ذلك. لان وصف الحال اوضح من اللسان المقال اي كل منا ومنكم له عمله. انتم لا تسألون عن اجرامنا وذنوبنا لو اذنبنا. ونحن لا نسأل عن اعمالكم. فليكن المقصود منا ومنكم طلب حقائق وسلوك طريق الانصاف. ودعوا ما كنا نعمل. ولا يكن مانعا لكم من اتباع الحق. فان احكام الدنيا تجري على الظواهر يتبع فيها الحق واجتنبوا الباطل. واما الاعمال فلها دار اخرى يحكم فيها احكم الحاكمين. ويفصل بين المختصمين اعدلوا العادلين. ولهذا قال ثم يفتح بيننا ان يحكم بيننا حكما يتبين به الصادق من الكاذب. والمستحق للثواب من المستحق العقاب وهو خير الفاتحين كلا بل هو الله العزيز الحكيم. قل لهم يا ايها الرسول ومن ناب منابك اروني الذين الحقتم به شركاء. اي اين هم؟ واين السبيل الى معرفتهم؟ وهل هم في الارض ام في السماء؟ فان عالم الغيب والشهوة هذا قد اخبرنا انه ليس في الوجود له شريك. ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم. ويقولون هؤلاء شفعاؤنا الله قل اتنبئون الله بما لا يعلم وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ان يتبعون الا الظن وان هم الا يخرصون وكذلك خواص خلقه من الانبياء والمرسلين لا يعلمون له شريكا. فيا ايها المشركون اروني الذين الحقتم بزعمكم اطل بالله شركاء. وهذا السؤال لا يمكنهم الاجابة عنه. ولهذا قال كلا اي ليس لله شريك ولا ند ولا ضد. بل هو الله الذي لا يستحق التأله والتعبد الا هو العزيز الذي قهر كل شيء. فكل ما سواه فهو مقهور مسخر مدبر. الحكيم الذي اتقن ما خلقه. واحسن ما ولو لم يكن في حكمته في شرعه الا انه امر بتوحيده واخلاص الدين له. واحب ذلك وجعله طريقا للنجاة. ونهى عن به واتخاذ الانداد من دونه. وجعل ذلك طريقا للشقاء والهلاك. لكفى بذلك برهانا على كمال حكمته. فكيف وجميع ما امر به ونهى عنه مشتمل على الحكمة يخبر تعالى انه ما ارسل رسوله صلى الله عليه وسلم الا يبشر جميع الناس بثواب الله. ويخبرهم بالاعمال الموجبة لذلك. وينذرهم عقاب الله. ويخبرهم بالاعمال الموجبة لذلك فليس لك من الامر شيء وكل ما اقترح عليك اهل التكذيب والعناد فليس من وظيفتك. انما ذلك بيد الله تعالى اي ليس لهم علم صحيح بل اما جهال او معاندون لم يعملوا بعلمهم فكأنهم لا علم لهم. ومن عدم علمهم جعلهم عدم الاجابة لما اقترحوه على الرسول. موجبا لرد دعوته. فمما اقترحوه استعجالهم العذاب الذي انذرهم به. فقال وهذا ظلم منهم. فاي ملازمة بين صدقه وبين الاخبار بوقت وقوعه. وهل هذا الا رد للحق وسفه في العقل ليس النذير في امر في احوال الدنيا. لو جاء قوما يعلمون صدقه ونصحه. ولهم عدو ينتهز الفرصة منهم. ويعد لهم. فقال لهم تركت عدوكم قد سار. يريد اجتياحكم واستئصالكم. فلو قال بعضهم ان كنت صادقا فاخبرنا باي ساعة يصل الينا واين مكانه الان؟ فهل يعد هذا القائل عاقلا؟ ام يحكم بسفهيه وجنونه؟ هذا والمخبر يمكن صدقه وكذبه والعدو قد يبدو له غيرهم. وقد تنحل عزيمته وهم قد يكون بهم منعة يدافعون بها عن انفسهم. فكيف بمن كذب اصدق المعصوم في خبره. الذي لا ينطق عن الهوى بالعذاب اليقين. الذي لا مدفع له ولا ناصر منه. اليس رد خبره عدم بيانه وقت وقوعه من اسفه السفه. قل لهم مخبرا بوقت وقوعه الذي لا شك فيه فاحذروا ذلك اليوم واعدوا له عدته وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه. ولو ترى لما ذكر تعالى ان ميعاد المستعجلين بالعذاب لابد من وقوعه عند حلول اجله. ذكر هنا حالهم في ذلك اليوم. وانك لو رأيت حالهم اذا وقفوا عند ربهم واجتمع الرؤساء والاتباع في الكفر والضلال لرأيت امرا عظيما وهولا جسيما ورأيت كيف يتراجع ويرجع بعضهم الى القول يقول الذين استضعفوا وهم الاتباع للذين استكبروا وهم القادة انا مؤمنين. ولكنكم حلتم بيننا وبين الايمان. وزينتم لنا الكفران فتبعناكم على ذلك. ومقصودهم في ذلك ان يكون العذاب على الرؤساء دونهم بل كنتم مجرمين. قال الذين للذين استضعفوا مستفهمين لهم ومخبرين ان الجميع مشتركون في الجرم. انحن صددناكم عن الهدى بعد اذ جاءكم؟ اي قوتنا وقهرنا لكم. اي مختارين للاجرام لستم مقهورين عليه وان كنا قد زينا لكم فما كان لنا عليكم من سلطان. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل سكر الليل والنهار اذ تأمروننا ان نكفر بالله. اذ تأمروننا ان نكفر بالله ونجعل له اندادا. واسروا الندامة لما رأوا واجعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون. اي بل الذي دهان منكم ووصل الينا من اضلالكم ما ادبرتموه من المكر في الليل والنهار. اذ تحسنون لنا الكفر وتدعوننا اليه. وتقولون انه الحق. وتقدحون في الحق وتهجنون وتزعمون انه الباطل فما زال مكركم بنا وكيدكم ايانا. حتى اغويتمونا وفتنتمونا. فلم تفت تلك المراجعة بينهم شيء شيئا الا تبري بعضهم من بعض والندامة العظيمة. ولهذا قال اي زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض لينجو من العذاب. وعلم انه ظالم مستحق له. فندم كل منهم غاية الندم. وتمنى ان لو كان على الحق. وانه ترك الباطل الذي اوصله الى هذا العذاب سرا في انفسهم لخوفهم من الفضيحة في اقرارهم على انفسهم. وفي بعض مواقف القيامة وعند دخولهم النار. يظهرون ذلك ندم جهرا ويوم يعض الظالم على يديه. يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا قليلا وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير جعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا هل يجزون الا ما كانوا يعملون وجعلنا الاغلال في اعناق الذين كفروا. يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه. كما قال تعالى اذ الاغلال في اعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ما كانوا يعملون هل يجزون في هذا العذاب والنكال؟ وتلك الاغلال الثقال الا ما كانوا يعملون. من الكفر والفسوق والعصيان يخبر تعالى قال عن حالة الامم الماضية المكذبة للرسل انها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد صلى الله عليه وسلم. وان الله اذا اذا ارسل رسولا في قرية من القرى كفر به مترفوها وابطرتهم نعمتهم وفخروا بها. وقالوا نحن اكثر اموالا وقالوا نحن اكثر اموالا واولادا. اي ممن اتبع الحق اي اولا لسنا بمبعوثين. فان بعثنا فالذي اعطانا الاموال والاولاد في الدنيا يعطينا اكثر من ذلك في الاخرة ولا يعذبنا فاجابهم الله تعالى بان بسط الرزق وتضييقه دليلا على ما زعمتم فان الرزق تحت مشيئة الله ان شاء بسطه لعبده وان شاء ضيقه. وما اموالكم ولا اولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى. الا من امن وعمل صالحا فاولئك اولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات امنون ليست الاموال والاولاد بالتي تقرب الى الله زلفى. وتدني اليه. وانما الذي يقرب منه زلفى. الايمان بما جاءت به المرسلون العمل الصالح الذي هو من لوازم الايمان. فاولئك لهم الجزاء عند الله تعالى مضاعفا. الحسنة بعشر امثالها الى سبع مئة ضعف الى اضعاف كثيرة لا يعلمها الا الله. اي في المنازل العالية المرتفعات جدا ساكنين فيها مطمئنين. امنون من المكدرات والمنغصات. لما هم فيه من اللذات وانواع المشتهيات وامنون من الخروج منها والحزن فيها واما الذين سعوا في اياتنا على وجه التعجيز لنا ولرسلنا والتكذيب ثم اعاد تعالى انه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له. ليرتب عليه قوله وما انفقتم من شيء واجبة او مستحبة على قريب او جار او مسكين او يتيم. وغير ذلك فهو تعالى يخلفه. فلا تتوهموا ان الانفاق منه ما ينقص الرزق بل وعد بالخلف للمنفق الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ان تطلب الرزق منه واسعوا في الاسباب التي امركم بها هؤلاء كانوا يعبدون. ويوم يحشرهم جميعا اي العابدين لغير الله والمعبودين من دونه من الملائكة. ثم يقول الله للملائكة على وجه التوبيخ لمن عبدهم كانوا يعبدون. فتبرأوا من عبادتهم. قالوا بل كانوا يعبدون الجن اكثرهم بهم مؤمنون قالوا سبحانك اي تنزيها لك وتقديسا ان يكون لك شريك او ند. انت ولينا من دونهم فنحن مفتقرون الى ولايتك مضطرون اليها فكيف ندعو غيرنا الى عبادتنا؟ ام كيف نصلح لان نتخذ من دونك اولياء وشركاء؟ ولكن هؤلاء المشركون كانوا يعبدون الجن اي الشياطين يأمرون بعبادتنا او عبادة غيرنا فيطيعونهم بذلك. وطاعتهم هي عبادتهم. لان العبادة الطاعة كما قال تعالى مخاطبا لكل من اتخذ معه الهة. الم اعهد اليكم يا بني ادم الا تعبدوا الشيطان. انه لكم عدو مبين وان اعبدوني هذا صراط مستقيم. اكثرهم بهم مؤمنون. اي مصدقون للجن منقدون لهم لان الايمان هو التصديق الموجب للانقياد. فلما تبرأوا منهم قال تعالى مخاطبا لهم تملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا. تقطعت بينكم الاسباب وانقطع بعضكم من بعض للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ونقول للذي ونقول للذين ظلموا بالكفر والمعاصي بعد ما ندخلهم النار ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون. فلي ومعايا انتموها ودخلتموها جزاء لتكذيبكم وعقوبة لما احدثه ذلك التكذيب من عدم الهرب من اسبابها عليهم اياتنا بينات قالوا ما هذا الا رجل يريد ان يصدكم عن ما كان وقال الذين كفروا للحق يخبر تعالى عن حالة المشركين عندما تتلى عليه ايات الله البينات وحججه الظاهرات وبراهينه القاطعات. الدالة على كل خير الناهية عن كل شر. التي هي اعظم نعمة جاءتهم ومنة وصلت اليهم الموجبة لمقابلتها بالايمان والتصديق والانقياد والتسليم. انهم يقابلونها بضد ما ينبغي ويكذبون من جاء بها ويقولون اباؤكم اي هذا قصده حين يأمركم بالاخلاص لله. لتتركوا عوائد ابائكم الذين تعظمون وتمشون خلفهم. فردوا الحق بقدر للضالين ولم يوردوا برهانا ولا شبهة. فاي شبهة اذا امرت الرسل بعض الضالين باتباع الحق. فادعوا ان اخوانهم الذين على طريق طريقتهم لم يزالوا عليه. وهذه السفاهة ورد الحق باقوال الضالين. اذا تأملت كل حق رد. فاذا هذا مآله لا ترد الا باقوال الضالين من المشركين والفلاسفة والصابئين والملحدين في دين الله المارقين. فهم اسوة كل من رد الحق الى يوم القيامة. ولما احتجوا بفعل ابائهم وجعلوها دافعة لما جاءت به الرسل. طعنوا بعد هذا بالحق. وقالوا اي كذب افتراه هذا الرجل الذي جاء به اي سحر ظاهر بين لكل احد. تكذيبا بالحق وترويجا على السفهاء. ولما بين ما ردوا به الحق وانها اقوال دون مرتبة الشبهة. فضلا ان تكون حجة. ذكر انهم وان اراد احد احد ان يحتج لهم فانهم لا مستند لهم. ولا لهم شيء يعتمدون عليه اصلا. فقال وما اتيناهم من وما اتيناهم من كتب يدرسونها ستكون عمدة لهم. حتى يكون عندهم من اقواله واحواله ما يدفعون بهما ما جئتهم به فليس عندهم علم ولا اثارة من علم. ثم خوفهم ما فعل بالامم المكذبين قبلهم. فقال وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا اي ما بلغ هؤلاء المخاطبون معشار ما اتيناهم فكذبوا اي الامم الذين من قبلهم اي انكاري عليهم عقوبة اياهم قد اعلمنا ما فعل بهم من النكال وان منهم من اغرقه منهم من اهلكه بالريح العقيم وبالصيحة وبالرجفة وبالخسف بالارض وبارسال الحاصب من السماء. فاحذروا يا هؤلاء المكذبون ان تدوموا على التكذيب فيأخذكم كما اخذ من قبلكم ويصيبكم ما اصابهم. قل انما اعظكم بواحدة ما بصاحبكم ان هو الا نذير لكم بين يدي عذابي شديد. اي قل يا ايها الرسول لهؤلاء هؤلاء المكذبين المعاندين المتصدين لرد الحق وتكذيبه والقدح ممن جاء به. انما اعظكم بواحدة اي بخصلة واحدة اشير عليكم بها وانصح لكم في سلوكها وهي طريق النصف. لست ادعوكم بها الى اتباع قولي ولا الى ترك قولكم من دون موجب لذلك وهي ان تقوموا لله مثنى وفرادى. اي تنهضوا بهمة ونشاط وقصد لاتباع الصواب واخلاص لله. مجتمعين ومتباحثين في ذلك ومتناظرين وفرادى كل واحد يخاطب نفسه بذلك. فاذا قمتم لله مثنى وفرادى اكملتم فكركم واجلتموه وتدبرتم احوال رسولكم هل هو مجنون؟ فيه صفات المجانين من كلامه وهيئته وصفته؟ ام هو نبي صادق منذر لكم ما يضركم مما امامكم من العذاب الشديد. فلو قبلوا هذه الموعظة واستعملوها لتبين لهم اكثر من ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون. لان هيئاته ليست كهيئات المجانين. في خنقهم واختلاجهم ونظرهم بل هيئته احسن الهيئات وحركاته اجل الحركات. وهو اكمل الخلق ادبا وسكينة وتواضعا ووقارا. لا يكون الا الرجال عقلا. ثم اذا تأملوا كلامه الفصيح ولفظه المليح. وكلماته التي تملأ القلوب امنا وايمانا. وتزكي النفوس طهروا القلوب وتبعث على مكارم الاخلاق. وتحث على محاسن الشيم. وتراهب عن مساوئ الاخلاق ورذائلها. اذا تكلم رمقت العيون هيبة واجلالا وتعظيما. فهل هذا يشبه هذيان المجانين وعربدتهم؟ وكلامهم الذي يشبه احوالهم اي على اتباعكم للحق فهو لكم. اي فاشهدكم ان ذلك الاجر على التقدير انه لكم اي محيط علمه بما ادعو اليه فلو كنت كاذبا لاخذ بعقوبته وشهيد ايضا على اعمالكم سيحفظها عليكم ثم يجازيكم بها علام الغيوب. ولما بين البراهين الدالة على صحة الحق وبطلان الباطل. اخبر تعالى ان هذه سنته هو عادته ان يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق. لانه بين من الحق في هذا الموضع ورد به اقوال المكذبين ما كان عبرة للمعتبرين واية للمتأملين. فانك كما ترى كيف اضمحلت اقوال المكذبين. وتبين كذب وعنادهم وظهر الحق وسطع. وبطل الباطل وانقمع. وذلك بسبب بيان علام الغيوب. الذي يعلم ما تنطوي عليه القلوب من من الوساوس والشبه. ويعلم ما يقابل ذلك ويدفعه من الحجج. في علم بها عباده ويبينها لهم. ولهذا قال قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعينه. قل جاء الحق اي ظهر وبان بمنزلة الشمس وظهر سلطانه. ايظ محل وبطل امره وذهب سلطانه فلا يبدئ ولا يعيد ولما تبين الحق بما دعا اليه الرسول وكان يكذبون له يرمونه بالضلال. اخبرهم بالحق ووضحه لهم. وبين لهم عجزهم عن مقاومته. واخبرهم ان رميهم له بالضلال بطائر الحق شيئا ولا دافع ما جاء به. وانه ان ضل وحاشاه من ذلك. لكن على سبيل التنزل في المجادلة. فانما يضل على نفسه اي ضلاله قاصر على نفسه. غير متعد الى غيره. وان اهتديت فبما يوحي الي ربي انه سميع قريب. وان اهتديت فليس ذلك من نفسي وحولي وقوتي. وانما هدايتي بما يوحي الي ربي فهو مادة هدايتي. كما هو مادة هداية غيري. ان ربي سميع للاقوال والاصوات كلها. قريب ممن دعاهم وسأله وعبده يقول تعالى ولو ترى ايها رسول ومن قام مقامك حال هؤلاء المكذبين اذ فزعوا حين رأوا العذاب وما اخبرتهم به الرسل وما كذبوا به لرأيت امرا ومنظرا مفظعا وحالة من كرة وشدة شديدة. وذلك حين يحق عليهم العذاب. فليس لهم عنه مهرب ولا فوز واخذوا من مكان قريب. اي ليس بعيدا عن محل العذاب بل يؤخذون ثم يقذفون في النار وقالوا امنا به وانا لهم التناوش من مكان بعيد. وقالوا في تلك الحال امنا بالله وصدقنا ما به كذبنا. ولكن انى لهم التناوش اي تناول الايمان قد حيل بينهم وبينه. وصار من الامور المحالة في هذه الحالة من مكان بعيده. فلو انهم امنوا وقت الامكان لكان ايمانهم مقبولا. ولكنهم كفروا به من قبل ويقذفون اي يرمون. بقذفهم الباطل ليدحضوا به الحق. ولكن سبيل الى ذلك كما لا سبيل للرامي من مكان بعيد الى اصابة الغرض. فكذلك الباطل من المحال ان يغلب الحق او يدفعه. وانما يكون صولة وقت غفلة الحق عنه. فاذا برز الحق وقاوم الباطل قمعه. وحيل بينهم وبين ما يشتهون وحيل بينهم وبين ما يشتهون من الشهوات واللذات والاولاد والاموال والخدم والجنود. قد انفردوا باعمالهم وجاؤوا فرادى كما خلقوا. وتركوا ما خولوا وراء ظهورهم. كما فعل باشياعهم من الامم السابقين. حين الهلاك حيل بينهم وبين ما يشتهون. انهم كانوا في شك مريب اي محدث الريبة وقلق القلب. فلذلك لم يؤمنوا ولم يعتبوا حين استعتبوا