احد وان الملائكة كرام مقربون الى الله قائمون بخدمته لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون والمشركون انما يتبعون في ذلك القول القبيح وهو الظن الذي لا يغني من الحق شيئا المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. والنجم اذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما يقسم تعالى ابي النجم عند هويه اي سقوطه في الافق في اخر الليل عند ادبار الليل واقبال النهار. لان في ذلك من ايات الله العظيمة ما اوجب ان اقسم به والصحيح ان النجم اسم جنس شامل للنجوم كلها. واقسم بالنجوم على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الالهي لان في ذلك مناسبة عجيبة. فان الله تعالى جعل النجوم زينة للسماء. فكذلك الوحي زينة للارض. فلولا العلم الموروث عن الانبياء لكان الناس في ظلمة اشد من الليل البهيم. والمقسم عليه تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضلال في علمه والغي في قصده. ويلزم من ذلك ان يكون مهتديا في علمه. هاديا حسن القصد ناصحا للامة بعكس ما عليه اهل الضلال من فساد العلم وفساد القصد ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى. وقال صاحبكم لينبههم على ما يعرفونه منه من الصدق والهداية. وانه لا يخفى عليهم امره. وما ينطق عن الهوى اي ليس نطقه صادرا عن هواه اي لا يتبع الا ما اوحى الله اليه من الهدى والتقوى في نفسه وفي غيره. ودل هذا على ان السنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم. كما قال تعالى وانزل الله عليك الكتاب والحكمة. وانه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه. لان كلامه لا يصدر عن هوى. وانما اصدر عن وحي يوحى ثم ذكر المعلم للرسول صلى الله عليه وسلم وهو جبريل عليه السلام افضل الملائكة الكرام ثم اكملهم فقال اي نزل بالوحي عن الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام شديد القوى اي شديد القوة الظاهرة والباطنة قوي على تنفيذ ما امره الله بتنفيذه. قوي على ايصال الوحي الى الرسول صلى الله عليه عليه وسلم ومنعه من اختلاس الشياطين له او ادخالهم فيه ما ليس منه. وهذا من حفظ الله لوحيه ان ارسله مع هذا الرسول القويم الامين ذو مرة فاستوى وهو بالافق الاعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى. ذو مرة اي قوة وخلق حسن وجمال ظاهر وباطن. فاستوى جبريل عليه السلام وهو بالافق الاعلى. اي افق السماء الذي هو اعلى من الارض. فهو من الارواح العلوية التي لا تنالها الشياطين. ولا من الوصول اليها. ثم دنا جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم لايصال الوحي اليه فتدلى عليه من الافق الاعلى. فكان قاب قوسين او ادنى فكان في قربه منه قاب قوسين اي قدر قوسين والقوس معروف او ادنى اي اقرب من القوسين وهذا يدل على كمال المباشرة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة. وانه لا واسطة بينه وبين جبريل عليه السلام عبده ما اوحى ما كذب الفؤاد ما رأى. فاوحى الله بواسطة جبريل عليه السلام الى عبده محمد صلى الله الله عليه وسلم ما اوحى اي الذي اوحاه اليه من الشرع العظيم. والنبأ المستقيم اي اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي اوحاه الله اليه. وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره. وهذا دليل على كمال الوحي الذي اوحاه الله اليه. وانه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب. فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره ولم يشك بذلك. ويحتمل ان المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به. من ايات الله العظيمة وانه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته. هذا هو الصحيح في تأويل الاية الكريمة. وقيل ان المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الاسراء وتكليمه اياه. وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله. فاثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا ولكن الصحيح القول الاول وان المراد به جبريل عليه السلام كما يدل عليه السياق وان محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ففي صورته الاصلية التي هو عليها مرتين مرة في الافق الاعلى تحت السماء الدنيا كما تقدم. والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال نزلة اخرى عند سدرة المنتهى. ولقد رآه نزلة اخرى. اي رأى محمد جبريل ابريل مرة اخرى نازلا اليه عند سدرة المنتهى وهي شجرة عظيمة جدا فوق السماء السابعة سميت سدرة المنتهى لانه ينتهي اليها ما يعرج من الارض وينزل اليها ما ينزل من الله من الوحي وغيره او الانتهاء علم الخلق اليها اي لكونها فوق السماوات والارض فهي المنتهى في علوها او لغير ذلك. والله اعلم. فرأى محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في ذلك مكان الذي هو محل الارواح العلوية الزاكية الجميلة التي لا يقربها شيطان ولا غيره من الارواح الخبيثة عند تلك الشجرة جنة المأوى اي الجنة الجامعة لكل نعيم. بحيث كانت محلا تنتهي اليه الاماني وترغب فيه الارادات وتأوي اليها الرغبات. وهذا دليل على ان الجنة في اعلى الاماكن وفوق السماء اذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى. اذ يغشى السدرة ما يغشى اي يغشاها من امر الله شيء عظيم لا يعلم وصفه الا الله عز وجل. اي ما زاغ يمنة ولا عن مقصوده وما طغى. اي وما تجاوز البصر. وهذا كمال الادب منه صلوات الله وسلامه عليه. ان قام مقاما اقام الله فيه ولم يقصر عنه ولا تجاوزه ولا حاد عنه. وهذا اكمل ما يكون من الادب العظيم. الذي فاق فيه الاولين والاخرين فان الاخلال يكون باحد هذه الامور. اما الا يقوم العبد بما امر به. او يقوم به على وجه التفريط. او على وجه الافراط او على وجه الحيدة يمينا وشمالا. وهذه الامور كلها منتفية عنه صلى الله عليه وسلم من الجنة والنار وغير ذلك من الامور التي رأها صلى الله عليه وسلم ليلة اسري به والعزى ومناة الثالثة الاخرى. لما زكت على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق والامر بعبادة الله وتوحيده. ذكر بطلان ما عليه المشركون من عبادة من ليس له من اوصاف الكمال شيء. ولا تنفع ولا تضر وانما هي اسماء فارغة من المعنى. سماها المشركون هم واباؤهم الجهال الضلال. ابتدعوا لها من الاسماء الباطلة التي لا تستحقها فخدعوا بها انفسهم وغيرهم من الضلال. فالآلهة التي بهذه الحال لا تستحق مثقال ذرة من العبادة وهذه الانداد التي سموها بهذه الاسماء. زعموا انها مشتقة من اوصاف هي متصفة بها. فسموا اللات من الاله المستحق العبادة والعزى من العزيز ومناه من المنان. الحادا في اسماء الله وتجريا على الشرك به. وهذه اسماء متجردة عن المعاني فكل من له ادنى مسكة من عقل يعلم بطلان هذه الاوصاف فيها اي اتجعلون لله البنات بزعمكم؟ ولكم المنون اي ظالمة جائرة واي ظلم اعظم من قسمة تقتضي تفضيل العبد المخلوق على الخالق. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وقوله يتبعون ما انزل الله بها من سلطان اي من حجة وبرهان على صحة مذهبكم. وكل امر ما انزل الله به من سلطان فهو باطل فاسد. لا يتخذ دينا وهم في ليسوا بمتبعين لبرهان يتيقنون به ما ذهبوا اليه. وانما دلهم على قولهم الظن الفاسد والجهل الكاسد. وما رواه انفسهم من الشرك والبدع الموافقة لاهويتهم. والحال انه لا موجب لهم يقتضي اتباعهم الظن. من فقد العلم والهدى ولهذا قال تعالى اي الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة وجميع المطالب التي يحتاج اليها العباد. فكلها قد بينها الله اكمل بيان واوضحه. وادله على المقصود واقام عليه من الادلة والبراهين ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه. فلم يبقى لاحد عذر ولا حجة من بعد البيان والبرهان. واذا كان ما هم عليه غايته اتباع الظن ونهايته الشقاء الابدي والعذاب السرمدي. فالبقاء على هذه الحال من اسفه السفه اظلم الظلم ومع ذلك يتمنون الاماني ويغترون بانفسهم. ولهذا انكر تعالى على من زعم انه يحصل له ما تمنى وهو كذب في ذلك فقال فيعطي من هما من يشاء ويمنع من يشاء. فليس الامر تابعا لامانيهم ولا موافقا لاهوائهم. يقول تعالى منكرا على من عبد خيره من الملائكة وغيرهم. وزعم انها تنفعه وتشفع له عند الله يوم القيامة وكم من ملك في السماوات من الملائكة المقربين وكرام الملائكة لا تغني شفاعتهم شيئا. اي لا تفيد من دعاها وتعلق بها ورجاها اي لابد من اجتماع الشرطين اذنه تعالى في الشفاعة ورضاه عن المشفوع له. ومن المعلوم المتقرر انه لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا لوجه الله. موافقا فيه صاحبه الشريعة فالمشركون اذا لا نصيب لهم من شفاعة الشافعين. وقد سدوا على انفسهم رحمة ارحم الراحمين يؤمنون بالاخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى. يعني ان المشركين بالله لرسله الذين لا يؤمنون بالاخرة وبسبب عدم ايمانهم بالاخرة تجرأوا على ما تجرأوا عليه من الاقوال والافعال لله ولرسوله من قولهم الملائكة بنات الله فلم ينزهوا ربهم عن الولادة ولم يكرموا الملائكة ويجلوهم عن تسميتهم اياهم اناثا والحال انه ليس لهم بذلك علم. لا عن الله ولا عن رسوله. ولا دلت على ذلك الفطر والعقول. بل العلم كله دال على نقيض قولهم وان الله منزه عن الاولاد والصاحبة. لانه الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفوا احد فان الحق لابد فيه من اليقين المستفاد من الادلة القاطعة. والبراهين الساطعة ولما كان هذا دأب هؤلاء المذكورين انهم لا غرض لهم في اتباع الحق. وانما غرضهم ومقصودهم ما تهواه نفوسهم امر الله رسوله بالاعراض عن من تولى عن ذكره الذي هو الذكر الحكيم والقرآن العظيم والنبأ الكريم فاعرض عن العلوم النافعة ولم يرد الا الحياة الدنيا. فهذا منتهى ارادته. ومن المعلوم ان العبد لا يعمل الا للشيء الذي يريده. فسعيهم مقصور على الدنيا ولذاتها وشهواتها. كيف حصلت حصلوها؟ وباي طريق سنحت ابتدروها ذلك مبلغهم من العلم ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم به ذلك مبلغهم من العلم اي هذا منتهى علمهم وغايته. واما المؤمنون بالاخرة المصدقون بها اولي الالباب والعقول فهمتهم وارادتهم للدار الاخرة. وعلومهم افضل العلوم واجلها. وهو العلم المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله رسوله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى اعلم بمن يستحق الهداية فيهديه. ممن لا يستحق ذلك. فيكله الى نفسه. ويخذله فيضل عن سبيل الله. ولهذا قال تعالى فيضع فضله حيث يعلم المحل اللائق به ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى يخبر تعالى انه مالك الملك المتفرد بملك الدنيا والاخرة. وان جميع من في السماوات والارض ملك لله. يتصرف وفيهم تصرف الملك العظيم في عبيده ومماليكه. ينفذ فيهم قدره ويجري عليهم شرعه. ويأمرهم وينهاهم. ويجزيهم على ما امرهم به ونهاهم عنه. فيثيب المطيع ويعاقب العاصي. ليجزي الذين اساءوا العمل. السيئات من الكفر فما دونه بما عملوا من اعمال الشر بالعقوبة البليغة. ويجزي الذين احسنوا بالحسنى. ويجزي الذين احسنوا في عبادة الله واحسنوا الى خلق الله بانواع المنافع بالحسنى اي بالحالة الحسنة في الدنيا والاخرة واكبر ذلك واجله ربهم والفوز بنعيم الجنة. ثم ذكر وصفهم فقال الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم. ان ربك واسع المغفرة. هو اعلم بكم الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش ان يفعلون ما امرهم الله به من الواجبات التي يكون تركها من كبائر الذنوب ويترك المحرمات الكبار كالزنا وشرب الخمر واكل الربا والقتل ونحو ذلك من الذنوب العظيمة الا اللمم وهي الذنوب والصغار التي لا يصر صاحبها عليها او التي يلم بها العبد المرة بعد المرة على وجه الندرة والقلة. فهذه ليس مجرد الاقدام عليها عليها مخرجا للعبد من ان يكون من المحسنين. فان هذه مع الاتيان بالواجبات وترك المحرمات. تدخل تحت مغفرة الله التي وسعت كل لا شيء ولهذا قال ان ربك واسع المغفرة. فلولا مغفرته لهلكت البلاد والعباد ولولا عفوه وحلمه لسقطت السماء على الارض. ولما ترك على ظهرها من دابة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. وقوله في بطون امهاتكم. هو تعالى اعلم باحوالكم كلها. وما جبلكم عليه من الضعف والخور عن كثير ما امركم الله به ومن كثرة الدواعي الى بعض المحرمات وكثرة الجواذب اليها وعدم الموانع القوية والضعف موجود مشاهد منكم حين انشأكم الله من الارض. واذ كنتم في بطون امهاتكم. ولم يزل موجودا فيكم. وان كان الله تعالى قد اوجد فيكم قوة على ما امركم به ولكن الضعف لم يزل فلعلمه تعالى باحوالكم هذه ناسبت الحكمة الالهية والجود الرباني ان يتغمدكم برحمته ومغفرته وعفوه ويغمركم باحسانه ويزيل عنكم الجرائم والمآثم خصوصا اذا كان العبد مقصوده مرضاة ربه في جميع اوقات وسعيه فيما يقرب اليه في اكثر الانات. وفراره من الذنوب التي يتمقت بها عند مولاه. ثم تقع منه الفلتة بعد فان الله تعالى اكرم الاكرمين وارحم الراحمين. ارحم بعباده من الوالدة بولدها. فلا بد لمثل هذا ان يكون من ربه قريبا. وان يكون الله له في جميع احواله مجيبا. ولهذا قال فلا تزكوا انفسكم اي تخبرون الناس بطهارتها على وجه التمدح هو اعلم بمن اتقى. فان التقوى محلها القلب والله هو المطلع عليه. المجازي على ما فيه من بر وتقوى واما الناس فلا يغنون عنكم من الله شيئا