المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان هذه السورة الكريمة الجليلة افتتحها باسمه الرحمن الدال على سعة رحمته وعموم احسانه. وجزيل بره وواسع فضله. ثم ذكر ما يدل على رحمته واثرها الذي اوصله الله الى عباده من النعم الدينية والدنيوية والاخروية بعد كل جنس ونوع من نعمه ينبه الثقلين لشكره. ويقول فباي الاء ربكما تكذبان؟ فذكر انه القرآن اي علم عباده الفاظه ومعانيه. ويسره على عباده. وهذا اعظم منة ورحمة رحم بها عباده. حيث انزل عليهم قرآنا عربيا باحسن الفاظ واحسن تفسير. مشتمل على كل خير زاجر عن كل شر. خلق الانسان في احسن تقويم كامل الاعضاء مستوفي الاجزاء محكم البناء. قد اتقن البديع تعالى خلقه اي اتقان. وميزه على سائر الحيوانات بان علمه البيان اي التبيين عما في ضميره. وهذا شامل للتعليم النطقي والتعليم الخطي. فالبيان الذي ميز الله به الادمي على غيره من اجل نعمه واكبرها عليه اي خلق الله الشمس والقمر وسخرهما يجريان بحساب متقن وتقدير مقدر رحمة بالعباد وعناية بهم. وليقوم بذلك من مصالحهم ما يقوم. وليعرفوا عدد السنين والحساب اي نجوم السماء واشجار الارض تعرف ربها وتسجد له وتطيع وتخضع تنقاد لما سخرها له من مصالح عباده ووضع الميزان. والسماء رفعها سقفها للمخلوقات الارضية ووضع الميزان اي العدل بين العباد في الاقوال والافعال. وليس المراد به الميزان المعروف وحده. بل هو كما ذكرنا يدخل فيه الميزان المعروف. والمكياج الذي به تكال الاشياء والمقادير والمساحات التي تظبط بها المجهولات. والحقائق التي يفصل بها بين المخلوقات ويقام بها العدل بينهم ولهذا قال اي انزل الله الميزان لان لا تتجاوز الحد في الحقوق والامور فان الامر لو كان يرجع الى عقولكم وارائكم لحصل من الخلل ما الله به عليم. ولفسدت السماوات والارض ابي القسط ولا تخسروا الميزان. واقيموا الوزن بالقسط. ايجعلوه قائما بالعدل الذي تصل اليه وامكانكم اي لا تنقصوا وتعملوا بضده وهو الجور والظلم والطغيان والارض وضعها للانام. والارض وضعها الله على ما كانت عليه من الكثافة والاستقرار واختلاف اوصافها واحوالها للانام. اي للخلق لكي يستقروا عليها وتكون لهم مهادا. وفراشا يبنون بها يحرثون ويغرسون ويحفرون ويسلكون سبلها فجاجا وينتفعون بمعادنها وجميع ما فيها مما تدعو اليه حاجتهم بل ضرورتهم ثم ذكر ما فيها من الاقوات الضرورية فقال الاكمان فيها فاكهة وهي جميع الاشجار التي تثمر الثمرات. التي يتفكه بها العباد من العنب والتين والرمان والتفاح وغير ذلك. والنخل ذات الاكمام اي ذات الوعاء الذي ينفلق عن القنوان. التي تخرج شيئا فشيئا حتى تتم فتكون قوتا يدخر ويؤكل ويتزود منه المقيم والمسافر. وفاكهة لذيذة من احسن الفواكه والريحان والحب ذو العصر اي ذو الساق الذي يداس فينتفع بتبنه للانعام وغيرها ويدخل في ذلك حب البر الشعير والذرة والارز والدخن وغير ذلك. والريحان يحتمل ان المراد بذلك جميع الارزاق التي يأكلها الادميون. فيكون هذا من باب عطف العام على الخاص. ويكون الله قد امتن على عباده بالقوت والرزق عموما وخصوصا. ويحتمل ان المراد بالريحان الريحان المعروف وان الله امتن على عباده بما يسره في الارض من انواع الروائح الطيبة والمشام الفاخرة. التي تسر الارواح وتنشرح لها النور ولما ذكر جملة كثيرة من نعمه التي تشاهد بالابصار والبصائر. وكان الخطاب للثقلين الانس والجن قررهم تعالى بنعمه فقال اي فباي عن الله الدينية والدنيوية تكذبان. وما احسن جواب الجن حين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة. فكلما مر بقول فباي الاء ربكما تكذبان؟ قالوا ولا بشيء من الائك ربنا نكذب فلك الحمد فهكذا ينبغي للعبد اذا عليه نعم الله والاء ان يقر بها ويشكر ويحمد الله عليها. ثم قال وهذا من نعمه تعالى على عباده. حيث اراهم من اثار قدرته وبديع صنعته ان خلق ابا الانسان وهو ادم عليه السلام من صلصال كالفخار اي من طين مبلول. قد احكم بله واتقن حتى فصار له صلصلة وصوت يشبه صوت الفخار وهو الطين المشوي ان من مارج من نار وخلق الجان اي ابا الجن وهو ابليس لعنه الله من ما من نار اي من لهب النار الصافي او الذي قد خالطه الدخان. وهذا يدل على شرف عنصر الادمي المخلوق من الطين والتراب الذي هو محل الرزانة والثقل والمنافع بخلاف عنصر الجان وهو النار التي هي محل الخفة والطيش والشر والفساد. ولما بين خلق الثقلين ومادة ذلك. وكان منة منه تعالى عليهم. قال اي هو تعالى رب كل ما اشرقت عليه الشمس والقمر. والكواكب النيرة وكل ما غربت عليه وكل ما كان فيه فهي تحت تدبيره وربوبيته. وثناهما هنا لارادة العموم. مشرقي الشمس شتاء وصيفا ومغربها كذلك يخرج منهما فباي الاء ربكما تكذبان المراد بالبحرين البحر العذب والبحر المالح فهما يلتقيان فيصب العذب في البحر المالح ويختلطان ويمتزجان ولكن الله تعالى جعل بينهما برزخا من الارض. حتى لا يبغي احدهما على الاخر. ويحصل النفع بكل منهما. فالعذب منه يشربون وتشرب جارهم وزروعهم والمالح به يطيب الهواء ويتولد السمك والحوت واللؤلؤ والمرجان ويكون مستقرا مسخرا للسفن مراكب ولهذا قال اي وسخر تعالى لعباده السفن والجواري التي تمخر البحر وتشقه باذن الله ينشئها الادميون فتكون من عظمها وكبرها كالاعلام وهي الجبال العظيمة. فيركبها الناس يحملون عليها امتعتهم وانواع تجاراتهم وغير ذلك. مما تدعو اليه حاجتهم وضرورتهم. وقد حفظها حافظ السماوات والارض وهذه من نعم الله الجليلة. ولهذا قال كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال ويبقى فوجه ربك ذو الجلال والاكرام. اي كل من على الارض من انس وجن ودواب. وسائر المخلوقات يفنى ويموت ويبيت. ويبقى الحي الذي لا يموت. ذو الجلال والاكرام. اي ذو العظمة والكبرياء والمجد الذي يعظم ويبجل ويجل لاجله. والاكرام الذي هو سعة الفضل والجود. والداعي لان يكرم اولياءه وخواص خلقه بانواع الاكرام الذي يكرمه اولياؤه ويجلونه ويعظمونه ويحبونه. وينيبون اليه ويعبدونه اي هو الغني بذاته عن جميع مخلوقاته وهو واسع الجود والكرم. فكل الخلق مفتقرون اليه يسألونه جميع حوائجهم بحالهم ومقالهم. ولا يستغنون عنه طرفة عين ولا اقل من ذلك. وهو تعالى يغني فقيرا ويجبر كسيرا ويعطي قوما ويمنع اخرين ويميت ويحيي ويخفض ويرفع لا يشغله شأن عن شأن. ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه الحاح الملحين. ولطول مسألة السائلين. فسبحان كريم الوهاب الذي عمت مواهبه اهل الارض والسماوات. وعم لطفه جميع الخلق في كل الانات واللحظات. وتعالى الذي لا من الاعطاء معصية العاصين. ولا استغناء الفقراء الجاهلين به وبكرمه. وهذه الشؤون التي اخبر انه كل يوم هو في شأن هي تقديره وتدابيره التي قدرها في الازل وقضاها. لا يزال تعالى يمضيها وينفذها في اوقاتها التي اقتضتها حكمته. وهي احكام الدينية التي هي الامر والنهي. والقدرية التي يجريها على عباده مدة مقامهم في هذه الدار. حتى اذا تمت هذه الخليقة الله تعالى واراد ان ينفذ فيهم احكام الجزاء. ويريهم من عدله وفضله. وكثرة احسانه. ما به يعرفونه ويوحدون نقل المكلفين من دار الابتلاء والامتحان الى دار الحيوان. وفرغ حينئذ لتنفيذ هذه الاحكام التي جاء وقتها وهو المراد بقوله اي سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم باعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان اي اذا جمعهم الله في موقف القيامة اخبرهم بعجزهم وضعفهم. وكمال سلطانه ونفوذ مشيئته وقدرته. فقال معجزا لهم ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا. اي تجدون مسلكا ومنفذا تخرجون به عن ملك الله وسلطانه. فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان اي لا تخرجون عنه الا بقوة وتسلط منكم. وكمال قدرة وانى لهم ذلك. وهم لا يملكون لانفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. ففي ذلك الموقف لا يتكلم احد الا باذنه. ولا تسمع الا همسا. وفي الموقف يستوي الملوك والمماليك والرؤساء والمرؤوسون والاغنياء والفقراء. ثم ذكر ما اعد لهم في ذلك الموقف العظيم فقال يرسل عليكما شواظ من نار. اي يرسل عليكما لهب صاف من النار وهو اللهب الذي قد خالطه الدخان. والمعنى ان هذين الامرين الفظيعين يرسلان عليكما يا معشر الجن والانس. ويحيطان فلا تنتصران لا بناصر من انفسكم ولا باحد ينصركم من دون الله. ولما كان تخويفه لعباده نعمة منه عليهم وصوتا يسوقهم به الى اعلى المطالب واشرف المواهب ذكر منته بذلك فقال فاليك فكانت وردة. فكانت وردة كالدهان فاذا انشقت السماء اي يوم القيامة من الاهوال. وكثرة البلبال وترادف الاوجال. فانخسفت شمسها وقمرها نجومها فكانت من شدة الخوف والانزعاج وردة كالدهان. اي كانت كالمهل والرصاص المذاب ونحوه فيومئذ لا يسأل عن ذنبي اي سؤال استعلام بما وقع لانه تعالى عالم الغيب والشهادة والماضي والمستقبل ويريد ان يجازي العباد بما علمه من احوالهم. وقد جعل لاهل الخير والشر يوم القيامة علامات يعرفون بها كما قال تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. وقال هنا فيؤخذ بالنواصي يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ النواصي والاقدام. اي فيؤخذ بنواصي المجرمين واقدامهم فيلقون في النار ويسحبون فيها وانما يسألهم تعالى سؤال توبيخ وتقرير بما وقع منهم. وهو اعلم به منهم. ولكنه تعالى يريد ان تظهر للخلق حجته البالغة وحكمته الجليلة ان يقال للمكذبين بالوعد والوعيد حين تسعر الجحيم المجرمون. فليهنهم تكذيبهم بها وليذوقوا من عذابها ونكالها وسعيرها واغلالها. ما هو جزاء لهم على بهم يطوفون بينها وبين حميم. يطوفون بينها اي بين اطباق الجحيم ولهبها وبين حميم ان. اي ماء حار جدا قد انتهى حره وزمهرير قد اشتد برده وقره ولما ذكر ما يفعل بالمجرمين ذكر جزاء المتقين الخائفين. فقال