ومحبوب الله عند المؤمن مقدم على كل شيء المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله الحديث الخامس والثلاثون عن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم كل عمل ابن ادم يضاعف الحسنة بعشر امثالها الى سبعمئة ضعف قال الله تعالى الا الصوم فانه لي وانا اجزي به يدع شهوته وطعامه من اجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك والصوم جنة واذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث ولا يصخب فان سابه احد او قاتله فليقل اني امرؤ صائم متفق عليه قال الشيخ السعدي رحمه الله في شرحه ما اعظم هذا الحديث فانه ذكر الاعمال عموما ثم الصيام خصوصا وذكر فضله وخاصه وثوابه العاجل والاجل وبيان حكمته والمقصود منه وما ينبغي فيه من الاداب الفاضلة كلها احتوى عليها هذا الحديث فبين هذا الاصل الجامع وان جميع الاعمال الصالحة من اقوال وافعال ظاهرة او باطنة سواء تعلقت بحق الله او بحقوق العباد مضاعفة من عشر الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة وهذا من اعظم ما يدل على سعة فضل الله واحسانه على عباده المؤمنين اذ جعل جناياتهم ومخالفاتهم الواحدة بجزاء واحد ومغفرة الله تعالى فوق ذلك واما الحسنة فاقل التضعيف ان الواحدة بعشر وقد تزيد على ذلك باسباب منها قوة ايمان العامل وكمال اخلاصه فكلما قوي الايمان والاخلاص تضاعف ثواب العمل ومنها ان يكون للعمل موقع كبير كالنفقة في الجهاد والعلم والمشاريع الدينية العامة وكالعمل الذي قوي بحسنه وقوته ودفعه المعارضات كما ذكره صلى الله عليه وعلى اله وسلم في قصة اصحاب الغار وقصة البغي التي سقت الكلب فشكر الله لها وغفر لها ومثل العمل الذي يثمر اعمالا اخر ويقتدي به غيره او يشاركه فيه مشارك وكدفع الضرورات العظيمة وحصول المبرات الكبيرة وكالمضاعفة لفضل الزمان او المكان او العامل عند الله فهذه المضاعفات كلها شاملة لكل عمل واستثنى في هذا الحديث الصيام واضافه اليه وانه الذي يجزي به بمحض فضله وكرمه من غير مقابلة للعمل بالتضعيف المذكور الذي تشترك فيه الاعمال وهذا شيء لا يمكن التعبير عنه بل يجازيهم بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفي الحديث كالتنبيه على حكمة هذا التخصيص وان الصائم لما ترك محبوبات النفس التي طبعت على محبتها وتقديمها على غيرها وانها من الامور الضرورية تقدم الصائم عليها محبة ربه فتركها لله في حالة لا يطلع عليها الا الله وصارت محبته لله مقدمة وقاهرة لكل محبة نفسية وطلب رضاه وثوابه مقدما على تحصيل الاغراض النفسية فلهذا اختصه الله لنفسه وجعل ثواب الصائم عنده فما ظنك باجر وجزاء تكفل به الرحيم الرحمن الكريم المنان الذي عمت مواهبه جميع الموجودات وخص اولياءه منها بالحظ الاوفر والنصيب الاكمل وقدر لهم من الاسباب والالطاف التي ينالون بها ما عنده امورا لا تخطر البال ولا تدور في الخيال فما ظنك ان يفعل الله بهؤلاء الصائمين المخلصين وهنا يقف القلم ويسيح قلب الصائم فرحا وطربا بعمل اختصه الله لنفسه وجعل جزاءه من فضله المحض واحسانه الصرف وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ودل الحديث على ان الصيام الكامل هو الذي يدع العبد فيه شيئين المفطرات الحسية من طعام وشراب ونكاح وتوابعها والمنقصات العملية فلا يرفث ولا يصخب ولا يعمل عملا محرما ولا يتكلم بكلام محرم بل يجتنب جميع المعاصي وجميع المخاصمات والمنازعات المحدثة للشحناء ولهذا قال فلا يرفث ان يتكلم بكلام قبيح ولا يصخب بالكلام المحدث للفتن والمخاصمات كما قال في الحديث الاخر من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه فمن حقق الامرين ترك المفطرات وترك المنهيات تم له اجر الصائمين ومن لم يفعل ذلك فلا يلومن الا نفسه ثم ارشد الصائم اذا عرض له احد يريد مخاصمته ومشاتمته ان يقول له بلسانه اني صائم وفائدة ذلك ان يريدك انه يقول اعلم انه ليس بي عجز عن مقابلتك على ما تقول ولكني صائم احترم صيامي واراعي كماله وامر الله ورسوله واعلم ان الصيام يدعوني الى ترك المقابلة ويحثني على الصبر فما عملته انا خير واعلى مما عملته معي ايها المخاصم وفيه العناية بالاعمال كلها من صيام وغيره ومراعاة تكميلها والبعد عن جميع المنقصات لها وتذكر مقتضيات العمل وما يوجبه على العامل وقت حصول الاسباب الجارحة للعمل وقوله الصوم جنة اي وقاية يتقي بها العبد الذنوب في الدنيا ويتمرن به على الخير ووقاية من العذاب فهذا من اعظم حكم الشارع من فوائد الصيام وذلك لقوله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون فكون الصوم جنة وسببا لحصول التقوى هو مجموع الحكم التي فصلت في حكمة الصيام وفوائده فانه يمنع من المحرمات او يخففها ويحث على كثير من الطاعات وقوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه هذان ثوابان عاجل واجل فالعاجل مشاهد اذا افطر الصائم فرح بنعمة الله عليه بتكميل الصيام وفرح بنيل شهواته التي منع منها في النهار والآجل فرحة عند لقاء ربه برضوانه وكرامته وهذا الفرح المعجل نموذج ذلك الفرح المؤجل وان الله سيجمعهما للصائم وفيه الاشارة الى ان الصائم اذا قارب فطره وحصلت له هذه الفرحة فانها تقابل ما مر عليه في نهاره من مشقة ترك الشهوات فهي من باب التنشيط وانهاض الهمم على الخير وقوله ولخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح المسك الخلوف هو الاثر الذي يكون في الفم من رائحة الجوف عند خلوه من الطعام وتصاعد الابخرة فهو وان كان كريها للنفوس فلا تحزن ايها الصائم فانه اطيب عند الله من ريح المسك فانه متأثر عن عبادته والتقرب اليه وكل ما تأثر عن العبادات من المشقات والكريهات فهو محبوب لله