المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم فلكم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله فاطر السماوات والارض جاعل الملايكة رسلا نولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في خلق ما يشاء ان الله على كل شيء قدير. يمدح الله تعالى نفسه الكريمة المقدسة على خلقه السماوات والارض وما اشتملتا عليه من المخلوقات. لان ذلك دليل على كمال قدرته وسعة ملكه وعموم رحمته وبديع حكمته واحاطة علمه. ولما ذكر الخلق ذكر بعده ما يتضمن الامر. وهو انه جاعل ملائكة رسلا في تدبير اوامره القدرية ووسائط بينه وبين خلقه. في تبليغ اوامره الدينية وفي ذكره انه جعل الملائكة ولم يستثني منهم احدا دليل على كمال طاعتهم لربهم وانقيادهم لامره. كما قال تعالى لا يعصون الله ما اللهم يفعلون ما يؤمرون. ولما كانت الملائكة مدبرات باذن الله ما جعلهم الله موكلين فيه. ذكر قوتهم على ذلك سرعة سيرهم بان جعلهم اولي اجنحة تطير بها. فتسرع تنفيذ ما امرت به. مثنى وثلاث ورباع. اي منهم من له احان وثلاثة واربعة بحسب ما اقتضته حكمته الله على كل شيء قدير. يزيد في الخلق ما يشاء اي يزيد بعض مخلوقاته على بعض. في صفة خلقها وفي القوة وفي الحسن وفي زيادة الاعضاء المعهودة وفي حسن الاصوات ولذة النغمات فقدرته تعالى تأتي على ما يشاء ولا يستعصي عليها شيء ومن ذلك زيادة ومخلوقاته بعضها على بعض. ثم ذكر انفراده تعالى بالتدبير والعطاء والمنع. فقال وما يمسك من رحمته عنهم فلا مرسل له من بعده. فهذا يوجب التعلق بالله تعالى الافتقار اليه من جميع الوجوه. والا يدعى الا هو ولا يخاف ويرجى الا هو وهو العزيز الذي قهر الاشياء كلها. الحكيم الذي يضع الاشياء مواضعها. وينزلها منازلها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله؟ هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض. لا اله الا هو فاني يأمر تعالى جميع الناس ان يذكروا نعمته عليهم. وهذا شامل لذكرها بالقلب اعترافا. وباللسان ثناء وبالجوارح انقياد فان ذكر نعمه تعالى داع لشكره. ثم نبههم على اصول النعم وهي الخلق والرزق. فقال ولما كان من المعلوم انه ليس احد يخلق ويرزق الا الله. نتج من ذلك ان كان ذلك دليلا على الوهيته وعبوديته. ولهذا قال لا اله الا هو اي تصرفون من عبادة الخالق الرازق المخلوق المرزوق وان يكذبك يا ايها الرسول فلك اسوة بمن قبلك من المرسلين. فقد كذبت رسل من قبلك. فاهلك المكذبون ونجى الله الرسل واتباعهم وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنك يقول تعالى يا ايها الناس الناس ان وعد الله بالبعث والجزاء على الاعمال حق. اي لا شك فيه ولا مرية ولا تردد. قد دلت على ذلك الادلة السمعية براهين العقلية واذا كان وعده حقا فتهيأوا له وبادروا اوقاتكم الشريفة بالاعمال الصالحة ولا يقطعكم عن ذلك قاطع فلا تغرنكم الحياة الدنيا بلذاتها وشهواتها ومطالبها النفسية فتلهيكم عما خلقتم له ولا يغرنكم بالله غرور الذي هو الشيطان الذي هو عدوكم في الحقيقة. اي لتكن منكم عداوته على بال ولا تهملوا ومحاربته كل وقت فانه يراكم وانتم لا ترونه. وهو دائما لكم بالمرصاد هذا غايته ومقصوده في من تبعه ان يهان غاية الاهانة بالعذاب الشديد. ثم ذكر ان ان الناس انقسموا بحسب طاعة الشيطان وعدمها الى قسمين. وذكر جزاء كل منهما فقال الذين كفروا اي جحدوا ما جاءت به الرسل ودلت عليه الكتب لهم عذاب شديد في نار جهنم شديد في ذاته ووصفه. وانهم خالدون فيها ابدا والذين امنوا بقلوبهم بما دعا الله الى الايمان به وعملوا بمقتضى ذلك الايمان بجوارحهم الاعمال الصالحات لهم مغفرة لذنوبهم يزول بها عنهم الشر والمكروه اجر كبير يحصل به المطلوب فلا تذهب نفسك يقول تعالى افمن زين له عمله السيء القبيح زينه له الشيطان وحسنه في عينه فرآه حسنا. اي كمن هداه الله الى الصراط المستقيم والدين القويم. فهل يستوي هذا وهذا؟ فالاول عمل السيء ورأى الحق باطلا. والباطل حقا. والثاني عمل الحسن ورأى الحق حقا والباطل باطلا. ولكن الهداية والاضلال بيد الله تعالى فيضل من يشاء ويهدي من يشاء. فلا تذهب نفسك فلا تذهب نفسك عليهم حسرات اي على الضالين الذين زين لهم سوء اعمالهم وصدهم الشيطان عن حق حسرات فليس عليك الا البلاغ. وليس عليك من هداهم شيء. والله هو الذي يجازيهم باعمالهم والله الذي ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها. كذلك يخبر تعالى عن كمال اقتداره وسعة جوده وانه ارسل الرياح فتثير سحابا فسقناه الى بلد الميت فانزله الله عليها. فحيت البلاد والعباد وارتزقت الحيوانات ورتعت في تلك الخيرات. كذلك الذي احيا الارض بعد موتها ينشر الله الاموات من قبورهم بعد ما مزقهم البلاء فيسوق اليهم مطرا كما ساقه الى الارض الميتة فينزله عليهم فتحيا الاجساد والارواح من القبور ويأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم. ويفصل بحكمه العدل عزة فلله العزة جميعا. اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر اولئك ايا من يريد العزة اطلبها ممن هي بيده. فان العزة بيد الله ولا تنال الا بطاعته وقد ذكرها بقوله اليه يصعد الكلم الطيب من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب في رفع الى الله ويعرض عليه ويثني الله على صاحبه بين الملأ الاعلى والعمل الصالح من اعمال القلوب واعمال الجوارح يرفعه الله تعالى اليه ايضا كالكلم الطيب وقيل الصالح يرفع الكلم الطيب. فيكون رفع الكلم الطيب بحسب اعمال العبد الصالحة. فهي التي ترفع كلمه الطيب. فاذا لم يكن عمل صالح لم يرفع له قول الى الله تعالى فهذه الاعمال التي ترفع الى الله تعالى ويرفع الله صاحبها ويعزه. واما السيئات فانها بالعكس يريد صاحبها الرفعة بها ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه ولا يزداد الا اهانة ونزولا والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد لهم عذاب شديد. يهانون فيه غاية الاهانة يهلك ويطمحل ولا يفيدهم شيئا لانه مكر بالباطل. لاجل الباطل من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم ازواجا. يذكر تعالى خلقه الادمي وتنقله في هذه الاطوار من تراب الى نطفة وما بعدها. ثم جعلكم ازواجا اي لم يزل ينقلكم طورا بعد حتى اوصلكم الى ان كنتم ازواج ذكرا يتزوج انثى ويراد بالزواج الذرية والاولاد. فهو وان كان النكاح من الاسباب فيه فانه مقترن بقضاء الله وقدره وعلمه الا بعلمه. وكذلك اطوار الادمي كلها بعلمه وقضائه الدالة على انه تعالى المألوه المعبود. الذي لا يستحق شيئا من العبادة سواه. وان عبادة ما سواه باطلة متعلقة بباطل لا تفيد عابده شيئا والله هو الغني الحميد. يخاطب تعالى كتابه والله يسير. وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره. اي عمر الذي كان معمرا عمرا طويلا. الا علمه تعالى او وما ينقص من عمر الانسان الذي هو بصدد ان يصل اليه. لولا ما سلكه من اسباب قصر العمر كالزنا وعقوق الوالدين وقطيعة الارحام ونحو ذلك مما ذكر انها من اسباب قصر العمر. والمعنى ان طول العمر وقصره بسبب وبغير سبب كله بعلم الله تعالى. وقد اثبت ذلك في كتاب وما يجري على العبد في جميع اوقاته وايام حياته ان ذلك على الله يسير. اي احاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة. واحاطة كتابه فيها فهذه ثلاثة ادلة من ادلة البعث والنشور كلها عقلية نبه الله عليها في هذه الايات احياء الارض بعد موتها وان الذي احياها يحيي الموتى والتنقل الادمي في تلك الاطوار. فالذي اوجده ونقله طبقا بعد طبق وحالا بعد حال. حتى بلغ ما قدر له فهو على اعادته وانشائه النشأة الاخرى اقدر. وهو اهون عليه واحاطة علمه بجميع اجزاء العالم. العلوي والسفلي لدقيقها وجليلها الذي في القلوب والاجنة التي في البطون وزيادة الاعمال ونقصها واثبات ذلك كله في فالذي كان هذا يسيرا عليه فاعادته للاموات ايسر وايسر. فتبارك من كثر خيره ونبه عباده على ما فيه صلاحهم في معاشهم ومعادهم شرابه وهذا ملح اجاجه ومن كل انس وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. هذا اخبار عن وحكمته ورحمته انه جعل البحرين لمصالح العالم الارضي كلهم. وانه لم يسوي بينهما لان المصلحة تقتضي ان الانهار عذبة فراتا سائغا شرابها لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون. وان يكون البحر ملحا اجاجا لان لا يفسد الهواء المحيط بالارض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات. ولانه ساكن لا يجري فملوحته تمنعه من تغير ولتكون حيواناته احسن والذ. ولهذا قال طريا وتستخرجون حلية تلبسونها. ومن كل من البحر الملح والعذب تأكلون لحما طريا وهو السمك المتيسر صيده في البحر. وتستخرجون حلية تلبسونها من لؤلؤ ومرجان وغيرهما. من ما يوجد في البحر فهذه مصالح عظيمة للعباد. ومن المصالح ايضا والمنافع في البحر ان سخره الله تعالى يحمل الفلك من السفن مراكب فتراها تمخر البحر وتشقه. فتسلك من اقليم الى اقليم اخر. ومن محل الى محل. فتحمل السائرين واثقالهم وتجاراتهم فيحصل بذلك من فضل الله واحسانه شيء كثير. ولهذا قال ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون ومن ذلك ايضا علاجه تعالى الليل بالنهار والنهار بالليل يدخل هذا على هذا هذا وهذا على هذا كلما اتى احدهما ذهب الاخر ويزيد احدهما وينقص الاخر ويتساويان فيقوم بذلك كما يقوم من مصالح العباد في ابدانهم وحيواناتهم واشجارهم وزروعهم. وكذلك ما جعل الله في تسخير الشمس والقمر الضياء والنور والحركة والسكون. وانتشار العباد في طلب فضله. وما فيهما من تنظيج الثمار وتجفيف ما يجفف. وغير ذلك مما هو من الضروريات التي لو فقدت للحق الناس الضرر. وقوله اي كل من الشمس والقمر يسيران في فلكهما ما شاء الله ان يسيرا. فاذا جاء الاجل وقرب انقضاء الدنيا انقطع سيرهما وتعطل سلطانهما وخسف القمر وكورت الشمس وانتثرت النجوم. فلما بين تعالى ما من هذه المخلوقات العظيمة وما فيها من العبر الدالة على كماله واحسانه. قال ذلكم الله ربكم له الملك. اي الذي انفرد بخلق هذه المذكورات وتسخيرها هو الرب المألوه المعبود الذي له الملك كله والذين تدعون من دونه من الاوثان والاصنام ما يملكون من قطنين. اي لا يملكون شيئا لا قليلا ولا كثيرا. حتى ولا القطمير ما الذي هو احقر الاشياء؟ وهذا من تنصيص النفي وعمومه. فكيف يدعون؟ وهم غير مالكين لشيء من ملك السماوات والارض مع هذا ان تدعوهم لا يسمعون لانهم ما بين جماد واموات وملائكة مشغولين بطاعة ربهم ثم يوم القيامة يكفرون بشرككم. ولو سمعوا على وجه الفرض والتقدير ما استجابوا لكم. لانهم لا يملكون شيئا ولا يرضى اكثرهم بعبادة من عبده. ولهذا قال اي يتبرأون منكم ويقولون سبحانك انت ولينا من دونهم اي لا احد ينبئك اصدق من الله العليم الخبير بان هذا الامر الذي نبأ به كانه رأي عين. فلا تشك فيه ولا تمتر. فتضمنت هذه الايات الادلة والبراهين الساطعة جميع الناس ويخبرهم بحالهم ووصفهم. وانهم فقراء الى الله من جميع الوجوه. فقراء في ايجادهم فلولا ايجاده اياهم لم يوجدوا فقراء في اعدادهم بالقوى والاعضاء والجوارح. التي لولا اعداده اياهم بها لما استعدوا لاي عمل كان في امدادهم بالاقوات والارزاق والنعم الظاهرة والباطنة. فلولا فضله واحسانه وتيسيره الامور. لما حصل له من الرزق والنعم في شيء فقراء في صرف النقم عنهم ودفع المكاره وازالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم وتفريجه لكرباتهم وازالته لعسرهم لاستمرت عليهم المكاره والشدائد. فقراء اليه في تربيتهم بانواع التربية واجناس التدبير فقراء اليه في تألههم له وحبهم له. وتعبدهم واخلاص العبادة له تعالى. فلو لم يوفقوا لذلك لهلكوا وفسدت ارواحهم وقلوبهم واحوالهم. فقراء اليه في تعليمهم ما لا يعلمون. وعملهم بما يصلحهم. فلولا تعليمهم لم يتعلموا ولولا توفيقه لم يصلحوا فهم فقراء بالذات اليه بكل معنى وبكل اعتبار سواء شعروا ببعض انواع فقر ام لم يشعروا ولكن الموفق منهم الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من امور دينه ودنياه. ويتضرع له الا يكله الى نفسه طرفة عين. وان يعينه على جميع اموره. ويستصحب هذا المعنى في كل وقت. فهذا احرى بالاعانة التامة من ربه واله الذي هو ارحم به من الوالدة بولدها. اي الذي له الغنى التام من جميع الوجوه. فلا يحتاج الى ما يحتاج اليه خلقه. ولا يفتقر الى شيء مما يفتقر اليه الخلق. وذلك لكمال وكونها كلها صفات كمال ونعوت جلال. ومن غناه تعالى ان اغنى الخلق في الدنيا والاخرة. الحميد في ذاته واسمائه لانها حسنى واوصافه لكونها عليا. وافعاله لانها فضل واحسان وعدل وحكمة ورحمة وفي اوامره ونواهيه فهو الحميد على ما فيه وعلى ما منه وهو الحميد في غناه. الغني في حمده يحتمل ان المراد ان يشأ يذهبكم ايها الناس ويأتي بغيركم من الناس اطوع لله منكم ويكون في هذا تهديد لهم بالهلاك والابادة وان مشيئته غير قاصرة عن ذلك. ويحتمل ان المراد بذلك اثبات البعث والنشور. وان مشيئة الله تعالى لا نافذة في كل شيء وفي اعادتكم بعد موتكم خلقا جديدا. ولكن لذلك الوقت اجل قدره الله. لا يتقدم عنه ولا يتأخر اي بممتنع ولا معجز له. ويدل على المعنى اخير ما ذكره بعده في قوله اي في يوم القيامة كل احد يجادل كزى بعمله ولا يحمل احد ذنب احد ولو كان ذا قربى. وان تدعو مثقلة اي نفس مثقلة بالخطايا والذنوب. تستغيث بمن يحمل عنها بعض اوزارها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى. فانه لا يحمل عن قريب فليست حال الاخرة بمنزلة حال الدنيا ساعد الحميم حميمة. والصديق صديقة. بل يوم القيامة يتمنى العبد ان يكون له حق على احد. ولو على والديه واقاربه انما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب واقاموا الصلاة. اي هؤلاء الذين يقبلون هنا النذارة وينتفعون بها. اهل الخشية لله بالغيب. اي الذين يخشونه في حال السر والعلانية. والمشهد والمغيب. واهل اقامة الصلاة بحدودها وشروطها واركانها وواجباتها وخشوعها. لان الخشية لله تستدعي من العبد العمل بما يخشى من العقاب والهرب مما يخشى من ارتكابه العذاب. والصلاة تدعو الى الخير وتنهى عن الفحشاء والمنكر اي ومن زكى نفسه بالتلقي من العيوب كالرياء والكبر والكذب والغش والمكر والخداع والنفاق ونحو ذلك من الاخلاق الرذيلة وتحلى بالاخلاق الجميلة من الصدق والاخلاص والتواضع ولين الجانب والنصح للعباد وسلامة الصدر من الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الاخلاق. فان تزكيته يعود نفعها اليه ويصل مقصودها اليه ليس يضيع من عمله شيء. فيجازي الخلق على ما اسلفوه ويحاسبهم على ما قدموه وعملوه. ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها يخبر تعالى انه لا يتساوى الاضداد في حكمة الله وفيما اودعه في فطر عباده. وما يستوي الاعمى فاقد البصر والبصير. ولا الظلمات ولا النور فكما انه من المتقرر عندكم الذي لا يقبل الشك ان هذه المذكورات لا تتساوى. فكذلك فلتعلموا ان عدم تساوي المتضادات المعنوية اولى واولى. فلا يستوي المؤمن والكافر. ولا المهتدي والضال ولا العالم والجاهل ولا اصحاب الجنة واصحاب النار ولا احياء القلوب وامواتها. فبين هذه الاشياء من التفاوت والفرق ما لا يعلمه الا الله تعالى فاذا علمت المراتب وميزت الاشياء وبان الذي ينبغي ان يتنافس في تحصيله من ضده فليختل الحازم لنفسه ما هو اولى به واحقها بالايثار ان الله يسمع من يشاء. سماع فهم وقبول. لان الله تعالى هو الهادي الموفق اي اموات القلوب او كما ان دعاءك لا سكان القبور شيئا. كذلك لا يفيد المعرض المعاند شيئا. ولكن وظيفتك النذارة وابلاغ ما ارسلت به. قبل منك ام لا ولهذا قال انا ارسلناك بالحق اي مجرد ارسالنا اياك بالحق. لان الله تعالى بعثك على حين فترة من الرسل. وطموس من السبل واندراس من العلم وضرورة عظيمة الى بعثتك. فبعثك الله رحمة للعالمين. وكذلك ما بعثناك به من الدين القويم والصراط المستقيم حق لا باطل. وكذلك ما ارسلناك به من هذا القرآن العظيم. وما اشتمل عليه من الذكر الحكيم حق وصدق. بشيرا لمن اطاعك بثواب الله العاجل والاجل. ونذيرا لمن عصاك بعقاب الله العاجل والاجل. ولست ببدع من الرسل فما من امة من الامم الماضية والقرون الخالية الا خلا فيها نذير يقيم عليها حجة الله ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة اي وان يكذبك ايها الرسول هؤلاء المشركون فلست اول رسول كذب فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات الدالات على الحق وعلى صدقهم فيما اخبروهم به. وبالزبر اي الكتب المكتوبة المجموع فيها كثير من الاحكام والكتاب المنير. اي المضيء في اخباره الصادقة واحكامه العادلة. فلم يكن تكذيبهم اياهم ناشئا كان عن اشتباه او قصور مما جاءتهم به الرسل بل بسبب ظلمهم وعنادهم كيف كان نكير؟ ثم اخذت الذين كفروا بانواع العقوبات فكيف كان نكيري عليهم؟ كان اشد النكير واعظم التنكيل فاياكم وتكذيب هذا الرسول الكريم. فيصيبكم كما اصاب اولئك من العذاب الاليم والخزي الوخيم. الم تر ماء فاخرجنا به ثمرة يذكر تعالى خلقه للاشياء المتضادات التي اصلها واحد ومادتها واحدة. وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف ليدل العباد على كمال قدرته وبديع حكمته. فمن ذلك ان الله تعالى انزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات المختلفة والنباتات المتنوعات ما هو مشاهد للناظرين. والماء واحد والارض واحدة. ومن ذلك الجبال التي جعلها الله الله اوتادا للارظ تجدها جبالا مشتبكة بل جبلا واحدا وفيها الوان متعددة فيها جدد بيظ اي طرائق بيظ وفيها طرائق صفر وحمر. وفيها غرابيب سود. اي شديدة السواد جدا آآ والانعام ان الله عزيز غفور. ومن ذلك الناس والدواب والانعام فيها من اختلاف الالوان والاوصاف والاصوات والهيئات. ما هو مرئي بالابصار. مشهود للنظار. والكل من اصل واحد ومادة واحدة فتفاوتها دليل عقلي على مشيئة الله تعالى التي خصصت ما خصصت منها بلونه ووصفه قدرة الله تعالى حيث اوجدها كذلك. وحكمته ورحمته حيث كان ذلك الاختلاف وذلك التفاوت. فيه من المصالح والمنافع الطرق ومعرفة الناس بعضهم بعضا ما هو معلوم. وذلك ايضا دليل على سعة علم الله تعالى. وانه يبعث من في القبور ولكن الغافل ينظر في هذه الاشياء وغيرها نظر غفلة لا تحدث له التذكر وانما ينتفع بها من يخشى الله تعالى ويعلم فكره الصائب وجه الحكمة فيها. ولهذا قال فكل من كان بالله اعلم كان اكثر له خشية. واوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي. والاستعداد للقاء من يخشاه وهذا دليل على فضيلة العلم فانه داع الى خشية الله واهل خشيته هم اهل كرامته كما قال تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ان الله عزيز غفور. ان الله عزيز كامل العزة ومن عزته خلق هذه المخلوقات المتضادات غفور لذنوب التائبين سرا وعلانيتين يرجون تجارة ان الذين يتلون كتاب الله ان يتبعونه في اوامره فيمتثلونها. وفي نواهيه فيتركونها وفي اخباره فيصدقونها ويعتقدونها. ولا يقدمون عليه ما خالفه من الاقوال. ويتلون ايضا الفاظه بدراسته. ومعانيه بتتبعها واستخراجها. ثم خص من التلاوة بعدما عم. الصلاة التي هي عماد الدين. ونور المسلمين وميزان الايمان وعلامة صدق الاسلام والنفقة على الاقارب والمساكين واليتامى وغيرهم. من الزكاة والكفارات والنذور والصدقات. سرا وعلانية في جميع الاوقات. يرجون بذلك تجارة ان تبور اي لن تكسد وتفسد. بل تجارة هي اجل التجارات واعلاها وافضلها. الا وهي رضا ربهم. والفوز بجزيل لثوابه والنجاة من سخطه وعقابه. وهذا فيه انهم يخلصون باعمالهم. وانهم لا يرجون بها من المقاصد السيئة والنيات الفاسدة شيئا وذكر انهم حصل لهم ما رجوه فقال ليوفيهم اجورهم اي واعمالهم على حسب قلتها وكثرتها وحسنها وعدمه ويزيدهم من فضله زيادة عن اجورهم غفر لهم السيئات وقبل منهم القليل من الحسنات ان الله يذكر تعالى ان الكتاب الذي اوحاه الى رسوله هو الحق من كثرة ما اشتمل عليه من الحق كأن الحق منحصر فيه فلا يكن في قلوبكم حرج منه ولا تتبرموا منه ولا تستهينوا به. فاذا كان هو الحق لزم ان كل ما دل عليه من المسائل الالهية والغيبية وغيرها. مطابق لما في الواقع فلا يجوز ان يراد به ما يخالف ظاهره وما دل عليه. مصدقا لما بين يديه من الكتب والرسل. لانها اخبرت به. فلما وجد وظهر ظهر به صدقها فهي بشرت به واخبرت وهو صدقها. ولهذا لا يمكن احدا ان يؤمن بالكتب السابقة وهو كافر بالقلوب ابدا لان كفره به ينقض ايمانه بها. لان من جملة اخبارها الخبر عن القرآن. ولان اخبارها مطابقة لاخبار القرآن فيعطي كل امة وكل شخص ما هو اللائق بحاله ومن ذلك ان الشرائع السابقة لا تليق الا بوقتها وزمانها. ولهذا ما زال الله يرسل الرسل رسولا بعد رسول. حتى ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. فجاء بهذا الشرع الذي يصلح لمصالح الخلق الى يوم القيامة ويتكفل بما هو الخير في كل وقت. ولهذا لما كانت هذه الامة اكمل الامم عقولا. واحسنهم افكارا وارقهم قلوبا وازكاهم انفسا اصطفاهم الله تعالى واصطفى لهم دين الاسلام واورثهم الكتاب المهيمن على سائر الكتب. ولهذا قال ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا وهم هذه الامة. فمنهم ظالم لنفسه بالمعاصي. التي هي دون كفر ومنهم مقتصد مقتصر على ما يجب عليه. تارك للمحرم ومنهم سابق بالخيرات اي سارع فيها واجتهد فسبق غيره وهو المؤدي للفرائض المكثر من النوافل التارك للمحرم والمكروه. فكلهم اصطفاه الله تعالى لوراثة هذا الكتاب وان تفاوتت مراتبهم وتميزت احوالهم فلكل منهم قسط من وراثته حتى الظالم لنفسه فان ما معه من اصل الايمان وعلوم الايمان واعمال الايمان من وراثة الكتاب. لان المراد بوراثة الكتاب وراثة علمه وعمله ودراسة الفاظه واستخراج معانيه وقوله باذن الله راجع الى السابق بالخيرات لان لا يغتر بعمله بل ما سبق الى الخيرات الا توفيق الله تعالى ومعونته. فينبغي له ان يشتغل بشكر الله تعالى على ما انعم به عليه اي وراثة الكتاب الجليل لمن اصطفى تعالى من عباده هو الفضل الكبير الذي جميع النعم بالنسبة اليه كالعدم جل النعم على الاطلاق واكبر الفضل وراثة هذا الكتاب. ثم ذكر جزاء الذين اورثهم كتابه فقال يحلون فيها من اساور جنات عدن يدخلونها اي جنات مشتملات على الاشجار والظل والظليل والحدائق الحسنة والانهار المتدفقة والقصور العالية والمنازل زخرفة في ابد لا يزول وعيش لا ينفد. والعدل الاقامة فجنات عدن اي جنات اقامة. اضافها للاقامة لان الاقامة والخلود وصفها ووصف اهلها يحلون فيها من اساور من ذهب وهو الحلي الذي يجعل في اليدين على ما يحبون ويرون انه احسن من غيره. الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء. ويحلون فيها لؤلؤ ينظم في ثيابهم واجسادهم ولباسهم فيها حرير من سندس ومن استبرق اخضر. ولما تم نعيمهم وكملت لذتهم وقالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن وقالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن. وهذا يشمل كل حزن. فلا حزن يعرض لهم سبب نقص في جمالهم ولا في طعامهم وشرابهم ولا في لذاتهم ولا في اجسادهم. ولا في دوام لبسهم. فهم في نعيم ما يرون عليه مزيدا وهو في تزايد ابد الاباد ان ربنا لغفور حيث غفر لنا الزلات. شكور حيث قبل منا الحسنات وضاعفها واعطانا من فضله ما لم تبلغه اعمالنا اولا امانينا فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب. وبشكره وفضله حصل لهم كل مرغوب محبوب دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمس الذي احلنا اي انزلنا نزول حلول واستقرار لا نزول معبر واعتبار دار مقامة اي الدار التي تدوم فيها الاقامة والدار التي يرغب في المقام فيها لكثرة خيراتها وتوالي مساراتها وزوال قدراتها وذلك الاحلال من فضله علينا وكرمه. لا باعمالنا فلولا فضله لما وصلنا الى ما وصلنا اليه لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب. اي لا تعب في الابدان ولا في القلب والقوة ولا في كثرة التمتع. وهذا يدل على ان الله تعالى يجعل ابدانهم في نشأة كاملة. ويهيئ لهم من اسباب الراحة على الدوام ما يكونون بهذه الصفة بحيث لا يمسهم نصب ولا لغوب ولا هم ولا حزن. ويدل على انهم لا ينامون في الجنة لان النوم فائدته زوال التعب. وحصول الراحة به. واهل الجنة بخلاف ذلك. ولانه موت اصغر. واهل الجنة لا يموت جعلنا الله منهم بمنه وكرمه. والذين كفروا لهم نار جهنم يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها. كذلك نجز في كل كفور. لما ذكر تعالى حال اهل الجنة ونعيمهم. ذكر حال اهل النار وعذابهم. فقال والذين كفروا اي جحدوا ما جاءتهم به رسلهم من البينات. وانكروا لقاء ربهم لهم نار جهنم يعذبون فيها اشد العذاب وابلغ العقاب لا يقضى عليهم بالموت فيموتوا فيستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها. فشدة العذاب وعظمه مستمر عليهم في في جميع الانات واللحظات ربنا اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل. وهم فيها اي يصرخون ويتصايحون ويستغيثون ويقولون مصلحا غير الذي كنا نعمل. فاعترفوا بذنوبهم وعرفوا ان الله عدل فيهم. ولكن سألوا رجعة في غير وقتها فيقال لهم تذكر وجاء وجاءكم فذوقوا فمالك اولم نعمركم اي دهرا وعمرا ما يتذكر فيه من تذكر ان يتمكن فيه من اراد التذكر من العمل متعناكم في الدنيا وادررنا عليكم الارزاق وقيضنا لكم اسباب الراحة ومدد لكم في العمر وتابعنا عليكم الايات واوصلنا اليكم النذر وابتليناكم بالسراء والضراء لتنيبوا الينا وترجعوا الينا فلم ينجح فيكم انذار ولم تفد فيكم موعظة واخرنا عنكم العقوبة حتى اذا انقضت اجالكم وتمت اعماركم ورحلتم عن دار الامكان باشر الحالات. ووصلتم الى هذه الدار. دار الجزاء على الاعمال. سألتم الرجعة. هيهات هيهات فات وقت الامكان وغضب عليكم الرحيم الرحمن واشتد عليكم عذاب النار ونسيكم اهل الجنة فامكثوا فيها خالدين لا دين وفي العذاب مهانين. ولهذا قال ينصرهم فيخرجهم منها او يخفف عنهم من عذابها السماوات والارض ان الله عالم غيب السماوات والارض لما ذكر تعالى جزاء اهل الدارين وذكر اعمال الفريقين اخبر تعالى عن سعة علمه تعالى واطلاعه على غيب السماوات والارض التي غابت عن ابصار الخلق وعن علمهم وان انه عالم بالسرائر. وما تنطوي عليه الصدور من الخير والشر. والزكاء وغيره فيعطي كلا ما يستحقه. وينزل كل احد منزله والذي جعلكم خلائف في الارض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيدن يخبر تعالى عن كمال حكمته ورحمته بعباده انه قدر بقضائه السابق ان يجعل بعضهم يخلف بعضا في الارض ويرسل لكل لامة من الامم النذر فينظر كيف يعملون. فمن كفر بالله وبما جاءت به رسله. فان كفره عليه وعليه اثمه وعقوبته ولا يحمل عنه احد. ولا يزداد الكافر بكفره الا ما اقترب به له وبغضه اياه. واي عقوبة اعظم من مقت الرب الكريم ولا يزيد الكافرين كفرهم الا خسارة. اي يخسرون انفسهم واهليهم واعمالهم ومنازلهم في الجنة فالكافر لا يزال في زيادة من الشقاء والخسران والخزي عند الله وعند خلقه والحرمان يقول تعالى معجزا لالهة المشركين. ومبينا نقصها وبطلان شركهم من جميع الوجوه. قل يا ايها الرسول لهم ارأيتم اي اخبروني عن شركائكم الذين تدعون من دون الله؟ هل هم مستحقون للدعاء والعبادة؟ فاروني ماذا خلقوا من الارض؟ هل خلقوا احرى ام خلقوا جبالا او خلقوا حيوانا او خلقوا جمادا. سيقرون ان الخالق لجميع الاشياء هو الله تعالى. ام شركائكم شركة في السماوات في خلقهما وتدبيرها سيقولون ليس لهم شركة. فاذا لم يخلقوا شيئا ولم يشاركوا الخالق في خلقه فلما عبدتموهم ودعوتموهم مع اقراركم بعجزهم؟ فانتفى الدليل العقلي على صحة عبادتهم ودل على بطلانها ثم ذكر الدليل السمعي وانه ايضا منتف فلهذا قال ام اتيناهم كتابا يتكلم بما كانوا به يشركون. يأمرهم بالشرك وعبادة الاوثان. فهم في شرك على بينة من ذلك الكتاب الذي نزل عليهم في صحة الشرك. ليس الامر كذلك فانهم ما نزل عليهم كتاب قبل القرآن. ولا جاءهم نذير قبل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. ولو قدر نزول كتاب اليهم وارسال رسول اليهم. وزعموا انه وامرهم بشركهم فانا نجزم بكذبهم لان الله قال وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون فالرسل والكتب كلها متفقة على الامر باخلاص الدين لله تعالى. وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء فان قيل اذا كان الدليل العقلي والنقلي قد دل على بطلان الشرك فما الذي حمل المشركين على الشرك وفيهم ذوو العقول والذكاء ايها الفطنة اجاب تعالى بقوله اي ذلك الذي مشوا عليه ليس لهم فيه حجة فانما ذلك توصية بعضهم لبعض به وتزيين بعضهم لبعض واقتداء المتأخر بالمتقدم ضمان واماني من نهى الشيطان. وزين لهم سوء اعمالهم. فنشأت في قلوبهم وصارت صفة من صفاتها. فعسر زوالها تعسر انفصالها فحصل ما حصل من الاقامة على الكفر والشرك الباطل المضمحل انه كان حليما غفورا. يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام رحمته. وسعة حلمه ومغفرته. وانه تعالى يمسك السماوات والارض عن الزوال. فانهما لو زالتا ما امسكهما احد من الخلق. ولعجزت قدرهم وقواهم عنها. ولكنه تعالى قضى ان يكون كما وجد ليحصل للخلق القرار والنفع والاعتبار. وليعلموا من عظيم سلطانه وقوة قدرته. ما به تمتلئ قلوب له اجلالا وتعظيما ومحبة وتكريما. وليعلموا كمال حلمه ومغفرته بامهال المذنبين وعدم معاجلته للعاصين مع انه لو امر السماء لحصبتهم ولو اذن للارض لابتلعتهم. ولكن وسعتهم مغفرته وحلمه وكرمه كان حليما غفورا. واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءهم نذيرا اي واقسم هؤلاء الذين كذبوك يا رسول الله قسما اجتهدوا فيه بالايمان الغليظة اي اهدى من اليهود والنصارى اهل كتب فلم يف بتلك الاقسامات والعهود. فلما جاءهم نذير لم يهتدوا. ولم يصيروا اهدى من احدى الامم. بل لم يدوموا على ضلالهم الذي كان بل ما زادهم ذلك الا نفورا. زيادة ضلال وبغي وعناد فهل ينظرون الا الاولين فهل ينظرون الا سنة الاولين فلن تجد لسنة سنة الله تحويلا. وليس اقسامهم المذكور بقصد حسن وطلب للحق والا لوفقوا له. ولكنه صادر عن استكبار في الارض على الخلق وعلى الحق. وبهرجة في كلامهم هذا به المكر والخداع وانهم اهل الحق الحريصون على طلبه فيغتر به المغترون ويمشي خلفهم المقتدون ولا يقول مكر السيء الذي مقصوده مقصود سيء ومآله وما يرمي اليه سيء باطل الا باهله. فمكرهم انما يعود عليهم وقد ابان الله لعباده في هذه المقالات وتلك الاقسامات. انهم كذبة في ذلك مزورون. فاستبان خزيهم وظهرت فضيحتهم وتبين قصدهم السيء فعاد مكرهم في نحورهم. ورد الله كيدهم في صدورهم. فلم يبقى لهم الا انتظار ما يحل بهم من العذاب الذي هو سنة الله في الاولين. التي لا تبدل ولا تغير. ان كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد. ان يحل به نقمة وتسلب عنه نعمته فليترقب هؤلاء ما فعل باولئك انظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا اشد منهم قوة وما كان عليما قديرا. يحض تعالى على السير في الارض في القلوب والابدان. للاعتبار لا لمجرد النظر ايها الغفلة وان ينظروا الى عاقبة الذين من قبلهم ممن كذبوا الرسل. وكانوا اكثر منهم اموالا واولادا واشد قوة. وعمروا الارض اكثر مما ما عمرها هؤلاء فلما جاءهم العذاب لم تنفعهم قوتهم ولم تغني عنهم اموالهم ولا اولادهم من الله شيئا. ونفذت فيهم الله ومشيئته لكمال علمه وقدرته ثم ذكر تعالى كمال حلمه وشدة امهاله وانظاره ارباب الجرائم والذنوب. فقال يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من يؤخرهم الى اجل مسمى. فاذا اه ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا من الذنوب ما ترك على ظهرها من دابة اي لاستوعبت العقوبة حتى الحيوانات غير مكلفة ولكن يمهلهم تعالى ولا يهملهم ويؤخرهم الى اجل مسمى فيجازيهم بحسب ما علمه منهم من خير وشر