وظاهره من قبله العذاب. فاذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به وهم قد طفئ نورا وبقوا في الظلمات حائرين. قالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم. اي امهلونا لننال من نوركم ما نمشي به المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي ادراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار. خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم. يقول تعالى مبينا لفضل الايمان واغتباط اهله به يوم القيامة. يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورا وهم بين ايديهم وبايمانهم. اي اذا كان يوم القيامة وكورت الشمس وخسف القمر. وصار الناس في الظلمة ونصب الصراط على متن جهنم فحينئذ ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم فيمشون بايمانهم ونورهم في ذلك الموقف الهائل صعب كل على قدر ايمانه ويبشرون عند ذلك باعظم بشارة. فيقال خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم. فلله ما هذه البشارة بقلوبهم والذها لنفوسهم حيث حصل لهم كل مطلوب محبوب ونجوا من كل شر ومرهوب المنافقون والمنافقات للذين امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. قيل ارجعوا ورائكم فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه ننجو من العذاب. قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. فقيل لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. اي ان كان ذلك ممكنا. والحال ان ذلك غير ممكن. بل هو من المحالات. فضرب بين المؤمنين والمنافقين بسور اي حائط منيع وحصن حصين له باب باطنه فيه الرحمة. وهو الذي يلي المؤمنين وظاهره من قبل العذاب وهو الذي يلي المنافقين. فينادي المنافقون المؤمنين فيقولون لهم تضرعا وترحما. ينادونهم ما لم انكم معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم انفسكم. وتربصتم مرتبتم الم نكن معكم في الدنيا؟ نقول لا اله الا الله ونصلي ونصوم ونجاهد ونعمل مثل عملكم. قالوا بلى كنتم معنا في الدنيا وعملتم في الظاهر مثل عملنا. ولكن اعمالكم اعمال المنافقين. من غير ايمان ولا نية صادقة صالحة. بل فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم. اي شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شك. وتربصتم مرتبتم مغرتكم وغرتكم الاماني الباطلة حيث تمنيتم ان تنالوا منال المؤمنين وانتم غير موقنين. حتى جاء امر الله اي حتى جاءكم الموت انتم بتلك الحال الذميمة. وغركم بالله الغرور وهو الشيطان الذي زين لكم الكفر والريب. فاطمأننتم به ووثقتم بوعده صدقتم خبره مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير. فاليوم الا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا فلو افتديتم بمثل الارض ذهبا ومثله معه لما تقبل منكم مأواكم النار اي مستقرة الركن هي مولاكم التي تتولاكم وتضمكم اليها. وبئس المصير النار. قال تعالى واما من خفت موازينه فامه هاوية وما ادراك ما هي؟ نار حامية فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون لما ذكر حال المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات في الدار الاخرة كان ذلك مما يدعو القلوب الى الخشوع بها والاستكانة لعظمته. فعاتب الله المؤمنين على عدم ذلك. فقال الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق اي الم يجيء الوقت الذي تلين به قلوبهم وتخشع لذكر الله الذي هو القرآن وتنقاد لاوامره وزواجره وما نزل من الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا فيه الحث على الاجتهاد على خشوع القلب لله تعالى. ولما انزله من الكتاب والحكمة وان يتذكر المؤمنون المواعظ الالهية والاحكام الشرعية كل وقت. ويحاسبوا انفسهم على ذلك كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم. اي ولا يكونوا كالذين انزل الله عليهم الكتاب الموجب لخشوع القلب والانقياد التام. ثم لم يدوموا عليه ولا ثبتوا. بل طال عليهم الزمان واستمرت بهم الغفلة محل ايمانهم وزال ايقانهم فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون فالقلوب تحتاج في كل كل وقت الى ان تذكر بما انزله الله وتناطق بالحكمة. ولا ينبغي الغفلة عن ذلك فان ذلك سبب لقسوة القلب وجمود العين ان الله يحيي الارض بعد موتها قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون فان الايات تدل العقول على العلم بالمطالب الالهية. والذي احيا الارض بعد موتها قادر على ان يحيي الاموات بعد موته فيجازيهم باعمالهم. والذي احيا الارض بعد موتها بماء المطر. قادر على ان يحيي القلوب الميتة بما انزله من الحق على رسوله وهذه الاية تدل على انه لا عقل لمن لم يهتدي بايات الله ولم ينقض لشرائع الله ان المصدقين والمصدقات بالتشديد. اي الذين اكثروا من الصدقات الشرعية والنفقات المرضية. واقرب احفظوا الله قرضا حسنا بان قدموا من اموالهم في طرق الخيرات ما يكون مدخرا لهم عند ربهم. يضاعف لهم ما لهم اجرا يضاعف لهم الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة ولهم اجر كريم وهو ما اعده الله لهم في الجنة مما لا تعلمه النفوس. والذين امنوا بالله ورسله اولئك والذين كفروا وكذبوا باياتنا اولئك اصحاب الجحيم والذين امنوا بالله ورسله والايمان عند اهل السنة هو ما دل عليه الكتاب والسنة هو قول القلب واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح. فيشمل ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة. فالذين جمعوا بين هذه الامور هم الصديقون الذين مرتبتهم فوق مرتبة عموم المؤمنين ودون مرتبة الانبياء. وقوله لهم اجرهم ونورهم. كما ورد في الحديث الصحيح ان في الجنة مئة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض اعدها الله للمجاهدين في سبيله. وهذا يقتضي شدة علوهم ورفعتهم. وقربهم الى الله تعالى باياتنا اولئك اصحاب الجحيم. فهذه الايات جمعت اصناف الخلق المتصدقين والصديقين والشهداء واصحاب الجحيم. فالمتصدقون الذين كان جل عملهم الاحسان الى الخلق وبذل النفع اليهم بغاية ما يمكنهم. خصوصا بالنفع بالمال في سبيل الله. والصديقون هم الذين كملوا مراتب الايمان والعمل الصالح والعلم النافع واليقين الصادق. والشهداء هم الذين قاتلوا في سبيل الله لاعلاء كلمة الله. وبذلوا انفسهم واموالهم فقتلوا واصحاب الجحيم هم الكفار الذين كذبوا بايات الله. وبقي قسم ذكرهم الله في سورة فاطر. وهم المقتصدون الذين ادوا الواجب وتركوا المحرمات. الا انهم حصل منهم تقصير ببعض حقوق الله وحقوق عباده. فهؤلاء مآلهم الجنة. وان حصل لهم ببعض ما فعل اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراهم يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه ويبين غايته وغاية اهلها بانها لعب ولهو. تلعب بها الابدان وتلهو بها القلوب. وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من ابناء الدنيا فانك تجدهم قد قطعوا اوقات اعمارهم بلهو القلوب والغفلة عن ذكر الله. وعن ما امامهم من الوعد والوعيد. وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولا هو بخلاف اهل اليقظة وعمال الاخرة. فان قلوبهم معمورة بذكر الله ومعرفته ومحبته. وقد اشغلوا اوقاتهم بالاعمال التي تقربهم الى الله من النفع القاصر والمتعدي. وقوله وزينة اي تزين في اللباس والطعام والشراب. والمراكب والدور القصور والجاه وغير ذلك وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد وتفاخر بينكم لكل واحد من اهلها يريد مفاخرة الاخر. وان يكون هو الغالب في امورها. والذي له الشهرة في احوالها. وتكاثر في الاموال والاولاد اي كل يريد ان يكون هو الكافر لغيره في المال والولد. وهذا مصداقه وقوعه من محبي الدنيا والمطمئنين اليه بخلاف من عرف الدنيا وحقيقتها فجعلها معبرا ولم يجعلها مستقرا. فنافس فيما يقربه الى الله واتخذ الوسائل التي توصله الى الله. واذا رأى من يكاثره وينافسه بالاموال والاولاد. نافسه بالاعمال الصالحة. ثم ضرب للدنيا مثلا بغيث نزل على الارض فاختلط به نبات الارض مما يأكل الناس والانعام. حتى اذا اخذت الارض زخرفها واعجب نباته الكفار الذين هممهم ونظرهم الى الدنيا جاءها من امر الله ما اتلفها. فهاجت ويبست فعادت على حالها الاولى. كانه لم ينبت فيها خضراء ولا رؤي لها مرأى انيق. كذلك الدنيا بينما هي زاهية لصاحبها زاهرة. مهما اراد من مطالبها حصل ومهما توجه لامر من امورها وجد ابوابه مفتحة. اذ اصابها القدر بما اذهبها من يده. وازال تسلطه عليها. او جهب به عنها. فرحل منها صفر اليدين لم يتزود منها سوى الكفن. فتبا لمن اضحى هي غاية امنيته ولها عمله وسعيه. واما العمل للاخرة فهو الذي ينفع ويدخر لصاحبه. ويصحب العبد على الابد. ولهذا قال تعالى اي حال الاخرة ما يخلو من هذين الامرين اما العذاب الشديد في نار جهنم واغلى وسلاسلها واهوالها لمن كانت الدنيا هي غايته ومنتهى مطلبه. فتجرأ على معاصي الله وكذب بايات الله وكفر بانعم الله واما مغفرة من الله للسيئات وازالة للعقوبات ورضوان من الله يحل من احله به دار الرضوان لمن عرف وسعى للاخرة سعيها. فهذا كله مما يدعو الى الزهد في الدنيا والرغبة في الاخرة. ولهذا قال وما الحياة الدنيا اي الا متاع يتمتع به وينتفع به. ويستدفع به الحاجات لا يغتر به ويطمئن اليه الا اهل العقول الضعيفة الذين يغرهم بالله الغرور. سابقوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض اعدت للذين امنوا اعدت للذين امنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذليل ثم امر بالمسابقة الى مغفرة الله ورضوانه وجنته. وذلك يكون بالسعي باسباب المغفرة من التوبة نصوح والاستغفار النافع والبعد عن الذنوب ومظانها والمسابقة الى رضوان الله بالعمل الصالح. والحرص على ما يرضي الله على الدوام من الاحسان في عبادة الخالق والاحسان الى الخلق بجميع وجوه النفع. ولهذا ذكر الله الاعمال الموجبة لذلك. فقال للذين امنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والايمان بالله ورسله يدخل فيه اصول الدين وفروعها. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. اي هذا الذي بيناه لكم وذكرنا لكم فيه الطرق الموصلة الى الجنة والطرق الموصلة الى النار. وان فضل الله بالثواب الجزيل والاجر العظيم. من اعظم منته على عباده وفضله. والله ذو الفضل العظيم. الذي لا يحصى ثناء عليه. بل هو كما اثنى على نفسه وفوق ما يثنى عليه عباده