المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم اوصي العزيز الحكيم. ان يسبحوا لله وينقاد لامره. ويتألهه ويعبده. جميع ما في السماوات والارض. لان انه الكامل الملك الذي له ملك العالم العلوي والسفلي. فالجميع مماليكه وتحت تدبيره. القدوس المعظم المنزه عن كل اية افة ونقص العزيز القاهر للاشياء كلها الحكيم في خلقه وامره. فهذه الاوصاف العظيمة مما تدعو الى عبادة الله لله وحده لا شريك له يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ضلال مبين. المراد بالاميين الذين لا كتاب عندهم ولا اثر رسالة من العرب وغيرهم. ممن ليسوا من اهل للكتاب فامتن الله تعالى عليهم منة عظيمة اعظم من منته على غيرهم لانهم عادمون للعلم والخير وكانوا في ضلال يتعبدون للاشجار والاصنام والاحجار. ويتخلقون باخلاق السباع الضارية. يأكل قويهم ضعيفهم. وقد كانوا في غاية الجهل بعلوم الانبياء. فبعث الله فيهم رسولا منهم. يعرفون نسبه واوصافه الجميلة وصدقه. وانزل عليه كتابه يتلو عليهم اياته القاطعة الموجبة للايمان واليقين. ويزكيهم بان يحثهم على الاخلاق الفاضلة ويفصلها لهم ويزجرهم عن الاخلاق الرذيلة. ويعلمهم الكتاب والحكمة. اي علم القرآن وعلم السنة. المشتمل ذلك علوم الاولين والاخرين فكانوا بعد هذا التعليم والتزكية منه اعلم الخلق. بل كانوا ائمة اهل العلم والدين. واكمل الخلق اخلاقا. واحسنهم هديا وسمتا اهتدوا بانفسهم وهدوا غيرهم. فصاروا ائمة المهتدين وهداة المؤمنين. فالله عليهم ببعثه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم اكمل نعمة واجل منحة وقوله واخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم اخرين منهم لما يلحقوا بهم. اي وامتن الله على اخرين من غيرهم. اي من غير الاميين. ممن يأتي بعدهم ومن اهل الكتاب. لما الحقوا بهم اي فيمن باشر دعوة الرسول. ويحتمل انهم لما يلحقوا بهم في الفضل. ويحتمل ان يكونوا لما يلحقوا بهم في الزمان. وعلى ككل فكلا المعنيين صحيح. فان الذين بعث الله فيهم رسوله وشاهدوه وباشروا دعوته. حصل لهم من الخصائص والفضائل ما لا يمكن احدا ان يلحقهم فيها. وهذا من عزته وحكمته. حيث لم يترك عباده هملا ولا سدى. بل ابتعث فيهم الرسل. وامرهم ونهاهم وذلك من فضل الله العظيم الذي يؤتيه من يشاء من عباده وهو افضل من نعمته عليهم بعافية البدن وسعة الرزق وغير ذلك من النعم الدنيوية فلا اعظم من نعمة الدين التي هي مادة الفوز والسعادة الابدية كمثل الحمار يحمل اسفارا. بئس مثل القوم الذين كذبوا بايات الله والله لا لما ذكر الله منته على هذه الامة الذين ابتعث فيهم النبي الامي وما خصهم الله من المزايا والمناقب التي لا يلحقهم فيها احد وهم الامة الامية الذين فاقوا الاولين والاخرين حتى اهل الكتاب الذين يزعمون انهم العلماء الربانيون والاحبار المتقدمون. ذكر ان الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى. وامرهم ان يتعلموا ويعمل بما فيها وانهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به. انهم لا فضيلة لهم وان مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره اسفارا من كتب العلم فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ ام حظه منها فقط فهذا مثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة الذي من اجله واعظمه الامر باتباع محمد صلى الله عليه عليه وسلم والبشارة به والايمان بما جاء به من القرآن فهل استفاد من هذا وصفه من التوراة الا الخيبة والخسران واقامة الحجة عليه فهذا المثل مطابق لاحوالهم بئس مثل القوم الذين كذبوا بايات الله الدالة على صدق رسولنا وصدق ما اي لا يرشدهم الى مصالحهم ما دام الظلم لهم وصفا والعناد لهم قل يا ايها الذين هادوا ان زعمتم انكم اولياء لله من دون ومن ظلم اليهود عنادهم انهم يعلمون انهم على باطل. ويزعمون انهم على حق. وانهم اولياء الله من دون الناس. ولهذا امر الله رسوله ان يقول لهم ان كنتم صادقين في زعمكم انكم على الحق. واولياء الله فتمنوا الموت. وهذا امر خفيف. فانهم وعلموا انهم على حق لما توقفوا عن هذا التحدي الذي جعله الله دليلا على صدقهم ان تمنوه. وكذبهم ان لم يتمنوه. ولا تمنوا له ابدا بما قدمت ايديهم والله عليهم بالظالمين. ولما لم يقع منهم مع الاعلان لهم بذلك علم انهم عالمون ببطلان ما هم عليه وفساده. ولهذا قال ولا يتمنونه ابدا بما قبل قدمت ايديهم بما قدمت ايديهم من الذنوب والمعاصي التي يستوحشون من الموت من اجلها فلا يمكن ان يخفى عليه من ظلمهم شيء عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون هذا وان كانوا لا يتمنون الموت بما قدمت ايديهم. ويفرون منه غاية الفرار. فان ذلك لينجيهم. بل لا بد ان يهم الموت الذي قد حتمه الله على العباد وكتبه عليهم. ثم بعد الموت واستكمال الاجال يرد الخلق كلهم يوم القيامة الى عالم الغيب والشهادة. فينبئهم بما كانوا يعملون من خير وشر. قليل وكثير ذلكم خير لكم يأمر تعالى عباده المؤمنين بالحضور لصلاة الجمعة والمبادرة اليها من حين ينادى لها والسعي لها والمراد بالسعي هنا المبادرة اليها والاهتمام لها. وجعلها اهم الاشغال لا العدو الذي قد نهي عنه عند المضي الى الصلاة وقوله وذروا البيع اي اتركوا البيع. اذا نودي للصلاة وامضوا اليها. فان ذلكم خير لكم من اشتغالكم بالبيع الصلاة الفريضة التي هي من اكد الفروض. ان كنتم تعلمون ان ما عند الله خير وابقى ان من اثر الدنيا على الدين فقد خسر الخسارة الحقيقية. من حيث ظن انه يربح. وهذا الامر بترك البيع مؤقت مدة الصلاة فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله واذكروا الله فانتشروا في الارض لطلب المكاسب والتجارات. ولما كان الاشتغال في التجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله امر الله بالاكثار من ذكره. فقال واذكروا الله كثيرا اي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم. فان الاكثار من ذكر الله اكبر اسباب وتركوك قائما واذا رأوا تجارة او لهوا انفضوا اليها. اي خرجوا من المسجد حرصا على ذلك اللهو وتلك التجارة. وتركوا الخير وتركوك قائما تخطب الناس. وذلك في يوم جمعة. بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس. اذ قدم المدينة عير تحمل فلما سمع الناس بها وهم في المسجد انفضوا من المسجد وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب استعجالا لما لا ينبغي ان يستعجل له وترك ادب قل ما عند الله من الاجر والثواب لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة ربه خير ان الله و من التجارة التي وان حصل منها بعض المقاصد. فان ذلك قليل منغص. مفوت لخير الاخرة. وليس الصبر على طاعة الله مفوت للرزق فان الله خير الرازقين. فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب. وفي هذه الايات فوائد عديدة منها ان الجمعة فريضة على جميع المؤمنين. يجب عليهم السعي لها والمبادرة والاهتمام بشأنها. ومنها ان خطبتين يوم الجمعة فريضتان يجب حضورهما. لانه فسر الذكر هنا بالخطبتين. فامر الله بالمضي اليه والسعي له ومنها مشروعية النداء ليوم الجمعة والامر به. ومنها النهي عن البيع والشراء بعد نداء الجمعة. وتحريم ذلك وما ذاك الا لانه يفوت الواجب ويشغل عنه. فدل ذلك على ان كل امر ولو كان مباحا في الاصل. اذا كان عنه تفويت واجب فانه لا يجوز في تلك الحال. ومنها الامر بحضور الخطبتين يوم الجمعة. وذم من لم يحضرهما ومن لازم ذلك الانصات لهما ومنها انه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله وقت دواعي النفس لحضور اللهو والتجارات والشهوات ان يذكرها بما عند الله من الخيرات. وما لمؤثر رضاه على هواه