ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا من الواجبات والمستحبات يدخله جنات تجري من تحتها انهار فيها من النعيم المقيم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم يقول تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين يا ايها النبي اذا طلقتم النساء اي اردتم طلاقهن فالتمسوا لطلاقهن الامر المشروع ولا تبادروا الطلاق من حين يوجد سببه من غير مراعاة لامر الله. بل طلقوهن لعدتهن. اي لاجل عدتهن بان يطلقها زوجها وهي طاهر في طهر لم يجامعها فيه. فهذا الطلاق هو الذي تكون العدة فيه واضحة بينة. بخلاف ما لو طلقها وهي حائض. فان انها لا تحتسب بتلك الحيضة التي وقع فيها الطلاق. وتطول عليه العدة بسبب ذلك. وكذلك لو طلقها في طهر وطئ فيه. فانه لا يؤمن حملها فلا يتبين ولا يتضح باي عدة تعتد. وامر تعالى باحصاء العدة اي ضبطها بالحيض ان كانت تحيض او بالاشهر ان لم تكن تحيض وليست حاملا فان في احصائها اداء لحق الله وحق الزوج المطلق وحق من سيتزوجها بعد وحقها في النفقة ونحوها. فاذا ضبطت عدتها علمت حالها على بصيرة. وعلم ما يترتب عليها من الحقوق. وما لها منها وهذا الامر باحصاء العدة يتوجه للزوج وللمرأة ان كانت مكلفة والا فلوليها. وقوله واتقوا الله ربكم اي في جميع اموركم وخافوهم في حق الزوجات المطلقات. فلا تخرجوهن من بيوتهن مدة العدة. بل يلزمن بيوتهن الذي طلقها زوجها وهي فيها ولا يخرجن. اي لا يجوز لهن الخروج منها. اما النهي عن اخراجها فلان المسكن يجب على الزوج للزوجة لتكمل فيه عدتها التي هي حق من حقوقه. واما النهي عن خروجها فلما في خروجها من اضاعة حق الزوج وعدم صونه يستمر هذا النهي عن الخروج من البيوت والاخراج الى تمام العدة. الا ان يأتين بفاحشة مبينة. اي بامر قبيح واضح موجب لاخراجها بحيث يدخل على اهل البيت الضرر من عدم اخراجها. كالاذى بالاقوال والافعال الفاحشة. ففي هذه الحال يجوز لهم اخراجها لانها هي التي تسببت لاخراج نفسها. والاسكان فيه جبر لخاطرها ورفق بها. فهي التي ادخلت الضرر على نفسها وهذا في المعتدة الرجعية. واما البائن فليس لها سكنة واجبة. لان السكن تبع للنفقة والنفقة تجب للرجعية دون هنا البائن وتلك حدود الله ومن يتعدى حدود الله فقد ظلم نفسه. وتلك حدود الله اي التي حدها لعباده وشرعها وامرهم بلزومها والوقوف معها. ومن يتعدى حدود الله من لم يقف معها بل تجاوزها او قصر عنها فقد نفسه اي بخسها حظها واضاع نصيبه من اتباع حدود الله التي هي الصلاح في الدنيا والاخرة اي شرع الله العدة وحدد الطلاق بها لحكم عظيمة. فمنها انه لعل الله يحدث في قلب طلق الرحمة والمودة فيراجع من طلقها. ويستأنف عشرتها. فيتمكن من ذلك مدة العدة. او لعله يطلقها لسبب منها فيزول ذلك السبب في مدة العدة فيراجعها لانتفاء سبب الطلاق. ومن الحكم انها مدة التربص. يعلم براءة رحمها ما من زوجها وقوله ذلكم يوعد به من كان يؤمن بالله واليوم الاخر. ومن يتق الله يجعل له مخرجا. وقوله فاذا بلغنا لهن اي اذا قاربن انقضاء العدة لانهن لو خرجن من العدة لم يكن الزوج مخيرا بين الامساك والفراق بمعروف او فارقوهن بمعروف اي على وجه المعاشرة الحسنة والصحبة الجميلة لا على وجه الضرار وارادة الشر والحبس. فان امساكها على هذا الوجه لا يجوز. او فارقوهن بمعروف. اي فراقا لا محظور فيه. من غير تشاتم ولا تخاف ولا قهر لها على اخذ شيء من مالها واشهدوا على طلاقها ورجعتها ذوي عدل منكم اي رجلين مسلمين عدلين. لان في الاشهاد المذكور سدا لباب المخاصمة وكتمان كل منهما ما يلزمه بيانه. واقيموا ايها الشهداء الشهادة لله. اياتوا بها على وجهها من غير زيادة ولا نقص اقصدوا باقامتها وجه الله وحده ولا تراعوا بها قريبا لقرابته ولا صاحبا لمحبته يؤمن بالله واليوم الاخر. ذلكم الذي ذكرنا لكم من الاحكام والحدود. يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فان من يؤمن بالله واليوم الاخر يوجب له ذلك ان يتعظ من مواعظ الله. وان يقدم لاخرته من الاعمال الصالحة ما تمكن منها بخلاف من ترحل الايمان عن قلبه فانه لا يبالي بما اقدم عليه من الشر. ولا يعظم مواعظ الله لعدم الموجب لذلك. ولما كان الطلاق الحق قد يوقع في الضيق والكرب والغم. امر تعالى بتقواه. وان من اتقاه في الطلاق وغيره فان الله يجعل له فرجا ومخرجا. فاذا اراد العبد الطلاق ففعله على الوجه الشرعي بان اوقعه طلقة واحدة في غير حيض ولا طهر قد وطأ فيه. فانه لا يضيق عليه الامر بل جعل الله له فرجا وسعة يتمكن فيها من مراجعة النكاح اذا ندم على الطلاق والاية وان كانت في سياق الطلاق والرجعة فان العبرة بعموم اللفظ فكل من اتقى الله تعالى ولازم مرضاة الله في جميع احواله فان الله يثيبه في الدنيا والاخرة. ومن جملة ان يجعل له فرجا ومخرجا من كل شدة ومشقة. وكما ان من اتقى الله جعل له فرجا ومخرجا. فمن لم يتق الله وقع في الشدائد والاصال والاغلال. التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها. واعتبر ذلك بالطلاق. فان العبد اذا لم من يتق الله فيه بل اوقعه على الوجه المحرم كالثلاث ونحوها فانه لا بد ان يندم ندامة لا يمكنه استدراكها والخروج منها وقوله ويرزقه من حيث لا يحتسب. اي يسوق الله الرزق للمتقي من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به يتوكل على الله فهو حسبه. اي في امر دينه ودنياه. بان يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ويثق به في تسهيل ذلك فهو حسبه. اي كافيه الامر الذي توكل عليه به. واذا كان الامر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم فهو اقرب الى العبد من كل شيء. ولكن ربما ان الحكمة الالهية اقتضت تأخيره الى الوقت المناسب له. فلهذا قال تعالى ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا. اي لابد من نفوذ قضائه وقدره. ولكنه قد جعل الله لكل شيء قدرا. اي وقتا ومقدارا لا يتعداه ولا يقصر عنه فعدتهن ثلاثة اشهر اجلهن ان يضعن ان يتق الله يجعل له من امره يسرا. لما ذكر تعالى ان الطلاق المأمور به يكون لعدة النساء. ذكر تعالى فقال واللائي يئسن من المحيض من نسائكم بانكن يحضن ثم ارتفع حيضهن لكبر او غيره ولم يرجى رجوعه فان عدتها ثلاثة اشهر جعل لكل شهر مقابله حيضة واللائي لمحضن اي الصغار اللاتي لم يأتهن الحيض بعد والبالغات اللاتي لم يأتهن حيض بالكلية فانهن كالايسات. عدتهن ثلاثة اشهر. واما اللائي حضن فذكر الله عدتهن في قوله والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء. وقوله وولاة الاحمال اي عدتهن ان يضعن حملهن اي جميع ما في بطونهن من واحد ومتعدد ولا عبرة حينئذ بالاشهر ولا غيرها. اي من اتقى الله تعالى يسر له الامور وسهل عليه كل عسير ذلك اي الحكم الذي بينه الله لكم امر الله انزله اليكم لتمشوا عليه وتأتم وتقوموا به وتعظموه. ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له اجرا يندفع عنه المحذور ويحصل له المطلوب. اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضام حمل تقدم ان الله نهى عن اخراج المطلقات عن البيوت. وهنا ما امر باسكانهن وقدر الاسكان بالمعروف وهو البيت الذي يسكنه مثله ومثلها بحسب وجد الزوج وعسره ولا تضاروهن عليهن اي لا تضاروهن عند سكناهن بالقول او الفعل. لاجل ان يمللن. فيخرجن من البيوت قبل تمام العدة. فتكونوا انتم المخرجين قيل لهن وحاصل هذا انه نهى عن اخراجهن ونهىهن عن الخروج وامر بسكناهن على وجه لا يحصل عليهن ضرر ولا مشقة وذلك راجع الى العرف ان اي المطلقات ولاة حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن. وذلك لاجل الحمل الذي في بطنها ان كانت بائنا ولها ولحملها ان كانت رجعية. ومنتهى النفقة حتى يضعن حملهن. فاذا وضعن حملهن فاما ان يرضعن اولادهن او لا. فان ارضعن لكم فاتوهن اجورهن وائتمروا بينكم بمعروف. فآتوهن اجورهن المسماة لهن ان كان مسمى والا فاجر المثل. وائتمروا بينكم بمعروف اي ليأمر كل واحد من الزوجين ومن غيرهما الاخر بالمعروف وهو كل ما فيه منفعة ومصلحة في الدنيا والاخرة. فان الغفلة عن الائتمار بالمعروف يحصل فيه من الشر والضرر. ما لا يعلمه الا الله وفي الائتمار تعاون على البر والتقوى. ومما يناسب هذا المقام ان الزوجين عند الفراق وقت العدة. خصوصا اذا ولد لهما ولد في الغالب يحصل من التنازع والتشاجر لاجل النفقة عليها وعلى الولد مع الفراق. الذي في الغالب ما يصدر الا عن بغض. ويتأثر من البغض شيء كثير فكل منهما يؤمر بالمعروف والمعاشرة الحسنة وعدم المشاقة والمخاصمة وينصح على ذلك اسرتم فسترضع له اخرى. وان تعاسرتم بان لم تتفقوا على ارضاعها لولدها. فلترضع له اخرى غيرها فلا جناح عليكم اذا سلمتم ما اتيتم بالمعروف. وهذا حيث كان الولد يقبل ثدي غير امه. فان لم يقبل الا ثدي امه بينت لارضاعه ووجب عليها واجبرت ان امتنعت. وكان لها اجرة المثل ان لم يتفقا على مسمى. وهذا مأخوذ من الاية الكريمة من حيث المعنى فان الولد لما كان في بطن امه مدة الحمل ليس له خروج منه. عين تعالى على وليه النفقة؟ فلما ولد وكان يمكن وان يتقوت من امه ومن غيرها اباح تعالى الامرين. فاذا كان بحالة لا يمكن ان يتقوت الا من امه. كان بمنزلة الحمل. وتعينت طريقا لقوته ثم قدر تعالى النفقة بحسب حال الزوج فقال لا يكلف الله نفسا الا اما اتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا. لينفق ذو سعة من سعته اي لينفق الغني من غناه فلا ينفق نفقة الفقراء ومن قدر عليه رزقه. اي ضيق عليه فلينفق مما اتاه الله من الرزق لا يكلف الله نفسا الا ما اتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا اه وهذا مناسب للحكمة والرحمة الالهية. حيث جعل كلا بحسبه وخفف عن المعسر. وانه لا يكلفه الا ما اتاه لا يكلف الله نفسا الا وسعها. في باب النفقة وغيرها وهذا بشارة للمعسرين. ان الله تعالى سيزيل عنهم الشدة. ويرفع عنهم المشقة. فان مع العسر يسرا. ان مع العسر يسرى يخبر تعالى عن اهلاكه الامم العاتية والقرون المكذبة للرسل ان كثرتهم وقوتهم لم انفعهم شيئا حين جاءهم الحساب الشديد والعذاب الاليم. فذاقت وبال امرها وكان الله لهم عذابين شديدا. فاتقوا الله يا اولي الالباب الذين امنوا قد انزل الله اليكم ذكرى. وان الله اذاقهم من العذاب ما هو موجب اعمالهم السيئة. ومع عذاب الدنيا فان الله اعد لهم في الاخرة عذابا شديد فاتقوا الله يا اولي الالباب. اي ذوي العقول التي تفهم عن الله اياته وعبره. وان الذي اهلك القرون الماضية بتكذيبهم ان من بعدهم مثلهم لا فرق بين الطائفتين الذين امنوا وعملوا الصالحات من الظلمات الى النور. ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا خالدين فيها ابدا. ثم ذكر عباده المؤمنين بما انزل عليهم من كتابه الذي انزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الخلق من ظلمات الكفر والجهل والمعصية الى نور العلم والايمان والطاعة فمن الناس من امن به ومنهم من لم يؤمن به ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات اي ومن لم يؤمن بالله ورسوله فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون تنزل الامر بينهن لتعلموا لتعلموا ان الله على كل شيء قدير ان الله قد احاط بكل شيء علما. ثم اخبر تعالى انه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والاراضين السبع ومن فيهن وما بينهن وانزل الامر وهو الشرائع والاحكام الدينية التي اوحاها الى رسله لتذكير العباد ووعظهم وكذلك الاوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق. كل ذلك لاجل ان يعرفه العباد ويعلم احاطة قدرته بالاشياء كلها. واحاطة علمه بجميع الاشياء. فاذا عرفوه باوصافه المقدسة واسمائه الحسنى هو احبوا وقاموا بحقه. فهذه الغاية المقصودة من الخلق والامر. معرفة الله وعبادته. فقام بذلك الموفقون من عباد لله الصالحين واعرض عن ذلك الظالمون المعرضون