المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك تبت هذا عتاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين وما على نفسه سريته مارية او شرب العسل مراعاة لخاطر بعض زوجاته في قصة معروفة. فانزل الله تعالى هذه الايات يا ايها النبي ايا ايها الذي انعم الله عليه بالنبوة والوحي والرسالة لما تحرم ما احل الله لك من الطيبات التي انعم الله بها عليك وعلى امتك. تبتغي بذلك التحريم مرضاة ازواجك. والله غفور رحيم. هذا تصريح بان الله قد غفر لرسوله ورفع عنه اللوم وصار ذلك التحريم الصادر منه سببا لشرع حكم عام لجميع الامة. فقال تعالى حاكما حكما عاما في جميع الايمان قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم. قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم اي قد شرع لكم وقدر ما به تنحل ايمانكم قبل الحنث. وما به الكفارة بعد الحنث. وذلك كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا. الى ان قال فكفارته اطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون اهليكم او كسوتهم او تحرير رقبة. فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام. ذلك كفارة ايمانكم اذا حلفتم فكل من حرم حلالا عليه من طعام او شراب او سرية او حلف يمينا بالله على فعل او ترك ثم حلف او ورد الحنف فعليه هذه الكفارة المذكورة وقوله اي متولي ومربيكم احسن تربية في امور دينكم ودنياكم. وما به يندفع عنكم الشر. فلذلك فرض لكم تحلة ايمانكم لتبرأ ذممكم الذي احاط علمه بظواهركم وبواطنكم وهو الحكيم في جميع ما خلقه حكم به فلذلك شرع لكم من الاحكام ما يعلم انه موافق لمصالحكم ومناسب لاحوالكم وقوله واذ اسر النبي الى بعض ازواجه حديثا. قال كثير من المفسرين هي حفصة ام المؤمنين رضي الله عنها اسر لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وامر الا تخبر به احدا فحدثت به عائشة رضي الله عنهما واخبره الله في ذلك الخبر الذي اذاعته فعرفها صلى الله عليه وسلم ببعض ما قالت واعرض عن بعضه كرما منه وحلما فقالت له من انبأك هذا الخبر الذي لم يخرج منا؟ الذي لا تخفى عليه خافية يعلم السر واخفى وقوله ان تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما الله ومولاه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة الملاكة بعد ذلك ظهير. الخطاب للزوجتين الكريمتين من ازواجه صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما كانتا سببا لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما يحبه. فعرض الله عليهما وعاتبهما على ذلك واخبرهما ان قلوبهما قد صغت اي مالت وانحرفت عما ينبغي لهن من الورع والادب مع الرسول صلى الله عليه وسلم واحترامه والا يشققن عليه. وان عليه اي تعاون على ما يشق عليه. ويستمر هذا الامر منكن. فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة والملائكة بعد ذلك ظهير. اي الجميع اعوان للرسول مظاهرون. ومن كان هؤلاء اعوانه فهو المنصور. وغيره ممن يناوئه مخذول. وفي هذا اكبر فضيلة وشرف لسيد المرسلين. حيث جعل الباري نفسه الكريمة وخواص خلقه اعوانا لهذا الرسول الكريم. وهذا فيه من التحذير الى الزوجتين الكريمتين ما لا يخفى. ثم خوفهما ايضا بحالة تشق على النساء غاية المشقة. وهو الطلاق الذي هو اكبر شيء عليهن فقال عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا ازواجا مسلمات مؤمنات قانتات عابدات عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن. اي فلا ترفعن عليه. فانه لو طلقكن لم يضق عليه الامر ولم يكن مضطرا اليكن. فانه سيلقى ويبدله الله ازواجا خيرا منكن دينا وجمالا من باب التعليق الذي لم يوجد ولا يلزم وجوده فانه ما طلقهن ولو طلقهن لكان ما ذكره الله من هذه الازواج الفاضلات الجامعات بين الاسلام وهو القيام بالشرائع الظاهرة والايمان. وهو القيام بالشرائع الباطنة من العقائد واعمال القلوب قانتات عابدات. القنوت هو دوام الطاعة واستمرارها. تائبات مع ما يكرهه الله فوصفهن بالقيام بما يحبه الله والتوبة عما يكرهه الله. اي بعضهن وبعضهن ابكار ليتنوع صلى الله عليه وسلم فيما يحب. فلما سمعنا رضي الله عنهن هذا التخويف والتأديب الى رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان هذا الوصف منطبقا عليهن. فصرنا افضل نساء المؤمنين. وفي هذا دليل على ان الله لا يختار لرسوله صلى الله عليه وسلم الا اكمل الاحوال واعلى الامور. فلما اختار الله لرسوله بقاء نسائه المذكورات معه دل على انهن خير النساء واكملهن نار وقودها الناس والحجارة عليها ملاك عليها ملائكة غلاظ لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون اياما من الله عليهم بالايمان قوموا بلوازمه وشروطه فقوا انفسكم واهليكم نارا موصوفة بهذه الاوصاف الفظيعة. ووقاية الانفس بالزامها امر الله والقيام بامره امتثالا ونهيه اجتنابا. والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب. ووقاية الاهل والاولاد. بتأديبهم وتعليمهم واجبارهم على امر الله. فلا يسلم العبد الا اذا قام بما امر الله به في نفسه. وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والاولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه. ووصف الله النار بهذه الاوصاف ليزجر عباده عن التهاون بامره. فقال نار وقودها الناس وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة الغناق. وقودها الناس والحجارة كما قال تعالى انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون في اي غليظة اخلاقهم عظيم انتهارهم يفزعون باصواتهم ويخيفون مرآهم ويهينون اصحاب النار بقوتهم ويمتثلون فيهم امر الله الذي حتم عليهم العذاب واوجب عليهم شدة العقد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون. وهذا فيه ايضا مدح للملائكة الكرام وانقيادهم لامر الله وطاعتهم له في كل ما امرهم به اي يوبخ اهل النار يوم القيامة بهذا التوبيخ فيقال قالوا لهم اي فانه ذهب وقت الاعتذار وزال نفعه. فلم يبق الان الا الجزاء على الاعمال. وانتم لم تقدموا الا الكفر بالله والتكذيب باياته ومحاربة رسله واوليائه سئل الله توبوا الى الله توبة نصوحا. عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم. ويدخلكم جنات تجري من تحتها الانهار يوم لا يخزي الله النبي والذين امنوا معه نورهم يسعى وبايمانهم يقولون ربنا اتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير. قد امر الله بالتوبة النصوح في هذه الاية ووعد عليها بتكفير السيئات ودخول الجنات والفوز والفلاح. حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور ايمانهم ويمشون بضيائه ويتمتعون بروحه وراحته. ويشفقون اذا طفأت الانوار التي تعطى المنافقين. ويسألون الله ان مما لهم نورهم فيستجيب الله دعوتهم ويوصلهم ما معهم من النور واليقين الى جنات النعيم. وجوار الرب الكريم كل هذا من اثار التوبة النصوح. والمراد بها التوبة العامة الشاملة للذنوب كلها. التي عقدها العبد لله. لا بها الا وجهه والقرب منه. ويستمر عليها في جميع احواله ومأواهم جهنم وبئس المصير يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين. والاغلاظ عليهم في ذلك. وهذا شامل لجهادهم باقامة الحجة عليهم. ودعوتهم بالموعظة الحسنة. وابطال ما هم عليه من انواع الضلال. وجهادهم بالسلاح والقتال لمن ابى ان يجيب دعوة الله وينقاد لحكمه. فان هذا يجاهد ويغلظ له. واما المرتبة الاولى فتكون بالتي هي احسنت فالكفار والمنافقون لهم عذاب في الدنيا بتسليط الله لرسوله وحزبه عليهم وعلى جهادهم وقتالهم وعذاب والنار في الاخرة وبئس المصير. الذي يصير اليها كل شقي خاسر. ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة فخانتاهما فقالتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل دخلا وقيل قيل ادخل النار مع الداخلين. هذان المثلان اللذان ضربهما الله للمؤمنين والكافرين وبين لهم ان اتصال الكافر بالمؤمن وقربه منه لا يفيده شيئا. وان اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئا مع قيامه بالواجب عليه فكأن في ذلك اشارة وتحذيرا لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم عن المعصية. وان اتصالهن به صلى الله عليه وسلم لا فينفعهن شيئا مع الاساءة؟ فقال كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما. كانتا اي المرأتان تحت عبدين من عبادنا صالحين. وهما نوح ولوط عليهما السلام. فخانتاهما في الدين. بان كانت فعلى غير دين زوجيهما. وهذا هو المراد بالخيانة. لا خيانة النسب والفراش فانه ما بغت امرأة نبي قط. وما كان الله يجعل امرأة احد من انبيائه بغيا قيل ادخلا وقيل دخلا النار مع الداخلين. فلم يغنيا اي نوح ولوط عنهما اي عن امرأتيهما من الله شيئا. وقيل له مدخلا النار مع الداخلين. وضرب الله مثلا الذين امنوا امرأة فرعون اذ قالت رب ابن لي عندك بيتا ونجني من فرعون وعمله ونجني من وهي اسية بنت مزاحم رضي الله عنها عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجيه فوصفها الله بالايمان والتضرع لربها وسؤالها لربها اجل المطالب وهو دخول الجنة ومجاورة الرب الكريم. وسؤالها ان ينجيها الله من فتنة فرعون واعماله الخبيثة. ومن فتنة كل ظالم فاستجاب الله لها فعاشت في ايمان كامل وثبات تام ونجاة من الفتن. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كمن من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا مريم بنت عمران. واسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد. وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام. وقوله من القانطين ومريم ابنة عمران التي احسنت فرجها اي صانته وحفظته عن فاحشة لكمال ديانتها وعفتها ونزاهتها. بان نفخ جبريل عليه السلام في في جيب درعها فوصلت نفخته الى مريم فجاء منها عيسى ابن مريم عليه السلام الرسول الكريم والسيد العظيم وهذا وصف لها بالعلم والمعرفة فان التصديق بكلمات الله يشمل كلمات الدينية والقدرية والتصديق بكتبه يقتضي معرفة ما به يحصل التصديق. ولا يكون ذلك الا بالعلم والعمل. ولهذا قال اي المطيعين لله المداومين على طاعته بخشية وخشوع وهذا وصف لها بكمال العمل. فانها رضي الله عنها صديقة والصديقية هي كمال العلم والعمل