المكتبة الصوتية للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله قصة الخضر مع موسى ومحلها في اثناء قصص موسى. وذلك ان موسى صلى الله عليه وسلم قام ذات يوم في بني اسرائيل وايل مقاما عظيما علمهم فيه علوما جما. واعجب الناس بكمال علمه. فقال له قائل يا نبي الله هل يوجد او هل تعلم في الارض احدا اعلم منك؟ فقال لا بناء على ما يعرفه. وترغيبا لهم في الاخذ عنه. فاخبره الله ان له عبدا في مجمع البحرين عنده علوم ليست عند موسى. والهامات خارجة عن الطور المعهود. فاشتاق موسى الى لقياه. رغبة في الازدياد من العلم وطلب من الله ان يأذن له في ذلك. واخبره بموضعه وتزودا حوتا وقيل له اذا فقدت الحوت فهو في ذلك المكان فذهب فوجده وكان ما قص الله من نبأهما في سورة الكهف. واذ قال موسى لفتاه لا ابرح حتى مجمع البحرين او امضي حقبا الى قوله سبحانه ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا. وفي هذه القصة من والاحكام والقواعد شيء كثير. ننبه على بعضه بعون الله ونذكر المهمة منه. ومنها ما اشتملت عليه القصة من فضيلة علمه وشرفه ومشروعية الرحلة في طلبه وانه اهم الامور. فان موسى رحل في طلبه مسافة طويلة ولقي في ذلك النصب ترك الاقامة عند بني اسرائيل لتعليمهم وارشادهم. واختار السفر لزيادة العلم على ذلك. ومنها البداءة في العلم بالاهم فالاهم ان زيادة علم الانسان بنفسه اهم من ترك ذلك اشتغالا بالتعليم فقط. بل يتعلم ليعلم ومنها جواز اخذ الخادم في الاثر والحذر لكفاية المؤن وطلب الراحة. كما فعل موسى عليه السلام. ومنها ان المسافر بطلب العلم او الجهاد او غيرهما من اسفار طاعة بل وكذلك غيرهما اذا اقتضت المصلحة الاخبار بمطلبه واين مراده فانه اكمل من كتمه. فان في اظهاره من فوائد اعدادي له عدته واتيان الامر على بصيرة والاعلان بالترغيب لهذه العبادة الفاضلة. لقول موسى لا ابرح حتى ابلغ مع البحرين او امضي حقبا. ولما غزا صلى الله عليه وسلم تبوك اخبر الناس بمقصده. مع انه كان في الغالب اذا اراد غزوة بغيرها تبعا للمصلحة في الحالتين. ومنها اضافة الشر واسبابه الى الشيطان. وكذلك النقص لقول فتى موسى وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره. ومنها جواز اخبار الانسان عما يجده مما هو مقتضى الطبيعة البشرية. من نصب من او جوع او عطش اذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا لقوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. ومنها انه ينبغي ان يتخذ الانسان خادما ذكيا فطنا كيسا ليتم له امر ما يريد. ومنها استحباب اطعام الانسان خادمه من مأكله. واكلهما جميعا. لان ظاهر قوله اتنا غدائنا انه للجميع. ومنها ان المعونة تنزل على العبد بحسب قيامه بالامر الشرعي وان ما وافق رضا الله يعان عليه ما لا يعان على غيره. لقوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. والاشارة الى المجاوز لمجمع البحرين. واما الاول فلم يشتكي منه مع طوله. ومنها ان ذلك العبد الذي لقياه ليس نبيا. بل هو صالح عالم ملهم لان الله ذكره بالعلم والعبودية الخاصة والاوصاف الجميلة. ولم يذكر معها انه نبي او رسول واما قوله في اخر القصة وما فعلته عن امري فانه لا يدل على انه نبي وانما يدل على الالهام والتحديث وذلك يكون لغير الانبياء. قال تعالى واوحى ربك الى النحل وقال واوحينا الى ام موسى. ومنها ان العلم الذي يعلمه الله للعبد نوعان علم مكتسب يدركه العبد بطلبه وجده. وعلم الهي لدني. يهبه الله لمن يمن عليه من عباده. بقول وعلمناه من لدنا علما. فالخضر اعطي من هذا النوع الحظ الاوفر. ومنها التأدب مع المعلم والتلطف في خطابه لقول موسى هل التابعك على ان تعلمني مما علمت رشدا؟ فاخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة. وانك هل تأذن لي ام لا؟ واظهار الى المعلم وانه يتعلم منه ومشتاق الى ما عنده. بخلاف حال اهل الكبر والجفاء. الذين لا يظهرون حاجتهم الى علم المعلم فلا انفع للمتعلم من اظهار الحاجة الى علم المعلم وشكره على تعليمه. ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن هو دونه. فان موسى بلا رب طيب افضل من الخضر ومنها تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه ممن مهر فيه. وان كان دونه في العلم درجات. فان موسى من اكابر بيقول العزم من الرسل الذين منحهم الله واعطاهم من العلوم ما لم يعطي سواهم. ولكن في هذا العلم الخاص ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخاضر ما ليس عنده. فلهذا اشتد حرصه على التعلم منه. ومنها انه يتعين اضافة العلم وغيره من الفضائل الى فضل الله ورحمته والاعتراف بذلك وشكر الله عليه لقوله تعلمني مما علمت رشدا. ومنها ان العلم النافع هو العلم المرشد الى الخير. وكل علم علم فيه رشد وهداية لطريق الخير وتحذير عن طريق الشر او وسيلة الى ذلك فانه من العلم النافع وما سوى ذلك فاما ان يكون ضارا اوليس له فائدة لقوله ان تعلمني مما علمت رشدا. ومنها ان من ليس له صبر على صحبة العالم. ولا قوة على الثبات على طريق التعلم فانه قاصر ليس باهل لتقى العلم. فمن لا صبر له لا يدرك العلم. ومن استعمل الصبر ولازمه ادرك به كل كامر سعى اليه فان الخضر اعتذر عن موسى انه لا يصبر على علمه الخاص. ومنها ان مما يعين على الصبر على الاشياء احاطة العبد بها علما منافعها وثمراتها ونتائجها. فمن لا يدري هذه الامور يصعب عليه الصبر لقوله. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. ومنها الامر بالتأني والتثبت وعدم المبادرة على الحكم على الاشياء. حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود. ومنها مشروعية تعليق ايجاد المستقبلة على مشيئة الله لقوله ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك امرا. وان العزم على الشيء ليس بمنزلة فعله موسى عزم على الصبر ولكن لم يفعل. ومنها ان المعلم اذا رأى من المصلحة ان يخبر المتعلم ان يترك الابتداء في السؤال عن بعض الاشياء حتى المعلم هو الذي يوقفه عليها فان المصلحة تتبع. كما اذا كان فهم قاصرا او نهاه عن التدقيق الشديد او الاسئلة التي لا تتعلق بالموضوع ومنها جواز ركوب البحر اذا لم يكن في ذلك خطر. ومنها ان الناس غير مؤاخذ لا في حق الله ولا في حق العباد الا ان ترتب على ذلك اتلاف مال ففيه الضمان حتى على الناس لقوله لا تؤاخذني بما نسيت. ومنها انه ينبغي للعبد ان يأخذ من اخلاق الناس ومعاملاتهم العفو منها. وما سمحت به انفسهم. ولا ينبغي له ان يكلفهم ما لا يطيقون. او يشق عليهم او يرهقهم فان هذا داع الى النفور. بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الامر. ومنها ان الامور تجري على ظاهرها وتعلق بها الاحكام الدنيوية في كل شيء. فان موسى عليه السلام انكر على الخضر خرق السفينة. وقتل الغلام بحسب احكامها العامة. ولم يلتفت الى الاصل الذي الصلاة هو والخضر الا يسأله ولا يعترض عليه حتى يكون الخضر هو المبتدئ. ومنها فيه تنبيه على القاعدة المشهورة الكبيرة. وهو انه يدفع والشر الكبير بارتكاب الشر الخفيف. ويراعى اكبر المصلحتين بتفويت ادناهما. فان قتل الغلام الصغير شر ولكن بقاءه حتى يبلغ ويفتن ابويه عن دينهما اعظم شرا. وبقاء الغلام من دون قتل وان كان في ظاهر الحال انه خير. فالخير ببقاء ابويه على دينهما خير من ذلك فلذلك قتله الخضر بعدما الهمه الله الحقيقة. فكان الهامه الباطني بمنزلة البينات الظاهرة في حق غيره. ومنها القاعدة الكبيرة الاخرى وهي ان عمل الانسان في مال غيره اذا كان على وجه المصلحة ودفع المضرة يجوز بلا اذن حتى ولو ترتب عليه اتلاف بعض المال كما خرق الخاضر السفينة لتعيب فتسلم من غصب الملك الظالم وتحت هاتين القاعدتين من الفوائد ما لا حصر له. ومنها ان العمل لا يجوز في البحر كما يجوز في البر لقوله يعملون في البحر. ومنها ان القتل من اكبر الذنوب. ومنها ان العبد الصالح يحفظه الله في نفسه وفي وفيما يتعلق به بقوله وكان ابوهما صالحا. وان خدمة الصالحين عمل مصالحهم افضل من غيرهم. لانه علل افعاله الجدار بقوله وكان ابوهما صالحا. ومنها استعمال الادب مع الله حتى في الالفاظ. فان الخاضر اضاف عيب السفينة الى نفسه بقوله فاردت ان اعيبها. واما الخير فاضافه الى الله لقوله. فاراد ربك ان يبلغا اشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وقال ابراهيم واذا مرضت فهو يشفين. وقالت الجن وانا لا ندري اشر اريد بمن في الارض ام اراد بهم ربهم رشد مع ان الكل بقضاء الله وقدره. ومنها انه ينبغي للعبد الا يفارق صاحبه في حالة من الاحوال. ويترك صحبته افي له بذلك حتى لا يجد للصبر محلا. وان موافقة الصاحب لصاحبه في غير الامور المحذورة مدعاة وسبب لبقاء الصحف وتأكدها. كما ان عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة