المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. الحق من اسماء يوم القيامة. لانها تحق وتنزل بالخلق. وتظهر فيها حقائق الامور. ومخبئات الصدور. فعظمت عال شأنها وفخمه بما كرره من قوله فان لها شأنا عظيما وهولا ومن عظمتها ان الله اهلك الامم المكذبة بها بالعذاب العاجل. ثم ذكر نموذجا من احوالها الموجودة في الدنيا. المشاهدة فيها وهو ما احله من العقوبات البليغة بالامم العاتية. فقال كذب الثمود وهم القبيلة المشهورة سكان الحجر الذين ارسل الله اليهم رسوله صالحا عليه السلام ينهاهم عما هم عنه عليه من الشرك ويأمرهم بالتوحيد. فردوا دعوته وكذبوه وكذبوا ما اخبرهم به من يوم القيامة. وهي القارعة التي تقرع الخلق باهوالها وكذلك عاد الاولى. سكان حضرموت حين بعث الله اليهم رسوله هودا عليه الصلاة والسلام. يدعوهم الى عبادة الله وحده فكذبوه وكذبوا بما اخبر به من البعث. فاهلك الله الطائفتين بالهلاك المعجل وهي الصيحة العظيمة الفظيعة التي انصدعت منها قلوبهم وزهقت لها ارواحهم فاصبحوا موتى فلا يرى الا مساكنهم وجثثهم. بريح صبر اي قوية شديدة الهبوب لها صوت ابلغ من صوت الرعد القاصف. عاتية اي عتت على خزانها على قول كثير من مفسرين او عتت على عاد وزادت على الحد كما هو الصحيح اي نحسن وشرا فظيعا عليهم فدمرتهم واهلكتهم انهم اعجاز نقل خاوية. فترى القوم فيها صرعى اي هلك موتى اعجاز نقل خاوية. اي كانهم جذوع النخل التي قد قطعت رؤوسها الخاوية. الساقط بعضها على بعض وهذا استفهام بمعنى النفي المتقرر اي وكذلك غير هاتين الامتين الطاغيتين عاد وثمود. جاء غيرهم من الطغاة العتاة كفرعون مصر الذي ارسل الله اليه عبده ورسوله موسى ابن عمران عليه الصلاة والسلام واراه من الايات البينات ما تيقنوا بها الحق ولكن جحدوا وكفروا ظلما وعلوا. وجاء من قبله من المكذبين. والمؤتفكات اي قرى قوم لوط. الجميع جاؤوا بالخاطئة اي بالفعلة الطاغية وهي الكفر والتكذيب والظلم والمعاندة. ومنضم الى ذلك من انواع الفواحش والفسوق فعصوا رسول ربهم وهذا اسم جنس اي كل من هؤلاء كذب الرسول الذي ارسله الله اليهم فاخذ الله الجميع اي زائدة على الحد والمقدار الذي يحصل به هلاكهم ومن جملة اولئك قوم نوح اغرقهم الله في اليم حين طغى الماء على وجه الارض وعلى على مواضعها الرفيعة وامتن الله على الخلق الموجودين بعدهم ان الله حملهم في الجارية وهي السفينة في اصلاب ابائهم وامهاتهم الذين اجاهم الله فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم حين اهلك الطاغين. واعتبروا باياته الدالة على توحيده. ولهذا قال لنجعلها اي الجارية والمراد جنسها لكم تذكركم اول سفينة صنعت؟ وما قصتها؟ وكيف نجى الله عليها من امن به واتبع رسوله؟ واهلك اهل الارض كلهم فان جنس الشيء مذكر باصله. وقوله واعية اي تعقلها اولو الالباب ويعرفون المقصود منها ووجه الاية بها. وهذا بخلاف اهل الاعراض والغفلة واهل البلادة وعدم الفطنة. فانهم ليس لهم انتفاع بايات الله لعدم وعيهم عن الله وفكرهم بايات الله. وقوله لما ذكر ما فعله تعالى بالمكذبين لرسله. وكيف جازاهم وعجل لهم العقوبة في الدنيا. وان الله نجى الرسل واتباعهم كان هذا مقدمة لذكر الجزاء الاخروي. وتوفية الاعمال كاملة يوم القيامة. فذكر الامور الهائلة التي تقع امام يوم القيامة وان اول ذلك انه ينفخ اسرافيل في الصور اذا تكاملت الاجساد نابتة نفخة واحدة فتخرج الارواح فتدخل كل روح في جسدها. فاذا الناس قيام لرب العالمين اي فتت الجبال واضمحلت. وخلطت بالارض ونسفت على الارض. فكان الجميع قاعا صفصفا فيها عوجا ولا امتى؟ هذا ما يصنع بالارض وما عليها. واما ما يصنع بالسماء فانها تضطرب وتمور وتتشقق تغير لونها وتهي بعد تلك الصلابة والقوة العظيمة. وما ذاك الا لامر عظيم ازعجها. وكرب جسيم هائل او ها ها واضعفها. والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ والملك اي الملائكة الكرام على ارجائها. اي على جوانب السماء واركانها خاضعين لربهم مستكينين لعظمته. والملك على ارجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ اه ثمانية. ثمانية املاك في غاية القوة. اذا اتى للفصل بين العباد والقضاء بينهم بعدله وقسطه وفضله ولهذا قال يومئذ تعرض على الله لا من اجسامكم ولا من اعمالكم وصفاتكم. فان الله تعالى عالم الغيب والشهادة. ويحشر العباد حفاة عراة غرلا في ارض مستوية يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. فحينئذ يجازيهم بما عملوا. ولهذا ذكر كيفية الجزاء فقال اقرؤوا كتابية. وهؤلاء هم اهل السعادة يعطون كتبهم التي فيها اعمالهم الصالحة بايمانهم. تمييزا لهم وتنويها بشأنهم ورفعا لمقدارهم ويقول احدهم عند ذلك من الفرح والسرور ومحبة ان يطلع الخلق على ما من الله عليه به من الكرامة اوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه. اي دونكم كتابي فاقرؤوه فانه بشر بالجنات وانواع الكرامات ومغفرة الذنوب وستر العيوب. والذي اوصلني الى هذه الحال ما من الله به علي من الايمان البعث والحساب والاستعداد له بالممكن من العمل. ولهذا قال اي ايقنت فالظن هنا بمعنى اليقين. اي جامعة لما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين. وقد رضوها ولم يختاروا عليها غيرها عالية المنازل والقصور عالية المحل. قطوفها دانية. اي ثمرها وجناها من انواع فواكه قريبة سهلة التناول على اهلها. ينالها اهلها قياما وقعودا ومتكئين. ويقال لهم اكراما كلوا واشربوا اي من كل طعام لذيذ وشراب شهي هنيئا ايتاما كاملا من غير مكدر ولا منغص. وذلك الجزاء حصل لكم من الاعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة وحج واحسان الى الخلق وذكر لله وانابة اليه وترك الاعمال السيئة فالاعمال جعلها الله سببا لدخول الجنة. ومادة لنعيمها واصلا لسعادتها من اوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابية هؤلاء اهل الشقاء يعطون كتب اعمالهم السيئة بشمالهم تمييزا لهم وخزيا وعارا وفضيحة. فيقول احدهم من الهم والغم والخزي لانه يبشر بدخول النار والخسارة الابدية يا ليتني كنت نسيا منسيا ولم ابعث واحاسب. ولهذا قال اي يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها. ثم التفت الى ما له وسلطانه فاذا هو وبال عليه لم يقدر منه لاخرته ولم ينفعه في الابتداء من عذاب الله. فيقول ما اغنى عني مالي اي ما نفعني لا في الدنيا لم اقدم منه شيئا ولا في الاخرة. قد ذهب وقت نفعه قانية. اي ذهب واضمحل فلم تنفع الجنود الكثيرة ولا العدد الخطيرة. ولا الجاه العريض بل ذهب ذلك كله ادراج الرياح وفاتت بسببه المتاجر والارباح. وحضر بدله الهموم والغموم والاتراح. فحين اذ يؤمر بعذابه فيقال للزبانية الغلاظ الشداد. ايجعلوا في عنقه غلا يخنقه ما الجحيم صلوا اي قلبوه على جمرها ولهبها. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا من سلاسل الجبل في غاية الحرارة اينضموه فيها بان تدخل في دبره وتخرج من فمه ويعلق عليها فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع فبئس العذاب والعقاب. وواحسرة من له التوبيخ والعتاب. فان السبب الذي اوصله الى هذا المحل انه كان لا يؤمن بالله العظيم. بان كان كافرا بربه معاندا لرسله ما جاءوا به من الحق. اي ليس في قلبه رحمة يرحم بها الفقراء مساكين فلا يطعمهم من ماله ولا يحض غيره على اطعامهم. لعدم الوازع في قلبه. وذلك لان مدار السعادة ومادتها امران الاخلاص لله الذي اصله الايمان بالله والاحسان الى الخلق بوجوه الاحسان. الذي من اعظمها دفع ضرورة محتاجين لاطعامهم ما يتقوتون به. وهؤلاء لا اخلاص ولا احسان. فلذلك استحقوا ما استحقوا. فليس له اليوم ها هنا يوم القيامة حميم. اي قريب او صديق يشفع له. لينجو من عذاب الله او يفوز بثواب الله. ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن اذن له. ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع. وليس له طعام الا من غسلين. وهو صديد اهل الذي هو في غاية الحرارة ونتن الريح وقبح الطعم ومرارته لا يأكل هذا الطعام الذميم الا الخاطئون الذين اخطاء الصراط المستقيم. وسلكوا سبل الجحيم. فلذلك استحقوا العذاب الاليم. فلا اقسم بما تبصرون وما لا اقسم تعالى بما يبصر الخلق من جميع الاشياء وما لا يبصرونه. فدخل في ذلك كل الخلق بل يدخل في ذلك نفسه المقدسة على صدق الرسول بما جاء به من هذا القرآن الكريم. وان الرسول الكريم بلغه عن الله تعالى. ونزه الله رسوله عما رماه به اعداءه من انه شاعر او ساحر. وان الذي حملهم على ذلك عدم ايمانهم وتذكرهم. فلو امنوا وتذكروا علموا ما ينفعهم ويضرهم. ومن ذلك ان ينظروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم. ويرمقوا اوصافه واخلاقه. لرأوا مثل الشمس يدلهم على انه رسول الله حقا. وان ما جاء به تنزيل رب العالمين لا يليق ان يكون قول البشر. بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به. وجلالة اوصافه وكمال تربيته لعباده. وعلوه فوق عباده. وايضا فان هذا منهم بما لا يليق بالله وحكمته. فانه لو تقول عليه وافترى بعض الاقاويل الكاذبة وهو عرق متصل بالقلب اذا انقطع مات منه الانسان فلو ان الرسول حاشى وكلا تقول على الله لعاجله بالعقوبة. واخذه اخذ عزيز مقتدر. لانه حكيم لكل شيء قدير. فحكمته تقتضي ان لا يمهل الكاذب عليه. الذي يزعم ان الله اباح له دماء من خالفه واموالهم. وانه هو واتباعه لهم النجاة ومن خالفه فله الهلاك. فاذا كان الله قد ايد رسوله بالمعجزات وبرهن على صدق ما جاء بالايات البينات ونصره على اعدائه. ومكنه من نواصيهم فهو اكبر شهادة منه على رسالته. وقوله فما منكم من احد عنه حاجزين. اي لو اهلكه ما امتنع هو بنفسه. ولقدر احد ان يمنعه من عذاب الله وانه اي القرآن الكريم يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم فيعرفونها ويعملون عليها اذكرهم العقائد الدينية والاخلاق المرضية. والاحكام الشرعية. فيكونون من العلماء الربانيين. والعباد العارفين والائمة المهديين. وانا لنعلم ان منكم مكذبين وهذا فيه تهديد ووعيد للمكذبين. فانه سيعاقبهم على تكذيبهم بالعقوبة البليغة فانهم لما كفروا به ورأوا ما وعدهم به تحسروا اذ لم يهتدوا به. ولم لامره ففاتهم الثواب وحصلوا على اشد العذاب وتقطعت بهم الاسباب اي اعلى مراتب العلم. فان اعلى مراتب العلم اليقين وهو العلم الثابت الذي لا يتزلزل ولا يزول. واليقين راتبه ثلاثة كل واحدة اعلى مما قبلها. اولها علم اليقين وهو العلم المستفاد من الخبر. ثم عين اليقين. وهو علم مدرك بحاسة البصر. ثم حق اليقين وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة. وهذا القرآن الكريم بهذا الوصف فان ما فيه من العلوم المؤيدة بالبراهين القطعية. وما فيه من الحقائق والمعارف الايمانية. يحصل به لمن ذاقه حق اليقين سبح باسم ربك العظيم اي نزهه عما لا يليق بجلاله وقدسه بذكر اوصاف جلاله وجماله وكماله