هذا اثر الخوض بالباطل. وهو التكذيب بالحق. ومن احق الحق يوم الدين الذي هو محل الجزاء على الاعمال وظهور ملك الله وحكمه العدل لسائر الخلق. فاستمرينا على هذا المذهب الفاسد المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم تقدم ان المزمل والمدثر بمعنى واحد وان الله امر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في عبادات الله القاصرة والمتعدية. فتقدم هنالك الامر له بالعبادات الفاضلة والقاصرة والصبر على اذى قومه. وامره هنا بالاعلان بالدعوة والصدع بالانذار فقال قم اي بجد ونشاط فانذر الناس بالاقوال والافعال التي يحصل بها المقصود. وبيان حال المنذر عنه ليكون ذلك ادعى لتركه وربك فكبر اي عظمه بالتوحيد واجعل قصدك في انذارك وجه الله وان يعظمه العباد ويقوموا بعبادته وثيابك يحتمل ان المراد بثيابه اعماله كلها وبتطهيرها تخليصها والنصح بها وايقاعها على اكمل الوجوه وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات والمنقصات من شرك ورياء ونفاق وعجب وتكبر. مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة. فان ذلك من تمام التطهير للاعمال. خصوصا في الصلاة التي قال كثير من العلماء ان ازالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة. ويحتمل ان المراد بثيابه. الثياب المعروفة. وانه مأمور بتطهيرها عن جميع النجاسات في جميع الاوقات خصوصا في الدخول في الصلوات. واذا كان مأمورا بتطهير الظاهر فان طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن والرجز فاهجر يحتمل ان المراد بالرجس الاصنام والاوثان التي عبدت مع الله. فامره بتركها والبراءة منها. ومما نسب اليها ما من قول او عمل. ويحتمل ان المراد بالرجز اعمال الشر كلها واقواله. فيكون امرا له بترك الذنوب. صغارها وكبارها ظاهرها وباطنها. فيدخل في هذا الشرك فما دونه. ولا تمنن تستكثر. اي لا تمنن على الناس بما اسديت اليه من النعم الدين النية والدنيوية فتتكثر بتلك المنة. وترى لك الفضل عليهم باحسانك. بل احسن الى الناس مهما امكنك. وانس عندهم احسانك ولا تطلب اجره الا من الله تعالى. واجعل من احسنت اليه وغيره على حد سواء. وقد قيل ان معنى هذا لا تعطي احدا شيئا وانت تريد ان يكافئك عليه باكثر منه. فيكون هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم. ولربك فاصبر اي احتسب بصبرك اقصد به وجه الله تعالى. فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لامر ربه. وبادر اليه فانذر الناس واوضح لهم بالايات جميع المطالب الالهية. وعظم الله تعالى ودعا الخلق الى تعظيمه. وطهر اعماله الظاهرة والباطنة من كل سوء. وهجر كل كلما يبعد عن الله من الاصنام واهلها والشر واهله وله المنة على الناس بعد منة الله من غير ان يطلب منهم على ذلك جزاء ولا شكورا وصبر لله اكمل صبر. فصبر على طاعة الله وعن معاصي الله وعلى اقدار الله المؤلمة. حتى فاق اولي العزم من المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين. فاذا نقر في ذلك يومئذ اي فاذا نفخ في الصور للقيام من القبور. وجمع الخلائق للبعث والنشور لكثرة اهواله وشدائده. لانهم قد ايسوا من كل وايقنوا بالهلاك والبوار. ومفهوم ذلك انه على المؤمنين يسير. كما قال تعالى يقول الكافرون هذا يوم عظيم اسير هذه الايات نزلت في الوليد بن المغيرة معاند الحق والمبارز لله ولرسوله بالمحاربة والمشاقة فذمه الله ذما لم يذم انه غيرة وهذا جزاء كل من عاند الحق ونابذه. انا له الخزي في الدنيا ولعذاب الاخرة اخزى. فقال من خلقك وحيدا اي خلقته منفردا بلا مال ولا اهل ولا غيره. فلم ازل انميه واربيه جعلت له مالا ممدودا. اي كثيرا وبنين شهودا. وجعلت له بنين اي ذكورا شهودا اي حاضرين عنده على الدوام. يتمتع بهم ويقضي بهم حوائجه. ويستنصر بهم. ومهدت له تمهيدا اي مكنته من الدنيا واسبابها حتى انقادت له مطالبه وحصل له ما يشتهي ويريد ثم مع هذه النعم والامدادات يطمع ان ازيد اي يطمع ان ينال نعيم الاخرة كما نال نعيم الدنيا انه كان لاياتنا عنيدا. كلا اي ليس الامر كما طمع. بل هو بخلاف مقصوده ومطلوبه. وذلك انه كان لاياتنا عنيدا. اي معاندا عرفها ثم انكرها. ودعته الى الحق فلم ينقد لها. ولم يكفيه انه اعرض وتولى عنها بل جعل يحاربها ويسعى في ابطالها. ولهذا قال عنه انه فكر. اي في نفسه وقدر ما فكر فيه ليقول قولا يبطل به القرآن. لانه قدر امرا ليس في قوله وتسور على ما لا يناله هو ولا امثاله ثم نظر ما يقول ثم عبس وبسر في وجهه وظاهره نفرة عن الحق وبغضا له. ثم ادبر اي تولى واستكبر اكبر نتيجة سعيه الفكري والعملي والقولي اي ما هذا كلام الله؟ بل كلام البشر وليس ايظا كلام البشر الاخيار بل كلام الفجار منهم والاشرار اقرار من كل كاذب سحار فتبا له ما ابعده عن الصواب واحراه بالخسارة والتباب. كيف يدور في الاذهان او يتصوره ضمير كل انسان ان يكون اعلى الكلام واعظمه. كلام الرب العظيم الماجد الكريم يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين ام كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد على وصفه كلام المبدئ المعيد؟ فما حقه الا العذاب الشديد والنكال لهذا قال تعالى ساصليه سقر وما ادراك ما سقر لا تبقي ولا تذر. اي لا تبقي من الشدة ولا على المعذب شيئا الا وبلغته. اي تلوحهم وتصليهم في عذابها. وتقلقهم بشدة في حرها وقرها. عليها تسعة عشر من الملائكة خزنة لها قلاظ شداد لا سيعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم كذلك يضل الله من يشاء وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة. وذلك لشدتهم وقوتهم. وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا. يحتمل ان المراد الا لعذابهم وعقابهم في الاخرة. ولزيادة نكالهم فيها. والعذاب يسمى فتنة. كما قال تعالى يومهم على النار يفتنون ويحتمل ان المراد ان ما اخبرناكم بعدتهم الا لنعلم من يصدق ومن يكذب ويدل على هذا ما ذكر او بعده في قوله فان اهل اذا وافق ما عندهم مطابقة ازداد يقينهم بالحق. والمؤمنون كلما انزل الله اية فامنوا بها وصدقوا ازداد ايمانهم ولا يرتاب الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون اي ليزول عنهم الريب والشك. وهذه مقاصد جليلة يعتني بها اولو الالباب هي السعي في اليقين وزيادة الايمان في كل وقت. وكل مسألة من مسائل الدين ودفع الشكوك والاوهام التي تعرض في مقابلة الحق. فجعل على ما انزله على رسوله محصنا لهذه المقاصد الجليلة ومميزا للصادقين من الكاذبين. ولهذا قال وليقول الذين في بهم مرض اي شك وشبهة ونفاق. والكافرون ماذا اراد الله بهذا مثلا؟ وهذا على وجه الحيرة والشك منهم والكفر بايات الله وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه واضلاله لمن يضله. ولهذا قال كذلك يضل فمن هداه الله جعل ما انزله على رسوله رحمة في حقه وزيادة في ايمانه ودينه. ومن اضله جعل ما انزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة. وظلمة في حقه الواجب ان يتلقى ما اخبر الله به ورسوله بالتسليم. وما يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم الا هو. فاذا كنتم جاهلين بجنوده واخبركم بها العليم الخبير. فعليكم ان تصدقوا خبره من غير شك ولا ارتياب اي وما هذه الموعظة والتذكار مقصودا بها العبث واللعب وانما المقصود به ان يتذكر به البشر ما ينفعهم فيفعلونه وما يضرهم فيتركونه كلا هنا بمعنى حقا او بمعنى الا الاستفتاحية فاقسم تعالى بالقمر وبالليل وقت ادباره والنهار وقت اسفاره لاشتمال المذكورات على ايات الله العظيمة الدالة على كمال قدرة الله وحكمته وسعة سلطانه وعموم رحمته واحاطة علمه والمقسم عليه قوله اي ان النار اي لاحدى العظائم الطامة والامور الهامة فاذا اعلمنا بها وكنتم على بصيرة من امرها فمن شاء منكم ان يتقدم فيعمل بما يقربه من ربه ويدنيه من رضاه ويزلفه من دارك كرامته او يتأخر عما خلق له وعما يحبه الله ويرضاه فيعمل بالمعاصي ويتقرب الى نار جهنم كما قال الله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. كل نفس بما كسبت رهينة كل نفس بما كسبت من افعال الشر واعمال السوء رهينة بها موثقة بسعيها الزم عنقها وغل في رقبتها واستوجبت به العذاب. فانهم لم يرتهنوا بل اطلقوا وفرحوا اي في جنات قد حصل لهم فيها جميع مطلوباتهم. وتمت لهم الراحة والطمأنينة. حتى اقبلوا يتسائلون. فافضت بهم حدث ان سألوا عن المجرمين اي حال وصلوا اليها؟ وهل وجدوا ما وعدهم الله؟ فقال بعضهم لبعض هل انتم مطلعون عليه اليهم فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم يعذبون فقالوا لهم اي شيء ادخلكم فيها وباي ذنب استحققتموها فلا اخلاص للمعبود ولا احسان ولا نفع للخلق المحتاجين اي نخوض بالباطل ونجادل به الحق اي الموت فلما ماتوا على الكفر تعذرت حينئذ عليهم الحيل وانسد في وجوههم باب الامل لانهم لا يشفعون الا لمن ارتضى. وهؤلاء لا يرضى الله اعمالهم. فلما بين الله ال المخالفين وبين ما يفعل بهم عطف على الموجودين بالعتاب واللوم فقال اي صادين غافلين عنها كأنهم في نفرتهم الشديدة منها اي كانهم حمر وحش نفرت فنفر بعضها بعضا فزاد عدو اي من صائد ورام يريدها او من اسد ونحوه. وهذا من اعظم ما يكون من النفور عن الحق ومع هذا النفور والاعراض يدعون الدعاوى الكبار بل يريد كل امرئ منهم ان يؤتى صحفا من شرة نازلة عليهم من السماء. يزعم انه لا قادوا للحق الا بذلك. وقد كذبوا فانهم لو جاءتهم كل اية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الاليم. فانهم جاءتهم الايات البينات التي تبين الحق وتوضحه فلو كان فيهم خير لامنوا. ولهذا قال كلا ان نعطيهم ما طلبوا. وهم ما قصدوا بذلك الا التعجيز. فلو كانوا يخافونها لما جرى منهم ما جرى. الضمير اما ان يعود على هذه السورة او على ما اشتملت عليه فيه من هذه الموعظة. لانه قد بين له السبيل ووضح له الدليل هو اهل التقوى واهل الموت وما يذكرون الا ان يشاء الله فان مشيئة الله نافذة عامة لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير ففيها رد القدرية الذين لا يدخلون افعال العباد تحت مشيئة الله والجبرية الذين يزعمون انه ليس للعبد مشيئة ولا فعل حقيقة وان كما هو مجبور على افعاله. فاثبت الله تعالى للعبد مشيئته حقيقة وفعلا. وجعل ذلك تابعا لمشيئته اي هو اهل ان يتقى ويعبد. لانه الاله الذي لا تنبغي العبادة الاله. واهل ان يغفر من اتقى واتبع رضاه والله اعلم