المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم ليست لا ها هنا نافية ولا زائدة وانما اتى بها للاستفتاء والاهتمام بما بعدها. ولكثرة الاتيان بها مع اليمين لا يستغرب الاستفتاح بها. وان لم تكن في الاصل موضوعة للاستفتاح المقسم به في هذا الموضع هو المقسم عليه وهو البعث بعد الموت وقيام الناس من قبورهم ثم وقوفهم ينتظرون ما يحكم به الرب عليه ولا اقسم بالنفس اللوامة وهي جميع النفوس الخيرة والفاجرة. سميت لوامة لكثرة ترددها وتلومها. وعدم ثبوتها على حالة من احوالها ولانها عند الموت تلوم صاحبها على ما عملت. بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا على ما حصل منه. من تفريط او تقصير في حق من الحقوق او غفلة فجمع بين الاقسام بالجزاء وعلى الجزاء وبين مستحقي الجزاء. ثم اخبر مع هذا ان بعض معاندين يكذب بيوم القيامة. فقال ايحسب الانسان ان يا جماعة عظامه بعد الموت. كما قال في الاية الاخرى قال من يحيي العظام وهي رميم. فاستبعد من جهله وعدوانه قدرة الله على خلق عظام التي هي عماد البدن. فرد عليه بقوله انسان يفجر امامه. اي اطراف اصابعه وعظامه. المستلزم ذلك لخلق جميع اجزاء البدن. لانها اذا وجدت الانامل والبنان فقد تمت خلقة الجسد وليس انكاره لقدرة الله تعالى قصورا بالدليل الدال على ذلك. وانما وقع ذلك منه. لان ارادته وقصده التكذيب بما امامه من البعث والفجور الكذب مع التعمد. ثم ذكر احوال القيامة فقال القمر وجمع الشمس والقمر يقول اي اذا كانت القيامة برقة الابصار من الهول العظيم وشخصت فلا تطرف. كما قال تعالى انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار. مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد اليهم طرفهم وافئدتهم هواء. وخسف القمر اي ذهب نوره وسلطانه وجمع الشمس والقمر وهما لم يجتمعا منذ خلقهما الله تعالى فيجمع الله بينهما يوم القيامة ويخسف القمر وتكور الشمس ثم يقذفان في النار ليرى العباد انهما عبدان مسخران. وليرى من عبدهما انهم كانوا كاذبين يقول الانسان يومئذ اي حين يرى تلك القلاقل المزعجات اين المفر؟ اي اين الخلاص مما طرقنا والم بنا وزر الى ربك يومئذ اي لا ملجأ لاحد دون الله الى ربك يومئذ المستقر لسائر العباد. فليس في امكان احد ان يستتر او يهرب عن ذلك الموضع. بل لا بد من ايقافه يجزى بعمله ولهذا قال اي بجميع عمله الحسن والسيء في اول وقته واخره. وينبأ بخبر لا ينكره اي شاهدا ومحاسبا. فانها معاذير لا تقبل يقرر بعمله فيقر به. كما قال تعالى اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا. فالعبد وان انكر او اعتذر عما عمله فانكاره واعتذاره لا يفيدانه شيئا. لانه يشهد عليه سمعه وبصره. وجميع جوارحه بما كان ولان استعتابه قد ذهب وقته وزال نفعه. فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا جاءه جبريل بالوحي وشرع في تلاوته عليه بادره النبي صلى الله عليه وسلم من الحرص قبل ان يفرغ. وتلاه مع تلاوة جبريل اياه. فنهاه الله عن هذا. وقال ولا بالقرآن من قبل ان يقضى اليك وحيه. وقال هنا ثم ضمن له تعالى انه لابد ان يحفظه ويقرأه ويجمعه الله في صدره. فقال فاذا قرأناه فاتبع قرآنه. فالحرص الذي في خاطرك انما الداعي له حذر الفوات والنسيان. فاذا ضمنه الله لك فلا موجب لذلك. اي اذا اكمل جبريل ما يوحى اليك. فحينئذ اتبع فقرأه فاقرأه. اي بيان معانيه فوعده بحفظ لفظه وحفظ معانيه وهذا اعلى ما يكون. امتثل صلى الله عليه وسلم لادب ربه. فكان اذا تلى عليه جبريل القرآن بعد هذا انصت له اذا فرغ قرأ وفي هذه الاية ادب لاخذ العلم الا يبادر المتعلم للعلم قبل ان يفرغ المعلم من المسألة التي شرع فيها فاذا فرغ منها سأله عما اشكل عليه وكذلك اذا كان في اول الكلام ما يوجب الرد او الاستحسان الا يبادر برده او قبوله قبل الفراغ من ذلك الكلام ليتبين ما فيه من حق او باطل. وليفهمه فهما يتمكن فيه من الكلام فيه على وجه الصواب وفيها ان النبي صلى الله عليه وسلم كما بين للامة الفاظ الوحي فانه قد بين لها معانيه العاجلة وتذرون الاخرة. اي هذا الذي اوجب لكم الغفلة والاعراض عن وعظ الله وتذكيره. انكم تحبون العاجلة وتسعون فيما يحصلها وفي لذاتها وشهواتها وتؤثرونها على الاخرة. فتذرون العمل لها لان الدنيا نعيمها ولذاتها والانسان مولع بحب العاجل. والاخرة متأخر ما فيها من النعيم المقيم. فلذلك غفلتم عنها وتركتموها كأنكم لم تخلق وكأن هذه الدار هي دار القرار. الذي تبذل فيها نفائس الاعمار ويسعى لها اناء الليل والنهار. وبهذا انقلبت عليكم الحقيقة ثقة وحصل من الخسارة ما حصل فلو اثرتم الاخرة على الدنيا ونظرتم للعواقب نظر البصير العاقل لانجحتم وربحتم ربحا خسارة معه وفزتم فوزا لا شقاء يصحبه. ثم ذكر ما يدعو الى ايثار الاخرة ببيان حال اهلها وتفاوتهم فيها. فقال في جزاء المؤثرين للاخرة على الدنيا اي حسنة بهية لها رونق ونور مما هم فيه من نعيم القلوب وبهجة النفوس ولذة الارواح اي تنظر الى ربها على حسب مراتبهم. منهم من ينظره كل يوم بكرة وعشية. ومنهم من ينظره كل جمعة مرة واحدة فيتمتعون بالنظر الى وجهه الكريم وجماله الباهر الذي ليس كمثله شيء. فاذا رأوه نسوا ما هم فيه من من النعيم وحصل لهم من اللذة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه. ونظرت وجوههم وازدادوا جمالا الى جمالهم. فنسأل الله ان يجعلنا معهم وقال في المؤثرين العاجلة على الاجلة تظن ان يفعل بها فاقرة. اي معبسة كدرة خاشعة ذليلة اي عقوبة شديدة وعذاب اليم. فلذلك تغيرت وجوههم وعبست فاذا بلغت التراقي وقيل يعظ تعالى عباده بذكر المحتضر في حال السياق وانه اذا بلغت روحه التراقي. وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر. فحينئذ يشتد الكرب ويطلب كل وسيلة وسبب يظن ان يحصل بها الشفاء والراحة. ولهذا قال اي من يرقيه من الرقية لانه انقطعت امالهم من الاسباب العادية. فتعلقوا بالاسباب الالهية. ولكن القضاء والقدر اذا حتم وجاء فلا مرد له وظن انه الفراق للدنيا اي اجتمعت الشدائد والتفت. وعظم الامر وصعب الكرب. واريد ان تخرج الروح التي الفت البدن. ولم تزل فتساق الى الله تعالى حتى يجازيها باعمالها ويقررها بفعالها. فهذا الزجر الذي ذكره الله يسوق القلوب فالى ما فيه نجاتها ويزجرها عما فيه هلاكها. ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الايات لا يزال مستمرا على بغيه وكفره عناده. فلا صدق اي لا امن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر. والقدر خيره وشره. ولا صلى ولكن كذب بالحق في مقابلة التصديق وتولى عن الامر والنهي. هذا وهو مطمئن قلبه غير خائف من ربه بل يذهب الى اهله يتمطأ اي ليس على باله شيء. توعده بقوله اولى لك فاولى. وهذه كلمات وعيد كررها لتكرير وعيده. ثم ذكر الانسان بخلقه الاول فقال اي مهملا لا يؤمر ولا ينهى ولا ولا يعاقب هذا حسبان باطل. وظن بالله غير ما يليق بحكمته ثم كان علقة فخلق فسوى. ثم كان بعد المني علقة اي دما فخلق الله منها الحيوان فسوى اي اتقنه واحكمه اليس ذلك بقادر على ان يحيي اليس الذي خلق الانسان وطوره الى هذه الاطوار المختلفة؟ بقادر على ان يحيي الموتى بلى انه على كل شيء قدير. والله اعلم