فلم يتسخطوها جنة جامعة لكل نعيم. سالمة من كل مكدر ومنغص. وحريرا. كما قال تعالى لباسهم فيها حرير. ولعل الله انما خص الحرير لانه لباسهم الظاهر. الدال على حال صاحبه. متكئين فيها المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم. هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا ذكر الله في هذه السورة الكريمة اول حالة الانسان ومبتدأها ومتوسطها ومنتهاها. فذكر انه مر عليه طويل وهو الذي قبل وجوده وهو معدوم بل ليس مذكورا. ثم لما اراد الله تعالى خلقه خلق اباه ادم من ثم جعل نسله متسلسلا من نطفة امشاج اي ماء مهين مستقذر. نبتليه بذلك لنعلم هل يرى حاله الاولى ويتفطن لها ام ينساها وتغره نفسه. فانشأه الله وخلق له القوى الباطنة والظاهرة كالسمع والبصر وسائر الاعضاء فاتمها له وجعلها سالمة يتمكن بها من تحصيل مقاصده ثم ارسل اليه الرسل وانزل عليه الكتب. وهداه الطريق الموصلة الى الله. ورغبه فيها واخبره بماله عند الوصول الى الله. ثم اخبره بالطريق الموصلة الى الهلاك. ورهبه منها. واخبره بما له اذا سلكها وابتلاه بذلك فانقسم الناس الى شاكر لنعمة الله عليه. قائم بما حمله الله من حقوقه. والى كفور لنعمة الله عليه انعم الله عليه بالنعم الدينية والدنيوية فردها وكفر بربه. وسلك الطريق الموصلة الى الهلاك. ثم ذكر تعالى احال الفريقين عند الجزاء فقال اي انا هيأنا وارشدنا لمن كفر بالله وكذب رسله وتجرأ على المعاصي سلاسل في نار جهنم كما قال تعالى ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه. واغلالا تغل بها ايديهم الى اعناقهم. ويوثقون بها سعير اي نارا تستعر بها اجسامهم وتحرق بها ابدانهم. كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها العذاب وهذا العذاب دائم لهم ابدا. مخلدون فيه سرمدا واما الابرار وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من محبة الله ومعرفته والاخلاق الجميلة فبرت جوارحهم واستعملوها باعمال البر اخبر انهم يشربون من كأس اي شراب لذيذ من خمر قد مزج يبي كافور اي خلط بكافور ليبرده ويكسر حدته. وهذا الكافور في غاية اللذة قد سلم من كل مكدر ومنغص في كافور الدنيا فان الافة الموجودة في الاسماء التي ذكر الله انها في الجنة وهي في الدنيا تعدم في الاخرة. كما قال تعالى في سدر مخضوض وطلح منضود وازواج مطهرة لهم دار السلام عند ربهم وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين اي ذلك الكأس اللذيذ الذي يشربون به لا يخافون نفاده. بل له مادة لا تنقطع. وهي عين دائمة الفيضان والجريان فجرها عباد الله تفجيرا. النشاء وكيف ارادوا. فان شاءوا صرفوها الى البساتين الزاهرات. او الى الرياض الناضرات او بين جوانب القصور والمساكين المزخرفات. او الى اي جهة يرونها من الجهات المونقات. وقد ذكر جملة من اعمالهم في اولها هذه السورة فقال يوفون نذر اي بما الزموا به انفسهم لله من النذور والمعاهدات. واذا كانوا يوفون بالنذر وهو لم يجب عليهم الا بايجابهم على انفسهم كان فعلهم وقيامهم للفروض الاصلية من باب اولى واحرى اي منتشرا فاشيا. فخافوا ان ينالهم شره. فتركوا كل سبب موجب لذلك ويطعمون الطعام على حبه اي وهم في حال يحبون فيها المال والطاعة عام لكنهم قدموا محبة الله على محبة نفوسهم. ويتحرون في اطعامهم اولى الناس واحوجهم ويقصدون بانفاقهم واطعامهم وجه الله تعالى. ويقولون بلسان الحال يطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. اي لا جزاء ولا ثناء قوليا. انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا. انا نخاف من ربنا يوما عبوسا اي شديد الجهمة والشر. قمطريرا اي ضنكا ضيقا. فوقاهم الله شر ذلك فوقاهم الله شر ذلك اليوم فلا يحزنهم الفزع الاكبر سقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون. ولقاهم اي اكرمهم واعطاهم نظرة في وجوههم سرورا في قلوبهم فجمع لهم بين نعيم الظاهر والباطن قراء وجزاهم بما صبروا على طاعة الله. فعملوا ما امكنهم منها وعن معاصي الله فتركوها. وعلى اقدار الله المؤلمة لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا متكئين فيها على الارائك الاتكاء التمكن من الجلوس في حال الرفاهية والطمأنينة والارائك هي السرر التي عليها اللباس المزين. لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرة. لا يرون فيها اي في الجنة شمسا يضرهم حرها ولا زمهريرا. اي بردا شديدا. بل جميع اوقاتهم في ظل ظليل. لا حر ولا برد. بحيث تلتذ به في الاجساد ولا تتألم من حر ولا برد اي قربت ثمراتها من مريدها تقريبا ينالها وهو قائم او قاعد او مضطجع ويطاف على اهل الجنة اي يدور عليه الخدم والولدان قواريرا من فضة اي مادتها من فضة. وهي على صفاء القوارير وهذا من اعجب الاشياء ان تكون الفضة الكثيفة من صفاء جوهرها وطيب معدنها على صفاء القوارير اي قدروا الاواني المذكورة على قدر ريهم. لا تزيد ولا تنقص. لانها لو زادت نقصت لذتها ولو لم تفي بريهم. ويحتمل ان المراد قدرها اهل الجنة بنفوسهم بمقدار يوافق لذتهم. فاتتهم على كما قدروا في خواطرهم. ويسقون فيها اي في الجنة من كأس وهو الاناء المملوء من خمر ورحيق. كان مزاجها اي خلطها زنجبيلا. ليطيب طعمه وريحه. عينا فيها اي في الجنة اما سلسبيلا سميت بذلك بسلاستها ولذتها وحسنها اذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤ ويطوف على اهل الجنة في طعامهم وشرابهم وخدمتهم ولدان مخلدون. اي خلقوا من الجنة للبقاء. لا يتغيرون ولا يكبرون. وهم في غاية الحسن اذا رأيتهم منتشرين في خدمتهم حسبتهم من حسنهم لؤلؤا منثورا وهذا من تمام لذة اهل الجنة. ان يكون خدامهم الولدان المخلدون. الذين تسر رؤيتهم ويدخلون على مساكنهم امنين من تبعتهم. ويأتونهم بما يدعون وتطلبه نفوسهم واذا رأيت ثم اي هناك في الجنة ورمقت ما هم فيه من النعيم. ارأيت نعيما وملكا كبيرا. فتجد الواحد منهم عندهم من القصور والمساكن والغرف المزينة المزخرفة. ما لا يدركه الوصف. ولديه من البساتين الزاهرة والثمار الدانية. والفواكه الذي ايه ده والانهار الجارية والرياض المعجبة والطيور المطربة الشجية ما يأخذ بالقلوب ويفرح النفوس. وعندهم من الزوجات اللاتي هن في غاية الحسن والاحسان. الجامعات لجمال الظاهر والباطن. الخيرات الحسان. ما يملأ القلب سرور ولذة وحبورا وحوله من الولدان المخلدين. والخدم المؤبدين ما به تحصل الراحة والطمأنينة. وتتم لذة العيش وتكمن الغبطة. ثم علاوة ذلك ومعظمه الفوز برؤية الرب الرحيم. وسماع خطابه ولذة قربه برضاه والخلود الدائم وتزايد ما هم فيه من النعيم كل وقت وحين. فسبحان الملك المالك الحق المبين الذي لا تنفذ خزائنه ولا يقل خيره. فكما لا نهاية لاوصافه. فلا نهاية لبره واحسانه يابسندس خضر واستبرق وحلوا اساور من فضة وسقاء عاليهم ثياب سندس خضر. اي قد جللتهم ثياب السندس والاستبرق الاخضران اللذان هما اجل انواع الحرير. فالسندس ما غلظ من الديباج والاستبرق ما رق منه من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا. وحلوا اساور من فضة. اي حلوا وفي ايديهم اساور الفضة ذكورهم واناثهم. وهذا وعد وعدهم الله وكان وعده مفعولا. لانه لا اصدق منه قيلا ولا حديث وقوله وسقاهم ربهم شرابا طهورا اي لا كدر فيه بوجه من مطهرا لما في بطونه من كل اذى وقذى ان هذا الجزاء الجزيل والعطاء الجميل. كان لكم جزاء على ما اسلفتموه من الاعمال انا سعيكم مشكورا. اي القليل منه يجعل الله لكم به من النعيم المقيم ما لا يمكن حصره وقوله تعالى لما ذكر نعيم الجنة انا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا. فيه الوعد والوعيد وبيان كل ما يحتاجه العباد وفيه الامر بالقيام باوامره وشرائعه اتم القيام. والسعي في تنفيذها والصبر على ذلك. ولهذا قال اصبر لحكمه القدري فلا تسخطه ولحكمه الديني فامض عليه ولا يعوقك عنه عائق. ولا تطع من المعاندين الذين يريدون ان يصدوك اثما اي فاعلا اثما ومعصية ولا كفورا. فان طاعة الكفار والفجار والفساق لابد ان تكون في المعاصي فلا يأمرون الا بما تهواه نفوسهم. ولما كان الصبر يساعده القيام بعبادة الله. والاكثار من ذكره امره الله بذلك فقال والتر اسم ربك بكرة واصيلا. اي اول النهار واخره فدخل في ذلك الصلوات المكتوبات وما يتبعها من النوافل. والذكر والتسبيح والتهليل والتكبير في هذه الاوقات ومن الليل فاسجد له. اي اكثر له من السجود. ولا يكون ذلك الا بالاكثار من الصلاة وقد تقدم تقييد هذا المطلق بقوله يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا وقوله ان هؤلاء يحبون العاجلة ان هؤلاء اي المكذبين لك ايها الرسول بعدما بينت لهم الايات ورغبوا ورهبوا ومع ذلك لم يفد فيهم ذلك شيئا بل لا يزالون يؤثرون العاجلة ويطمئنون اليها ويذرون ان يتركون العمل لو يهملون وراءهم اي امامهم يوما ثقيلا. وهو يوم القيامة الذي مقداره خمسون الف سنة مما تعدون وقال تعالى يقول الكافرون هذا يوم عسر. فكأنهم ما خلقوا الا للدنيا والاقامة فيها. ثم استدل عليهم وعلى فبعثهم بدليل عقلي وهو دليل الابتداء فقال نحن خلقناهم وشددنا اسرهم واذا شئنا بدلنا نحن خلقناهم اي اوجدناهم من العدم وشددنا اسرهم اي احكمنا خلقتهم الاعصاب والعروق والاوتار والقوة الظاهرة والباطنة. حتى تم الجسم واستكمل. وتمكن من كل ما يريده. فالذي اوجدهم على هذه الحالة قادر على ان يعيدهم بعد موتهم لجزائهم. والذي نقلهم في هذه الدار الى هذه الاطوار لا يليق به ان اتركهم سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون. ولهذا قال اي انشأناكم للبعث نشأة اخرى. واعدناكم باعيانكم وهم بانفسهم امثالهم ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا. ان هذه تذكرة. ايتذكر بها المؤمن فينتفع بما فيها من التخويف والترغيب. اي طريقا اليه فالله يبين الحق والهدى. ثم يخير الناس بين الاهتداء بها او النفور عنها. مع قيام الحجة عليهم. ومات تشاؤون الا ان يشاء الله. فان مشيئة الله نافذة. ان الله كان عليما فله الحكمة في هداية المهتدي واضلال الضال. فيختار خصه بعنايته ويوفقه لاسباب السعادة. ويهديه لطرقها والظالمين الذين اختاروا الشقاء على الهدى آآ بظلمهم وعدوانهم