المكتبة السمعية للعلامة المفسر الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. يسر فريق مشروع كبار العلماء ان يقدم قراءة تفسير السعدي. بسم الله الرحمن الرحيم فيه مختلفون اي عن اي شيء يتساءل المكذبون بايات الله ثم بين ما يتساءلون عنه فقال العظيم الذي هم فيه مختلفون. اي عن الخبر العظيم الذي قال فيه نزاعهم وانتشر فيه خلافهم على وجه التكذيب والاستبعاد. وهو النبأ الذي لا يقبل الشك ولا يدخله الريب. ولكن المكذبون بلقاء ربهم لا يؤمنون. ولو جاءك كل اية حتى يروا العذاب الاليم. ولهذا قال اي سيعلمون اذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون. حين يدعون الى نار جهنم دعا. ويقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون. ثم بين تعالى النعم والادلة الدالة على صدق ما اخبرت به الرسل. فقال اي اما انعمنا عليكم بنعم جليلة فجعلنا لكم الارض مهادا اي ممهدة مهيئة لكم ولمصالحكم من الحروث والمساكن والسبل والجبال اوتادا تمسك الارض لئلا تضطرب بكم وتميد. اي ذكورا واناث من جنس واحد ليسكن كل منهما الى الاخر. فتكون المودة والرحمة وتنشأ عنهم الذرية. وفي ضمن هذا بلذة المنكح جعلنا نومكم سباتا اي راحة لكم وقطعا لاشغالكم التي متى تمادت بكم اضرت بابدانكم فجعل الله الليل والنوم الناس تنقطع حركاتهم الضارة وتحصل راحتهم النافعة وبنينا فوقكم سبعا شدادا اي سبع سماوات في غاية بالقوة والصلابة والشدة. وقد امسكها الله بقدرته وجعلها سقفا للارض. فيها عدة منافع لهم. ولهذا ذكر من منافعها شمس فقال نبه بالسراج على النعمة بنورها الذي صار كالضرورة للخلق وبالوهاج الذي فيه الحرارة على حرارتها وما فيها من المصالح وانزلنا من المعصرات. اي السحاب ماء فجاجا. اي كثيرا جدا لنخرج به حبا من بر وشعير وذرة وارز وغير ذلك مما يأكله الادميون ونباتا يشمل سائر النبات الذي جعله الله قوتا لمواشيهم اي بساتين ملتفة فيها من جميع اصناف الفواكه اللذيذة. فالذي انعم عليكم بهذه النعم العظيمة التي لا يقدر قدرها ولا يحصى عددها. كيف تكفرون به وتكذبون ما اخبركم به من البعث والنشور؟ ام كيف تستعينوا بنعمه على معاصيه وتجحدونها تعالى ما يكون في يوم القيامة الذي يتساءل عنه المكذبون ويجحده المعاندون انه يوم عظيم وان الله جعله ميقاتا للخلق يوم ينفق في الصور فتأتون افواجا. ويجري فيه من الزعازع والقلاقل ما يشيب له الوليد. وتنزعج له القلوب قلوب فتسير الجبال حتى تكون كالهباء المبثوث. وتشقق السماء حتى تكون ابوابا. ويفصل الله بين الخلائق بحكمه الذي لا يجور وتوقد نار جهنم التي ارصدها الله واعدها للطاغين. وجعلها مثوى لهم ومآبا. وانهم يلبثون فيها احسن كثيرة والحقب على ما قاله كثير من المفسرين ثمانون سنة. وهم اذا وردوها اي لا ما يبرد جلودهم ولا ما يدفع ظمأهم الا حميما اي ماء حارا يشوي وجوههم ويقطع امعائهم وغساقا. وهو صديد اهل النار. الذي هو في غاية النتن وكراهة المذاق وانما استحقوا هذه العقوبات الفظيعة جزاء لهم ووفاقا على ما عملوا من الاعمال الموصلة اليهم لم يظلمهم الله ولكن ظلموا انفسهم. ولهذا ذكر اعمالهم التي استحقوا بها هذا الجزاء. فقال اي لا يؤمنون بالبعث. ولا ان الله يجازي الخلق بالخير والشر. فلذلك اهملوا العمل للاخرة اي كذبوا بها تكذيبا واضحا صريحا. وجاءتهم البينات فعاندوها وكل شيء احصيناه كتابا. وكل شيء من قليل وكثير وخير وشر هذا اي كتبناه في اللوح المحفوظ. فلا يخشى المجرمون انا عذبناهم بذنوب لم يعملوها. ولا يحسبوا انه يضيع من اعمالهم شيء او ينسى منها مثقال ذرة. كما قال تعالى اوضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه. ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها. ووجدوا ما عملوا حاضرا. ولا يظلم ربك احدا فذوقوا ايها المكذبون هذا العذاب الاليم والخزي الدائم. وكل وقت وحين يزداد عذابهم وهذه الاية اشد الايات في شدة عذاب اهل النار اجارنا الله منها لما ذكر حال المجرمين ذكر مآل المتقين فقال ان للمتقين مفازا اي الذين اتقوا سخط ربهم بالتمسك بطاعته والانكفاف عما يكرهه فلهم مفاز ومنجى وبعد عن النار. وفي ذلك المفاز لهم حدائق وهي البساتين الجامعة لاصناف الاشجار الزاهية في الثمار التي تتفجر بين خلالها الانهار. وخص الاعناب لشرفه وكثرته في تلك الحدائق. ولهم فيها زوجات على مطالب النفوس كواعب وهي النواهد التي لم تتكسر ثديهن من شبابهن وقوتهن ونضارتهن تراب اللاتي على سن واحد متقارب. ومن عادة الاتراب ان يكن متآلفات متعاشرات. وذلك السن الذي هن فيه وثلاثون سنة في اعدل سن الشباب. اي مملوءة من رحيق لذة للشاربين. لا ايسمعون فيها لغوا ولكن لا يسمعون فيها لغوا اي كلاما لا فائدة فيه ولا كذابا اي اثما كما قال تعالى لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما الا قيلا سلاما سلاما. وانما اعطاهم الله وهذا الثواب الجزيل من فضله واحسانه امن ربك لهم اي بسبب اعمالهم التي وفقهم الله لها وجعلها ثمنا لجنات ونعيمها الذي اعطاهم هذه العطايا هو ربهم رب السماوات والارض الذي خلقها ودبرها الرحمن الذي رحمته وسعت كل شيء فرباهم ورحمهم ولطف بهم حتى ادركوا ما ادركوا صفا لا يتكلمون. لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا ثم ذكر عظمته وملكه العظيم يوم القيامة. وان جميع الخلق ذلك اليوم ساكتون لا يتكلمون الا من اذن له الرحمن وقال صوابا. فلا يتكلم احد الا بهذين الشرطين. ان يأذن الله له في الكلام وان يكون ما تكلم به صوابا. لان ذلك اليوم هو الحق الذي لا يروج فيه الباطل. ولا ينفع فيه الكذب. وفي ذلك اليوم يقوم الروح وهو جبريل وعليه السلام الذي هو اشرف الملائكة والملائكة ايضا يقوم الجميع صفا خاضعين لله لا يتكلمون الا بما اذن لهم الله به. فلما رغب ورهب وبشر وانذر. قال اي عملا وقدم صدق يرجع اليه يوم القيامة لانه قد ازف مقبلا. وكل ما هو ات فهو قريب يوم ينظر المرء ما قدمت يداه. اي هذا الذي يهمه ويفزع اليه. فلينظر في هذه الدنيا اليه. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون. فان وجد خيرا فليحمد الله وان وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه. ولهذا كان الكفار يتمنون الموت من شدة الحسرة والندم. نسأل الله ان يعافينا من الكفر والشر كله انه جواد كريم